العودة الى الصفحة السابقة
شرح رسالة يوحنا الثانية

شرح رسالة يوحنا الثانية

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

للدكتور وليم إدي


Bibliography

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل: شرح رسالة يوحنا الثانية. للدكتور وليم إدي . Copyright © 2013 All rights reserved Call of Hope. . صدر عن مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بيروت 1973. . English title: . German title: . Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 D - 70007 Stuttgart Germany http: //www.call-of-hope.com .

مقدمة

تفتقر خزانة الأدب المسيحي إلى مجموعة كاملة من التفاسير لكتب العهدين القديم والجديد. ومن المؤسف حقاً أنه لا توجد حالياً في أية مكتبة مسيحية في شرقنا العربي مجموعة تفسير كاملة لأجزاء الكتاب المقدس. وبالرغم من أن دور النشر المسيحية المختلفة قد أضافت لخزانة الأدب المسيحي عدداً لا بأس به من المؤلفات الدينية التي تمتاز بعمق البحث والاستقصاء والدراسة، إلا أن أياً من هذه الدور لم تقدم مجموعة كاملة من التفاسير، الأمر الذي دفع مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بالإسراع لإعادة طبع كتب المجموعة المعروفة باسم: «كتاب السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم» للقس وليم مارش، والمجموعة المعروفة باسم «الكنز الجليل في تفسير الإنجيل» وهي مجموعة تفاسير كتب العهد الجديد للعلامة الدكتور وليم إدي.

ورغم اقتناعنا بأن هاتين المجموعتين كتبتا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلا أن جودة المادة ودقة البحث واتساع الفكر والآراء السديدة المتضمنة فيهما كانت من أكبر الدوافع المقنعة لإعادة طبعهما.

هذا وقد تكرّم سينودس سوريا ولبنان الإنجيلي مشكوراً - وهو صاحب حقوق الطبع - بالسماح لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى بإعادة طبع هاتين المجموعتين حتى يكون تفسير الكتاب في متناول يد كل باحث ودارس.

ورب الكنيسة نسأل أن يجعل من هاتين المجموعتين نوراً ونبراساً يهدي الطريق إلى معرفة ذاك الذي قال: «أنا هو الطريق والحق والحياة».

القس ألبرت استيرو

الأمين العام

لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى

المقدمة

الكاتب

اتفق كل مؤرخي الكنيسة في كل عصر على أن كاتب هاتين الرسالتين يوحنا كاتب البشارة والرسالة الأولى. ويوافق ذلك المشابهة القوية بينهما وبين ما ذُكر. ونُسبتا إلى «الشيخ» وهذا يوافق أن الكاتب يوحنا أنه لم يذكر اسمه في البشارة ولا في الرسالة الأولى. ولم نتحقق علّة تلقيب نفسه «بالشيخ» أكِبَر سنه هي أم مقامه في الكنيسة والمرجح الأول. ومما يدل على أنه هو كاتبها إن الألفاظ الخاصة التي استعملها في الرسالة الأولى وردت فيهما ومن ذلك ما في الأولى «عرفوا الحق» (ع 1) «والثبوت في الحق والمحبة» (ع 3) و «سالكين في الحق» (ع 4) و «الوصية التي كانت عندنا من البدء» (ع 5) و «هذه هي المحبة» و «كما سمعتم من البدء» (2يوحنا 6 و1يوحنا 3: 11 و3: 11 و23). و «قد دخل إلى العالم مضلون» (ع 7 و1يوحنا 2: 18). و «لا يعترفون بيسوع المسيح آتياً في الجسد» (ع 7 و1يوحنا 4: 1 و2) و «من لم يثبت في تعليم المسيح فليس له الله» (ع 9 و1يوحنا 2:13) (ع 12 و1يوحنا 2: 23) و «لكي يكون فرحنا كاملاً» (ع 12 و1يوحنا 1: 4). ومنه ما في الثالثة «أحبه بالحق» (ع 1) و «تسلك في الحق» و «يسلكون في الحق» (ع 3 و4) و «لم يبصر الله» (ع 11 و1يوحنا 3: 6 و10).

في من كتبت إليه

كُتبت الرسالة الثانية إلى إمرأة مسيحية لم نتحقق اسمها ولعل علّة كتمه الاسم إن ذكره يعرضها لاضطهاد الحكومة الرومانية. وكانت أم أولاد مؤمنين مشهورة بإضافة الغرباء. وكُتبت الثالثة إلى غايس مدحه الرسول فيها على غيرته للكنيسة والمبشرين فيها.

زمان كتابتهما ومكانهما

المرجح إن ما يُقال على إحدى الثلاث يقال على الثلاث وهو أنها كُتبت في أفسس لأنها لو كُتبت في جزيرة بطمس لذكر فيه ما يشير إلى الحجر عليه فيها.

غاية الرسالة الثانية وأقسامها

كان الرسول في موضع سكنه بعض أولاد امرأة مسيحية فكتب إليها وإلى بعض الأولاد الذين معها هذه الرسالة. وذكر فيها مؤاساته لها وسروره بإيمان أهل بيتها. وأنذرها من سوء تعليم المعلمين الكاذبين. وفيها إيضاحات ذات شأن في المحبة وفي «ضد المسيح» وفي المؤمنين الحقيقيين والكاذبين. وتعاليم مهمة في معاملة الذين يُعلّمون ما يعلمون أنه ضلال. وهي ثلاثة أقسام التحية (ع 1 - 3) ونصح وإنذار (ع 4 - 11). وخاتمة (ع 12 و13).

رسالة يوحنا الرسول الثانية

التحيّة ع 1 إلى 3

في هذا الفصل التحيّة الرسولية المعتادة طلب بها النعمة والرحمة والسلام من الله الآب والرب يسوع المسيح لمن يخاطبهم مع بعض ما يوافق أحوالهم. وهي تشبه تحيّة بولس في رسالته إلى الغلاطيين فإن معها بعض ما يوافق أحوالهم.

1 «اَلشَّيْخُ، إِلَى كِيرِيَّةَ ٱلْمُخْتَارَةِ، وَإِلَى أَوْلاَدِهَا ٱلَّذِينَ أَنَا أُحِبُّهُمْ بِٱلْحَقِّ، وَلَسْتُ أَنَا فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً جَمِيعُ ٱلَّذِينَ قَدْ عَرَفُوا ٱلْحَقَّ».

3يوحنا 1 و1بطرس 5: 1 وأعمال 11: 30 ع 5 و13 ورومية 16: 13 و1بطرس 5: 13 و1يوحنا 3: 18 و3يوحنا 1 ع 3 ويوحنا 8: 32 و1تيموثاوس 2: 4

اَلشَّيْخُ أي الرسول يوحنا فلقب نفسه بهذا لأنه كان قد طعن في السن ولمقامه في الكنيسة والأرجح أنه لم يحتج إلى هذا اللقب إلا ليُعرف عند كل كنائس أسيا. وكان الرسل يُعتبرون في الكنائس الأولى «شيوخاً» علاوة على مقامهم بنسبتهم الأبوية إليها والإشارة إلى أنهم رفقاء المسيح (1بطرس 5: 1). والمرجح أنه لم يستحسن أن يذكر اسمه خوفاً على نفسه وحامل رسالته من خطر تلك الأيام.

كِيرِيَّةَ ٱلْمُخْتَارَةِ اختلف المفسرون في هذه العبارة فذهب بعضهم إلى أنه يُراد بها شخص واحد اسمه كيرية وبعضهم إلى أنه ليس اسم علم بل اسم معناه سيدة فيكون يوحنا قد كتب إلى سيدة مختارة أو إلى إحدى المؤمنات المجهولة الاسم ويظن بعضهم أن المراد به جماعة وأنها لُقبت «بكيرية المختارة» باعتبار كون تلك الجماعة والكنيسة عروس المسيح ولكن لا شيء يدل أن كيرية مستعارة للكنيسة فالأرجح أنها سيدة مسيحية معتبرة ذات عائلة كبيرة.

وَأَوْلاَدِهَا الأرجح أنه استعمل «الأولاد» هنا للأولاد الحقيقيين وكذا في (ع 4 و13) كما استعمل ذلك بولس في (1تيموثاوس 3: 4).

ٱلَّذِينَ أَنَا أُحِبُّهُمْ بِٱلْحَقِّ يريد الأم وأولادها. وصرّح بأن اعتباره إياهم يستحق أن يسمى «محبة» لأنها مختارة من الله على وفق قوله إنه «مَنْ يُحِبُّ ٱلْوَالِدَ يُحِبُّ ٱلْمَوْلُودَ مِنْهُ أَيْضاً» (1يوحنا 5: 1). فأعلن أن محبته بالحق لا بمجرد الكلام بتحذيره إياهم في هذه الرسالة وأنها مبنية على حق الإنجيل فضلاً عن كونها حقاً.

وَلَسْتُ أَنَا فَقَطْ الخ هذا يدل على أن تلك السيدة وأولادها معروفون ومكرمون بين الناس كما كان غايس المذكور في الرسالة الثالثة في وطنه. وقوله «الذين يعرفون الحق» يدل على أنهم عرفوا المسيح الذي هو الحق بالاختبار (يوحنا 14: 7) وإنهم قبلوا تعليمه (يوحنا 1: 17) ويميز بين الذين يعرفون الحق والمعلمين الكاذبين الذي قصد أن يحذّرهم منهم.

2 «مِنْ أَجْلِ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي يَثْبُتُ فِينَا وَسَيَكُونُ مَعَنَا إِلَى ٱلأَبَدِ».

2بطرس 1: 12 و1يوحنا 1: 8 ويوحنا 14: 16

مِنْ أَجْلِ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي يَثْبُتُ فِينَا هذا يبين أن الاعتراف بالإيمان المشترك هو ركن محبة بعض الإخوة لبعض وإن تمسكهم بهذا الإيمان دليل على تقواهم. وأبان الرسول شركته معهم في الإيمان بما قاله في (1يوحنا 2: 27) بتغيير الضمير فإنه قال هناك «يثبت فيكم» وقال هنا «يثبت فينا». والحق يثبت في قلوب المؤمنين كأنها مسكنه الدائم فيجعل محبة بعضهم لبعض حقيقية.

وَسَيَكُونُ مَعَنَا إِلَى ٱلأَبَدِ إن المسيح لا يفارق ما يسكن فيه من القلوب إلا إذا تركته قبلاً وما صدق على المسيح يصدق على حقه ونعمته (1يوحنا 2: 17).

3 «تَكُونُ مَعَكُمْ نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَسَلاَمٌ مِنَ ٱللّٰهِ ٱلآبِ وَمِنَ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱبْنِ ٱلآبِ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمَحَبَّةِ».

1تيموثاوس 1: 2 ورومية 1: 7

نِعْمَةٌ رضى الله الذي يستلزم كل بركة روحية (أفسس 2: 3 - 10) ويؤكد محبة الله المجانية وعجز الإنسان عن أن يفعل ما يستحقه به.

رَحْمَةٌ شفقة الله على الإنسان في خطيته وشقائه التي تحمل الله على إظهار نعمته له بمغفرة خطاياه وإجابة صلواته (مزمور 103: 3 - 18 ولوقا 10: 30 - 37).

سَلاَمٌ السلام نتيجة حلول النعمة والرحمة في القلب والمصالحة لله مما ينشئ راحة الضمير فلا يبكت الله صاحبه ولا الإنسان (يوحنا 14: 27 و16: 38 ورومية 5: 1 وكولوسي 3: 15). وأتى بولس بمثل هذا الدعاء في (1تيموثاوس 1: 2 و2تيموثاوس 1: 2) وطلب «النعمة والسلام» فقط في سائر رسائله وعليهما اقتصر بطرس بدعائه في (1بطرس 1: 2 و2بطرس 1: 2 ) وأتى يوحنا بهذا في (رؤيا 1: 4).

مِنَ ٱللّٰهِ ٱلآبِ وَمِنَ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱبْنِ ٱلآبِ اعتبر الرسول تلك المواهب آتية من الآب بواسطة الابن وأظهر الرسول بهذا التمييز بين الأقنومين المساواة معاً بدليل تكرار لفظة «من».

بِٱلْحَقِّ وَٱلْمَحَبَّةِ إضافة هذا إلى الطلبة تبين ثقة الرسول بأنهم بتمسكهم بحق الإنجيل وشركة المحبة يحصل هو وهم على تلك البركات.

نصح وتحذير ع 4 إلى 11

4 «فَرِحْتُ جِدّاً لأَنِّي وَجَدْتُ مِنْ أَوْلاَدِكِ بَعْضاً سَالِكِينَ فِي ٱلْحَقِّ، كَمَا أَخَذْنَا وَصِيَّةً مِنَ ٱلآب».

3يوحنا 3

مدح الرسول أمانة بعض أولاد كيريّة واتخذ ذلك وسيلة إلى نصحهم وتحذيرهم.

فَرِحْتُ جِدّاً لأَنِّي وَجَدْتُ مِنْ أَوْلاَدِكِ بَعْضاً سَالِكِينَ فِي ٱلْحَقِّ أشار إلى ما عرفه من سيرة أولادها وهم ساكنون في مكان غير المكان الذي هي ساكنة فيه ولم يقل كيف علم ذلك أبالمشاهدة في سفره أم بشهادة غيره. ولعل بعض أولادها أتى إلى أفسس وتعرّف به. وقوله «وجدت من أولادك بعضاً» يشير إلى أن ليس كلهم قَبِلَ الإنجيل أو أنه لم يعرف حال الباقين في هذا الشأن فمدح الأتقياء منهم لينشطهم في تقواهم. ومعنى «سالكين في الحق» أنهم عائشون كما يليق بالمسيحيين الذين آمنوا بالحق وسلكوا بمقتضى قوانينه.

كَمَا أَخَذْنَا وَصِيَّةً مِنَ ٱلآبِ معتبراً الآب مصدر كل شريعة إنجيلية وإنهم تحت سلطته. وهذا موافق لقول المسيح «هذه الوصية أخذتها من أبي» لفظاً ومعنىً (يوحنا 10: 18 ورؤيا 2: 27) وذُكرت هذه الوصية في (1يوحنا 3: 23).

5 «وَٱلآنَ أَطْلُبُ مِنْكِ يَا كِيرِيَّةُ، لاَ كَأَنِّي أَكْتُبُ إِلَيْكِ وَصِيَّةً جَدِيدَةً، بَلِ ٱلَّتِي كَانَتْ عِنْدَنَا مِنَ ٱلْبَدْءِ: أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً».

1يوحنا 2: 7 و1يوحنا 3: 11

وَٱلآنَ بناء على هذا الفرح وعلى أمل أن يكون دائماً.

أَطْلُبُ مِنْكِ يَا كِيرِيَّةُ أو أيتها السيدة.

لاَ كَأَنِّي أَكْتُبُ إِلَيْكِ وَصِيَّةً جَدِيدَةً (1يوحنا 2: 7) لعل المعلمين الكاذبين جعلوا العلم من أهم الأمور وغفلوا عن الواجبات الأدبية كالمحبة التي هي الفضيلة العظمى. ولعل بعض أولادها لم يسلك في المحبة وإن بعضهم سلك فيها. فاعتبر أنها قبلت الإنجيل وعرفت الوصية التي هي خلاصة الإنجيل.

بَلِ ٱلَّتِي كَانَتْ عِنْدَنَا مِنَ ٱلْبَدْءِ أي منذ سمعنا الإنجيل. وبقوله «عندنا» اعتبر أنه هو شريكها في إيمان الإنجيل.

أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً هذا وصية المسيح في (يوحنا 15: 12 و17) فأحب الرسول (الذي أحبه يسوع) أن يذكرها في شيخوخته وطلب من السيدة كما طلب من كل المؤمنين أن تسلك في سنن المحبة لأنها تشتمل على كل الفضائل وتستلزم الإيمان (الذي هي مبنية عليه) والطهارة (لأن الذي يحب الله يشبه الله وقد خلع الإنسان العتيق) وإنكار النفس (لأن المحب يؤثر نفع المحبوب على نفع نفسه فمحب الله يؤثر إرادة الله على إرادته) والتواضع (لأن المحبة تستلزم الاتكال على الله فيؤثر المحب إكرام غيره على إكرام نفسه).

6 «وَهٰذِهِ هِيَ ٱلْمَحَبَّةُ، أَنْ نَسْلُكَ بِحَسَبِ وَصَايَاهُ. هٰذِهِ هِيَ ٱلْوَصِيَّةُ، كَمَا سَمِعْتُمْ مِنَ ٱلْبَدْءِ أَنْ تَسْلُكُوا فِيهَا».

1يوحنا 2: 5 و5: 3 و1يوحنا 2: 24

وَهٰذِهِ هِيَ ٱلْمَحَبَّةُ، أَنْ نَسْلُكَ بِحَسَبِ وَصَايَاهُ أي إن السلوك بمقتضى الوصية أفضل تفسير لها. وقوله هنا يصدق على المحبة لله والمحبة للناس بدليل قوله «فَإِنَّ هٰذِهِ هِيَ مَحَبَّةُ ٱللّٰهِ: أَنْ نَحْفَظَ وَصَايَاهُ» (1يوحنا 5: 3). وقوله «بِهٰذَا قَدْ عَرَفْنَا ٱلْمَحَبَّةَ: أَنَّ ذَاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لأَجْلِ ٱلإِخْوَةِ» (1يوحنا 3: 16). وقوله «هذه هي المحبة الخ» جمع بالوصية الأولى والعظمى كل وصايا المسيح لتلاميذه فإن المسيح أراد أن يمتاز شعبه عن سائر أهل العالم بحفظها بدليل قوله «بِهٰذَا يَعْرِفُ ٱلْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضاً لِبَعْضٍ» (يوحنا 13: 35).

أَنْ تَسْلُكُوا فِيهَا أي في المحبة. امتاز يوحنا عن سائر كتبة الوحي بأن جعل السلوك في المحبة وحفظ وصايا الله أمراً واحداً (1يوحنا 5: 2 و3).

7 «لأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ إِلَى ٱلْعَالَمِ مُضِلُّونَ كَثِيرُونَ، لاَ يَعْتَرِفُونَ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ آتِياً فِي ٱلْجَسَدِ. هٰذَا هُوَ ٱلْمُضِلُّ، وَٱلضِّدُّ لِلْمَسِيحِ».

1يوحنا 4: 1 و1يوحنا 4: 2 و2: 18 و19 و1يوحنا 2: 26

لأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ إِلَى ٱلْعَالَمِ مُضِلُّونَ كَثِيرُونَ الخوف من المعلمين الكاذبين حمل يوحنا على أن يحث المؤمنين أن يحب بعضهم بعضاً لأنه اعتبر هذه الوصية الوسيلة إلى الوقاية من الضلال وإن عدم الإيمان بناسوت المسيح مانع من محبة بعض المؤمنين لبعض. وكون أولئك المعلمين ضالين يستلزم أنهم مضلون وكونهم «قد دخلوا في العالم» يشير إلى أنهم خرجوا من الكنيسة لينشروا ضلالهم بين الناس.

لاَ يَعْتَرِفُونَ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ آتِياً فِي ٱلْجَسَدِ هذا هو ضلال الغنوسيين فإنهم أنكروا أن يسوع هو المسيح واعتقدوا أنه مجرد إنسان وأن تجسد ابن الله مستحيل (انظر تفسير 1يوحنا 4: 2 و3). فدين المسيح يوجب على كل من يعرفون الحق أن يعترفوا به وعدم الاعتراف بأمر جوهري كتجسد المسيح مثل إنكاره. ولم يقل الرسول أن يسوع المسيح أتى في الجسد بل «آتياً» فكأنه قال ظهر المسيح في الجسد على الأرض قبلاً وهو ظاهر فيه الآن في السماء وسيظهر فيه أيضاً على الأرض.

هٰذَا هُوَ ٱلْمُضِلُّ، وَٱلضِّدُّ لِلْمَسِيحِ فإنكار ناسوت المسيح إحدى العلامات التي بها يعرف المضل وهي دليل قاطع بدليل قوله «مَنْ هُوَ ٱلْكَذَّابُ، إِلاَّ ٱلَّذِي يُنْكِرُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ؟ هٰذَا هُوَ ضِدُّ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي يُنْكِرُ ٱلآبَ وَٱلابْنَ» (1يوحنا 2: 22). وقد ذُكر «ضد المسيح» في (1يوحنا 2: 18).

8 «ٱنْظُرُوا إِلَى أَنْفُسِكُمْ لِئَلاَّ نُضَيِّعَ مَا عَمِلْنَاهُ، بَلْ نَنَالُ أَجْراً تَامّاً».

مرقس 13: 9 وعبرانيين 10: 35 و1كورنثوس 3: 8

ٱنْظُرُوا إِلَى أَنْفُسِكُمْ هذا تحذير للسيدة وأولادها فإذا تحققنا خطر ضلال وجب علينا أولاً أن نحترس من أن نقع فيه. وهذا مثل تحذير المسيح لتلاميذه (مرقس 13: 9).

لِئَلاَّ نُضَيِّعَ مَا عَمِلْنَاهُ خشي الرسول من أن تذهب أتعابه وأتعاب سائر الرسل بينهم باطلاً فيخسروا الفوائد التي ينتظرونها من نموهم في الإيمان والرجاء والمحبة وسائر الفضائل المسيحية. فاعتبر أثمار أتعابه وأتعابهم كوزنات سُلموها لكي يتاجروا بها.

بَلْ نَنَالُ أَجْراً تَامّاً سيعطيه الديّان العادل في اليوم الأخير بمقتضى وعده ويناله الأمناء الثابتون (متّى 5: 12 ويوحنا 4: 36 و1كورنثوس 3: 8 ورؤيا 11: 18 و22: 12). ولكنهم ينالون في هذا العالم جزءاً من هذا الأجر كالسلام وراحة الضمير والفرح التي تنشأ من سلوكهم في الحق والمحبة.

9 «كُلُّ مَنْ تَعَدَّى وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَعْلِيمِ ٱلْمَسِيحِ فَلَيْسَ لَهُ ٱللّٰهُ. وَمَنْ يَثْبُتْ فِي تَعْلِيمِ ٱلْمَسِيحِ فَهٰذَا لَهُ ٱلآبُ وَٱلابْنُ جَمِيعاً».

يوحنا 8: 31 و7: 16 و1يوحنا 2: 23 و3يوحنا 9

كُلُّ مَنْ تَعَدَّى وَلَمْ يَثْبُتْ يقوم التعدي بعدم الثبوت.

فِي تَعْلِيمِ ٱلْمَسِيحِ الذي علّمه في شأن نفسه وسلّمه لتلاميذه لينادوا به.

فَلَيْسَ لَهُ ٱللّٰهُ الذي يدّعي أنه يعرفه حق المعرفة لأن الرسول قال «كُلُّ مَنْ يُنْكِرُ ٱلابْنَ لَيْسَ لَهُ ٱلآبُ أَيْضاً، وَمَنْ يَعْتَرِفُ بِٱلابْنِ فَلَهُ ٱلآبُ أَيْضاً» (1يوحنا 2: 23).

وَمَنْ يَثْبُتْ فِي تَعْلِيمِ ٱلْمَسِيحِ الخ الثبوت في تعليم المسيح الحق يستلزم معرفة الله كما هو معلن بنسبته إلى المسيح أي معرفة نسبة المسيح إلى الآب تستلزم معرفة نسبة الآب إلى المسيح. فمن له آراء صحيحة في المسيح له آراء صحيحة في الله الآب لشدة اتحاد الأقنومين. وتتبين شدة هذا الاتحاد من قول المسيح لفيلبس جواباً لقبول فيلبس «أَرِنَا ٱلآبَ وَكَفَانَا» «أَنَا مَعَكُمْ زَمَاناً هٰذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ أَرِنَا ٱلآبَ؟ أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي ٱلآبِ وَٱلآبَ فِيَّ» (يوحنا 14: 7 - 10).

10 «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِيكُمْ وَلاَ يَجِيءُ بِهٰذَا ٱلتَّعْلِيمِ، فَلاَ تَقْبَلُوهُ فِي ٱلْبَيْتِ، وَلاَ تَقُولُوا لَهُ سَلاَمٌ».

رومية 16: 17 و1ملوك 13: 16

إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِيكُمْ معلماً يدّعي السلطة ليدسّ التعليم الفاسد. واستعمل «إن» هنا للقطع فالمراد أنه لا بد من أن يأتي. فمجيء المضل بصورة المرشد الصديق خطر فعليهم أن يحذروا من قبول المعلمين المفسدين باعتبار كونهم ضيوفاً مكرمين لئلا يهينوا المسيح بقبولهم إياهم لأنهم ينكرونه.

فَلاَ تَقْبَلُوهُ فِي ٱلْبَيْتِ يظهر إن هذا النهي عن قسوة لكن يجب أن نذكر أن المنهي عن قبولهم هم ضد المسيح ينشرون بدعاً مهلكة إذ هم ينكرون الرب الذي اشتراهم (2بطرس 2: 1) فعليهم أن لا يقبلوا المعلم الكاذب كأخ.

وَلاَ تَقُولُوا لَهُ سَلاَمٌ أي لا تطلبوا أن ينجحوا في تعليمهم لأن محبة الناس والرغبة في نفعهم لا توجبان علينا أن نطلب نجاح المضل في نشر ضلاله الذي يؤدي إلى ضرر كنيسة المسيح.

11 «لأَنَّ مَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ يَشْتَرِكُ فِي أَعْمَالِهِ ٱلشِّرِّيرَةِ».

1تيموثاوس 5: 22 ويهوذا 23

هذا تعليل لنهيه عن قبول المعلمين الكاذبين وطلب سلامهم لأن قبولهم إياهم إظهار لرضاهم عن تعليمهم وتثبيت لهم في ضلالهم فيخطئون بذلك إلى الله والمسيح والكنيسة والحق ونفوسهم. وهذا يشبه قول بولس لتيموثاوس «لا تشترك في خطايا الآخرين».

كلام وداعي ع 12 و13

12 «إِذْ كَانَ لِي كَثِيرٌ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ، لَمْ أُرِدْ أَنْ يَكُونَ بِوَرَقٍ وَحِبْرٍ، لأَنِّي أَرْجُو أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ وَأَتَكَلَّمَ فَماً لِفَمٍ، لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُنَا كَامِلاً».

ع 12 و3يوحنا 13 و14 و1يوحنا 1: 4 ويوحنا 3: 29

إِذْ كَانَ لِي كَثِيرٌ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ يظهر من هذه الآية إن هذه الرسالة التي أُرسلت إلى السيدة وأولادها مستقلة عما قبلها لا تذييل لرسالته الأولى إذ فيها أنه فضلاً عن طلبته وتحذيره له أشياء كثيرة للكتابة وإنه متوقع بعد قليل فرصة الاجتماع والمحادثة.

بِوَرَقٍ أراد بهذا الورق المصنوع من البردي وهو المعروف في الغرب بالبابير المصري. ونبات البردي ينبت في مصر وسوريا وبابل وكان شائع الاستعمال في عصر يوحنا الرسول قبل اختراع الورق المعروف اليوم وكان ذلك الورق قد حل يومئذ محل الألواح الرصاصية والحجرية والرقوق.

وَحِبْرٍ وهو مصنوع من كَتَن وماء وقليل من الصمغ ليثبته على الورق ويقيه من أن يُمحى.

لأَنِّي أَرْجُو أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ كانت رسالته سابقة أمامه فتوقع يومئذ مشافهتهم لكي يتمثلوا سروراً ببيانه لها ما في قلبه ومعرفته ما في قلوبهم.

13 «يُسَلِّمُ عَلَيْكِ أَوْلاَدُ أُخْتِكِ ٱلْمُخْتَارَةِ. آمِينَ».

ع 1

أَوْلاَدُ أُخْتِكِ لا نعلم شيئاً من أمر هذه الأخت سوى أنها كانت مؤمنة ومختارة من الله. ونستنتج من عدم إرسال سلام أختها وسلام زوجها أنهما كانا قد تُوفيا أو سافرا وأن الرسول كان ضيفاً في بيت أولاد أختها.


Call of Hope 
P.O.Box 10 08 27 
D - 70007
Stuttgart
Germany