العودة الى الصفحة السابقة
شرح رسالة يوحنا الثالثة

شرح رسالة يوحنا الثالثة

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

للدكتور وليم إدي


Bibliography

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل: شرح رسالة يوحنا الثالثة. للدكتور وليم إدي . Copyright © 2013 All rights reserved Call of Hope. . صدر عن مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بيروت 1973. . English title: . German title: . Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 D - 70007 Stuttgart Germany http: //www.call-of- hope.com .

مقدمة

تفتقر خزانة الأدب المسيحي إلى مجموعة كاملة من التفاسير لكتب العهدين القديم والجديد. ومن المؤسف حقاً أنه لا توجد حالياً في أية مكتبة مسيحية في شرقنا العربي مجموعة تفسير كاملة لأجزاء الكتاب المقدس. وبالرغم من أن دور النشر المسيحية المختلفة قد أضافت لخزانة الأدب المسيحي عدداً لا بأس به من المؤلفات الدينية التي تمتاز بعمق البحث والاستقصاء والدراسة، إلا أن أياً من هذه الدور لم تقدم مجموعة كاملة من التفاسير، الأمر الذي دفع مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بالإسراع لإعادة طبع كتب المجموعة المعروفة باسم: «كتاب السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم» للقس وليم مارش، والمجموعة المعروفة باسم «الكنز الجليل في تفسير الإنجيل» وهي مجموعة تفاسير كتب العهد الجديد للعلامة الدكتور وليم إدي.

ورغم اقتناعنا بأن هاتين المجموعتين كتبتا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلا أن جودة المادة ودقة البحث واتساع الفكر والآراء السديدة المتضمنة فيهما كانت من أكبر الدوافع المقنعة لإعادة طبعهما.

هذا وقد تكرّم سينودس سوريا ولبنان الإنجيلي مشكوراً - وهو صاحب حقوق الطبع - بالسماح لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى بإعادة طبع هاتين المجموعتين حتى يكون تفسير الكتاب في متناول يد كل باحث ودارس.

ورب الكنيسة نسأل أن يجعل من هاتين المجموعتين نوراً ونبراساً يهدي الطريق إلى معرفة ذاك الذي قال: «أنا هو الطريق والحق والحياة».

القس ألبرت استيرو

الأمين العام

لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى

رسالة يوحنا الرسول الثالثة

مقدمة هذه الرسالة كمقدمة الرسالة الثانية إلا في من كُتبت إليه وفي مضمونها. والمعلوم أن الذي كُتبت إليه هو مؤمن من أصدقاء يوحنا لا نعرف وطنه وقد بلغ الرسول نبأه منذ وقت قصير فملأ ذلك قلبه سروراً. ومن نبإه أنه أضاف الإخوة المرسلين الغرباء فمدحه الرسول على تلك الإضافة ولكن لامه عليها ديوتريفس الذي أحب أن يرأس الكنيسة.

أما مضمون هذه الرسالة فالتحية في أولها أظهر بها محبته لغايس ورغبته في عافيته الجسدية وسعادته (ع 1 و2). ومدح صفاته وأفعاله بناء على ما سمعه من بعض الإخوة الذين زاروه ولا سيما غيرته للحق وتلطفه بأعضاء الكنيسة والغرباء الجائلين للمناداة بالإنجيل (ع 3 - 8). وبيان أنه كتب إلى الكنيسة في شأن أولئك الغرباء لكن ديوتريفس لم يعتبر سلطان الرسول ولم يقبل الذين أوصى بهم. وقال أن ديوتريفس يستحق التوبيخ على هذا السلوك وإنه يتخذ عند مجيئه الوسائل التي تثبت سلطانه وبيّن له وللكنيسة ما يجب عليهم لمثل أولئك الضيوف (ع 9 و10). ونهى غايس عن أن يتمثل بديوتريفس وأمره بأن يستمر على إظهار المحبة واللطف تمثلاً بالله (ع 11). ومدح ديمتريوس شريكه في عمل المحبة وصرّح بأنه بلغه من حسن سيرة ديمتريوس مثل ما بلغه من حسن سيرة غايس (ع 12). وختم الكلام بقوله إن له أشياء كثيرة ليكتبها لكنه عدل عنها أملاً أن يجتمع به بعد قليل ويتكلم ملياً في كل ما في قلبه وبالسلام (ع 13 و14).

1 «اَلشَّيْخُ، إِلَى غَايُسَ ٱلْحَبِيبِ ٱلَّذِي أَنَا أُحِبُّهُ بِٱلْحَقِّ».

2يوحنا 1 و1يوحنا 3: 18

اَلشَّيْخُ هذا كما في (2يوحنا ع 1) فارجع إلى تفسيره هناك.

غَايُسَ هذا اسم يوناني وهو في اللاتينية كايس. ومن أصحاب هذا الاسم في العهد الجديد غايس المكدوني (أعمال 19: 29). وغايس الدربي (أعمال 20: 4) وغايس أحد أهل كورنثوس (رومية 16: 23) وغايس آخر من أهلها (1كورنثوس 1: 14). ولا دليل على أن غايس في هذه الرسالة أحد أولئك لأن أولئك من جيل آخر قبل جيل هذا.

ٱلْحَبِيبِ هذا لقب شائع للصديق ولكن يوحنا استعمله لمعنى خاص لأنه زاد عليه مراراً قوله «الذي أحبه بالحق»

ٱلَّذِي أَنَا أُحِبُّهُ بِٱلْحَقِّ أي أحبه محبة صحيحة خالصة.

2 «أَيُّهَا ٱلْحَبِيبُ، فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرُومُ أَنْ تَكُونَ نَاجِحاً وَصَحِيحاً، كَمَا أَنَّ نَفْسَكَ نَاجِحَةٌ».

في هذه الآية دعاء يوحنا لغايس بعافيته الجسدية ونجاحه في كل أموره.

فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرُومُ أَنْ تَكُونَ نَاجِحاً وَصَحِيحاً لعل فيه هذا إشارة إلى أن غايس كان مريضاً وشفي وهو يتضمن دعاءه له بعافية جسده ونجاحه في أعماله وراحته في بيته والسلام مع جيرانه ورضى الحكام عنه. فإنه على قدر العافية الجسدية يُجاد العمل الروحي. فقد يرسل الله المرض إلى الإنسان المتكبر العنيد ليؤدبه ويفصله عن العالم الذي يحبه حباً زائداً. وأما المؤمن القوي الإيمان والمحبة فعافية جسده من عظائم البركات لأن ضعف الجسد يعيقه عن التأمل والعزم والعمل.

كَمَا أَنَّ نَفْسَكَ نَاجِحَةٌ أراد «بالنفس» هنا الحياة الروحية السامية التي هي قياس النجاح الحقيقي فتحقق نجاح نفسه من أنباء الإخوة الذين كانوا يأتون إليه على توالي الأوقات.

3 «لأَنِّي فَرِحْتُ جِدّاً إِذْ حَضَرَ إِخْوَةٌ وَشَهِدُوا بِٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيكَ، كَمَا أَنَّكَ تَسْلُكُ بِٱلْحَقِّ».

2يوحنا 4 ع 5 و10 وأعمال 1: 15 وغلاطية 6: 10

لأَنِّي فَرِحْتُ جِدّاً هذا كان علة طلبه نجاحه وفيه إشارة إلى الضيقات التي أصابته من سوء سيرة بعضهم وتعليمهم.

إِذْ حَضَرَ إِخْوَةٌ على توالي الأوقات.

وَشَهِدُوا بِٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيكَ أي بحضور المسيح فيك. قال يوحنا ذلك بناء على حياة غايس المسيحية التي دلّت على أنه كان أميناً مخلصاً فكراً وعملاً.

كَمَا أَنَّكَ تَسْلُكُ بِٱلْحَقِّ قوله «أنك» هو الكلمة ذات الشأن في العبارة وهو يشير إلى أن بعض الناس لم يسلكوا في الحق (ولعله أشار بذلك إلى ديوتريفس) فإن غايس سلك بحسب القانون الإلهي في الإنجيل. فكأن يوحنا قال لنفسه نعم أنا أعلم إن شهادة الإخوة لغايس حق فإنه يسلك بمقتضى الحق الذي اعترف به.

4 «لَيْسَ لِي فَرَحٌ أَعْظَمُ مِنْ هٰذَا: أَنْ أَسْمَعَ عَنْ أَوْلاَدِي أَنَّهُمْ يَسْلُكُونَ بِٱلْحَقِّ».

1يوحنا 2: 1 و1كورنثوس 4: 14 و2كورنثوس 6: 13 وغلاطية 4: 19 و1تسالونيكي 2: 11 و1تيموثاوس 1: 2 و2تيموثاوس 1: 2 وفليمون 10

لَيْسَ لِي فَرَحٌ أَعْظَمُ مِنْ هٰذَا هذا تصريح بانفعاله من سيرة كل الإخوة. والمعنى أنه لا يسره شيء مثل سمعه نبأ أمانة تلاميذه وشجاعتهم وغيرتهم في التمسك بالحق في أوقات الشدائد كما سمع من نبإ غايس.

عَنْ أَوْلاَدِي هم أعضاء الكنائس التي خدمها الرسول وكان واسطة اهتدائهم وإيمانهم بالمسيح (1كورنثوس 4: 14 و15).

أَنَّهُمْ يَسْلُكُونَ بِٱلْحَقِّ هذا كقوله «يسلكون في النور» (1يوحنا 1: 7) ويسلكون في المحبة (2يوحنا 6).و «السلوك في الحق» هو إظهار أثمار المحبة والإيمان بالفعل كما فعل غايس (انظر ع 2).

5 «أَيُّهَا ٱلْحَبِيبُ، أَنْتَ تَفْعَلُ بِٱلأَمَانَةِ كُلَّ مَا تَصْنَعُهُ إِلَى ٱلإِخْوَةِ وَإِلَى ٱلْغُرَبَاءِ».

رومية 2: 13 وعبرانيين 13: 2

أَنْتَ تَفْعَلُ بِٱلأَمَانَةِ أي بما يليق بالمسيحي المؤمن الأمين الطائع للمسيح. ولا بد من الإثابة على ذلك الفعل لأنه يتبع فاعله بدليل قوله «طُوبَى لِلأَمْوَاتِ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ فِي ٱلرَّبِّ مُنْذُ ٱلآنَ نَعَمْ يَقُولُ ٱلرُّوحُ، لِكَيْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ أَتْعَابِهِمْ، وَأَعْمَالُهُمْ تَتْبَعُهُمْ» (رؤيا 14: 13).

مَا تَصْنَعُهُ إِلَى ٱلإِخْوَةِ وَإِلَى ٱلْغُرَبَاءِ «الإخوة» هنا المؤمنون الذين عرفهم غايس قبلاً وتلطف بهم بقبوله إياهم في بيته. و «الغرباء» هم المؤمنون الذي يجولون للتبشير بالإنجيل. وكان هذا الجولان من أهم الوسائل لنشر الدين المسيحي في ذلك العصر لقلة الوسائل من الكتب والجرائد وأمثال ذلك. وكثيراً ما كان المؤمنون يُطردون من أوطانهم بالاضطهاد. وكان المسافرون يومئذ عرضة لمشاق كثيرة وكان أكثر المؤمنين يومئذ فقراء فكانوا عاجزين عن القيام بنفقة السفر. وكان النزول في «الخان» عسراً لخلوه من الراحة وهذه الأسباب أوجبت على المؤمنين أن يضيفوا الغرباء (انظر رومية 12: 13 و1تيموثاوس 3: 2 وتيطس 1: 8 وعبرانيين 13: 2 و1بطرس 4: 9).

6 «ٱلَّذِينَ شَهِدُوا بِمَحَبَّتِكَ أَمَامَ ٱلْكَنِيسَةِ. ٱلَّذِينَ تَفْعَلُ حَسَناً إِذَا شَيَّعْتَهُمْ كَمَا يَحِقُّ لِلّٰهِ».

أعمال 15: 3 وتيطس 3: 13 و1تسالونيكي 2: 12 وكولوسي 1: 10

ٱلَّذِينَ شَهِدُوا بِمَحَبَّتِكَ أَمَامَ ٱلْكَنِيسَةِ هؤلاء أما المبشرون الذين جالوا ثم رجعوا إلى يوحنا وشهدوا جهاراً للكنيسة التي يوحنا راعيها بالمعروف الذي أتاه غايس وأما الذين كتبوا رسائل في ذلك وتُليت في الكنيسة.

ٱلَّذِينَ تَفْعَلُ حَسَناً إِذَا شَيَّعْتَهُمْ أبان بذلك إن أولئك المبشرين عازمون على أن يستمروا يجولون للتبشير وإنهم يحتاجون إلى مساعدته.

كَمَا يَحِقُّ لِلّٰهِ يتضح معنى هذه العبارة بمقابلتها بما في (1كورنثوس 16: 4 و1تيموثاوس 3: 13). وهي تتضمن مساعدتهم بالمال والقوت والمحبة والعناية والتعزية والصلاة على قدر طاقة المُعطي واحتياج المُعطى.

7 «لأَنَّهُمْ مِنْ أَجْلِ ٱسْمِهِ خَرَجُوا وَهُمْ لاَ يَأْخُذُونَ شَيْئاً مِنَ ٱلأُمَمِ».

أعمال 5: 41 ويوحنا 15: 21 وفيلبي 2: 9 وأعمال 20: 33 و35

لأَنَّهُمْ مِنْ أَجْلِ ٱسْمِهِ خَرَجُوا مجد اسم المسيح هي الغاية العظمى لجولانهم أي جعل هذا الاسم معروفاً مكرماً (رومية 1: 5). وهذا دليل على أنهم جالوا للمناداة بالإنجيل (أعمال 5: 41 و15: 40 ورومية 1: 6 ويعقوب 5: 7). وكان مثل سفر هؤلاء سفر بولس وسيلا للتبشير والمناداة بأن يسوع هو المسيح ابن الله (1يوحنا 4: 15). وهذا يشتمل على كل الإيمان المسيحي. لا نعلم من أي كنيسة خرج هؤلاء المبشرون ولا بد من أن الرسول عرف ذلك.

وَهُمْ لاَ يَأْخُذُونَ شَيْئاً مِنَ ٱلأُمَمِ الذين بشروهم بالإنجيل وغايتهم من ذلك أن لا يظن الأمم أنهم ينادون باسم المسيح بغية الربح الدنيوي ولهذا امتنع بولس أن يأخذ شيئاً ممن بشرّهم إلا نادراً. والذي أخذه للمساعدة إنما أخذه من بعض الكنائس المسيحية وبعض أصدقائه المؤمنين من الأغنياء (1كورنثوس 9: 14 - 18 و2كورنثوس 11: 7 و12: 16 و1تسالونيكي 2: 9).

8 «فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَقْبَلَ أَمْثَالَ هٰؤُلاَءِ، لِكَيْ نَكُونَ عَامِلِينَ مَعَهُمْ بِٱلْحَقِّ».

فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَقْبَلَ أَمْثَالَ هٰؤُلاَءِ لأنهم إخوتنا في المسيح ويجب أن تضيفوهم لأن عملهم عمل محبة ورحمة.

لِكَيْ نَكُونَ عَامِلِينَ مَعَهُمْ بِٱلْحَقِّ لأننا بمساعدتنا للمبشرين بالحق نُظهر محبتنا للحق وغيرتنا له ونصير شركاء في خدمته. وفي هذا بيان أنه يجب على المؤمنين أن يشتركوا في التبشير بالإنجيل لكي يشتركوا في الثواب عليه ولا يمكن كل المؤمنين أن يجولوا للتبشير. ويمكن الذين لا يستطيعون الجولان للتبشير أن ينفقوا على المبشرين ما استطاعوا وبذلك يصيرون شركاء أتعابهم وثوابهم.

9 «كَتَبْتُ إِلَى ٱلْكَنِيسَةِ، وَلٰكِنَّ دِيُوتْرِيفِسَ ٱلَّذِي يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ٱلأَوَّلَ بَيْنَهُمْ لاَ يَقْبَلُنَا».

2يوحنا 9

كَتَبْتُ إِلَى ٱلْكَنِيسَةِ التي غايس من أعضائها. وكتب الرسول ذلك عند خروج المبشرين من عنده قبل هذا الوقت. ولا ريب في أنه أوصى الكنيسة التي هم يذهبون إليها بأن تحبهم وتكرمهم وتساعدهم على أتعابهم وإن كتاب التوصية فُقد.

وَلٰكِنَّ دِيُوتْرِيفِسَ... لاَ يَقْبَلُنَا نفهم من ذلك أنه أبى أن يقبل إيصاء الرسول بالمبشرين وأن يسلم بسلطانه في هذا الأمر فلم يقبل المرسلين الذين اعتبرهم يوحنا كنفسه حتى كأن قبولهم قبول له ورفضهم رفض له وحينئذ كتب يوحنا هذه الرسالة إلى غايس.

لا نعلم أشيخاً في الكنيسة كان ديوتريفس أم راعياً أم أحد الأعضاء لكننا نعلم أنه اجتهد في أن يكون الأول بين أعضاء الكنيسة وأنه ادعى سلطاناً لا يحق له وأنكر سلطان الرسول على الكنيسة ورفض كتاب التوصية الذي كتبه. والمرجح أن المبشرين أنبأوا يوحنا بذلك حين رجعوا من تلك الكنيسة إليه ويرجح أنه لولا ديوتريفس كانت الكنيسة قبلت المبشرين. ولم يتبين علة رفض ديوتريفس توصية يوحنا ولعله كان يبغض الرسول لأمر من الأمور أو اعتبر الكنيسة عاجزة عن مساعدة المبشرين أو إنه لم يستحسن تبشير الأمم. والعلة الوحيدة المذكورة هنا أنه أحب الرئاسة والمرجح أنه من متنصري اليهود الذين كرهوا تبشير الأمم وحبه الرئاسة لا ينفي ذلك.

10 «مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ إِذَا جِئْتُ فَسَأُذَكِّرُهُ بِأَعْمَالِهِ ٱلَّتِي يَعْمَلُهَا، هَاذِراً عَلَيْنَا بِأَقْوَالٍ خَبِيثَةٍ. وَإِذْ هُوَ غَيْرُ مُكْتَفٍ بِهٰذِهِ، لاَ يَقْبَلُ ٱلإِخْوَةَ، وَيَمْنَعُ أَيْضاً ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ، وَيَطْرُدُهُمْ مِنَ ٱلْكَنِيسَةِ».

2يوحنا 10 و13 ع 5 ويوحنا 9 ع 12

إِذَا جِئْتُ توقع الرسول أن يزور غايس والكنيسة بعد قليل (ع 14) وإنه يكون لمجيئه التأثير الكافي.

فَسَأُذَكِّرُهُ بِأَعْمَالِهِ أي يتخذ الوسائل إلى تأديبه على وقاحته وعناده. ولم يقصد يوحنا بذلك الانتقام ولكن ديوتريفس رفض سلطان الرسول جهراً وحمل الكنيسة على أن تشاركه فأساء إلى المبشرين فوجب على الرسول أن يلتفت إلى أعمال ديوتريفس وأن يوبخه ويفحمه. وكذا فعل بولس حين كان يخطأ أحد في كنيسة كورنثوس (1كورنثوس 5: 3 - 5).

هَاذِراً عَلَيْنَا بِأَقْوَالٍ خَبِيثَةٍ الخ أي مكثراً الافتراء علينا. وعرف الرسول ذلك من المبشرين فإنه أتى ذلك فضلاً عن رفضه المرسلين وحمل من أراد قبولهم من أهل الكنيسة على رفضهم وإجبار المرسلين على أن يذهبوا إلى منزل آخر.

11 «أَيُّهَا ٱلْحَبِيبُ، لاَ تَتَمَثَّلْ بِٱلشَّرِّ بَلْ بِٱلْخَيْرِ، لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ ٱلْخَيْرَ هُوَ مِنَ ٱللّٰهِ، وَمَنْ يَصْنَعُ ٱلشَّرَّ فَلَمْ يُبْصِرِ ٱللّٰهَ».

مزمور 34: 17 و37: 27 1يوحنا 2: 29 و3: 6 و10

لاَ تَتَمَثَّلْ بِٱلشَّرِّ بَلْ بِٱلْخَيْرِ نفهم من القرينة أن مراد الرسول من هذا نهي غايس عن أن يفعل فعل ديوتريفس وأن لا يميل إلى الرئاسة التي أداها ومارسها ديوتريفس دون حق.

لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ ٱلْخَيْرَ هُوَ مِنَ ٱللّٰهِ، وَمَنْ يَصْنَعُ ٱلشَّرَّ فَلَمْ يُبْصِرِ ٱللّٰهَ الإنسان الصالح يُظهر بأعماله أن مصدر حياته وأفكاره هو الله والذي يفعل الشر يُظهر أن لا شركة له في الطبيعة الإلهية ولا في المعرفة الروحية لأن رؤية الله في المسيح هي شرط الشركة معه كما يظهر من قوله «اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ» (يوحنا 14: 9). نعم إنه مستحيل على الإنسان أن يرى الله بدليل قوله «اَللّٰهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ» (يوحنا 1: 18) لكننا نستطيع أن نبصره في وجه ابنه. فحذّر الرسول بهذه الكلمات غايس وغيره من أهل الكنيسة من سوء سيرة ديوتريفس بإظهاره إن أعماله ليست من أثمار الروح وإنه ليس ممن تعلموا من الله واقتدوا به. فتحذير يوحنا لغايس من ديوتريفس يدل على أن الداعي إلى ذلك أمر خطير.

12 «دِيمِتْرِيُوسُ مَشْهُودٌ لَهُ مِنَ ٱلْجَمِيعِ وَمِنَ ٱلْحَقِّ نَفْسِهِ، وَنَحْنُ أَيْضاً نَشْهَدُ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ شَهَادَتَنَا هِيَ صَادِقَةٌ».

أعمال 6: 3 و1تيموثاوس 3: 7 ويوحنا 21: 24 و9: 35

دِيمِتْرِيُوسُ حوّل الرسول نظره من ديوتريفس الخائن إلى ديمتريوس الأمين ولعله هو الذي حمل هذه الرسالة إلى غايس وشهد بتقواه. وشهود تقواه ثلاثة الأول جميع الناس الذين عرفوه واختبروه فاعتبروه أميناً.

وَمِنَ ٱلْحَقِّ نَفْسِهِ هذا الشاهد الثاني. والمعنى أن سلوكه كان على وفق مطاليب الإنجيل (كلمة الحق) ولعله أشار بذلك إلى حسن سيرته بإضافته المبشرين.

وَنَحْنُ أَيْضاً نَشْهَدُ هذا هو الشاهد الثالث وهو يوحنا ورفقاؤه في الكنيسة فإنهم عرفوه بالمشاهدة فيقدرون أن يشهدوا بأمانته. وشهادة الشاهدَين الأولين مبنية على اختبارهما في ما مضى وشهد يوحنا بما اختبره في الحال.

وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ شَهَادَتَنَا هِيَ صَادِقَةٌ كان يجب على غايس وديوتريفس وكل أعضاء الكنيسة أن يثقوا بشهادة يوحنا بالنظر إلى كونه رسولاً إذ ليس في الإنجيل من شاهد أصدق منه (قابل بهذه الآية ما في يوحنا 19: 35 و21: 24). ويجب على كل مسيحي أن يسلك سلوك يوحنا ليستحق أن يوثق بشهادته كيوحنا.

13، 14 «13 وَكَانَ لِي كَثِيرٌ لأَكْتُبَهُ، لٰكِنَّنِي لَسْتُ أُرِيدُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكَ بِحِبْرٍ وَقَلَمٍ. 14 وَلٰكِنَّنِي أَرْجُو أَنْ أَرَاكَ عَنْ قَرِيبٍ فَنَتَكَلَّمَ فَماً لِفَمٍ».

2يوحنا 12

هذا خاتمة الرسالة الثالثة وفيه بيان أن عنده أموراً كثيرة للكلام لم يذكرها كتابة لاستحسانه أن يتكلم فيها شفهاً خوفاً من أن يقع المكتوب في يد غريب أو عدو وكانت غاية هذه الرسالة وقتية إلى أن يجتمع بغايس وسائر أعضاء الكنيسة.

بورق وحبر (انظر تفسير 2يوحنا 12). لم نعلم ماذا كانت نتيجة هذه الرسالة لكن بقاءها يدل على أنها كانت نتيجتها حسنة.

15 «سَلاَمٌ لَكَ. يُسَلِّمُ عَلَيْكَ ٱلأَحِبَّاءُ. سَلِّمْ عَلَى ٱلأَحِبَّاءِ بِأَسْمَائِهِمْ».

1بطرس 5: 14 وأفسس 6: 23 ويوحنا 20: 19 و21: 26 ويوحنا 10: 3

سَلاَمٌ لَكَ كتب مثل هذا بطرس في رسالته الأولى (1بطرس 5: 14). والمسيح أوصى تلاميذه بالتسليم حيث ذهبوا للتبشير (لوقا 10: 5) وهو مثل تحية المسيح بعد قيامته (لوقا 24: 36 ويوحنا 20: 19 و21 و26).

يُسَلِّمُ عَلَيْكَ ٱلأَحِبَّاءُ لم يدعُ الإخوة بهذا اللقب في رسائله إلا هنا.

سَلِّمْ عَلَى ٱلأَحِبَّاءِ بِأَسْمَائِهِمْ فهم أحباؤه وأحباء المسيح ولعلهم أصدقاء مخصوصون من الإخوة له ولغايس. وكون كل منهما يعرفهم أغناه عن ذكر أسمائهم.


Call of Hope 
P.O.Box 10 08 27 
D - 70007
Stuttgart
Germany