العودة الى الصفحة السابقة
شرح سفر إشعياء

شرح سفر إشعياء

السّنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

للقس وليم مارش


Table of Contents

Bibliography
مقدمة
المقدمة في الأسفار النبوية: وفيها أربعة فصول
مقدمة في نبوءة إشعياء: وفيها ستة فصول
اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ (من ع 2)
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْعَاشِرُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلأَرْبَعُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلأَرْبَعُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلأَرْبَعُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلأَرْبَعُون
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلأَرْبَعُون
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلأَرْبَعُون
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ وَٱلأَرْبَعُون
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلأَرْبَعُون
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ وَٱلأَرْبَعُون
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلأَرْبَعُون
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَمْسُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلْخَمْسُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلْخَمْسُونَ إلى ع 12
الأصحاح الثاني والخمسون من ع 13 والأصحاح الثالث والخمسون
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلْخَمْسُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلْخَمْسُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلْخَمْسُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ وَٱلْخَمْسُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلْخَمْسُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ وَٱلْخَمْسُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلْخَمْسُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسِّتُّونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلسِّتُّونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلسِّتُّونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلسِّتُّونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلسِّتُّونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلسِّتُّونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ وَٱلسِّتُّونَ

Bibliography

السّنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم: شرح سفر إشعياء. للقس وليم مارش . Copyright © 2009 All rights reserved Call of Hope. . صدر عن مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بيروت 1973. . English title:. German title:. Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 D - 70007 Stuttgart Germany http: //www.call - of - hope.com .

مقدمة

تفتقر خزانة الأدب المسيحي إلى مجموعة كاملة من التفاسير لكتب العهدين القديم والجديد. ومن المؤسف حقاً أنه لا توجد حالياً في أية مكتبة مسيحية في شرقنا العربي مجموعة تفسير كاملة لأجزاء الكتاب المقدس. وبالرغم من أن دور النشر المسيحية المختلفة قد أضافت لخزانة الأدب المسيحي عدداً لا بأس به من المؤلفات الدينية التي تمتاز بعمق البحث والاستقصاء والدراسة، إلا أن أياً من هذه الدور لم تقدم مجموعة كاملة من التفاسير، الأمر الذي دفع مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بالإسراع لإعادة طبع كتب المجموعة المعروفة باسم: «كتاب السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم» للقس وليم مارش، والمجموعة المعروفة باسم «الكنز الجليل في تفسير الإنجيل» وهي مجموعة تفاسير كتب العهد الجديد للعلامة الدكتور وليم إدي.

ورغم اقتناعنا بأن هاتين المجموعتين كتبتا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلا أن جودة المادة ودقة البحث واتساع الفكر والآراء السديدة المتضمنة فيهما كانت من أكبر الدوافع المقنعة لإعادة طبعهما.

هذا وقد تكرّم سينودس سوريا ولبنان الإنجيلي مشكوراً - وهو صاحب حقوق الطبع - بالسماح لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى بإعادة طبع هاتين المجموعتين حتى يكون تفسير الكتاب في متناول يد كل باحث ودارس.

ورب الكنيسة نسأل أن يجعل من هاتين المجموعتين نوراً ونبراساً يهدي الطريق إلى معرفة ذاك الذي قال: «أنا هو الطريق والحق والحياة».

القس ألبرت استيرو

الأمين العام

لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى

المقدمة في الأسفار النبوية: وفيها أربعة فصول

الفصل الأول: في النبوءة والنبي وما يتعلق بهما

النبوءة هي إعلان أمور الله للناس وغلبت على كشف أمور المستقبل. والنبي المخبر بما لله والمُعلن ما وراء حجاب الآتي ومعناه الأصلي من يرسله الله ليكلم الناس بأموره ولهذا يُدعى رسولاً أيضاً وكلامه نبوءة سواء أكان موضوعها أموراً حاضرة أم كان أموراً مستقبلة أم كان حقائق عامة لجميع الأزمنة. ولكن إعلان الأمور الآتية اعتبار خاص لسببين (1) إنه أحسن دليل على أن المتكلم من قِبل الله. و(2) إن العهد الجديد الذي فيه أكثر النبوءات هو استعداد لمجيء المسيح والعهد الجديد.

إن الله وعد بني إسرائيل أن يقيم لهم نبياً مثل موسى (تثنية 18: 18) وتمّ هذا الوعد بسلسلة من الأنبياء آخرهم وأعظمهم المسيح. فأقام بعد موسى يشوع والقضاة وصموئيل وغيرهم سلسلة متصلة إلى ملاخي الذي كان قبل المسيح بنحو أربع مئة سنة لكن كل نبي أخذ رتبة النبوءة من الله رأساً لا من سلفه (القواعد السنية فصل 15).

الفصل الثاني في الوحي

الوحي إعلان الله إرادته وأحكامه لبعض مختاريه لإعلانها للناس فإن الله كان إذا طلب عملاً من الأنبياء أعطاهم القوة والشجاعة والحكمة الكافية لإتمام ذلك العمل. وإذا أودعهم كلاماً عصمهم من الغلط في بيانه أو إلقائه.

وكان الوحي أحياناً بالرؤيا. قال ميخا «رَأَيْتُ كُلَّ إِسْرَائِيلَ مُشَتَّتِينَ عَلَى ٱلْجِبَالِ» (1ملوك 22: 17). وقال إشعياء «رَأَيْتُ ٱلسَّيِّدَ جَالِساً عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ» (إشعياء 6: 1). وكثيراً ما جاء كلام الأنبياء أخباراً بما كانوا قد رأوه (إشعياء ص 13 و14 و15 و21) وكان الله أحياناً يلقي كلامه على سماع أنبيائه أي يخاطبهم بصوت مسموع وأحياناً يلقيه في قلوبهم. قال إرميا «فَكَانَ فِي قَلْبِي كَنَارٍ مُحْرِقَةٍ مَحْصُورَةٍ فِي عِظَامِي، فَمَلِلْتُ مِنَ ٱلإِمْسَاكِ وَلَمْ أَسْتَطِعْ» (إرميا 20: 9). ولا شك في أن الأنبياء كانوا منتبهين لما تكلموا وصاحين بخلاف الأنبياء الكذبة عند الوثنيين فإنهم كانوا يتظاهرون بالجنون أو الهيجان الشديد. ومن المحتمل أن الأنبياء لم يفهموا في بعض الأحيان كل معنى كلامهم بل تكلموا مسوقين من الروح القدس وبحثوا عن الأمور المعلنة لهم وإذا لم يفهموها عرفوا أنها أُعلنت لهم لا لأنفسهم بل للأيام الأخيرة.

وكان للأنبياء مدارس كمدرستي بيت إيل وأريحا في زمان أليشع (2ملوك ص 2) وتعلم فيها بنو الأنبياء شريعة الله غير أنهم لم يكونوا جميعهم أنبياء. وكثيراً ما دعا الله إلى النبوءة الذين لم يتعلموا في تلك المدارس. ولا دليل لنا على أن الأنبياء لبسوا لباساً مخصوصاً غير أن أثوابهم وعيشتهم كانت في غاية البساطة.

ولنا ثلاثة قوانين للتمييز بين معرفة الأمور المستقبلة بالحكمة البشرية ومعرفتها بالوحي.

  1. كون النبوءة قبل الحادثة. كنبوءة إشعياء بسقوط دمشق والسامرة (ص 8: 1 - 4) فإنه كتب النبوءة بأحرف مقروءة وأقام على ذلك شاهدَين.

  2. وقوع مضمون النبوءة كموت حننيا حسب نبوءة إرميا (ص 28: 15 - 17) والرجوع من السبي بعد سبعين سنة حسب نبوءة إرميا أيضاً (ص 29: 10).

  3. خلوّ تاريخ النبوءة مما يدل على حدوث الحادثة المستقبلة كنبوءة إشعياء بخيبة جيش سنحاريب (إشعياء 37: 1 - 7) ونبوءته بقيام كورش وسقوط بابل والرجوع من السبي وجميع النبوءات بالمسيح ولا سيما النبوءات بآلام المسيح في (ص 53). فلا صحة لزعم بعض المنتقدين أن إشعياء أخبر بأمور مستقبلة بناء على الله وثقته بانتصار ملكوته لأن الحوادث المشار إليها كانت بعيدة عن الظن ومخالفة للانتظار وفائقة كل حكمة بشرية.

الفصل الثالث: في كتب النبوءات

كانت الكتب في القديم مكتوبة باليد وعلى الرقوق أو على ورق البردي فكانت قليلة غالية الثمن وكان أكثر الناس لا يحسنون القراءة. والأرجح أن الأسفار المقدسة لم تنتشر عند كل الناس بل كانت موضوعة في المقدس ومضمومة من الأول في التوراة التي سموها الكتاب أي الكتاب المعروف والمعتبر دون غيره. وحسب تقليد اليهود أن عزرا ورفاقه جمعوا الأسفار المقدسة ورتبوها وانقسمت هذه الأسفار إلى ثلاثة أقسام وهي الناموس أي أسفار موسى الخمسة والأنبياء أي يشوع والقضاة وصموئيل والملوك وإشعياء وإرمياء وحزقيال والأنبياء الصغار الاثنا عشر وفي القسم الثالث كانت البقية من أسفار العهد القديم.

الفصل الرابع في قوانين التفسير

إن هذه القوانين المذكورة بالتفصيل في الفصل الثالث عشر من كتاب القواعد السنية نقتصر على ذكر ثلاثة منها:

  1. إنه ليس جميع أقوال الأنبياء في حوادث مستقبلة بل كان بعضها على سبيل التعليم أو التعزية أو التوبيخ المناسب لأحوال زمانها.

  2. إنه ليس جميع النبوءات حقيقة وليس جميعها مجازاً فيحتاج المفسر إلى الحكمة في التمييز بين الحقيقة والمجاز كقول إشيعاء «وَيَكُونُ فِي آخِرِ ٱلأَيَّامِ أَنَّ جَبَلَ بَيْتِ ٱلرَّبِّ يَكُونُ ثَابِتاً فِي رَأْسِ ٱلْجِبَالِ وَيَرْتَفِعُ فَوْقَ ٱلتِّلاَلِ» (إشعياء 2: 2) فيجب أن لا نفسره على سبيل الحقيقة. وقوله «صُرَّ ٱلشَّهَادَةَ. ٱخْتِمِ ٱلشَّرِيعَةَ بِتَلاَمِيذِي» (إشعياء 8: 16) فيجب أن لا نفسره على سبيل المجاز كأنه يشير إلى ختام الكتاب المقدس في أيام الرسل وعدم قبول أسفار جديدة بعدهم لأنه وصية بسيطة لتلاميذ إشعياء بخصوص الشهادة لنبوءته بسقوط دمشق والسامرة.

  3. إنه من المحتمل أن نبوءة تشير إلى حادثة في المستقبل القريب وهي نفسها تشير إلى حادثة أخرى في المستقبل البعيد فتتم النبوءة مرتين أو أكثر كالنبوءات بالرجوع من السبي فإنها تمت أولاً حقيقة وستتم أيضاً برجوع شعب الله إليه بالتوبة والخلاص من الخطية والنبوءات بأمور أورشليم التي تمت حقيقة وجزئياً بعد السبي وستتم تماماً بمجد الكنيسة المسيحية وانضمام الأمم إليها.

مقدمة في نبوءة إشعياء: وفيها ستة فصول

الفصل الأول: في ترجمة إشعياء وتاريخ عمله النبوي

لا نعرف بالتحقيق من أمر هذا النبي غير ما ذُكر في سفره إلا قليلاً مما ورد من أخباره المتفرقة في أسفار الملوك والأيام. واسمه في الأصل يشعياهو ومعناه خلاص يهوه ولا يخفى أن هذا الاسم يوافق المواضيع الرئيسة في سفره كل الموافقة. وما لنا من أمور نسبه إلاّ أنه كان ىبن آموص وكثيرون من اليهود نسبوه إلى أسلاف هم أنبياء بناء على زعمهم أنه إذا ذُكر أبو نبي كان دليلاً على أنه مارس الوظيفة التي مارسها ابنه عينها. وغيرهم حاولوا أن يثبتوا أنه من نسب ملكي معتقدين أن آموص هو أخو الملك أمصيا ولكن ليس لهم سند لذلك. أما كونه من يهوذا فيكاد لا يقبل الريب ويتضح أنه كان قاطناً في أورشليم مما ورد في سفره (ص 7: 3 و8: 2 و22: 15 و37: 2 الخ). ولم يُذكر من أحواله الأصلية سوى أنه كان متزوجاً ووُلد له ابنان في ملك آحاز ملك يهوذا وسميّا باسمين رمزيين يشيران إلى حوادث مهمة في تاريخ يهوذا. ومع أن الأرجح أنه دُعي أولاً باحتفال إلى ممارسة النبوءة علانية في السنة الأخيرة لعزيا وهي سنة 759 ق. م استنتج البعض أنه شرع في خدمة الشعب قبل ذلك بزمان طويل مما ورد في (2أيام ص 26: 22) من أنه كتب باقي أمور ذلك الملك أي عزيا. ولا يخفى أنه في ذلك الوقت كان قد بلغ أشده وإذ كان قد عاش كما يرجح إلى قرب وقت منسى ينتج أنه تنبأ منذ ما ينيف على خسمين سنة ولا بد أنه بلغ عند موته سن الثمانين على الأقل. وفي تقليد يهودي قديم جداً أنه كُلل بإكليل الشهادة منشوراً شطرين بأمر منسى الملك الذي يتمرغ في حمأة الفواحش لأنه بكته بعنف على شره وقد ظن بعضهم أنه أُشير إلى ذلك في (عبرانيين 11: 37).

الفصل الثاني: في ملخص تاريخ عصر إشعياء

إن تفسير نبوءة إشعياء يقتضي تمام المعرفة بأحوال عصره لنا وفي سفره وفي أسفار العهد القديم التاريخية ما يكفي من الأنباء بوقائع ذات شأن وبعلاقات الأمم المحيطة بالأرض المقدسة وبأمة اليهود وببعضها ببعض في ذلك العصر.

وقبل شروع إشعياء في خدمته النبوية بمئتي سنة وأربعين سنة حدث العصيان بسوء تصرف يربعام الذي آل إلى انقسام مملكة العبرانيين إلى مملكتين مستقلتين فكان ذلك علة لحروب مستمرة بينهما وجعلهما عرضة للغزوات والنكبات المعيبة من الأعداء والأجانب. وفي أثناء الثمانين السنة الأولى من هذه المدة ولا سيما سني الملكين الصالحين آسا ويهوشافاط نجحت مملكة يهوذا كثيراً ولكن لما تجددت العبادة الوثنية بعد إزالتهما إياها أنزل الله على هذه المملكة أرزاء شديدة حتى ذلت في أواخر أيام أمصيا تحت قدمي يهوآحاز ملك إسرائيل. وملك عزيا وهو ابن ست عشرة سنة فقط لكنه ما لبث إن أظهر نشاطاً وحمية في ترقية أحوال الوطن المنحطة وتقدّم أمور الزراعة ونظم جيشاً عظيماً وحصّن المدن الكبيرة وانتصر على فلسطين والعرب والعمونيين واسترد فرضة إيلة على الخليج الشرقي من البحر الأحمر وبذلك فتح أيضاً التجارة البحرية الرائجة مع الشرق. ومع أن هذا الملك كان مطيعاً للشريعة الإلهية إجمالاً أبقى المذابح الوثنية وفي آخر حياته ضُرب بالبرص بسبب تجاسره وتعديه على وظيفة الكهنوت المقدسة.

وفي أثناء ملك عزيا ويوثام كانت العبادة الصنمية غير أنها كانت واهنة قليلة الرجاسات لأن الملك ورؤساءه بذلوا جهدهم في تشييد العبادة الإلهية في الهيكل ولكنهم لم يلاشوا جميع رسوم العبادة الصنمية. قال المؤرخ كاتب سفر الملوك في عزيا «وَعَمِلَ مَا هُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ أَمَصْيَا أَبُوهُ. وَلٰكِنِ ٱلْمُرْتَفَعَاتُ لَمْ تُنْتَزَعْ، بَلْ كَانَ ٱلشَّعْبُ لاَ يَزَالُونَ يَذْبَحُونَ وَيُوقِدُونَ عَلَى ٱلْمُرْتَفَعَاتِ» (2ملوك 15: 3 و4). وقد قيل كذلك على يوثام في (ع 34 و35). أما تلك العبادة على المرتفعات فكانت صنمية بالذات إلا أنه غلب أن لا تكون فظيعة جداً.

وقد استمر النجاح الدنيوي على ما ظهر كل مدة ملك يوثام فنتج منه زيادة على القصوف والتهافت على اللذّات المحظورة إن انحطت التقوى الحقيقية كل الانحطاط. وعُقدت محالفة بين فقح ملك إسرائيل ورصين ملك آرام لمقاومة ملك يهوذا وباشرا ذلك فعلاً في السنة التي بعد موته أي سنة 742 ق. م. ثم خلف يوثام آحاز الذي لم يتبوأ قبله عرش مملكة اليهود أحد أفجر منه. وفي أثناء ملكه وقع التشويش في جميع الأمور فكانت شريعة الله تُخالَف علانية وأُدخل إلى أورشليم مذبح وآلهة آرامية فتشوه الهيكل وفقد جماله الإلهي ثم أُغلق دون عبادة الإله الحقيقي (إشعياء 2: 6 و7 و2ملوك 15: 32 - 38 و16: 1 - 4 و2أيام ص 27 و28). فبذل ذلك الملك جهده في ترقية العبادة الصنمية ولم يشمئز البتة من أفظع وأكره رسومها فرفض كل ثقة بإله إسرائيل وأعطى قلبه لآلهة الأمم قائلاً لأن آلهة ملوك آرام تساعدهم أنا أذبح لهم فيساعدونني وأردف المؤرخ هذا الكلام بقوله المؤثر وأما هم فكانوا سبب سقوط له ولكل إسرائيل (انظر 2أيام 28: 2 - 4 و23). فلأجل هذه الكبائر دفعه الرب هو وشعبه ليد ملك آرام فضربوه وسبوا منه سبياً عظيماً وليد فقح ملك إسرائيل فضربه ضربة عظيمة وقتل من يهوذا مئة وعشرين ألفاً في يوم واحد. ولأيدي الأدوميين والفلسطينيين «لأن الرب ذلل يهوذا بسب آحاز» فطلب المعونة في تلك الضيقات ولكن ليس من الرب بل من الأشوريين فشرع إشعياء بأمر الرب ينصح الملك والشعب ويحثهم على الرجوع إلى الله وطلب المعونة منه تعالى فقط.

ولما انتهت الحرب بين آحاز وملكي آرام وإسرائيل المتعاهدين بخسارة عظيمة عليه وأصابه أيضاً نظير ذلك من الأدوميين والفلسطينيين الذين غزوا بلاده استغاث بتغلث فلاسر ملك أشور ودفع له إعانة جمعها من خزائن الهيكل والرؤساء وبيت الملك فجاء وأخذ دمشق قصبة آرام وبعض مدن إسرائيل وسبى سكانها ولم يساعد آحاز مساعدة حقيقية بل بالعكس ضايقه نظير خاضع له وأعياه (2ملوك ص 16 و2أيام ص 28 و1أيام 5: 26).

ولما مات آحاز وذلك سنة 726 ق. م. خلفه ابنه حزقيا وكان تقياً فأبطل العبادة الصنمية وأباد كل ما استُعمل لها من هيكل ومذابح وآنية وخلاف ذلك وأرجع الهيكل كما كان وردّ إليه عبادة الرب وأصلح الحصون ومجاري المياه حول أورشليم وأذل الفلسطينيين وخلع نير الأشوريين.

وفي السنة السادسة لحزقيا سقطت مملكة إسرائيل أمام الأشوريين وسُبي الباقي من شعبها وكان ذلك لهم السبي الأخير الذي لم يرجعوا منه البتة. وفي السنة الرابعة عشرة له حسب نص الكتاب أي سنة 713 ق. م. تهدده سنحاريب ملك أشور وهو صاعد بجيش عظيم على مصر مجتازاً في يهوذا فدفع له الجزية التي ضربها عليه وقدرها ثلاث مئة وزنة من الفضة وثلاثون وزنة من الذهب لكي يتخلص من شره فاضطر أن يأخذ كل ما في بيت الرب وفي خزائن بيت الملك. وأما سنحاريب فلما رأى ما يتهدده من الخطر بتركه قوة عظيمة وراءه أخضع أكثر المدن وأمر حجفلاً من عساكره أن يحصر أورشليم ويخضعها. ثم طلب من حزقيا بكلام الاحتقار والإهانة أن يسلم له فالتجأ إلى الله وطلب منه بصلوات حارة الحماية والإنقاذ فاستمع له سبحانه وأهلك جيش الأشوريين بطريقة عجيبة فنجا هو وشعبه من ذلك الخطب العظيم.

وإذا كان المراد بالأماكن الواردة في النبوءة في (ص 10: 28 - 34) المعنى الحقيقي يكون الأشوريين قد عسكروا تجاه الهيكل وملكهم هزّ يده المرفوعة بجراءة على ابنة صهيون كواثق بالغلبة بدون مشقة في الغد ولكن في ذلك الليل المشهور بخطوبه خرج ملاك الرب بين جيشه وهو نائم وضربه فلم يستفق منه إلا القليلون ففروا في الصباح تاركين من الأموات مئة وخمسة وثمانين ألفاً. وبما أن ذلك الخطب وقع أمام أعين إشعياء صار مؤرخه كما كان نبيه وقد جعله موضوعاً لعدة من مواعظه المؤثرة لشعبه. وكان ذلك من أهمّ الدواعي إلى مداخلة الله في حياته المملوءة من الحوادث المشهورة وتحويل تلك الحادثة إلى مساعدة عظيمة له في التنبئ والإنذار لإفادة الأجيال الحاضرة والآتية وقد بُني كثير من أعظم النبوءات بملك المسيح على التشبيه بهذه الحادثة.

ولما شُفي حزقيا من مرضه الخطير ذلك الشفاء الذي أُشير إليه بحوادث عجيبة وأُكرم برسالة من بلاط ملك بابل فتح طريقاً لدخول روح الافتخار فيه ونال توبيخاً عنيفاً من جرى ذلك وأُنذر بأسر بابل (2ملوك ص 18 - 20 و2أيام 29 - 32 وإشعياء 36 - 39).

وفي ملك خلفه منسى شُيّدت أيضاً العبادة الصنمية في يهوذا وامتدت مع كل ما يتعلق بها من الشرور وتمسكوا بها أشد التمسك وعلى أفظع أسلوب وذلك بواسطة هذا الملك المرتد ولذلك على رغم كل ما بذله من الاجتهاد في استرداد المقام الذي خسره لما ندم فيما بعد والإصلاح الذي حاول إجراءه بكل جهده يوشيا الغيور استمرت أمور يهوذا آخذة في الانحطاط إلى أن وصلوا بسبب الانشقاقات الداخلية وتعدّي فرعون نخو والنير البابلي إلى أدنى الدركات وأخربت مدينة أورشليم وأُحرق الهيكل بالنار وسبي العظماء إلى بابل (2ملوك 21: 1 - 18 وص 22 - 25 و2أيام 33: 1 - 20 وص 33 - 36).

أما حياة هذا النبي فلم يبق إلا قليل منها إلى هذا القسم من تاريخ شعبه غير أن جزءاً كبيراً من نبواءته يختص بحالتهم في ذلك الزمان وهم بين عبدة الأصنام في أثناء السبي وبرجوعهم البهيج إلى أرضهم بواسطة كورش (إشعياء ص 40 - ص 52: 12). وقد كان اليهود كل مدة خدمة النبي إشعياء عرضة لتعديات الممالك الأجنبية التي بعضها كان من أقوى الممالك القديمة.

وأما الممالك المجاورة لهم فهي مملكة إسرائيل وممالك الآراميين والصوريين والفلسطينيين والموآبيين والأدوميين والعرب الذين أضروا بهم كثيراً بحروبهم وغزواتهم وانتصاراتهم وكثيراً ما أوصلوهم إلى حد التلف. وفي أثناء تلك المدة كانت مملكة مصر مساعدة لهم ومحامية عنهم حين تعدّي أشور عليهم (إشعياء 30: 1 - 17 و31).

أما ملوك أشور الذين غزوا الأرض المقدسة الوارد ذكرهم في الكتاب فهم فول المسمى أيضاً بتغلث فلاسر وشلمنأسر وسرجون وسنحاريب وأسرحدون. وكان لهم سلطان مطلق ومتسع جداً ممتداً من بلاد فارس إلى البحر المتوسط ومن بحر قزيين إلى خليج العجم ولكنهم لما لم يكتفوا بتلك الممالك الواسعة طمع سرجون وسنحاريب في غزوات مصر وافتتاحها. ولهذا المشروع العظيم اعتبار في سفر إشعياء نظراً إلى ما كان على اليهود من الخطر العظيم من ذلك وما عمل الله بيد ممدودة لخلاصهم منه. أما شوكة الكلدانيين في بابل التي بمعاضدة الماديين قلبت مملكة الأشوريين ابتدأت ترتفع الآن وأظهروا سطوة عظيمة مدة ما على بلاد أسيا المجاورة لهم وعلى اليهودية أيضاً غير أن إشعياء لم يذكر بالتصريح على سبيل التاريخ أمور هذه المملكة ولا مملكة الفرس التي قامت بعدها غير ما ورد في (ص 23: 13). وكذلك رومية التي أُسست في عصره إنما أشار إليها على سبيل النبوءة بالنظر إلى علاقتها بكنيسة الله وعبّر عنها بألفاظ عامة مثل المغرب وجزائر البحر. ومن جبل الرؤيا استشرق النبي الأمم المحيطة بأرض شعبه وكديدبان أمين حذر شعبه من كل منها ذاكراً بعض الأعجب من صفاتها ومتنبئاً بدمارها الأخير.

الفصل الثالث: في القصد من نبوءة إشعياء

القصد من نبوءة إشعياء ثلاثة:

  1. كشف خطايا شعب اليهود على نوع خاص وتوبيخهم عليها وآثام أسباط إسرائيل العشرة ورجاسات شعوب وبلاد شتى من بلاد الأمم والإنذار بحلول قضاء شديد على كل صنف ورتبة منهم يهوداً وأمماً.

  2. دعوة البشر من كل رتبة وحالٍ يهوداً وأمماً إلى التوبة والإصلاح بواسطة مواعيد كثيرة بالصفح والرحمة. ومما يستحق الاعتبار أن نصوصه على الانتقام الإلهي من بابل لا يتخلله مواعيد كالتي وردت في تهديداته لسائر الشعوب.

  3. تعزية الأتقياء بالحق بواسطة مواعيد بالمسيح نبوية واضحة جداً كأنها تاريخ. ومن ذلك ما ورد من سجاياه الباهرة وعجائبه وفضائله ورفض اليهود إياه وآلامه بسبب خطايانا وموته ودفنه وغلبته على الموت. ومجده الأخير وتأسيس ملكوته ونموه وامتداده إلى الكمال وكل ذلك دليل على صدق الإنجيل جليٌّ قاطع.

الفصل الرابع: في تفصيل ما تضمنته نبوءة إشعياء

يُقسم سفر إشعياء طبعاً إلى مقدمة وجزئين كبيرين. فالمقدمة محصورة في الأصحاح الأول. والجزء الثاني يتضمن رسالات نبوية شتى مبلغة للمرسلة إليهم في شأن دواع خاصة (ص 2 - ص 39). والثاني يشتمل على السبعة والعشرين أصحاحاً الباقية ويظهر منه أنه لا يتعلق بداع خاص وإنه كتب بعد هلاك جيش سنحاريب والأرجح أن النبي كتبه في شيخوخته لتعزية شبع الله وتشجيعهم في جميع القرون المستقبلة بدليل قوله في مقدمته (في العدد الأول من الأصحاح الأربعين) «عزوا عزوا شعبي يقول إلهكم».

الفصل الخامس: في نَفَس هذه النبوءة

إن الأنبياء وإن كانوا خاضعين للوحي الإلهي لا دليل على أنهم كانوا خالين من الخواص العقلية التي بها يمتازون عن غيرهم أو أنهم استعملوا أسلوب كتابة خارق العادة أي غير ما كان طبيعياً فيهم. لذلك من المناسب أن نبحث عن هذه الخواص أو عن نفَس كل منهم بخصوصه لكن ينبغي الانتباه لمراعاة الاحترام الواجب واللائق للروح القدس الذي كانوا دائماً خاضعين لإرشاده المعصوم وسلطانه الفائق.

إن إشعياء حُكم بالإجماع بأنه من أعظم الأنبياء ومع مشاركته لهم في أمور كثيرة امتاز عنهم بخواطر كثيرة العدد. وكان من سجاياه الحماسة والجسارة وكثرة التصور وعمق التفكر والشعور والتمعن والغيرة على احترام صفات الله الكاملة وروحانية السجود المطلوبة والمحاماة عن جودة حكمته تعالى. ومن صفاته أيضاً الميل إلى التبكيت على الخطية وإنذار الخطأة بجراءة شديدة ومحبة الوطن ورقة القلب واللذة بارتقاء أحوال شعبه ومواعيدهم المجيدة والمحبة للأمم والشفقة عليهم.

ولغته دائماً توافق المواضيع التي يبحث عنها. فإنه في الأخبار يتكلم بالبساطة والوضوح وفي إعلان الإرادة الإلهية بالاحترام اللائق وفي الوصف بشدة التدقيق وفي تهديد الأعداء الأجانب والأشرار بين اليهود بالتكلم بالحمية والحدة. وفي تشكيه من سيرة الناس بالعنف. وفي تحريضاته بالحرارة وقوة الكلام. وفي إيضاح سلطان الله المطلق وعظمته غير المحدودة بسمو الكلام. وفي يوم عبدة الأصنام بالتهكم والهجو العنيفين. وليس له نظير بين الأنبياء في نفاسة التمثيلات التي يستعملها وتنوعها ولا سيما في نبوءاته بملك المسيح وغبطة الكنيسة المنتظرة.

وما ألطف وأنفس وأبلغ عباراته الشعرية وتمثيلاته وما أشد موافقتها لمقتضى الحال وما أكثر صوره المتنوعة وأسمى نفَسها في وصف الأمور بكل حماسة. وكثيراً ما ينتقل هذا النبي في كلامه من موضوع إلى آخر فيظن القارئ في أول الأمر أنه قاصد إطالة الكلام في الموضوع الذي شرع فيه غير أنه حالاً ينتقل منه إلى موضوع جديد ثم يتركه بغتة وينتقل إلى غيره. وغلب ذلك في ما له علاقة بالفادي الآتي.

ومن يرغب في الاطلاع على أمثلة نفيسة سامية من نفسه فليراجع وصف ملابس نساء اليهود (ص 3: 16 - 24) ومثل الكرم (ص 5) والأنباء باقتراب جيش الأشوريين إلى أورشليم (ص 10: 28 - 32) وهجو ملك بابل (ص 14) والقضاء على مصر (ص 19) وتهديد شبنا (ص 22: 16 - 18) ومصائب أورشليم (ص 24) وسمو الرب الفائق (ص 40: 12 - 31) وجهل عبدة الأوثان (ص 44) والفساد الذي يشيع بين اليهود في زمان مخلصنا (ص 59) وحالتهم السعيدة متى رجعوا إلى الله في الأيام الأخيرة (ص 60).

الفصل السادس: في صدق نسبة كل السفر إليه وأنه باق كما كان أصلاً

إن المراد بذلك صدق نسبته بكماله إلى كاتبه وخلوصه من الزيادة والنقصان والتحريف غير أن ذلك لا يستلزم بقاء كل كلمة وحرف كما خرج أصلاً من يد الكاتب تماماً لأن وجود القراءات المتنوعة مما لا يمكن إنكاره ومنع ذلك إنما كان يمكن إتمامه بواسطة سلسلة متصلة من المداخلات الإلهية العجيبة غير أن ذلك مما لم يسر الله باستعماله ففوّض سبحانه إلى البشر الذين تحت طائلة السقوط والضلال حفظ الأسفار المقدسة وتسليمها إلى من بعدهم. ومرادنا ببقاء هذا السفر على حاله لم يطرأ عليه تغيير عمداً ولا وقع فيه من القراءات ما يمس جوهره.

ولنا أقوى ما يمكن من الأدلة على بيان بقاء جميع الأسفار الإلهية على حالها ومن ذلك اعتبارها مقدسة عند الذين استؤمنوا عليها وشدة اعتنائهم بها وجعلها في أيدي الجمهور دون حصرها في أيدي قليلين من الخاصة وتكثير نسخها واستعمالها الدائم في كنيسة الله وعدم وجود غاية في تحريفها. وذلك في نفسه كافٍ لإقناعنا بعدم تغييرها عمداً واستحالة حدوث ذلك بدون اكتشافه وتفنيده.

أما الأسفار المقدسة العبرانية فليس من الأدلة القاطعة أقطع من أن الذين استؤمنوا عليها وحفظوها على نقاوتها بكل اعتناء في جميع القرون قد اعتبروها باحترام مقدس جداً وتيقنوا أنها أثمار الذين تحت سلطان إلهي عجيب يمكنهم من كتابة إعلانات الله والحوادث التي معرفتها مفيدة للبنين وبني البنين أولئك الذين لم يعيشوا منفردين عن العالم ولا كانوا مجهولين بل كانوا مشهورين وقُلدوا وظائفهم قانونياً وامتحن بيان صدقهم وشهد بصحتها أهل عصرهم على وجه العموم وأصحاب الوظائف المقدسة بينهم. ولم يُضم إلى القانون سفر لم يكن أُثبت أنه صدّقه أو كتبه رسول إلهي بالأدلة القاطعة. وبعد تمام ذلك القانون لم يتجاسر أحد أن يضيف إلى مضامينه المقدسة أو ينقص منها. فاعتقاد وجود غلط أو تحريف تحت هذه الأحوال عمداً أو اتفاقاً مخالف لحقيقة الأمر لا محالة.

ولا يخفى أن بعض العلماء في عصرنا قد ذهب إلى أن السبعة والعشرين أصحاحاً الأخيرة لشخص آخر عاش في أثناء مدة السبي فينبغي لنا ان نبحث في هذا المذهب فنقول:

  1. إن ابن سيراخ أشار في كلامه على إشعياء إلى القسم الثاني من سفره أي من (ص 40 - ص 66) (يشوع ابن سيراخ ص 48: 27 و28). فيتبين من ذلك أن هذه الأصحاحات كانت في نحو منتهى القرن الثالث قبل المسيح معتبرة أجزاء من كلام إشعياء النبي.

  2. إن كل هذه الأصحاحات في الترجمة السبعينية كتاب واحد كما هي في سائر الترجمات القديمة.

  3. إن في كتاب الفصول النبوية الذي يُقرأ عند اليهود في السبوت والأعياد والأصوام ستة عشر فصلاً على الأقل من إشعياء منها ثلاثة عشر فصلاً من القسم الثاني منه قد أجمع الجمهور كما نعلم على أن هذا الكتاب جُمع في عصر أنطيوخس أبيفانيس سنة 170 ق. م.

  4. إن كتبة العهد الجديد كثيراً ما اقتبسوا من هذا القسم الثاني بناء على أنه لإشعياء (انطر متّى 3: 3 و4: 14 و12: 17 ولوقا 3: 4 ويوحنا 12: 38 و39 ورومية 10: 16 و20).

  5. إن هذه الأصحاحات كانت متضمنة في سفر إشعياء الذي كان يُقرأ في المجمع في الناصرة (لوقا 4: 17) وفي النسخة التي أتى بها الوزير الحبشي من أورشليم (أعمال 8: 30 - 34).

  6. إن يوسيفوس ذكر تقليداً مقبولاً عند اليهود وهو أن كورش أصدر أمراً ببناء الهيكل ثانية (عزرا 1: 2) بعد ما اطلع على نبوءات إشعياء به (إشعياء 44: 24 - 28 و45: 1 - 13) والفرس مضادون للعبادة في الهيكل فلا بد من داع كاف حمل كورش على ذلك.

  7. إن جميع معلمي اليهود كثيراً ما أشاروا إلى الجزء الثاني من هذا السفر على أنه لإشعياء.

  8. إن الأدلة المقدسة لإثبات ذلك المذهب ليست كافية ولا مبنية على أساس متين وأقوى الأسباب التي حملت بعضهم على إنكار نسبة هذه الأصحاحات إلى إشعياء يمكن حصرها في قضيتين:

الأولى: إن هذه الأصحاحات تذكر كورش باسمه كأنه موجود في عصر النبي (ص 44: 28 و45: 1) وتذكر السبي كأنه تناهى والرجوع من السبي كأنه تقارب (ص 40: 1 - 11 و52: 9). والجواب على ذلك هو أن النبي كثيراً ما يذكر المستقبل كأنه حاضر ومثال ذلك قدوم سنحاريب (ص 10: 28) لأن هذه الأمور المستقبلة حاضرة عنده بالرؤيا. ولا نستصعب ذكر شخص باسمه قبلما وُلد بمدة مئة سنة لأن الرب قادر على كل شيء وقد ذُكر يوشيا قبلما وُلد بمدة 300 سنة (1ملوك 13: 1 و2) ولا نقول أنه لا يوجد داع كاف لهذه العجيبة العظيمة لأن النبي بيّن في أول الأمر أنه أمر عجيب والرب قصد أن يعمله حتى يعرف جميع الأمم أن الرب هو الله والآلهة التي سجدوا لها هي عدم (ص 41: 21 - 29).

والثانية: وجود اختلافات في الكلمات والنفس بين الجزء الأول والجزء الثاني. والجواب أن هذا الاختلاف وارد على أسلوب طبيعي من قبيل الفرق في الموضوع لأن الجزء الأول يتضمن كثيراً من التوبيخ والإنذار والنطق بالويل على اليهود والأمم والجزء الثاني يتضمن كثيراً من المواعيد والتعزية والنظر إلى مستقبل الكنيسة المجيد ولا سيما مجيء المسيح فهذا الاختلاف في الموضوع يستلزم طبعاً الفرق في النفس. ومع هذا الفرق لنا أيضاً في هذا السفر عينه بيّنة جلية على صدق نسبة السفر كله إلى إشعياء. فإن خواص عقل كاتبه وتخيلاته الشعرية وجراءته العجيبة وحماسته وطرق إنبائه بالحوادث المستقبلة ونفسه نظماً ونثراً تبين أن كاتب الجزء الثاني منه هو كاتب الجزء الأول عينه وأمثلة ذلك لفظة «قدوس إسرائيل» واقتران اسم «يعقوب» باسم «إسرائيل» والعبارة «لأن فم الرب تكلم». ووجود العبارة «يقول الرب» في (ص 1: 11 و18 وص 40: 1 و25). ولفظة «روح الرب». وذكر «رفع راية». و «منفيي إسرائيل» و «من الآن وإلى الأبد» و «لحيظة» و «سلاماً سلاماً» الخ. فإن هذه الأصحاحات الشخصية توجد في كل من جزءي السفر (قابل ص 1: 13 مع 66: 3 وص 1: 28 مع 66: 17 و11: 9 مع 65: 25 و11: 7 مع 65: 25 و14: 24 مع 46: 10 و16: 11 مع 63: 15 و24: 19 و20 مع 51: 6 و24: 23 مع 60: 19 و25: 8 مع 65: 19 و26: 1 مع 60: 18 و27: 1 مع 51: 9).

والأشياء الطبيعية المذكورة في الجزء الثاني تدل على أن المؤلف كان في اليهودية لا في بابل مثال ذلك «لبنان» (ص 40: 16 و60: 13). و«الأشجار» (ص 41: 19) و«الماء من الصخر» (ص 48: 21). و«الأودية وشقوق المعاقل» (ص 57: 5) و«الجبال والآكام والسرو والآس» (ص 55: 12 و13 الخ) أي أن هذه الأشياء الطبيعية ليست موجودة في بابل وتدل على صدق نسبة السفر كله إلى إشعياء.

وإذا فرضنا أن الجزء الثاني من هذا السفر لمؤلف آخر غير إشعياء يُقال من هو هذا المؤلف هل هو يهودي أو أممي بالطبع يحكم بأنه ليس بأممي لأن الأممي لا يقدر أن يكتب كما كتب هذا المؤلف في الإله الحقيقي وبطل عبادة الأصنام. وإذا كان يهودياً فلماذا لم يُذكر اسمه فإنه كان من أعظم الأنبياء وكان معاصراً لحزقيال ودانيال. وكيف انضم هذا السفر إلى سفر إشعياء هل عرف عزرا أنه لمؤلف غير إشعياء. وإذا عرف ذلك فلماذا جمعه مع سفر إشعياء وباسم إشعياء لا باسم مؤلفه. أو من هو الذي أضاف هذا السفر إلى سفر إشعياء وكيف يمكنه أن يضيفه والأسفار المقدسة محفوظة عند اليهود بكل ضبط واعتناء.

والنتيجة أننا نصدق نسبة السفر كله إلى مؤلف واحد هو إشعياء وهذا كله يتضح جلياً حين نصل إلى تفسير النبوءة بالتفصيل.

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ

مضمونه:

هذا الأصحاح يصح أن يُحسب مقدمة لهذا السفر والراجح أن إشعياء في آخر حياته جمع ورتب كل نبوءاته وأقواله وكتب هذا الأصحاح فاتحة لها ويؤيد ذلك ما يأتي:

  1. قوله «فِي أَيَّامِ عُزِّيَّا وَيُوثَامَ وَآحَازَ وَحَزَقِيَّا مُلُوكِ يَهُوذَا» فإن هذه الآية عنوان لكل السفر بدليل أن مدة هؤلاء الملوك الأربعة تعم كل حياة إشعياء وذكره إياهم يرجح أنه كتبها بل كتب هذا الأصحاح كله بعد تبوئهم كرسي يهوذا.

  2. مضمون هذا الأصحاح فإنه يدل على أن ما جاء فيه كلام إجمالي وملخص ما حدث في عهد إشعياء لجمعه ذكر خطايا الشعب ودعوة الله إياهم إلى التوبة والأحكام التي ستحل عليهم ووعد الله بالمغفرة للراجعين منهم إليه. ولما كانت هذه المواضيع الأربعة في هذا الأصحاح خلاصة ما حواه سفر إشعياء ترجح أن هذا الأصحاح كُتب بعد تمام هذا السفر وترتيبه.

1 «رُؤْيَا إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ، ٱلَّتِي رَآهَا عَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ، فِي أَيَّامِ عُزِّيَّا وَيُوثَامَ وَآحَازَ وَحَزَقِيَّا مُلُوكِ يَهُوذَا».

عدد 12: 60

رُؤْيَا إِشَعْيَاءَ لفظة «رؤيا» في الأصل العبراني تدل على الوحي وهو بالمشاهدة العقلية. فالأنبياء رأوا الأمور المستقبلة كأنهم نظروا إلى صورها أو نظروها في حلم ولذلك وصفوها كأنها حاضرة أو كأنها ماضية. وكثيراً ما كان النبي لا يعرف كم من الوقت بينه وبين هذه الحوادث المستقبلة أو بين حادثة وحادثة. ووصف أحياناً أموراً بعيدة كأنها قريبة أو وصف بعض الأمور دون غيره كما ينظر إنسان إلى جبل بعيد ولا يرى التلال والسهول والأودية الفاصلة بينه وبين ذلك الجبل كقول إشعياء (ص 7: 14) «هَا ٱلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْناً» فإنه أنبأ بولادة يسوع المسيح من مريم العذراء الذي كان بعد زمان إشعياء بنحو 700 سنة ولكنه ذكر ذلك كأنه في زمانه وأمام عينيه. والرؤيا من الله أي أن إشعياء لم يتكلم من نفسه ولا أخبر بأمور مستقبلة بناء على معرفته بالأمور السياسية فاستنتج من الحوادث الحاضرة ما سيحدث في المستقبل كما يتنبأ أرباب السياسة والعلماء في أيامنا. بل تكلم بالوحي من الروح القدس وأخبر بما لا يمكنه أن يعرفه بقواه البشرية وأخبر بها ليس على سبيل الظن بل بثقة كاملة وسلطان من الله الذي سبق فعيّن كل ما يحدث.

2 «اِسْمَعِي أَيَّتُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَأَصْغِي أَيَّتُهَا ٱلأَرْضُ لأَنَّ ٱلرَّبَّ يَتَكَلَّمُ: رَبَّيْتُ بَنِينَ وَنَشَّأْتُهُمْ، أَمَّا هُمْ فَعَصَوْا عَلَيَّ».

تثنية 32: 1 وإرميا 2: 12 و6: 19 و22: 29 وحزقيال 36: 4 وميخا 1: 2 و6: 1 و2 ص 5: 1 و2

مضمون هذه الآية توبيخ النبي للشعب على خطاياهم وإعراضهم عن عبادة الله وحسب عادة الشعراء استدعى الطبيعة غير العاقلة لتسمع ما يقوله والسماوات والأرض لتشهد على شعبه لأنها منذ البدء وسمعت العهود ورأت أعمال الله العجيبة. ولأنه إذا تكلم الرب وجب على جميع خلائقه أن يسمعوا فوجب علينا نحن أن نسمع (وإن كان قد كلم شعبه إسرائيل بفم إشعياء بصوت مسموع) كأنه كلمنا بذلك كما كلمنا بفم جميع الأنبياء والرسل والرب يسوع بواسطة الكتاب المطبوع. وإذا كنا لا نسمع يقول لتخجيلنا إنكم لا تسمعون مع أن العناصر غير العاقلة تسمع لما يقوله خالقها.

رَبَّيْتُ بَنِينَ قصد النبي تبكيت الشعب على خطاياهم فلم يذكرهم أولاً بالشريعة التي دنسوها ولا بعدل الله ولا بقدرته وغضبه على الخطأة بل ذكرهم بمحبة الله الأبوية لأن المحبة تكسر القلب الصخري وتقوده إلى التوبة. والرب دعاهم بنين وذكر صنيعه لهم منذ القديم. فإنه أخرجهم من مصر وعبّرهم البحر. وقادهم وقاتهم في القفر. وحملهم وصانهم كحدقة عينه. وأدخلهم إلى أرض كنعان. ونصرهم على جميع أعدائهم وجعل بينهم مسكنه. وأعطاهم شريعته. وأرسل إليهم أنبياءه. وأدبهم بالحنو الأبوي ولم يصنع معهم حسب خطاياهم ولم يجازهم حسب آثامهم وعظمة خطيتهم في عصيانهم على الله تظهر بالمقابلة بعظمة محبته لهم.

3 «اَلثَّوْرُ يَعْرِفُ قَانِيهِ وَٱلْحِمَارُ مِعْلَفَ صَاحِبِهِ، أَمَّا إِسْرَائِيلُ فَلاَ يَعْرِفُ. شَعْبِي لاَ يَفْهَمُ».

إرميا 8: 7 إرميا 39: 6 ص 5: 12

أبان هنا أن البهائم غير الناطقة أحكم منها فإنها تعرف أصحابها وما ينفعها. إن الخطية أفظع أنواع الجهل. لأن الله هو القادر على كل شيء فكيف يمكن الإنسان أن يقاومه. وإن الله مصدر كل خير فكيف يمكن الإنسان أن يستغني عنه. وإن وصايا الله كلها لنفعنا وهي ترشدنا إلى طريق الحياة والسلام وتحفظنا من كل ما يضرنا. فالذي يعصي الرب كمريض يعصي طبيبه أو كمسافر يعصي دليله أو كفقير يعصي المحسن إليه. قيل إن إسرائيل لم يعرف ولكن عدم المعرفة خطية لأنهم بإرادتهم لم يعرفوا ومن شر قلوبهم اختاروا الخطية لأنفسهم.

إن الدين الحقيقي يوافق العقل ولا يضاده مطلقاً فالرب يطلب من كل إنسان أن يستعمل عقله ويبحث ويدرس ويتأمل ويفهم ولا يقبل تعليماً دينياً إلا بموجب بيّنات كافية. ولا ريب في أن الخاطئ كان يترك شروره لو تأمل في أمره كما يجب وفهم عقاب الخطية وفوائد الطاعة للرب ولكنه يلتهي بأمور هذا العالم ولذاته فتمر عليه الأيام والسنون وهو لا يفتكر في الله ولا يريد أن يفتكر فيه.

4 «وَيْلٌ لِلأُمَّةِ ٱلْخَاطِئَةِ، ٱلشَّعْبِ ٱلثَّقِيلِ ٱلإِثْمِ، نَسْلِ فَاعِلِي ٱلشَّرِّ، أَوْلاَدِ مُفْسِدِينَ! تَرَكُوا ٱلرَّبَّ، ٱسْتَهَانُوا بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ، ٱرْتَدُّوا إِلَى وَرَاءٍ».

ص 57: 3 و4 ومتّى 3: 7 مزمور 58: 3

ٱلثَّقِيلِ ٱلإِثْمِ الخطية كحمل ثقيل على الخاطئ يتعب منه ولا يقدر أن يطرحه بقوته وهو كل يوم يزيد عليه ولو كان يكرهه.

نَسْلِ فَاعِلِي ٱلشَّرِّ هذا يدل على امتداد الشر بين جميع الشعب حتى أنهم يُدعون أمة خاطئة وجنساً شريراً.

أَوْلاَدِ مُفْسِدِينَ أي لا يكتفون بأن يعملوا الشرور بل يعلّمون غيرهم أن يخطئوا أيضاً لأن من طبع الخطية امتدادها وازديادها والخاطئ يخجل أن يكون الخاطئ الوحيد فيريد أن يكون معه شركاء.

ٱسْتَهَانُوا بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ جاءت العبارة «قدوس إسرائيل» في إشعياء نحو ثلاثين مرة مع أنها لم ترد في سائر أسفار الكتاب سوى خمس مرات فتكرارها في هذا السفر مما يثبت أن إشعياء كتبه كله. وأشار بقوله «استهانوا بقدوس إسرائيل» إلى شرين الأول أنهم أخطأوا إلى الله القدوس الذي لم يصنع معهم إلا العدل والحق. والثاني أن هذا الإله القدوس هو إلههم وإن له عليهم واجبات خاصة.

5، 6 «5 عَلَى مَ تُضْرَبُونَ بَعْدُ؟ تَزْدَادُونَ زَيَغَاناً! كُلُّ ٱلرَّأْسِ مَرِيضٌ وَكُلُّ ٱلْقَلْبِ سَقِيمٌ. 6 مِنْ أَسْفَلِ ٱلْقَدَمِ إِلَى ٱلرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ، بَلْ جُرْحٌ وَأَحْبَاطٌ وَضَرْبَةٌ طَرِيَّةٌ لَمْ تُعْصَرْ وَلَمْ تُعْصَبْ وَلَمْ تُلَيَّنْ بِٱلزَّيْتِ».

ص 9: 13 وإرميا 2: 30 و5: 3 مزمور 38: 5 إرميا 8: 22 لوقا 10: 34

عَلَى مَ تُضْرَبُونَ بَعْدُ الخ أشار بهذا إلى كثرة تأديب الرب وأنواعه فإنه لما تركوه كان يضربهم بالرحمة والمحبة لكي يرجعوا إليه. وكانت الضربات بواسطة المديانيين والفلسطينيين والسامرة وآرام وأشور وغيرهم. وكان بنو إسرائيل في أول الأمر ينتبهون ويتوبون ويرجعون ولكن في أيام إشعياء كانت قلوبهم قد تقست فلم يستفيدوا من مصائبهم الكثيرة وصار إسرائيل كجسد مريض الرأس والقلب وكل الأعضاء ولا يرجو أن يشفى فقال الرب ماذا يصنع من الوسائط وهو لم يصنعه لشعبه وإذا ضربهم بعد يكون لازديادهم زيغاناً وقساوة. والكلام في (ع 5 - 9) يشير إلى المصائب الناتجة عن خطاياهم وبداءة ذكر تلك الخطايا.

7 - 9 «7 بِلاَدُكُمْ خَرِبَةٌ. مُدُنُكُمْ مُحْرَقَةٌ بِٱلنَّارِ. أَرْضُكُمْ تَأْكُلُهَا غُرَبَاءُ قُدَّامَكُمْ وَهِيَ خَرِبَةٌ كَٱنْقِلاَبِ ٱلْغُرَبَاءِ. 8 فَبَقِيَتِ ٱبْنَةُ صِهْيَوْنَ كَمِظَلَّةٍ فِي كَرْمٍ، كَخَيْمَةٍ فِي مَقْثَأَةٍ، كَمَدِينَةٍ مُحَاصَرَةٍ. 9 لَوْلاَ أَنَّ رَبَّ ٱلْجُنُودِ أَبْقَى لَنَا بَقِيَّةً صَغِيرَةً لَصِرْنَا مِثْلَ سَدُومَ وَشَابَهْنَا عَمُورَةَ».

تثنية 28: 51 و52 أيوب 27: 18 ومراثي 2: 6 إرميا 4: 17 مراثي 3: 22 ورومية 9: 29 تكوين 19: 24

هذه الآيات تفسير ما في ع 6 فإن النبي بيّن فيها حقيقة الضربات التي وقعت على الأمة الإسرائيلية وإن المصائب التي سبق ذكرها فوق أنها نتيجة طبيعية للخطية هي أحكام الله العادلة.

بِلاَدُكُمْ خَرِبَةٌ (ع 7) هذا لم يكن في أيام عزيا لأنه تشدد جداً والله ساعده على الفلسطينيين والعرب وجميع أعداء إسرائيل وبنى أبراجاً وحفر آباراً وكان له مواشٍ وفلاحون وكرامون. ولفظة غرباء وذكر المدن المحرقة بالنار توافق ما أصاب إسرائيل في أيام آحاز وحزقيا (2أيام 28: 17 - 20 و32: 1 - 11).

تَأْكُلُهَا غُرَبَاءُ قُدَّامَكُمْ أي بلا حياء وهذا يدل على مقدار ذلّ إسرائيل وانحطاطهم.

كَٱنْقِلاَبِ ٱلْغُرَبَاءِ لو كان جيرانهم هم الذين أخذوا بلادهم لربما كانوا حفظوا البيوت ليسكنوا فيها والحقول ليزرعوها وأما الغرباء كالاشوريين فلا يهمهم شيء بل يخربون وينهبون ويرجعون إلى بلادهم.

ٱبْنَةُ صِهْيَوْنَ (ع 8) أي أورشليم وصهيون هو أعلى مكان في مدينة أورشليم بنى داود فيه الحصن وبيته ودُعي مدينة داود وكان أصلاً حصناً لليبوسيين وبقي في يدهم إلى زمان داود (1أيام 11: 4 - 8).

كَمِظَلَّةٍ الخ المظلة أو الخيمة وقتية وتوجد وحدها لا بيوت حولها وكانت أورشليم مثل ذلك بعدما خربت المدن حولها وأشرفت على الخراب كما كان الأمر عند غزوة سنحاريب في أيام حزقيا.

رَبَّ ٱلْجُنُودِ (ع 9) الأرجح أن لفظة جنود تشير إلى الأجرام السماوية وتدل على المجد والقدرة غير المحدودة (إشعياء 40: 26 وإرميا 33: 22).

بَقِيَّةً صَغِيرَة من رحمة الله كانت البقية الصغيرة توجد في كل عصر. كان نوح وأهل مدينته بقية صغيرة في أيام الطوفان. وإبراهيم ولوط بعد الطوفان. وكالب ويشوع بين الذين خرجوا من مصر. وإيليا في أيام أخآب. ومن البقية الصغيرة يطلع أمة جديدة كما ينبت الغصن من أصول الشجرة المقطوعة.

سَدُومَ وَعَمُورَةَ أي في حال الخراب التام غير القابل الإصلاح.

ذكر الخطايا التي من أجلها نزلت المصائب بالإسرائيليين ع 10 إلى 15

10 «اِسْمَعُوا كَلاَمَ ٱلرَّبِّ يَا قُضَاةَ سَدُومَ! أَصْغُوا إِلَى شَرِيعَةِ إِلٰهِنَا يَا شَعْبَ عَمُورَةَ».

تثنية 32: 32 وحزقيال 16: 46

يَا قُضَاةَ سَدُومَ... يَا شَعْبَ عَمُورَةَ الخطاب لبني يهوذا والمعنى أنهم يشبهون أولئك في شرّهم.

11 «لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ؟ يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱتَّخَمْتُ مِنْ مُحْرَقَاتِ كِبَاشٍ وَشَحْمِ مُسَمَّنَاتٍ، وَبِدَمِ عُجُولٍ وَخِرْفَانٍ وَتُيُوسٍ مَا أُسَرُّ».

1صموئيل 15: 22 ومزمور 50: 8 و9 و51: 16 وأمثال 15: 8 و21: 27 وص 66: 3 وإرميا 6: 20 و6: 21 وعاموس 5: 21 و22 وميخا 6: 7

لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ الخ الرب قادر على كل شيء وله كل شيء وليس بمحتاج إلى شيء من بني البشر ولا يريد منهم إلا المحبة والطاعة. وقيمة الذبائح والتقدمات قائمة بأنها علامة الإيمان والطاعة ممن يقدمونها. ولا فائدة من كثرة ذبائحهم ما داموا في خطاياهم لأن الله لا يسر بالرسوم الخارجية وإن قُدمت حسب الناموس إذا لم يتب الذين يقدمونها عن خطاياهم. وهو ينظر إلى حال القلب الداخلية لا إلى الأعمال الخارجية فقط. فإذا كان له المجد قد رفض الرسوم التي فرضها هو إذا قُدمت بقلوب شريرة فلا بد أن يرفض فرائض البشر ويغضب على كل من يُعطي كرامته لغيره. فإذا كان لا يقبل خدمة الأيدي المملوءة دماً فلا بد من أنه يكره القلوب المملوءة مقاصد شريرة ويرفض طلباتها ولا يستجيب صلواتها (1صموئيل 15: 22 ومزمور 50: 7 - 15 وعاموس 5: 21 - 24).

12 «حِينَمَا تَأْتُونَ لِتَظْهَرُوا أَمَامِي، مَنْ طَلَبَ هٰذَا مِنْ أَيْدِيكُمْ أَنْ تَدُوسُوا دِيَارِي؟».

خروج 23: 17 و34: 23

مَنْ طَلَبَ هٰذَا مِنْ أَيْدِيكُمْ أَنْ تَدُوسُوا دِيَارِي أي دور الهيكل في أورشليم فإن الذكور كلهم كانوا مكلفين بأن يأتوا إلى أورشليم ثلاث مرات في السنة. والرب يطلب أن يكون السجود له بالروح والحق. فالحضور الجسدي إذا خلا من العبادة القلبية والخدمة المخلصة والسلوك الطاهر كان كدوس البهائم وكذا حضور الكنائس المسيحية إذا كان بلا سجود روحي. وكثيراً ما يراعي الأشرار حفظ الرسوم الخارجية لأنهم يظنون أن ذلك عبادة تكفير خطاياهم فيمكنهم أن يبقوا في شرورهم في الدنيا وتخلص نفوسهم في الآخرة.

والكلام هنا يوافق زمان ملك عزيا وحزقيا حيث كان الإسرائيليون إجمالاً يتظاهرون بالغيرة في عبادة الرب وهم مولعون بأمور العالم.

13، 14 «13 لاَ تَعُودُوا تَأْتُونَ بِتَقْدِمَةٍ بَاطِلَةٍ. ٱلْبَخُورُ هُوَ مَكْرُهَةٌ لِي. رَأْسُ ٱلشَّهْرِ وَٱلسَّبْتُ وَنِدَاءُ ٱلْمَحْفَلِ. لَسْتُ أُطِيقُ ٱلإِثْمَ وَٱلاعْتِكَافَ. 14 رُؤُوسُ شُهُورِكُمْ وَأَعْيَادُكُمْ بَغَضَتْهَا نَفْسِي. صَارَتْ عَلَيَّ ثِقْلاً. مَلِلْتُ حِمْلَهَا».

متّى 15: 9 يوئيل 1: 14 و2: 15 عدد 28: 11 لاويين 23: 2 الخ ومراثي 2: 6 ص 43: 24

رَأْسُ ٱلشَّهْرِ (سفر العدد 28: 11 - 14).

لَسْتُ أُطِيقُ ٱلإِثْمَ وَٱلاعْتِكَافَ أي لا أحتمل حفظ الرسوم والفرائض إذا كان حفظها مقروناً بالإثم.

15 «فَحِينَ تَبْسُطُونَ أَيْدِيكُمْ أَسْتُرُ عَيْنَيَّ عَنْكُمْ، وَإِنْ كَثَّرْتُمُ ٱلصَّلاَةَ لاَ أَسْمَعُ. أَيْدِيكُمْ مَلآنَةٌ دَماً».

أيوب 27: 9 ومزمور 134: 2 وأمثال 1: 28 وص 59: 2 وإرميا 14: 12 و ميخا 3: 4 مزمور 66: 18 و1تيموثاوس 2: 8 ص 59: 3

أَسْتُرُ عَيْنَيَّ عَنْكُمْ لأن تلك الأيدي مملوءة دماً أي كانت قد قتلت كثيرين من الناس لا القتل بالفعل فقط بل بالظلم أيضاً على أنواعه فإن الذي يظلم الفقير ويأخذ منه بيته أو أرضه أو خبزه أو ثوبه أو ينجس أجرته يأخذ منه ما يعيش به فتكون خطيته كخطية القتل.

16 «اِغْتَسِلُوا. تَنَقَّوْا. ٱعْزِلُوا شَرَّ أَفْعَالِكُمْ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيَّ. كُفُّوا عَنْ فِعْلِ ٱلشَّرِّ».

إرميا 4: 14 مزمور 34: 14 و37: 27 وعاموس 5: 15 ورومية 12: 9 و1بطرس 3: 11

اِغْتَسِلُوا ليس المراد بالاغتسال الحقيقي لأن غسل الأيدي لا يخلّص من المسؤولية ولا يطهر من الخطية. والمعنى أن الخطية دنسة ومكروهة جداً في عيني الرب فلا يقبل عبادتهم ما داموا في خطاياهم ولا فائدة من التوبة بالكلام ما لم تكن بالفعل أي ترك الخطية كلها.

17 «تَعَلَّمُوا فِعْلَ ٱلْخَيْرِ. ٱطْلُبُوا ٱلْحَقَّ. ٱنْصِفُوا ٱلْمَظْلُومَ. ٱقْضُوا لِلْيَتِيمِ. حَامُوا عَنِ ٱلأَرْمَلَةِ».

إرميا 22: 3 و16 وميخا 6: 8 وزكريا 7: 9 و8: 16

معنى الآية أن الخطية لا تقوم بفعل الشر فقط بل بعدم فعل الخير أيضاً ولا ينفع الإنسان ترك العالم وتجنب كل الأعمال العالمية لأن الله يطلب منه أن يعمل الحق والرحمة ويخدم المحتاجين. ويظهر من كلام النبي في القضاة أنه كان مختبراً الأمور السياسية وكان معاشراً للحكام.

18 «هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَٱلْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَٱلثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَٱلدُّودِيِّ تَصِيرُ كَٱلصُّوفِ».

ص 43: 26 وميخا 6: 2 مزمور 51: 7 ورؤيا 7: 14

هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ شبّه الرب نفسه بقاض نزل عن كرسي القضاء وجلس بجانب المذنب وأخذ يكلمه باللطف ويبيّن له عظمة ذنبه ويحرّضه على الإصلاح ويعده بالغفران التام والإطلاق بشرط أن يعده وعداً صادقاً بأنه لا يخطئ أيضاً. فما أعجب تنازل الرب وما ألطف كلامه.

تَبْيَضُّ كَٱلثَّلْجِ أي تُغفر كاملة (إرميا 31: 34 وميخا 7: 18) وغفران الله كمحبته له عرض وطول وعمق وعلو (أفسس 3: 19) فله عرض وطول لأنه يشمل جميع الخطايا وجميع الخطأة كداود الذي قتل وزنى وبطرس الذي أنكر المسيح واللص المصلوب وبولس الذي اضطهد الكنيسة. وله عمق لأنه يصل إلى أفكار القلب والخطايا السرية. وله علو لأنه به يدخل الخاطئ النجس في جماعة القديسين وأهل بيت الله وينال أخيراً المجد والسعادة والإكرام والحياة الأبدية في السماء (رؤيا 7: 13 - 17).

19 «إِنْ شِئْتُمْ وَسَمِعْتُمْ تَأْكُلُونَ خَيْرَ ٱلأَرْضِ».

معنى الأية أن هذا الغفران التام يكون بشرط واحد فقط وهو أنهم يصدقون قول الله ويقبلون وعده ويطيعونه حسب قوله «إن شئتم وسمتعم» أي الغفران هو بدم يسوع المسيح المشار إليه بالذبائح في القديم والغفران هو للخلاص من الخطية فليس هو للذين يبقون في الخطية بإرادتهم. وبهذا يمتاز عن الغفران الكاذب الذي يُشترى بالمال ويسمح للناس أن يبقوا في خطاياهم.

20 «وَإِنْ أَبَيْتُمْ وَتَمَرَّدْتُمْ تُؤْكَلُونَ بِٱلسَّيْفِ. لأَنَّ فَمَ ٱلرَّبِّ تَكَلَّمَ».

عدد 23: 19 وتيطس 1: 2

المواعيد المذكورة هي بالزمنيات «تأكلون خير الأرض» وهكذا الوعيد «تؤكلون بالسيف». وكان هذا غالباً في العهد القديم لأن شعب الله يومئذ لم يدرك البركات الروحية كما عرفها بعد ميلاد المسيح. والبركات في أيامنا الجسدية تنتج من الطاعة للرب غير أننا لا نطيعه لننال هذه البركات بل نطيعه من مجرد أن محبتنا له ولو تعبنا وخسرنا الخيرات الجسدية ويحسن أن ينتبه هنا للترتيب فالأول ذكر مصائبهم. والثاني التبكيت على خطاياهم التي كانت سبب المصائب. والثالث التحريض على التوبة والرابع والآخر الوعد بالغفران.

21 «كَيْفَ صَارَتِ ٱلْقَرْيَةُ ٱلأَمِينَةُ زَانِيَةً! مَلآنَةً حَقّاً. كَانَ ٱلْعَدْلُ يَبِيتُ فِيهَا. وَأَمَّا ٱلآنَ فَٱلْقَاتِلُونَ».

إرميا 2: 20 و21

ٱلْقَرْيَةُ ٱلأَمِينَةُ أي أورشليم. كانت مدينة داود موقع الهيكل وهو مسكن الله ومركز العبادة. وصارت «زانية» أي تركت الرب وتبعت الظلم والرشوة وسفك الدماء فكانت كامرأة تترك رجلها الشرعي وتتبع غيره. ولنا من ذلك أن القداسة ليست بالمكان بل بالساكنين فيه. فأورشليم كانت مدينة مقدسة لما كان أهلها مقدسين وكان الرب ساكناً فيها وتدنست بشرور أهلها وصارت كغيرها من المدن لما تركوا الرب فتركهم.

22 «صَارَتْ فِضَّتُكِ زَغَلاً وَخَمْرُكِ مَغْشُوشَةً بِمَاءٍ».

إرميا 6: 28 و30 وحزقيال 22: 18 و19

صَارَتْ فِضَّتُكِ الخ أشار بهذا إلى تمرّغها بالمعاصي بزغلها الفضة ومزج الخمر بالماء.

23 «رُؤَسَاؤُكِ مُتَمَرِّدُونَ وَلُغَفَاءُ ٱللُّصُوصِ. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُحِبُّ ٱلرَّشْوَةَ وَيَتْبَعُ ٱلْعَطَايَا. لاَ يَقْضُونَ لِلْيَتِيمِ، وَدَعْوَى ٱلأَرْمَلَةِ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِمْ».

هوشع 9: 15 أمثال 29: 24 إرميا 22: 17 وحزقيال 22: 12 وهوشع 4: 18 وميخا 3: 11 و7: 3 إرميا 5: 28 وزكريا 7: 10

رُؤَسَاؤُكِ مُتَمَرِّدُونَ صرّح بخطايا رؤسائها ومن جملتها عدم التفاتهم إلى اليتيم والأرملة.

وَلُغَفَاءُ ٱللُّصُوصِ جمع لغيف وهو من يأكل مع اللصوص ويحفظ ثيابهم ولا يسرق معهم.

24 «لِذٰلِكَ يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ عَزِيزُ إِسْرَائِيلَ: آهِ! إِنِّي أَسْتَرِيحُ مِنْ خُصَمَائِي وَأَنْتَقِمُ مِنْ أَعْدَائِي».

تثنية 28: 63 وحزقيال 5: 13

لِذٰلِكَ ما عمله الرب لم يعمله بلا سبب ولا لأنه تغيّر في مقاصده بل عمله بسبب خطايا شعبه والتغيير فيهم. وجاء الاسم «عزيز إسرائيل أو يعقوب» في الكتاب المقدس ست مرات فقط (ص 49: 26 و60: 16 وتكوين 49: 24 ومزمور 132: 2 و5). وقدرته ظهرت في انتقامه من أعدائه وفي خلاص شعبه والخصماء والأعداء هم الأشرار بين بني إسرائيل المذكورين في (ع 10 و23). والرب يستريح منهم أي لا يحتملهم بعد. ولا نتعجب من غضبه بل من طول أناته لأنه كان قد احتملهم زماناً طويلاً.

25 «وَأَرُدُّ يَدِي عَلَيْكِ، وَأُنَقِّي زَغَلَكِ كَأَنَّهُ بِٱلْبَوْرَقِ، وَأَنْزِعُ كُلَّ قَصْدِيرِكِ».

إرميا 6: 29 و9: 7 وملاخي 3: 3

وَأَرُدُّ يَدِي الرب انتقم من أعدائه قصد خلاص شعبه وغايته بكل تأديبه لذلك الشعب الخير والبنيان لا الهلاك والدمار.

بِٱلْبَوْرَقِ البورق هنا النطرون وهو مادة تستعمل لتنقية الفضة والذهب ونحوهما من الزغل.

26 «وَأُعِيدُ قُضَاتَكِ كَمَا فِي ٱلأَوَّلِ وَمُشِيرِيكِ كَمَا فِي ٱلْبَدَاءَةِ. بَعْدَ ذٰلِكَ تُدْعَيْنَ مَدِينَةَ ٱلْعَدْلِ، ٱلْقَرْيَةَ ٱلأَمِينَةَ».

إرميا 33: 7 زكريا 8: 3

وَأُعِيدُ قُضَاتَكِ الخ هذا تفسير ما في (ع 25) أي أنه يعزل الحكام والقضاة وكل رجال الحكومة الظالمين الخائنين ويقيم مكانهم من هم أهل العدل والأمانة والصدق ويطّهر الأمة ورؤساءها ويردّهم إلى حالهم الأول. وتتميم هذا الوعد كان جزئياً في زمان زربابل وعزرا والمكابيين ويكون تماماً في الكنيسة المسيحية.

27 «صِهْيَوْنُ تُفْدَى بِٱلْحَقِّ وَتَائِبُوهَا بِٱلْبِرِّ».

صِهْيَوْنُ تُفْدَى بِٱلْحَقِّ الخ أي الحق يظهر حين ينتقم الله من الأشرار ويثبت بر الله حين يوفي بمواعيده للتائبين من صهيون.

28 «وَهَلاَكُ ٱلْمُذْنِبِينَ وَٱلْخُطَاةِ يَكُونُ سَوَاءً، وَتَارِكُو ٱلرَّبِّ يَفْنَوْنَ».

أيوب 31: 3 ومزمور 1: 6 و5: 6 و73: 27 و92: 9 و104: 35

هَلاَكُ ٱلْمُذْنِبِينَ وَٱلْخُطَاةِ يَكُونُ سَوَاءً في وقت واحد مع التطهير بواسطة التأديب المذكور في الآيات الثلاث السابقة أي أن الله في وقت واحد يطهّر بعضهم ويهلك الباقين فيكون عقاب الأشرار بمنزلة امتحان للأخيار يؤول إلى تطهيرهم.

29 «لأَنَّهُمْ يَخْجَلُونَ مِنْ أَشْجَارِ ٱلْبُطْمِ ٱلَّتِي ٱشْتَهَيْتُمُوهَا وَتُخْزَوْنَ مِنَ ٱلْجَنَّاتِ ٱلَّتِي ٱخْتَرْتُمُوهَا».

ص 57: 5 ص 65: 3 و66: 17

لأَنَّهُمْ يَخْجَلُونَ مِنْ أَشْجَارِ ٱلْبُطْمِ الخ أي أن الأشرار متى خابت آمالهم من الأوثان التي استندوا عليها وتحققوا أنها لا تقدر أن تخلصهم من يد الله وإنها باطلة وعدم. يخزون ويخجلون من الأشجار والجنات التي عبدوا تلك الأوثان تحت ظلها. وعبادة الأوثان تحت الأشجار وفي الجنات تظهر من أماكن كثيرة في الكتاب المقدس (انظر إشعياء 65: 3 و66: 17 وحزقيال 6: 13 وهوشع 4: 13).

30 «لأَنَّكُمْ تَصِيرُونَ كَبُطْمَةٍ قَدْ ذَبُلَ وَرَقُهَا وَكَجَنَّةٍ لَيْسَ لَهَا مَاءٌ».

لأَنَّكُمْ تَصِيرُونَ كَبُطْمَةٍ قَدْ ذَبُلَ وَرَقُهَا وَكَجَنَّةٍ لَيْسَ لَهَا مَاءٌ لما ذكر الأشجار والجنات في (ع 29) عبّر عن أحوالهم المستقبلة بهذه التشبيهات على طريق المناسبة.

31 «وَيَصِيرُ ٱلْقَوِيُّ مَشَاقَةً، وَعَمَلُهُ شَرَاراً، فَيَحْتَرِقَانِ كِلاَهُمَا مَعاً وَلَيْسَ مَنْ يُطْفِئُ».

حزقيال 32: 21 ص 43: 17

يَصِيرُ ٱلْقَوِيُّ أي الرؤساء الذين تقدم ذكرهم في (ع 26).

مَشَاقَةً في النار. أي يضمحلون سريعاً كما تضمحل المشاقة وهي ما يبقى بعد مشط الكتان ويصلح لإيقاد النار.

وَعَمَلُهُ شَرَاراً، فَيَحْتَرِقَانِ كِلاَهُمَا مَعاً لعل المراد بعمله الأصنام التي عملوها بدليل الإشارة إليها وإلى عبادتها في (ع 29). وكثيراً ما يكون هلاك الخطأة بواسطة الشرور التي اشتهوها وسعوا وراءها كمن يترك الله لأجل المال وبعدما ينال المال يجده تعباً وتجربة لبيته ولنفسه أو من يتبع لذات العالم ويجدها مراراً وليس فيها لذة حقيقية لا للجسد ولا للنفس ومن يفضل مجد الناس على مجد الله فيكون نصيبه الإهانة والاحتقار من الناس.

وَلَيْسَ مَنْ يُطْفِئُ أي لا يكون لها منقذ ولا معين.

فوائد للوعاظ

الأولى: البنين العصاة (ع 2)

  1. إن البنين العصاة كافرون بالنعمة أي غير شاكرين عليها فإن الله خلّصنا ويحفظنا ويحبنا وبذل ابنه لأجلنا.

  2. إن البنين العصاة جهلاء فلا يعرفون مصلحتهم وليسوا قادرين على مقاومة الله فالبهائم أحكم منهم.

  3. إن عصيان البنين ناتج عن حب الذات والكبرياء والقلب الشرير وعدم الإيمان بالآخرة فعلى العصاة أن يرجعوا إلى الطاعة ويسمعوا كلام أبيهم فعنده المغفرة.

الثانية: لماذا لي كثرة ذبائحكم (ع 11)

  1. إنه كثيراً ما يكسل الذين يبالغون في حفظ الرسوم الخارجية عن حسن السلوك والتقوى القلبية.

  2. إن الله لا يُغش فإنه ينظر إلى القلب ويعرف أفكار الناس وغاياتهم والتقدمة بالباطلة إهانة له لأنها تنزله منزلة من لا يعرف ولا يميّز.

  3. إن الله قدوس فيسر بالحق في الباطن وبالسلوك الكامل.

الثالثة: كيف صارت القرية الأمينة زانية (ع 21) أي كيف تركت الكنيسة محبتها الأولى. إنها تركتها على ما يأتي:

  1. مرور الأيام. فإن الإنسان إذا اعتاد المواعظ والاجتماعات الروحية لم تلذ له كالأول حين كان كل شيء جديداً عنده وكثيراً ما يكون الحديث في الإيمان والصغير السن غيوراً أكثر من المتقدم.

  2. هموم العالم وغرور الغنى. المسيحي يلهو بأمور هذه الحياة وحين يكثر المال والأملاك والأعمال والتنزهات والزيارات لا يبقى له وقت ولا ميل إلى الروحيات وأحياناً يكون الفقير بما للجسد غنياً بما لله.

  3. التهامل في عمل الخير. تأتي فرص للخدمة للمرضى والفقراء وفرص لتبشير الضالين فالضمير ينبه الإنسان على استغنام هذه الفرص ولكنه يهمل الفرصة وهكذا يقسي قلبه وبالتدريج يموّت ضميره.

ومن يريد أن يصلح هذه الحال التعيسة فعليه أن يأتي:

  1. أن يطلب النمو الدائم في معرفة كتاب الله.

  2. أن يطلب أولاً ملكوت الله ولا يسمح للعالم أن يأخذ المكان الأول في قلبه.

  3. أن يسمع لصوت الضمير ويطيعه حالاً ولا يرجع عن طاعته.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي

هذا الأصحاح بداءة القسم الأول من هذا السفر.

الأرجح أن هذا الأصحاح كُتب في أول ملك آحاز ومما يدل على ذلك ما يأتي:

  1. إنه كان في وقت نجاح زمني (ع 7) وامتلأت أرضهم فضة وذهباً الخ أي في أول ملك آحاز لا في آخره.

  2. إنه كان في وقت عبادة أصنام (ع 8) وامتلأت أرضهم أوثاناً فلا يكون في ملك عزيا ولا يوثام.

ومضامين هذا الأحصاح ما يأتي:

  1. كلام افتتاحي (ع 1)

  2. نبوءة بإقامة مملكة المسيح وامتدادها (ع 2 و3).

  3. رفض الرب بيت يعقوب لأجل تعلقه بالدنيويات وعبادته للأصنام (ع 6 - 9).

  4. نبوءة بإبادة العبادة الباطلة وحط كبرياء بيت يعقوب (ع 10 - 22).

1 «اَلأُمُورُ ٱلَّتِي رَآهَا إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ مِنْ جِهَةِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ».

اَلأُمُورُ ٱلَّتِي رَآهَا إِشَعْيَاءُ الخ هذه الآية عنوان للقسم الأول من هذا السفر كما أن الآية الأولى من الأصحاح الأول عنوان لكل السفر ومعناه أن ما يأتي من الكلام هو في شأن يهوذا وأورشليم.

2 «وَيَكُونُ فِي آخِرِ ٱلأَيَّامِ أَنَّ جَبَلَ بَيْتِ ٱلرَّبِّ يَكُونُ ثَابِتاً فِي رَأْسِ ٱلْجِبَالِ وَيَرْتَفِعُ فَوْقَ ٱلتِّلاَلِ وَتَجْرِي إِلَيْهِ كُلُّ ٱلأُمَمِ».

ميخا 4: 1 الخ تكوين 49: 1 وإرميا 23: 20 مزمور 68: 15 و16 مزمور 72: 8 وص 27: 13

هذه النبوءة عينها في نبوءة ميخا (ميخا 4: 1) ومما يدل على أن ميخا لم يأخذها من إشعياء إنها توافق سياق الكلام في ميخا أكثر مما توافقه في إشعياء جاء في (إرميا 26: 18) أن ميخا تنبأ في أيام حزقيا قائلاً «إن صهيون تُفلح كحقل» وهذه النبوءة مقترنة بتلك في نبوءة ميخا (ميخا 3: 12 و4: 1). ومن المحتمل أن ميخا تنبأ بهذه النبوءة في أيام آحاز ثم أعادها في أيام حزقيا.

وَيَكُونُ فِي آخِرِ ٱلأَيَّامِ عبارة اصطلاحية تطلق على زمن الإنجيل أو على مدة معدودة منه من دون تعيين. وإذ لم نتحقق بعد تمام هذه النبوءة برمتها ننتظر تمامها بعد عصرنا الحاضر أي في وقت انتصار المسيح على كل أعدائه وعموم ملكوته مدة الألف السنة (القواعد السنية صفحة 342).

يَرْتَفِعُ فَوْقَ ٱلتِّلاَلِ أي أن الديانة المسيحية ترتفع فوق جميع الأديان الكاذبة كمدينة موضوعة على جبل فلا تخفى وتثبت في ارتفاعه كحصن منيع.

تَجْرِي إِلَيْهِ كُلُّ ٱلأُمَمِ أي يأتون من جميع نواحي المسكونة وينضمون إلى شعب الله انضماماً متوالياً كجريان نهر عظيم. والديانة المسيحية تجذب الناس لأنها تُظهر لهم محبة الله للعالم ومحبة يسوع المسيح الذي بذل نفسه ليخلّص العالم من الخطية وطريق السماء والحياة الأبدية وأحسن طريق إلى الحياة السعيدة المقدسة على الأرض.

3 «وَتَسِيرُ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ، وَيَقُولُونَ: هَلُمَّ نَصْعَدْ إِلَى جَبَلِ ٱلرَّبِّ، إِلَى بَيْتِ إِلٰهِ يَعْقُوبَ فَيُعَلِّمَنَا مِنْ طُرُقِهِ وَنَسْلُكَ فِي سُبُلِهِ. لأَنَّهُ مِنْ صِهْيَوْنَ تَخْرُجُ ٱلشَّرِيعَةُ وَمِنْ أُورُشَلِيمَ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ».

إرميا 31: 6 و60: 6 وزكريا 8: 21 و23 لوقا 24: 47

لأَنَّهُ مِنْ صِهْيَوْنَ تَخْرُجُ ٱلشَّرِيعَةُ أي قانون الإيمان والعمل فينتج من هذا القول أن كلام الله أي الكتاب المقدس يكون دستور الإيمان الوحيد لا تعليم الناس ولا أحكام المجامع.

وَمِنْ أُورُشَلِيمَ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ أي منها تثبت بشرى الإنجيل في العالم بأسره. وصهيون وأورشليم هنا كناية عن الكنيسة الإنجيلية (القواعد السنية وجه 296 - 342).

4 «فَيَقْضِي بَيْنَ ٱلأُمَمِ وَيُنْصِفُ لِشُعُوبٍ كَثِيرِينَ، فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكاً وَرِمَاحَهُمْ مَنَاجِلَ. لاَ تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفاً وَلاَ يَتَعَلَّمُونَ ٱلْحَرْبَ فِي مَا بَعْدُ».

مزمور 46: 9 وهوشع 2: 18 وزكريا 9: 10 مزمور 72: 3 و7

فَيَقْضِي بَيْنَ ٱلأُمَمِ أي سيجعل في قلوبهم الحكمة والإنصاف والمحبة فيعدلون عن الحروب وإذا وقع اختلاف بينهم يحكمون فيه عرفياً. ورأينا شيئاً من ذلك في أيامنا فإن الحروب قلت وأهوالنا تخففت. وأما في الأيام القديمة فكانوا يقتلون الناس حتى النساء والأطفال وغير المقاتلين ولم يتوقفوا عن القتال بعد خضوع العدو. وفي هذا العصر تغيّر ذلك كله وأخذوا يعتنون بالمرضى والجرحى والأسرى ويدفنون الموتى بلا تمييز بين الأعداء والأتباع. ونقول أن الرب يقضي بين الأمم بمعنى أنه يحل في قلوب الحكام فيحكمون كما يريد هو فيكون هو قد صار الحاكم.

فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ إذا ترجمنا هذا القول إلى لغة اليوم قلنا أن الشعوب يستعملون حديدهم للسكك والمراكب التجارية والمعامل والبيوت لا للمدافع والمدرعات والسلاح. والمبالغ العظيمة المخصصة لمصاريف الجيوش وآلات الحرب تتحول إلى ما ينفع العالم كالطرق والمدراس والأعمال الخيرية.

ألفاظ هذه النبوءة وما فيها من التشابيه والاستعارات ع 5 إلى 13

ألفاط هذه النبوءة بالإجمال وما فيها من التشابيه والاستعارات يهودية أي مأخوذة من عوائد الديانة اليهودية وهي مستعارة للتعبير عن نجاح الكنيسة الإنجيلية على معان إنجيلية أي روحية لا إلى نجاح الكنيسة اليهودية على معان يهودية أي جسدية. وهذه النبوءة من هذا القبيل أوضح مثال لمبدإ تفسير نبوءات العهد القديم التي ألفاظها يهودية جسدية بمعان إنجيلية روحية.

5 «يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ، هَلُمَّ فَنَسْلُكُ فِي نُورِ ٱلرَّبِّ».

أفسس 5: 8

يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ، هَلُمَّ فَنَسْلُكُ فِي نُورِ ٱلرَّبِّ أي أن لنا ديانة مستقبلها مجيد جداً على ما تقدم بيانه في الأعداد السابقة فلنسلك كما يليق بمن لهم مواعيد نظير المواعيد التي لنا فكأنه قال يا بيت يعقوب إذا كان الأمم سيأتون إلى دين الله الحق ويستفيدون منه فكم يجب عليكم أنتم أن تسلكوا في نور الرب أي نور الحق الديانة المعلنة من السماء (انظر أمثال 6: 23 ومزمور 119: 105 وإشعياء 51: 4 وأعمال 26: 23 و2كورنثوس 4: 4).

6 «فَإِنَّكَ رَفَضْتَ شَعْبَكَ بَيْتَ يَعْقُوبَ لأَنَّهُمُ ٱمْتَلأُوا مِنَ ٱلْمَشْرِقِ، وَهُمْ عَائِفُونَ كَٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَيُصَافِحُونَ أَوْلاَدَ ٱلأَجَانِبِ».

عدد 23: 7 تثنية 18: 14 مزمور 106: 35 وإرميا 10: 2

فَإِنَّكَ رَفَضْتَ شَعْبَكَ بَيْتَ يَعْقُوبَ الخطاب هنا لله.

لأَنَّهُمُ ٱمْتَلأُوا مِنَ ٱلْمَشْرِقِ علة لما قبله أي أن الله رفضهم لأنهم امتلأوا من المشرق والمراد خرافات المشرق أي أشور وبابل وآرام وموآب وعمون.

وَهُمْ عَائِفُونَ كَٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ الذين توغلوا كثيراً في السحر. والعائفون هم الذين يعتبرون أسماء الطيور ومساقطها وأصواتها فيتفاءلون ويتشاءمون وذلك نوع من العبادة الوثنية لأن ليس أحد يعرف المستقبل غير الله.

وَيُصَافِحُونَ أَوْلاَدَ ٱلأَجَانِبِ أي يُظهرون علامات الرضى والسرور بالوثنيين والأجانب.

7 «وَٱمْتَلأَتْ أَرْضُهُمْ فِضَّةً وَذَهَباً وَلاَ نِهَايَةَ لِكُنُوزِهِمْ، وَٱمْتَلأَتْ أَرْضُهُمْ خَيْلاً وَلاَ نِهَايَةَ لِمَرْكَبَاتِهِمْ».

تثنية 17: 16 و17

وَٱمْتَلأَتْ أَرْضُهُمْ فِضَّةً استغنوا من المظالم واختلاس حقوق المساكين والضعفاء ونتيجة الغنى الترفه والارتخاء.

وَٱمْتَلأَتْ أَرْضُهُمْ خَيْلاً وَلاَ نِهَايَةَ لِمَرْكَبَاتِهِمْ اقتنوا الخيل والمركبات واستخدموها في الحرب خلافاً لإرادة الله (تثنية 17: 16 و17).

8 «وَٱمْتَلأَتْ أَرْضُهُمْ أَوْثَاناً. يَسْجُدُونَ لِعَمَلِ أَيْدِيهِمْ لِمَا صَنَعَتْهُ أَصَابِعُهُمْ».

إرميا 2: 28

وَٱمْتَلأَتْ أَرْضُهُمْ أَوْثَاناً. يَسْجُدُونَ لِعَمَلِ أَيْدِيهِمْ لِمَا صَنَعَتْهُ أَصَابِعُهُمْ كثيراً ما بيّن الأنبياء حقارة الأصنام لكونها مصنوعة بأيدي بشرية (إشعياء 44: 9 - 20 وإرميا 10: 3 - 16 ومزمور 115: 4 - 8).

9 «وَيَنْخَفِضُ ٱلإِنْسَانُ وَيَنْطَرِحُ ٱلرَّجُلُ، فَلاَ تَغْفِرْ لَهُمْ».

وَيَنْخَفِضُ ٱلإِنْسَانُ وَيَنْطَرِحُ ٱلرَّجُلُ يحطّ شأن عبدة الأصنام وكبريائهم.

فَلاَ تَغْفِرْ لَهُمْ أي كانت خطيتهم لا تُغفر وهي ترك الرب ورفض الرحمة كالتجديف على الروح القدس (متّى 12: 31).

10، 11 «10 اُدْخُلْ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ وَٱخْتَبِئْ فِي ٱلتُّرَابِ مِنْ أَمَامِ هَيْبَةِ ٱلرَّبِّ وَمِنْ بَهَاءِ عَظَمَتِهِ. 11 تُوضَعُ عَيْنَا تَشَامُخِ ٱلإِنْسَانِ وَتُخْفَضُ رِفْعَةُ ٱلنَّاسِ، وَيَسْمُو ٱلرَّبُّ وَحْدَهُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ».

ع 19 و21 ورؤيا 6: 15 ع 17 وص 5: 15 و16 و13: 11 ص 4: 1 و11: 10 و11 و12: 1 و4 و24: 21 و25: 9 و26: 1 و27: 1 و2 و12 و13 و28: 5 و29: 18 و30: 23 و52: 6 وإرميا 30: 7 و8 وحزقيال 38: 14 و19 و39: 11 و22 وهوشع 2: 16 و18: 21 ويوئيل 3: 18 وعاموس 9: 11 وعوبديا 8 وميخا 4: 6 و5: 10 و7: 11 و 12 وصفنيا 3: 11 و16 و زكريا 9: 16

بناء على أن الله سينتقم من الأشرار على ما تقدم في الآيات السابقة أمرهم النبي أن يختبئوا من هيبته وبهاء مجد عظمته. والأرجح أن مقصوده بذلك أن يصوّر لهم أمام عيونهم حالهم حين يأتي الله لمحاكمتهم لكي ينبههم بدليل ما ذُكر في (ع 11) من نتائج دينونة الله لهم وهي وضع عيني تشامخ الإنسان وخفض رفعة الناس.

إنذار الشعب بحط شأنهم قصد تحريضهم على التوبة ع 12 إلى 17

12 «فَإِنَّ لِرَبِّ ٱلْجُنُودِ يَوْماً عَلَى كُلِّ مُتَعَظِّمٍ وَعَالٍ وَعَلَى كُلِّ مُرْتَفِعٍ فَيُوضَعُ».

فَإِنَّ لِرَبِّ ٱلْجُنُودِ يَوْماً أي يوم انتقام رهيب. والألفاظ «متعظم» و«عال» و«مرتفع» كناية عن كبرياء الإنسان وغطرسته وعن المواد العظيمة أيضاً كالأبراج والسفن والأعلام التي أتى ذكرها.

13، 14 «13 وَعَلَى كُلِّ أَرْزِ لُبْنَانَ ٱلْعَالِي ٱلْمُرْتَفِعِ، وَعَلَى كُلِّ بَلُّوطِ بَاشَانَ، 14 وَعَلَى كُلِّ ٱلْجِبَالِ ٱلْعَالِيَةِ وَعَلَى كُلِّ ٱلتِّلاَلِ ٱلْمُرْتَفِعَةِ».

ص 14: 8 و37: 24 وحزقيال 31: 3 وزكريا 11: 1 و2 ص 30: 25

عَلَى كُلِّ أَرْزِ لُبْنَانَ الخ رأى بعضهم أن الأرز والبلوط كنايات عن المتكبرين من الناس ولكن لا شك في أن الكلام في أمر الأبراج والأسوار والسفن والأعلام حقيقي فالأرجح أن الكلام في الأرز والبلوط والجبال والتلال كذلك. فإنه يوجد علاقة بين الإنسان والخلائق التي جعلها الله تحت سلطانه فيأتي الخراب على بعض الأشياء الطبيعية والأتعاب والآلام على البهائم بسبب خطايا الناس. قال سنحاريب بكثرة مركباتي قد صعدت إلى علوّ الجبال عقاب لبنان فأقطع أرزه الطويل وأفضل سوره الخ (ص 37: 24). الأشجار سقطت وسقط رجاء إسرائيل إن الجبال والتلال تمنع دخول أعدائهم.

15 «وَعَلَى كُلِّ بُرْجٍ عَالٍ وَعَلَى كُلِّ سُورٍ مَنِيعٍ».

عَلَى كُلِّ بُرْجٍ عَالٍ كان عزيا قد بنى أبراجاً في أورشليم وفي البرية (2أيام 26: 9 و10) وبنى يوثام كذلك (2أيام 27: 4) فقصد النبي أن يظهر بطل الاتكال على ذراع بشر.

عَلَى كُلِّ سُورٍ مَنِيعٍ بنى يوثام كثيراً على سور الأكمة. وهوشع أيضاً وبخ إسرائيل لأنه نسي صانعه وبنى قصوراً ووبخ يهوذا لأنه كثر مدناً حصينة (هوشع 8: 14).

16، 17 «16 وَعَلَى كُلِّ سُفُنِ تَرْشِيشَ وَعَلَى كُلِّ ٱلأَعْلاَمِ ٱلْبَهِجَةِ. 17 فَيُخْفَضُ تَشَامُخُ ٱلإِنْسَانِ وَتُوضَعُ رِفْعَةُ ٱلنَّاسِ، وَيَسْمُو ٱلرَّبُّ وَحْدَهُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ».

1ملوك 10: 22 ع 11 ع 11

كانت سفن ترشيس في ذلك الوقت أكبر سفن العالم وأقواها وقد اعتقد القدماء أن ترشيش وهي الجزء الجنوبي من بلاد أسبانيا أقصى الأرض ولذلك كانوا يرسلون إليها أكبر السفن وأعظمها. واللفظة المترجمة هنا بالأعلام غير واضحة في الأصل فتحتمل معنى الصور أيضاً وفي الترجمة اليسوعية المناظر الأنيقة ولا يمكن تحقق المراد بها هل هو ما تزين به سفن ترشيش من الصور والنقوش أو النقوش والصور لأجل الزينة على وجه الإطلاق.

18، 19 «18 وَتَزُولُ ٱلأَوْثَانُ بِتَمَامِهَا. 19 وَيَدْخُلُونَ فِي مَغَايِرِ ٱلصُّخُورِ وَفِي حَفَائِرِ ٱلتُّرَابِ مِنْ أَمَامِ هَيْبَةِ ٱلرَّبِّ وَمِنْ بَهَاءِ عَظَمَتِهِ، عِنْدَ قِيَامِهِ لِيُرْعِبَ ٱلأَرْضَ».

ع 10 وهوشع 10: 8 ولوقا 23: 30 ورؤيا 6: 16 و9: 6 و2تسالونيكي 1: 9 ص 30: 32 وحجي 2: 6 وعبرانيين 12: 26

في هذه الآية ذكر إبادة الأوثان. إن الخراب الذي سيقع على الأرز والبلوط والأبراج يكون وقتياً وجزئياً وأما زوال الأوثان فيكون أبدياً وتاماً. ولعل تتميم النبوءة كان في مدة سبي بابل فإنه في ذلك الوقت زالت عبادة الأوثان كل الزوال.

20، 21 «20 فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يَطْرَحُ ٱلإِنْسَانُ أَوْثَانَهُ ٱلْفَضِّيَّةَ وَأَوْثَانَهُ ٱلذَّهَبِيَّةَ، ٱلَّتِي عَمِلُوهَا لَهُ لِلسُّجُودِ، لِلْجُرْذَانِ وَٱلْخَفَافِيشِ 21 لِيَدْخُلَ فِي نُقَرِ ٱلصُّخُورِ وَفِي شُقُوقِ ٱلْمَعَاقِلِ، مِنْ أَمَامِ هَيْبَةِ ٱلرَّبِّ وَمِنْ بَهَاءِ عَظَمَتِهِ عِنْدَ قِيَامِهِ لِيُرْعِبَ ٱلأَرْضَ».

ص 30: 22 و31: 7 ع 19 ع 10 و19

فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ الخ أي مما ينتج يوم يأتي الله للنقمة من الإنسان يطرح أوثانه الفضية والذهبية التي عملها للجرذان والخفافيش كما يُطرح ثياب رثة وأحذية بالية في مخدع خَرب أو مطمورة مظلمة حيث لا يكون إلا الجرذان والخفافيش. وهكذا يكون الإفريقيون المتوحشون فإنهم متى رأوا أنهم لم ينالوا مطلوبهم من أصنامهم غضبوا عليها وضربوها.

22 «كُفُّوا عَنِ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي فِي أَنْفِهِ نَسَمَةٌ، لأَنَّهُ مَاذَا يُحْسَبُ؟».

مزمور 146: 3 وإرميا 17: 5 أيوب 27: 3

كُفُّوا عَنِ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي فِي أَنْفِهِ نَسَمَةٌ أي الذي هو ضعيف ويموت سريعاً.

فوائد للوعاظ

التعزية والإنذار (ع 1 - 5)

يجب أن يكون في المواعظ شيء من التعزية والرجاء وشيء من الإنذار والتوبيخ أيضاً وذلك لما يأتي:

  1. إن الخير والشر مختلطان في كل إنسان فلا شرير ليس فيه خير ولا صالح ليس فيه شرّ.

  2. إن التوبيخ بلا تعزية يقسي القلب والمدح بدون توبيخ وإنذار مما يحمل الإنسان على الكسل والثقة الباطلة.

هلم نصعد إلى بيت الرب (ع 3).

  1. كلمة «هلم» تفيد أن المسيحيين يقول بعضهم لبعض وللعالم «هلم» وهي كلمة ترحيب ودعوة فعليهم أن يجذبوا الناس بواسطة التبشير وسلوكهم الحسن ومحبتهم المخلصة.

  2. قوله «هلم نصعد» يشير إلى الاتفاق والاتحاد في طلب الخلاص وفي عمل الخير إذ قال «نصعد» لا «أصعد».

  3. قوله «نصعد إلى جبل الرب» يدل على التقدم والارتقاء والنمو والرجاء. والارتقاء الحقيقي لمن يتوجه إلى بيت الرب لا لمن يتوجه إلى الكفر. وبيت الله على الأرض مكان الاجتماعات والفوائد وهو رمز إلى اجتماع المفديين وتسبيحاتهم في السماء.

فنسلك في نور الرب (ع 5)

مفاد هذه العبارة:

  1. إن الإنجيل نور.

  2. إنه على كل إنسان أن يختار لنفسه إمّا النور أو الظلمة.

  3. إنه لا يختار الظلمة إلا من يحب الخطية.

  4. إن من يسلك في الظلمة يعثر.

  5. إن الله أعطانا النور لكي نسلك فيه لا لنفرح به فقط.

  6. إنه إن كان الأمم يأتون إلى النور فكم بالحري شعب الله.

رفضت شعبك (ع 6) معاملة الله الشعوب.

  1. إن لكل شعب زمان امتحان وذلك يظهر من تاريخ العالم.

  2. إن الله يمتحن الشعب أولاً بالراحة والنجاح.

  3. إن الشعب الذي يثبت هو الذي يستعمل قوته وماله في عمل الخير.

  4. إنه إذا أخطأ يمتحنه بالضيقات كالحروب والأوبئة والمجاعات.

  5. إنه إن لم ينتبه من الضيقات يرفضه الله.

كفوا عن الإنسان (ع 22) لنا من ذلك ما يأتي:

  1. إن الإنسان لا يقدر أن يتكل على قدرته لأن الصحة والقوة العقلية والمال وكل الخيرات الجسدية من الرب. هو أعطى وهو يأخذ.

  2. إن الإنسان لا يقدر أن يتكل على معرفته لأن حوله أشياء كثيرة لا يدركها والأشياء المستقبلة لا يعرفها أبداً.

  3. إن الإنسان لا يقدر أن يتكل على قداسته لأن التجارب تغلبه كل يوم ويسقط في الخطايا فيجب الاتكال على الله وحده.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ

مضمونه:

موضوع هذا الأصحاح مشابه لموضوع الأصحاح الثاني وفيه نتيجة الكلام على سوء حالة الشعب في عصر إشعياء ونبوءة بالمصائب الآتية عليهم ومحصل الكلام فيها.

  1. إنهم يعاقبون على تجديفهم وكبائرهم بأن يُدمَّروا بالجور والفتن والحروب الأهلية الناتجة من قبض أناس جهلاء على زمام الحكومة وتشويشها ونجاة الصديقين منهم من هذا العذاب (ع 1 - 15).

  2. إن نسائهم بسبب خلاعتهن وتبرجهن بأنواع الزينة واللباس وإهمالهن واجباتهن باعتبار أنهم أمهات وزوجات يُعاقبن بقضاء شديد وبوقوعهن في حال العار وتسليمهن للسبي (ع 16 - ص 4: 1).

1 «فَإِنَّهُ هُوَذَا ٱلسَّيِّدُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ يَنْزِعُ مِنْ أُورُشَلِيمَ وَمِنْ يَهُوذَا ٱلسَّنَدَ وَٱلرُّكْنَ، كُلَّ سَنَدِ خُبْزٍ وَكُلَّ سَنَدِ مَاءٍ».

إرميا 37: 21 و38: 9 لاويين 26: 26

هُوَذَا هذه الكلمة تشير إلى شيء يكون حدوثه أكيد وقريب.

ٱلسَّنَدَ وَٱلرُّكْنَ كل ما تقوم به حياة الشعب ولا سيما الخبز والماء. وهكذا وقع عليهم في حصار أورشليم من ملك أشور وخصوصاً ملك بابل.

2 «ٱلْجَبَّارَ وَرَجُلَ ٱلْحَرْبِ. ٱلْقَاضِي وَٱلنَّبِيَّ وَٱلْعَرَّافَ وَٱلشَّيْخَ».

2ملوك 24: 14

ٱلْجَبَّارَ وَرَجُلَ ٱلْحَرْبِ ينزع منهم كل أولياء الأمور الكبار والحاذقين ويقيم بدلاً منهم جهلاء ضعفاء العزم فيسمى الشعب في أشد الضيق ويفترس بعضهم بعضاً.

3 «رَئِيسَ ٱلْخَمْسِينَ وَٱلْمُعْتَبَرَ وَٱلْمُشِيرَ، وَٱلْمَاهِرَ بَيْنَ ٱلصُّنَّاعِ، وَٱلْحَاذِقَ بِٱلرُّقْيَةِ».

ٱلْمَاهِرَ بَيْنَ ٱلصُّنَّاعِ (انظر 2ملوك 24: 14 - 16).

وَٱلْحَاذِقَ بِٱلرُّقْيَةِ السند الكاذب كالسند الحقيقي.

4 «وَأَجْعَلُ صِبْيَاناً رُؤَسَاءَ لَهُمْ وَأَطْفَالاً تَتَسَلَّطُ عَلَيْهِمْ».

جامعة 10: 16

وَأَجْعَلُ صِبْيَاناً رُؤَسَاءَ لَهُمْ كان آحاز ابن عشرين سنة حين ملك وكانت صفاته صفات ولد صغير كالجبانة والتردد والرغبة في أمور جديدة.

أَطْفَالاً تَتَسَلَّطُ عَلَيْهِمْ مشيري آحاز كانوا مثل الأطفال في ضعفهم وجهلهم ولا مصيبة أشد من أن يكون لمملكة حكام هذه صفاتهم.

5 «وَيَظْلِمُ ٱلشَّعْبُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَٱلرَّجُلُ صَاحِبَهُ. يَتَمَرَّدُ ٱلصَّبِيُّ عَلَى ٱلشَّيْخِ وَٱلدَّنِيءُ عَلَى ٱلشَّرِيفِ».

وبما أن الملك والحكام كانوا بلا اعتبار فسدت الهيئة الاجتماعية كلها.

6، 7 «6 إِذَا أَمْسَكَ إِنْسَانٌ بِأَخِيهِ فِي بَيْتِ أَبِيهِ قَائِلاً: لَكَ ثَوْبٌ فَتَكُونُ لَنَا رَئِيساً، وَهٰذَا ٱلْخَرَابُ تَحْتَ يَدِكَ 7 يَرْفَعُ صَوْتَهُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ قَائِلاً: لاَ أَكُونُ عَاصِباً وَفِي بَيْتِي لاَ خُبْزَ وَلاَ ثَوْبَ. لاَ تَجْعَلُونِي رَئِيسَ ٱلشَّعْبِ».

تكوين 14: 22

بيان ما نشأ عن سقوط الرؤساء وارتباك السياسة على ما تقدم من التشويش والضيق الشديد حتى يأبى كل واحد في تلك الأحوال أن يكون رئيساً.

إِذَا أَمْسَكَ إِنْسَانٌ بِأَخِيهِ فِي بَيْتِ أَبِيهِ قَائِلاً: لَكَ ثَوْبٌ فَتَكُونُ لَنَا رَئِيساً أي لك ثياب تليق بالرئيس.

وَهٰذَا ٱلْخَرَابُ تَحْتَ يَدِكَ أي تحت سلطانك لتصلحه فينفر ويجيبه بقول لا أكون.

يَرْفَعُ صَوْتَهُ أي ينفر ويأبى.

قَائِلاً: لاَ أَكُونُ لا أريد ولا أقدر من جرى الفقر الشديد والضيق. كطبيب يستعفي من معالجة مريض إذ لا يريد أن يموت عن يده.

8، 9 «8 لأَنَّ أُورُشَلِيمَ عَثَرَتْ وَيَهُوذَا سَقَطَتْ، لأَنَّ لِسَانَهُمَا وَأَفْعَالَهُمَا ضِدَّ ٱلرَّبِّ لإِغَاظَةِ عَيْنَيْ مَجْدِهِ. 9 نَظَرُ وُجُوهِهِمْ يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ يُخْبِرُونَ بِخَطِيَّتِهِمْ كَسَدُومَ. لاَ يُخْفُونَهَا. وَيْلٌ لِنُفُوسِهِمْ لأَنَّهُمْ يَصْنَعُونَ لأَنْفُسِهِمْ شَرّاً».

ميخا 3: 12 تكوين 13: 13 و18: 20 و21 و19: 5

بيان النبي ما سيحل عليهم من الدمار وإن سببه هو إغاظتهم الله في القول والعمل وعدم خجلهم من ذكر خطاياهم بوقاحة وسرور كأنهم عدموا كل حس وشعور بما يجب أن يخجلوا منه.

لإِغَاظَةِ عَيْنَيْ مَجْدِهِ عبارة مختصرة معناها أنهم أغاظوا الرب وهو القادر على كل شيء والجالس على عرش المجد وعيناه ناظرتان إلى كل أعمالهم.

نَظَرُ وُجُوهِهِمْ يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ (ع 9) أي عدم وجود علامات الخجل والحزن على وجوههم يشهد على عدم مبالاتهم بما تمرغوا به من الرذائل والكبائر مثل أهل سدوم. ويغلب أن يكون للخطية ولو كانت سرّية علامات على وجه الإنسان فيمكننا أن نعرف السكير والزاني والطماع والضراب الخ بمجرد النظر إلى وجهه وربما تركت كل خطية مهما كانت صغيرة علامتها على وجه مرتكبها.

10، 11 «10 قُولُوا لِلصِّدِّيقِ خَيْرٌ! لأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ ثَمَرَ أَفْعَالِهِمْ. 11 وَيْلٌ لِلشِّرِّيرِ. شَرٌّ! لأَنَّ مُجَازَاةَ يَدَيْهِ تُعْمَلُ بِهِ».

جامعة 8: 12 مزمور 128: 2 مزمور 11: 6 وجامعة 8: 13

قُولُوا لِلصِّدِّيقِ خَيْرٌ أي أن الصديقين يكونون بأمن من هذا العقاب كما نجا لوط من سدوم لأن الله يعرف شعبه أفراداً ويجازي كل واحد حسب أعماله فلا يهلك البار بسبب خطايا غيره ولا يخلص الشرير بسبب برّ غيره.

وكثيراً ما يشارك الصديقون الأشرار في البلايا الجسدية ولكن بلايا الصديق تختلف عن بلايا الشرير بأن تكون وسيلة إلى خير عظيم كموت استفانوس الذي كان وسيلة إلى نشر الإنجيل ونهوض الكنيسة. وضيقة إيليا في زمان القيظ وأليشع في حصار السامرة وإرميا في حصار أورشليم والرسل في السجن لأنهم بمشاركتهم الناس في الضيقات عزّوهم وأفادوهم وكانوا لهم قدوة في الصبر والإيمان.

12 «شَعْبِي ظَالِمُوهُ أَوْلاَدٌ، وَنِسَاءٌ يَتَسَلَّطْنَ عَلَيْهِ. يَا شَعْبِي، مُرْشِدُوكَ مُضِلُّونَ، وَيَبْلَعُونَ طَرِيقَ مَسَالِكِكَ».

ع 4 ص 9: 16

شَعْبِي ظَالِمُوهُ أَوْلاَدٌ من ملوك يهوذا الأخيرين كان منسى ابن 12 سنة حين ملك. وأمون ابن 22 سنة. ويوشيا ابن 8 سنين. ويهوآحاز ابن 23 سنة. ويهوياقيم ابن 25 سنة. ويهوياكين ابن 18 سنة. وصدقيا ابن 21 سنة والكل كانوا أشراراً ما عدا يوشيا. ولم يكن الظالمون الملوك فقط بل جميع الحكام والأكابر فإنهم كانوا كالأولاد في صغر عقولهم وقلة معرفتهم واستغراقهم في أمور زهيدة.

وَنِسَاءٌ يَتَسَلَّطْنَ عَلَيْهِ أي كان حكامهم تحت سلطة النساء الشريرات كانوا هم أيضاً كالنساء الشريرات من جهة ضعفهم وتقلبهم وجبانتهم.

مُرْشِدُوكَ مُضِلُّونَ قال المسيح (متّى 6: 23) «فَإِنْ كَانَ ٱلنُّورُ ٱلَّذِي فِيكَ ظَلاَماً فَٱلظَّلاَمُ كَمْ يَكُونُ». وإذا كان المرشدون مضلين فالضلال كم يكون.

13 «قَدِ ٱنْتَصَبَ ٱلرَّبُّ لِلْمُخَاصَمَةِ وَهُوَ قَائِمٌ لِدَيْنُونَةِ ٱلشُّعُوبِ».

ميخا 6: 2

قَدِ ٱنْتَصَبَ ٱلرَّبُّ لِلْمُخَاصَمَةِ الخطية العظمى في زمان إشعياء ظلم الأغنياء للفقراء ولا سيما رؤسائهم والنبي يصوّر الرب قائماً لإنصاف شعبه.

14 «اَلرَّبُّ يَدْخُلُ فِي ٱلْمُحَاكَمَةِ مَعَ شُيُوخِ شَعْبِهِ وَرُؤَسَائِهِمْ: وَأَنْتُمْ قَدْ أَكَلْتُمُ ٱلْكَرْمَ. سَلْبُ ٱلْبَائِسِ فِي بُيُوتِكُمْ».

ص 5: 7 ومتّى 21: 33

وَأَنْتُمْ قَدْ أَكَلْتُمُ ٱلْكَرْمَ يُراد بالكرم شعب الله المعهود إلى عنايتهم ويراد بأكله سلبه. والبينة على ذلك سلب البائس في بيوتهم وذلك لا يقدرون أن ينكروه.

15 «مَا لَكُمْ تَسْحَقُونَ شَعْبِي وَتَطْحَنُونَ وُجُوهَ ٱلْبَائِسِينَ؟ يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ».

ص 58: 4 وميخا 3: 2 و3

مَا لَكُمْ ألفاظ شديدة تعبر عن غضب الله على الظالمين لأنه أقام نفسه محامياً عن كل مظلوم (خروج 22: 22 - 24).

من أنتم يقول الرب حتى تطلبوا الذين خلقهم وهو يحبهم ويحامي عنهم.

تَطْحَنُونَ يشبه البائسين بالحنطة التي تسحقها الرحى فلا تُبقي منها شيئاً صحيحاً.

وُجُوهَ ٱلْبَائِسِينَ أي تظلمونهم ظلماً ظاهراً وجهاً لوجه بلا عذر وبلا حياء.

16 - 24 «16 وَقَالَ ٱلرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ يَتَشَامَخْنَ، وَيَمْشِينَ مَمْدُودَاتِ ٱلأَعْنَاقِ وَغَامِزَاتٍ بِعُيُونِهِنَّ وَخَاطِرَاتٍ فِي مَشْيِهِنَّ وَيُخَشْخِشْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ، 17 يُصْلِعُ ٱلسَّيِّدُ هَامَةَ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ وَيُعَرِّي ٱلرَّبُّ عَوْرَتَهُنَّ. 18 يَنْزِعُ ٱلسَّيِّدُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ زِينَةَ ٱلْخَلاَخِيلِ وَٱلضَّفَائِرِ وَٱلأَهِلَّةِ 19 وَٱلْحَلَقِ وَٱلأَسَاوِرِ وَٱلْبَرَاقِعِ 20 وَٱلْعَصَائِبِ وَٱلسَّلاَسِلِ وَٱلْمَنَاطِقِ وَحَنَاجِرِ ٱلشَّمَّامَاتِ وَٱلأَحْرَازِ 21 وَٱلْخَوَاتِمِ وَخَزَائِمِ ٱلأَنْفِ 22 وَٱلثِّيَابِ ٱلْمُزَخْرَفَةِ وَٱلْعُطْفِ وَٱلأَرْدِيَةِ وَٱلأَكْيَاسِ 23 وَٱلْمَرَائِي وَٱلْقُمْصَانِ وَٱلْعَمَائِمِ وَٱلأُزُرِ. 24 فَيَكُونُ عِوَضَ ٱلطِّيبِ عُفُونَةٌ، وَعِوَضَ ٱلْمِنْطَقَةِ حَبْلٌ، وَعِوَضَ ٱلْجَدَائِلِ قَرْعَةٌ، وَعِوَضَ ٱلدِّيبَاجِ زُنَّارُ مِسْحٍ، وَعِوَضَ ٱلْجَمَالِ كَيٌّ!».

تثنية 28: 27 ص 47: 2 و3 وإرميا 13: 22 وناحوم 3: 5 قضاة 8: 21 ص 22: 12 وميخا 1: 16

في هذه الآيات تهديد بنات صهيون أي نساء أورشليم على الترفه والتبرج والتشامخ والكبرياء والخلاعة بنزع كل ما يستعملنه للتبرج وزينة نفوسهن من الحلى ومواد الزينة والجمال. وبهذا الكلام تظهر شجاعة النبي لأنه لا يوجد شيء من واجبات الوعاظ أصعب من توبيخ الحكام والنساء.

قَالَ ٱلرَّبُّ (ع 16) الكلام الآتي في اللباس هو كلام الرب فإن اللباس ولو كان للجسد يكون غالباً علامة سجايا أدبية وروحية.

إن الثياب لازمة للصحة واللياقة والزينة لدرجة محدودة والخطية تقوم بزيادة النفقة والاهتمام فلا يجوز لأحد أن ينفق على الثياب إلا ما يناسب قدرته المالية ولا يعطي اللباس من قلبه ذلك المكان الذي يجب أن يكون لأمور أفضل (1بطرس 3: 3 و4).

ولا شك في أن نساء صهيون كنّ قد ثقّلن على رجالهن بالنفقات الزائدة على لباسهن وهكذا حملن رجالهن على الظلم والرشوة فصرن شريكات رجالهن في خطاياهم وشريكاتهم أيضاً في التوبيخ من النبي.

وأكثر أسماء الملبوسات المذكورة هنا ليست ألفاظ عبرانية ونستنتج من ذلك أن نساء اليهود كنّ يتخذن ملبوسات نساء الأمم وذلك لا يليق ببنات صهيون.

مَمْدُودَاتِ ٱلأَعْنَاقِ علامة الكبرياء.

غَامِزَاتٍ بِعُيُونِهِنَّ علامة الخلاعة وفساد الآداب.

فَيَكُونُ عِوَضَ ٱلطِّيبِ (ع 24) إنذار بنات صهيون بما يُصبن به من العار والنوح والضيق وقد أطال الكلام في ذلك إلى (ص 4: 1).

وَعِوَضَ ٱلْجَمَالِ كَيٌّ من التعرض للشمس أو من المرض أو سمات الرقّ.

شدة الضيقات الناشئة لبنات صهيون من سقوط رجال الأمة بالسيف (ع 25 - ص 4: 1).

25، 26 «25 رِجَالُكِ يَسْقُطُونَ بِٱلسَّيْفِ وَأَبْطَالُكِ فِي ٱلْحَرْبِ. 26 فَتَئِنُّ وَتَنُوحُ أَبْوَابُهَا وَهِيَ فَارِغَةً تَجْلِسُ عَلَى ٱلأَرْضِ».

إرميا 14: 2 ومراثي 1: 4 مراثي 2: 10

تَئِنُّ وَتَنُوحُ أَبْوَابُهَا وَهِيَ فَارِغَةً أبواب المدن القديمة كانت لمرور أهل المدينة فيخرجون ويدخلون منها وكانت أيضاً مكان للجلوس والكلام والمحاكمة. والنبوءة بأن أبواب أورشليم تصير فارغة تدل على سقوط الهيئة الاجتماعية كلها.

تَجْلِسُ عَلَى ٱلأَرْضِ أي أورشليم وهي مشبهة بأمرأة قد انحطت إلى آخر درجة من الفقر والهوان. سكّ الأمبراطور فسباسيانوس مسكوكاً تذكاراً لافتتاح أورشليم وعليه صورة امرأة حزينة جالسة على الأرض وتحت الصورة كتابة ترجمتها «يهودية مسبية».

ص 4: 1 «فَتُمْسِكُ سَبْعُ نِسَاءٍ بِرَجُلٍ وَاحِدٍ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ قَائِلاَتٍ: نَأْكُلُ خُبْزَنَا وَنَلْبِسُ ثِيَابَنَا. لِيُدْعَ فَقَطِ ٱسْمُكَ عَلَيْنَا. ٱنْزِعْ عَارَنَا».

ص 2: 11 و17 و2تسالونيكي 3: 12 لوقا 1: 25

فَتُمْسِكُ سَبْعُ نِسَاءٍ بِرَجُلٍ وَاحِدٍ الخ يدل على قلة الرجال الناتجة من الحروب (انظر 2أيام 28: 6) «وَقَتَلَ فَقْحُ بْنُ رَمَلْيَا فِي يَهُوذَا مِئَةً وَعِشْرِينَ أَلْفاً فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ» وكان ذلك في أيام آحاز. والنساء طلبن الزواج على طريقة تخالف الطبيعة. لم يعرف القدماء الحياة بعد الموت كما نعرفها نحن فطلبوا أولاداً يعيشون بعدهم فيكون للوالدين بقاء في أولادهم. لأن اسم الأسرة والبيت والرزق والمذهب الديني كلها تبقى في الأولاد فالوالدون يعيشون فيهم.

ولنا من الفوائد ما يأتي:

  1. إنه على الوالدين أن يغرسوا في قلوب أولادهم مبادئ صالحة تستحق البقاء.

  2. إنه إن لم يأتنا أولاد حسب الجسد يمكننا أن نلد أولاداً بالروح أي الذين يؤمنون فيخلصون بواسطة تبشيرنا (1كورنثوس 4: 15).

  3. إنه يجب أن نشكر الله على تعليم العهد الجديد الصريح أن لنا حياة أبدية علاوة على بقاء الاسم بوجود نسل على الأرض.

فوائد للوعاظ

المجاعات من الرب وبواسطتها هو يعلم بني البشر (ع 1).

  1. إن كل الخيرات منه فعليهم أن يشكروه في وقت الشبع ويرجعوا إليه بالصلاة والتوبة في وقت الجوع. قيل أن رجلاً كريماً سمح لأرملة فقيرة أن تسكن في بيت له بلا أجرة وبعد مرور سنين صارت تعتبر البيت كأنه لها وأحياناً كانت تتذمر على صاحب البيت إذا لم يصلح البيت ويرتبه حسب مطلوبها. وهكذا نحن نعاد البركات التي نأخذها من الرب مجاناً كل يوم وننسى أن نشكره وكثيراً ما نتذمر عليه.

  2. إن الله جعل للخطية عواقب فإذا كان الناس لا يستعملون خيرات الله كما يجب فهو يأبى أن يعطيهم إياها.

  3. إنه على الذين لهم خيرات أن ينفقوا على الذين ليس لهم وفي أيامنا نرى اتحاداً ومحبة مسيحية بين إنسان وإنسان وبين دولة ودولة بواسطة المساعدة المتبادلة في الضيق.

لأن أورشليم عثرت ويهوذا سقطت (ع 8)

  1. نفس الإنسان مثل مملكة تحتاج إلى من يحكم عليها. ونفس بلا حاكم تسقط كما تسقط مملكة بلا حاكم. لأن النفس تحتاج إلى من يقوّي فيها كل أمر صالح ويمنع كل أمر رديء. فالإنسان يميل إلى الخطية فإذا تُرك بلا حكم فلا بد من أن الشهوات الرديئة والأميال الفاسدة تتسلط عليه.

  2. وهذا الحكم لا يكون من الخارج بل من الداخل فلا يقدر إنسان أن يحكم على ضمير غيره أو يأخذ على نفسه مسؤولية غيره بل على كل إنسان أن يكون حاكماً على نفسه. مسلّم أن الله هو الحاكم على كل إنسان ولكن الله يحكم بواسطة قوى الإنسان الخاصة فالعقل يفهم كلام الله والإرادة تختار أن تعمل بموجبه والإنسان حرّ ومسوؤل في كل ما يعمله.

تطحنون وجوه البائسين (ع 15)

  1. تأمل في معاملة الأشرار للبائسين وما يأتونه من الظلم والقساوة والاستبداد.

  2. تأمل في معامة الله للبائسين ورحمته ومحبته وعنايته ومواعيده الخصوصية وحمايته عنهم.

  3. تأمل في معاملة رجال الله البائسين فإنهم يعرفون أن الله خلقهم والمسيح يحبهم ولنفوسهم قيمة فائقة فلا يفتخر الأتقياء بأنفسهم بل يقرون أن الله هو الذي أعطاهم كل شيء ووكلهم على خيراتهم لكي يعملوا الخير بها. اذكر المستشفيات والجمعيات التبشيرية والخيرية والمدارس والمطابع وما أشبه ذلك.

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ (من ع 2)

مضمونه:

انتقل النبي في هذا الأصحاح إلى الأنباء بمجيء المسيح وارتقاء شأن الكنيسة في زمن ملكه السعيد وذلك من خصائص النبي إشعياء فإنه إذا ذكر أحكام الله ذكر مراحمه ومواعيده على أثر ذلك. فذكر أولاً صفات رئيس الكنيسة العظيم أي المسيح وسماه «غصن الرب» باعتبار لاهوته و«ثمر الأرض» باعتبار ناسوته. ثم ذكر صفات المشتركين في بركات الكنيسة تحت رئاسته. ثم بيّن أن ارتقاء الكنيسة إلى تلك الدرجة من العظمة يترتب على نزع الخطايا المتقدم ذكرها. وختم الكلام بالوعد بحمايتها. والأرجح أن هذه النبوءة تمت جزئياً وإنها تستوفي تمامها في أحوال الكنيسة الإنجيلية لا اليهودية فصهيون وأورشليم هنا كناية عن الكنيسة على وجه العموم.

2 «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يَكُونُ غُصْنُ ٱلرَّبِّ بَهَاءً وَمَجْداً، وَثَمَرُ ٱلأَرْضِ فَخْراً وَزِينَةً لِلنَّاجِينَ مِنْ إِسْرَائِيلَ».

إرميا 23: 5 وزكريا 3: 8 و6: 12

فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أي في زمن ملك المسيح الذي يكون بعد إجراء الله أحكامه على اليهود وتمام دمارهم.

يَكُونُ غُصْنُ ٱلرَّبِّ أي المسيح ومعنى هذا الاسم مثل معنى الاسم «ابن الله» وقد دُعي بهذا الاسم في الأنبياء مراراً كثيرة (انظر إرميا 23: 5 و33: 15 وزكريا 3: 8 و6: 12 وإشعياء 11: 1 و53: 2).

وَثَمَرُ ٱلأَرْضِ وهذا اللقب يشير إلى ولادة المسيح البشرية وهو مثل اللقب «ابن الإنسان» وقد أُشير أيضاً إلى كلتا الطبيعتين في (ص 7: 14 و9: 6) وذلك نظير تسميته في العهد الجديد بابن الله وابن الإنسان. وفحوى هذا العدد أن المسيح يكون بهاء ومجداً (أي مجيداً جداً).

فَخْراً وَزِينَةً لِلنَّاجِينَ مِنْ إِسْرَائِيلَ أي الذين نجوا من الدينونة بإيمانهم بذلك الغصن البهي وهم كناية عن الكنيسة الصحيحة.

3 «وَيَكُونُ أَنَّ ٱلَّذِي يَبْقَى فِي صِهْيَوْنَ وَٱلَّذِي يُتْرَكُ فِي أُورُشَلِيمَ يُسَمَّى قُدُّوساً. كُلُّ مَنْ كُتِبَ لِلْحَيَاةِ فِي أُورُشَلِيمَ».

ص 60: 21 فيلبي 4: 3 ورؤيا 3: 5

وَيَكُونُ أَنَّ ٱلَّذِي يَبْقَى فِي صِهْيَوْنَ في ع 2 أنبأ النبي بمجيء المسيح وجلاله وفي هذا العدد أنبأ بصفات الذين يشتركون في خلاصه وبركاته. وفي ع 2 كنى عنهم بالناجين أي الخالصين من العقاب وفي هذا العدد سماهم قديسين وكنى عنهم «بكل من كُتب للحياة في أورشليم» أي كل من تعيّن لينال حياة روحية. وأصل هذا التشبيه هو من عادة اليهود أن يكتبوا أسماء جميع المولودين من كل بيت في كتاب خاص (خروج 30: 12 وعدد 1: 18 وحزقيال 13: 9 وفيلبي 4: 3 ورؤيا 3: 5).

يُسَمَّى قُدُّوساً ذكر النبي مجيء المسيح أولاً ثم تقديس الكنيسة لأن الكنيسة لا تتقدس إلا بوجود المسيح فيها. والعالم لا يخلص إلا بتجسد المسيح وذلك لسببين:

(1) إنه بتجسد المسيح يعلّم الناس ما هو السلوك الطاهر وما هو الكمال.

(2) إن المسيح أخذ جسداً حتى يموت ويكفر عنّا الخطية. وكما أن الكنيسة لا تتقدس إلا بمجيء المسيح إليها كذلك المسيح أيضاً لا يمكث مع الكنيسة إن لم تتقدس. والقداسة المشار إليها ليست القداسة الكاملة لأن ليس أحد من الناس كاملاً فالمقصود بها الاجتهاد في تحصيلها كتلميذ في المدرسة يقصد العلوم ويجتهد في حفظها أو مسافر يقصد مكاناً ويجتهد في سيره إليه. وسمي المسيحيون «قديسين» في عدة مواضع من الكتاب (انظر أعمال 9: 13 و32 و41 ورومية 1: 7 الخ).

4 «إِذَا غَسَلَ ٱلسَّيِّدُ قَذَرَ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ، وَنَقَّى دَمَ أُورُشَلِيمَ مِنْ وَسَطِهَا بِرُوحِ ٱلْقَضَاءِ وَبِرُوحِ ٱلإِحْرَاقِ».

ملاخي 3: 2 و3 و4

قَذَرَ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ الخطايا المذكورة في الأصحاح السابق و«دم أورشليم» كناية عن الجنايات الدموية التي ارتكبها الشعب (ص 1: 15 و3: 15) وكانوا يقدمون أولادهم ذبائح للأصنام كما فعل آحاز (2أيام 28: 3) ومنسى (2أيام 33: 6) والشعب عموماً (مزمور 106: 38 وإشعياء 57: 5).

بِرُوحِ ٱلْقَضَاءِ وَبِرُوحِ ٱلإِحْرَاقِ أي بروح الله المجري التأديب الذي به يتطهر الشعب (ص 1: 25 و26 وملاخي 3: 1 - 4).

5، 6 «5 يَخْلُقُ ٱلرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَكَانٍ مِنْ جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَعَلَى مَحْفَلِهَا سَحَابَةً نَهَاراً وَدُخَاناً وَلَمَعَانَ نَارٍ مُلْتَهِبَةٍ لَيْلاً. لأَنَّ عَلَى كُلِّ مَجْدٍ غِطَاءً. 6 وَتَكُونُ مَظَلَّةٌ لِلْفَيْءِ نَهَاراً مِنَ ٱلْحَرِّ، وَلِمَلْجَإٍ وَمَخْبَإٍ مِنَ ٱلسَّيْلِ وَمِنَ ٱلْمَطَرِ».

خروج 13: 21 زكريا 2: 5 ص 8: 14 ص 25: 4

المعنى أن الله بعد أن يطهّر الشعب يعاملهم بالرحمة ويمنحهم نعماً خاصة ويحامي عنهم.

يَخْلُقُ ٱلرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَكَانٍ مِنْ جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَعَلَى مَحْفَلِهَا (ع 5) أي على جمعها الحافل.

سَحَابَةً نَهَاراً وَدُخَاناً أي يُظهر لهم أنه هو حافظهم ومرشدهم كما في القديم حين أخرجهم من أرض مصر.

لأَنَّ عَلَى كُلِّ مَجْدٍ غِطَاءً أو «على كل المجد يكون غطاء» (انظر حاشية الكتاب ذي الشواهد) أي ينشر الله وقايته وصيانته على كل المجد الموصوف سابقاً ويناضل عن مجد كنيسته ولا سيما مجد المسيح.

وَتَكُونُ مَظَلَّةٌ لِلْفَيْءِ وعد بأن الله يكون ملجأ لشعبه وقد كُرر هذا الوعد للتقرير والتوكيد. ومما يجب ذكره هنا أن البركات النفيسة الموعود بها في (ع 5 و6) يجعلها الله على كل مكان من جبل صهيون. وفي الكتاب الإلهي مواعيد كثيرة نظير هذه (ملاخي 1: 11 ويوحنا 4: 21 - 23 و1كورنثوس 1: 2).

إن الكلمات سحابة ودخاناً وفيئاً وملجأ ومخبأ تعني أن حماية المسيح عن كنيسته تكون على أنواع كثيرة وحسب اختلاف أحوالها وتجاربها فيحفظها من الاضطهاد والتعليم الفاسد والانشقاق والفتور ومن خاطر الضيق ومخاطر النجاح والراحة.

فوائد للوعاظ مجد الكنيسة المسيحية يشتمل على ما يأتي ع 2 - 6

  1. تجسد المسيح وبهاؤه وجماله ومحبته ونعمته وجميع صفاته فالكنيسة تفتخر به لأنه رأسها.

  2. طهارة أعضاء الكنيسة وقداستهم.

  3. بقاء المسيح مع كنيسته إلى الأبد. انظر قوله «أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر» ووعده بأنه يرسل الروح القدس ليمكث معهم إلى الأبد فيعلّمهم ويقدسهم ويحفظهم على الدوام.

يسمى قدوساً كل من كُتب للحياة في أورشليم

والقديس هو الحي (وكل مؤمن حقيقي هو قديس) لأن له صفات الحي وهي ما يأتي (ع 3).

  1. الانفعالات. وهي أنه يحب الله والقريب ويحزن على الخطية ويشفق على الهالكين.

  2. الحركات. وهي أنه يعمل أعمالاً صالحة ويبشر ويعلّم ويخدم.

  3. النمو. فإن الحي يزيد قوة ونعمة وله حياة بخلاف الميت فإنه يزيد فساداً.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ

مضمونه:

هذا الأصحاح مستقل بنفسه فليس له علاقة واضحة بما قبله ولا بما بعده. ومضمونه توبيخ أهل أورشليم ويهوذا على خطاياهم وإنذارهم بقضاء الله عليهم بسببها بمثل كرم وفرت عليه أسباب النمو والخصب ولكنه جاء بثمر رديء. ثم بيّن ما سينزله الله بهم من العقاب (ع 8 - 30) فذكر أولاً خطاياهم مجملة (ع 7) ثم ذكر بعضها بالتفصيل مع ذكر عقاب كل منها. والعقوبات المشار إليها في هذا الأصحاح لم تتم دفعة واحدة في حادثة واحدة بل على التوالي في حوادث كثيرة وقد استوفت تلك العقوبات كمال تمامها حين رفضت الأمة اليهودية المسيح عند مجيئه.

1 «لأُنْشِدَنَّ عَنْ حَبِيبِي نَشِيدَ مُحِبِّي لِكَرْمِهِ. كَانَ لِحَبِيبِي كَرْمٌ عَلَى أَكَمَةٍ خَصِبَةٍ».

مزمور 80: 8 ونشيد 8: 12 وص 27: 2 وإرميا 2: 21 ومتّى 21: 33 ومرقس 12: 1 ولوقا 20: 9

لأُنْشِدَنَّ عَنْ حَبِيبِي أي أن قصد النبي أن ينشد عن لسان حبيبه الله. وبما أن النبي شارع في كلام غير مقبول عند السامعين استعمل المثل في أول كلامه (كمثل يوثام قضاة 9: 7 وناثان 2صموئيل 12 والمسيح متّى 21: 33 - 45) فإنه بذلك يدخل تعليمه إلى عقول السامعين قبلما يعرفون مقصوده. والنبي استعمل الشعر كما استعمله موسى (تثنية ص 32) لأن الشعر يبقى في الحفظ أكثر من النثر. فالكلام يكون شاهداً عليهم حين تأتيهم المصائب.

حَبِيبِي جاءت لفظة حبيبي في نشيد الأنشاد عشرين مرة وكنى بها عن المسيح وهو حبيب الكنيسة. ويُكنى بالكرم عن الكنيسة (مزمور 80: 8 - 10 ونشيد 8: 12 وحزقيال 19: 10 - 14 ومتّى 21: 33 - 45).

كَرْمٌ عَلَى أَكَمَةٍ أي أن أورشليم مرتفعة بين الجبال والكنيسة مرتفعة (إشعياء 2: 2 ومتّى 5: 14).

خَصِبَةٍ أي أن الله سبق فعيّن لشعبه كل ما يتوقف عليه النجاح انظر قول داود «حِبَالٌ وَقَعَتْ لِي فِي ٱلنُّعَمَاءِ» (مزمور 16: 6).

2 «فَنَقَبَهُ وَنَقَّى حِجَارَتَهُ وَغَرَسَهُ كَرْمَ سَوْرَقَ، وَبَنَى بُرْجاً فِي وَسَطِهِ، وَنَقَرَ فِيهِ أَيْضاً مِعْصَرَةً فَٱنْتَظَرَ أَنْ يَصْنَعَ عِنَباً فَصَنَعَ عِنَباً رَدِيئاً».

قضاة 16: 4 وإرميا 2: 21 تثنية 32: 6 وص 1: 2 و3

نَقَبَهُ أي أن الله اعتنى بشعبه كل الاعتناء فإنه أعد لهم أرضاً جيدة تفيض لبناً وعسلاً وأعطاهم بيوتاً لم يبنوها وكروماً لم يغرسوها.

نَقَّى حِجَارَتَهُ أي طرد الكنعانيين وأسكن في مكانهم شعبه وهم كرم سورق. وسورق اسم واد في بلاد الفلسطينيين مشهور بالعنب (إرميا 2: 21).

وَبَنَى بُرْجاً أي برجاً للرقيب. والله أعطى شعبه الأنبياء والكهنة والملوك الصالحين.

مِعْصَرَةً أي أعطاهم الهيكل ورسومه وهو المركز الذي خرجت منه نعمة الله.

فَٱنْتَظَرَ عِنَباً الله يعرف كل شيء قبلما يحدث ولا ينتظر إلا ما يحدث وقول النبي أنه «انتظر أن يصنع عنباً» إنما يفيد أن العنب الجيد يجب أن يكون نتيجة هذا الاعتناء.

3 «وَٱلآنَ يَا سُكَّانَ أُورُشَلِيمَ وَرِجَالَ يَهُوذَا، ٱحْكُمُوا بَيْنِي وَبَيْنَ كَرْمِي».

رومية 3: 4

المتكلم هو الله لا النبي.

يَا سُكَّانَ أُورُشَلِيمَ استدعى الله سكان أورشليم ورجال يهوذا ليحكموا فيما يجب أن يُعمل لكرمه في تلك الأحوال. ولما كان هؤلاء هم المشار إليهم بالكرم استدعاهم الله ليحكموا على أنفسهم.

4 «مَاذَا يُصْنَعُ أَيْضاً لِكَرْمِي وَأَنَا لَمْ أَصْنَعْهُ لَهُ؟ لِمَاذَا إِذِ ٱنْتَظَرْتُ أَنْ يَصْنَعَ عِنَباً صَنَعَ عِنَباً رَدِيئاً؟».

مَاذَا يُصْنَعُ أَيْضاً (انظر 2ملوك 17: 13 و2أيام 36: 15) كل من يجيب بالحق على هذا السؤال لا بد من أن يقول لا يوجد شيء من الوسائط لم يصنعه الله لكرمه. ومن يمعن نظره في تاريخ الفداء ويتأمل في التجسد والصلب وحلول الروح القدس والكنيسة وخدمتها والكتاب وفوائده ومحبة الله وطول أناته وإحسانه إلى غير المستحقين لا بد من أن يقول لا يوجد شيء من الخير لم يصنعه الله لشعبه.

5 «فَٱلآنَ أُعَرِّفُكُمْ مَاذَا أَصْنَعُ بِكَرْمِي. أَنْزِعُ سِيَاجَهُ فَيَصِيرُ لِلرَّعْيِ. أَهْدِمُ جُدْرَانَهُ فَيَصِيرُ لِلدَّوْسِ».

مزمور 80: 12

أصدر الله حكمه في هذه الدعوى دون أن ينتظر رأيهم فيه.

أَنْزِعُ سِيَاجَهُ الرب هو سور أورشليم الحقيقي وإذا تركها وعدل عن حمايتها يكون قد نزع سياجها فأخربها الكلدانيون والرومانيون. إذا تركنا الرب يتركنا وإذا تركنا فلا بد من هلاكنا.

6 «وَأَجْعَلُهُ خَرَاباً لاَ يُقْضَبُ وَلاَ يُنْقَبُ، فَيَطْلَعُ شَوْكٌ وَحَسَكٌ. وَأُوصِي ٱلْغَيْمَ أَنْ لاَ يُمْطِرَ عَلَيْهِ مَطَراً».

أَجْعَلُهُ خَرَاباً الخراب لا يلزمه وسائط فإذا كان الكرّام يترك كرمه بلا عمل تسقط الجدران من تلقاء نفسها ويطلع الشوك والحسك كذلك. وهكذا يكون خراب الكنيسة وهلاك الإنسان أي من عدم القصد وعدم العمل.

أُوصِي ٱلْغَيْمَ عُرف أن المطر ينزل على الأرض بموجب نواميس طبيعية ومع ذلك لا أحد يقدر أن يخبرنا لماذا ينزل مطر اليوم ولا ينزل غداً. ولماذا يكون كثيراً في سنة وقليلاً في غيرها فأعظم العلماء يضطر أن يعترف بأن هذا الأمر من الرب ويصدق تعليم الكتاب المقدس (2أيام 6: 26 و27). إن الرب يغلق السماء فلا يكون مطر لأن شعبه أخطأوا إليه ثم يُنزل مطراً على الأرض إذا تابوا ورجعوا إليه وصلوا له. وكما يخرب الكرم سريعاً إن لم ينزل عليه المطر تخرب الكنيسة إن لم تنزل عليها أمطار النعمة الإلهية.

7 «إِنَّ كَرْمَ رَبِّ ٱلْجُنُودِ هُوَ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ، وَغَرْسَ لَذَّتِهِ رِجَالُ يَهُوذَا. فَٱنْتَظَرَ حَقّاً فَإِذَا سَفْكُ دَمٍ، وَعَدْلاً فَإِذَا صُرَاخٌ».

تفسير النبي المثل.

سَفْكُ دَمٍ (انظر تفسير ص 4: 4). الرب انتظر حقاً لأن إسرائيل عرف الحق فلم يكن كالوثنيين. ومن فوائد هذا المثل ما يأتي:

  1. إن الله يحب شعبه ولكن لا ينتج من ذلك إن راحتهم وسلامتهم يدومان بلا انقطاع بغض النظر عن سلوكهم لأن البرّ أهم من الراحة.

  2. إن رحمة الرب إلى الأبد لكنه عيّن حداً للذين يرفضون الرحمة فينقطعون بعد ما يتجاوزون الحدّ.

  3. إن خيراتنا وامتيازاتنا تزيد مسؤوليتنا لأن أثمار الكرم يجب أن تكون على قدر أتعاب الكرام عليه.

  4. إن الرب يؤدب شعبه بغية إصلاحهم والمأمول أن الذين تركوا الرب في يوم الخيرات ينتبهون ويرجعون إليه في يوم الضيقات والذي يقسي قلبه في وقت التأديب ليس له باب آخر للخلاص.

  5. إنا إن لم نقصد عمل الخير ونجتهد فيه نُعط الشرير فرصة فيزرع في قلوبنا الفساد والخطية.

شروع النبي في بيان المطابقة بين المثل وشعب الله بالتفصيل فذكر بعض معاصيهم وأردف كلا منها بما سيعقابهم به عليها ع 8 إلى 10

8 «وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَصِلُونَ بَيْتاً بِبَيْتٍ، وَيَقْرِنُونَ حَقْلاً بِحَقْلٍ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَوْضِعٌ. فَصِرْتُمْ تَسْكُنُونَ وَحْدَكُمْ فِي وَسَطِ ٱلأَرْضِ».

ميخا 2: 2

وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَصِلُونَ بَيْتاً بِبَيْتٍ الغني يأخذ أولاً قطعة أرض ثم يأخذ ما يجاورها وهكذا يأتي ذلك ظلماً حتى يكون قد أخذ لنفسه القرية كلها ويكون أهلها كلهم قد صاروا له عبيداً فيسكنون أكواخاً وهو وحده يسكن بيتاً كبيراً لأن الأرض كلها صارت له. وهذا مخالف للشريعة الإلهية (عدد 27: 1 - 11 و33: 54 و1ملوك 21: 4). في سنة اليوبيل (لاويين 25: 8 - 17) كان كل واحد يرجع إلى ملكه وغاية هذا النظام هي المحاماة عن حقوق الفقراء.

إن الغنى ليس بخطية في نفسه لأن للمال قوة عظيمة في عمل الخير وأما الخطية فتكون باقتناء المال بالظلم واستعماله في ما لا ينفع أي الإسراف أو عدم استعماله أي البخل وخدمته دون خدمة الله. والأب السماوي لا يريد أن بعض أولاده يأخذون جميع الخيرات وبعضهم لا يأخذون شيئاً. ولا يجوز للذين لهم مواهب من الله كالقوة والحكمة والتوفيق أن يتخذوها وسيلة إلى تخسير القريب الضعيف بل عليهم أن يعتبروا أنهم كوكلاء الله ويبذلون بعض أموالهم في إسعاد المحتاجين.

9، 10 «9 فِي أُذُنَيَّ قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ: أَلاَ إِنَّ بُيُوتاً كَثِيرَةً تَصِيرُ خَرَاباً. بُيُوتاً كَبِيرَةً وَحَسَنَةً بِلاَ سَاكِنٍ. 10 لأَنَّ عَشَرَةَ فَدَادِينِ كَرْمٍ تَصْنَعُ بَثّاً وَاحِداً وَحُومَرَ بِذَارٍ يَصْنَعُ إِيفَةً».

ص 22: 14 حزقيال 45: 11

أَلاَ إِنَّ بُيُوتاً كَثِيرَةً الخ ذكر العقاب الذي رتبه الله على المعصية المذكورة آنفاً.

بَثّاً البث مكيال للسوائل يسع نحو 22 أقة وعشرة فدادين يجب أن تصنع نحو 500 بثّ لا بثّ واحد فقط. والحومر مكيال للحبوب يسع نحو 227 أقة. والإيفة عُشر الحومر أي الحاصل من الأرض يكون عُشر ما كان زُرع فيها.

فالعقاب من جنس الخطية لأن من لا يستعمل خيرات الله كوكيل أمين فالذي عنده يؤخذ منه.

والعقاب يكون من جهتين الأولى نفس الخاطئ فإن الذي يظلم أخاه ويأخذ أرضه يضر نفسه لا أخاه فقط. وكل ما اتسعت أرض الغبي الظالم ضاق قلبه فيصير كبهيمة أي كأنه لا نفس عاقلة. والثانية أملاك الخاطئ لأن جميع الناس متعلق بعضهم ببعض ومحتاج بعضهم إلى بعض فالغني لا يقدر أن يستغني عن خدمة الفقير كما أن الفقير لا يقدر أن يستغني عن المال وإذا تلاشى الفقير لم يبق أحد يخدم الغني أو يعمل في أرضه.

ذكر الخطية الثانية وهي السكر والتوغل في الملاهي وعدم الاكتراث بالله وعدم الانتباه لأعماله ع 11 إلى 17

11 «وَيْلٌ لِلْمُبَكِّرِينَ صَبَاحاً يَتْبَعُونَ ٱلْمُسْكِرَ، لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي ٱلْعَتَمَةِ تُلْهِبُهُمُ ٱلْخَمْرُ».

أمثال 23: 29 و30 وجامعة 10: 16 وع 22

لِلْمُبَكِّرِينَ صَبَاحاً يَتْبَعُونَ ٱلْمُسْكِرَ غلب أن الذين يسكرون يسكرون بالليل وأما الذين يسكرون صباحاً فهم شر السكارى. ولفظة مسكر تشمل جميع الأنواع المسكرة كالجعة والمزراي أي الأشربة المستخرجة من البلح والرمان والتفاح والعسل والشعير. وفعل هذه الأنواع أقوى من فعل الخمر.

12 «وَصَارَ ٱلْعُودُ وَٱلرَّبَابُ وَٱلدُّفُّ وَٱلنَّايُ وَٱلْخَمْرُ وَلاَئِمَهُمْ، وَإِلَى فِعْلِ ٱلرَّبِّ لاَ يَنْظُرُونَ، وَعَمَلَ يَدَيْهِ لاَ يَرَوْنَ».

عاموس 6: 5 و6 أيوب 34: 27 ومزمور 28: 5

الآلات المذكورة التي كانت مستعملة في عبادة الله (1صموئيل 10: 5) صارت خادمة للخطية وواسطة لإشعال الشهوات.

إِلَى فِعْلِ ٱلرَّبِّ لاَ يَنْظُرُونَ لا يذكرون ما فعله الرب في القديم لأجل شعبه ولا إلى مواعيده ببركات مستقبلة ولا يبالون بما سيفعله عقاباً لهم على خطاياهم ولا يشعرون بما عليهم من المسؤولية ليستعملوا خيراته لمجده فإن ضمائرهم ماتت فلم يهتموا إلا بما للجسد والزمان الحاضر.

13 «لِذٰلِكَ سُبِيَ شَعْبِي لِعَدَمِ ٱلْمَعْرِفَةِ، وَتَصِيرُ شُرَفَاؤُهُ رِجَالَ جُوعٍ، وَعَامَّتُهُ يَابِسِينَ مِنَ ٱلْعَطَشِ».

هوشع 4: 6 ص 1: 3 ولوقا 19: 44

العقاب الذي أنذرهم به من جنس خطيتهم فإن الجوع والعطش يقعان على من أفرطوا في الأكل والشرب. والسبي على الذين لم ينظروا إلى فعل الرب في بلادهم.

لِعَدَمِ ٱلْمَعْرِفَةِ كل خطية جهالة. فمن كان يريد الخطية لو عرف مرارتها وعقابها حق المعرفة ومن كان يتجاسر أن يخطئ لو عرف قدرة الله وعدله ومعرفته غير المحدودة. وكانوا جهلاء بإرادتهم فإنهم لم ينظروا إلى فعل الرب ولذلك كانوا مسؤولين بكل ما أصابهم من العقاب ومستحقين إياه. كان السبي مستقبلاً وأما النبي فرآه بالوحي كأنه كان قد ابتدأ فاستعمل الفعل الماضي للحاضر للتأكيد على مصطلح اللغات وكثيراً ما أتى ذلك الانبياء.

14 «لِذٰلِكَ وَسَّعَتِ ٱلْهَاوِيَةُ نَفْسَهَا وَفَغَرَتْ فَمَهَا بِلاَ حَدٍّ، فَيَنْزِلُ بَهَاؤُهَا وَجُمْهُورُهَا وَضَجِيجُهَا وَٱلْمُبْتَهِجُ فِيهَا!».

ٱلْهَاوِيَةُ المراد بالهاوية أولاً القبر. وثانياً مكان أرواح الأموات وهو مشبه بمغارة عظيمة في جوف الأرض بدليل قوله «أَرْضِ ظَلاَمٍ مِثْلِ دُجَى ظِلِّ ٱلْمَوْتِ وَبِلاَ تَرْتِيبٍ» (أيوب 10: 21 و22) ولها أبواب (إشعياء 38: 10). وفيها حسب اعتقاد اليونان والرومانيين قسم للأبرار وقسم آخر للأشرار. وكان العبرانيون يتوقعون الإنقاذ من الهاوية أي أن الأتقياء بينهم وثقوا أن الله لا يتركهم فيها. وشبّه الهاوية هنا بمفترسة فغرت فاها لتبتلع جمهوراً من الناس ومجداً عظيماً. ومما يستحق الذكر هنا أن مدينة أورشليم القديمة هي مطمورة اليوم تحت المدينة الحالية.

15، 16 «15 وَيُذَلُّ ٱلإِنْسَانُ وَيُحَطُّ ٱلرَّجُلُ، وَعُيُونُ ٱلْمُسْتَعْلِينَ تُوضَعُ. 16 وَيَتَعَالَى رَبُّ ٱلْجُنُودِ بِٱلْعَدْلِ، وَيَتَقَدَّسُ ٱلإِلٰهُ ٱلْقُدُّوسُ بِٱلْبِرِّ».

ص 2: 9 و11 و17

ذكر كمال نتيجة دمارهم أي ذلهم وانحطاطهم فتعالى رب الجنود بإظهار عدله وتقدس بإظهار بره.

17 «وَتَرْعَى ٱلْخِرْفَانُ حَيْثُمَا تُسَاقُ، وَخِرَبُ ٱلسِّمَانِ تَأْكُلُهَا ٱلْغُرَبَاءُ».

ص 10: 16

بيان تمام الخراب أيضاً.

وَتَرْعَى ٱلْخِرْفَانُ حَيْثُمَا تُسَاقُ لأن الأرض خربة.

خِرَبُ ٱلسِّمَانِ هم الأغنياء بينهم.

تَأْكُلُهَا ٱلْغُرَبَاءُ المراد بهذا أن الوثنيين يغزونهم.

ذكر أربع خطايا غير ما تقدم ع 18 إلى 23

18 «وَيْلٌ لِلْجَاذِبِينَ ٱلإِثْمَ بِحِبَالِ ٱلْبُطْلِ، وَٱلْخَطِيَّةَ كَأَنَّهُ بِرُبُطِ ٱلْعَجَلَةِ».

خطيئة جذب الشر بوسائط مختلفة.

حِبَالِ ٱلْبُطْلِ الخ هذه العبارة حسب اصطلاح الشعر العبراني قسمان ومعنى القسم الثاني كمعنى القسم الأول بتغيير الألفاظ وهو أن الخطأة المشار إليهم ليسوا كغيرهم ممن يخطئون سهواً أو تغلبهم تجارب قوية بل يطلبون الخطية ويفعلونها برغبة واجتهاد. وشبههم بأناس واقفين تحت شفير وفوق رؤوسهم صخر عظيم سيسقط عليهم بعد قليل فكانوا بدلاً من أن يهربوا ويخلصوا يأخذون حبالاً قوية ويعلقونها بالصخر ويجتهدون بكل قوتهم أن يجذبوه فيقع عليهم ويهلكهم وهذه الحبال سُميت «حبال البطل» لأنها مستعملة لما لا ينفع فإن الخطية بطل. واختار «ربط العجلة» لأنها قوية إشارة إلى رغبتهم في إهلاك أنفسهم.

19 «ٱلْقَائِلِينَ: لِيُسْرِعْ. لِيُعَجِّلْ عَمَلَهُ لِكَيْ نَرَى، وَلْيَقْرُبْ وَيَأْتِ مَقْصَدُ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ لِنَعْلَمَ».

ص 66: 5 وإرميا 17: 15 وعاموس 5: 18 و2بطرس 3: 3 و4

قولهم هذا يدل على استخفافهم بالله وعدم إيمانهم.

لِيُعَجِّلْ عَمَلَهُ أي لم يعمل شيئاً ولا يقدر أن يعمل شيئاً.

قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ كانوا قد سمعوا هذه اللفظة مراراً من النبي وقد جاءت في نبوءة إشعياء 25 مرة وهم لفظوا هذا الاسم على سبيل الاحتقار فاستهزأوا بالرب وبنبيه.

20 «وَيْلٌ لِلْقَائِلِينَ لِلشَّرِّ خَيْراً وَلِلْخَيْرِ شَرّاً، ٱلْجَاعِلِينَ ٱلظَّلاَمَ نُوراً وَٱلنُّورَ ظَلاَماً، ٱلْجَاعِلِينَ ٱلْمُرَّ حُلْواً وَٱلْحُلْوَ مُرّاً».

وَيْلٌ لِلْقَائِلِينَ لِلشَّرِّ خَيْراً وَلِلْخَيْرِ شَرّاً أي الذين يفسدون عقولهم بأفكار باطلة في أمور أدبية حتى يروا الكذب حقاً وشرب الخمر مفيداً للصحة والطمع حكمة والإسراف كرماً ووصايا الله نيراً ثقيلاً لا يقدر أحد أن يحتمله. ويقولون إن كلام الله مبهم فيجعلون في مكانه تعاليم الناس. وهذا التحريف في الأسماء ليس بأمر زهيد لأنه يقود الناس إلى الاستخفاف بالخطية وإهمال وصايا الله. وغايتهم في هذا التحريف محبتهم للخطية. ولكن التغيير في الاسم لا يغير الجوهر فالسليماني مثلاً يبقى سماً مميتاً ولو سُمي عسلاً.

21 «وَيْلٌ لِلْحُكَمَاءِ فِي أَعْيُنِ أَنْفُسِهِمْ وَٱلْفُهَمَاءِ عِنْدَ ذَوَاتِهِمْ».

أمثال 3: 7 ورومية 1: 22 و12: 16

وَيْلٌ لِلْحُكَمَاءِ فِي أَعْيُنِ أَنْفُسِهِمْ ويل لهم لأنهم لا يقدرون أن يتعلموا شيئاً ولا يقدرون أن يعترفوا بخطاياهم فتُغفر لهم. وهذه الصفة هي من صفات الجهلاء كما أن التواضع من صفات العلماء. ويل لهم لأنهم يغشون أنفسهم في الزمان الحاضر ولكنهم سيعلمون جهلهم العلم اليقين عندما يقفون أمام عرش الله فلا يكون لهم فرصة للتوبة.

22، 23 «22 وَيْلٌ لِلأَبْطَالِ عَلَى شُرْبِ ٱلْخَمْرِ وَلِذَوِي ٱلْقُدْرَةِ عَلَى مَزْجِ ٱلْمُسْكِرِ. 23 ٱلَّذِينَ يُبَرِّرُونَ ٱلشِّرِّيرَ مِنْ أَجْلِ ٱلرَّشْوَةِ. وَأَمَّا حَقُّ ٱلصِّدِّيقِينَ فَيَنْزِعُونَهُ مِنْهُمْ».

ع 11 أمثال 17: 15 و24: 24

هاتان الآيتان ليستا مكرر الآية الحادية عشرة فإن مضمونها فعل المسكر في القضاة خاصة.

الأَبْطَالِ عَلَى شُرْبِ ٱلْخَمْرِ سماهم النبي أبطالاً تهكماً فإن البطل الحقيقي ليس من يقدر أن يشرب أكثر من غيره من المسكر بل من يقاوم الشرور التي بين الشعب فلا يخاف من الغني الظالم بل ينصف الفقير المظلوم ويقضي بالعدل والحق ولو تعب وخسر. المسكر يفسد العقل ويميت الضمير ومن يشربه لا يصلح أن يقضي في الناس.

مَزْجِ ٱلْمُسْكِرِ بالماء وبالأفاوية. والنبي يقول تهكماً أن القضاة كانوا مقتدرين في مزج المسكر كما نقول في قسيس أنه مقتدر في مسح الأحذية أو ملك أنه مقتدر في الطبخ يعني أن ذلك شيء لا يليق بمقامه.

24 «لِذٰلِكَ كَمَا يَأْكُلُ لَهِيبُ ٱلنَّارِ ٱلْقَشَّ، وَيَهْبِطُ ٱلْحَشِيشُ ٱلْمُلْتَهِبُ، يَكُونُ أَصْلُهُمْ كَٱلْعُفُونَةِ، وَيَصْعَدُ زَهْرُهُمْ كَٱلْغُبَارِ، لأَنَّهُمْ رَذَلُوا شَرِيعَةَ رَبِّ ٱلْجُنُودِ وَٱسْتَهَانُوا بِكَلاَمِ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ».

خروج 15: 7 أيوب 18: 16 وهوشع 9: 16 وعاموس 2: 9

الهلاك من الخارج ومن الداخل. «النار» من الخارج أي الأشوريين و«العفونة» من الداخل أي الانشقاق والفساد. وشبّه الأشرار المشار إليهم «بالقش والحشيش» في الخسّة والضعف فإنهم كانوا أخساء ضعفاء حين يقعون بيد الرب كالقش حين يقع في النار.

أَصْلُهُمْ... زَهْرُهُمْ ما كان تحت الأرض وفوق الأرض أي الهلاك الكامل.

25 «مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ حَمِيَ غَضَبُ ٱلرَّبِّ عَلَى شَعْبِهِ، وَمَدَّ يَدَهُ عَلَيْهِ وَضَرَبَهُ، حَتَّى ٱرْتَعَدَتِ ٱلْجِبَالُ وَصَارَتْ جُثَثُهُمْ كَٱلزِّبْلِ فِي ٱلأَزِقَّةِ. مَعَ كُلِّ هٰذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ».

2ملوك 22: 13 و17 إرميا 4: 24 لاويين 26: 14 الخ وص 9: 12 و17 و21 و10: 4

يمتاز تاريخ الكتاب المقدس عن غيره بأنه يبين لنا علل الحوادث ومقاصد الله فيها ويُظهر لنا أن كل شيء بيد الله وأنه هو يجازي الناس والممالك حسب أعمالها فإن الحروب والأوبئة والمجاعات وقيام ممالك وسقوط ممالك جميعها من الله ولها علاقة حقيقية بخطية الإنسان.

ٱرْتَعَدَتِ ٱلْجِبَالُ هذا مجاز يكثر في الشعر يشير إلى أحكام الله الشديدة والخوف والرعدة من بني البشر.

مَمْدُودَةٌ بَعْدُ يشير إلى سلسلة من المصائب كحروب الأشوريين وسبي بابل وإخراب الرومانين لأورشليم وهلاك الخاطئ في العالم الآتي. واليد الممدودة قد تكون رحمة للخاطئ لأن الله لا يتركه ولا يهلكه إلا بعد ما يكون قد أدبه وإن لم ينتبه الخاطئ من المصيبة الأولى ربما انتبه بالثانية الخ.

26 - 30 «26 فَيَرْفَعُ رَايَةً لِلأُمَمِ مِنْ بَعِيدٍ، وَيَصْفِرُ لَهُمْ مِنْ أَقْصَى ٱلأَرْضِ، فَإِذَا هُمْ بِٱلْعَجَلَةِ يَأْتُونَ سَرِيعاً. 27 لَيْسَ فِيهِمْ رَازِحٌ وَلاَ عَاثِرٌ. لاَ يَنْعَسُونَ وَلاَ يَنَامُونَ، وَلاَ تَنْحَلُّ حُزُمُ أَحْقَائِهِمْ وَلاَ تَنْقَطِعُ سُيُورُ أَحْذِيَتِهِمِ. 28 ٱلَّذِينَ سِهَامُهُمْ مَسْنُونَةٌ وَجَمِيعُ قِسِيِّهِمْ مَمْدُودَةٌ. حَوَافِرُ خَيْلِهِمْ تُحْسَبُ كَٱلصَّوَّانِ وَبَكَرَاتُهُمْ كَٱلزَّوْبَعَةِ. 29 لَهُمْ زَمْجَرَةٌ كَٱللَّبْوَةِ، وَيُزَمْجِرُونَ كَٱلشِّبْلِ، وَيَهِرُّونَ وَيُمْسِكُونَ ٱلْفَرِيسَةَ وَيَسْتَخْلِصُونَهَا وَلاَ مُنْقِذَ. 30 يَهِرُّونَ عَلَيْهِمْ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ كَهَدِيرِ ٱلْبَحْرِ. فَإِنْ نُظِرَ إِلَى ٱلأَرْضِ فَهُوَذَا ظَلاَمُ ٱلضِّيقِ، وَٱلنُّورُ قَدْ أَظْلَمَ بِسُحُبِهَا».

ص 11: 12 ص 7: 18 تثنية 28: 49 ومزمور 72: 8 وملاخي 1: 11 يوئيل 2: 7 دانيال 5: 6 إرميا 5: 16 ص 8: 22 وإرميا 4: 23 ومرقس 3: 2 وحزقيال 32: 7 و8

بيان كيفية إجراء الله العقاب أي أنه يفعل ذلك بواسطة بعض الوثنيين أصحاب البأس وصفات الجيش المذكورة تناسب جيش الأشوريين كذكر نظامهم وكثرتهم وشراستهم والخيل والمركبات والقسي.

يَرْفَعُ رَايَةً الرب يدعو الجيش وهو قائده اي يستعمله لإجراء مقاصده.

يَصْفِرُ لَهُ (ص : 18) شبه الجيش بذباب أو نحل يجتمع عندما يسمع الصفارة.

يَأْتُونَ سَرِيعاً يشير إلى طمعهم في سلب اليهود.

لَيْسَ فِيهِمْ رَازِحٌ رأى النبي في الرؤيا ما حدث بعد تاريخ البنوءة بنحو 50 سنة (ص 36 و37) وتصوّر جيش الأشوريين المقبل على أرض اليهود أمام عينيه ولم يكن في الصورة التي رآها رازح ولا عاثر ولكن ليس لنا أن نستنتج من ذلك أنه لم يكن على الحقيقة رازح واحد في الجيش ولا حافر واحد مكسور ولا أن الأشوريين لم يناموا مطلقاً بل أن الجيش كان عظيماً ومنظماً إلى آخر درجة ممكنة من الكمال.

يُمْسِكُونَ ٱلْفَرِيسَةَ (ع 29) قال سنحاريب أنه أسر من يهوذا مئتي ألف وشبّه هنا صوت الجيش بزمجرة أسود ومشبّه بهدير البحر (ع 30).

فَإِنْ نُظِرَ إِلَى ٱلأَرْضِ (ع 30) كان قد شبّه الأشوريين بالبحر الهائج وقال هنا أن من يخاف من البحر وينظر إلى البر لا يرى نجاة ولا رجاء بل ظلام الضيق.

فوائد للوعاظ

الكروم الثلاثة ع 1 - 7

  1. العالم قبل الطوفان. إن الله خلق كل شيء حسناً وأعطى الناس عمراً طويلاً وسلطهم على البهائم وعلى كل أعماله وأعطاهم الروح فانتظر البر ولكن فسدت الأرض. وامتلأت ظلماً فندم الرب على أنه عمل الإنسان في الأرض (تكوين 6: 6).

  2. شعب اليهود. نصبهم الله في أرض كنعان أرض تفيض لبناً وعسلاً ونقاها من الحجارة أي الكنعانيين وأحاطهم بسياج الفرائض وبنى برجاً أي أورشليم ونقر معصرة أي الهيكل فانتظر حقاً وإذا سفك الدم وعدلاً وإذا صراخ.

  3. الكنيسة المسيحية. أحبها المسيح واشتراها بدمه ونظمها ورسم لها فرائض وأقام لها رعاة وأعطاها الكتاب المقدس وسكب عليها الروح القدس.

شرور المسكر ع 11 - 17 و22 و23

  1. إتلاف المال والوقت والصحة.

  2. ضعف القوى العقلية. فإن السكير يصل بالتدريج إلى حال لا يقدر فيها أن يجمع أفكاره ولا يحكم على نفسه فتتسلط عليه شهواته تمام التسلط.

  3. موت الضمير وعدم التمييز بين الخير والشر وفقد الانفعالات الروحية والعواطف الطبيعية فيصير كالبهائم.

وإذا كانت هذه الشرور كلها تنتج من المسكر فعلى كل عاقل أن يمتنع عنه كل الامتناع فلا يشربه ولا يسقي غيره ولا يستخرجه ولا يتاجر به.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ

مضمونه:

رؤيا الله كانت لإشعياء في أول خدمته فيها ودعوة الله له وطاعته للدعوة وما سينتج من كلامه للشعب.

1 «فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُزِّيَّا ٱلْمَلِكِ رَأَيْتُ ٱلسَّيِّدَ جَالِساً عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ، وَأَذْيَالُهُ تَمْلأُ ٱلْهَيْكَلَ».

2ملوك 15: 7 و1ملوك 22: 19 ويوحنا 12: 41 ورؤيا 4: 2

فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُزِّيَّا ذكرنا أن الأصحاح الأول كلام افتتاحي للسفر كله والمرجح أن ما في (ص 2 - 5) كُتب في أول ملك آحاز وإن الأصحاح السادس كُتب في ذلك الوقت. وأما الرؤيا فكانت في سنة وفاة عزيا. فإن قيل لماذا لم يذكر النبي الرؤيا لما رآها ولماذا لم يجعلها مقدمة السفر قلنا:

  1. إن في هذه الرؤيا كلاماً يدل على عدم تأثر كلام النبي في السامعين وتوبيخهم على قساوة قلوبهم فلم يستحسن النبي أن يكتبه في أول الأمر.

  2. إنه لعله بعد الكلام المتضمن في (ص 2 - 5) صار نفور ومقاومة فاضطر النبي أن يؤكد للشعب أن الكلام ليس كلامه بل كلام الله.

  3. إن في الأصحاحات التالية توبيخ للملك آحاز وأرباب السياسة لعصيانهم على الرب ومحالفتهم أشور فاستعداداً لذلك ذكر النبي أن الله أرسله (انظر 2كورنثوس ص 12) فإن بولس الرسول ذكر في آخر رسالتيه إلى أهل كورنثوس الرؤيا التي كان رآها في أول خدمته.

ملك عزيا 42 سنة وعمل المستقيم في عيني الرب وساعده الرب وتشدد جداً وإشعياء ولد ورُبي في مدة ملكه ولا شك في أن النبي كان يفتخر به وكان هو وغيره من أتقياء يهوذا ينتظرون بواسطته نجاة الشعب وانتصارهم على جميع أعدائهم وارتقاء مجدهم ولكن ارتفع قلبه إلى الهلاك وخان الرب إلهه فضرب بالبرص وقُطع عن بيت الرب وكان رجلاً نجساً إلى يوم وفاته.

ولعل غاية رؤيا إشعياء في سنة وفاة الملك أن يرفع نظره إلى الرب القدوس وحده والحي إلى الأبد والقادر على كل شيء والملك الحقيقي ليتكل هو وشعب يهوذا عليه وحده لا على بني البشر.

رَأَيْتُ ٱلسَّيِّدَ «اَللّٰهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ ٱلْوَحِيدُ ٱلَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ ٱلآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يوحنا 1: 18). وقال يوحنا أيضاً إن «إِشَعْيَاءُ رَأَى مَجْدَهُ (أي المسيح) وَتَكَلَّمَ عَنْهُ» (يوحنا 12: 41). فلا ريب أن السيد المشار إليه هو المسيح قبل التجسد فإنه كان أحياناً يظهر بهيئة جسدية وقتية كما ظهر لإبراهيم ويعقوب وموسى وجدعون ومنوح وصموئيل وسليمان وإرميا فلا نقول أنهم رأوا الله نفسه لأن الله روح بل أنهم رأوا تلك الهيئة الجسدية الوقتية.

ٱلْهَيْكَلَ المرجح أن إشعياء كان في دار الهيكل لما رأى الرؤيا. وكان الهيكل وآنيته رموزاً إلى بعض الحقائق الروحية وأما إشعياء فرأى بهذه الرؤيا نفس الأمور المرموز إليها أي السيد الرب المجيد وخدامه وسمع أصواتهم.

2 «ٱلسَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ. بِٱثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَبِٱثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ، وَبَٱثْنَيْنِ يَطِيرُ».

حزقيال 1: 11

ٱلسَّرَافِيمُ معنى هذه اللفظة الأصلية المتوهجون أو الذين منظرهم ساطع كلهيب نار متقدة والراجح أنهم خلائق عاقلة في أعلى رتب خدمة الله ومن جنس الكروبيم.

وَاقِفُونَ فَوْقَه الواقفون هم الخدامون وأما الجالس فهو المخدوم.

بِٱثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ كناية عن شعوره بحقارته أمام العظمة الإلهية.

وَبِٱثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ كناية عن الاحترام والوقار.

وَبَٱثْنَيْنِ يَطِيرُ كناية عن الاستعداد لإتمام ما ينتدبه الله إليه على وجه السرعة.

3 «وَهٰذَا نَادَى ذَاكَ: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ ٱلْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ ٱلأَرْضِ».

رؤيا 4: 8 مزمور 72: 19

معنى اللفظة «قدوس» في الأصل المنزّه أو المنفرد والمراد أن الله منفرد عن جميع خلائقه إذ يفوقها في القدرة والمعرفة والجودة وجميع صفاته فليس له نظير ولا شريك. وكُررت هذه اللفظة قصد التأكيد والاحترام ويحتمل أنها تشير إلى الثالوث الأقدس بمعنى قدوس هو الخالق وقدوس هو الفادي وقدوس هو المقدس. غير أنه لا يوافق أن نبني تعليم الثالوث على هذه الآية كحجة قاطعة.

4 «فَٱهْتَزَّتْ أَسَاسَاتُ ٱلْعَتَبِ مِنْ صَوْتِ ٱلصَّارِخِ، وَٱمْتَلأَ ٱلْبَيْتُ دُخَاناً».

خروج 40: 34 و1ملوك 8: 10

ٱهْتَزَّتْ أَسَاسَاتُ ٱلْعَتَبِ من تقديم العبادة وسمو مجد المعبود والدخان علامة الانفصال فإنه كحجاب بين الله والبشر فلا يراه الخاطئ ولا يقترب إليه (رؤيا 15: 8).

5 «فَقُلْتُ: وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ ٱلشَّفَتَيْنِ، وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ ٱلشَّفَتَيْنِ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا ٱلْمَلِكَ رَبَّ ٱلْجُنُودِ».

خروج 4: 10 و6: 30 وقضاة 6: 22 و13: 22 وإرميا 1: 6

فَقُلْتُ: وَيْلٌ لِي علة خوف النبي شعوره بعدم استحقاقه أن يرى الرب لأنه خاطئ. وقوله «لأني إنسان نجس الشفتين» ربما نشأ عن شعوره بأنه مارس وظيفته بدون أن يعتبر شأنها ومسؤوليتها اعتباراً كافياً وبدون أن يميز عظمة الله وسموه. وذكر الشفتين لا اليدين أو عضواً آخر من الجسد لأن الشفتين مُستعملتين في العبادة والوعظ فكانتا أكثر اختصاصاً من غيرهما بما يتعلق بوظيفته. وذكرهما بالنيابة عن الجسد كله كأن كل النجاسات اجتمعت وحلت فيهما.

شَعْبٍ نَجِسِ ٱلشَّفَتَيْنِ كان الملك عزيا قد خان الرب بدخوله الهيكل ليوقد على مذبح البخور (2أيام 26: 16 - 23) ولعل روحه كان روح الشعب فكانوا هم أيضاً بالإجمال قليل الاحترام في العبادة ومنتفخين من النجاح العالمي (ص 1: 10 - 17). ولا شك في أن إشعياء كان اطهر أهل جيله ولكنه شعر بخطاياه عندما اقترب إلى الله لأنها وإن كانت قليلة عند الناس ظهرت كما هي في نور الرب. وقول إشعياء «إنه نجس الشفتين» مما يدل على أنه مستعد لوظيفته فإن ليس من صفات النبي أن يتكل على نفسه كأنه مستحق ومقتدر بل أن يقر بعدم اقتداره فيسلم نفسه للرب كآنية فارغة ليمتلئ من روحه ويُستعمل لمجده.

6، 7 «6 فَطَارَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ ٱلسَّرَافِيمِ وَبِيَدِهِ جَمْرَةٌ قَدْ أَخَذَهَا بِمِلْقَطٍ مِنْ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ، 7 وَمَسَّ بِهَا فَمِي وَقَالَ: إِنَّ هٰذِهِ قَدْ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ، فَٱنْتُزِعَ إِثْمُكَ وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ».

رؤيا 8: 3 إرميا 1: 9 ودانيال 10: 16

فَطَارَ إِلَيَّ وَاحِدٌ يفيد ذلك ما يأتي:

  1. إن الله غفر له خطاياه فليس من الضرورة أن رؤيا الله تهلك فإن النار تطهر أحياناً ولا تلاشي.

  2. إن الله طهر شفتيه استعداداً لبعثه نبياً لشعبه.

  3. إن المذبح المذكور هو مذبح المحرقة القائم في دار الهيكل الذي كانت النار تتقد عليه دائماً والجمرة التي مست شفتي إشعياء كانت علامة التطهير بدم المسيح (عبرانيين 9: 14).

8 «ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتَ ٱلسَّيِّدِ: مَنْ أُرْسِلُ، وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟ فَأَجَبْتُ: هَئَنَذَا أَرْسِلْنِي».

تكوين 1: 26 و3: 22 و11: 7

ثُمَّ أي بعد ما مسّت الجمرة شفتيه وانتُزع إثمه. لأن من يريد أن يسمع صوت الرب يجب قبل ذلك أن يشعر بخطاياه وبالتطهير منها.

مَنْ أُرْسِلُ ظهر أن غاية هذه الرؤيا أولاً ليست التعليم أو التعزية أو الإعلان بل التعيين للخدمة. الله يستخدم بني البشر فإن التبشير ليس بصوت من السماء أو بواسطة ملائكة بل بواسطة الناس وهكذا كل الأعمال الخيرية كخدمة المرضى وتعزية الحزانى والإحسان إلى الفقراء لأن بني البشر هم أوانٍ يملأُها الروح وآلات يستعملها ومجارٍ تجري فيها القوة الإلهية. فنقول إن الله يريد خلاص النفوس ومنح الخيرات والبركات ويريد أن يستخدم كل إنسان لخدمة ما ولكن الإنسان كثيراً ما يبطل مقاصد الله بكسله وخوفه وعصيانه.

مِنْ أَجْلِنَا من المحتمل أن صيغة الجمع تدل على العظمة أو تشير إلى الملائكة أو إلى الثالوث الأقدس وهذا هو المرجح.

هَئَنَذَا أَرْسِلْنِي النبي عرف ضعفه وعدم استحقاقه ولم يعرف ما هي الخدمة التي سيطلبها الرب منه ولم يسأل عن أجرة بل قدم نفسه للخدمة بلا شروط وله ثقة بأن الرب لا يطلب منه إلا خدمة موافقة وأنه يعطيه ما يحتاج إليه من القوة والحكمة.

9، 10 «9 فَقَالَ: ٱذْهَبْ وَقُلْ لِهٰذَا ٱلشَّعْبِ: ٱسْمَعُوا سَمْعاً وَلاَ تَفْهَمُوا، وَأَبْصِرُوا إِبْصَاراً وَلاَ تَعْرِفُوا. 10 غَلِّظْ قَلْبَ هٰذَا ٱلشَّعْبِ وَثَقِّلْ أُذُنَيْهِ وَٱطْمُسْ عَيْنَيْهِ، لِئَلَّا يُبْصِرَ بِعَيْنَيْهِ وَيَسْمَعَ بِأُذُنَيْهِ وَيَفْهَمْ بِقَلْبِهِ، وَيَرْجِعَ فَيُشْفَى».

ص 43: 8 ومتّى 13: 14 ومرقس 4: 12 ولوقا 8: 10 ويوحنا 12: 40 وأعمال 28: 26 ورومية 11: 8 مزمور 119: 70 وص 63: 17 إرميا 5: 21

ٱسْمَعُوا سَمْعاً الخ لا يستلزم هذا القول أن مراد الله أنهم لا يفهمون لأن الكتاب المقدس بأسره يعلم ما ينافي ذلك بل المراد الإنذار كقول المسيح للفريسيين «املأوا مكيال آبائكم» (متّى 23: 32). فإذا نهينا إنساناً عن عمل وبيّنا له نتيجة إتيانه إياه وأكثرنا له النصائح فعاند وأصرّ على العمل قلنا له أخيراً افعل كما تريد والمقصود أنه أخذ على نفسه مسؤولية ما سيفعله. ولعل قولنا أفعل كما تريد ينبهه فيخاف من يترك لنفسه فيحمل وحده عاقبة عمله.

اقتبس هذا القول نحو ست مرات في العهد الجديد ومما يستحق الملاحظة أن الترجمة السبعينية وهي المستعملة عند كتبة العهد الجديد غيرت ما جاء هنا بلفظة الأمر إلى صورة الخبر فجاء فيها «يسمعون» الخ بدلاً من «اسمعوا» الخ بصيغة الأمر. وربما غاية هذه الترجمة أن تبين أن ضررهم لم ينشأ عن إرسال النبي إليهم بل عن عدم قبولهم كلام الله من فمه. وقد ورد نظير ذلك في نبوءة إرميا إذ قال الله له «قَدْ وَكَّلْتُكَ هٰذَا ٱلْيَوْمَ عَلَى ٱلشُّعُوبِ وَعَلَى ٱلْمَمَالِكِ، لِتَقْلَعَ وَتَهْدِمَ وَتُهْلِكَ وَتَنْقُضَ وَتَبْنِيَ وَتَغْرِسَ» (إرميا 1: 10). أي أن هذه الأعمال ستكون نتيجة بعثه إليهم نبياً. كل من يسمع كلام الله ولا يعمل بموجبه يقسي قلبه وتصير له زيادة الوسائط الدينية زيادة الدينونة.

وكلام الله يفعل فعله الواجب في الذين يسمعون ويقبلون ويعملون. وكثيراً ما يؤثر الوعظ في الوثنيين أكثر مما يؤثر في المسيحيين وسبب ذلك أن المسيحيين قسوا قلوبهم من كثرة سمعهم وقلة عملهم.

11، 12 «11 فَسَأَلْتُ: إِلَى مَتَى أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ؟ فَقَالَ: إِلَى أَنْ تَصِيرَ ٱلْمُدُنُ خَرِبَةً بِلاَ سَاكِنٍ، وَٱلْبُيُوتُ بِلاَ إِنْسَانٍ، وَتَخْرَبَ ٱلأَرْضُ وَتُقْفِرَ، 12 وَيُبْعِدَ ٱلرَّبُّ ٱلإِنْسَانَ وَيَكْثُرُ ٱلْخَرَابُ فِي وَسَطِ ٱلأَرْضِ».

ميخا 3: 12 و2ملوك 25: 21

الخراب المشار إليه هنا ابتدأ في عصر إشعياء بواسطة الأشوريين وبعد إشعياء في سبي بابل وتم بعد مجيء المسيح بواسطة الرومانيين.

13 «وَإِنْ بَقِيَ فِيهَا عُشْرٌ بَعْدُ فَيَعُودُ وَيَصِيرُ لِلْخَرَابِ، وَلَكِنْ كَٱلْبُطْمَةِ وَٱلْبَلُّوطَةِ، ٱلَّتِي وَإِنْ قُطِعَتْ فَلَهَا سَاقٌ، يَكُونُ سَاقُهُ زَرْعاً مُقَدَّساً».

عزرا 9: 2 وملاخي 2: 15 ورومية 11: 5

إن هذه الآية تتضمن وعيداً فالوعيد هو أنه إذا بقي عشر مساكنهم بلا خراب كان مصيره للخراب. والوعد هو أنه مع ذلك الخراب العظيم ستبقى بقية مثل ساق الشجرة الذي ينمو بعد قطعها أي أن تلك البقية من الشعب تكون زرعاً مقدساً كنيسة حية لله على الأرض. وقد تم هذا الوعد على التوالي فإنه حين استفتح ملك بابل أورشليم وهدمها بقي جانب منها وبعد أن أخربها الرومانيون بقي أيضاً جانب ولا يزال باقياً زرع مقدس سيظهر عند رجوعهم إلى الدين المسيحي حين يخلص جميع إسرائيل فلا يترك الله أحداً من مختاريه.

فِيهَا في الأرض الخربة.

عُشْرٌ بقية زهيدة. وقال النبي زكريا «ثلث» (ص 13: 8 و9) أي بقية زهيدة فليس العُشر حقيقة ولا الثلث كذلك.

فَيَعُودُ وَيَصِيرُ لِلْخَرَابِ يتلف بأحكام جديدة.

زَرْعاً مُقَدَّساً كما أن حياة الشجرة تبقى في ساقها وربما ظهرت ثانية فتكون شجرة أخرى هكذا الزرع المقدس فإنه يحتمل كل هذه الأحكام ويملأ الأرض ثانية.

فوائد

  1. في الضيقات ننظر إلى الرب ونتذكر أن مجده يملأ الأرض ولو كانت الأرض مملوءة من الظلم والخطية حسب الظاهر.

  2. قساوة قلوب الناس لا تعيقنا عن هذه الخدمة بل تستدعينا إليها كما أن المرض الثقيل يستدعي الطبيب.

  3. الرب لم يسمّ إشعياء باسمه بل قال «من أرسله» ولكن إشعياء سمى نفسه بقوله «هأنذا ارسلني» فكانت خدمته بإرادته وهو وقف نفسه للرب.

  4. المناداة بالحق تحرك القلب الشرير فتظهر أنها للشر لا للخير.

  5. كل من يسمع ولا يعمل بموجب كلام الحق يقسي قلبه ويعود أخيراً لا يبصر ولا يسمع ولا يشعر بشيء.

فوائد للوعاظ

رؤيا الله

  1. الرؤيا المعتادة. فإنا نراه في الخليقة وبأعمال يديه.

  2. الرؤيا الخصوصية. فإنا نراه عند الصلاة والتأمل حين نقترب إليه نوعاً ونشعر بوجوده.

  3. الرؤيا السماوية. فإنا سنراه كما هو ونتمتع به إلى الأبد.

ماذا ينتج من هذه الرؤيا

  1. إنا نرى أنه القادر على كل شيء والمستحق كل عبادة والكامل القداسة.

  2. إنا نرى أن الناس بعيدون عنه ونجسون ومحتاجون إلى الغفران والخلاص.

  3. إنا نرى أن الله يعمل بواسطة الناس فيطلب من يرسله فعلينا أن نسمع دعوته ونقدم أنفسنا لخدمته ليكلم الناس بواسطتنا. وفي أيامنا الرب يدعونا بواسطة الكنيسة كتعيين بولس وبرنابا من كنيسة أنطاكية أو بواسطة حوادث كوجود المسكين في طريق السامري الصالح والخصي في طريق فيلبس وطلب كرنيليوس إلى بطرس.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ

مضمونه:

يُعتبر هذا الأصحاح بداءة قسم جديد يمتد إلى (ص 14: 28) وزمانه في ملك آحاز ومواضيعه ذات الشأن محاربة ملك آرام وملك إسرائيل لأورشليم وخوف آحاز الشديد من جرى ذلك واستغاثته بأشور (2ملوك 16: 5 - 18). وإرسال الله إشعياء ليشجعه على التوكل عليه تعالى وينبئه بأنهما لا يفوزان وإن الرب يخلّصه منهما. وعرض الله على آحاز آية وإباؤه طلب آية ثم جعل الله له آية على تحقق نبوته وهي أن العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمع عمانوئيل. ومن ع 17 وما بعده نبوءة بأن أرض يهوذا أيضاً ستخرب عقاباً للملك وشعبه على عدم إيمانهم وإنها تخربها الأمة التي لجأوا إليها واستغاثوا بها.

1 «وَحَدَثَ فِي أَيَّامِ آحَازَ بْنِ يُوثَامَ بْنِ عُزِّيَّا مَلِكِ يَهُوذَا أَنَّ رَصِينَ مَلِكَ أَرَامَ صَعِدَ مَعَ فَقْحَ بْنِ رَمَلْيَا مَلِكِ إِسْرَائِيلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِمُحَارَبَتِهَا، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُحَارِبَهَا».

2ملوك 16: 5 و2أيام 28: 5 و6

كان في عصر آحاز مملكتان عظيمتان أشور ومصر وبينهما ممالك صغيرة منها فلسطين ويهوذا وإسرائيل وحماة وآرام وموآب وأدوم. وكان لها أهمية لأن كلا من الملكين العظيمين لا يقدر أن يحارب الآخر إن لم يتفق أولاً مع الممالك الصغيرة الفاصلة بينهما. وكانت الممالك الصغيرة تتفق تارة مع أشور وتارة مع مصر. وكان رأي الأكثرين في عصر آحاز الاتفاق مع مصر ولكن آحاز استحسن الاتفاق مع أشور ولذلك تحالف ملك آرام وملك إسرائيل على محاربة يهوذا. وكانت بداءة هذه المحاربة في أيام يوثام (2ملوك 15: 37) على أنهما لم يقدرا أن يتمما مقاصدها. ولكنهما وجدا فرصة موافقة حين جلس ابنه آحاز لكونه صغير السن وضعيفاً في كل صفاته. وأخذ رصين إيلة وسبى سبياً عظيماً وأتى بالمسبيين إلى دمشق وقتل فقح مئة وعشرين ألفاً وسبى مئتي ألف لكنه أرجع المسبيين اعتباراً لمشورة عوديد النبي (2ملوك ص 16 و2أيام ص 28). وبعد قليل من ذلك افتتح الفلسطينيون جنوبي يهوذا والأدوميين تخومه الشرقية. ولم يرجع آحاز مع هذه المصائب إلى الرب بل زاد رغبة في عبادة الأصنام.

2 «وَأُخْبِرَ بَيْتُ دَاوُدَ: قَدْ حَلَّتْ أَرَامُ فِي أَفْرَايِمَ. فَرَجَفَ قَلْبُهُ وَقُلُوبُ شَعْبِهِ كَرَجَفَانِ شَجَرِ ٱلْوَعْرِ قُدَّامَ ٱلرِّيحِ».

وَأُخْبِرَ بَيْتُ دَاوُدَ كان قصد الملكين أن يعزلا آحاز ويملكا رجلاً من بيت آخر يكون تحت سلطانهما فكانا يخالفان ترتيب الرب ومواعيده لبيت داود.

حَلَّتْ أَرَامُ فِي أَفْرَايِمَ اتفقت مع أفرايم وجيشها اجتمع مع جيش أفرايم فخاف آحاز وشعبه منهما لأنهم كانوا قد اختبروا قوتهما وقساوتهما.

أَفْرَايِمَ سُميت المملكة كلها باسم السبط الأقوى.

3 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لإِشَعْيَاءَ: ٱخْرُجْ لِمُلاَقَاةِ آحَازَ، أَنْتَ وَشَآرَ يَاشُوبَ ٱبْنُكَ، إِلَى طَرَفِ قَنَاةِ ٱلْبِرْكَةِ ٱلْعُلْيَا، إِلَى سِكَّةِ حَقْلِ ٱلْقَصَّارِ».

ص 6: 13 و10: 21 و2ملوك 18: 17 وص 36: 2

بعث الله إشعياء إلى آحاز ليشجعه ويسكّن خوفه بوعده بصيانة الله له. وأخذ النبي معه شأرياشوب ابنه امتثالاً لأمر الله وتنشيطاً لآحاز لأن اسم ابن إشعياء معناه بقية ترجع.

إِلَى طَرَفِ قَنَاةِ ٱلْبِرْكَةِ المحل المعيّن لالتقاء النبي وابنه لآحاز وموقعه إلى الغرب من أورشليم على رأس وادي ابن هنوم. وكان الداعي لذهاب آحاز إلى هناك أنه خاف أن العدو يحول الماء عن المدينة فذهب قصد منعه عن ذلك.

4، 5 «4 وَقُلْ لَهُ: اِحْتَرِزْ وَٱهْدَأْ. لاَ تَخَفْ وَلاَ يَضْعُفْ قَلْبُكَ مِنْ أَجْلِ ذَنَبَيْ هَاتَيْنِ ٱلشُّعْلَتَيْنِ ٱلْمُدَخِّنَتَيْنِ، بِحُمُوِّ غَضَبِ رَصِينَ وَأَرَامَ وَٱبْنِ رَمَلْيَا. 5 لأَنَّ أَرَامَ تَآمَرَتْ عَلَيْكَ بِشَرٍّ مَعَ أَفْرَايِمَ وَٱبْنِ رَمَلْيَا قَائِلَةً».

ذَنَبَيْ هَاتَيْنِ ٱلشُّعْلَتَيْنِ ٱلْمُدَخِّنَتَيْنِ قال النبي ذلك تقوية لآحاز فأبان أن رصين وفقح مثَلهما مثَل شعلتين لا تقدران أن تضرا بعد إلا قليلاً.

ٱبْنِ رَمَلْيَا كنية تدل على الاحتقار.

6 «نَصْعَدُ عَلَى يَهُوذَا وَنُقَوِّضُهَا وَنَسْتَفْتِحُهَا لأَنْفُسِنَا، وَنُمَلِّكُ فِي وَسَطِهَا مَلِكاً ٱبْنَ طَبْئِيلَ».

ٱبْنَ طَبْئِيلَ لا نعرف من أمره شيئاً غير أن هذا الاسم سرياني ونستنتج من القرينة أنه كان من حزب آرام وإسرائيل على أشور.

7 «هٰكَذَا يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ: لاَ تَقُومُ! لاَ تَكُونُ!».

أمثال 21: 30 وص 8: 10

لا تَقُومُ! لاَ تَكُونُ تصريح الله بقصده أنه لا يدعهما ينتصران عليه.

8 «لأَنَّ رَأْسَ أَرَامَ دِمَشْقَ، وَرَأْسَ دِمَشْقَ رَصِينُ. وَفِي مُدَّةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً يَنْكَسِرُ أَفْرَايِمُ حَتَّى لاَ يَكُونَ شَعْباً».

2صموئيل 8: 6

لأَنَّ رَأْسَ أَرَامَ الخ رأس مملكة أرام هو رصين وهو واحد من بني البشر وأما رأس مملكة إسرائيل فهو الله القادر على كل شيء ومن هو الإنسان حتى يقاوم الله ويمنع مقاصده. رصين رأس آرام وسيبقى كذلك وفقح سيبقى رأس السامرة أي أن كلا منهما يبقى على حالة بدون أن يستوليا على مملكة يهوذا.

خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً قد ابتدأ إذلال أفرايم أو الأسباط العشرة بعد هذه النبوة بقليل وتم عن يد آسرحدون (2ملوك 17: 24) بعد خمس وستين سنة من ذلك الوقت. ونقل الملك المذكور جميع شعوب مملكة إسرائيل إلى بلاد أشور فانحطت عظمة أفرايم ولم يُعتبر شعباً بعد.

9 «وَرَأْسُ أَفْرَايِمَ ٱلسَّامِرَةُ، وَرَأْسُ ٱلسَّامِرَةِ ٱبْنُ رَمَلْيَا. إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا فَلاَ تَأْمَنُوا».

2أيام 20: 20

إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا فَلاَ تَأْمَنُوا آحاز لم يؤمن بل كان ينظر إلى الأمور الحاضرة فقط وإلى الخطر الذي عليه من رصين وفقح وظنّ أنه لا يوجد خلاص إلا بملك أشور ولم ينظر إلى الخطر البعيد عن نظره الناتج عن الاستغاثة بذلك الملك. ولم ينظر بالإيمان إلى الرب القادر على كل شيء الذي يجازي الذين يبغضونه. وفي ضيقه زاد خيانة للرب... وذبح لآلهة دمشق. فكانت سبب سقوطه وسقوط كل إسرائيل. ولم يأمن ولا آمن. ولكن كل من ينظر إلى الأمور المستقبلة والأمور التي لا ترى يكون مستعداً لكل شيء وآمناً من كل خطر.

10 «ثُمَّ عَادَ ٱلرَّبُّ فَقَالَ لآحَازَ».

عَادَ ٱلرَّبُّ فَقَالَ لآحَازَ بفم إشعياء كما كلمه سابقاً.

11 «اُطْلُبْ لِنَفْسِكَ آيَةً مِنَ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ. عَمِّقْ طَلَبَكَ أَوْ رَفِّعْهُ إِلَى فَوْقٍ».

قضاة 6: 36 الخ ومتّى 12: 38

آيَةً طلب الآية قد يكون خطية وقد يكون واجباً. فالفريسيون طلبوا آية في عدم إيمان ولو أعطيت لهم آية لم يؤمنوا. وجدعون طلب آية بالإيمان وبواسطة الآية ازداد إيمانه. وإذا كان الرب نفسه يعرض لنا الآية يكون رفضها احتقاراً وإهانة.

ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ كان آحاز قد ترك الرب وسجد للأصنام ولكنه كان من نسل داود وملك شعب الله ولذلك الرب لم يرفضه كل الرفض.

عَمِّقْ طَلَبَكَ أي اطلب ما تريد لأن الرب قادر على كل شيء.

12 «فَقَالَ آحَازُ: لاَ أَطْلُبُ وَلاَ أُجَرِّبُ ٱلرَّبَّ».

لاَ أَطْلُبُ وَلاَ أُجَرِّبُ ٱلرَّبَّ هذا الجواب يدل على عدم الإيمان وعدم الثقة تحت صورة الاحترام. وربما كان سبب رفضه آية هو أنه كان قد اعتمد على الاستغاثة بملك أشور وإذا قبل من الرب آية اضطر أن يترك رأيه (يوحنا 3: 20).

13 «فَقَالَ: ٱسْمَعُوا يَا بَيْتَ دَاوُدَ. هَلْ هُوَ قَلِيلٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تُضْجِرُوا ٱلنَّاسَ حَتَّى تُضْجِرُوا إِلٰهِي أَيْضاً؟».

ٱسْمَعُوا يَا بَيْتَ دَاوُدَ وبخ النبي بيت داود لأن آحاز كان ينوب عنه بجوابه.

هَلْ هُوَ قَلِيلٌ أي ألا يكفيكم أن تضجروني أنا النبي حتى تضجروا الله أيضاً الذي أرسلني.

إِلٰهِي قال في ع 11 «إلهك» ولكن آحاز برفضه الآية المعروضة له كان قد رفض الرب نفسه.

14 «وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ ٱلسَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا ٱلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْناً وَتَدْعُو ٱسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ».

متّى 1: 23 ولوقا 1: 31 و34 ص 9: 6 تكوين 4: 1 و25 و16: 11 و29: 32 و30: 6 و8 و1صموئيل 4: 21 وص 8: 8

هَا ٱلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ الخ من خواص بعض النبوءات أن يتم مرتين إحداهما في المستقبل القريب والأخرى في المستقبل البعيد. ومن أمثلة ذلك النبوءات برجوع اليهود التي تمت أولاً برجوعهم من بابل وستتم ثانياً برجوعهم إلى الله بإيمانهم بيسوع المسيح. والنبوءات بمجد أورشليم التي تمت بتجديد أسوارها بعد السبي ستتم كل التمام بمجد الكنيسة المسيحية.

ومن الطبع أن الذين سمعوا إشعياء نظروا أولاً إلى تمام النبوءة في المستقبل القريب وفهموا من الكلام المتضمن في (ع 14 - 16) إن عذراء غير مذكورة باسمها ستتزوج وتحبل وتلد ابناً وهو يأكل الزبد والعسل علامة لخراب البلاد وقبل أن يعرف أن يرفض الشر ويختار الخير أي قبل أن يبلغ نحو سن الثلاث تخلو الأرض من ملكيها أي يموت رصين وفقح كلاهما. والمراد بالنبوءة أمران أولهما خراب الأرض وثانيهما موت رصين وفقح بعد نحو ثلاث سنين ولكن هذا التفسير مع أنه صحيح ومقبول هو تفسير جزئي فإن سياق الكلام يدل على حادثة أعظم من المذكورة.

قيل في ع 13 «ٱسْمَعُوا يَا بَيْتَ دَاوُدَ» وفي ع 14 «يُعْطِيكُمُ ٱلسَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً» أي هذه المقدمة تنبيه للسامعين ليسمعوا أمراً غريباً وعظيماً. وقيل «ها العذراء» أي عذراء تستحق النظر والذكر واسم الولد مذكور «عمانوئيل» وهو اسم غريب وعظيم فنلتزم أن ننظر إلى المستقبل البعيد فنرى تمام النبوءة في يسوع المسيح (متّى 1: 23) الذي وُلد من مريم العذارء بقوة الروح القدس هو إنسان تام وإله تام فكان بالحقيقة عمانوئيل أي الله معنا.

إن ولادة المسيح كانت بعد عصر آحاز بمدة ما ينيف على سبع مئة سنة ولكنها آية له لأن تتميم الوعد يستلزم بقاء الأمة اليهودية وبيت داود إلى الوقت المعين من الله.

15، 16 «15 زُبْداً وَعَسَلاً يَأْكُلُ مَتَى عَرَفَ أَنْ يَرْفُضَ ٱلشَّرَّ وَيَخْتَارَ ٱلْخَيْرَ. 16 لأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ ٱلصَّبِيُّ أَنْ يَرْفُضَ ٱلشَّرَّ وَيَخْتَارَ ٱلْخَيْرَ تُخْلَى ٱلأَرْضُ ٱلَّتِي أَنْتَ خَاشٍ مِنْ مَلِكَيْهَا».

ص 8: 4 و2ملوك 15: 30 و16: 9

وجود زبد وعسل دون غيرهما من المأكولات يشير إلى خراب البلاد وقلة سكانها لأن الأرض كلها تصير مرعى. وكانت الحال هكذا في زمن آحاز بسبب الحروب الكثيرة وقتل الناس والسبايا وقلة الأمان (2أيام 28: 16 - 19). والمراد بملكيها رصين وفقح فإن تلغث فلاسر ملك أشور أخذ دمشق وقتل رصين (2ملوك 16: 9) وفي ذلك الوقت فتن هوشع على فقح وقتله (2ملوك 15: 30) وكان ذلك بعد نحو ثلاث سنين من زمان هذه النبوءة.

نبوءة بخراب البلاد وتهديد الله آحاز بمجيء ملك أشور ليغزو بلاده ع 17 إلى 25

17 «يَجْلِبُ ٱلرَّبُّ مَلِكَ أَشُّورَ عَلَيْكَ وَعَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى بَيْتِ أَبِيكَ، أَيَّاماً لَمْ تَأْتِ مُنْذُ يَوْمِ ٱعْتِزَالِ أَفْرَايِمَ عَنْ يَهُوذَا».

2أيام 28: 19 و1ملوك 12: 16

أَيَّاماً لَمْ تَأْتِ مُنْذُ يَوْمِ ٱعْتِزَالِ أَفْرَايِمَ عَنْ يَهُوذَا أي أيام كثيرة الخطوب والمخاوف والضيقات. كان خوف آحاز الحالي وهمياً ولكن في تلك الأيام تكون المخاوف حقيقية.

مَلِكَ أَشُّورَ الأرجح أن المراد هنا بملك أشور ملك بابل وكل الملوك الآتين من الشرق لخراب اليهودية لأن الخراب المشار إليه هنا أعظم من الخراب الذي حدث بواسطة تغلث فلاسر وحده فإنهم كانوا قد خسروا رجالاً ومالاً ولكنهم كانوا من الآن وصاعداً على وشك أن يخسروا استقلالهم وهي خسارة أعظم (2أيام 28: 20 - 24 و2ملوك 18: 13 - 16 وص 24 و25).

18 «وَيَكُونُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أَنَّ ٱلرَّبَّ يَصْفِرُ لِلذُّبَابِ ٱلَّذِي فِي أَقْصَى تُرَعِ مِصْرَ، وَلِلنَّحْلِ ٱلَّذِي فِي أَرْضِ أَشُّورَ».

ص 5: 26

إِنَّ ٱلرَّبَّ يَصْفِرُ لِلذُّبَابِ الخ أي الجيوش المصرية والمعنى أن المصريين يشاركون الأشوريين في غزوا أرض يهوذا ودمارها. وأراد «بالذباب» جيوش المصريين التي تفوق الإحصاء. و«بالنحل» جيوش الأشوريين. واختار هاتين اللفظتين لكثرة الذباب في أرض مصر ولكثرة النحل في أرض الأشوريين. وهذه الجيوش الوثنية كلها تحت أمر الرب «يصفر لها فتأتي».

تُرَعِ مِصْرَ القسم البحري حيث ينقسم نهر النيل إلى ترع أو مجار كثيرة. ويوشيا ملك يهوذا قُتل في محاربة نخو ملك مصر (2أيام 35: 20).

19 «فَتَأْتِي وَتَحِلُّ جَمِيعُهَا فِي ٱلأَوْدِيَةِ ٱلْخَرِبَةِ وَفِي شُقُوقِ ٱلصُّخُورِ وَفِي كُلِّ غَابِ ٱلشَّوْكِ وَفِي كُلِّ ٱلْمَرَاعِي».

ص 2: 19 وإرميا 16: 16

فَتَأْتِي وَتَحِلُّ جَمِيعُهَا الأرض تمتلئ من جيوش الأعداء.

20 - 25 «20 فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يَحْلِقُ ٱلسَّيِّدُ بِمُوسَى مُسْتَأْجَرَةٍ فِي عَبْرِ ٱلنَّهْرِ بِمَلِكِ أَشُّورَ، ٱلرَّأْسَ وَشَعْرَ ٱلرِّجْلَيْنِ، وَتَنْزِعُ ٱللِّحْيَةَ أَيْضاً. 21 وَيَكُونُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أَنَّ ٱلإِنْسَانَ يُرَبِّي عِجْلَةَ بَقَرٍ وَشَاتَيْنِ. 22 وَيَكُونُ أَنَّهُ مِنْ كَثْرَةِ صُنْعِهَا ٱللَّبَنَ يَأْكُلُ زُبْداً، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ أُبْقِيَ فِي ٱلأَرْضِ يَأْكُلُ زُبْداً وَعَسَلاً. 23 وَيَكُونُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ كَانَ فِيهِ أَلْفُ جَفْنَةٍ بِأَلْفٍ مِنَ ٱلْفِضَّةِ، يَكُونُ لِلشَّوْكِ وَٱلْحَسَكِ. 24 بِٱلسِّهَامِ وَٱلْقَوْسِ يُؤْتَى إِلَى هُنَاكَ، لأَنَّ كُلَّ ٱلأَرْضِ تَكُونُ شَوْكاً وَحَسَكاً. 25 وَجَمِيعُ ٱلْجِبَالِ ٱلَّتِي تُنْقَبُ بِٱلْمِعْوَلِ لاَ يُؤْتَى إِلَيْهَا خَوْفاً مِنَ ٱلشَّوْكِ وَٱلْحَسَكِ، فَتَكُونُ لِسَرْحِ ٱلْبَقَرِ وَلِدَوْسِ ٱلْغَنَمِ».

2ملوك 16: 7 و8 و2أيام 28: 20 و21 وحزقيال 5: 1 ص 5: 6

هنا يشير إلى خراب البلاد بكناية أخرى وهي الحلق بموسى إظهاراً لعظم ما يجري من الخراب في البلاد والموسى المستأجرة تشير إلى استئجار آحاز ملك أشور (2ملوك 16: 8). فالرب استعمل تلك الآلة أي ملك أشور لإذلال آحاز.

عَبْرِ ٱلنَّهْرِ نهر الفرات.

ٱلرَّأْسَ وَشَعْرَ ٱلرِّجْلَيْنِ الخ أي أن يهوذا تخرب تماماً.

يُرَبِّي عِجْلَةَ (ع 21) يشير إلى ما سيحدث وقت الخراب أي أن الأرض تكون متروكة حتى أن البقرة والشاتين ترعى في أي محل تراه مناسباً بدون مانع ولهذا تعطي حليباً كثيراً. أما الحاصلات المعتادة فتكون مفقودة لفقد السكان ومصير الأرض مرعى للمواشي جميعها.

أَلْفُ جَفْنَةٍ بِأَلْفٍ مِنَ ٱلْفِضَّةِ (ع 23) أي ألف شاقل وقيمتها نحو خمسة عشر ألف غرش. والمعنى أن الكرم الكبير والجيد يصير شوكاً وحسكاً.

بِٱلسِّهَامِ وَٱلْقَوْسِ يُؤْتَى إِلَى هُنَاكَ (ع 24) أي تكون الأرض مسكن وحوش فيقصدها الناس للصيد. وكل ما قيل بيان لتمام الخراب.

فوائد للوعاظ

إن لم تأمنوا فلا تأمنوا ع 9

الأول الإيمان

  1. الإيمان بالله وهو الثقة بأنه القادر على كل شيء وإن آرام وإسرائيل ويهوذا بيده. وبأنه صادق بكل مواعيده.

  2. بالأمور التي لا تُرى كجيش الرب الذي رآه يعقوب (تكوين 32: 1 و2) وأليشع (2ملوك 6: 17) وهو حولنا غير أننا لا نراه. وانتصار ملكوت الله بالمستقبل فإن نجاح الأشرار وقتي فقط.

  3. بالصلاة

الثاني الأمان - إن الذين يؤمن يأمن

  1. لأنه واثق بنفسه ويقدر أن يستعمل كل قواه الجسدية والعقلية. وأما الخائف فلا يقدر أن يعمل شيئاً من اضطراب أفكاره وارتجاف جسده.

  2. لأنه مؤمن بالله ومتحد بالذي منه كل قوة والنصرة.

  3. لأنه يقدر أن يصير ويحتمل الضيقات الوقتية بإيمانه بأنه ينال المجد الأبدي.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ

مضمونه:

توبيخ الله لآحاز على تركه إياه تعالى واستغاثته بملك أشور الوثني وذكر المصائب الآتية على الذين يطلبون غير الله والتهديد بخراب مملكة آحاز. وفي هذا الأصحاح أقوال كثيرة لتنشيط الشعب وحثهم على الاتكال على الله.

1 «وَقَالَ لِي ٱلرَّبُّ: خُذْ لِنَفْسِكَ لَوْحاً كَبِيراً وَٱكْتُبْ عَلَيْهِ بِقَلَمِ إِنْسَانٍ: لِمَهَيْرَ شَلاَلَ حَاشَ بَزَ».

ص 30: 8 وحبقوق 2: 2

لَوْحاً كَبِيراً لكي يراه الجميع.

بِقَلَمِ إِنْسَانٍ بالحرف المشهور الذي يقدر الكل أن يقرأه.

لِمَهَيْرَ شَلاَلَ حَاشَ بَزَ أي يعجل الغنيمة يسرع النهب. وهو نبوءة بسرعة دمار آرام وإسرائيل. إن المكتوب على هذا اللوح هو هذه الكلمات الأربع فقط. وهي نبوءة مختصرة مثل لغز.

2 «وَأَنْ أُشْهِدَ لِنَفْسِي شَاهِدَيْنِ أَمِينَيْنِ: أُورِيَّا ٱلْكَاهِنَ، وَزَكَرِيَّا بْنَ يَبْرَخْيَا».

2ملوك 16: 10

أُشْهِدَ لِنَفْسِي على أنه هو كتب النبوءة وأنه كتبها قبل الحادثة.

أُورِيَّا ٱلْكَاهِنَ ربما هو الكاهن المذكور في (2ملوك 16: 10) الذي أقام بأمر آحاز المذبح الوثني. ولعل زكريا هو المذكور في (2أيام 29: 1) الذي أخذ آحاز ابنته فصارت أم حزقيا.

إن الرب في هذه الحادثة استخدم ثلاثة أشخاص.

  1. أوريا. أي خادماً على غير إرادته كما استخدم فرعون وملك أشور وملك بابل.

  2. الولد. أي خادماً بلا معرفة. إن الطفل يقدر أن يخدم الرب ونحن أوقات كثيرة نخدمه بأمورنا الجسدية بلا قصد ولا انتباه.

  3. إشعياء. أي خادماً بإرادته ومعرفته. وهذا أعلى أنواع الخدمة.

3، 4 «3 فَٱقْتَرَبْتُ إِلَى ٱلنَّبِيَّةِ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتِ ٱبْناً. فَقَالَ لِي ٱلرَّبُّ: ٱدْعُ ٱسْمَهُ مَهَيْرَ شَلاَلَ حَاشَ بَزَ. 4 لأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ ٱلصَّبِيُّ أَنْ يَدْعُوَ: يَا أَبِي وَيَا أُمِّي، تُحْمَلُ ثَرْوَةُ دِمَشْقَ وَغَنِيمَةُ ٱلسَّامِرَةِ قُدَّامَ مَلِكِ أَشُّورَ».

ص 7: 16 و2ملوك 15: 29 و16: 9 وص 17: 3

ٱلنَّبِيَّةِ أي امرأة النبي لا امرأة ذات نبوءة.

5، 7 «5 ثُمَّ عَادَ ٱلرَّبُّ أَيْضاً يَقولُ لِي: 6 لأَنَّ هٰذَا ٱلشَّعْبَ رَذَلَ مِيَاهَ شِيلُوهَ ٱلْجَارِيَةَ بِسُكُوتٍ، وَسُرَّ بِرَصِينَ وَٱبْنِ رَمَلْيَا. 7 لِذٰلِكَ هُوَذَا ٱلسَّيِّدُ يُصْعِدُ عَلَيْهِمْ مِيَاهَ ٱلنَّهْرِ ٱلْقَوِيَّةَ وَٱلْكَثِيرَةَ، مَلِكَ أَشُّورَ وَكُلَّ مَجْدِهِ، فَيَصْعَدُ فَوْقَ جَمِيعِ مَجَارِيهِ وَيَجْرِي فَوْقَ جَمِيعِ شُطُوطِهِ».

نحميا 3: 15 ويوحنا 9: 7 ص 7: 1 و2 و6 ص 10: 12

هذه الآيات تدل على عدم انقياد اليهود وإسرائيل لناموس الله وإرادته وتربيته واستحسانهم الوسائط البشرية التي لم يعينها الله لهم ومضايقة الله إياهم.

هٰذَا ٱلشَّعْبَ إسرائيل ويهوذا معاً لأن المملكتين كانتا قد رفضتا الله.

مِيَاهَ شِيلُوهَ بركة في الجزء الجنوبي من أورشليم سُميت في العهد الجديد سلوام.

ٱلْجَارِيَةَ بِسُكُوتٍ مجرى الماء من بركة شيلوه ضعيف جداً بالنسبة إلى نهر الفرات واليهود احتقروا بركتهم ومدينتهم وحسدوا الأشوريين على مياههم الكثيرة اشتهوا غناهم وقوتهم ولم يتذكروا وجود الرب في أورشليم ولا مواعيده لشعبه.

ويكنى بمياه شيلوه عن الدين الحقيقي.

  1. لأنها مفيدة وتسد العطش وتسقي الأرض والدين الحقيقي قدم لليهود الهيكل ورسومه وتعليم الأنبياء والآن يقدم لنا تعليم المسيح ورسله والكنيسة ووسائط النعمة.

  2. لأنها دائمة. فالبركات التي تأتينا دائماً كالشمس والمطر والقوت اليومي وحفظ الحياة هي أعظم البركات ولو كنا لا ننتبه لها ولا نفتكر فيها.

  3. لأنها كافية. لأنها إذا جمعناها تكون أكثر عدداً من البركات غير المعتادة والخصوصية التي نشتهيها.

وَسُرَّ بِرَصِينَ هذا القول يناسب إسرائيل لا يهوذا. ولكن إسرائيل ويهوذا أخطأوا خطية واحدة باحتقارهم الامتيازات الروحية واتكالهم على الغنى والقوة الجسدية.

يُصْعِدُ عَلَيْهِمْ أي على إسرائيل ثم يندفق إلى يهوذا (ع 8).

مِيَاهَ ٱلنَّهْرِ ٱلْقَوِيَّةَ (ع 7) هذا إشارة إلى مضايقة ملك أشور لهم بجيشه التي لا تحصى. والنهر المذكور هنا هو الفرات.

8 «وَيَنْدَفِقُ إِلَى يَهُوذَا. يَفِيضُ وَيَعْبُرُ. يَبْلُغُ ٱلْعُنُقَ. وَيَكُونُ بَسْطُ جَنَاحَيْهِ مِلْءَ عَرْضِ بِلاَدِكَ يَا عِمَّانُوئِيلُ».

ص 30: 28 ص 7: 14

يَبْلُغُ ٱلْعُنُقَ الدرجة الأخيرة من الخطر غير أنه لم يصل إلى أورشليم الرأس. اليهود طلبوا ملك أشور والله أعطاهم مطلوبهم. وأعظم مصيبة للإنسان هي أن يُترك لإرادته وينال مطلوبه.

بَسْطُ جَنَاحَيْهِ هذا إشارة إلى اتساع المكان الذي تشغله جيوشه التي لا تحصى.

عَرْضِ بِلاَدِكَ يَا عِمَّانُوئِيلُ أي اليهودية والمعنى أن ملك أشور يضايق اليهودية بسبب شر الأهالي وإن كانت بلاد عمانوئيل. وذكر عمانوئيل هنا مما يدل على أن إشعياء فهم أن الولد المذكور في (ص 7: 14) هو المسيح.

9، 10 «9 هِيجُوا أَيُّهَا ٱلشُّعُوبُ وَٱنْكَسِرُوا، وَأَصْغِي يَا جَمِيعَ أَقَاصِي ٱلأَرْضِ. ٱحْتَزِمُوا وَٱنْكَسِرُوا! ٱحْتَزِمُوا وَٱنْكَسِرُوا! 10 تَشَاوَرُوا مَشُورَةً فَتَبْطُلَ. تَكَلَّمُوا كَلِمَةً فَلاَ تَقُومُ. لأَنَّ ٱللّٰهَ مَعَنَا».

يوئيل 3: 9 و11 أيوب 5: 12 ص 7: 7 ص 7: 14 وأعمال 5: 38 و39 ورومية 8: 31

وجه النبي كلامه إلى الأمم تهكماً عليهم وإيضاحاً لعدم قدرتهم على تدمير شعب الله المختار لأن الله معه.

11 - 13 «11 فَإِنَّهُ هٰكَذَا قَالَ لِي ٱلرَّبُّ بِشِدَّةِ ٱلْيَدِ، وَأَنْذَرَنِي أَنْ لاَ أَسْلُكَ فِي طَرِيقِ هٰذَا ٱلشَّعْبِ قَائِلاً: 12 لاَ تَقُولُوا: فِتْنَةً لِكُلِّ مَا يَقُولُ لَهُ هٰذَا ٱلشَّعْبُ فِتْنَةً، وَلاَ تَخَافُوا خَوْفَهُ وَلاَ تَرْهَبُوا. 13 قَدِّسُوا رَبَّ ٱلْجُنُودِ فَهُوَ خَوْفُكُمْ وَهُوَ رَهْبَتُكُمْ».

ص 7: 2 و1بطرس 3: 14 و15 عدد 20: 12 مزمور 76: 7 ولوقا 12: 5

بعدما تكلم الله على أحوال الشعب والأمم وما سيحدث عليهما كليهما خاطب النبي محذراً إياه من أن يسلك مسلك الشعب. ويتضح من ع 13 أن النبي فهم أن الكلام ليس له وحده بل له ولجميع رفقائه الأتقياء الذين يجب عليهم اتباع الله على الدوام والتمسك بالأراء الصحيحة المطابقة لشريعته تعالى.

بِشِدَّةِ ٱلْيَدِ بقوة يده عليه (حزقيال 3: 14) إن الرب أمره بأن يقول ما لا يقبله الناس ويقاوم رأي الملك وأكثر الشعب. والنبي خاف واضطرب من هذا الأمر لأنه إنسان ومع ذلك ثبت في خدمته باعتبار أنه نبي وأطاع أمر الرب. كان الروح نشيطاً والجسد ضعيفاً.

لاَ تَقُولُوا: فِتْنَة نستنتج أن الشعب حسبوا توبيخ إشعياء لآحاز فتنة ولذلك أبان إشعياء أن كلامه لآحاز كان بأمر الرب فلا يكون فتنة لأن الرب أعلى من الملوك.

لاَ تَقُولُوا الرب هنا يخاطب إشعياء وتلاميذه والمعنى لا تكونوا مثل هذا الشعب الذي سمى ما أتاه النبي مع آحاز فتنة. فيجب عليكم أن لا تقولوا أنه فتنة. وأن لا تخافوا من رصين وفقح بل خافوا من الرب.

14 «وَيَكُونُ مَقْدِساً وَحَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ لِبَيْتَيْ إِسْرَائِيلَ، وَفَخّاً وَشَرَكاً لِسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ».

حزقيال 11: 16 ص 28: 16 ولوقا 2: 34 ورومية 9: 33 و1بطرس 2: 8

وَيَكُونُ مَقْدِساً أي ملجأ كالمذبح الذي التجأ إليه أدونيا وتمسك بقرونه (1ملوك 1: 50).

وَحَجَرَ صَدْمَةٍ الخ أي أن الرب يكون مقدساً للذين يؤمنون به ويتكلون عليه ويكون حجر صدمة وصخرة عثرة وفخاً وشركاً كالكثيرين من هذا الشعب الذي يأبى أن يقدسه. ويتضح من هذا القول بعد مقابلته ببعض آيات العهد الجديد (لوقا 2: 34 و1بطرس 2: 6 - 8) إن المسيح هو حجر الزاوية المختار للمؤمنين به وحجر صدمة وصخرة عثرة لرافضيه.

15 «فَيَعْثُرُ بِهَا كَثِيرُونَ وَيَسْقُطُونَ، فَيَنْكَسِرُونَ وَيَعْلَقُونَ فَيُلْقَطُونَ».

متّى 21: 44 ولوقا 20: 18 ورومية 9: 32 و11: 25

فَيَعْثُرُ بِهَا كَثِيرُونَ سقوط الأمة اليهودية وتشتتها أصدق شاهد لذلك.

16 «صُرَّ ٱلشَّهَادَةَ. ٱخْتِمِ ٱلشَّرِيعَةَ بِتَلاَمِيذِي».

صُرَّ ٱلشَّهَادَةَ المراد بالشهادة والشريعة الكلام في سقوط دمشق والسامرة وتدمير ملك أشور اليهودية ووجوب الخوف من الرب وحده والاتكال عليه. والنبي صرّ الشهادة وختم عليها لأن الكلام في هذا الموضوع انتهى ولا مراجعة فيه فيبقى محفوظاً إلى وقت تتميم النبوءة فيعرف الشعب أن الرب تكلم بفم إشعياء.

بِتَلاَمِيذِي كان بعضهم قد قبل تعليم إشعياء وتبع رأيه. وقول بعضهم إن ما جاء في ع 16 كلام المسيح لرسله قول بلا دليل.

17 «فَأَصْطَبِرُ لِلرَّبِّ ٱلسَّاتِرِ وَجْهَهُ عَنْ بَيْتِ يَعْقُوبَ وَأَنْتَظِرُهُ».

ص 54: 8 حبقوق 2: 3 ولوقا 2: 25 و38

فَأَصْطَبِرُ لِلرَّبِّ لأن للرب مقاصد ووسائط لا نعرفها والأزمنة والأوقات في يده. فنصطبر بالإيمان وبالرجاء وبالصلاة وبالاجتهاد في الواجبات المعروفة الآن. والنبي إشعياء قدوة لكل واعظ ومعلم لأنه كان متضيقاً جداً من الصعوبات والتجارب وعدم النجاح ومع ذلك كله اصطبر للرب.

18 «هَئَنَذَا وَٱلأَوْلاَدُ ٱلَّذِينَ أَعْطَانِيهِمُ ٱلرَّبُّ آيَاتٍ، وَعَجَائِبَ فِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عِنْدِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ ٱلسَّاكِنِ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ».

عبرانيين 2: 13 مزمور 71: 7 وزكريا 3: 8

هَئَنَذَا وَٱلأَوْلاَدُ... آيَات، وَعَجَائِبَ (1) لأنهم قليلون بالنسبة إلى غير المؤمنين.

(2) لأنهم مقاومون الشرور حتى سياسة الملك.

(3) لأنهم ناظرون إلى أمور لم يرها غيرهم.

(4) لأن أسماءهم كانت ذات معنى وكانت كنبوءات مختصرة. وكان إشعياء في هذا الشأن رمزاً إلى المسيح كما يتضح من مقابلة هذا بالرسالة إلى العبرانيين (عبرانيين 2: 13) فإن الرسول اقتبس هذا القول ونسبه إلى المسيح وأبان به أن المسيح اشترك في اللحم والدم أي الطبيعة البشرية.

رَبِّ ٱلْجُنُودِ ٱلسَّاكِنِ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ تلميح إلى أن أورشليم وهي مسكن الرب لا تسقط أمام رصين وفقح ولا أمام ملك أشور.

19 - 22 «19 وَإِذَا قَالُوا لَكُمُ: ٱطْلُبُوا إِلَى أَصْحَابِ ٱلتَّوَابِعِ وَٱلْعَرَّافِينَ ٱلْمُشَقْشِقِينَ وَٱلْهَامِسِينَ. أَلاَ يَسْأَلُ شَعْبٌ إِلٰهَهُ؟ أَيُسْأَلُ ٱلْمَوْتٰى لأَجْلِ ٱلأَحْيَاءِ؟ 20 إِلَى ٱلشَّرِيعَةِ وَإِلَى ٱلشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هٰذَا ٱلْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ! 21 فَيَعْبُرُونَ فِيهَا مُضَايَقِينَ وَجَائِعِينَ. وَيَكُونُ حِينَمَا يَجُوعُونَ أَنَّهُمْ يَحْنَقُونَ وَيَسُبُّونَ مَلِكَهُمْ وَإِلٰهَهُمْ وَيَلْتَفِتُونَ إِلَى فَوْقُ. 22 وَيَنْظُرُونَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَإِذَا شِدَّةٌ وَظُلْمَةٌ، قَتَامُ ٱلضِّيقِ، وَإِلَى ٱلظَّلاَمِ هُمْ مَطْرُودُونَ».

1صموئيل 28: 8 وص 19: 3 ص 29: 4 مزمور 106: 28 لوقا 16: 29 ميخا 3: 6 رؤيا 16: 11 ص 5: 3 ص 9: 1

أخذ النبي في هذه الآيات يحذر أتقياء الشعب من أن يسمعوا لمن يقولون لهم اطلبوا إلى أصحاب التوابع الخ ويحثهم على أن لا يلجأون إلى السحرة ويطلبوا الفائدة منهم.

وَإِذَا قَالُوا لَكُمُ أي غير المؤمنين من الشعب. والخطاب للتلاميذ المذكورين في ع 16 فإنهم لاذوا بأصحاب التوابع لأن الرب تركهم كشاول (1صموئيل ص 28) وكان بنو إسرائيل يميلون إلى هذه الخطية (2ملوك 17: 17).

أَصْحَابِ ٱلتَّوَابِعِ وَٱلْعَرَّافِينَ الذين يدعون أنهم يقدرون أن يعاشروا أرواح الموتى ويعرفوا منهم الحوادث المستقبلة.

ٱلْمُشَقْشِقِينَ وَٱلْهَامِسِينَ المشقشق الهاذر والهامس الذي يتكلم بصوت خفي.

أَلاَ يَسْأَلُ شَعْبٌ إِلٰهَهُ؟ أَيُسْأَلُ ٱلْمَوْتٰى لأَجْلِ ٱلأَحْيَاءِ؟ كلا.

إِلَى ٱلشَّرِيعَةِ وَإِلَى ٱلشَّهَادَةِ (ع 20) بعدما وبخهم على التجائهم إلى السحرة هداهم إلى الحق ليطلبوا الفائدة منه. والشريعة والشهادة هنا كلام الله بأسره.

فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ! الفجر هو النور بعد ظلام الليل ومعنى النبي أن الذين لا يقولون كما تقول شريعة الله وشهاداته فليس لهم رجاء الخلاص من ضيقاتهم.

إن الله أعطانا دستوراً لإيماننا وهو الكتاب المقدس وفيه تعليم واضح وكاف وتفسير التعليم وتوضيحه سيرة الأفاضل وقدوة المسيح. ومن المبادئ الإنجيلية الأساسية أن الكتاب المقدس هو الدستور الوحيد فيجب أن يبنى عليه كل التعليم والمواعظ وأن تكون أقواله ميزان كل بحث وجدال لا أقوال الآباء ولا أحكام المجامع أو غيرها من تعليم الناس.

فَيَعْبُرُونَ (ع 21) أي الذين يعوذون بالسحر والصعوبات.

فِيهَا أي في الأرض.

مُضَايَقِينَ أي يكون نصيبهم الشدائد والصعوبات.

وَيَنْظُرُونَ إِلَى ٱلأَرْضِ أي لا يجدون معيناً لا في السماء من فوق ولا في الأرض من تحت بل يُطردون إلى الظلام.

والفائدة الجوهرية من هذا الأصحاح هي أنه لا يجوز الخوف من الناس ولو كانوا حسب الظاهر قادرين على قتل الجسد بل يجب الخوف من الله القادر على إهلاك الجسد والنفس كليهما في هذا العالم وفي العالم الآتي.

فوائد للوعاظ

لا تخافوا خوفه... فهو خوفكم (ع 12)

1 - نتائج الخوف من الناس:

(1) الرياء (2) التقلب (3) الاعتبار للموافقة الوقتية دون الواجب الدائم (4) الاحتقار.

2 - نتائج خوف الله:

(1) الصدق (2) الثبات (3) الشجاعة (4) اعتبار الجميع حتى الأعداء للمتقين.

الناس يقتلون الجسد فقط لا النفس.

الناس لا يعملون معنا إلا ما يسمح لهم الرب أن يعملوه.

إلى الشريعة وإلى الشهادة (ع 20)

دستور الإيمان ليس تعليم الناس ولا ضمائرنا لأننا نحن وغيرنا عرضة للخطاء بل كلام الله في كتابه المقدس. والكتاب المقدس هو ما يأتي:

  1. كتاب أدب ودين لا كتاب علم وفلسفة.

  2. كتاب مبادئ حقيقية بموجبها ندبر كل أمور حياتنا.

  3. كتاب تاريخ وأمثلة توضح لنا صفات الله وواجبات الإنسان.

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ

مضمونه:

الآيات السبع الأولى من هذا الأصحاح متعلقة بالأصحاح الثامن وهي تتضمن نبوءة بأن الظلام الذي ذُكر في الآية الأخيرة من ص 8 سيصير نوراً وسيولد ولد هو المسيح وتكون الرياسة على كتفه. ويتلو هذه الآيات السبع خطاب للأسباط العشر ينبئ بالبلايا الآتية عليهم بسبب كبريائهم وتمردهم وشرهم الزائد.

1 «وَلَكِنْ لاَ يَكُونُ ظَلاَمٌ لِلَّتِي عَلَيْهَا ضِيقٌ. كَمَا أَهَانَ ٱلزَّمَانُ ٱلأَوَّلُ أَرْضَ زَبُولُونَ وَأَرْضَ نَفْتَالِي، يُكْرِمُ ٱلأَخِيرُ طَرِيقَ ٱلْبَحْرِ عَبْرَ ٱلأُرْدُنِّ جَلِيلَ ٱلأُمَمِ».

ص 8: 22 و2ملوك 15: 29 و2أيام 16: 4 لاويين 26: 24 و2ملوك 17: 5 و6 و1أيام 5: 26

وَلَكِنْ لاَ يَكُونُ ظَلاَمٌ لِلَّتِي عَلَيْهَا ضِيقٌ أي الأرض التي هي الآن في الضيق.

ٱلأَخِيرُ أي الزمان الأخير وهو زمان المسيح فإن تلك الجهات من الجليل قد استولى عليها الهوان لبعدها عن أورشليم مركز الديانة وتسلط العبادة الوثنية هناك وافتراس الأمم لها واختلاط القبائل الوثنية بأهلها. وفي أيام بعشا ملك إسرائيل ضرب بنهدد ملك أرام عيون ودان وآبل المياه وجميع مخازن مدن نفتالي (2أيام 16: 4). وفي أيام فقح جاء تغلث فلاسر وأخذ عيون وآبل بيت معكة ويانوح وقادش وحاصور وجلعاد والجليل وكل أرض نفتالي (2ملوك 15: 29). وبقيت هذه الأراضي محتقرة عند الناس حتى أيام الرسل (انظر يوحنا 1: 46 و7: 52). وقصد النبي في هذه الآية أن ينبئ بإكرام تلك الجهات الحقيرة عند مجيء المسيح لأن النور العظيم لليهود وللأمم سيشرق من هناك كما أشار إلى ذلك أيضاً في (ع 2).

طَرِيقَ ٱلْبَحْرِ أي بحر الجليل.

عَبْرَ ٱلأُرْدُنِّ أي بلاد جلعاد التي كانت شرقي الأردن.

جَلِيلَ ٱلأُمَمِ دُعي هذا القسم من الجليل بهذا الاسم لمتاخمة أرض الأمم له.

2 «اَلشَّعْبُ ٱلسَّالِكُ فِي ٱلظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُوراً عَظِيماً. ٱلْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ ٱلْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ».

متّى 4: 16 وأفسس 5: 8 و14

اَلشَّعْبُ ٱلسَّالِكُ فِي ٱلظُّلْمَةِ الخ أي أن سكان الجليل الجالسين في الظلمة سوف يرون نور المسيح وبهذا المعنى اقتبس متّى النبوءة (متّى 4: 13 - 16) وصرّح بتتميمها.

3 «أَكْثَرْتَ ٱلأُمَّةَ. عَظَّمْتَ لَهَا ٱلْفَرَحَ. يَفْرَحُونَ أَمَامَكَ كَٱلْفَرَحِ فِي ٱلْحَصَادِ. كَٱلَّذِينَ يَبْتَهِجُونَ عِنْدَمَا يَقْتَسِمُونَ غَنِيمَةً».

قضاة 5: 30

أَكْثَرْتَ ٱلأُمَّةَ أي عدد المؤمنين من شعب الله.

عَظَّمْتَ لَهَا ٱلْفَرَحَ بتكثير المؤمنين بالمسيح عند مجيئه وفي عصر الإنجيل.

يَفْرَحُونَ أَمَامَكَ أشار بهذا إلى فرح شعب الله الروحي في ملك المسيح خاصة وقد بيّن الأسباب لهذا الفرح والابتهاج في الآيات الآتية.

كَٱلْفَرَحِ فِي ٱلْحَصَادِ أي الفرح في تحصيل الخيرات المذخورة في المسيح.

يَقْتَسِمُونَ غَنِيمَةً أشار باقتسام الغنيمة هنا إلى الانتصار على الخطية والشيطان والموت.

4 «لأَنَّ نِيرَ ثِقْلِهِ وَعَصَا كَتِفِهِ وَقَضِيبَ مُسَخِّرِهِ كَسَّرْتَهُنَّ كَمَا فِي يَوْمِ مِدْيَانَ».

ص 10: 5 و14: 5 قضاة 7: 22 ومزمور 83: 9 وص 10: 26

لأَنَّ نِيرَ ثِقْلِهِ وَعَصَا كَتِفِهِ الخ هذا هو السبب الأول لفرح الشعب وهو إبادة المسيح قوة أعدائهم. والمراد «بنير ثقله» النير الثقيل الموضوع على إسرائيل المكنىّ به عن شعب الله. «وبعصا كتفه» العصا التي بها ضُرب كتفه. و«النير» يشير أيضاً إلى عبودية الخطية التي منها تنتج البلايا كلها والمسيح يخلص شعبه منها.

يَوْمِ مِدْيَانَ ذُكر حديث هذا اليوم في (قضاة 7: 22 و23). والأمر المعتبر في هذه الحادثة هو أن الرب خلص شعبه بواسطة أناس قليلي العدد والقوة «لئلا يفتخر عليّ إسرائيل قائلاً يدي خلصتني».

5 «لأَنَّ كُلَّ سِلاَحِ ٱلْمُتَسَلِّحِ فِي ٱلْوَغَى، وَكُلَّ رِدَاءٍ مُدَحْرَجٍ فِي ٱلدِّمَاءِ، يَكُونُ لِلْحَرِيقِ مَأْكَلاً لِلنَّارِ».

ص 66: 15 و16

لأَنَّ كُلَّ سِلاَحِ ٱلْمُتَسَلِّحِ هذا هو السبب الثاني لفرح المؤمنين وهو إبطال الحرب وإتلاف الأسلحة أي في أيام المسيح تفنى كل أدوات الحرب ويشمل السلام العالم أجمع (ص 2: 4).

6 «لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ٱبْناً، وَتَكُونُ ٱلرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى ٱسْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلٰهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ ٱلسَّلاَمِ».

ص 7: 14 ولوقا 2: 11 يوحنا 3: 16 متّى 28: 18 و1كورنثوس 15: 25 قضاة 13: 18 تيطس 2: 13 أفسس 2: 14

لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ٱبْناً هذا هو السبب الثالث لفرح شعب الله وهو ولادة المسيح مصدر كل سلام وتقلده كل رياسة وسلطان وقدرة وقيام ملكه والسلام. وهذه الأقوال تصدق على المسيح وسلطانه وقد اقتُبست في العهد الجديد منسوبة إليه (لوقا 1: 32 و33) وقد كابر اليهود في هذه النبوءة وتحملوا لها تفسيراً يدل على عنادهم وغباوتهم وهو أنها تشير إلى حزقيا الملك لا إلى المسيح.

تَكُونُ ٱلرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ شُبهت الرئاسة بحمل على كتف الرئيس لأنها خدمة متعبة تليها مسؤولية عظيمة. تأمل في لفظة «وزير» فإن معناها الأصلي هو الذي يحمل ثقل الملك ويعينه. وأما رئاسة المسيح فلم تكن كما كان اليهود ينتظرون بل كانت أولاً رئاسة روحية في قلوب الناس وغايتها القداسة ثم رئاسة في العالم الحاضر تقوم بواسطة المحبة لا بالحرب وبإظهار الحق وإنارة الضمير فيخضع ملوك العالم للمسيح ويمارسوا وظائفهم بحسب إرادته. فلا يكون المسيح ملكاً جسدياً بل يحكم على الشعوب بحكمه في قلوب ملوكها وفي قلوب الرعية أفراداً.

يُدْعَى ٱسْمُهُ عَجِيباً أي يكون هو عجيباً (انظر المواعظ الوطنية عدد 9). والمسيح كان عجيباً لأنه وُلد من عذراء وكان إلهاً وإنساناً وكان غنياً وفقيراً وكان باراً وعليه خطايا العالم وكان رئيس الحياة ومات على الصليب وكان ولداً وأباً أبدياً الخ.

مُشِيراً (انظر 1كورنثوس 1: 24) «فَبِٱلْمَسِيحِ حِكْمَةِ ٱللّٰهِ». «ٱلْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ ٱلْحِكْمَةِ وَٱلْعِلْمِ» (كولوسي 2: 3). وهو مشير لكل من يستشيره (أعمال 8: 12 - 20).

إِلٰهاً قَدِيراً نبوءة بأن المسيح الموعود به يكون إلهاً لا ملكاً ولا مجرد إنسان وأنه يقهر الشيطان والخطية والموت.

أَباً أَبَدِيّاً لأن الحياة الأبدية منه وهو يحب شعبه كمحبة الآب لبنيه ومحبته إلى الأبد.

رَئِيسَ ٱلسَّلاَمِ المسيح يصنع السلام بين الله والناس وبين اليهود والأمم ويحامي عن شعبه ويبطل الحروب ويعلم الناس المحبة والاتفاق وينزع الطمع والكبرياء وكل أسباب الخصام.

7 «لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِٱلْحَقِّ وَٱلْبِرِّ، مِنَ ٱلآنَ إِلَى ٱلأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ ٱلْجُنُودِ تَصْنَعُ هٰذَا».

دانيال 2: 44 ولوقا 1: 32 و33 و2ملوك 19: 31 وص 37: 32

لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ المسيح يبقى ملكاً إلى الأبد.

عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ المسيح كان من نسل داود بالجسد ولذلك كرسيه يكون كرسي داود. أما المواعيد لإبراهيم ونسله فكانت بشرط الإيمان والطاعة الكاملة (تكوين 18: 19) أي ليست لليهود بلا شرط بل لمؤمنيهم وليس للمؤمنين من اليهود فقط بل لجميع المؤمنين بالمسيح سواء أكانوا من اليهود أم كانوا من الأمم. وشعب الله الواحد يشمل جميع المؤمنين قبل التجسد وبعده.

غَيْرَةُ رَبِّ ٱلْجُنُودِ إن غيرة الله من جهة شعبه تكون محبة قوية وحماية وخلاص ومن جهة أعدائه تكون الغضب الشديد و الهلاك. لان الرب لا يرضى أن يبقى شعبه المختار تحت حكم ملك ضعيف وشرير كآحاز ولا أنه يكون تحت سلطة ملك وثني كملك أشور بل يعده بملك من بيت داود يكون كاملاً بكل صفاته. والرب غيور لنفسه أيضاً لأن شعب إسرائيل هو شعبه فيتمجد بخلاصه من أعدائهم وأعدائه.

بدء سلسلة ويلات أنذر الله بها مملكة إسرائيل ع 8 إلى 12

8 «أَرْسَلَ ٱلرَّبُّ قَوْلاً فِي يَعْقُوبَ فَوَقَعَ فِي إِسْرَائِيلَ».

أَرْسَلَ ٱلرَّبُّ قَوْلاً فِي يَعْقُوبَ فَوَقَعَ فِي إِسْرَائِيلَ أراد يعقوب وإسرائيل الأسباط العشرة والظاهر أن النبي رجع إلى ذكر عقابهم وأشار بهذا القول إلى ما تقدم في (ص 7: 8) من أن أفرايم ينكسر في مدة 65 سنة حتى لا يكون شعباً.

9، 10 «9 فَيَعْرِفُ ٱلشَّعْبُ كُلُّهُ، أَفْرَايِمُ وَسُكَّانُ ٱلسَّامِرَةِ، ٱلْقَائِلُونَ بِكِبْرِيَاءٍ وَبِعَظَمَةِ قَلْبٍ: 10 قَدْ هَبَطَ ٱللِّبْنُ فَنَبْنِي بِحِجَارَةٍ مَنْحُوتَةٍ. قُطِعَ ٱلْجُمَّيْزُ فَنَسْتَخْلِفُهُ بِأَرْزٍ».

فَيَعْرِفُ ٱلشَّعْبُ كُلُّهُ صدق كلام الله وأنه لا بد من أن يتم وعده ووعيده.

ٱلْقَائِلُونَ بِكِبْرِيَاءٍ الخ الذين مع كل ما أصابهم لم ينتبهوا لأنفسهم بل من كبريائهم قالوا بعظمة قلب «قد هبط». فعلينا أن نميز بين عظمة القلب وعزم القلب (انظر أعمال 11: 23) لأن عظمة القلب هي العناد في مقاومة الرب وعزم القلب هو الثبات في خدمته. وإذا وجدنا صعوبات وضيقات وخسارة في خدمة الرب وجب أن لا نرجع عن تلك الخدمة بل نقول «هبط اللبن فنبني بحجارة» أي نتقدم وذلك بنعمة الله وبالاتكال عليه. ولكن إذا كنا مقاومين للرب حل بنا الضيق وخسرنا فعلينا أن ننتبه ونتوب ونرجع عن أعمالنا الرديئة ونقول «هبط اللبن» ويكفينا هذه الخسارة فلا نخطئ بعد بل نرجع إلى الرب الذي أدبنا.

ٱلْجُمَّيْزُ هو من الأخشاب المستعملة في البناء لكنه دون الأرز قيمة ومتانة (2أيام 1: 15) والمعنى أنهم لم يكترثوا بتأديب الرب لهم بل كابروا وادعوا أنهم يقدرون فوق قدرتهم على أن يرمموا ما هدمه لهم الرب أن يعيدوا بناءه بمواد أفضل. وربما أشار النبي بهذا الكلام إلى الزلزلة المذكورة في (عاموس 1: 1 وزكريا 14: 5).

11 «فَيَرْفَعُ ٱلرَّبُّ أَخْصَامَ رَصِينَ عَلَيْهِ وَيُهَيِّجُ أَعْدَاءَهُ».

فَيَرْفَعُ ٱلرَّبُّ أنذرهم الله لكبريائهم وتمردهم بإرساله أعداء أشد بأساً وأكثر عدداً منهم يأكلونهم بكل الفم.

أَخْصَامَ رَصِينَ أي الخصوم الأشوريين.

عَلَيْهِ أي على أفرايم. بعد أن يدمروا آرام يرجعون ويدمرون أفرايم.

12 «ٱلأَرَامِيِّينَ مِنْ قُدَّامُ وَٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ مِنْ وَرَاءُ، فَيَأْكُلُونَ إِسْرَائِيلَ بِكُلِّ ٱلْفَمِ. مَعَ كُلِّ هٰذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ!».

ص 5: 25 و10: 4 وإرميا 4: 8

ٱلأَرَامِيِّينَ يُجبر هؤلاء على مساعدة الأشوريين لأجل إبادة أفرايم مع أن الأشوريين كانوا قد قهروهم واستولوا عليهم وكان الإسرائيليون حلفاءهم الأولين.

مِنْ قُدَّامُ أي الشرق فإن العبرانيين حسبوه قدامهم.

مِنْ وَرَاءُ أي الغرب.

تصريح بقصد الله أن يقطع إسرائيل قطعاً تاماً لأجل تمردهم عليه ع 13 إلى 17

13 «وَٱلشَّعْبُ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى ضَارِبِهِ وَلَمْ يَطْلُبْ رَبَّ ٱلْجُنُودِ».

إرميا 5: 3 وهوشع 7: 10

وَٱلشَّعْبُ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى ضَارِبِهِ أي لم ينتفعوا شيئاً من كل تأديبات الرب. فإن الرب كان قد ضربهم ضرب المحبة بغية خلاصهم. وكانت التأديبات بالتدريج. فكان أولاً غزو تغلث فلاسر ثم غزو الآراميين والفلسطينيين فلم ينتبهوا وأخيراً سقطت السامرة. فعلى كل خاطئ أن ينتبه ويستفيد من تأديب الرب فلا يصل إلى أدنى الدركات أي الهلاك.

14 «فَيَقْطَعُ ٱلرَّبُّ مِنْ إِسْرَائِيلَ ٱلرَّأْسَ وَٱلذَّنَبَ، ٱلنَّخْلَ وَٱلأَسَلَ، فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ».

ص 10: 17 ورؤيا 18: 8

فَيَقْطَعُ ٱلرَّبُّ مِنْ إِسْرَائِيلَ ٱلرَّأْسَ وَٱلذَّنَبَ أي العظيم والحقير وكل من بينهما.

ٱلنَّخْلَ وَٱلأَسَلَ الشريف والدنيء والأعلى والأدنى.

15 «اَلشَّيْخُ وَٱلْمُعْتَبَرُ هُوَ ٱلرَّأْسُ، وَٱلنَّبِيُّ ٱلَّذِي يُعَلِّمُ بِٱلْكَذِبِ هُوَ ٱلذَّنَبُ».

اَلشَّيْخُ وَٱلْمُعْتَبَرُ هذا بيان لقوله في الآية السابقة «الرأس والذنب». فعلى كل متقدم بين الناس في العمر أو المقام أو الغنى أو العلم مسؤولية خصوصية وإذا أخطأ فعليه دينونة أعظم بسبب منزلته. إن خطية موسى مثلاً لم تكن في نفسها أعظم من خطايا غيره ولكنها استحقت من الرب توبيخاً خصوصياً وتأديباً لكونه متقدماً على سواه بمقام النبوءة والسيادة.

ٱلنَّبِيُّ ٱلَّذِي يُعَلِّمُ بِٱلْكَذِبِ هُوَ ٱلذَّنَبُ لأن خطيته خطية مضاعفة لأنه أخطأ فعلّم غيره أن يخطئ (متّى 5: 19) والرب يكره الكذب أشد الكره. فما كان أشد خطاء النبي إشعياء لو اتفق مع آحاز واستعفى من التكلم.

16 «وَصَارَ مُرْشِدُو هٰذَا ٱلشَّعْبِ مُضِلِّينَ وَمُرْشَدُوهُ مُبْتَلَعِينَ».

ص 3: 12

وَصَارَ مُرْشِدُو هٰذَا ٱلشَّعْبِ مُضِلِّينَ هذا بيان لتوغلهم في الفساد ولضعف الأمل برجوعهم.

17 «لأَجْلِ ذٰلِكَ لاَ يَفْرَحُ ٱلسَّيِّدُ بِفِتْيَانِهِ، وَلاَ يَرْحَمُ يَتَامَاهُ وَأَرَامِلَهُ، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُنَافِقٌ وَفَاعِلُ شَرٍّ. وَكُلُّ فَمٍ مُتَكَلِّمٌ بِٱلْحَمَاقَةِ. مَعَ كُلِّ هٰذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ!».

مزمور 147: 10 و11 ميخا 7: 2 ع 12 و21 وص 5: 25 و10: 4

لأَجْلِ ذٰلِكَ لاَ يَفْرَحُ ٱلسَّيِّدُ بِفِتْيَانِهِ أي لا يفرح السيد بهم لسبب شرورهم. والمراد «بالفتيان» القادرون في الحرب.

يَتَامَاهُ الرب يعتني باليتامى والأرامل وإذا كان لا يرحمهم فلا يرحم أحداً.

إيضاح أحوالهم وكثرة شرورهم بالتفصيل ع 18 إلى 21

18 «لأَنَّ ٱلْفُجُورَ يُحْرِقُ كَٱلنَّارِ. تَأْكُلُ ٱلشَّوْكَ وَٱلْحَسَكَ، وَتُشْعِلُ غَابَ ٱلْوَعْرِ فَتَلْتَفُّ عَمُودَ دُخَانٍ».

رومية 1: 18 ص 10: 17 وملاخي 4: 1

لأَنَّ ٱلْفُجُورَ يُحْرِقُ كَٱلنَّارِ الخاطئ يهلك نفسه والخطية كنار يشعلها إنسان في بيته قصداً فيحترق البيت بيد صاحبه. فالكذب يضر الكاذب أكثر من المكذوب عليه والسرقة تخسر السارق أكثر مما تخسر المسروق منه واللعنات تحل أولاً على اللاعن.

19 «بِسَخَطِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ تُحْرَقُ ٱلأَرْضُ، وَيَكُونُ ٱلشَّعْبُ كَمَأْكَلٍ لِلنَّارِ. لاَ يُشْفِقُ ٱلإِنْسَانُ عَلَى أَخِيهِ».

ص 8: 22 ميخا 7: 2 و6

بِسَخَطِ رَبِّ حتى أن سخط الله يحرق الأرض ويكون الشعب كالعشب أمامه.

20 «يَلْتَهِمُ عَلَى ٱلْيَمِينِ فَيَجُوعُ، وَيَأْكُلُ عَلَى ٱلشِّمَالِ فَلاَ يَشْبَعُ. يَأْكُلُونَ كُلُّ وَاحِدٍ لَحْمَ ذِرَاعِهِ»

لاويين 26: 26 ص 49: 26 وإرميا 19: 9

يَلْتَهِمُ عَلَى ٱلْيَمِينِ كل واحد منهم لجوعه وضيقه يسلب الآخر وتكون المنايا عوض الأماني في أرضهم ويزدادون قساوة وميلاً إلى سفك الدم كي يقتلوا شمالاً ويميناً.

يَأْكُلُونَ كُلُّ وَاحِدٍ لَحْمَ ذِرَاعِهِ أي أن كل واحد يبالغ في ضرر الآخر.

21 «مَنَسَّى أَفْرَايِمَ، وَأَفْرَايِمُ مَنَسَّى، وَهُمَا مَعاً عَلَى يَهُوذَا. مَعَ كُلِّ هٰذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ!».

ع 12 و17 ص 5: 25 و10: 4

مَنَسَّى أَفْرَايِمَ إذا راجعنا ص 15 من 2ملوك نرى أن شلوم فتن على الملك زكريا وقتله ومنحيم قتل شلوم وفقح فتن على فقحيا وقتله وهوشع قتل فقح. ونستنتج مما قيل في (2ملوك 15: 27 و16: 1 و17: 1) أنه كان بين فقح وهوشع مدة نحو ثماني سنين بلا ملك أي هذه المدة كلها كانت زمان فتن وتشويش منسى على أفرايم وأفرايم على منسى.

مَعَ كُلِّ هٰذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ إن قصد الرب بهذه الضربات الكثيرة والثقيلة رجوع شعبه إليه بالتوبة ولكنهم لم ينتبهوا لا من الضربة الأولى ولا مما يليها فلم يرتد غضبه.

فوائد للوعاظ

أسماء المسيح الخمسة (ع 6) تفيد ما يأتي:

  1. عجيب. سر التجسد.

  2. مشير. حكمة المسيح التي ظهرت في تعليمه وهو لا يزال اليوم مشيراً لكل من يطلب منه المشورة.

  3. إله قدير. قدرة المسيح على شفاء المرضى وإخراج الشياطين وقيامة الموتى وفي إجراء مقاصده في كل زمان.

  4. أب أبدي. محبة المسيح فقوته هي للبنيان والخلاص.

  5. رئيس السلام. نتيجة رئاسته السلام في العالم وفي قلب كل مؤمن.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْعَاشِرُ

مضمونه:

الآيات الأربع الأولى منه ملحقة بالأصحاح السابق وهي تكملة إنذار الله لمملكتي إسرائيل ويهوذا بالحرب والدمار من الخارج والفتن من الداخل. ومن ع 5 إلى نهاية ص 12 نبوءات مرتبط بعضها ببعض ارتباطاً محكماً. وهي أقسام:

الأول: نبوءة بأن الله سينتقم من أشور لأنه اتخذه قضيباً لتأديب شعبه فنسب انتصاره على ذلك الشعب إلى اقتداره ولم يكتف من تعذيبه وإذلاله بما يكون تأديباً له كما هو مراد الله بل اجتهد في أن يقرضه عن آخره. وهذا القسم يشتمل بالتفصيل على ما يأتي:

  1. وصف دمار أشور (ع 5 - 19).

  2. تأثير تلك الخطوب في أتقياء الشعب والتجاؤهم إلى الله واتكالهم عليه (ع 20 - 23).

  3. تنشيط الله شعبه وتقويتهم (ع 24 - 27).

  4. وصف مجيء أشور لمحاربة أورشليم (ع 28 إلى 32).

  5. تكرار الوعيد بسقوط أشور (ع 33 و34).

الثاني: نبوءة بمجيء المسيح وامتداد ملكه ونجاح ملكوته (ص 11) ونشيد حمد (ص 12).

1 - 4 «1 وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَقْضُونَ أَقْضِيَةَ ٱلْبُطْلِ، وَلِلْكَتَبَةِ ٱلَّذِينَ يُسَجِّلُونَ جَوْراً 2 لِيَصُدُّوا ٱلضُّعَفَاءَ عَنِ ٱلْحُكْمِ، وَيَسْلِبُوا حَقَّ بَائِسِي شَعْبِي، لِتَكُونَ ٱلأَرَامِلُ غَنِيمَتَهُمْ وَيَنْهَبُوا ٱلأَيْتَامَ. 3 وَمَاذَا تَفْعَلُونَ فِي يَوْمِ ٱلْعِقَابِ، حِينَ تَأْتِي ٱلتَّهْلُكَةُ مِنْ بَعِيدٍ؟ إِلَى مَنْ تَهْرُبُونَ لِلْمَعُونَةِ، وَأَيْنَ تَتْرُكُونَ مَجْدَكُمْ؟ 4 إِمَّا يَجْثُونَ بَيْنَ ٱلأَسْرَى، وَإِمَّا يَسْقُطُونَ تَحْتَ ٱلْقَتْلَى. مَعَ كُلِّ هٰذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ!».

مزمور 58: 2 و94: 20 أيوب 31: 14 هوشع 9: 7 ولوقا 19: 44 ص 5: 25 و9: 12 و17 و21

هذه الآيات تتعلق بالأصحاح السابق وهي جزء من تهديدات الله لإسرائيل وهي مختصة بالقضاة الذين يسنُّون الشرائع غير العادلة ويقضون بالبطل. وكانت خطيتهم (1) بأنهم لم يشعروا بمسؤوليتهم كوكلاء الله لأنه لا سلطان إلا من الله (رومية 13: 1).

(2) بظلم الضعفاء واليتامى والأرامل لأنه من أهم واجبات الحكام أن يحاموا عن الضعفاء.

(3) بتصديقهم لأحكام البطل فيصير الظلم بصورة النظام والحق.

حِينَ تَأْتِي ٱلتَّهْلُكَةُ مِنْ بَعِيدٍ (ع 3) أي من أشور. إن الرب نهاهم بكل تصريح عن أن يلتجئوا إلى أشور لأنه لا يخلصهم ولا ملجأ لهم إلا الرب.

أَيْنَ تَتْرُكُونَ مَجْدَكُمْ كان مجدهم ما لهم لا سواه فسألهم الرب تهكماً أين تضعون هذا المال في يوم العقاب وأنتم ذاهبون بين الأسرى أو ساقطون مع القتلى.

لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ الخ (ع 4) (انظر ص 9: 12 و17 و21) إن كل فصل من هذه النبوءة ينتهي بهذا الكلام. السامرة سقطت ولم تقم ولم يرتد غضب الرب على يهوذا حتى نهاية سبي بابل.

5، 6 «5 وَيْلٌ لأَشُّورَ قَضِيبِ غَضَبِي. وَٱلْعَصَا فِي يَدِهِمْ هِيَ سَخَطِي. 6 عَلَى أُمَّةٍ مُنَافِقَةٍ أُرْسِلُهُ، وَعَلَى شَعْبِ سَخَطِي أُوصِيهِ، لِيَغْتَنِمَ غَنِيمَةً وَيَنْهَبَ نَهْباً وَيَجْعَلَهُمْ مَدُوسِينَ كَطِينِ ٱلأَزِقَّةِ».

إرميا 51: 20 ص 9: 17 إرميا 34: 22

هاتان الآيتان نبوءة بهجوم أشور على يهوذا وأورشليم. والظاهر من ع 9 و10 أن زمان هذه النبوءة في ملك حزقيا بعد سقوط السامرة. والأرجح أن ملك أشور المشار إليه في هذه النبوءة هو سنحاريب.

ملوك أشور المذكورون في الكتاب المقدس هم:

  • الأول: فول الذي وضع الجزية على منحيم ملك إسرائيل (2ملوك 15: 19).

  • الثاني: تغلث فلاسر الذي عصاه فقح ورصين واستغاث به آخاز فضرب دمشق والجليل (2ملوك 15: 29 و16: 9) وظن بعضهم أن فول وتغلث فلاسر اسمان لملك واحد.

  • الثالث: شلمناصر الذي شرع في محاصرة السامرة (2ملوك 17: 5).

  • الرابع: سرجون الذي فتن على شلمناصر وقتله وملك عوضاً عنه وأخذ السامرة (2ملوك 17: 6) وأخذ أشدود أيضاً (إشعياء ص 20).

  • الخامس: سنحاريب بن سرجون الذي حاصر أورشليم في أيام حزقيا وكان في زمن هذه النبوءة مستولياً على آرام والسامرة وموآب وأدوم وفلسطين أي كل الممالك ما عدا اليهودية وكان حينئذ يتقدم إليها لكن ظن بعضهم أن سرجون هو المشار إليه في ص 10 لا سنحاريب.

وَيْلٌ لأَشُّورَ قَضِيبِ غَضَبِي أي القضيب الذي استعملته في وقت الغضب.

وَٱلْعَصَا فِي يَدِهِمْ هِيَ سَخَطِي أي أنا أدربهم على استعمالها للنقمة من الأشرار. فإن الأحكام التي أنذرهم الله بها في الأصحاح السابق أجراها على الخصوص بواسطة الأشوريين. وهكذا اتخذ نبوخذنصر آلة لانتقامه (إرميا 51: 20 - 24). وكلام الله موجه إلى الأشوريين لا إلى ملكهم وحده. قال سنحاريب (ص 36: 10) «ٱلرَّبُّ قَالَ لِي ٱصْعَدْ: إِلَى هٰذِهِ ٱلأَرْضِ وَٱخْرِبْهَا» ولعل قوله صادق فكأن الرب ظهر له وكلمه كما كلم نبوخذنصر (دانيال 2: 28).

أُمَّةٍ مُنَافِقَةٍ (ع 6) كان الملك حزقيا يتقي الله ولذلك كان بعض الشعب وهم أشرار يتظاهرون بالتقوى.

عَلَى شَعْبِ سَخَطِي أي على يهوذا شعبي الذي أنا ساخط عليه لنفاقه.

7 - 11 «7 أَمَّا هُوَ فَلاَ يَفْتَكِرُ هٰكَذَا، وَلاَ يَحْسِبُ قَلْبُهُ هٰكَذَا. بَلْ فِي قَلْبِهِ أَنْ يُبِيدَ وَيَقْرِضَ أُمَماً لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ. 8 فَإِنَّهُ يَقُولُ: أَلَيْسَتْ رُؤَسَائِي جَمِيعاً مُلُوكاً؟ 9 أَلَيْسَتْ كَلْنُو مِثْلَ كَرْكَمِيشَ؟ أَلَيْسَتْ حَمَاةُ مِثْلَ أَرْفَادَ؟ أَلَيْسَتِ ٱلسَّامِرَةُ مِثْلَ دِمَشْقَ؟ 10 كَمَا أَصَابَتْ يَدِي مَمَالِكَ ٱلأَوْثَانِ، وَأَصْنَامُهَا ٱلْمَنْحُوتَةُ هِيَ أَكْثَرُ مِنَ ٱلَّتِي لأُورُشَلِيمَ وَلِلسَّامِرَةِ، 11 أَفَلَيْسَ كَمَا صَنَعْتُ بِٱلسَّامِرَةِ وَبِأَوْثَانِهَا أَصْنَعُ بِأُورُشَلِيمَ وَأَصْنَامِهَا؟»

تكوين 50: 20 وميخا 4: 12 و2ملوك 18: 24 و33 الخ و19: 10 الخ عاموس 6: 2 و2أيام 35: 20 و2ملوك 16: 9

بيان فكر أشور في إجرائه إرادة الله فإنه افتخر جداً بذلك ونسب كل أعماله وانتصاراته إلى قدرته وحكمته لا إلى الله.

أَلَيْسَتْ رُؤَسَائِي جَمِيعاً مُلُوكاً هذا دليل على اتساع مملكته وافتخاره باستيلائه على الممالك التي فتحها وتسلط على ملوكها عنوة واقتداراً.

أَلَيْسَتْ كَلْنُو مِثْلَ كَرْكَمِيشَ (ع 9) أي ألم أقهر هاتين المدينتين وأخضعهما لنيري. إن ملك أشور ذكر ست مدن كان قد فتحها وذكرها بالترتيب مبتدئاً من الشمال لأن الطريق من أشور إلى اليهودية كان أولاً إلى الشمال والغرب إلى كركميش وهي على حافة النهر ثم تميل الطريق عن النهر إلى جهة الغرب إلى كلنوا وأرفاد ثم إلى جهة الجنوب إلى حماة ومنها إلى السامرة. وذكر هذه المدن أزواجاً كأنه قال أخذت كلنو مثلماً كنت قد أخذت كركميش وأخذت حماة مثلما كنت قد أخذت أرفاد إلى آخره. وأرفاد غير الجزيرة أرواد.

كَمَا أَصَابَتْ يَدِي (ع 10) أي أن ملك أشور قال مفتخراً إنه يعمل بأورشليم كما عمل بممالك أخرى وبأصنامها مع أن أصنام تلك الممالك التي تحرسها أكثر من أصنام أورشليم والسامرة. ولا يخفى أن احتقاره للأوثان لا يُحسب احتقاراً عاماً للأوثان وللعبادة الوثنية بل للأوثان التي لم يعبدها هو.

وأصنام أورشليم والسامرة تشير إلى الأصنام التي كان اليهود يسجدون لها والعجلين المعبودين في مملكة إسرائيل وهذه الأصنام ليست أفضل من أصنام دمشق وحماة وأرفاد كما قال.

12 - 14 «12 فَيَكُونُ مَتَى أَكْمَلَ ٱلسَّيِّدُ كُلَّ عَمَلِهِ بِجَبَلِ صِهْيَوْنَ وَبِأُورُشَلِيمَ، أَنِّي أُعَاقِبُ ثَمَرَ عَظَمَةِ قَلْبِ مَلِكِ أَشُّورَ وَفَخْرَ رِفْعَةِ عَيْنَيْهِ. 13 لأَنَّهُ قَالَ: بِقُدْرَةِ يَدِي صَنَعْتُ، وَبِحِكْمَتِي. لأَنِّي فَهِيمٌ. وَنَقَلْتُ تُخُومَ شُعُوبٍ وَنَهَبْتُ ذَخَائِرَهُمْ، وَحَطَطْتُ ٱلْمُلُوكَ كَبَطَلٍ. 14 فَأَصَابَتْ يَدِي ثَرْوَةَ ٱلشُّعُوبِ كَعُشٍّ، وَكَمَا يُجْمَعُ بَيْضٌ مَهْجُورٌ جَمَعْتُ أَنَا كُلَّ ٱلأَرْضِ، وَلَمْ يَكُنْ مُرَفْرِفُ جَنَاحٍ وَلاَ فَاتِحُ فَمٍ وَلاَ مُصَفْصِفٌ».

2ملوك 19: 31 إرميا 50: 18 إشعياء 37: 24 وحزقيال 28: 4 الخ ودانيال 4: 30 أيوب 31: 25

هذه الآيات تتضمن النبوءة بقصاص ملك أشور وما سيفعله الرب به بعد تمام مدة استخدامه إياه في إجراء مقاصده تعالى.

أُعَاقِبُ ثَمَرَ عَظَمَةِ قَلْبِ مَلِكِ يعاقبه على كبريائه وشروره والأعمال الافتخارية التي صدرت منه ويحطم عظمته. والقول «ملك أشور» لا يشير إلى ملك واحد فقط بل إلى المملكة وجميع ملوكها وكانوا كلهم مشهورين بالكبرياء والطمع والقساوة.

لأَنَّهُ قَالَ (ع 13) ربما لم يقل ملوك أشور ذلك لفظاً فمعنى النبي أن هذه أفكار قلوبهم ولسان حالهم.

وَنَقَلْتُ تُخُومَ شُعُوبٍ (انظر تثنية 32: 8) إن الرب نصب تخوماً للشعوب فما أتاه ملك أشور من نقل التخوم هو تعد على نظام الله وظلم الشعوب.

كَبَطَلٍ سمى ملك أشور نفسه بطلاً أي شجاعاً.

وَكَمَا يُجْمَعُ بَيْضٌ مَهْجُورٌ (ع 14) أي غزوت الممالك وجمعتها بلا مانع كما يُجمع بيض مهجور.

وَلَمْ يَكُنْ مُرَفْرِفُ جَنَاحٍ أي من دون أدنى مقاومة. فانظر أنه لم يدع العدل والحق ويفتخر بهما بل افتخر بالقوة الجسدية الوحشية. وظهرت كبرياء أشور من كلام ربشاقي إلى حزقيا (2ملوك 18: 19 - 35). وظهر أيضاً في الكتابات القديمة ففيها لقب الملك نفسه بملك الملوك ورب الأرباب وعزيز الآلهة الخ. وكان هؤلاء الملوك يدعون أنهم لم يفتأوا ناجحين فالكتابات لا تذكر انكسارهم أبداً. فلا يجوز لنا أن نفتخر بقوة عقولنا وكثرة مالنا ونجاحنا كأننا عملنا شيئاً من أنفسنا بل نقر بأن القوة والعقل والمال والنجاح كلها من الرب ونحن آلات بيده. وطوبى لمن يسلم نفسه لإرادة الرب ويحب أن يعملها ويفتخر بالرب أي ينسب كل أعماله الصالحة إلى نعمة الله العاملة فيه.

15 «هَلْ تَفْتَخِرُ ٱلْفَأْسُ عَلَى ٱلْقَاطِعِ بِهَا، أَوْ يَتَكَبَّرُ ٱلْمِنْشَارُ عَلَى مُرَدِّدِهِ؟ كَأَنَّ ٱلْقَضِيبَ يُحَرِّكُ رَافِعَهُ! كَأَنَّ ٱلْعَصَا تَرْفَعُ مَنْ لَيْسَ هُوَ عُوداً!».

إرميا 51: 20

هَلْ تَفْتَخِرُ ٱلْفَأْسُ عَلَى ٱلْقَاطِعِ استفهام توبيخي يبين جهالة أشور وافتخاره بنفسه إذ شُبه بفأس في يد القاطع ومنشار في يد مستعمله أو قضيب في يد محركه.

كَأَنَّ ٱلْقَضِيبَ يُحَرِّكُ رَافِعَهُ أي كأن القضيب يرفع الرجل لا الرجل يرفع القضيب.

16 - 19 «16 لِذٰلِكَ يُرْسِلُ سَيِّدُ ٱلْجُنُودِ عَلَى سِمَانِهِ هُزَالاً، وَيُوقِدُ تَحْتَ مَجْدِهِ وَقِيداً كَوَقِيدِ ٱلنَّارِ. 17 وَيَصِيرُ نُورُ إِسْرَائِيلَ نَاراً وَقُدُّوسُهُ لَهِيباً، فَيُحْرِقُ وَيَأْكُلُ حَسَكَهُ وَشَوْكَهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ 18 وَيُفْنِي مَجْدَ وَعْرِهِ وَبُسْتَانِهِ ٱلنَّفْسَ وَٱلْجَسَدَ جَمِيعاً. فَيَكُونُ كَذَوَبَانِ ٱلْمَرِيضِ. 19 وَبَقِيَّةُ أَشْجَارِ وَعْرِهِ تَكُونُ قَلِيلَةً حَتَّى يَكْتُبَهَا صَبِيٌّ».

ص 5: 17 ص 9: 18 و27: 4 و2ملوك 19: 23

هذه الآيات إنذار آخر لأشور على شره وكبريائه.

سِمَانِهِ رجال حربه الأشداء. والمعنى أن سمانه يصيرون هزالاً وأقوياءه يضعفون.

وَيَصِيرُ نُورُ إِسْرَائِيلَ نَاراً (ع 17) أي الإله الواحد يكون نوراً لشعبه وناراً آكلة لأعدائه (إشعياء 37: 36).

وَيُفْنِي مَجْدَ وَعْرِهِ وَبُسْتَانِهِ (ع 18) أي أن فعل تلك النار يكون عظيماً حتى يُفنى كل قوة أشور.

ٱلنَّفْسَ وَٱلْجَسَدَ فناء تاماً. والوعر والبستان كناية عن عساكر أشور نظراً إلى كثرتهم وعظمتهم.

كَذَوَبَانِ ٱلْمَرِيضِ (ع 18) يشير إلى أن سقوط أشور ليس من الأسباب الخارجية وحدها بل من أسباب داخلية أيضاً كحروب أهلية وفتن وفساد الأخلاق.

وَبَقِيَّةُ أَشْجَارِ وَعْرِهِ (ع 19) أي أن جيشه الذي كان بالعدد والعظمة مثل أشجار الوعر يصير قليلاً حتى يقدر صبي أن يعدّه.

20 - 23 «20 وَيَكُونُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أَنَّ بَقِيَّةَ إِسْرَائِيلَ وَٱلنَّاجِينَ مِنْ بَيْتِ يَعْقُوبَ لاَ يَعُودُونَ يَتَوَكَّلُونَ أَيْضاً عَلَى ضَارِبِهِمْ، بَلْ يَتَوَكَّلُونَ عَلَى ٱلرَّبِّ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ بِٱلْحَقِّ. 21 تَرْجِعُ بَقِيَّةُ يَعْقُوبَ إِلَى ٱللّٰهِ ٱلْقَدِيرِ. 22 لأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ شَعْبُكَ يَا إِسْرَائِيلُ كَرَمْلِ ٱلْبَحْرِ تَرْجِعُ بَقِيَّةٌ مِنْهُ. قَدْ قُضِيَ بِفَنَاءٍ فَائِضٍ بِٱلْعَدْلِ. 23 لأَنَّ ٱلسَّيِّدَ رَبَّ ٱلْجُنُودِ يَصْنَعُ فَنَاءً وَقَضَاءً فِي كُلِّ ٱلأَرْضِ».

2ملوك 16: 7 و2أيام 28: 20 ص 7: 3 رومية 9: 27 ص 6: 13 ص 28: 22 ص 28: 22 ودانيال 9: 27 ورومية 9: 28

في هذه الآيات مواعيد بالرحمة لبقية إسرائيل.

لاَ يَعُودُونَ يَتَوَكَّلُونَ أَيْضاً عَلَى ضَارِبِهِمْ أي يتعلمون الحكمة من التأديب ويتحققون فساد سياسة آحاز باستغاثته بملك أشور.

تَرْجِعُ بَقِيَّةُ يَعْقُوبَ (ع 21) هذا إشارة إلى ما جاء في (ص 7: 3) ومضمون هذه النبوءة في اسم ابن إشعياء شآر ياشوب. ولفظة «إسرائيل» ولفظة «يعقوب» إشارتان إلى إسرائيل كله لا إلى الأسباط العشرة فقط.

كَرَمْلِ ٱلْبَحْرِ (ع 22) هنا إشارة إلى الوعد لإبراهيم (تكوين 13: 16) وهذا الوعد تم في أيام سليمان (1ملوك 4: 20) ولكنه تم جزئياً وسيتم روحياً كل التمام على معنى أفضل في نمو الكنيسة المسيحية.

قَدْ قُضِيَ بِفَنَاءٍ فَائِضٍ بِٱلْعَدْلِ أي أن فناء الأشرار من إسرائيل كان عدلاً. ولا يوجد تعزية في هذا القول والمعنى أن الرب لا يغض النظر عن الخطأة بل يعاملهم حسب أعمالهم.

كُلِّ ٱلأَرْضِ (ع 23) أرض إسرائيل ويهوذا كليهما.

24 - 27 «24 وَلَكِنْ هٰكَذَا يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ: لاَ تَخَفْ مِنْ أَشُّورَ يَا شَعْبِي ٱلسَّاكِنُ فِي صِهْيَوْنَ. يَضْرِبُكَ بِٱلْقَضِيبِ، وَيَرْفَعُ عَصَاهُ عَلَيْكَ عَلَى أُسْلُوبِ مِصْرَ. 25 لأَنَّهُ بَعْدَ قَلِيلٍ جِدّاً يَتِمُّ ٱلسَّخَطُ وَغَضَبِي فِي إِبَادَتِهِمْ. 26 وَيُقِيمُ عَلَيْهِ رَبُّ ٱلْجُنُودِ سَوْطاً، كَضَرْبَةِ مِدْيَانَ عِنْدَ صَخْرَةِ غُرَابَ، وَعَصَاهُ عَلَى ٱلْبَحْرِ وَيَرْفَعُهَا عَلَى أُسْلُوبِ مِصْرَ. 27 وَيَكُونُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أَنَّ حِمْلَهُ يَزُولُ عَنْ كَتِفِكَ، وَنِيرَهُ عَنْ عُنُقِكَ، وَيَتْلَفُ ٱلنِّيرُ بِسَبَبِ ٱلسَّمَانَةِ».

ص 37: 6 خروج 14 ص 54: 7 دانيال 11: 36 و2ملوك 19: 5 قضاة 7: 25 وص 9: 4 خروج 14: 26 و27 ص 14: 25 تثنية 32: 5 وهوشع 4: 16

في هذه الآيات تعزية الله لشعبه وتنشيطه له بإعلان قصده من جهة أشور.

رَبُّ ٱلْجُنُودِ يوجد تعزية عظيمة في هذا الإسم «رب الجنود» لأن جيوش أشور وإن كانت عظيمة وقوية جداً تُحسب كلا شيء بالنسبة إلى جنود الرب.

لاَ تَخَفْ مِنْ أَشُّورَ يَا شَعْبِي لأن قصد الله باستعمال أشور ليس إبادة شعبه بل تطهيرهم.

ٱلسَّاكِنُ فِي صِهْيَوْنَ كانت أورشليم مدينة الرب المقدسة فيها هيكل الله ولذلك كان سكانها مطمئنين.

يَضْرِبُكَ بِٱلْقَضِيبِ أي أشور يضرب يهوذا.

عَلَى أُسْلُوبِ مِصْرَ كما ضرب المسخرون المصريون الإسرائيليين في القديم أي بيد شديدة. وقد صدق هذا القول في وضع أشور الجزية على آحاز (2أيام 28: 20 و2ملوك 18: 7 و13 - 16). وقد اكتُشف حديثاً كتابات أشورية منسوبة إلى سنحاريب توافق ما جاء في الكتاب المقدس في ما عامل به يهوذا (الأدلة السنية وجه 107).

لأَنَّهُ بَعْدَ قَلِيلٍ جِدّاً يَتِمُّ ٱلسَّخَطُ (ع 25) يتم سخط الله على شعبه ويتحول إلى أشور.

عِنْدَ صَخْرَةِ غُرَابَ (ع 26) ذُكرت هنا صخرة غراب تذكيراً لهم بقتل رجال أفرايم أميري المديانيين هناك (قضاة 7: 25) وتم هذا القول تماماً بقتل سنحاريب في هيكل وثني بعد رجوعه إلى بلاده كما قُتل الأميران بعد هلاك المديانيين.

وَعَصَاهُ أي عصا الله.

عَلَى ٱلْبَحْرِ كما كانت في أيام خروج بني إسرائيل أولاً في اجتيازهم في وسط البحر وثانياً بإغراق جيش فرعون في المياه (خروج 14: 26).

وَيَرْفَعُهَا أي الله يرفع العصا لضرب أشور.

عَلَى أُسْلُوبِ مِصْرَ أي كما عمل في إغراقه المصريين في البحر الأحمر. فقوله «على أسلوب مصر» في (ع 24) يشير إلى قساوة ملك أشور في استعباده إسرائيل وفي (ع 26) يشير إلى شدة ميل الله إلى إبادة الأشوريين كما أباد المصريين قديماً. فإن ملك أشور رفع عصاه على إسرائيل على أسلوب مصر وكذلك الرب سيرفع عصاه على أشور على أسلوب مصر.

أَنَّ حِمْلَهُ يَزُولُ عَنْ كَتِفِكَ (ع 27) حمل ملك أشور يزول عن كتف يهوذا.

بِسَبَبِ ٱلسَّمَانَةِ إن الكلمة العبرانية الأصلية تحتمل معنيين (1) المسحة فيكون معنى الجملة كلها أن الرب سيبيد مملكة أشور بسبب مواعيده لداود ونسله ملوك يهوذا وعلى نوع خصوصي بسبب المسيح الذي كان عليه مسحة مقدسة بحلول الروح القدس.

(2) سمانة كما ورد في الترجمة العربية فيكون معنى الجملة أن أشور تكبر بسبب النجاح وبطر وبسبب هذه الكبرياء الرب يبيده ويخلص شعبه.

28 - 32 «28 قَدْ جَاءَ إِلَى عَيَّاثَ. عَبَرَ بِمِجْرُونَ. وَضَعَ فِي مِخْمَاشَ أَمْتِعَتَهُ. 29 عَبَرُوا ٱلْمَعْبَرَ. بَاتُوا فِي جَبْعَ. ٱرْتَعَدَتِ ٱلرَّامَةُ. هَرَبَتْ جِبْعَةُ شَاوُلَ. 30 اِصْهِلِي بِصَوْتِكِ يَا بِنْتَ جَلِّيمَ. ٱسْمَعِي يَا لَيْشَةُ. مِسْكِينَةٌ هِيَ عَنَاثُوثُ. 31 هَرَبَتْ مَدْمِينَةُ. ٱحْتَمَى سُكَّانُ جِيبِيمَ. 32 ٱلْيَوْمَ يَقِفُ فِي نُوبَ. يَهُزُّ يَدَهُ عَلَى جَبَلِ بِنْتِ صِهْيَوْنَ أَكَمَةِ أُورُشَلِيمَ».

1صموئيل 13: 23 و1صموئيل 11: 4 و1صموئيل 25: 44 قضاة 18: 7 يشوع 21: 18 يشوع 15: 31 و1صموئيل 21: 1 و22: 19 ونحميا 11: 32 ص 13: 2 ص 37: 22

تُنبئ هذه الآيات بمجيء الأشوريين على أورشليم وقد ذُكرت هذه النبوءة بصيغة الماضي تأكيداً لوقوعها في المستقبل فإن النبي تصور أنه واقف على أسوار أورشليم فرأى العدو مقبلاً إليها. ووصفه على هذه الكيفية زاد تأثير هذه النبوءة التي تطلق على نوع خصوصي على سنحاريب غير أنه لا ينتج بالضرورة من هذه النبوءة أن سنحاريب أتى في تلك الطريق عينها.

جَاءَ إِلَى عَيَّاثَ هي قرية عاي المذكورة في (يشوع ص 7).

عَبَرَ بِمِجْرُونَ (قابل 1صموئيل 14: 5).

وَضَعَ فِي مِخْمَاشَ أَمْتِعَتَهُ (1صموئيل 13: 2 و5 و14: 5 و31) وقد وضع أمتعته هناك لصعوبة الطريق.

عَبَرُوا ٱلْمَعْبَرَ (ع 29) مضيق بين مخماش وجبع. ثم أخذ النبي يصف الهيجان والاضطراب في القرى المجاورة فقال.

ٱرْتَعَدَتِ ٱلرَّامَةُ لكونها مقابلة جبع.

هَرَبَتْ جِبْعَةُ شَاوُلَ هي قرية على أكمة تجاه مخماش وكانت مسكن شاول.

اِصْهِلِي بِصَوْتِكِ يَا بِنْتَ جَلِّيمَ (ع 30) تحركت إحساسات النبي فنادى بنت جليم أي جليم نفسها ونادى ليشة لتسمع وقال متأسفاً «مسكينة هي عناثوث».

هَرَبَتْ مَدْمِينَةُ (ع 31) أي أن أهل مدمينة هربوا.

ٱلْيَوْمَ يَقِفُ فِي نُوبَ مدينة للكهنة (1صموئيل 22: 11) وربما كانت تجاه أورشليم ويمكن أن تُرى منها. ولذلك قيل في العدوّ أنه «يهز يده على جبل بنت صهيون».

33 «هُوَذَا ٱلسَّيِّدُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ يَقْضِبُ ٱلأَغْصَانَ بِرُعْبٍ، وَٱلْمُرْتَفِعُو ٱلْقَامَةِ يُقْطَعُونَ، وَٱلْمُتَشَامِخُونَ يَنْخَفِضُونَ».

عاموس 2: 9

يَقْضِبُ ٱلأَغْصَانَ أي مجد ملك أشور وكبرياءه فإنه شُبّه بشجرة عالية. والمعنى أنه عند اقتراب العدو إلى أورشليم يقيها الله بإهلاكه هذه القوة التي عليها.

34 «وَيُقْطَعُ غَابُ ٱلْوَعْرِ بِٱلْحَدِيدِ، وَيَسْقُطُ لُبْنَانُ بِقَدِيرٍ».

وَيُقْطَعُ غَابُ ٱلْوَعْرَ ربما كانت الإشارة في هذه الآية وما قبلها إلى تشتيت شمل الأشوريين وتمزيقهم في تلك الليلة الهائلة التي فيها قُتل منهم دفعة واحدة مئة وخمسة وثمانون ألفاً (إشعياء 37: 36).

فوائد للوعاظ

يوم العقاب (ع 3)

  1. إنه لا بد من مجيئه. كسير الشمس إلى المغرب ومجيء الشتاء بعد الصيف والشيخوخة بعد الشبيبة.

  2. إنه لا ملجأ في ذلك اليوم لأنه يكون الاتكال على المال والعقل والأصدقاء باطلاً والرب قد تركهم.

  3. العقاب هو خسارة. «أين تتركون مجدكم» أي ما لكم وعبودية «بين الأسرى» وموت «تحت القتلى».

  4. اليوم يوم خلاص. التجئوا إلى المسيح قبلما يأتي يوم العقاب.

مقاصد الإنسان ومقاصد الله (ع 5).

  1. كبرياء الإنسان وعدم إيمانه والمخاطر الناتجة عن النجاح.

  2. إن الله يستعمل الناس حتى الأشرار آلات.

  3. إن للإنسان أن يختار خدمة الرب فتكون خدمته بإرادته لا على رغمه قال المسيح «احملوا نيري عليكم».

أربع درجات في حياة المسيحي (ع 20).

  1. إنه يتكل على نفسه ويجهل الصعوبات وقوة التجارب ويقول أنا أقدر.

  2. إنه بعد ما يختبر شيئاً من التجارب يرى وجوب العزم والاجتهاد.

  3. إنه بعدما يختبر أكثر مما اختبر ييأس ويقول لا أقدر.

  4. إنه يلتجئ بعد ذلك إلى الله ويقول «أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني».

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي عَشَرَ

مضمونه:

بعد ما أنبأ إشعياء بخراب أشور بقطع الأشجار العالية حوّل نبوءته إلى مجيء المسيح وكنى عن إتيانه بقضيب يخرج من جذع يسى مبيناً أن أعظم أشجار الممالك الأشورية تسقط وتتناثر أوراقها وتقطع سوقها وتقلع جذوعها وإن ذلك الغصن الذي ينبت من أصول يسى يظهر بمجد وحكمة وأثمار روحية جميلة جداً وينمو نمواً أبدياً ويكون مستعداً استعداداً كاملاً لإجراء العدل والحق (أيوب 14: 7 - 9).

1 - 5 «1 وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ، 2 وَيَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ ٱلرَّبِّ، رُوحُ ٱلْحِكْمَةِ وَٱلْفَهْمِ، رُوحُ ٱلْمَشُورَةِ وَٱلْقُوَّةِ، رُوحُ ٱلْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ ٱلرَّبِّ. 3 وَلَذَّتُهُ تَكُونُ فِي مَخَافَةِ ٱلرَّبِّ، فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ، وَلاَ يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ، 4 بَلْ يَقْضِي بِٱلْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ، وَيَحْكُمُ بِٱلإِنْصَافِ لِبَائِسِي ٱلأَرْضِ، وَيَضْرِبُ ٱلأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ، وَيُمِيتُ ٱلْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ. 5 وَيَكُونُ ٱلْبِرُّ مِنْطَقَةَ مَتْنَيْهِ، وَٱلأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقَوَيْهِ».

ص 53: 2 وزكريا 6: 12 ورؤيا 5: 5 أعمال 13: 23 وع 10 ص 4: 2 وإرميا 23: 5 ص 61: 1 ومتّى 3: 16 ويوحنا 1: 32 و33 و3: 34 مزمور 72: 2 و4 ورؤيا 19: 11 أيوب 4: 9 وملاخي 4: 6 و2تسالونيكي 2: 8 ورؤيا 1: 16 و2: 16 و19: 15 أفسس 6: 14

مضمون هذه الآيات نبوءة بخروج قضيب من جذع يسى الخ وصفات هذا الغصن لا تصدق إلا على المسيح. وهذا الرأي كان سابقاً عند اليهود قبل مجيئه حتى اعتبروا هذا القول نبوءة به ولكن بعد إتيانه على الحال المذكورة زعم بعضهم أن هذه النبوءة تشير إلى حزقيا فيعترضون بأنه لو صدقت هذه النبوءة على المسيح للزم ضرورة أنه يولد جسدياً من يوسف لا من مريم. فنقول إن الأرجح أن مريم كانت من بيت داود والسلسلة المذكورة في إنجيل لوقا هي سلسلتها. وعلى فرض خروجها من دائرة نسل داود فزواجها بيوسف يُدخلها في عضوية أسرة داود.

قيل في ع 1 وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى وهذا القول دليل على اتضاعه وولادته في بيت لحم ولهذا لم يقل من جذع داود لمباينة أحواله وأحوال أبيه فإن داود كان ملكاً ذا سطوة وسلطاناً مجيداً. والكلمة العبرانية المترجمة «غصن» هنا هي «نصر» والبعض يظنون أن متّى البشير أشار إليها في قوله «سيُدعى ناصرياً» (متّى 2: 22). ومصير القضيب غصناً إشارة إلى نمو ملكوت المسيح.

وَيَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ ٱلرَّبِّ الخ (ع 2) أي الروح الذي يعطي الحكمة والفهم والمشورة. والروح حل على المسيح وقت عماده وهو خصص بنفسه ما قيل في (إشعياء 61: 1) «روح السيد الرب عليّ» (لوقا 4: 18). إن الله أعطى المسيح الروح القدس ليس بكيل فامتاز عن كل بني البشر لكونه كاملاً في كل صفاته وخالياً من كل خطية. ومع ذلك هو مثال لبني البشر لأنه يجب علينا أن نطلب أن نكون كاملين كما هو كامل. وبواسطته نحصل على الكمال لأن «من ملئه نحن جميعاً أخذنا».

وصفات المسيح السبع المذكورة هنا تطابق «السبعة الأرواح التي أمام عرشه» كما في سفر الرؤيا (رؤيا 1: 4) والعدد سبعة يدل على الكمال. والأول من الأوصاف السبعة عام لأن كل المواهب من روح الرب. والستة الأوصاف الباقية هي ثلاثة أزواج.

  • الأول: الحكمة والفهم وهما من المواهب العقلية.

  • الثاني: المشورة والقوة وهما من المواهب العملية.

  • الثالث: المعرفة ومخافة الرب وهما من المواهب الروحية.

وَلَذَّتُهُ تَكُونُ فِي مَخَافَةِ ٱلرَّبِّ إن المسيح وإن كان ضعيفاً في الجسد ومحاطاً بالتجارب كان يحب من قلبه خدمة الرب وحفظ وصاياه بدون أدنى ميل إلى الخطية. والكلمة العبرانية المترجمة «لذة» تفيد معنى الشم والتنفس كأن مخافة الرب هي الهواء المحيط به فيتنفس فيه على الدوام.

فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ الخ أي بحسب الأخبار والمعلومات الخارجية لأنه يعلم قلوب الناس وأعمالهم.

بَلْ يَقْضِي بِٱلْعَدْلِ (ع 4) ولذلك حكمه لا يقبل الاستئناف والتمييز.

وَيَضْرِبُ ٱلأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ بقوة الكلمة الإلهية التي تشتمل على تعاليمه وأوامره وأحكامه (هوشع 6: 5 وعبرانيين 4: 12 ورؤيا 1: 16).

ٱلأَرْضَ أي سكان الأرض. ومن كثرة الأشرار قيل «الأرض» كأن السكان كلهم أشرار. فالمسيح يُصلح كل شيء ويصير هذا العالم الممتلئ من الشرور ملكوت السلام والحق. ومجد المسيح لا يكون مثل مجد ملوك العالم بالحروب والسلب ودمار الممالك وذبح الناس بل بإظهار الحق والرحمة والحماية للضعفاء والمظلومين وإثبات المحبة والسلام.

وَيَكُونُ ٱلْبِرُّ مِنْطَقَةَ مَتْنَيْهِ، وَٱلأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقَوَيْهِ (ع 5) أي يتمنطق بالبر والأمانة كما يتمنطق الإنسان بالمنطقة ويتقوى بهما كما يستعد الإنسان لعمل بشدّ المنطقة (أفسس 6: 14).

6 - 10 «6 فَيَسْكُنُ ٱلذِّئْبُ مَعَ ٱلْخَرُوفِ، وَيَرْبُضُ ٱلنَّمِرُ مَعَ ٱلْجَدْيِ، وَٱلْعِجْلُ وَٱلشِّبْلُ وَٱلْمُسَمَّنُ مَعاً، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا. 7 وَٱلْبَقَرَةُ وَٱلدُّبَّةُ تَرْعَيَانِ. تَرْبُضُ أَوْلاَدُهُمَا مَعاً، وَٱلأَسَدُ كَٱلْبَقَرِ يَأْكُلُ تِبْناً. 8 وَيَلْعَبُ ٱلرَّضِيعُ عَلَى سَرَبِ ٱلصِّلِّ، وَيَمُدُّ ٱلْفَطِيمُ يَدَهُ عَلَى جُحْرِ ٱلأُفْعُوانِ. 9 لاَ يَسُوؤُونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، لأَنَّ ٱلأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ ٱلرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي ٱلْمِيَاهُ ٱلْبَحْرَ. 10 وَيَكُونُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى ٱلْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ إِيَّاهُ تَطْلُبُ ٱلأُمَمُ، وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْداً».

ص 65: 25 وحزقيال 34: 25 وهوشع 2: 18 أيوب 5: 23 وص 2: 4 و35: 9 حبقوق 2: 14 ص 2: 11 ع 1 ورومية 15: 12 رومية 15: 10 عبرانيين 4: 1 الخ

هذه الآيات تدل على نتيجة ملك المسيح التي هي زوال الخصام وقيام السلام وقد عُبر عن ذلك على سبيل المجاز بسكنى الحيوانات الضارة مع الأليفة الضعيفة بدون أن تضرها. ولما كان الجمع بين الضدين على هذه الصورة محالاً إذا اعتُبر حقيقياً لزم ضرورة اعتباره مجازاً أي أن هذه الوحوش الضواري مستعارة للأشرار الذين يسوؤون ويفسدون ومع ذلك إن الحيوانات غير الناطقة لأنها في خدمة الإنسان وتحت سلطانه تشترك معه في عواقب خطاياه وتشترك معه أيضاً في بركات الفداء لأن الإنسان عندما يتعلم مخافة الرب يتعلم أيضاً الرفق بكل خلائقه فلا يعذبها ولا يأخذ حياتها بلا سبب. فإن الصديق يراعي نفس بهيمته (أمثال 12: 10 ورومية 8: 19 - 23).

وهذه النبوءة منها ما تمّ ومنها ما هو جارٍ إتمامه في عصرنا الحاضر فإن الديانة المسيحية آخذة في الامتداد في كل العالم والسلطة على قلوب البشر فإن التغييرات التي حدثت منذ عصر الإصلاح إلى الآن تنبئنا بإتمام ما قيل هنا في العصور الآتية (القواعد السنية وجه 132).

لاَ يَسُوؤُونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ (ع 9) الفاعل عام أي لا أحد يسود ولا يُفسد.

جَبَلِ قُدْسِي جبل صهيون المستعار هنا لملكوت المسيح.

مَعْرِفَةِ ٱلرَّبِّ أي معرفة قلبية وهي تشتمل على الخبر وتصديقه والإدراك والقبول والطاعة والإيمان والمحبة القلبية للفادي الذي هو بهاء مجد الله ورسم جوهره والذي عنده هذه المعرفة لا يريد أن يسوء ولا يفسد وحين تمتلئ الأرض من هذه المعرفة تتم هذه المواعيد.

كَمَا تُغَطِّي ٱلْمِيَاهُ ٱلْبَحْرَ نبوءة بأن هذه المعرفة تمتد في كل الأرض وبين جميع الناس فلا يبقى أحد لا يعرف الرب.

أَصْلَ يَسَّى (ع 10) الغصن الذي نبت من أصوله (ع 1).

رَايَةً لِلشُّعُوبِ تجتمع حوله الشعوب.

إِيَّاهُ أي أصل يسى أي المسيح.

تَطْلُبُ ٱلأُمَمُ المبشرون يطلبون الأمم غالباً. ولكن معنى هذه النبوءة أنه من فعل الروح في قلوبهم يطلبون هم الخلاص بالمسيح. وفي عصرنا كان الوثنيون في جزائر صندويج يطلبون المبشر فيجتمعون في بيته قبلما يقوم صباحاً ويأتون من أماكن بعيدة ويستنظرونه على الطريق ويتركون أعمالهم حتى يسمعوا كلام الله ويطلبون بلجاجة أن يعتمدوا وينضموا إلى الكنيسة المسيحية.

مَحَلُّهُ أي مسكنه.

مَجْداً أي يكون المسيح كملك جالس على كرسيه وجميع الأمم عند قدميه يخضعون له. ومسكن المسيح المجيد هو الكنيسة.

11 «وَيَكُونُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أَنَّ ٱلسَّيِّدَ يُعِيدُ يَدَهُ ثَانِيَةً لِيَقْتَنِي بَقِيَّةَ شَعْبِهِ، ٱلَّتِي بَقِيَتْ مِنْ أَشُّورَ وَمِنْ مِصْرَ وَمِنْ فَتْرُوسَ وَمِنْ كُوشَ وَمِنْ عِيلاَمَ وَمِنْ شِنْعَارَ وَمِنْ حَمَاةَ وَمِنْ جَزَائِرِ ٱلْبَحْرِ».

ص 2: 11 زكريا 10: 10

وَيَكُونُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أي العصر الإنجيلي وهو من مجيء المسيح الأول إلى مجيئه الثاني.

ثَانِيَةً أما المرة الأولى التي بها مدّ الله يده لإنقاذهم فهي حين حررهم من عبودية مصر ومما يُسند هذا التفسير ع 15 و16 ففيهما ذكر النبي بحر مصر وقوة ريحه ويوم صعوده من أرض مصر ليقتني بقية شعبه والأمر الجوهري هو رجوع البقية إلى إلههم.

فَتْرُوسَ هي مصر العليا.

كُوشَ هي بلاد الحبش.

عِيلاَمَ هي بلاد الفرس.

شِنْعَارَ هي سهل بابل.

جَزَائِرِ ٱلْبَحْرِ أي ممالك في عبر البحر والمقصود كل ممالك العالم.

12 «وَيَرْفَعُ رَايَةً لِلأُمَمِ، وَيَجْمَعُ مَنْفِيِّي إِسْرَائِيلَ، وَيَضُمُّ مُشَتَّتِي يَهُوذَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَطْرَافِ ٱلأَرْضِ».

يوحنا 7: 35 ويعقوب 1: 1

وَيَرْفَعُ رَايَةً لِلأُمَمِ المسيح هو الراية (ع 10) والأمم سيقبلون المسيح أولاً ثم اليهود (رومية 11: 11 - 27).

وَيَجْمَعُ مَنْفِيِّي إِسْرَائِيلَ أي وإن كانوا مشتتين في أقطار الأرض ومرفوضين سيضمون إلى شعب الله وحضن كنيسته من هذه المحلات المذكورة آنفاً التي هي كناية عن محلات تشتتهم في كل زمان ومكان في العالم وبقية شعبه المختارون سيُظهر الله لهم رحمته في الأيام الأخيرة.

13 «فَيَزُولُ حَسَدُ أَفْرَايِمَ، وَيَنْقَرِضُ ٱلْمُضَايِقُونَ مِنْ يَهُوذَا. أَفْرَايِمُ لاَ يَحْسِدُ يَهُوذَا، وَيَهُوذَا لاَ يُضَايِقُ أَفْرَايِمَ».

إرميا 3: 18 وحزقيال 37: 16 و17 و22 وهوشع 1: 11

فَيَزُولُ حَسَدُ أَفْرَايِمَ أفرايم هنا كناية عن مملكة الأسباط العشرة التي التظت حروب كثيرة بينها وبين مملكة يهوذا. وأفرايم ويهوذا هنا كناية عن ملكوت الله المنظور ومصالحتهما كناية عما سيعمّ كل الكنيسة في العصر المجيد الذي أشار إليه النبي (ع 9).

14 «وَيَنْقَضَّانِ عَلَى أَكْتَافِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ غَرْباً، وَيَنْهَبُونَ بَنِي ٱلْمَشْرِقِ مَعاً. يَكُونُ عَلَى أَدُومَ وَمُوآبَ ٱمْتِدَادُ يَدِهِمَا، وَبَنُو عَمُّونَ فِي طَاعَتِهِمَا».

دانيال 11: 41 ص 60: 14

وَيَنْقَضَّانِ أفرايم ويهوذا اللذان لا يتحاربان بل يتحدان في محاربة أعدائهما.

أَكْتَافِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ أي أطراف الفلسطينيين ولا سيما الحدب من جبال يهوذا إلى سهول الفلسطينيين المسمى بالعبراني الشفيلة (يشوع 9: 1 ساحل البحر) وهذه النبوءة لم تتم ولا يمكن أنها تتم حرفياً لأن الأمم المذكورين ليسوا موجودين ولا يكون مجد ملكوت المسيح بالحروب الجسدية بل بالسلام فالحروب المشار إليها حروب روحية تُقام على الشرور. وإخضاع الممالك يكون بإقناعهم بالمحبة وإظهار الحق وانضمامهم إلى شعب الله. والفلسطينيون كناية عن أعداء الكنيسة أجمعين.

15 «وَيُبِيدُ ٱلرَّبُّ لِسَانَ بَحْرِ مِصْرَ، وَيَهُزُّ يَدَهُ عَلَى ٱلنَّهْرِ بِقُوَّةِ رِيحِهِ، وَيَضْرِبُهُ إِلَى سَبْعِ سَوَاقٍ، وَيُجِيزُ فِيهَا بِٱلأَحْذِيَةِ».

زكريا 10: 11 ورؤيا 16: 12

وَيُبِيدُ ٱلرَّبُّ لِسَانَ بَحْرِ مِصْرَ يداخل لفداء شعبه كما داخل حين أخرجهم من أرض مصر. ولسان بحر مصر الخليج الذي اجتازه الإسرائيليون.

ٱلنَّهْرِ أي الفرات.

وَيَضْرِبُهُ إِلَى سَبْعِ سَوَاقٍ أي يقسمه حتى يكون عبوره على غاية السهولة. والمعنى أن الله يزيل كل ما يحول دون فداء شعبه ورجوعهم إلى الكنيسة من الصعوبات كما أزال الصعوبات من أمامهم في القديم وقد مثل لذلك بحادثتين عظيمتين وهما شق البحر الأحمر وانفلاق مياه الأردن وعبور بني إسرائيل على اليابسة.

16 «وَتَكُونُ سِكَّةٌ لِبَقِيَّةِ شَعْبِهِ ٱلَّتِي بَقِيَتْ مِنْ أَشُّورَ، كَمَا كَانَ لإِسْرَائِيلَ يَوْمَ صُعُودِهِ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ».

ص 19: 23 خروج 14: 29 وص 51: 10 و63: 12 و13

وَتَكُونُ سِكَّةٌ لِبَقِيَّةِ شَعْبِهِ أي يكون الطريق ممهداً لرجوع الشعب. قلنا أن هذه الآيات (ع 11 - 16) نبوءة بما سيكون في العصر المسيحي من دعوة الأمم ورجوع اليهود إلى الكنيسة لأن التفسير الحرفي يستلزم وجود فلسطين وبني المشرق وأدوم وموآب وبني عمون ويستلزم أيضاً معجزات كالتي أجراها الله قديماً على أيدي أنبيائه وتمهيد سكة مخصوصة لرجوع اليهود من الأراضي المذكورة آنفاً ولكن عدم إتمام هذه النبوءة إتماماً حرفياً وتشتت شمل اليهود في جميع بلدان العالم يحملاننا أن نعتبر هذا الرجوع روحياً. ومما يزيد هذا التفسير إثباتاً مطابقته لأحوال أخرى في الكتاب المقدس ولا سيما ما ورد في الإنجيل من أن اليهود لم يزالوا بعيدين عن التمتع في راحة كنيسة شعب الله.

فوائد للوعاظ

صفات المسيح باعتبار كونه ملكاً (ع 1 - 5).

  1. إنه يعرف جميع الناس معرفة كاملة قلبية.

  2. إنه عادل في قضائه وليس عنده محاباة بل اليتيم والأرملة والفقير عنده كالغني والقوي.

  3. إنه ينشئ السلام ولا يمكن السلام في القلب ولا في البيت ولا في المملكة إن لم يكن مؤسساً على المسيح.

  4. إنه يحب جميع الناس ويجذب إليه الجميع.

العصر الذهبي الحقيقي (ع 6 - 16)

هذا العصر يمتاز بما يأتي:

  1. عموم المعرفة.

  2. عموم العدل والبر.

  3. عموم المحبة والسلام.

  4. إظهار قوة الرب للخلاص. فلا بد من تتميم هذه المواعيد كلها.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي عَشَرَ

مضمونه:

هذا الأصحاح حمد وترنيم للرب على مراحمه لشعبه اليهود والكنيسة المسيحية كليهما حين تتم المواعيد المذكورة في الأصحاح السابق كما رنم موسى وبنو إسرائيل تسبيحاً للرب بعد ما عبروا البحر وخلصوا من عبودية مصر. ونشيد هذا التسبيح خاتمة مناسبة للقسم الأول من نبوءة إشعياء.

1 «وَتَقُولُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ: أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ، لأَنَّهُ إِذْ غَضِبْتَ عَلَيَّ ٱرْتَدَّ غَضَبُكَ فَتُعَزِّينِي».

ص 2: 11

وَتَقُولُ النبي يخاطب شعب الله بصيغة المفرد لأنهم سيتحدون بقلب واحد وصوت واحد.

فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ اليوم المشار إليه في الأصحاح السابق وهو أولاً يوم رجوع اليهود من سبي بابل وثانياً يوم الإنجيل وهو من مجيء المسيح وصاعداً حين يرجع المختارون من الأمم واليهود إلى الله بالتوبة والإيمان فينالون خلاص نفوسهم.

غَضِبْتَ عَلَيَّ لا بد من غضب الله على الخطية والشعب يعترف بأنه خطئ وأوجب عليه غضب الله.

ٱرْتَدَّ غَضَبُكَ في (ص 9 و10) كرر أربع مرات قوله «لم يرتد غضبه» ولكن التأديب سيتم عمله ويعطي ثمر برّ السلام فيرتد غضب الله ويعزي شعبه.

2 «هُوَذَا ٱللّٰهُ خَلاَصِي فَأَطْمَئِنُّ وَلاَ أَرْتَعِبُ، لأَنَّ يَاهَ يَهْوَهَ قُوَّتِي وَتَرْنِيمَتِي وَقَدْ صَارَ لِي خَلاَصاً».

مزمور 68: 4 و83: 18 خروج 15: 2 ومزمور 118: 14

ٱللّٰهُ خَلاَصِي ليس مخلص فقط لأن المخلص ربما يخلّص مرة فقط فيتركنا بل هو خلاصنا فنسكن عنده مطمئنين على الدوام. ولا يكون الخلاص بوجود جيش من العساكر ولا بأبراج وأسوار بل بوجود الله معنا وهذا يكفينا.

إن كلمة «خلاص» تفيد أولاً النجاة كنجاة بني إسرائيل من مصر ومن بابل ونجاة المؤمنين من الدينونة.

ثانياً: القداسة وهي النجاة من الخطية نفسها لا من عواقبها فقط.

ثالثا: السعادة وهي التمتع بالله إلى الأبد.

يَاهَ يَهْوَهَ اسمان للجلالة بمعنى واحد غير أن «ياه» تصغير «يهوه» في الأصل العبراني وأكثر استعمالها في الشعر (خروج 3: 14 و6: 3) ومعنى اسم «يهوه» الله الأزلي الأبدي الذي لا يتغير. وهو صادق وأمين في تتميم كل مواعيده فلا يمكن أن ينسى وعده أو يترك شعبه.

تَرْنِيمَتِي يجوز للمؤمنين أن يفرحوا لأن لهم غفران الخطايا ونعمة كافية ومواعيد ثابتة. والفرح واجب لأنه يدل على تصديق مواعيد الله وقبولها.

3 «فَتَسْتَقُونَ مِيَاهاً بِفَرَحٍ مِنْ يَنَابِيعِ ٱلْخَلاَصِ».

يوحنا 4: 10 و14 و7: 37 و 38

فَتَسْتَقُونَ مِيَاهاً الخ ربما في هذا إشارة إلى ما حدث في رفيديم (خروج 17: 6) وفي قادش (عدد 20: 11) حيث أخرج الرب ماء من الصخرة وسقى الشعب. وكان بعد عصر إشعياء أن أحد الكهنة كان كل يوم من أيام عيد المظال السبعة يستقي ماء من بركة سلوام بإبريق من ذهب ويسكبه على المذبح ويصعد عند ذلك صوت الأبواق والترنيم. وكان ذلك الاحتفال مبنياً على هذا القول من إشعياء (يوحنا 7: 37 - 39).

4 «وَتَقُولُونَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ: ٱحْمَدُوا ٱلرَّبَّ. ٱدْعُوا بِٱسْمِهِ. عَرِّفُوا بَيْنَ ٱلشُّعُوبِ بِأَفْعَالِهِ. ذَكِّرُوا بِأَنَّ ٱسْمَهُ قَدْ تَعَالَى».

1أيام 16: 8 ومزمور 105: 1 مزمور 145: 4 و5 و6 مزمور 34: 3

وَتَقُولُونَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ إشعياء يخاطب الشعب.

ٱحْمَدُوا ٱلرَّبَّ أي يحث بعض الشعب بعضه على التسبيح.

ٱدْعُوا بِٱسْمِهِ طلب الخيرات من الله نوع من التسبيح لأنه الإقرار بالإيمان به والمحبة له والاتكال عليه.

عَرِّفُوا بَيْنَ ٱلشُّعُوبِ إن تبشير الأمم نوع آخر من التسبيح لأنه به تمتد معرفة الرب ويتسع ملكوته ويكثر عدد الساجدين له. وخلاصة التبشير هو ذكر أفعال الرب ولا سيما بذله ابنه الوحيد لأجل خلاص العالم.

5، 6 «5 رَنِّمُوا لِلرَّبِّ لأَنَّهُ قَدْ صَنَعَ مُفْتَخَراً. لِيَكُنْ هٰذَا مَعْرُوفاً فِي كُلِّ ٱلأَرْضِ. 6 صَوِّتِي وَٱهْتِفِي يَا سَاكِنَةَ صِهْيَوْنَ، لأَنَّ قُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ عَظِيمٌ فِي وَسَطِكِ».

خروج 15: 1 و21 ومزمور 68: 32 و98: 1 ص 54: 1 وصفنيا 3: 14 مزمور 71: 22 و89: 18 وص 41: 14 و16

صَوِّتِي وَٱهْتِفِي يَا سَاكِنَةَ صِهْيَوْنَ (ع 6) الشعب والكنيسة مشبهة بامرأة ساكنة في بيتها فسكن خوفها إذ سمعت الخبر بمجيء رجلها (انظر إشعياء 54: 5) «لأَنَّ بَعْلَكِ هُوَ صَانِعُكِ، رَبُّ ٱلْجُنُودِ ٱسْمُهُ». وعدم الفرح في الرب ناتج عن القلب الشرير الذي يطلب غير ما يريده الله ولا يصدق مواعيده فيكون ذلك القلب كامرأة غير أمينة لا تفرح بمجيء رجلها. وبما أن الإنسان ضعيف فلا بد من أن تعروه الأحزان غير أنه يجب أن يقرن الأحزان بالتسليم لإرادة الله ورجائه.

فِي وَسَطِكِ أعظم أسباب فرح الكنيسة وجود الله في وسطها. وصفات وجوده (1) إنه دائم (متّى 28: 20) و(2) إنه يجعلها مثمرة (يوحنا 15: 4 - 6) و(3) إنه غير منظور (1بطرس 1: 8).

فوائد للوعاظ

فتسقتون مياهاً بفرح من ينابيع الخلاص (ع 3)

  1. إنه لا بد في استقاء الماء من شيء من التعب. فبركات الخلاص وإن كانت تقدم لنا مجاناً لا بد من الاجتهاد في نيلها.

  2. إن مياه الينابيع لكل الناس ولكن ما يستقيه الواحد ويأخذه إلى بيته يكون له خاصة. وكذا مواعيد الله فإنها لمن يأخذها لنفسه بواسطة التأمل والإيمان.

  3. إنه يجب استقاء الماء في آنية طاهرة فيجب قبول أقوال الله في قلوب نقية.

  4. إنه على كل من يستقي لنفسه أن يسقي غيره فعلى كل من يسمع أن يقول تعال.

  5. إن ينابيع الخلاص أو فوائد الخلاص غير محدودة وتجري بلا نهاية كمياه العيون فيمكن كل إنسان أن ينالها ويجد فيها ما يوافق احتياجاته ويسدها.

  6. إن أسباب الفرح قدرة الله ومحبته والخلاص من الخطية والعبودية.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ عَشَرَ

مضمونه:

هذا الأصحاح بداءة قسم آخر من نبوءات إشعياء يمتد من (ص 13 - ص 23) وموضوعه الويلات الآتية على الأمم الوثنية التي ضايقت اليهود. وأول نبوءة على بابل وهي تمتد من (ص 13: 1 - ص 14: 23) وما تمتاز به ما يأتي:

  1. الأنباء بالويلات التي ستأتي على بابل وكانت هذه النبوءة قبل حدوث أدنى علاقة أو مداخلة بين البابليين واليهود. وما كادت بابل تكون معروفة في عصره.

  2. ذكر الماديين أمة قادرة على خراب بابل مع أنها لم تكن يومئذ إلا أمة بربرية متوزعة في جهات بحر قزيين ولم تقو إلا بعد مئة سنة لنطق إشعياء بهذه النبوءة.

  3. إنه لم يكن دليل في عهد إشعياء على أن بابل تصير مملكة قوية مشهورة كما أنبأ لأنها كانت وقتئذ صغيرة وضعيفة بالنسبة إلى مملكة أشور وخاضعة لها. وتمّ كل ما أنبأ به النبي من عظمة تلك الأمة قبل ارتفاعها من حضيض الحقارة وسقوطها الذي كانت بداءته بما أتاه الماديون وأنبأ بذلك يوم لم يكونوا قد عرفوا أنهم أمة وظل ارتقاؤهم يزيد واندرست رسومها لمضي نحو ألف سنة من ذلك. على أن هذا لا ينافي النبوءة لأن النبي لم يصرّح بأن دمارها يتم دفعة واحدة (انظر «بابل» و«مادي» في قاموس الكتاب المقدس).

إن الأتقياء احتاجوا في مدة انحطاط مملكة اليهود ومدة السبي الطويلة إلى هذا الإعلان أي بيان مقاصد الله في بابل لكي يعرفوا أن الله سبق فعرف كل شيء قبل حدوثه وإنه سمح بنمو مملكة بابل العجيب حتى تكون آلة لتأديب شعبه وإنه بعدما يتم التأديب يبيد الظالمين. وعلى الجملة أن نجاح الأشرار وقتي وتم كل ذلك بقصد الله لا بقوتهم.

1 «وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بَابِلَ رَآهُ إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ».

ص 21: 1 و47: 1 وإرميا 50 و51

رَآهُ إِشَعْيَاءُ إن إشعياء رأى هذه الأمور صورة. رأى راية على جبل وممالك الأمم مجتمعة ورب الجنود قائدها ومشهد خوف عظيم ووجوه الناس وجوه لهيب ونجوم السماوات والشمس مظلمة ونشوء زلزال وخراب بابل التام. ولفظة «رأى» هنا تفيد التأكيد أي أنه لم يعرف ذلك بالخبر بل برأي العين.

2 «أَقِيمُوا رَايَةً عَلَى جَبَلٍ أَقْرَعَ. ٱرْفَعُوا صَوْتاً إِلَيْهِمْ. أَشِيرُوا بِٱلْيَدِ لِيَدْخُلُوا أَبْوَابَ ٱلْعُتَاةِ».

ص 5: 26 و18: 3 وإرميا 50: 2 إرميا 51: 25 ص 10: 32

أَقِيمُوا رَايَةً خطاب الرب بلسان نبيه لرؤساء الأمم وتحريضهم على حشد عساكر جرارة يزحفون بها على بابل.

عَلَى جَبَلٍ أَقْرَعَ أي جبل لا يستره شيء من الشجر حتى تُرى رايتهم من كل ناحية ومن أبعد المواضع.

ٱرْفَعُوا صَوْتاً إِلَيْهِمْ أي إلى الماديين والفرس الذين سيدعوهم الله إلى محاربة بابل.

ٱلْعُتَاةِ أي البابليين. ومعنى «العتاة» قساة القلوب المتكبرون المرتفعون. إن كورش حوّل مياه نهر الفرات عن مدينة بابل ودخل المدينة في مجرى النهر بعد تحويله لأنه كان يجري في وسط المدينة وكان دخول كورش ليلة عيد إله البابليين وكانوا سكارى وتركوا الأبواب التي على ضفة النهر مفتوحة فدخل الماديون أبواب العتاة بلا مانع (دانيال 5: 30 وإرميا 50: 30 - 32).

3 «أَنَا أَوْصَيْتُ مُقَدَّسِيَّ، وَدَعَوْتُ أَبْطَالِي لأَجْلِ غَضَبِي، مُفْتَخِرِي عَظَمَتِي».

يوئيل 3: 11 مزمور 149: 2 و5 و6

أَنَا أَوْصَيْتُ مُقَدَّسِيَّ المقدس هنا هو المفرز لعمل ما والمراد به هنا الذين اختارهم الله لتتميم مقاصده لكسر شوكة المملكة البابلية وتدميرها.

لأَجْلِ غَضَبِي أي لإجراء غضبي.

مُفْتَخِرِي عَظَمَتِي أي جنودي الذين يجرون مقاصدي السامية.

4 «صَوْتُ جُمْهُورٍ عَلَى ٱلْجِبَالِ شِبْهَ قَوْمٍ كَثِيرِينَ. صَوْتُ ضَجِيجِ مَمَالِكِ أُمَمٍ مُجْتَمِعَةٍ. رَبُّ ٱلْجُنُودِ يَعْرِضُ جَيْشَ ٱلْحَرْبِ».

صَوْتُ جُمْهُورٍ عَلَى ٱلْجِبَالِ وصف كثرتهم ومنظرهم وضجيجهم وهم يقطعون الجبال إلى غرضهم (إرميا 51: 27).

5 «يَأْتُونَ مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ، مِنْ أَقْصَى ٱلسَّمَاوَاتِ. ٱلرَّبُّ وَأَدَوَاتُ سَخَطِهِ لِيُخْرِبَ كُلَّ ٱلأَرْضِ».

يَأْتُونَ مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ، مِنْ أَقْصَى ٱلسَّمَاوَاتِ هنا الرب نفسه يقوم مقام قائد الجيوش للانتقام من بابل لأن قوادهم ليسوا بالحقيقة إلا آلات بيده تعالى وبمنزلة نواب عنه. واليهود لم يعرفوا ما هو وراء مادي إلى جهة الشرق فكانت مادي عندهم آخر الأرض.

لِيُخْرِبَ كُلَّ ٱلأَرْضِ أي جميع المملكة البابلية وأراضيها لا كل ممالك العالم.

6 «وَلْوِلُوا لأَنَّ يَوْمَ ٱلرَّبِّ قَرِيبٌ، قَادِمٌ كَخَرَابٍ مِنَ ٱلْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ».

صفنيا 1: 7 ورؤيا 6: 17 أيوب 31: 23 ويوئيل 1: 15

وَلْوِلُوا الخطاب هنا لأهل بابل.

يَوْمَ ٱلرَّبِّ كان لبابل يوم وهو يوم قوة وسلطة ومجد. فمضى يومها وأتى يوم الرب وهو اليوم المعيّن لانتقامه من أعداء شعبه.

قَرِيبٌ كان سقوط بابل بعد 175 سنة من وقت هذه النبوءة ولكنه كان قريباً عند النبي لأنه رأى في الرؤيا الماديين قادمين ومدينة بابل تسقط أمامهم.

7 «لِذٰلِكَ تَرْتَخِي كُلُّ ٱلأَيَادِي، وَيَذُوبُ كُلُّ قَلْبِ إِنْسَانٍ».

وَيَذُوبُ كُلُّ قَلْبِ إِنْسَانٍ الرب ضرب المدينة بإدخاله الخوف إلى كل قلب فلا تنفع الأسوار ولا السلاح ولا المركبات ولا الأموال بلا رجال. فإن رجال بابل الذين كانوا المتسلطين على العالم صاورا كنساء أخذتهن أوجاع ومخاض.

8 «فَيَرْتَاعُونَ. تَأْخُذُهُمْ أَوْجَاعٌ وَمَخَاضٌ. يَتَلَوَّوْنَ كَوَالِدَةٍ. يَبْهَتُونَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. وُجُوهُهُمْ وُجُوهُ لَهِيبٍ».

مزمور 48: 6 وص 21: 3

يَبْهَتُونَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ لا يعرفون ماذا يعملون وكل واحد ينظر إلى الآخر يطلب مشورة ولم يكن لأحد رأي.

وُجُوهُ لَهِيبٍ احمرت وجوههم من الخزي والخجل ولا شك في أنها اصفرّت على أثر ذلك من الخوف والاضطراب.

9 «هُوَذَا يَوْمُ ٱلرَّبِّ قَادِمٌ، قَاسِياً بِسَخَطٍ وَحُمُوِّ غَضَبٍ، لِيَجْعَلَ ٱلأَرْضَ خَرَاباً وَيُبِيدَ مِنْهَا خُطَاتَهَا».

ملاخي 4: 1 مزمور 104: 35 وأمثال 2: 22

خُطَاتَهَا كان سبب سقوط بابل خطايا أهلها.

10 «فَإِنَّ نُجُومَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَجَبَابِرَتَهَا لاَ تُبْرِزُ نُورَهَا. تُظْلِمُ ٱلشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا، وَٱلْقَمَرُ لاَ يَلْمَعُ بِضَوْئِهِ».

ص 24: 21 و23 وحزقيال 32: 7 ويوئيل 2: 31 و3: 15 ومتّى 24: 29 ومرقس 13: 24 ولوقا 21: 25

فَإِنَّ نُجُومَ ٱلسَّمَاوَاتِ (يوئيل 2: 30 و31 ومتّى 24: 29 وهي نبوءات بخراب أورشليم) إن هذه الأقوال وما يشبهها مجازية تدل على خوف واضطراب غير أن العلة ليست في الطبيعة بل في الإنسان. كما يقول المصاب بالدوار إن العالم يدور حوله ويقول الأعمى أظلمت الشمس. فالشمس باقية كما هي ولكنها أظلمت له.

جَبَابِرَتَهَا أي نجوم جبار النجوم وهو صورة من صور الكواكب تُعرف بالجبار وبالجوزاء وهي غير برج الجوزاء المسمى بالتوأمين فإن هذا من صور منطقة البروج والجبار من نجوم نصف الكرة السماوية الجنوبي وهو أجمل صور النجوم وفيه 80 كوكباً ظاهراً لمجرد العين.

11 «وَأُعَاقِبُ ٱلْمَسْكُونَةَ عَلَى شَرِّهَا وَٱلْمُنَافِقِينَ عَلَى إِثْمِهِمْ، وَأُبَطِّلُ تَعَظُّمَ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَضَعُ تَجَبُّرَ ٱلْعُتَاةِ».

ص 2: 17

ٱلْمَسْكُونَةَ أي مملكة بابل لأنها كانت حاكمة على المسكونة.

تَجَبُّرَ ٱلْعُتَاةِ (دانيال 4: 30 و5: 1 - 4) إنهم نسبوا نجاحهم إلى أنفسهم وإلى آلهتهم الصنمية.

12، 13 «12 وَأَجْعَلُ ٱلرَّجُلَ أَعَزَّ مِنَ ٱلذَّهَبِ ٱلإِبْرِيزِ، وَٱلإِنْسَانَ أَعَزَّ مِنْ ذَهَبِ أُوفِيرَ. 13 لِذٰلِكَ أُزَلْزِلُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَتَتَزَعْزَعُ ٱلأَرْضُ مِنْ مَكَانِهَا فِي سَخَطِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ وَفِي يَوْمِ حُمُوِّ غَضَبِهِ».

حجي 2: 6 مزمور 110: 5 ومراثي 1: 12

إن العالم عجب من عظمة أسوار بابل وأبنيتها التي تستلزم إقامتها عدداً لا يُحصى من الفعلة. والتواريخ البابلية تخبر أيضاً بتسخير جماهير من المسبيين من كل ممالك الأرض لبنائها فكان بنو آدم أرخص الأشياء في بابل. ويوم عقابهم يقول الرب يقل الرجال حتى يصير الرجل أعز من الذهب.

ٱلإِبْرِيزِ أي الذهب الخالص.

أُوفِيرَ (انظر قاموس الكتاب) وهي على شاطئ البحر الهندي في جنوبي بلاد العرب.

14 - 16 «14 وَيَكُونُونَ كَظَبْيٍ طَرِيدٍ، وَكَغَنَمٍ بِلاَ مَنْ يَجْمَعُهَا. يَلْتَفِتُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى شَعْبِهِ، وَيَهْرُبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى أَرْضِهِ. 15 كُلُّ مَنْ وُجِدَ يُطْعَنُ، وَكُلُّ مَنِ ٱنْحَاشَ يَسْقُطُ بِٱلسَّيْفِ. 16 وَتُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ أَمَامَ عُيُونِهِمْ، وَتُنْهَبُ بُيُوتُهُمْ وَتُفْضَحُ نِسَاؤُهُمْ».

إرميا 50: 16 و51: 9 مزمور 137: 9 وناحوم 3: 10 وزكريا 14: 2

كَظَبْيٍ طَرِيدٍ كانت بابل مثل الثيران التي لا تزال تماثيلها العظيمة إلى هذا اليوم ولكن النبوءة أبانت أنها كالظبي الطريد والخروف بلا راع.

كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى شَعْبِهِ كان في جيش بابل عساكر كثيرون أجنبيون خدموا بلا أجرة وكان من سكانها تجار أجنبيون فلم يكن لأحد منهم غيرة ولا محبة لبابل فتركوها عند ضيقها. وهذه النبوءة لم تتم دفعة واحدة. فإن كورش أخذ المدينة وهدم جزءاً من أسوارها وأبنيتها وبعد عشرين سنة من ذلك عصى أهل بابل الملك داريوس فهدم أسوار المدينة كلها وأنزل أبوابها وصلب ثلاثة ألاف من شرفائها وسلب ابنه أحشويروش هياكلها. وأخذ اسكندر ذو القرنين المدينة وأخربها فتمت بالتدريج النبوءات وانتقم الرب لشعبه (مزمور 137) والقساوة المشار إليها في المزمور لا تبرر الماديين وإن كان الله استخدمهم لإجراء مقاصده الصالحة.

17 «هَئَنَذَا أُهَيِّجُ عَلَيْهِمِ ٱلْمَادِيِّينَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْتَدُّونَ بِٱلْفِضَّةِ وَلاَ يُسَرُّونَ بِٱلذَّهَبِ».

ص 21: 2 وإرميا 51: 11 و28 ودانيال 5: 28 و31

هَئَنَذَا أُهَيِّجُ عَلَيْهِمِ إن ما وصف به الماديون والفرس في التواريخ يوافق ما جاء في هذه الآية من ذكر صفات الماديين أي عدم اعتبارهم الفضة والذهب. وفي كتابات أكزنيفون صورة خطاب كورش لجيوش الماديين قال به يا رجال مادي ومعشر القوم أجمع إني أعرفكم وأعرف أنكم ما جئتم إلى الحرب معي رغبة في اغتنام الفضة والأمتعة.

18 «فَتُحَطِّمُ ٱلْقِسِيُّ ٱلْفِتْيَانَ وَلاَ يَرْحَمُونَ ثَمَرَةَ ٱلْبَطْنِ. لاَ تُشْفِقُ عُيُونُهُمْ عَلَى ٱلأَوْلاَدِ».

فَتُحَطِّمُ ٱلْقِسِيُّ قال أحد المؤرخين إن كل فارسي تعلم ثلاثة أشياء وهي استعمال القوس وركوب الخيل والتكلم بالصدق. وقال مؤرخ آخر أن الفرس اشتهروا بالرمي بالقوس كما اشتهر اليونانيون بالطعن بالرمح فمثل الحرب التي التظت بينهما بحرب بين القسي والرماح.

19 «وَتَصِيرُ بَابِلُ بَهَاءُ ٱلْمَمَالِكِ وَزِينَةُ فَخْرِ ٱلْكِلْدَانِيِّينَ كَتَقْلِيبِ ٱللّٰهِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ».

ص 14: 4 و22 تكوين 19: 24 و25 وتثنية 29: 23 وإرميا 49: 18 و50: 40

بَابِلُ بَهَاءُ ٱلْمَمَالِكِ كان بهاء بابل قائماً بما يأتي (1) قدمها و(2) علومها و(3) غناها وتجارتها وأبنيتها.

ٱلْكِلْدَانِيِّينَ اسم قبيلة من مملكة بابل موطنها في جنوب المملكة قرب خليج العجم واسم هذه القبيلة عمّ المملكة كلها. والكلدانيون في سفر دانيال هم السحرة والمجوس لأن لغة الكلدانيين كانت لغة الدين عند البابليين.

20 «لاَ تُعْمَرُ إِلَى ٱلأَبَدِ، وَلاَ تُسْكَنُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ، وَلاَ يُخَيِّمُ هُنَاكَ أَعْرَابِيٌّ، وَلاَ يُرْبِضُ هُنَاكَ رُعَاةٌ».

إرميا 50: 3 و39 و51: 29 و62

لاَ تُعْمَرُ إِلَى ٱلأَبَدِ بيان آخرة بابل. إنها في نحو أواخر القرن الأول بعد المسيح وصلت إلى حالة دنيئة جداً وفي آخر القرن الرابع كان ملوك الفرس يمارسون الصيد في موقع المدينة القديمة وبعد قليل اندرست آثارها وتمت النبوءة.

وَلاَ تُسْكَنُ إن سهل بابل كان عرضة العواصف والأمطار الجارفة فاضطر أهلها أن يقيموا الأسداد على شطوط النهر ويحفروا مجاري للمياه الفائضة لكي لا تطوف على كل الأراضي ولما سقطت المدينة خربت هذه الأسداد وسدت تلك المجاري ولا سيما بعد ما حول كورش مياه النهر عن طريقها. فالسهول المشهورة بالخصب صارت مستنقعات لا تفلح ولا تُزرع.

وَلاَ يُخَيِّمُ هُنَاكَ أَعْرَابِيٌّ إن العرب اليوم يتوهمون في ردم بابل جنّاً فلا يبيتون فيها.

21، 22 «21 بَلْ تَرْبُضُ هُنَاكَ وُحُوشُ ٱلْقَفْرِ، وَيَمْلأُ ٱلْبُومُ بُيُوتَهُمْ، وَتَسْكُنُ هُنَاكَ بَنَاتُ ٱلنَّعَامِ، وَتَرْقُصُ هُنَاكَ مَعْزُ ٱلْوَحْشِ 22 وَتَصِيحُ بَنَاتُ آوَى فِي قُصُورِهِمْ، وَٱلذِّئَابُ فِي هَيَاكِلِ ٱلتَّنَعُّمِ، وَوَقْتُهَا قَرِيبُ ٱلْمَجِيءِ وَأَيَّامُهَا لاَ تَطُولُ».

ص 34: 11 إلى 15 ورؤيا 18: 1 إرميا 51: 33

وُحُوشُ ٱلْقَفْرِ (انظر قاموس الكتاب لوصف الحيوانات المذكورة) وشهد السياح أن الوحوش اليوم تتخذ أوجرتها في ردم هياكل آلهة بابل وقصور ملوكها. وركام آثارها المدفونة تحت التراب على جانبي نهر الفرات توافق وصفها في هذه النبوءة التي كُتبت بالوحي منذ نحو ستة وعشرين قرناً قبل عصرنا فتلك الآثار عبرة رهيبة للدمار الذي سيكون نصيب الأشرار في كل حين وبينة دائمة على صدق النبوءة (انظر البينة الجلية على صحة الديانة النصرانية).

فوائد للوعاظ

أنا أوصيت مقدسي (ع 3)

نتعلم من هذا الأصحاح من جهة ملكوت الله ما يأتي:

  1. إنه ملكوت يعمّ جميع الناس وكل الممالك فليس اليهود وحدهم بل البابليون والماديون أيضاً تحت حكمه ويتممون مقاصده وعليهم مسوؤلية وواجبات له.

  2. إنه ملكوت عدل وحق فلا بدّ من تأديب جميع الذين يخطئون إليه وهلاك غير التائبين.

  3. إنه ملكوت قوّة فلا يمكن الملوك وجيوش الأمم أن تقاومه أو تبطل مقاصده.

وأجعل الرجل أعز من الذهب (ع 12)

إن الإنسان له قيمة عظيمة جداً لأسباب:

  1. إن الله خلقه ونفخ في أنفه نسمة الحياة.

  2. إن الله يحبه ويعتني به كل يوم.

  3. إن المسيح مات لأجله أي لأجل كل واحد من بني البشر حتى البرابرة والوثنيين.

  4. إن نفسه خالدة وأحقر إنسان في العالم يمكنه أن يغسل ثيابه ويبيضها بدم الخروف وينال إكليل المجد ويجلس مع المسيح في عرشه. فكل ما نعمله ونبذله في تخليص النفوس لا نحسبه خسارة لأن نفساً واحدة تستحق كل هذه النفقة. وما أعظم خطية الذين يظلمون الفقير والضعيف فاحتقارهم للفقير احتقار لله الذي يحبه ويطلب خلاصه.

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ عَشَرَ

مضمونه:

يُقسم هذا الأصحاح إلى ثلاثة أقسام كل منها مستقل عن الآخر:

  • الأول: إتمام النبي كلامه على خراب بابل الذي يؤول إلى خلاص شعبه المختار (ع 1 - 23).

  • الثاني: نبوءة بكسر جيش أشور (ع 24 - 27).

  • الثالث: نبوءة بعقاب الفلسطينيين (ع 28 - 32).

أما النبوءة المتعلقة بالمملكة البابلية فهي مبنية على حدوث السبي وجلاء اليهود إلى بابل أي أسرهم البابلي وكان إطلاقهم من هذه العبودية قد اقترب وذُكر وعد لإسرائيل بالرجوع في أثناء هذه النبوءة. وأكثر الكلام في هذا الموضوع على أسلوب نشيد في سقوط بابل ويشترك في إنشاده اليهود وكل العالم وبه يستنهض النبي أهل الهاوية أيضاً ليتعجبوا من سقوط بابل وقد وُصفت بابل كأنها في حال الدمار والهوان.

1 «لأَنَّ ٱلرَّبَّ سَيَرْحَمُ يَعْقُوبَ وَيَخْتَارُ أَيْضاً إِسْرَائِيلَ، وَيُرِيحُهُمْ فِي أَرْضِهِمْ، فَتَقْتَرِنُ بِهِمِ ٱلْغُرَبَاءُ وَيَنْضَمُّونَ إِلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ».

مزمور 102: 13 زكريا 1: 17 و2: 12 ص 60: 4 و5 و10 وأفسس 2: 12 و13 الخ

لأَنَّ ٱلرَّبَّ سَيَرْحَمُ يَعْقُوبَ بيان سبب إبادة الرب بابل وهو قصده أن يحرر شعبه من عبوديتها. وقد تم ذلك برجوعهم من بابل بأمر كورش وهذا الخلاص هو ظل الخلاص الأخير.

وَيَخْتَارُ أَيْضاً إِسْرَائِيلَ إن الله اختار إسرائيل أولاً لما أخرجهم من مصر ثم رفضهم بسبب خطاياهم واختارهم ثانية لما رجعوا من السبي.

وَيُرِيحُهُمْ فِي أَرْضِهِمْ كانت الأرض لهم وخسروها ولفظة «أرضهم» من فم الرب تعني أنه أعطاهم إياها ثانية. والمراد «بالغرباء» الأمم واقترانهم بإسرائيل عبارة عن انضمام الأمم إلى شعب الله. ومن أثمار هذا الموعد الأولى الدخلاء الذين انضموا إلى اليهود من الأمم قبل مجيء المسيح (أستير 8: 17) وأما الحصاد العظيم فهو رجوع جميع الشعوب إلى المسيح الذي ابتدأ منذ مجيئه ولا يزال في مجراه. وفي هذا ظهرت رحمة الله بإبقاء شعبه وعدم سماحه بملاشاتهم.

2 «وَيَأْخُذُهُمْ شُعُوبٌ وَيَأْتُونَ بِهِمْ إِلَى مَوْضِعِهِمْ، وَيَمْتَلِكُهُمْ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ فِي أَرْضِ ٱلرَّبِّ عَبِيداً وَإِمَاءً، وَيَسْبُونَ ٱلَّذِينَ سَبَوْهُمْ وَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى ظَالِمِيهِمْ».

ص 49: 22 و60: 9 و66: 20 ص 60: 14

وَيَأْخُذُهُمْ أي يأخذ بيت يعقوب المكنى به عن كنيسة الله في كل تاريخها وغلبتها الأخيرة على كل أعدائها.

شُعُوبٌ من الأمم والمعنى أن الأمم يساعدون بيت إسرائيل ويأتون بهم إلى أرضهم.

وَيَمْتَلِكُهُمْ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ المعنى أن الكنيسة سترتفع على أعدائها وكل الأمم تستخدم لترقية خيرها ونجاحها فلا تبقى في حالة الذل والعبودية بل ستستعبد الذين استعبدوها. وذلك تمّ باتخاذ الإسرائيليين عبيداً وإماء كثيرين في رجوعهم من بابل وبمساعدة كورش لهم على ذلك الرجوع (عزرا 2: 65). والنبوءة تشير أيضاً إلى غلبة الكنيسة على العالم وإن الذين يضطهدونها يصيرون تحت تسلطها (إشعياء 44: 27 و45: 1 - 4 وعزرا 6: 8 - 10 و7: 21 و22) ويتضح من هذه الشواهد أن كورش كان مهتماً ببناء بيت الله وإرجاع اليهود إلى أرضهم وربما كان هذا الاهتمام يلجئه إلى تسخير البابليين وإكراهه إياهم ليكونوا خدَمة لليهود في رجوعهم.

3 - 8 «3 وَيَكُونُ فِي يَوْمٍ يُرِيحُكَ ٱلرَّبُّ مِنْ تَعَبِكَ وَمِنِ ٱنْزِعَاجِكَ وَمِنَ ٱلْعُبُودِيَّةِ ٱلْقَاسِيَةِ ٱلَّتِي ٱسْتُعْبِدْتَ بِهَا، 4 أَنَّكَ تَنْطِقُ بِهٰذَا ٱلْهَجْوِ عَلَى مَلِكِ بَابِلَ وَتَقُولُ: كَيْفَ بَادَ ٱلظَّالِمُ، بَادَتِ ٱلْمُغَطْرِسَةُ؟ 5 قَدْ كَسَّرَ ٱلرَّبُّ عَصَا ٱلأَشْرَارِ، قَضِيبَ ٱلْمُتَسَلِّطِينَ. 6 ٱلضَّارِبُ ٱلشُّعُوبَ بِسَخَطٍ، ضَرْبَةً بِلاَ فُتُورٍ. ٱلْمُتَسَلِّطُ بِغَضَبٍ عَلَى ٱلأُمَمِ، بِٱضْطِهَادٍ بِلاَ إِمْسَاكٍ. 7 اِسْتَرَاحَتِ، ٱطْمَأَنَّتْ كُلُّ ٱلأَرْضِ. هَتَفُوا تَرَنُّماً. 8 حَتَّى ٱلسَّرْوُ يَفْرَحُ عَلَيْكَ، وَأَرْزُ لُبْنَانَ قَائِلاً: مُنْذُ ٱضْطَجَعْتَ لَمْ يَصْعَدْ عَلَيْنَا قَاطِعٌ».

ص 13: 19 وحبقوق 2: 6 رؤيا 18: 7 و16 مزمور 125: 3 ص 55: 12 وحزقيال 31: 16

في هذه الآيات هجو اليهود لملك بابل ووصف عتوه وسقوطه وافتخارهم عليه وفرحهم بسقوطه.

ٱلْعُبُودِيَّةِ ٱلْقَاسِيَةِ (انظر ص 47: 6 ومزمور 137 وحزقيال 34: 27 - 29) فيتضح من هذه الشواهد أن عبودية بابل كانت ثقيلة على عموم الشعب ولو أن بعضهم ارتقى في خدمة ملك بابل كدانيال.

ٱلْهَجْوِ (ع 4) هو الشتم والتعيير.

ٱلْمُغَطْرِسَةُ هي المعجبة بنفسها والمتكبرة والظالمة. يجوز أن يكون الشتم والتعيير من الله لأنه يحق له أن يحكم ويدين ويهلك. وأما الإنسان فلا يجوز له أن يدين. وغضب الله على الخطأة ناتج عن طبيعته الإلهية كما أن النور يبغض الظلام والذي يبني يبغض من يخرب والذي يشفي الأمراض يبغض من يسببها. وأولاد الله كذلك يكرهون الخطية في أنفسهم وفي غيرهم. وهذا التعليم في العهد الجديد أوضح على أنه يجب علينا أن نبغض الخطية ونرغب في خلاص الخاطئ. وإيضاحاً لذلك نذكر أن البرابرة قتلوا أحد المبشرين فلما سمع أخوه الخبر طلب ان يُعيّن مبشراً لهؤلاء القاتلين.

(ع 7) استراحت كل الأرض من تسلط المملكة البابلية الظالمة ولذلك فرحت واستمرت هذه الراحة حتى تقدمت مملكة الفرس فصارت تظلم الأرض وشغلت بذلك نحو 11 سنة. وهي المدة بين سقوط بابل وجلوس كمبيز بن كورش.

(ع 8) استراح السرو والأرز بعد سقوط بابل لأن ملوك بابل كانوا يقطعونها وأما ملوك الفرس فلم يعتادوا ذلك. يُستعار السرو والأرز لملوك الممالك وشرفائها الذين استراحوا من ظلم بابل.

9 - 11 «9 اَلْهَاوِيَةُ مِنْ أَسْفَلُ مُهْتَزَّةٌ لَكَ، لاسْتِقْبَالِ قُدُومِكَ، مُنْهِضَةٌ لَكَ ٱلأَخْيِلَةَ جَمِيعَ عُظَمَاءِ ٱلأَرْضِ. أَقَامَتْ كُلَّ مُلُوكِ ٱلأُمَمِ عَنْ كَرَاسِيِّهِمْ. 10 كُلُّهُمْ يُجِيبُونَ وَيَقُولُونَ لَكَ: أَأَنْتَ أَيْضاً قَدْ ضَعُفْتَ نَظِيرَنَا وَصِرْتَ مِثْلَنَا؟ 11 أُهْبِطَ إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ فَخْرُكَ، رَنَّةُ أَعْوَادِكَ. تَحْتَكَ تُفْرَشُ ٱلرِّمَّةُ، وَغِطَاؤُكَ ٱلدُّودُ».

حزقيال 32: 21

هذه الآيات على أسلوب شعري وهو أن الهاوية قامت مهتزة لاستقبال ملك بابل وهو نازل إليها وكل الأخيلة وجميع العظماء من سكان الهاوية وكل ملوك الأرض صُورّوا جالسين على كراسيهم لاستقبال ذلك الملك العاتي المتكبر المنحدر إليهم وقد ذُكر ما قالوه له في (ع 10 و11). وإذ كان أسلوب الكلام شعرياً لم يحسن أن نبني عليه أحكاماً تفصيلية بأحوال الهاوية بل نذكر ما يأتي:

  1. إن أرواح الأموات لا تتلاشى بعد الموت.

  2. إنها تشعر بوجودها وحالتها.

  3. إنها في مكان عُيّن لها لا نعرف أين هو.

  4. إن الهاوية مكان الأشرار والأبرار أي الأموات أجمعين وهم مميّز بعضهم عن بعض من جهة العذاب والراحة بالنسبة إلى أفعالهم وهم على الأرض. على أن القدماء الذين لم يكن لهم إلا العهد القديم لم يعرفوا كل ما نعرفه نحن من إعلانات العهد الجديد بأحوال المؤمنين بعد الموت والبركات والويلات المُنذر بها في العهد القديم هي غالباً في الحياة الحاضرة في هذا العالم. والأمر الجوهري هنا هو أن أعظم الملوك سيتركون مجدهم وينزلون إلى القبر وتفنى أجسادهم. فليس مكان للكبرياء والافتخار.

تكملة للهجو وللنبوءة بسقوط بابل الهائل ع 12 إلى 20

12 «كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ، بِنْتَ ٱلصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى ٱلأَرْضِ يَا قَاهِرَ ٱلأُمَمِ؟».

ص 34: 4

يَا زُهَرَةُ، بِنْتَ ٱلصُّبْحِ هي كوكب الصبح الجميل وقد سُميت بابل بهذا الاسم لمجدها وجمالها.

قُطِعْتَ إِلَى ٱلأَرْضِ النبي يتفنن حسب عادته في التشبيه فشبّه هنا بابل بشجرة قُطعت إلى الأرض.

13 «وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى ٱلسَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ ٱللّٰهِ، وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ ٱلاجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي ٱلشِّمَالِ».

متّى 11: 23 دانيال 8: 10 مزمور 48: 2

وَأَنْتَ قُلْتَ هذا كان في أذهان ملوك بابل وإن لم يكن في ألفاظهم ويدل على الكبرياء واعتقادهم أنهم أعلى وأعظم من سائر بني البشر.

فَوْقَ كَوَاكِبِ ٱللّٰهِ فوق أعلى المخلوقات وفي مسكن الآلهة.

جَبَلِ ٱلاجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي ٱلشِّمَالِ هو جبل موقعه إلى جهة الشمال والشرق من بابل وهو مسكن آلهتهم حسب اعتقادهم.

14، 15 «14 أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ ٱلسَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ ٱلْعَلِيِّ. 15 لٰكِنَّكَ ٱنْحَدَرْتَ إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ إِلَى أَسَافِلِ ٱلْجُبِّ».

ص 47: 8 و2تسالونيكي 2: 4 متّى 11: 23

أَصِيرُ مِثْلَ ٱلْعَلِيِّ بناء أنه يقدر أن يعمل ما يريد وإنه معصوم عن الغلط وملكه يكون إلى الأبد وذلك حسب ظنه غير أن النتيجة كانت عكس ذلك كما نرى في (ع 15 - 17) فإنه انحدر إلى الهاوية ولم يرتفع إلى السماء وتعجب العالم من ضعفه لا من مجده.

16 «اَلَّذِينَ يَرَوْنَكَ يَتَطَلَّعُونَ إِلَيْكَ. يَتَأَمَّلُونَ فِيكَ. أَهٰذَا هُوَ ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي زَلْزَلَ ٱلأَرْضَ وَزَعْزَعَ ٱلْمَمَالِكَ».

اَلَّذِينَ يَرَوْنَكَ حوّل النبي في هذه الآية كلامه من أهل الهاوية إلى سكان الأرض.

يَتَطَلَّعُونَ إِلَيْكَ ما كادوا يصدقون أن هذه الجثة هي ذلك الملك العظيم.

17 «ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلْعَالَمَ كَقَفْرٍ، وَهَدَمَ مُدُنَهُ، ٱلَّذِي لَمْ يُطْلِقْ أَسْرَاهُ إِلَى بُيُوتِهِمْ؟».

ٱلَّذِي لَمْ يُطْلِقْ أَسْرَاهُ فإن يهوياكين ملك يهوذا أقام 36 سنة في السجن وشعب اليهود أقام 70 سنة في السبي.

18 «كُلُّ مُلُوكِ ٱلأُمَمِ بِأَجْمَعِهِمِ ٱضْطَجَعُوا بِٱلْكَرَامَةِ كُلُّ وَاحِدٍ فِي بَيْتِهِ».

كُلُّ مُلُوكِ ٱلأُمَمِ عادة الملوك أن يُدفن كل واحد في قبر مخصوص وكان هو يُعد لنفسه القبر الذي سيضطجع فيه (ص 22: 16) والأهرام المشهورة في مصر هي قبور ملوك.

19 «وَأَمَّا أَنْتَ فَقَدْ طُرِحْتَ مِنْ قَبْرِكَ كَغُصْنٍ أَشْنَعَ. كَلِبَاسِ ٱلْقَتْلَى ٱلْمَضْرُوبِينَ بِٱلسَّيْفِ ٱلْهَابِطِينَ إِلَى حِجَارَةِ ٱلْجُبِّ. كَجُثَّةٍ مَدُوسَةٍ».

وَأَمَّا أَنْتَ ربما تشير النبوءة هنا إلى بيلشاصر الذي قتله الماديون في ليلة افتتاح بابل والأرجح أنه هو الذي طُرح «كغصن أشنع كلباس القتلى كجثة مدوسة» لأنه في تلك الليلة الهائلة لا أحد يهتم بدفن الملك بل يهتم كل واحد بخلاص نفسه فقط. وعدم الدفن مكروه عند كل إنسان ولا سيما القدماء وجميع الذين لا يعرفون كما نعرف نحن أن سعادة النفس ليست متعلقة بدفن الجسد.

20 «لاَ تَتَّحِدُ بِهِمْ فِي ٱلْقَبْرِ لأَنَّكَ أَخْرَبْتَ أَرْضَكَ، قَتَلْتَ شَعْبَكَ. لاَ يُسَمَّى إِلَى ٱلأَبَدِ نَسْلُ فَاعِلِي ٱلشَّرِّ».

أيوب 18: 19 ومزمور 21: 10 و37: 28 و109: 13

لأَنَّكَ أَخْرَبْتَ أَرْضَكَ لم يقتصر على هدم ممالك غيره بل هدم مملكته أيضاً. كل سلطان مرتب من الله لعمل الخير وبنيان مملكته وهو مسؤول أمامه وأما بلشاصر وكل ملوك بابل فظنوا أن المملكة لهم وليسوا هم للمملكة وأخربوا المملكة بالظلم والإسراف على شهواتهم وجلبوا على المملكة وعلى أنفسهم دينونة الله العادلة.

لاَ يُسَمَّى إِلَى ٱلأَبَدِ أي ينقطع نسله ولا يتبوّأ أحد منهم تخت الملك.

21 «هَيِّئُوا لِبَنِيهِ قَتْلاً بِإِثْمِ آبَائِهِمْ، فَلاَ يَقُومُوا وَلاَ يَرِثُوا ٱلأَرْضَ وَلاَ يَمْلأُوا وَجْهَ ٱلْعَالَمِ مُدُناً».

خروج 20: 5 ومتّى 23: 35

هَيِّئُوا لِبَنِيهِ قَتْلاً ليس لنا في التواريخ نبأ بأولاد بيلشاصر ولكن العقل يحكم بأنهم أما قُتلوا لما قُتل أبوهم أو أنه قتلهم ملوك الفرس خوفاً من أن يقيموا فتنة ويطلبوا رجوع الملك إليهم.

وَلاَ يَمْلأُوا وَجْهَ ٱلْعَالَمِ مُدُناً كان البابليون قد اشتهروا ببناء المدن (تكوين 10: 10 ودانيال 4: 30) ولكنهم لا يبنون شيئاً فيما بعد.

22، 23 «22 فَأَقُومُ عَلَيْهِمْ يَقُولُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ، وَأَقْطَعُ مِنْ بَابِلَ ٱسْماً وَبَقِيَّةً وَنَسْلاً وَذُرِّيَّةً يَقُولُ ٱلرَّبُّ. 23 وَأَجْعَلُهَا مِيرَاثاً لِلْقُنْفُذِ، وَآجَامَ مِيَاهٍ، وَأُكَنِّسُهَا بِمِكْنَسَةِ ٱلْهَلاَكِ، يَقُولُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ».

أمثال 10: 7 وإرميا 51: 62 و1ملوك 14: 1 أيوب 18: 19 ص 34: 11 وصفنيا 2: 14

هاتان الآيتان خاتمة القصيدة والأمر الجوهري فيهما أن سقوط بابل من الرب وإيضاحاً لذلك ذكر اسم الرب ثلاث مرات.

وَأَقْطَعُ مِنْ بَابِلَ ٱسْماً أي لا تشتهر بعد ولا تكون مدينة. ولم يبق منها اليوم إلا أطلالها.

آجَامَ مِيَاهٍ وهذا مما يُلاحظ من جميع الذين ينظرون إلى آثارها اليوم.

مِكْنَسَةِ ٱلْهَلاَكِ أي الهلاك التام.

24 - 27 «24 قَدْ حَلَفَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ قَائِلاً: إِنَّهُ كَمَا قَصَدْتُ يَصِيرُ، وَكَمَا نَوَيْتُ يَثْبُتُ: 25 أَنْ أُحَطِّمَ أَشُّورَ فِي أَرْضِي وَأَدُوسَهُ عَلَى جِبَالِي، فَيَزُولَ عَنْهُمْ نِيرُهُ وَيَزُولَ عَنْ كَتِفِهِمْ حِمْلُهُ. 26 هٰذَا هُوَ ٱلْقَضَاءُ ٱلْمَقْضِيُّ بِهِ عَلَى كُلِّ ٱلأَرْضِ، وَهٰذِهِ هِيَ ٱلْيَدُ ٱلْمَمْدُودَةُ عَلَى كُلِّ ٱلأُمَمِ. 27 فَإِنَّ رَبَّ ٱلْجُنُودِ قَدْ قَضَى، فَمَنْ يُبَطِّلُ؟ وَيَدُهُ هِيَ ٱلْمَمْدُودَةُ، فَمَنْ يَرُدُّهَا؟»,

ص 10: 27 و2أيام 20: 6 وأيوب 9: 12 و23: 13 ومزمور 33: 11 وأمثال 19: 21 و21: 30 وص 43: 13 ودانيال 4: 31 و35

هذه الآيات نبوءة موجزة بإبادة جيش أشور وقد تمّت بعد قليل من نطق النبي بها. إن الخطر من بابل كان بعيداً عن عصر إشعياء ولكن الخطر من أشور كان قريباً وخوف اليهود منها عظيماً فالنبي وإن كان قد تنبأ سابقاً بخراب أشور (ص 10: 24) كرر هنا نبوءته وأثبتها بحلف من الرب. وكل من هاتين النبوءتين المتعلقتين ببابل وأشور متميزة عن الأخرى إلا أن الثانية بمنزلة البرهان على صدق الأولى بمعنى أن تحقق إبادة جيش أشور دليل على تحقق خراب بابل.

أَرْضِي (ع 25) أي ليس للأشوريين حق فيها فيكونون متعدّين على الرب في محاربتهم شعبه والأرجح أن النبي أشار بهذا إلى عصيان حزقيا لملك أشور (2ملوك 18: 7) وهجوم سنحاريب على اليهودية وانكساره (إشعياء 37: 36 - 38).

عَلَى كُلِّ ٱلأَرْضِ (ع 26) إن الأشوريين كانوا متسلطين على كل الممالك ولذلك أثر سلطانهم فيها كلها وأنشأ تشويشاً عاماً في الساسية.

وحي من جهة فلسطين ع 28 إلى 32

كان الملك عزيا قد ضرب الفلسطينيين ضربات ثقيلة (2أيام 26: 6) وهم أخذوا بالثأر في مُلك آحاز (2أيام 28: 18). ونعرف من التواريخ أن تغلث فلاسر ملك أشور غزا بلادهم بعد ذلك ومات تغلث فلاسر قبل موت آحاز بمدة قليلة والنبي في هذه الآيات ينذرهم بأن لا يفرحوا كأنهم خلصوا من الضربات لأنه سيقوم لتغلث فلاسر خلفاء أقوياء وقساة مثله وسيخربون بلادهم.

28، 29 «28 فِي سَنَةِ وَفَاةِ ٱلْمَلِكِ آحَازَ كَانَ هٰذَا ٱلْوَحْيُ: 29 لاَ تَفْرَحِي يَا جَمِيعَ فِلِسْطِينَ، لأَنَّ ٱلْقَضِيبَ ٱلضَّارِبَكِ ٱنْكَسَرَ. فَإِنَّهُ مِنْ أَصْلِ ٱلْحَيَّةِ يَخْرُجُ أُفْعُوانٌ، وَثَمَرَتُهُ تَكُونُ ثُعْبَاناً مُسِمّاً طَيَّاراً».

2ملوك 16: 20 و2أيام 26: 6 و2ملوك 18: 8

فِلِسْطِينَ هي على شاطئ بحر الروم وإلى الجنوب الغربي من أرض يهوذا غير أن هذا الاسم أُطلق مؤخراً على كل الأرض المقدسة.

جَمِيعَ فِلِسْطِينَ كانت مجموعة من إمارات مختلفة (1صموئيل 6: 18).

ٱلْقَضِيبَ ٱلضَّارِبَكِ ٱنْكَسَرَ النبي لا يشير إلى آحاز لأنه لم يضرب الفلسطينيين بل ضُرب منهم والأرجح أنه يشير إلى تغلث فلاسر الذي مات قبل وفاة آحاز بسنة أو سنتين.

مِنْ أَصْلِ ٱلْحَيَّةِ يَخْرُجُ أُفْعُوانٌ الأفعوان شر من الحية والذين خلفوا تغلث فلاسر كانوا أشد منه قساوة. فسرجون أخذ أشدود (ص 20) وسنحاريب أخذ أشقلون وعقرون وأخضع غزة وأشدود.

ثُعْبَاناً مُسِمّاً طَيَّاراً أفاعي صحاري الشرق المشهورة بسرعة الوثب (قاموس الكتاب).

30 «وَتَرْعَى أَبْكَارُ ٱلْمَسَاكِينِ، وَيَرْبُضُ ٱلْبَائِسُونَ بِٱلأَمَانِ، وَأُمِيتُ أَصْلَكِ بِٱلْجُوعِ فَيَقْتُلُ بَقِيَّتَكِ».

أَبْكَارُ ٱلْمَسَاكِينِ أي الأشد فقراً.

تَرْعَى... يَرْبُضُ أي يكونون في الأمان إذ ضعفت قوة الفلسطينيين.

أُمِيتُ أَصْلَكِ بِٱلْجُوعِ فَيَقْتُلُ بَقِيَّتَكِ الله يميت بالجوع وأشور يقتل بالسيف فالجوع يعمل فيهم مدة الحصار وبعدما تسقط مدنهم يقتل الأشوريون البقية.

31 «وَلْوِلْ أَيُّهَا ٱلْبَابُ. ٱصْرُخِي أَيَّتُهَا ٱلْمَدِينَةُ. قَدْ ذَابَ جَمِيعُكِ يَا فِلِسْطِينُ. لأَنَّهُ مِنَ ٱلشِّمَالِ يَأْتِي دُخَانٌ، وَلَيْسَ شَاذٌّ فِي جُيُوشِهِ».

ٱصْرُخِي أَيَّتُهَا ٱلْمَدِينَةُ أي كل مدينة من مدن الفلسطينيين.

مِنَ ٱلشِّمَالِ طريق الأشوريين كان على نهر الفرات وإلى حماة وبين لبنان الغربي ولبنان الشرقي وإلى الجليل وكرمل فدخلوا فلسطين من الشمال.

دُخَانٌ دخان المدن المحترقة على طريق الأشوريين.

وَلَيْسَ شَاذٌّ أي أن الأشوريين يكونون جميعاً أقوياء.

32 «فَبِمَاذَا يُجَابُ رُسُلُ ٱلأُمَمِ؟ إِنَّ ٱلرَّبَّ أَسَّسَ صِهْيَوْنَ، وَبِهَا يَحْتَمِي بَائِسُو شَعْبِهِ».

مزمور 87: 1 و5 و102: 16 صفنيا 3: 12 وزكريا 11: 11

رُسُلُ ٱلأُمَمِ الأرجح أنهم رسل من الفلسطينيين طلبوا الاتحاد على أشور ويكون الجواب لهم أن الرب أسس صهيون فيحامي عنها. فكان على جميع البائسين من اليهود والأمم أن يجتمعوا فيها.

فوائد للوعاظ

يريحك الرب من تعبك (ع 3)

الخطية تعب لأسباب:

  1. إن فيها أحزاناً.

  2. إن فيها هموماً وخوفاً.

  3. إنها عبودية. فإن كثيرين يريدون أن يخلصوا من أعمالهم الردية ولا يقدرون.

  4. إنها بُعد عن الله ونفي من الوطن السماوي يريحنا الرب لأنه يهبنا ما يأتي:

  1. الرجاء إذ يختارنا أيضاً.

  2. السلام إذ يغفر لنا كل خطايانا.

  3. الاتكال عليه فنخلص من كل الهموم.

  4. التحرير من عبودية الخطية.

إنك تنطق بهذا الهجو (ع 4)

الفرح في سقوط الأعداء يجوز بشروط:

  1. كونهم أعداءنا لكونهم أعداء الله.

  2. إنّا إذا سلمنا بأن الغلبة من الله كان من الفرح الشكر لله. ولا يجوز ذلك إذا نتج عنه ما يأتي:

  1. الافتخار والكبرياء.

  2. روح الاحتقار والحقد.

عصا الأشرار (ع 5) وهي أقسام:

  1. عصا الصحة.

  2. عصا المال.

  3. عصا القوة.

  4. عصا الأصدقاء. وهذه كلها خيرات يقبلها الصالحون بالشكر ولكنها خيرات زمنية لا عُصي نتكل عليها.

قلت في قلبك اصعد إلى السماوات (ع 13).

حب الرفعة يجب في أمرين:

  1. الفضائل (2بطرس 1: 5 - 7) وهو عكس الكسل والجبانة.

  2. خدمة الناس ومجد الله.

ويحرّم في أمرين:

  1. أن يكون فيه خسارة للغير.

  2. أن يكون المقصود به مجد الذات.

قد حلف رب الجنود (ع 24).

ليس الحلف لإثبات كلام الرب لأنه صادق ولا يتغير بل لإثبات إيمان الإنسان الضعيف.

حلف الرب:

  1. لنوح (تكوين 9: 11).

  2. لإبراهيم (تكوين 24: 7).

  3. لداود (مزمور 89: 3 و4).

  4. للمسيح (مزمور 110: 40) ولا شيء يقدر أن يبطل مقاصد الله لا الطبيعة ولا الإنسان ولا الشيطان.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ عَشَرَ

مضمونه:

لهذا الأصحاح وما بعده (ص 16) موضوع واحد وهو النبوءة بخراب موآب وقد تنبأ به أيضاً إرميا (ص 48) وحزقيال (ص 25: 8 - 11). (انظر قاموس الكتاب المقدس في موآب). وجاء في حزقيال أن سبب عقاب الموآبيين احتقارهم الله وافتخارهم على أورشليم حينما سقطت.

1 - 4 «1 وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مُوآبَ: إِنَّهُ فِي لَيْلَةٍ خَرِبَتْ «عَارُ» مُوآبَ وَهَلَكَتْ. إِنَّهُ فِي لَيْلَةٍ خَرِبَتْ «قِيرُ» مُوآبَ وَهَلَكَتْ. 2 إِلَى ٱلْبَيْتِ وَدِيبُونَ يَصْعَدُونَ إِلَى ٱلْمُرْتَفَعَاتِ لِلْبُكَاءِ. تُوَلْوِلُ مُوآبُ عَلَى نَبُو وَعَلَى مَيْدَبَا. فِي كُلِّ رَأْسٍ مِنْهَا قَرْعَةٌ. كُلُّ لِحْيَةٍ مَجْزُوزَةٌ. 3 فِي أَزِقَّتِهَا يَأْتَزِرُونَ بِمِسْحٍ. عَلَى سُطُوحِهَا وَفِي سَاحَاتِهَا يُوَلْوِلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا سَيَّالاً بِٱلْبُكَاءِ. 4 وَتَصْرُخُ حَشْبُونُ وَأَلْعَالَةُ. يُسْمَعُ صَوْتُهُمَا إِلَى يَاهَصَ. لِذٰلِكَ يَصْرُخُ مُتَسَلِّحُو مُوآبَ. نَفْسُهَا تَرْتَعِدُ فِيهَا».

إرميا 48: 1 الخ وحزقيال 25: 8 إلى 11 وعاموس 2: 1 عدد 21: 28 ص 16: 12 لاويين 21: 5 وص 3: 24 و22: 12 وإرميا 47: 5 و48: 1 و37 و38 وحزقيال 7: 18 إرميا 48: 38 ص 16: 9

في هذه الآيات يصف النبي شدة البلايا المزمعة أن تحل على موآب والبكاء والولولة الصادرتين عنها بسبب احتقارها الله ونرى الخراب موصوفاً كأنه قد حدث تأكيداً لوقوعه في المستقبل.

عَارُ مُوآبَ قصبة هذه المملكة واسمها اليوم ربة وهي خراب.

قِيرُ مُوآبَ وهي كرك الحالية وموقعها جنوبي عار وعلى غاية نحو سبعة أميال منها. لا نعرف منشئ هذا الخراب والأرجح أنهم الأشوريون.

إِلَى ٱلْبَيْتِ (ع 2) أي بيت إلههم كموش ولعله معبد كموش في بعل معون (يشوع 13: 17).

دِيبُونَ اسمها اليوم ديبان وهنا وُجد الحجر الموآبي المشهور (انظر قاموس الكتاب المجلد الأول وجه 452 ففيه صورة هذا الحجر وترجمة الكتابة التي عليه) والظاهر أنه كان في ديبون أيضاً معبد لكموش.

يَصْعَدُونَ إِلَى ٱلْمُرْتَفَعَاتِ لِلْبُكَاءِ يبكون أمام آلهتهم لعلها تنتبه وتشفق عليهم وتخلّصهم. في الحجر الموآبي يقول ميشع ملك موآب «غضب كموش على موآب فأسلمها» نلاحظ أن نَفَس هذين الأصحاحين يدل على اضطراب أفكار المتكلم كأنه كان حاضراً في تلك الليلة الهائلة.

نَبُو مدينة في موآب تبعد ثمانية أميال جنوبي حشبون.

مَيْدَبَا من أقدم مدن موآب ذُكرت في (عدد 21: 30 ويشوع 13: 16 و1أيام 19: 7 - 15) واليوم هي من الأملاك العثمانية.

فِي كُلِّ رَأْسٍ مِنْهَا قَرْعَةٌ القرعة واللحية المجزوزة علامة الحزن (ميخا 1: 16) فكان حزن عمومي.

يَأْتَزِرُونَ بِمِسْحٍ (ع 3) نسيج خشن يُعمل منه الأكياس وهو يُنسج من القنب أو شعر الماعز يُلبس علامة للتوبة والحزن وكانت هذه عادة الأشوريين (يونان 3: 5) والآراميين (1ملوك 20: 31) والفرس (أستير 4: 1 و2) والإسرائيليين (نحميا 9: 1) كلبس الأسوَد في أيامنا. والولولة أيضاً عادة قديمة عامة. المبالغة مما يكثر في الشعر كالقول «سيالاً بالبكاء» و«يُسمع صوتهما إلى ياهص» و«أرويكما بدموعي» (ص 16: 9).

حَشْبُونُ (ع 4) اسمها اليوم حسبان. كانت في الأصل للموآبيين ثم استولى عليها سيحون ملك الأموريين ثم فتحها بنو إسرائيل (عدد 21: 25 و26) ثم عاد الموآبيون فاستولوا عليها وهي على أمد 15 ميلاً إلى الشرق من طرف بحر الميت الشمالي.

أَلْعَالَةُ تُدعى اليوم ألعال وهي على بُعد ميل من حشبون.

يَاهَصَ في هذا الموضع انتصر الإسرائيليون على سيحون (عدد 21: 23) غير أن الموآبيين عادوا فأخذوها.

5 «يَصْرُخُ قَلْبِي مِنْ أَجْلِ مُوآبَ. ٱلْهَارِبِينَ مِنْهَا إِلَى صُوغَرَ كَعِجْلَةٍ ثُلاَثِيَّةٍ، لأَنَّهُمْ يَصْعَدُونَ فِي «عَقَبَةِ ٱللُّوحِيثِ» بِٱلْبُكَاءِ، لأَنَّهُمْ فِي طَرِيقِ حُورُونَايِمَ يَرْفَعُونَ صُرَاخَ ٱلانْكِسَارِ».

ص 16: 11 وإرميا 48: 31 ص 16: 14 وإرميا 48: 34 إرميا 48: 5

يَصْرُخُ قَلْبِي مِنْ أَجْلِ مُوآبَ حزن النبي في مصائب موآب لسبب القرابة بينهم وبين إسرائيل (تكوين 19: 37) وكون موآب وطن راعوث التي كانت من أسلاف المسيح (متّى 1: 5). وفوق ذلك يجب على كل نبي وكل واعظ أن يحب الذين ينذرهم ويحزن على هلاكهم. هكذا كان بولس الرسول بدليل قوله (رومية 9: 1 - 3) «إِنَّ لِي حُزْناً عَظِيماً لأَجْلِ إِخْوَتِي أَنْسِبَائِي حَسَبَ ٱلْجَسَدِ» أي اليهود الذين اضطهدوه. وبكى المسيح على أورشليم وصلى من أجل صالبيه. فعلى الواعظ أن ينذر الناس ويبين لهم خطاياهم وعواقبها ويعمل ذلك بالمحبة والحزن.

صُوغَرَ المدينة التي لجأ إليها لوط (تكوين 19: 20 - 30) وموقعها قريب من شاطئ البحر الميت الجنوبي الشرقي.

كَعِجْلَةٍ ثُلاَثِيَّةٍ عجلة عمرها ثلاث سنين وهي قوية وغير مروضة ولا مذللة فيغلب أن تعدو وتخور. هكذا الموآبيون هربوا راكضين وصارخين وكانوا ملتجئين إلى أدوم أو يهوذا. ويجوز أن تكون العجلة الثلاثية مستعارة لمدينة صوغر والمراد أنها مدينة قوية وجميلة كتلك العجلة. و«عقبة اللوحيث» غير معروفة.

حُورُونَايِمَ مذكورة في الحجر الموآبي أنها لأدوم فهرب الموآبيون إلى جهة الجنوب وهم طالبون ملجأ في أدوم ويهوذا.

6 «لأَنَّ مِيَاهَ نِمْرِيمَ تَصِيرُ خَرِبَةً. لأَنَّ ٱلْعُشْبَ يَبِسَ. ٱلْكَلأُ فَنِيَ. ٱلْخُضْرَةُ لاَ تُوجَدُ».

عدد 32: 36

مِيَاهَ نِمْرِيمَ تَصِيرُ خَرِبَةً لأن أعداء موآب طمّوا العيون (2ملوك 3: 19) وهذه أعظم ضربة على الموآبيين لأن غناهم من مواشيهم.

7 «لِذٰلِكَ ٱلثَّرْوَةُ ٱلَّتِي ٱكْتَسَبُوهَا وَذَخَائِرُهُمْ يَحْمِلُونَهَا إِلَى عَبْرِ وَادِي ٱلصَّفْصَافِ».

وَادِي ٱلصَّفْصَافِ على تخم موآب الجنوبي بينهم وبين أدوم. أنهم كانوا في وقت الخوف يأخذون قدر ما يقدرون أن يحملوه أمل أنهم يذهبون به إلى أرض أدوم وأما الباقي من أموالهم وبيوتهم فكانوا يتركونه للعدوّ.

8 «لأَنَّ ٱلصُّرَاخَ قَدْ أَحَاطَ بِتُخُومِ مُوآبَ. إِلَى أَجْلاَيِمَ وَلْوَلَتُهَا. وَإِلَى بِئْرِ إِيلِيمَ وَلْوَلَتُهَا».

أَجْلاَيِمَ... بِئْرِ إِيلِيمَ موقعهما غير معروف والأرجح أنه على تخم موآب الجنوبي لأن العدوّ هجم من الشمال والموآبيين هربوا إلى الجنوب.

9 «لأَنَّ مِيَاهَ دِيمُونَ تَمْتَلِئُ دَماً، لأَنِّي أَجْعَلُ عَلَى دِيمُونَ زَوَائِدَ. عَلَى ٱلنَّاجِينَ مِنْ مُوآبَ أَسَداً وَعَلَى بَقِيَّةِ ٱلأَرْضِ».

2ملوك 17: 25

دِيمُونَ اسم آخر لديبون (ع 2) واسمها ديبان اليوم وربما اختار النبي الاسم ديمون لمناسبة اللفظة لكلمة «دماً». ومياه ديمون هي النهر أرنون وامتلاء النهر دماً مبالغة مقبولة من المبالغات التي تكثر في الشعر عن كثرة القتلى.

أَسَد يشير إلى مخرب قوي قاس لا نعرف من هو.

فوائد للوعاظ

وحي من جهة موآب (ع 1)

تاريخ موآب وفوائد سقوطها:

  1. الخطايا الناتجة عن حالة الراحة والنجاح. قال إرميا (48: 11) «مُسْتَرِيحٌ مُوآبُ مُنْذُ صِبَاهُ». ومن هذه الخطايا الكبرياء والطمع والترفه والكفر. وعقاب هذه الخطايا الطبيعي السقوط والدمار ومن يريد النجاة منها فعليه أن يعطي الله المكان الأول في قلبه ويستعمل كل خيراته لمجده وفي خدمة المحتاجين حسب إرادته.

  2. التأديب رحمة للإنسان ويقصد الله به أن ينتبه ويرجع إليه ويغلب أن يكون تأديبه بالتدريج فإن لم يستفد المؤدب من الضربة الأولى يضربه الله ثانية وثالثة أو يدمره أخيراً كل التدمير.

  3. بُطل الاتكال على المال لأن زواله يمكن كل يوم. الموآبيون حملوا قليلاً من أموالهم إلى تخوم أدوم. وأما نحن فلا نقدر أن نحمل شيئاً من أموالنا إلى الأبدية.

    غنى الإنسان الحقيقي ليس بما له بل بما فيه كالإيمان والمحبة وجميع الفضائل المسيحية لأنها في الإنسان ولا تنفصل عنه بل تبقى إلى الحياة الأبدية.

  4. إن كثرة الآثار القديمة في موآب اليوم تدل على كثرة سكانها في القديم وعظمتها وغناها. فتذكرنا هذه الآثار ضعف الإنسان وترفع نظرنا إلى عظمة الله وكلامه الذي لا يزول والحياة الأبدية ووجوب الاستعداد لها دون الطمع في الخيرات الزائلة.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ عَشَرَ

تقدم أن موضوع هذا الأصحاح وما قبله واحد وهو خراب موآب.

1 «أَرْسِلُوا خِرْفَانَ حَاكِمِ ٱلأَرْضِ مِنْ سَالِعَ نَحْوَ ٱلْبَرِّيَّةِ إِلَى جَبَلِ ٱبْنَةِ صِهْيَوْنَ».

2ملوك 3: 4 قضاة 1: 36 و2ملوك 14: 7

مشورة النبي للموآبيين أن يرسلوا الجزية إلى ملك يهوذا.

خِرْفَانَ اي الجزية من الخرفان التي كان يهديها سابقاً الموآبيون لملك يهوذا ثم امتنعوا عن ذلك بعد موت آحاز (2ملوك 3: 4 و5).

حَاكِمِ ٱلأَرْضِ ملك يهوذا. إن أمصيا ملك يهوذا أخضع أدوم (2أيام 25: 11 و12).

سَالِعَ مدينة مشهورة في أدوم تُعرف اليوم باسم بترا وآثارها الباقية إلى الآن تشهد بعظمتها في القديم وهي ذُكرت هنا لأنها كانت وقتئذ تحت تسلط موآب (انظر سالع في قاموس الكتاب).

2 «وَيَحْدُثُ أَنَّهُ كَطَائِرٍ تَائِهٍ، كَفِرَاخٍ مُنَفَّرَةٍ تَكُونُ بَنَاتُ مُوآبَ فِي مَعَابِرِ أَرْنُونَ».

عدد 21: 13

ذكر النبي سبب النصيحة التي قدمها للموآبيين في الآية السابقة وهو أنه عن قريب يحتاج الفارّون من موآب إلى حماية يهوذا.

كَفِرَاخٍ مُنَفَّرَةٍ مطروحة من عشها وهذا التشبيه يوضح لنا نساء الموآبيين المطرودات من بيوتهنّ وهنّ متحيرات وخائفات من عبور النهر الذي أمامهنّ ومن العدو الذي وراءهنّ.

أَرْنُونَ حدّ بلاد موآب الشمالي.

3 «هَاتِي مَشُورَةً. ٱصْنَعِي إِنْصَافاً. ٱجْعَلِي ظِلَّكِ كَٱللَّيْلِ فِي وَسَطِ ٱلظَّهِيرَةِ. ٱسْتُرِي ٱلْمَطْرُودِينَ. لاَ تُظْهِرِي ٱلْهَارِبِينَ».

هَاتِي مَشُورَةً التماس الموآبيين المشورة من يهوذا في وقت ضيقهم.

كَٱللَّيْلِ فِي وَسَطِ ٱلظَّهِيرَة (انظر ص 32: 2) «وَيَكُونُ إِنْسَانٌ... كَظِلِّ صَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ فِي أَرْضٍ مُعْيِيَةٍ».

لاَ تُظْهِرِي ٱلْهَارِبِينَ لا تسلميهم.

4 «لِيَتَغَرَّبْ عِنْدَكِ مَطْرُودُو مُوآبَ. كُونِي سِتْراً لَهُمْ مِنْ وَجْهِ ٱلْمُخَرِّبِ، لأَنَّ ٱلظَّالِمَ يَبِيدُ، وَيَنْتَهِي ٱلْخَرَابُ، وَيَفْنَى عَنِ ٱلأَرْضِ ٱلدَّائِسُونَ».

لِيَتَغَرَّبْ عِنْدَكِ مَطْرُودُو مُوآبَ التماس موآب من يهوذا. أودع داود والديه عند ملك موآب لما هرب من شاول (1صموئيل 22: 3).

لأَنَّ ٱلظَّالِمَ يَبِيدُ الأرجح أن الظالم هو ملك أشور والأرض التي يفنى عنها الدائسون أرض موآب والمعنى أن الموآبيين يلتمسون من يهوذا الحماية بأكثر ثقة لأن ضيقهم وقتي والحماية المطلوبة هي للوقت الحاضر فقط فلا تكون بخسارة عظيمة على يهوذا.

5 «فَيُثَبَّتُ ٱلْكُرْسِيُّ بِٱلرَّحْمَةِ، وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ بِٱلأَمَانَةِ فِي خَيْمَةِ دَاوُدَ قَاضٍ، وَيَطْلُبُ ٱلْحَقَّ وَيُبَادِرُ بِٱلْعَدْلِ».

دانيال 7: 14 و27 وميخا 4: 7 ولوقا 1: 33 مزمور 72: 2 و96: 13 و98: 9

فَيُثَبَّتُ ٱلْكُرْسِيُّ بِٱلرَّحْمَةِ حثّ الموآبيون يهوذا على إغاثتهم بذكر ما ينشأ من أعمال الرحمة وهو تثبيت كرسي الملك والجلوس عليه بالأمانة. وهذه الألفاظ مؤلفة هكذا بالوحي حتى تناسب المسيح أيضاً وليس فقط الحاكم الجالس على كرسي يهوذا. فالمسيح سيجلس على كرسي الملك في خيمة داود أي الكنيسة ويحكم على يهوذا وعلى موآب وكل الأمم أيضاً (إرميا 48: 47).

6 «قَدْ سَمِعْنَا بِكِبْرِيَاءِ مُوآبَ ٱلْمُتَكَبِّرَةِ جِدّاً عَظَمَتِهَا وَكِبْرِيَائِهَا وَصَلَفِهَا بُطْلِ ٱفْتِخَارِهَا».

إرميا 48: 29 وصفنيا 2: 10 ص 2: 15

لم تقبل موآب المشورة المقدمة لها من جهة إرسال خرفان حاكم الأرض (ع 1) وذلك من الكبرياء فيذكر النبي على الخصوص خطيئتها هذه وعقابها. وهذا الكلام هو بمثابة جواب يهوذا لتضرعات الموآبيين ورفض كل ما يسألونه منهم.

7 «لِذٰلِكَ تُوَلْوِلُ مُوآبُ. عَلَى مُوآبَ كُلُّهَا يُوَلْوِلُ. تَئِنُّونَ عَلَى أُسُسِ قِيرَ حَارِسَةَ. إِنَّمَا هِيَ مَضْرُوبَةٌ».

إرميا 48: 20 و2ملوك 3: 25

تكرار النبوءة بسقوط موآب وشدة ضيقاتها.

لِذٰلِكَ تُوَلْوِلُ لأن رجاءهم بيهوذا انقطع.

أُسُسِ قِيرَ حَارِسَةَ على دمارها لأنه بعد هدم البيوت لم يبق غير أسسها. وقال إرميا (ص 48: 31) «رجال قير حارس» لأنهم مفقودون فلم يبق للمدينة سوى أسسها لأن بيوتها هُدمت ورجالها تلاشوا. وقير حارس هي قير موآب المذكورة في (ص 15: 1). والكلمة العبرانية الأصلية المترجمة «أسس» يجوز ترجمتها أقراص زبيب وهذه الترجمة توافق القرينة.

8 «لأَنَّ حُقُولَ حَشْبُونَ ذَبُلَتْ. كَرْمَةُ سَبْمَةَ كَسَّرَ أُمَرَاءُ ٱلأُمَمِ أَفْضَلَهَا. وَصَلَتْ إِلَى يَعْزِيرَ. تَاهَتْ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ. ٱمْتَدَّتْ أَغْصَانُهَا. عَبَرَتِ ٱلْبَحْرَ».

ص 24: 7 ع 9

كَرْمَةُ سَبْمَةَ مدينة قريبة من حشبون ومشهورة بخمرها والأرجح أن أمراء الأمم الذين كسروها هم الأشوريون الذين كانت عادتهم خراب الأملاك وإن كان ذلك بلا نفع لهم.

وَصَلَتْ إِلَى يَعْزِيرَ مدينة في شمالي سبمة على غاية نحو 15 ميلاً منها ونستنتج من سياق الكلام أن كروم سبمة كانت واسعة جداً.

تَاهَتْ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ الكروم وصلت إلى البرية من جهة الشرق.

عَبَرَتِ ٱلْبَحْرَ وصلت إلى غربي بحر لوط.

9، 10 «9 لِذٰلِكَ أَبْكِي بُكَاءَ يَعْزِيرَ عَلَى كَرْمَةِ سَبْمَةَ. أُرْوِيكُمَا بِدُمُوعِي يَا حَشْبُونُ وَأَلْعَالَةُ. لأَنَّهُ عَلَى قِطَافِكِ وَعَلَى حَصَادِكِ قَدْ وَقَعَتْ جَلَبَةٌ 10 وَٱنْتُزِعَ ٱلْفَرَحُ وَٱلاِبْتِهَاجُ مِنَ ٱلْبُسْتَانِ، وَلاَ يُغَنَّى فِي ٱلْكُرُومِ وَلاَ يُتَرَنَّمُ، وَلاَ يَدُوسُ دَائِسٌ خَمْراً فِي ٱلْمَعَاصِرِ. أَبْطَلْتُ ٱلْهُتَافَ».

إرميا 48: 32 ص 15: 4 ص 24: 8 وإرميا 48: 33

بُكَاءَ يَعْزِيرَ يبكي النبي على مصائب يعزير كما يبكون هم على أنفسهم وهذا حسب قول الرسول (عبرانيين 13: 3) «اُذْكُرُوا ٱلْمُقَيَّدِينَ كَأَنَّكُمْ مُقَيَّدُونَ مَعَهُمْ».

عَلَى حَصَادِكِ قَدْ وَقَعَتْ جَلَبَةٌ عوضاً عن صوت الفرح والابتهاج يكون صوت القتال والنهب.

أَبْطَلْتُ ٱلْهُتَافَ الرب هو المتكلم. وكلام النبي كله كلام الرب غير أن النبي في هذا العدد يُظهر المتكلم بوضوح فيعرف الموآبيون أن مصائبهم وإن كانت بواسطة الناس هي من الرب وعقاب على خطاياهم.

11 «لِذٰلِكَ تَرِنُّ أَحْشَائِي كَعُودٍ مِنْ أَجْلِ مُوآبَ وَبَطْنِي مِنْ أَجْلِ قِيرَ حَارِسَ».

ص 15: 5 و63: 15 وإرميا 48: 36

أَحْشَائِي اعتبر الأقدمون أن الأحشاء مركز الحنو والشفقة (ص 63: 15).

كَعُودٍ تهتز كأوتار العود تحت يد الضارب.

12 «وَيَكُونُ إِذَا ظَهَرَتْ، إِذَا تَعِبَتْ مُوآبُ عَلَى ٱلْمُرْتَفَعَةِ وَدَخَلَتْ إِلَى مَقْدِسِهَا تُصَلِّي، أَنَّهَا لاَ تَفُوزُ».

ص 15: 2

إِذَا ظَهَرَتْ كانت صلواتهم في المرتفعات وأمام العالم.

إِذَا تَعِبَتْ كانوا يكررون كلامهم باطلاً ويظنون أنه بكثرة كلامهم يستجاب لهم.

لاَ تَفُوزُ ليس لآلهتهم قدرة ولا معرفة ولا شفقة وليس لها وجود أيضاً فعلى عبدتها أن يعرفوا ذلك من عدم الإجابة لصلواتهم.

13، 14 «13 هٰذَا هُوَ ٱلْكَلاَمُ ٱلَّذِي كَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ مُوآبَ مُنْذُ زَمَانٍ. 14 وَٱلآنَ تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ قَائِلاً: فِي ثَلاَثِ سِنِينَ كَسِنِي ٱلأَجِيرِ يُهَانُ مَجْدُ مُوآبَ بِكُلِّ ٱلْجُمْهُورِ ٱلْعَظِيمِ، وَتَكُونُ ٱلْبَقِيَّةُ قَلِيلَةً صَغِيرَةً لاَ كَبِيرَةً».

ص 21: 16

إن كاتب هاتين الآيتين إما إشعياء أو إرميا أو أحد الملهمين غيرهما. وإذا فرضنا أن إشعياء كتبهما وهو الأرجح يكون قد زادهما على ما كتبه سابقاً للدلالة على وقت بداءة إجراء البلايا على موآب أي بعد ثلاث سنين وهي محسوبة من تاريخ النبوءة الموصوفة في (ع 14) وهي كسني الأجير لأنها محسوبة بكل ضبط لا يُزاد عليها فإن الأجير يستثقل خدمته ويطلب سرعة كمالها.

وبعد مرور نحو 2500 سنة كل من زار موآب شهد بصدق هذه النبوءة فإنه يرى هنالك قرى وآثار قرى لها الأسماء المذكورة في الكتاب المقدس نفسها وموقعها كما ذُكر والآثار تدل على وجود مدن كبيرة وهياكل للأصنام وكروم وأراض مخصبة. وتعلمنا هذه الآثار أن ثبات الممالك لا يكون من خصب الأرض ولا من كثرة المدن وقوة الحصون بل من القوة الروحية وحفظ وصايا الله.

فوائد للوعاظ

أرسلوا خرفان الحاكم (ع 1) رحمة الله للخطاة

  1. إن الله لا يعاقب الناس إلا بعد ما يكون قد نبههم وبيّن لهم خطاياهم وعقابها. وهذا التنبيه قد يكون من الضمير ويغلب أن يكون من سمع الوعظ والتعليم.

  2. إن كثيرين من الخطأة يرفضون الرحمة لأنها مقترنة بالخضوع للرب وترك الخطية.

  3. إن كثيراً ما يكون قصاص الخطية في هذه الحياة بواسطة مرض أو خسارة مال أو ضيق أو تعب الضمير وأما قصاصها في الآخرة فلا بد من وقوعه وإن نجا الخاطئ في الزمان الحاضر.

على حصادك قد وقعت جلبة (ع 9)

  1. إن جميع الناس يستنظرون الحصاد فيرجون لأنفسهم الصحة الكاملة أو الراحة أو الغنى أو المجد الخ.

  2. إنه يكون الحصاد كالمزورع فالراحة لمن يكمل الأعمال المطلوبة منه والغنى لمن يجتهد والمجد لمن يستحقه والحياة الأبدية لمن يجدّ فيها.

  3. إن الحصاد وقت للفرح والابتهاج والجلبة وقت البكاء وصرير الأسنان وأكثر حزن الخاطئ هو من معرفته أنه كان يمكنه أن يتجنب هذه الخسارة وينال ذلك الحصاد.

الصلاة التي لا تُستجاب (ع 12)

  1. الصلاة لغير الله.

  2. الصلاة من الشفتين فقط وصلاة المتكبرين وغير التائبين وغير المؤمنين والصلاة لأجل ما لا يطابق إرادة الرب.

  3. إنه توجد صلوات مقدمة بالإيمان الحقيقي لا تستجاب في الوقت الحاضر أو لا تُستجاب كما نستنظر ولكنها تُستجاب في الوقت المعيّن من الله وعلى طريقة معيّنة منه تعالى فيكون الجواب أفضل مما طلبنا.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ عَشَرَ

مضمونه:

نبوءة على دمشق وإسرائيل لأنهما كانتا يداً واحدة في الغالب. ومن ع 12 إلى آخر الأصحاح نبوءة بهجوم جيوش الأعداء وانكسارها والأرجح أنها جيوش الأشوريين.

1 «وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ دِمَشْقَ: هُوَذَا دِمَشْقُ تُزَالُ مِنْ بَيْنِ ٱلْمُدُنِ وَتَكُونُ رُجْمَةَ رَدْمٍ».

2ملوك 16: 9 وإرميا 49: 23 وعاموس 1: 3 وزكريا 9: 1

دِمَشْقَ (انظر قاموس الكتاب المقدس) هي قصبة مملكة آرام وحاربت يهوذا وإسرائيل مراراً كثيرة واتفق رصين ملكها الأخير مع فقح ملك إسرائيل على يهوذا فاستغاث آحاز بتغلث فلاسر ملك أشور فاستظهر على دمشق ونقل أهلها إلى قير (2ملوك 16: 9) وقامت وخربت ثانية. ويتضح من تاريخها أنه طرأ عليها انقلابات عديدة فإنه استولى عليها اليونان والرومانيون والعرب والصليبيون والأتراك ومع كل ما أصابها لم تزل قائمة لكنها فقدت مجدها بعد ما أخربها تغلث فلاسر وزالت سطوتها وهكذا تمت النبوءة «تزول من بين المدن».

رُجْمَةَ رَدْمٍ وهكذا صارت في زمان تغلث فلاسر غير أنها قامت بعد ذلك.

2 «مُدُنُ عَرُوعِيرَ مَتْرُوكَةٌ. تَكُونُ لِلْقُطْعَانِ، فَتَرْبِضُ وَلَيْسَ مَنْ يُخِيفُ».

إرميا 7: 33

مُدُنُ عَرُوعِيرَ اسم يُطلق على أماكن مختلفة والأرجح أن الإشارة هنا إلى موضع قريب من دمشق. ويُحتمل تفسير آخر لأن الكلمة العبرانية عروعير تفيد أيضاً معنى «الخراب» فيكون معنى الجملة المدن الخربة المجاورة لدمشق والتابعة لها.

تَكُونُ لِلْقُطْعَانِ دلالة على الخراب التام بمصير المدن مرعىً.

وَلَيْسَ مَنْ يُخِيفُ لا يخاف الرعاة ممن يمنعهم لأن الأرض تكون متروكة بلا سكان.

3 «وَيَزُولُ ٱلْحِصْنُ مِنْ أَفْرَايِمَ وَٱلْمُلْكُ مِنْ دِمَشْقَ وَبَقِيَّةِ أَرَامَ. فَتَصِيرُ كَمَجْدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ».

ص 7: 16 و8: 4

وَيَزُولُ ٱلْحِصْنُ مِنْ أَفْرَايِمَ أي كل المدن الحصينة.

وَٱلْمُلْكُ مِنْ دِمَشْقَ كان رصين آخر ملوك دمشق.

فَتَصِيرُ كَمَجْدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ تهكم. أي قد زال مجد إسرائيل وكذلك سيزول مجد دمشق.

4 «وَيَكُونُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أَنَّ مَجْدَ يَعْقُوبَ يُذَلُّ، وَسَمَانَةَ لَحْمِهِ تَهْزُلُ».

ص 10: 16

مَجْدَ يَعْقُوبَ يُذَلُّ بعد سقوط السامرة نقل ملك أشور أهلها بالتدريج. ويظهر من (2أيام 34: 9) أنه كان لإسرائيل بقية في أيام يوشيا.

سَمَانَةَ لَحْمِهِ تَهْزُلُ أي يقل السكان ويضعف الباقون لسبب الذل والجوع. قيل في (2ملوك 17: 25) إن الرب أرسل عليهم السباع فكثرت الوحوش. فكثرة الوحش دليل على قلة السكان. وكان سقوط السامرة عن يد سرجون على أثر سقوط دمشق.

5، 6 «5 وَيَكُونُ كَجَمْعِ ٱلْحَصَّادِينَ ٱلزَّرْعَ، وَذِرَاعُهُ تَحْصُدُ ٱلسَّنَابِلَ، وَيَكُونُ كَمَنْ يَلْقُطُ سَنَابِلَ فِي وَادِي رَفَايِمَ. 6 وَتَبْقَى فِيهِ خُصَاصَةٌ كَنَفْضِ زَيْتُونَةٍ، حَبَّتَانِ أَوْ ثَلاَثٌ فِي رَأْسِ ٱلْفَرْعِ، وَأَرْبَعٌ أَوْ خَمْسٌ فِي أَفْنَانِ ٱلْمُثْمِرَةِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ».

إرميا 51: 33 ص 24: 13

وَادِي رَفَايِمَ وادٍ مخصب قرب أورشليم وإذ كان محلاً لزرع الحبوب كان لا ريب بعد الحصار مبايناً لما كان عليه قبله. ومُثّل به لمعرفة أهل أورشليم به جيداً. وفي هذا الوادي ضرب داود الفلسطينيين ضربة عظيمة فصار الوادي مثلاً لسببين الأول حصاد الحبوب والثاني كثرة القتلى الذين وقعوا فيه بالسيف كما تقع السنابل تحت أيدي الحاصدين. وتكون بقية إسرائيل كالسنابل القليلة التي يلقطها الفقراء وراء الحاصدين وخصاصة الزيتونة في التشبيه الثاني تفيد المعنى نفسه.

7 «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يَلْتَفِتُ ٱلإِنْسَانُ إِلَى صَانِعِهِ وَتَنْظُرُ عَيْنَاهُ إِلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ».

ميخا 7: 7

هذه الآية تتضمن نتيجة التأديبات الإلهية التي جرت على إسرائيل وتأثيرها في الذين رجعوا إلى الله بالإيمان والتوبة وتركوا جميع شرورهم (انظر 2أيام 30: 11) ففيها حديث قوم من بعض الأسباط تواطأوا والتجأوا إلى أورشليم لما دعاهم الملك حزقيا. وقد ذُكرت حادثة تشابه هذه في زمان يوشيا (2أيام 6: 4 و6).

8 «وَلاَ يَلْتَفِتُ إِلَى ٱلْمَذَابِحِ صَنْعَةِ يَدَيْهِ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَى مَا صَنَعَتْهُ أَصَابِعُهُ: ٱلسَّوَارِيَ وَٱلشَّمْسَاتِ».

قضاة 6: 25 و1ملوك 16: 32 لاويين 26: 30 و2أيام 34: 7 وحزقيال 6: 4 و6

وَلاَ يَلْتَفِتُ إِلَى ٱلْمَذَابِحِ هدم يوشيا المذابح في مدن منسى وأفرايم وشمعون ونفتالي (2أيام 34: 5 - 7) ولا شك في أنه أتى ذلك برضا أهلها.

ٱلسَّوَارِيَ تماثيل من الخشب منتصبة ومستقيمة لعبادة عشتورث (جمع عشتروث) آلهة الفينيقيين. وكانت علامتها أحياناً القمر وأحياناً السيّار المعروف بالزهرة.

ٱلشَّمْسَاتِ تماثيل للبعل وهو إله الفينيقيين الذكر وعلامته الشمس أو السيّار المعروف بالمشتري وبواسطة هذه الشمسات والسواري كانوا يسجدون لأعضاء التناسل فكانت هذه العبادة قبيحة جداً وبما أنها موافقة للشهوات الفاسدة كانت تجربة عظيمة على بني إسرائيل.

9 «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ تَصِيرُ مُدُنُهُ ٱلْحَصِينَةُ كَٱلرَّدْمِ فِي ٱلْغَابِ، وَٱلشَّوَامِخُ ٱلَّتِي تَرَكُوهَا مِنْ وَجْهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَصَارَتْ خَرَاباً».

كَٱلرَّدْمِ فِي ٱلْغَابِ يشبه النبي بقية إسرائيل بمساكن الكنعانيين بين الآجام وحصونهم على التلال التي طُردوا منها. وأتى في الترجمة السبعينية «كأماكن الأموريين والحويين المتروكة» والمعنى أنه كما طُرد الكنعانيون بسبب خطاياهم الفظيعة هكذا يُطرد بنو إسرائيل من الأرض بسبب أمثال تلك الخطايا.

10 «لأَنَّكِ نَسِيتِ إِلٰهَ خَلاَصِكِ وَلَمْ تَذْكُرِي صَخْرَةَ حِصْنِكِ، لِذٰلِكَ تَغْرِسِينَ أَغْرَاساً نَزِهَةً وَتَنْصِبِينَ نُصْبَةً غَرِيبَةً».

مزمور 68: 19

لأَنَّكِ يخاطب النبي إسرائيل بضمير الأنثى لأنهم مشبهون بامرأة زانية (إرميا ص 3).

نَسِيتِ إِلٰهَ خَلاَصِكِ يغلب أن ينسى الناس الله ولا ينفونه.

صَخْرَةَ حِصْنِكِ الرب مشبه بصخرة وأتى هذا التشبيه أولاً في نشيد موسى (تثنية ص 32) وجاء كثيراً في المزامير وترك إسرائيل الصخرة الحقيقية والتجأ إلى الشوامخ.

تَغْرِسِينَ أَغْرَاساً نَزِهَةً أنواع من العبادة كانوا أخذوها من الأمم الوثنية كما بنى سليمان مرتفعة لكموش رجس الموآبيين ولمولك رجس بني عمون وكما بنى آحاز مذبحاً على شبه المذبح الذي رآه في دمشق.

11 «يَوْمَ غَرْسِكِ تُسَيِّجِينَهَا، وَفِي ٱلصَّبَاحِ تَجْعَلِينَ زَرْعَكِ يُزْهِرُ. وَلَكِنْ يَهْرُبُ ٱلْحَصِيدُ فِي يَوْمِ ٱلضَّرْبَةِ ٱلْمُهْلِكَةِ وَٱلْكآبَةِ ٱلْعَدِيمَةِ ٱلرَّجَاءِ».

وَلَكِنْ يَهْرُبُ ٱلْحَصِيدُ إنهم تعبوا وخسروا كثيراً في عبادة الأصنام ومعاهدة الأمم وظنوا أنهم عن قريب ينتفعون من تعبهم ولكن يخيب أملهم في ذلك فيكون تعبهم عبثاً ويخيب أمل كل من ينصب نصبة غريبة أي يقصد شيئاً لا يُرضي الله.

12 - 14 «12 آهِ! ضَجِيجُ شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ تَضِجُّ كَضَجِيجِ ٱلْبَحْرِ، وَهَدِيرِ قَبَائِلَ تَهْدِرُ كَهَدِيرِ مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ. 13 قَبَائِلُ تَهْدِرُ كَهَدِيرِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. وَلَكِنَّهُ يَنْتَهِرُهَا فَتَهْرُبُ بَعِيداً، وَتُطْرَدُ كَعُصَافَةِ ٱلْجِبَالِ أَمَامَ ٱلرِّيحِ، وَكَالْجُلِّ أَمَامَ ٱلزَّوْبَعَةِ. 14 فِي وَقْتِ ٱلْمَسَاءِ إِذَا رُعْبٌ. قَبْلَ ٱلصُّبْحِ لَيْسُوا هُمْ. هٰذَا نَصِيبُ نَاهِبِينَا وَحَظُّ سَالِبِينَا».

إرميا 6: 23 مزمور 9: 5 مزمور 83: 13 وهوشع 13: 3 مزمور 83: 13

تتضمن هذه الآيات وصف قوة الجيوش التي اندفعت على يهوذا من أمم أشور العديدة تحت قيادة سنحاريب وإبادة الله إياهم في ليلة واحدة. ولها علاقة بالآيات السابقة لأن محالفة آرام وأفرايم على يهوذا وسياسة آحاز المشار إليها كانتا علة مجيء أشور.

ضَجِيجُ امتاز الأشوريون بالضجيج وبالمحاربة الروحية يمتاز أعداء الحق بالضجيج أيضاً.

فَتَهْرُبُ أي البقية من جيوش أشور بعد هلاك 185000 منهم.

وَلَكِنَّهُ يَنْتَهِرُهَا أي الرب.

كَالْجُلِّ أي الاشياء الخفيفة كالعصافة أو الشوك مما يطير أمام الريح.

قَبْلَ ٱلصُّبْحِ لَيْسُوا هُمْ إشارة إلى إبادة الأشوريين في ليلة واحدة.

هٰذَا نَصِيبُ نَاهِبِينَا أي نصيب جميع أعداء شعب الله في كل زمان ومكان.

فوائد للوعاظ

صخرة حصنك (ع 10) الله صخرة للمتكلين عليه

  1. لأنه لا يتغير. أما الناس فيموتون أو يتغيرون عن محبتهم لنا والمال يزول ولكن الله هو هو إلى الأبد وصخر الدهور.

  2. لأنه ظل من الحرّ وملجأ من المطر. كان اتكال الإسرائيليين على حصونهم ولكنها خربت وأما الرب فهو القادر على كل شيء وأمين في كل مواعيده فلا يمكن الناس ولا الشيطان أن يضروا شعبه. ولنا تعزية فيه ولا أحد التجأ إليه وخاب أمله.

نسيت إله خلاصك (ع 10)

  1. إن الناس يميلون إلى النسيان. فإنهم يسمعون شيئاً اليوم وينسونه غداً ويتكلمون ويعملون وينسون حالاً ما تكلموا به وما عملوه. لذلك أوصى الله شعبه أن يلهجوا نهاراً وليلاً بناموسه ويحفظوا على الدوام الأوقات المعيّنة للعبادة.

  2. إن النسيان خطية لأنه ترك الله وإن كان بلا قصد ولا أحد يقدر أن يبرر نفسه في يوم الدين بقوله «نسيت».

  3. إننا ننسى الله إذا التهينا بأشغال العالم ولذاته لأن محبة العالم تطرد محبة الله من قلوبنا.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ عَشَرَ

مضمونه:

في هذا الأصحاح يصوّر النبي بلاد الحبش مرسلة رسلاً إلى أورشليم ليسألوا ماذا يعملون في أمر سنحاريب لأنه بتاريخ هذه الحادثة كان قادماً على أورشليم وإذا أخذها فلا يبقى مانع يؤخره عن الهجوم على مصر وبلاد الحبش ولذلك كانت بلاد الحبش مشتركة مع اليهود في خوفهم من سنحاريب وفي مقاومته.

1 «يَا أَرْضَ حَفِيفِ ٱلأَجْنِحَةِ ٱلَّتِي فِي عَبْرِ أَنْهَارِ كُوشَ».

ص 20: 4 و5 وحزقيال 30: 4 و5 و9 وصفنيا 2: 12 و3: 10

حَفِيفِ ٱلأَجْنِحَةِ لُقبت بلاد الحبش بذلك من كثرة الذبان فيها وطنينه أو من صوت حركة جيوشها العظيمة المشبّه بحفيف أجنحة الطيور عند طيرانها انظر (2أيام 14: 9) ففيه أن زارح الكوشي خرج لمحاربة آسا ملك يهوذا بجيش ألف ألف. و(2ملوك 19: 9) ففيه أن ترهاقة ملك كوش خرج لمحاربة سنحاريب. والأرجح أن ترهاقة كان ملكاً على الحبش في زمان هذه النبوءة.

أَنْهَارِ كُوشَ النيل والأنهار الثلاثة في جنوبي مصر العليا التي تصب في نهر النيل.

2 «ٱلْمُرْسِلَةَ رُسُلاً فِي ٱلْبَحْرِ وَفِي قَوَارِبَ مِنَ ٱلْبَرْدِيِّ عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ. ٱذْهَبُوا أَيُّهَا ٱلرُّسُلُ ٱلسَّرِيعُونَ إِلَى أُمَّةٍ طَوِيلَةٍ وَجَرْدَاءَ، إِلَى شَعْبٍ مَخُوفٍ مُنْذُ كَانَ فَصَاعِداً، أُمَّةِ قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ وَدَوْسٍ، قَدْ خَرَقَتِ ٱلأَنْهَارُ أَرْضَهَا».

ع 7

رُسُلاً المرسلون من الحبش إلى أورشليم.

ٱلْبَحْرِ نهر النيل وسُمي بحراً لعظمته (ص 19: 5).

ٱلْبَرْدِيِّ نبات ينمو في مستنقعات النيل وكان المصريون يصنعون منه الورق المعروف بورق البابيرس وسلالاً وأسفاطاً (خروج 2: 3) وقوارب وهي لكونها خفيفة جداً كانت مناسبة للسفر في الأنهار وأما السفر في البحر فكان بسفن أخرى.

ٱذْهَبُوا من هنا يبتدئ جواب النبي إلى الرسل والجواب هو جواب الرب (ع 4) فإن النبي لا يأخذ على نفسه مسؤولية تدبير أمور الممالك.

ٱلسَّرِيعُونَ من مشيهم السريع في القوارب الخفيفة على الأنهار.

أُمَّةٍ طَوِيلَةٍ وَجَرْدَاءَ طويلة القامة ووجوهها عارية من الشعر وهذان الوصفان يصدقان كل الصدق على أهل الحبشة.

شَعْبٍ مَخُوفٍ واجه الإسرائيليون جيوش كوش أولاً عندما أتوا مع شيشق في زمان رحبعام ثم عند هجوم زارح في زمان آسا وبعد ذلك بنحو مئتي سنة استولوا على مصر.

قَدْ خَرَقَتِ ٱلأَنْهَارُ أَرْضَهَا تأخذ الأنهار التراب من أرض الحبش وتحمله إلى أرض مصر فيكون خصب بلاد مصر من الحبش.

3 «يَا جَمِيعَ سُكَّانِ ٱلْمَسْكُونَةِ وَقَاطِنِي ٱلأَرْضِ، عِنْدَمَا تَرْتَفِعُ ٱلرَّايَةُ عَلَى ٱلْجِبَالِ تَنْظُرُونَ، وَعِنْدَمَا يُضْرَبُ بِٱلْبُوقِ تَسْمَعُونَ».

ص 5: 26

يَا جَمِيعَ سُكَّانِ ٱلْمَسْكُونَةِ يدعو النبي جميع سكان المسكونة لينظروا ويسمعوا حين يعمل الله أعماله العجيبة في الأشوريين.

ٱلرَّايَةُ راية الله وتشير إلى إظهار قوته وكذلك البوق والكلام مجاز (2ملوك 19: 20 - 34).

4 - 6 «4 لأَنَّهُ هٰكَذَا قَالَ لِي ٱلرَّبُّ: إِنِّي أَهْدَأُ وَأَنْظُرُ فِي مَسْكَنِي كَٱلْحَرِّ ٱلصَّافِي عَلَى ٱلْبَقْلِ، كَغَيْمِ ٱلنَّدَى فِي حَرِّ ٱلْحَصَادِ. 5 فَإِنَّهُ قَبْلَ ٱلْحَصَادِ، عِنْدَ تَمَامِ ٱلزَّهْرِ، وَعِنْدَمَا يَصِيرُ ٱلزَّهْرُ حِصْرِماً نَضِيجاً يَقْطَعُ ٱلْقُضْبَانَ بِٱلْمَنَاجِلِ، وَيَنْزِعُ ٱلأَفْنَانَ وَيَطْرَحُهَا. 6 تُتْرَكُ مَعاً لِجَوَارِحِ ٱلْجِبَالِ وَلِوُحُوشِ ٱلأَرْضِ، فَتُصَيِّفُ عَلَيْهَا ٱلْجَوَارِحُ، وَتُشَتِّي عَلَيْهَا جَمِيعُ وُحُوشِ ٱلأَرْضِ».

في هذه الآيات وصف هلاك الأشوريين بقوة الله بعبارات مجازية وصف الله حين استعداد الأشوريين لمحاربة يهوذا بأنه ناظر من مسكنه وهادئ كالحر الصافي على البقل وكغيم الندى في حر الحصاد. وأما الحصاد المشار إليه فهو على نوعين وهما الحصاد الذي قصده ملك أشور ولم يتممه في إهلاك اليهود والحصاد الذي قصده الرب وأعده وأتممه في خلاص شعبه وهلاك أشور. والقضبان المقطوعة التي تُركت للجوارح والوحوش كناية عن جثث القتلى من الأشوريين فتُترك معاً لجوارح الجبال ووحوش الأرض ولكثرة القتلى تصيّف وتشتي عليها.

7 «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ تُقَدَّمُ هَدِيَّةٌ لِرَبِّ ٱلْجُنُودِ مِنْ شَعْبٍ طَوِيلٍ وَأَجْرَدَ، وَمِنْ شَعْبٍ مَخُوفٍ مُنْذُ كَانَ فَصَاعِداً، مِنْ أُمَّةٍ ذَاتِ قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ وَدَوْسٍ، قَدْ خَرَقَتِ ٱلأَنْهَارُ أَرْضَهَا، إِلَى مَوْضِعِ ٱسْمِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ، جَبَلِ صِهْيَوْنَ».

مزمور 68: 31 و72: 10 وص 16: 1 وصفنيا 3: 10 وملاخي 1: 11 ع 2

نبوءة بتقديم هدية للرب من أهل الحبش غير أن نوع الهدية ليس مذكوراً ويُحتمل أن المراد بالهدية شيء أرسلوه حقيقة أو أن الهدية المذكورة هي كناية عن تقديم الإكرام والعبادة لله. وتمت هذه النبوءة جزئياً بقبول أهل الحبش الديانة المسيحية في عصر الرسل وستتم تماماً فيما بعد برجوعهم إلى الإيمان بالمسيح. ومن النبوءات التي تشير إلى رجوع أهل الحبش إلى الله (ص 45: 14 وصفنيا 3: 10 ومزمور 68: 31 و87: 4).

فوائد للوعاظ

إني أهدأ (ع 4)

في هدوء الله ما يأتي:

  1. إن هدوءه ناتج عن قوة. فإن الناس يطلبون إتمام مقاصدهم بضجيج كالأشوريين أو حفيف كأهل الحبش وذلك دليل على ضعفهم. وكل من نال القوة من الله لا يضجر ولا يحتد ولا يهتم. فالهدوء علامة القوة والضجيج علامة الضعف.

  2. إن الهدوء لا يناقض العمل. لأن الله يرى كل شيء ويسمع كل صلاة ويهتم بأمور كل واحد من خلائقه كالندى والشمس لا يُسمع صوتهما ولكنهما عظيمان في فعلهما.

  3. إن هدوءه من جهة شعبه ومن جهة أعدائه أيضاً. فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين. ويُنبت في الأرض الواحدة الشوك والحنطة فينتفعان كلاهما من الشمس والمطر. فلا يطمئن الأشرار في شرورهم كأن الله لا يراهم ولا يفشل الصالحون كأن الله لا يهتم بهم لأنه لا بدّ من الحصاد في حينه ويكون حصاد كل إنسان بحسب أعماله.

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ عَشَرَ

مضمونه:

نبوءة سقوط مصر ثم رجوعها إلى الله وهي قسمان:

الأول: الوعيد لمصر (ع 1 - 17) وهو يتضمن نبوءة بالمصائب والضيقات الآتية على بلاد مصر بتشبيهات واستعارات من عادات المصريين وخواص بلادهم. والثاني الوعد لمصر (ع 18 - 25) وفيه أنباء برجوعهم إلى الله واشتراكهم مع غيرهم من الأمم كأشور في عبادة الله.

وخلاصة مواضيع الأصحاح في الآية 22 وهي «يضرب الرب ضارباً فشافياً» أي أن الرب قصد بالضربات تأديبهم لا إهلاكهم. وبما أن اليهود كانوا يميلون إلى الاتكال على مصر أظهر لهم الرب ضعفها وجهالتها لكي يتعلموا الاتكال عليه وحده.

وفي الخاتمة إعلان أن الرب هو إله جميع الأمم وذكر مصر وأشور العظيمتان يعم كل ممالك العالم فتصير كلها شعباً واحداً لله وربما لم توجد نبوءة أوضح وأوسع من هذه النبوءة في شأن خلاص الأمم.

1 «وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مِصْرَ: هُوَذَا ٱلرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ، فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ، وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا».

إرميا 46: 13 وحزقيال 29 و30 مزمور 18: 10 و104: 3 خروج 12: 12 وإرميا 43: 12

هُوَذَا ٱلرَّبُّ رَاكِبٌ يمثل الرب راكباً على سحابة. كثيراً ما تسمى السحابة في الأسفار المقدسة بمركبة الله (مزمور 18: 10 و11) على الاستعارة بجامع أن السحابة عالية وسريعة ولا تُقاوم.

فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ صوّر النبي الأوثان بذي عقل وإدراك فترتجف لسبب البلايا الواقعة على مصر وهي لا تقدر أن تخلص البلاد ولا نفسها. قيل في التواريخ أن ملك أشور نزّل الأوثان وأخذ من الهيكل العُمُد المقدسة.

2 «وَأُهَيِّجُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ، فَيُحَارِبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ: مَدِينَةٌ مَدِينَةً، وَمَمْلَكَةٌ مَمْلَكَةً».

قضاة 7: 22 و1صموئيل 14: 16 و20 و2أيام 20: 23

وَأُهَيِّجُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ استولى آسرحدون ابن سنحاريب على مصر وخربها ثم عاد إلى بلاده وحين مرّ في سوريا رسم صورته على الصخور عند نهر الكلب وكتب تاريخ مهاجمته مصر. وبعد ذلك بنحو عشر سنين حارب ابنه أشور بانبال مصر ثم كان اختلال الأحكام فانقسمت البلاد إلى 12 مملكة كل واحدة منها ضد الأخرى. وأخيراً تقدم أحد هؤلاء الملوك وهو اسمتيخوس واستولى بمساعدة الأجانب على البلاد كلها واستقل عن حكم أشور.

3 «وَتُهْرَاقُ رُوحُ مِصْرَ دَاخِلَهَا. وَأُفْنِي مَشُورَتَهَا، فَيَسْأَلُونَ ٱلأَوْثَانَ وَٱلْعَازِفِينَ وَأَصْحَابَ ٱلتَّوَابِعِ وَٱلْعَرَّافِينَ».

ص 8: 19 و47: 12

فَيَسْأَلُونَ ٱلأَوْثَانَ تركهم الرب هكذا ليتضايقوا وتفنى مشورتهم ويظهر بطل أصنامهم حتى يعرفوه ويرجعوا إليه. توهّم المصريون أن أصنامهم تُريهم أموراً مستقبلة فكان الملوك يستشيرونها ويصدقونها وكان لبعض الأصنام اعتبار ممتاز في هذا الأمر.

ٱلْعَازِفِينَ دعى فرعون السحرة ليعبّروا له حلميه في زمان يوسف (تكوين 41: 8). ودعا فرعون أي الملك يومئذ السحرة ففعلوا بسحرهم ما يشبه آيات موسى (خروج 7: 11).

4 «وَأُغْلِقُ عَلَى ٱلْمِصْرِيِّينَ فِي يَدِ مَوْلىً قَاسٍ، فَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِمْ مَلِكٌ عَزِيزٌ، يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ».

ص 20: 4 وإرميا 46: 26 وحزقيال 29: 19

قيل أن آسرحدون قطع رأس ملك صيدا وعلّقه برقبة أحد وزراء ذلك الملك وقتل ستة من أمراء بلاد العرب وأميرتين وبعد ما فتح مصر قسمها عشرين قسماً وغيّر أسماء مدنها وأمر وكلاءه أن يقتلوا وينهبوا كأن ذلك من الواجبات. تمت هذه النبوءة جزئياً ببعض الملوك الظالمين الذين استولوا على مصر مثل آسرحدون المذكور واسمتيخوس وكمبيز الفارسي الذي غزاها سنة 525 ق. م وأكثر فيها من أعمال الفحش والظلم لكن لا ريب في أن هذه النبوءة تعمّ كل مدة تاريخها.

مَلِكٌ عَزِيزٌ أي ملك قوي.

5 - 10 «5 وَتُنَشَّفُ ٱلْمِيَاهُ مِنَ ٱلْبَحْرِ، وَيَجِفُّ ٱلنَّهْرُ وَيَيْبَسُ. 6 وَتُنْتِنُ ٱلأَنْهَارُ وَتَضْعُفُ، وَتَجِفُّ سَوَاقِي مِصْرَ، وَيَتْلَفُ ٱلْقَصَبُ وَٱلأَسَلُ. 7 وَٱلرِّيَاضُ عَلَى حَافَةِ ٱلنِّيلِ، وَكُلُّ مَزْرَعَةٍ عَلَى ٱلنِّيلِ تَيْبَسُ وَتَتَبَدَّدُ وَلاَ تَكُونُ. 8 وَٱلصَّيَّادُونَ يَئِنُّونَ، وَكُلُّ ٱلَّذِينَ يُلْقُونَ شِصّاً فِي ٱلنِّيلِ يَنُوحُونَ. وَٱلَّذِينَ يَبْسُطُونَ شَبَكَةً عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ يَحْزَنُونَ، 9 وَيَخْزَى ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلْكَتَّانَ ٱلْمُمَشَّطَ، وَٱلَّذِينَ يَحِيكُونَ ٱلأَنْسِجَةَ ٱلْبَيْضَاءَ. 10 وَتَكُونُ عُمُدُهَا مَسْحُوقَةً، وَكُلُّ ٱلْعَامِلِينَ بِٱلأُجْرَةِ مُكْتَئِبِي ٱلنَّفْسِ».

إرميا 51: 36 وحزقيال 30: 12 و2ملوك 19: 24 و1ملوك 10: 28 وأمثال 7: 16

موضوع هذه الآيات الإنذار بمصائب أخرى وإذ كانت حياة مصر تتوقف على النيل وتكون بدونه قفراً بلا سكان وصف النبي تنشيف مياه النيل دلالة على كل المصائب الطبيعية ولا شك أن في هذا الوصف شيئاً من المبالغة حسب عادة الشعراء. والنقص في مياه النيل يكون إما من قلة المطر في الجبال التي تنحدر منها أو من هدم السدود والقنيّ في مدّة الحروب الداخلية.

ٱلْبَحْرِ أي النيل.

ٱلأَنْهَارُ تُرع النيل.

كُلُّ مَزْرَعَةٍ عَلَى ٱلنِّيلِ تَيْبَسُ لا ينزل ما يُذكر من المطر في مصر فلا تكون مزروعات إلا في الأراضي التي تُري بفيضان النيل وبمقدار ما تقل مياه النيل تقل المزروعات.

وَٱلصَّيَّادُونَ (ع 8) إبطال صيد السمك من أكبر المصائب على المصريين لأنه يفقر الصيادين وباعة السمك ويضر بسائر الناس لأن السمك كان أكثر طعامهم.

ٱلْكَتَّانَ ٱلْمُمَشَّطَ (ع 9) كانت منسوجات الكتان ناعمة وجميلة جداً وكانت مستعملة لثياب الكهنة وللأكفان وغيرها وأهل صور اتخذوا الأشرعة من الكتان المطرّز من مصر.

ٱلأَنْسِجَةَ ٱلْبَيْضَاءَ من القطن. فيخزى العاملون لأن صنعتهم بطلت.

وَتَكُونُ عُمُدُهَا مَسْحُوقَةً (ع 10) أي الأغنياء والأكابر وهم عُمد الهيئة الاجتماعية لأن المال منهم والتدبير لهم وكانوا مسحوقين لأن مالهم فني والتدبير عجزوا عنه وما استطاعوا أن يبقوا على لبس الكتان والمنسوجات البيضاء.

ٱلْعَامِلِينَ بِٱلأُجْرَةِ أي الفعلة والفقراء فتكون المصائب عامة.

وصف حماقة رؤساء مصر وغباوة مشيريها ع 11 إلى 18

11 «إِنَّ رُؤَسَاءَ صُوعَنَ أَغْبِيَاءَ! حُكَمَاءُ مُشِيرِي فِرْعَوْنَ مَشُورَتُهُمْ بَهِيمِيَّةٌ. كَيْفَ تَقُولُونَ لِفِرْعَوْنَ: أَنَا ٱبْنُ حُكَمَاءَ، ٱبْنُ مُلُوكٍ قُدَمَاءَ».

عدد 13: 22

صُوعَنَ (انظر قاموس الكتاب المقدس). مدينة قديمة وإحدى المدن الرئيسية سماها اليونانيون طانس وتُسمى الآن صان وكانت على فرع النيل الطافي وإلى شرقيها سهل متسع يسمى بلاد صوعن (مزمور 78: 12).

أَغْبِيَاءَ مصر بلاد قديمة ومشهورة بالتمدن والعلوم وكان لرؤسائها نوع من الحكمة في الأمور السياسية ناتج عن اختبارهم وحذاقة عقولهم وفوق ذلك ادعوا نوعاً آخر من الحكمة ناتجاً عن السحر وإعلانات آلهتهم ولكنهم عجزوا عن بيان أسباب تلك المصائب العظيمة وطريقة الخلاص منها. وجميع الذين يتكلون على أنفسهم أو يدعون أنهم يعرفون شيئاً من أنفسهم أغبياء لأن رأس الحكمة مخافة الرب والمشير الحقيقي هو الذي يكلم الناس بكلام الله.

فِرْعَوْنَ اسم لكل من ملوك مصر وربما المشار إليه هنا هو ترهاقة.

أَنَا ٱبْنُ حُكَمَاءَ، ٱبْنُ مُلُوكٍ قُدَمَاءَ كان المصريون يفتخرون كثيراً بأصلهم ولكن هذه الألقاب والأنساب كانت تنحط فيُخزون منها. قيل أنه إذا أراد أحد المصريين إهانة أخر قال له أنت ابن فرعون.

12 «فَأَيْنَ هُمْ حُكَمَاؤُكَ؟ فَلْيُخْبِرُوكَ. لِيَعْرِفُوا مَاذَا قَضَى بِهِ رَبُّ ٱلْجُنُودِ عَلَى مِصْرَ».

1كورنثوس 1: 20

أَيْنَ هُمْ حُكَمَاؤُكَ إن كان أحد يدّعي الحكمة فليتقدم ويخبر بما سيحدث (انظر ص 41: 21 - 29).

13 «رُؤَسَاءُ صُوعَنَ صَارُوا أَغْبِيَاءَ. رُؤَسَاءُ نُوفَ ٱنْخَدَعُوا. وَأَضَلَّ مِصْرَ وُجُوهُ أَسْبَاطِهَا».

إرميا 2: 16

نُوفَ أو موف وهي مدينة قديمة وشهيرة قريبة من القاهرة (قاموس الكتاب).

أَسْبَاطِهَا لم تكن في مصر أسباط كأسباط إسرائيل الاثني عشر والأرجح أن المراد بالأسباط هنا رتب أو طبقات فكان الكهنة من الرتبة الأولى والعسكر من الثانية والرعاة من الثالثة الخ وإذا كان الوجوه يضلّون الشعب كان الشعب في حالة يُرثى لها.

14 «مَزَجَ ٱلرَّبُّ فِي وَسَطِهَا رُوحَ غَيٍّ، فَأَضَلُّوا مِصْرَ فِي كُلِّ عَمَلِهَا، كَتَرَنُّحِ ٱلسَّكْرَانِ فِي قَيْئِهِ».

1ملوك 22: 22 وص 29: 10

مَزَجَ ٱلرَّبُّ فِي وَسَطِهَا رُوحَ غَيٍّ مُزجت مشورات مصر بروح الضلال حتى أساء رؤساؤها قيادتها فصاروا كسكارى بلا عقل وكنساء ضعيفات وخائفات. وبما أن الرب خلق الإنسان وأعطاه قواه العقلية حق له أن يأخذها منه إذا أساء استعمالها.

15 «فَلاَ يَكُونُ لِمِصْرَ عَمَلٌ يَعْمَلُهُ رَأْسٌ أَوْ ذَنَبٌ، نَخْلَةٌ أَوْ أَسَلَةٌ».

ص 9: 14

رَأْسٌ أَوْ ذَنَبٌ أشار «بالرأس» إلى الشرفاء وأصحاب المشورة و«بالذنب» إلى الفعلة وأصحاب الصناعة وهم من الجهتين عُمد البلاد فلا يكون عمل بلا رأس أي بلا مشورة وتدبير وكذلك لا يكون عمل بلا فعلة وصناع. ومن غباوة المصريين أنهم لم يقدروا أن يتحدوا على عمل ما ولم يشعروا بأنهم يحتاج بعضهم إلى بعض فيحتاج الرؤساء إلى الفعلة والفعلة إلى الرؤساء.

16 «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ تَكُونُ مِصْرُ كَٱلنِّسَاءِ، فَتَرْتَعِدُ وَتَرْجُفُ مِنْ هَزَّةِ يَدِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ ٱلَّتِي يَهُزُّهَا عَلَيْهَا».

إرميا 51: 30 وناحوم 3: 13 ص 11: 15

فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يوم هجوم الأشوريين.

تَكُونُ مِصْرُ كَٱلنِّسَاءِ لما انكسر اكسركس في سالميس قال صار رجالي نساء.

هَزَّةِ يَدِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ كانت مصائبهم من الرب لكنهم لم يعرفوه.

17 «وَتَكُونُ أَرْضُ يَهُوذَا رُعْباً لِمِصْرَ. كُلُّ مَنْ تَذَكَّرَهَا يَرْتَعِبُ مِنْ أَمَامِ قَضَاءِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ ٱلَّذِي يَقْضِي بِهِ عَلَيْهَا».

كانت يهوذا خاضعة لأشور (2أيام 33: 11) فاضطرت أن تساعدها في محاربة مصر فخاف المصريون منها لأنها قريبة ولأنها بينهم وبين أشور وكانت مركزاً حربياً وعندما سمعوا ذكر يهوذا ذكروا أشور أيضاً.

مِنْ أَمَامِ قَضَاءِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ هذا قول إشعياء فليس هو عبارة عن أفكار المصريين لأنهم لم يفهموا أن المصائب من الرب وما أشور إلا آلة في يده.

18 «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يَكُونُ فِي أَرْضِ مِصْرَ خَمْسُ مُدُنٍ تَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ كَنْعَانَ وَتَحْلِفُ لِرَبِّ ٱلْجُنُودِ، يُقَالُ لإِحْدَاهَا: مَدِينَةُ ٱلشَّمْسِ».

صفنيا 3: 9 تكوين 41: 45

في هذه الآية بداءة الوعد لمصر.

فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يوم إتمام المواعيد لمصر وهو أولاً يوم امتداد الديانة اليهودية في مصر قبل المسيح وثانياً يوم الكنيسة المسيحية الذي كان إشعياء ينظر إليه دائماً غير أنه لم يبين متى يكون. قال يوسيفوس إنه لما بنى اسكندر اسكندرية أعطى اليهود مكاناً في المدينة وأعطاهم الامتيازات التي أعطاها المكدونيين. فهاجر كثيرون من اليهود إلى مصر. قال فيلو إن عددهم كان في زمانه نحو ألف ألف. وقيل أن مرقس البشير أسس كنيسة مسيحية في اسكندرية وكثر عدد المسيحيين فيها وفي سائر أنحاء مصر.

خَمْسُ مُدُنٍ المراد عدد غير محدود أي مدن لا قليلة ولا كثيرة بل عددها متوسط والإشارة إلى امتداد الديانة الحقيقية في مدن مصر.

لُغَةِ كَنْعَانَ أولاً اللغة العبرانية فإنها امتدت في مصر لما كثر اليهود فيها ولكن اليهود أخذوا بالتدريج يستعملون اللغة اليونانية. وقبل المسيح بنحو 300 سنة تُرجم العهد القديم من العبرانية إلى اليونانية لأن أكثر اليهود لم يفهموا لغتهم القديمة.

وثانياً: لغة كنعان الديانة والمراد بها لغة الصدق والمحبة والاعتدال والطهارة والاحترام المقدس والعبادة والفوائد الروحية لا اللعنات والكذب وكلام السفاهة والهذر (صفنيا 3: 9). والمبشرون بين الوثنيين اليوم يقولون إنه ليس في لغاتهم الوثنية ألفاظ تعبر عن الحقائق الروحية كما يجب ولذلك عندما يتقدم الوثنيون في معرفة الروحيات يضطرون أن يتعلموا ألفاظاً ومعاني جديدة وهذه تكون لهم لغة كنعان. قال أحد المفسرين في أواسط إفريقية إنه شغل سنين في تعليمهم حتى يفهموا معنى كلمة «فداء».

مَدِينَةُ ٱلشَّمْسِ واسمها في اليونانية هيلوبوليس وكانت من أعظم مدن مصر وهي شرقي القاهرة غير بعيدة عنها وكانت مشهورة بعبادة الأوثان. والمعنى أن الدين الحق يمتد إلى أعظم مدن مصر التي اشتهرت بعبادة الأوثان. وفي الحاشية «مدينة الهلاك» فيكون المعنى المدينة المحكوم عليها بالهلاك أي هلاك أصنامها.

19 «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ، وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخُمِهَا».

تكوين 28: 18 وخروج 24: 4 ويشوع 22: 10 و26 و27

إن رئيس الكهنة أونياس التجأ إلى مصر في زمان أنطيوخوس أبيفانس وبنى هيكلاً على رسم الهيكل في أورشليم فمن الطبع أنه كان فيه مذبح. والمذبح كناية عن العبادة والعمود كناية عن الشهادة. ومعنى النبوءة أنه سيكون في بلاد مصر أناس يعبدون الرب ويعترفون بأنه هو الإله الحق وإنه إلههم. يقال في اللغة الإنكليزية إن فلاناً أقام مذبحاً في بيته والمراد بذلك أنه اعتنى بالصلاة البيتية. وكثيراً ما نعبر عن الحقائق المسيحية بعبارات مأخوذة من رسوم اليهود.

20 «فَيَكُونُ عَلاَمَةً وَشَهَادَةً لِرَبِّ ٱلْجُنُودِ فِي أَرْضِ مِصْرَ. لأَنَّهُمْ يَصْرُخُونَ إِلَى ٱلرَّبِّ بِسَبَبِ ٱلْمُضَايِقِينَ، فَيُرْسِلُ لَهُمْ مُخَلِّصاً وَمُحَامِياً وَيُنْقِذُهُمْ».

يشوع 4: 20 و2: 27

مُخَلِّصاً ذهب البعض أن ذلك يشير إلى المسيح وإلى المخلصين من البشر باعتبار كونهم خدم المسيح. ورجّح آخرون أن الإشارة إلى اسكندر الذي خلع نير الفرس عن أعناق اليهود. وفي أيام اسكندر وخلفائه الذين سلكوا مسلكه مع اليهود كان كثيرون من اليهود مستوطنين في مصر ولهم راحة وحرية في أمورهم السياسية والدينية.

21 «فَيُعْرَفُ ٱلرَّبُّ فِي مِصْرَ، وَيَعْرِفُ ٱلْمِصْرِيُّونَ ٱلرَّبَّ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ، وَيُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً وَتَقْدِمَةً، وَيَنْذُرُونَ لِلرَّبِّ نَذْراً وَيُوفُونَ بِهِ».

ملاخي 1: 11

قد تم كل ما قيل في هذه الآية على مصر حقيقة في مدة الدولة البطليموسية وامتد فيها الإنجيل هناك في القرون الأولى بعد المسيح ولا ريب في أنه سيكون لأهل مصر كما سيكون لأهل العالم أجمع نصيب في الدين الإنجيلي في آخر الأيام.

وَيُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً ليس من الضرورة أن يمارس المصريون الدين اليهودي بجميع رسومه بل عبّر النبي عن السجود الحقيقي وخدمة الرب بعبارات معروفة ومستعملة عند الناس في عصره.

وَيُوفُونَ بِهِ يشير إلى الذين يشتركون في العشاء الرباني والذين يقدمون أولادهم للمعمودية والذين يتزوجون وكل الذين يأخذون على أنفسهم وعوداً وعهوداً في أيامنا وفي كل زمان فعليهم أن لا يكتفوا بالنذر بل أن يوفوا به أيضاً.

22 «وَيَضْرِبُ ٱلرَّبُّ مِصْرَ ضَارِباً فَشَافِياً، فَيَرْجِعُونَ إِلَى ٱلرَّبِّ فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ وَيَشْفِيهِمْ».

هذه الآية خلاصة الأصحاح كله. فإن غاية الضربات رجوع المضروبين إلى الله بالتوبة والإيمان لأنه لا يشاء أن يهلك الناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة. كانت مصر مملكة مسيحية من القرن الثالث إلى السابع ولم يزل فيها بعض المسيحيين من الكنائس القديمة.

23 «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ تَكُونُ سِكَّةٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَشُّورَ، فَيَجِيءُ ٱلأَشُّورِيُّونَ إِلَى مِصْرَ، وَٱلْمِصْرِيُّونَ إِلَى أَشُّورَ وَيَعْبُدُ ٱلْمِصْرِيُّونَ مَعَ ٱلأَشُّورِيِّينَ».

ص 11: 16

تَكُونُ سِكَّةٌ ليست سكة حقيقية بل إنه يكون وفق وسلام بين المصريين والأشوريين واتحاد في عبادة الله والمحبة الأخوية التامة.

وَيَعْبُدُ ٱلْمِصْرِيُّونَ مَعَ ٱلأَشُّورِيِّينَ أي أن جميعهم يعبدون الله الحي. دخلت الديانة اليهودية ما بين النهرين لما نُقل إليها الأسباط العشرة (2ملوك 17: 6) وازدادت في مدة سبي يهوذا. وبقي كثيرون من اليهود في بابل بعد رجوع إخوتهم إلى بلادهم. وفي الزمان الذي بين اسكندر والمسيح كان اليهود ثلاثة أقسام الأول الذين في اليهودية والثاني الذين في بابل والثالث الذي في مصر. وكانت الرئاسة الدينية لأورشليم فتفرقت منها الأحكام الدينية إلى بابل ومصر وتقدمت التقدمات من بابل ومصر إلى أورشليم.

24 «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يَكُونُ إِسْرَائِيلُ ثُلُثاً لِمِصْرَ وَلأَشُّورَ، بَرَكَةً فِي ٱلأَرْضِ».

يَكُونُ إِسْرَائِيلُ ثُلُثاً أي أن هذه الأمم الثلاثة وهي مصر وأشور وإسرائيل تكون أمة واحدة ومصر وأشور كناية عن كل الأمم والمعنى أن العالم بأسره سيكون مجتمعاً في وحدة الكنيسة وإن فوائد الدين المسيحي توزع في كل العالم.

بَرَكَةً فِي ٱلأَرْضِ يغلب أن تتحد بعض الممالك لمحاربة ممالك أخرى ولكنه يكون اتحادهما فيما بعد بركة لكل المسكونة ويؤول إلى السلام والبنيان. ونرى في أيامنا شيئاً من ذلك كاتحاد بعض الدول في منع استرقاق العبيد والتجارة بالمسكرات بين البرابرة ومنع لصوص البحر.

25 «بِهَا يُبَارِكُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ قَائِلاً: مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ، وَعَمَلُ يَدَيَّ أَشُّورُ، وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلُ».

مزمور 100: 3 وص 29: 23 وهوشع 2: 23 وأفسس 2: 10

إن الألفاظ «شعبي» و«عمل يديّ» و«ميراثي» المخصصة في الأصل باليهود أُطلقت في هذه النبوءة على الأمم أيضاً. وفي هذه النبوءة تُعتبر مصر وأشور كناية عن العالم الأمي كله أجمع وقد خصصها النبي بالذكر لأنهما كانتا في عصره أعظم الممالك الوثنية.

فوائد للوعاظ

مولى قاس (ع 4) الموالي القساة

  1. العادات الرديئة كشرب المسكر والكلام القبيح والحلف.

  2. عادات الناس التي تظن أننا مضطرون أن نعتبرها.

  3. خرافات وأباطيل الأديان الفاسدة.

قضاء رب الجنود (ع 17) الإنسان في يد الله

  1. من جهة جسده. لأن الله هو الذي يرسل المطر ويمنعه. وسنو الشبع وسنو الجوع والطعام والكسوة والصحة والحياة منه.

  2. من جهة العقل. الله يعمل في عقول الناس كما يريد فيعطي المشورة ويفنيها.

  3. من جهة النفس. إن الله يجدد القلوب ويغفر الخطايا ويعطي النعمة.

غير أن هذا التعليم لا ينفي مسؤولية الإنسان. ولنا فيه تعزية لأن مقاصد الله هي للخلاص.

ضارباً فشافياً (ع 22) تأديب الرب

  1. الإنسان يحتاج إلى التأديب وتأديب الرب ناتج عن محبته الأبوية.

  2. للتأديب نهاية وبعد التأديب الشفاء. والشفاء بمقدار الضربات فما أعظم مصائب مصر المذكورة في هذا الأصحاح ولكن لها مكافأة إذ سماها الله «شعبي».

  3. الضارب والشافي واحد والكل واحد والقصد واحد.

ثلثاً لمصر ولأشور (ع 24) غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله

  1. إن الأمم يطلبون الاتحاد بشعب الله وذلك حسب الظاهر مستحيل أي أن مصر وأشور تطلبان الاتحاد بإسرائيل وبعضها ببعض.

  2. إن شعب الله يقبل انضمام الأمم إليه ويطلبه أيضاً.

  3. إن الله يطلب خلاص كل بشر حتى البرابرة والمتوحشين وهذا فوق إدراكنا.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْعِشْرُونَ

مضمونه:

في هذا الأصحاح رمز إلى خضوع مصر لملك أشور يدل على ضعف المصريين وسقوطهم وتنبيه لليهود على أن مصر ليست قادرة على إعانتهم على أعدائهم. وقد مثّل إشعياء ذلك بأمر الرب بحلّ المسيح عن حقويه وخلع حذائه عن رجليه ومشيه معرّى وحافياً ثلاث سنين. والمقصود في هذا العمل بيان كون ملك أشور سيسوق أسرى مصر وكوش هكذا وذلك مما يقطع رجاء اليهود من طلب المساعدة منهم.

1 «فِي سَنَةِ مَجِيءِ تَرْتَانَ إِلَى أَشْدُودَ، حِينَ أَرْسَلَهُ سَرْجُونُ مَلِكُ أَشُّورَ فَحَارَبَ أَشْدُودَ وَأَخَذَهَا».

2ملوك 18: 17

تَرْتَانَ الأرجح أن هذا اسم نكرة يُطلق على رئيس الجيش وهو ثاني الملك.

أَشْدُودَ إحدى عواصم الفلسطينيين الخمس وكان فيها هيكل داجون وأُخذ التابوت إليها (1صموئيل ص 5) وهي على شاطئ البحر وعلى طريق مصر وكانت مشهورة بقوتها كما يُستنتج من اسمها أشدود أي شديدة وقيل أنها احتملت حصار 29 سنة من أبسامتيخوس ملك مصر وكان ملك أشور قد أخذها قبل الحادثة المذكورة في هذا الأصحاح وكانت عصته فأرسل قائد جيشه لإخضاعها ثانية.

سَرْجُونُ خليفة شلمناسر وأبو سنحاريب. ولم يُذكر في الكتاب المقدس إلا هذه المرة. وظن بعض المفسرين أنه شلمناسر وبعضهم أنه سنحاريب ولكن عُرف من كتابات أشورية اكتُشفت حديثاً نبأه بالتفصيل وهو أنه كان أحد قواد الجيش وعصى ملكه شلمناسر وهو يحاصر مدينة السامرة. والظاهر أن الملك الذي حاصر السامرة (2ملوك 17: 5) هو شلمناسر وأما الملك الذي أخذها (2ملوك 17: 6) فهو سرجون. وكان سرجون ملكاً مقتدراً في الحرب وهو الملك الذي حارب مصر وآسيا الصغرى ومادي وفارس واستولى على مدينة بابل.

2 «فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ قَالَ ٱلرَّبُّ عَنْ يَدِ إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ: اِذْهَبْ وَحُلَّ ٱلْمِسْحَ عَنْ حَقَوَيْكَ وَٱخْلَعْ حِذَاءَكَ عَنْ رِجْلَيْكَ. فَفَعَلَ هٰكَذَا وَمَشَى مُعَرًّى وَحَافِياً».

زكريا 13: 4 و1صموئيل 19: 24 وميخا 1: 8 و11

ٱلْمِسْحَ لباس إشعياء المعتاد وهو ثوب خشن من شعر وربما كان ذلك لباس الأنبياء وعلامة رتبتهم.

فَفَعَلَ هٰكَذَا وما كان أصعب على إشعياء وقد اعتاد معاشرة الملوك والعظماء أن يمشي هكذا في مدينة أورشليم كأنه مستعط أو أسير ففعله يدل على إيمانه وكمال طاعته للرب.

3 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ: كَمَا مَشَى عَبْدِي إِشَعْيَاءُ مُعَرًّى وَحَافِياً ثَلاَثَ سِنِينٍ، آيَةً وَأُعْجُوبَةً عَلَى مِصْرَ وَعَلَى كُوشَ».

ص 8: 18

عَبْدِي إِشَعْيَاءُ كان هذا اللقب لبعض الأفاضل القدماء كإبراهيم وموسى وكالب وأيوب وألياقيم وزربابل وأعظم شرف لإنسان هو أن يخدم الرب خدمة يقبلها الرب ويعترف بها كأنها نفعته ومجدته.

مُعَرًّى لا يستلزم هذا أنه كان بلا ستر فالمعنى أنه خلع ثوبه وحذاءه ولم يزل لابساً ما يستره.

ثَلاَثَ سِنِينٍ من تاريخ قول الرب له عند مجيء الأشوريين الأول إلى مجيء ترتان المذكور في هذا الأصحاح. وبعضهم فهم من ذلك أن النبي مشى معرّى مرة فقط وكان ذلك آية وأعجوبة مدة ثلاث سنين.

آيَةً الآية تؤثر في الناس أكثر من مجرد الكلام.

مِصْرَ... كُوشَ كانت كوش في تاريخ هذه النبوءة متسلطة في الجهات الجنوبية من أراضي النيل ولها سلطة أيضاً في الجهات الشمالية لعدم اتفاق بعض المصريين ببعض.

4 «هٰكَذَا يَسُوقُ مَلِكُ أَشُّورَ سَبْيَ مِصْرَ وَجَلاَءَ كُوشَ، ٱلْفِتْيَانَ وَٱلشُّيُوخَ، عُرَاةً وَحُفَاةً وَمَكْشُوفِي ٱلأَسْتَاهِ خِزْياً لِمِصْرَ».

2صموئيل 10: 4 وص 3: 17 وإرميا 13: 22 و26 وميخا 1: 11

إن المصريين والفلسطينيين كانوا متحدين في محاربة أشور وسقوط مدينة الفلسطينيين القوية يُعتبر كسقوط مصر وكوش. وبعد ما أخذ سرجون أشدود باع أهلها عبيداً. ولا ريب في أنه كان بين عساكرها أناس من مصر وكوش ولم يُعرف أن الأشوريين افتتحوا مصر حتى حاربها آسرحدون بن سنحاريب فكان ذلك إتماماً للنبوءة.

ٱلْفِتْيَانَ وَٱلشُّيُوخَ كل من ينظر الكتابات والصور الأشورية يعلم كثرة الأسرى من الفتيان والشيوخ والنساء. والأسرى في هذه الصور عُراة أي ليس عليهم سوى الأقمصة.

5 «فَيَرْتَاعُونَ وَيَخْجَلُونَ مِنْ أَجْلِ كُوشَ رَجَائِهِمْ وَمِنْ أَجْلِ مِصْرَ فَخْرِهِمْ».

2ملوك 18: 21 وص 30: 3 و5 و7 و36: 6

فَيَرْتَاعُونَ أي يرتاع الذين التجأوا إلى مصر وكوش وعلة ارتياعهم أنهم وقعوا هم أيضاً في يد ملك أشور وخجلوا لأنهم اتكلوا على من لا يقدر أن يساعدهم.

6 «وَيَقُولُ سَاكِنُ هٰذَا ٱلسَّاحِلِ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ: هُوَذَا هٰكَذَا مَلْجَأُنَا ٱلَّذِي هَرَبْنَا إِلَيْهِ لِلْمَعُونَةِ لِنَنْجُو مِنْ مَلِكِ أَشُّورَ، فَكَيْفَ نَسْلَمُ نَحْنُ؟».

إرميا 47: 4

سَاكِنُ هٰذَا ٱلسَّاحِلِ أي ساحل الفلسطينيين لأن الكلام السابق كان في مدينة أشدود غير أن لفظة «ساكن الساحل» تعم أهل أرض الفلسطينيين كلها وتشمل اليهود والأدوميين والموآبيين لأنهم كلهم ارتاعوا وخجلوا لما سقطت أشدود.

فوائد للوعاظ

ففعل هكذا (ع 2) الطاعة

أولاً: إنه كثيراً ما يأمرنا الرب بما نستصعب فعله وأمثلة ذلك:

  1. مقاومة الذين نعتبرهم ونخاف منهم.

  2. احتمال مشقات وأتعاب.

  3. احتمال الضحك والتعييرات.

ثانياً: إنه علينا مع ذلك أن نطيع بلا اعتراض لأسباب:

  1. إن لله حقاً أن يأمرنا بما يريد.

  2. إنه مهما طلب المسيح منا من الخدمة الصعبة فذلك أقل مما احتمله هو لأجلنا.

  3. إن كل ما يأمرنا الرب به هو للخير وبالحكمة وإن كنا في الوقت الحاضر لا نقدر أن نفهمه.

فكيف نسلم نحن (ع 6) لا يقدر بنو البشر أن يخلصوا من الأمور الآتية:

  1. الضيقات الزمنية. فبنو إسرائيل لم يقدروا أن يخلّصوا أنفسهم لما خرجوا من مصر وصاروا بين البحر وبين المصريين. والملك حزقيا لم يقدر أن يخلص نفسه من سنحاريب. وبطرس لم يقدر أن يخلص نفسه من السجن (أعمال 12).

  2. تسلط الخطية. قال بولس (رومية 7: 24) «مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هٰذَا ٱلْمَوْتِ».

  3. عواقب الخطية الأبدية. ففي (رؤيا 6: 17) «قَدْ جَاءَ يَوْمُ غَضَبِهِ ٱلْعَظِيمُ. وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ٱلْوُقُوفَ».

وجواب هذا السؤال إننا لا نقدر أن نخلص نظراً إلى أنفسنا أو إلى بني البشر فعلينا أن نلتجئ إلى الرب فهو يخلّصنا.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرُونَ

مضمونه:

  1. نبوءة بإخراب الماديين والفرس لبابل (ع 1 - 10).

  2. نبوءة على أدوم (ع 11 و12).

  3. نبوءة على بلاد العرب (ع 13 - 17).

وتمتاز هذه النبوءات

  1. بالاختصار والإبهام كأنها ألغاز.

  2. بأنها كلها رؤى.

  3. بأن النبي أظهر شيئاً من المؤاساة للمصابين أي مشاركته لهم في حزنهم وخوفهم.

1 «وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بَرِّيَّةِ ٱلْبَحْرِ: كَزَوَابِعَ فِي ٱلْجَنُوبِ عَاصِفَةٍ، يَأْتِي مِنَ ٱلْبَرِّيَّةِ مِنْ أَرْضٍ مَخُوفَةٍ».

زكريا 9: 14

بَرِّيَّةِ ٱلْبَحْرِ اسم لغزي لبابل معناه على الأرجح أن سهل بابل سيرجع إلى ما كان عليه قبل بنائها فيه. وقيل أنها لُقبت بهذا الاسم لأنها كانت مبنية في سهل متسع يقطعه الفرات وفيه كثير من المستنقعات والغدران فكاد يخيل للناظر أن المدينة طافية على وجه بحر والمراد «بالبحر» هنا نهر الفرات.

كَزَوَابِعَ فِي ٱلْجَنُوبِ أتى الماديون والفرس من الشمال والشرق فكان هجومهم مثل الزوابع العاصفة نظراً إلى القوة لا إلى الجهة لأن الزوابع في الجنوب كانت ممتازة بالقوة.

مِنَ ٱلْبَرِّيَّةِ مِنْ أَرْضٍ مَخُوفَةٍ بلاد مادي وفارس وهي برية وسكانها قليلون ومدنها صغيرة بالنسبة إلى بابل ومخوفة لأن خراب بابل منها.

2 «قَدْ أُعْلِنَتْ لِي رُؤْيَا قَاسِيَةٌ. ٱلنَّاهِبُ نَاهِباً وَٱلْمُخْرِبُ مُخْرِباً. اِصْعَدِي يَا عِيلاَمُ. حَاصِرِي يَا مَادِي. قَدْ أَبْطَلْتُ كُلَّ أَنِينِهَا».

ص 23: 1 ص 13: 17 وإرميا 49: 34

رُؤْيَا قَاسِيَةٌ ليلية شديدة تحلّ على بابل.

ٱلنَّاهِبُ هذا الكلام المختصر لا يوضح من هو الناهب تمام الإيضاح فظن البعض أنه أهل بابل والأرجح أنه كورش الذي أخذ بابل والمعنى أن النهب يكون مخيفاً والخراب تاماً.

عِيلاَمُ اسم بلاد جنوبي أشور وغربي فارس امتدت إلى خليج العجم وكان ملكها في أيام إبراهيم كدرلعومر (تكوين 14: 1) وملك كورش أولاً عيلام ثم مملكة مادي وفارس فانضمت عيلام إليهما وكان ذلك قبلما استظهر على بابل بنحو إحدى عشرة سنة وقد يراد بعيلام بلاد فارس.

قَدْ أَبْطَلْتُ كُلَّ أَنِينِهَا الرب المتكلم والأنين ما كانت سببه بابل لظلمها.

3 «لِذٰلِكَ ٱمْتَلأَتْ حَقَوَايَ وَجَعاً، وَأَخَذَنِي مَخَاضٌ كَمَخَاضِ ٱلْوَالِدَةِ. تَلَوَّيْتُ حَتَّى لاَ أَسْمَعُ. اَنْدَهَشْتُ حَتَّى لاَ أَنْظُرُ».

ص 15: 5 و16: 11 ص 13: 8

عبّر النبي عن انفعالاته كمؤاس للبابليين أي كأنه شريك لهم في الرعب والحيرة. انظر كلامه على موآب (ص 15: 5 و16: 11). وحزن لأنه كان ناظراً بالرؤيا بلية بابل. ونظر في وقت آخر (ص 35) إلى شعب الله وعبّر عن فرحهم بسقوط بابل وإطلاقهم من العبودية ورجوعهم إلى بلادهم.

4 «تَاهَ قَلْبِي. بَغَتَنِي رُعْبٌ. لَيْلَةُ لَذَّتِي جَعَلَهَا لِي رَعْدَةً».

تثنية 28: 67

لَيْلَةُ لَذَّتِي (أيوب 4: 13 و14) يغلب أن الليل يكون وقت الراحة والانفراد والتأمل في الروحيات ولكن الرب جعل هذه الليلة له رعدة إذ آراه فيها تلك الرؤيا المخيفة. والبعض يجدون في العبارة «ليلة لذتي» إشارة إلى الليلة التي فيها سقطت بابل فالنبي يصوّر نفسه في بابل وكأحد البابليين الآكلين والشاربين في الوليمة المذكورة في (دانيال ص 5).

5 «يُرَتِّبُونَ ٱلْمَائِدَةَ، يَحْرُسُونَ ٱلْحِرَاسَةَ، يَأْكُلُونَ. يَشْرَبُونَ قُومُوا أَيُّهَا ٱلرُّؤَسَاءُ ٱمْسَحُوا ٱلْمِجَنَّ!».

دانيال 5: 5 و2صموئيل 1: 21

يُرَتِّبُونَ ٱلْمَائِدَةَ رأى النبي في الرؤيا البابليين يعدون موائد الوليمة فأقاموا الحرّاس كالعادة وسلّموا أنفسهم للسكر والخلاعة. قيل أنه لما دخل عساكر كورش المدينة تظاهروا بأنهم بابليون وتقلدوا أصوات السكارى وهكذا خدعوا الحراس والملك أيضاً فإنه لما سمع الضجيج ظن أنه من شعبه وأمر بفتح الأبواب.

ٱمْسَحُوا ٱلْمِجَنَّ كان المجن في القديم من جلد ممدود على إطار من الخشب أو النحاس علوه نحو نصف قامة وعرضه نصف علّوه ومسحه بالزيت مما يحفظه ويجعله في وقت الحرب يحوّل سهام العدو.

6 «لأَنَّهُ هٰكَذَا قَالَ لِي ٱلسَّيِّدُ: ٱذْهَبْ أَقِمِ ٱلْحَارِسَ لِيُخْبِرْ بِمَا يَرَى».

أمر الرب النبي أن يقيم حارساً ليخبر بما يرى فأنبأ الحارس بما رأى. ولا نفهم أنه أقام حارساً حقيقياً بل إنه عمل ذلك كله في رؤيا. ويظهر من إقامة حارس أن تتميم النبوءة يكون بعد وقت طويل.

7 «فَرَأَى رُكَّاباً أَزْوَاجَ فُرْسَانٍ. رُكَّابَ حَمِيرٍ. رُكَّابَ جِمَالٍ. فَأَصْغَى إِصْغَاءً شَدِيداً».

ع 9

رُكَّاباً أَزْوَاجَ فُرْسَانٍ رأى أناساً راكبين خيلاً اثنين اثنين وهم الماديون والفرس أي ملكتين متحدتين. ثم رأى أناساً راكبين حميراً وأناساً راكبين جمالاً وهم خدام الجيش والحمير والجمال لنقل الأمتعة. والجيش قادم على بابل.

فَأَصْغَى إِصْغَاءً شَدِيداً اختفى الجيش عن النظر لأنهم كانوا وصلوا إلى بابل ودخلوا أبوابها فالحارس أصغى إصغاء شديداً لأنه كان منتظراً حدوث أمر مهم وفي ظلمة الليل لم ير شيئاً.

8 «ثُمَّ صَرَخَ كَأَسَدٍ: أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ، أَنَا قَائِمٌ عَلَى ٱلْمَرْصَدِ دَائِماً فِي ٱلنَّهَارِ، وَأَنَا وَاقِفٌ عَلَى ٱلْمَحْرَسِ كُلَّ ٱللَّيَالِي».

حبقوق 2: 1

صَرَخَ كَأَسَدٍ بصوت عال دالاً على هياج انفعالاته لأنه قام على محرسه زماناً طويلاً نهاراً وليلاً ولم ير شيئاً فلم يقدر أن يضبط نفسه بعد.

أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ يكلم النبي وقال بعضهم إنه يكلم الرب.

9 «وَهُوَذَا رُكَّابٌ مِنَ ٱلرِّجَالِ. أَزْوَاجٌ مِنَ ٱلْفُرْسَانِ. فَأَجَابَ: سَقَطَتْ سَقَطَتْ بَابِلُ، وَجَمِيعُ تَمَاثِيلِ آلِهَتِهَا ٱلْمَنْحُوتَةِ كَسَّرَهَا إِلَى ٱلأَرْضِ».

إرميا 51: 8 ورؤيا 14: 8 و18: 2 ص 46: 1 وإرميا 50: 2 و51: 44

هُوَذَا رُكَّابٌ رأى ذلك الجيش الذي قدم على بابل راجعاً منها.

فَأَجَابَ كأن الحارس توقف قليلاً في كلامه للنبي حتى يستخبر عما عمله الجيش ثم كمّل كلامه للنبي وقال «سقطت بابل».

كَسَّرَهَا إِلَى ٱلأَرْضِ قيل أن كورش لم يكسر تماثيل بابل ولكنها انكسرت بمعنى أن سلطتها سقطت إذ لم تقدر أن تخلص عبدتها. واستعمل يوحنا في رؤياه (ص 14: 8 و18: 2) هذه الألفاظ عينها «سقطت سقطت بابل» لأن بابل القديمة كناية عن كل قوة عالمية تقاوم شعب الله وسقوطها في القديم كان رمزاً إلى سقوط كل قوة تشبهها.

10 «يَا دِيَاسَتِي وَبَنِي بَيْدَرِي. مَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَبِّ ٱلْجُنُودِ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ».

إرميا 51: 33

البيدر للرب وشعبه دياسته وبنو بيدره فنقّى شعبه بالمصائب وكل ما أصابهم كان بعلمه وإرادته وكانت الغاية تطهيرهم وخلاصهم. وقد أنذر النبي شعبه بسبي بابل قبل حدوثه بزمان طويل ووعدهم بالنجاة منه.

11، 12 «11 وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ دُومَةَ: صَرَخَ إِلَيَّ صَارِخٌ مِنْ سَعِيرَ: يَا حَارِسُ، مَا مِنَ ٱللَّيْلِ؟ يَا حَارِسُ، مَا مِنَ ٱللَّيْلِ؟ 12 قَالَ ٱلْحَارِسُ: أَتَى صَبَاحٌ وَأَيْضاً لَيْلٌ. إِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَ فَٱطْلُبُوا. ٱرْجِعُوا تَعَالَوْا».

1أيام 1: 30 وإرميا 49: 7 و8 وحزقيال 35: 2 وعوبديا 1

نبوءة على أدوم وربما بُدلت لفظة أدوم بلفظة دومة:

(1) لأن النبي لم يقصد كلاماً واضحاً بل كلاماً مبهماً على سبيل اللغز. (2) لأن معنى لفظة دومة «السكوت» فهي لذلك تشير إلى الدمار الكامل أي إلى مصير أدوم قفراً بلا سكان.

صَرَخَ إِلَيَّ سمع النبي في الرؤيا أدومياً صارخاً إليه.

سَعِيرَ جبال ممتدة من جنوبي البحر الميت إلى الخليج الشرقي من البحر الأحمر.

يَا حَارِسُ الأدومي يخاطب النبي.

مَا مِنَ ٱللَّيْلِ يحتمل معنيين (1) كم مرّ من الليل لأن الليل أي ليل الضيقات ظهر لهم طويلاً لكثرة أتعابهم فاشتاقوا إلى الصباح. (2) ماذا حدث في هذا الليل وما عندك من الأخبار.

أَتَى صَبَاحٌ وَأَيْضاً لَيْلٌ هذا جواب النبي وهو يحتمل تفسيرين. (1) صباح لشعب الله وليل للأدوميين. (2) صباح للأدوميين يليه ليل أي راحة وقتية وجزئية وبعدها رجوع المصائب والضيقات. قال سرجون في الكتابات الأشورية أنه أخضع أدوم وبلاد العرب لأن أدوم كانت مشاركة لأشدود في العصيان على سرجون (ص 20) فكان ذلك ليل الضيق. ثم في أول ملك سنحاريب بن سرجون استراحت أدوم فإنها كانت خاضعة لأشور وتحت جزية معتدلة وهذا صباح الفرج. ثم في آخر ملك سنحاريب هجم الأشوريون على أدوم ونهبوها وهذا ليل بعد الصباح.

إِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَ هذا الكلام مختصر ومبهم إلى الغاية وله تفسيران (1) إن لا رجاء للأدوميين وإنهم إن طلبوا لم يُستجب لهم وإن رجعوا لم ينتفعوا.

(2) إن النبي يعدهم بأن الرب يستجيب لهم إذا طلبوه كما يجب أي «إذا كنتم تطلبون فاطلبوا بالإيمان والتوبة والخضوع. ارجعوا عن خطاياكم وتعالوا إلى الرب». وطلب الأدوميين كطلب أناس خالين من الحياة الروحية ومحبين العالم فيطلبون تفسير الأمور ولا سيما تفسير الأمور المبهمة والمستقبلة غير أنهم لا يقصدون إصلاح سلوكهم ولا تتميم واجباتهم. ولا يخفى أن الحارس في هذا الأصحاح أولاً غير النبي (ع 6) ثم هو النبي (ع 11 و12).

نبوءة على بلاد العرب ع 13 إلى 17 وهي الجزء الشمالي الغربي من شبه جزيرة العرب

13 - 16 «13 وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بِلاَدِ ٱلْعَرَبِ: فِي ٱلْوَعْرِ فِي بِلاَدِ ٱلْعَرَبِ تَبِيتِينَ يَا قَوَافِلَ ٱلدَّدَانِيِّينَ. 14 هَاتُوا مَاءً لِمُلاَقَاةِ ٱلْعَطْشَانِ يَا سُكَّانَ أَرْضِ تَيْمَاءَ. وَافُوا ٱلْهَارِبَ بِخُبْزِهِ. 15 فَإِنَّهُمْ مِنْ أَمَامِ ٱلسُّيُوفِ قَدْ هَرَبُوا. مِنْ أَمَامِ ٱلسَّيْفِ ٱلْمَسْلُولِ وَمِنْ أَمَامِ ٱلْقَوْسِ ٱلْمَشْدُودَةِ وَمِنْ أَمَامِ شِدَّةِ ٱلْحَرْبِ. 16 فَإِنَّهُ هٰكَذَا قَالَ لِي ٱلسَّيِّدُ: فِي مُدَّةِ سَنَةٍ كَسَنَةِ ٱلأَجِيرِ يَفْنَى كُلُّ مَجْدِ قِيدَارَ 17 وَبَقِيَّةُ عَدَدِ قِسِيِّ أَبْطَالِ بَنِي قِيدَارَ تَقِلُّ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ قَدْ تَكَلَّمَ».

إرميا 49: 28 تكوين 25: 3 و1أيام 1: 9 و32 أيوب 6: 19 ص 16: 14 تكوين 25: 13 ومزمور 120: 5 وص 60: 7

ٱلدَّدَانِيِّينَ قبيلة من العرب ساكنة على شاطئ خليج العجم ومشهورة بتجارتها مع البلدان غربي بلاد العرب (حزقيال 27: 15) يقول النبي إنهم يلتزمون أن يبيتوا في الوعر لأجل الأمان غير أنهم أصبحوا في الوعر بلا ماء ولا خبز.

تَيْمَاءَ اسم قبيلة من العرب واسم وطنها أيضاً في بلاد العرب على حدود سورية وهي في أيامنا على طريق الحاج من الشام. فالنبي يحرضهم على ملاقاة الددانيين بالماء والخبز لأن القوافل تركت السكة لسبب الغزاة المسلحين.

سَنَةِ ٱلأَجِيرِ سنة بلا زيادة.

قِيدَارَ اسم أشهر قبيلة من قبائل العرب ولذلك ذُكرت بالنيابة عن الكل والأرجح أن النبوءة تمت بهجوم سرجون على بلاد العرب بعد تاريخ هذه النبوءة بسنة.

قِسِيِّ... قِيدَارَ كانت القسي السلاح الذي اعتمده بنو قيدار.

فوائد للوعاظ

سقطت بابل (ع 9)

  1. أسباب سقوطها. الكبرياء والسكر والظلم والاتكال على الأصنام.

  2. واسطة سقوطها. أمة غير معروفة من قبل وعلى طريقة غير منتظرة أي طريق النهر وفي وقت غير منتظر. ولله وسائط لا يعرفها الأشرار فهم بيده وإن ظنوا أنهم مطمئون.

  3. بابل الروحية. هي العالم ولذاته والأديان الفاسدة الخ وجميعها ستسقط فتقوم مدينة الله وحدها.

بيدر الرب (ع 10)

  1. يؤدب الله شعبه فينقيهم من خطاياهم كما ينقي الفلاح القمح من التبن ولهم قيمة عند الرب كما للقمح قيمة عند الفلاح ولذلك ينقيه.

  2. يستخدم الله الأشرار لتأديب شعبه كما يستخدم الفلاح البهائم في البيدر.

  3. أعلن الله لشعبه شيئاً من مقاصده في تأديبهم فلا يفنى إيمانهم.

يا حارس ما من الليل (ع 11)

  1. إن حالة العالم في الوقت الحاضر كالليل نظراً إلى تسلط الخطية والجهل على أكثر بني البشر.

  2. إنه لا بد من صباح بعد هذا الليل ولا بد من انتشار الإنجيل في كل المسكونة.

  3. إنه على كل مؤمن أن يطلب الصباح ويسأل عن كل ما يدل على إتيانه ويكون مع الذين يحملون النور إلى الأماكن المظلمة.

  4. إن صباح الإنجيل لا يليه ليل.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلْعِشْرُونَ

مضمونه:

ينقسم هذا الأصحاح إلى قسمين:

(1) نبوءة على أورشليم لعدم انتباه أهلها للمخاطر المحيطة بهم في وقت حصار سنحاريب للمدينة فإنهم سلموا أنفسهم للسكر وفرحوا فرح الجهال (ع 1 - 14).

(2) تهديد شبنا جليس الملك ونبوءة بتعيين ألياقيم عوضاً عنه (ع 15 - 25).

جاء في 2ملوك 18: 13 - 16 أن سنحاريب أخذ جميع مدن يهوذا الحصينة وقيل في التواريخ الأشورية أنه كان عدد ما أخذه من المدن 46 وإن سنحاريب «أغلق على الملك حزقيا كعصفور في قفص» وحزقيا دفع له جميع الفضة التي في بيت الرب وفي خزائن بيت الملك. قال سنحاريب أنه أخذ ثلاثين وزنة من الذهب وثماني مئة وزنة من الفضة وحجارة كريمة وأسرّة من العاج وبنات الملك وخصيانه ومغنين ومغنيات. أخذ سنحاريب المال وظنّ أهل أورشليم أنهم خلصوا منه وفرحوا غير أن فرحهم لم يكن في محله إذ أرسل بعد ذلك ترتان أي رئيس الجيش ومعه جيش عظيم إلى أورشليم.

1 «وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ وَادِي ٱلرُّؤْيَا: فَمَا لَكِ أَنَّكِ صَعِدْتِ جَمِيعاً عَلَى ٱلسُّطُوحِ».

وَادِي ٱلرُّؤْيَا (انظر مزمور 125: 2) «أورشليم الجبال حولها» قيل إنه ربما كان إشعياء واقفاً على سطح بيته والبيت في قسم من المدينة أخفض من غيره. وسمي الوادي «بوادي الرؤيا» لوجود أنبياء فيه رأوا رؤى. وإشعياء باستعماله هذا الاسم ذكر أهل أورشليم بامتيازاتهم الروحية وإنه يجب عليهم أن يفهموا ويؤمنوا ولا يكونوا كالجهال.

صَعِدْتِ جَمِيعاً عَلَى ٱلسُّطُوحِ يظهر من هذا الكلام أن أهل أورشليم كانوا فرحين كفرح يوم عيد وكانوا كثيرين على السطوح وفي الأسواق وكانت أصوات الناس كعجيج البحر وربما كان سبب هذا الفرح دفعهم المال لسنحاريب وزعمهم أنه ترك أورشليم فزال كل خطر عنها. وأما النبي فلم يشاركهم في هذا الفرح للأسباب الآتية:

  1. إنهم لم يرجعوا إلى الرب بتوبة حقيقية وكان فرحهم في اللذات الجسدية.

  2. إنهم خلصوا من سنحاريب على طريقة غير شريفة أي بدفع المال.

  3. إن ذلك الخطر لم يزل فيقول للمدينة على سبيل اللوم فما لك صعدت الخ.

2، 3 «2 يَا مَلآنَةُ مِنَ ٱلْجَلَبَةِ، ٱلْمَدِينَةُ ٱلْعَجَّاجَةُ ٱلْقَرْيَةُ ٱلْمُفْتَخِرَةُ؟ قَتْلاَكِ لَيْسَ هُمْ قَتْلَى ٱلسَّيْفِ وَلاَ مَوْتَى ٱلْحَرْبِ. 3 جَمِيعُ رُؤَسَائِكِ هَرَبُوا مَعاً. أُسِرُوا بِٱلْقِسِيِّ. كُلُّ ٱلْمَوْجُودِينَ بِكِ أُسِرُوا مَعاً. مِنْ بَعِيدٍ فَرُّوا».

ص 32: 13

قَتْلاَكِ لَيْسَ هُمْ قَتْلَى ٱلسَّيْفِ الخ لم يموتوا في الحرب كجنديين صالحين بل منهم أناس هربوا وأناس سقطوا وهم هاربون وبعضهم أسروا وغيرهم ماتوا من السكر وقتل بعضهم بعضاً فلم يبق منهم شجاع ولا أمين.

4 «لِذٰلِكَ قُلْتُ: ٱقْتَصِرُوا عَنِّي فَأَبْكِي بِمَرَارَةٍ. لاَ تُلِحُّوا بِتَعْزِيَتِي عَنْ خَرَابِ بِنْتِ شَعْبِي».

إرميا 4: 19 و9: 1

لم يبك إشعياء خوفاً من الأشوريين ولا من عدم إيمانه بالله إنما بكى كما بكى يسوع على أورشليم لعدم إيمانها مع أنه استُعملت فيها وسائط لم تُستعمل في شعب آخر فكان سبب حزنه ما كان فيها وليس ما كان عليها من الخارج.

بِنْتِ شَعْبِي أي مدينة أورشليم وسُميت بهذا الاسم كثيراً في إرميا ولكنها لم تسمّ به في إشعياء إلا هذه المرة.

5 - 7 «5 إِنَّ لِلسَّيِّدِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ فِي وَادِي ٱلرُّؤْيَا يَوْمَ شَغَبٍ وَدَوْسٍ وَٱرْتِبَاكٍ. نَقْبُ سُورٍ وَصُرَاخٌ إِلَى ٱلْجَبَلِ، 6 فَعِيلاَمُ قَدْ حَمَلَتِ ٱلْجُعْبَةَ بِمَرْكَبَاتِ رِجَالٍ فُرْسَانٍ. وَقِيرُ قَدْ كَشَفَتِ ٱلْمِجَنَّ. 7 فَتَكُونُ أَفْضَلُ أَوْدِيَتِكِ مَلآنَةً مَرْكَبَاتٍ، وَٱلْفُرْسَانُ تَصْطَفُّ ٱصْطِفَافاً نَحْوَ ٱلْبَابِ».

ص 37: 3 ومراثي 1: 5 و2: 2 إرميا 49: 35 ص 15: 1

نبوءة برجوع سنحاريب والنبي يصف هنا اضطراب أهل أورشليم ومنظر جيوش الأشوريين مصطفة حول المدينة وعند أبوابها ويستعمل صيغة الماضي وإن كانت الحوادث مستقبلة لأنه رأها في الرؤيا كأنها حدثت.

إِنَّ لِلسَّيِّدِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ هذا الضيق من الرب ولكنه اتخذ الأشوريين آلة لتأديب شعبه.

لِلسَّيِّدِ... يَوْمَ أي الخراب المذكور مقرر ويوم حدوثه معيّن فلا بد من مجيئه.

صُرَاخٌ إِلَى ٱلْجَبَلِ عويل شديد جداً حتى يُسمع الصوت في الجبال حول أورشليم.

عِيلاَمُ (انظر ص 21: 2).

قِيرُ ذُكرت في (2ملوك 16: 9) ففيه أن ملك أشور سبى آهل دمشق إلى قير. وقال عاموس في (ص 9: 7) إن الآراميين من قير وموقعها غير معروف.

قَدْ كَشَفَتِ ٱلْمِجَنَّ أي كشفت الغطاء عن المجن وهو ما يستره وقت السفر أو في وقت السلم وكشف المجن علامة الاستعداد للحرب.

فَتَكُونُ (ع 7) انتقل النبي إلى صيغة المستقبل ولكن زمان الحوادث المذكورة في هذه الآية والمذكورة في الآية السابقة زمان واحد.

أَفْضَلُ أَوْدِيَتِكِ رأى النبي في الرؤيا الأودية المخصبة ذات كروم وزيتون ومزروعات مدوسة وخربة من المركبات والخيل وعساكر الأشوريين.

نَحْوَ ٱلْبَابِ فلا يدخل ولا يخرج أحد وكان الأشوريون قريبين من المدينة حتى كلموا اليهود على السور (ص 36: 12).

8 - 11 «8 وَيَكْشِفُ سِتْرَ يَهُوذَا فَتَنْظُرُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ إِلَى أَسْلِحَةِ بَيْتِ ٱلْوَعْرِ. 9 وَرَأَيْتُمْ شُقُوقَ مَدِينَةِ دَاوُدَ أَنَّهَا صَارَتْ كَثِيرَةً وَجَمَعْتُمْ مِيَاهَ ٱلْبِرْكَةِ ٱلسُّفْلَى. 10 وَعَدَدْتُمْ بُيُوتَ أُورُشَلِيمَ وَهَدَمْتُمُ ٱلْبُيُوتَ لِتَحْصِينِ ٱلسُّورِ. 11 وَصَنَعْتُمْ خَنْدَقاً بَيْنَ ٱلسُّورَيْنِ لِمِيَاهِ ٱلْبِرْكَةِ ٱلْعَتِيقَةِ. لٰكِنْ لَمْ تَنْظُرُوا إِلَى صَانِعِهِ، وَلَمْ تَرَوْا مُصَوِّرَهُ مِنْ قَدِيمٍ».

1ملوك 7: 2 و10: 17 و2ملوك 20: 20 و2أيام 32: 4 و5 و30 نحميا 3: 16 ص 37: 26

ذكرهم النبي في هذه الآيات خوفهم عند مجيء سنحاريب الأول واستعدادهم للحصار ونظرهم إلى الأسلحة والأسوار والمياه وعدم نظرهم إلى الرب. وفي الآية الثامنة تصوّر ما كان قد حدث كأنه حاضر فيقول «يكشف». ثم في الآية التاسعة ومما يليها يستعمل صيغة الماضي فيقول «رأيتم» الخ وأما زمان الحوادث فهو واحد.

يَكْشِفُ سِتْرَ يَهُوذَا أي سنحاريب يظهر ضعف يهوذا.

بَيْتِ ٱلْوَعْرِ الذي بناه سليمان ووضع فيه ثلاث مئة مجن من الذهب (1ملوك 10: 17).

مَدِينَةِ دَاوُدَ حصن صهيون (2صموئيل 5: 7 و9).

مِيَاهَ ٱلْبِرْكَةِ مياه أورشليم قليلة حتى اليوم وقبل هذه الحادثة بنحو 34 سنة اهتمّ الملك آحاز بهذا الأمر (ص 7: 3).

وَعَدَدْتُمْ بُيُوتَ أُورُشَلِيمَ حتى يعرفوا أي بيت يُهدم وأي بيت يبقى وهدموا بيوتاً ليستعملوا حجارتها وأخشابها لتحصين السور.

بَيْنَ ٱلسُّورَيْنِ إلى جهة الجنوب والشرق من المدينة وهنا السور يدور نحو وسط المدينة ثم يرجع إلى الخط الذي كان عليه والزاوية خارجة عن المدينة وهي مثل خليج من البحر داخل إلى البر وبين السورين كما أن الخليج بين شط البحر من هنا وشط آخر من هناك. وربما بنوا سوراً ثالثاً ليصل من السور الواحد إلى الثاني فأحاط بالخندق أو الحوض. ولعل البركة العتيقة بركة سلوام والزاوية المذكورة قريبة من بركة سلوام وحلّ الأشوريون شمالي المدينة.

إِلَى صَانِعِهِ أي الرب الذي عمل هذا العمل (ص 5: 5 - 12).

12 «وَدَعَا ٱلسَّيِّدُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ إِلَى ٱلْبُكَاءِ وَٱلنَّوْحِ وَٱلْقَرْعَةِ وَٱلتَّنَطُّقِ بِٱلْمِسْحِ».

يوئيل 1: 13 عزرا 9: 3 وص 15: 2 وميخا 1: 16

بعدما ذكر النبي حصار أورشليم عند مجيء سنحاريب الأول (ع 8 - 11) رجع إلى ما كان في صدده (ع 1 - 8) فوصف تصرف أهل أورشليم في يوم البلية وفرحهم غير الموافق ورجاءهم الباطل. إن غاية الرب من تأديب شعبه رجوعهم إليه بالحزن والتوبة.

فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ في يوم مجيء سنحاريب الأول لم ينظروا إلى الرب وكذلك في يوم تاريخ هذه النبوءة.

وَٱلْقَرْعَةِ أي حلق شعر الرأس علامة الحزن كالنوح والتنطق بالمسح.

13 «فَهُوَذَا بَهْجَةٌ وَفَرَحٌ، ذَبْحُ بَقَرٍ وَنَحْرُ غَنَمٍ، أَكْلُ لَحْمٍ وَشُرْبُ خَمْرٍ! لِنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ لأَنَّنَا غَداً نَمُوتُ».

ص 56: 12 و1كورنثوس 15: 32

فَهُوَذَا بَهْجَةٌ أي عملوا بعكس الواجب عليهم والمستنظر منهم فكان عوض البكاء البهجة وعوض النوح الفرح.

لِنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ لأَنَّنَا غَداً نَمُوتُ لربما كان هذا القول مثلاً عندهم والمراد به الاستهزاء بالنبي كأنهم قالوا غداً نموت على قولك فإذاً لنأكل ونشرب اليوم. قيل إنه منذ زمان تفشي الوباء بين العساكر في الهند فكان يموت أناس منهم كل يوم فرأى كل من الأحياء احتمال أنه يموت غداً ولكن بعضهم سلموا أنفسهم للسكر والخلاعة قائلين كما قال اليهود في القديم «لنأكل ونشرب لأننا غداً نموت».

14 «فَأَعْلَنَ فِي أُذُنَيَّ رَبُّ ٱلْجُنُودِ: لاَ يُغْفَرَنَّ لَكُمْ هٰذَا ٱلإِثْمُ حَتَّى تَمُوتُوا يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ».

ص 5: 9 و1صموئيل 3: 14 وحزقيال 24: 13

جواب النبي بل جواب الرب نفسه أنهم يموتون بالحقيقة.

لاَ يُغْفَرَنَّ لَكُمْ هٰذَا ٱلإِثْمُ كما قال المسيح عن التجديف على الروح القدس أي أن هذه الخطية لا تُغفر لهم لأنهم كانوا قد رفضوا التعليم والتأديب فكان خرابهم الديني والأدبي شراً من خراب مدينتهم.

وهذه النبوءة كلها تهديد وحزن لا يتخللها شيء من الرجاء. فكيف نوفق بين هذه النبوءة وإنقاذ أورشليم من يد سنحاريب وإهلاك جيشه. والجواب:

(1) إن الوعيد كالوعد تحت شروط. قال يونان بعد أربعين يوماً تنقلب نينوى ولكن بعدما تابوا صفح الرب عنها والرب استجاب لصلاة حزقيا.

(2) إن خلاص اليهود كان وقتياً فقط لأنهم سقطوا عن يد البابليين وسقطوا سقوطاً نهائياً عن يد الرومانيين.

15 «هٰكَذَا قَالَ ٱلسَّيِّدُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ: ٱذْهَبِ ٱدْخُلْ إِلَى هٰذَا جَلِيسِ ٱلْمَلِكِ، إِلَى شِبْنَا ٱلَّذِي عَلَى ٱلْبَيْتِ».

2ملوك 18: 37 وص 36: 3 و1ملوك 4: 6

ٱلَّذِي عَلَى ٱلْبَيْتِ هذه منزلة عالية كان صاحبها ثاني الملك (2أيام 26: 21 و2ملوك 18: 18). وكلمة «هذا» تدل على الاحتقار. وذكر النبي في الأول أن هذا الكلام ليس منه بل من السيد رب الجنود الذي له حق أن يمجّد ويعيّر ويقيم ويحطّ.

16 «مَا لَكَ هٰهُنَا وَمَنْ لَكَ هٰهُنَا حَتَّى نَقَرْتَ لِنَفْسِكَ هٰهُنَا قَبْراً أَيُّهَا ٱلنَّاقِرُ فِي ٱلْعُلُوِّ قَبْرَهُ، ٱلنَّاحِتُ لِنَفْسِهِ فِي ٱلصَّخْرِ مَسْكَناً؟»

2صموئيل 18: 18 ومتّى 27: 60

مَا لَكَ هٰهُنَا استنتج بعضهم من هذا القول وعدم ذكر اسم أبيه أنه أجنبي ولنا من تسمية خليفة ألياقيم بعبد الرب وباب لسكان أورشليم أن شيئاً كان عكس ذلك أي كان مقاوماً للرب ونبيه وظالماً للشعب.

ٱلنَّاقِرُ فِي ٱلْعُلُوِّ قَبْرَهُ في مكان عال ظاهر للأبصار وكان هذا القبر له وحده لأنه أجنبي وليس له أسرة ولا أقارب يُدفنون معه في ذلك القبر. وهذا مما يدل على الكبرياء. وفي الكتاب أقوال كثيرة تفيد أن الرب يغتاظ كثيراً من هذه الخطية. واستعمال ضمير الغائب يدل على وجود سامعين غير شبنا.

17 «هُوَذَا ٱلرَّبُّ يَطْرَحُكَ طَرْحاً يَا رَجُلُ وَيُغَطِّيكَ تَغْطِيَةً».

أستير 7: 8

هُوَذَا ٱلرَّبُّ يَطْرَحُكَ المظنون أن شبنا كان إمام الطالبين الاتحاد بمصر وعزله نتيجة تغيير في سياسة الملك.

وَيُغَطِّيكَ بجثث القتلى أو بالدفن بلا كرامة فلا يُدفن في قبره العالي كما توقع.

18 «يَلُفُّكَ لَفَّ لَفِيفَةٍ كَٱلْكُرَةِ إِلَى أَرْضٍ وَاسِعَةِ ٱلطَّرَفَيْنِ. هُنَاكَ تَمُوتُ وَهُنَاكَ تَكُونُ مَرْكَبَاتُ مَجْدِكَ يَا خِزْيَ بَيْتِ سَيِّدِكَ».

يَلُفُّكَ أي يلفه هو ومركباته وكل أمواله كأشياء لا قيمة لها.

أَرْضٍ وَاسِعَةِ لعلها أرض أشور فإنه كان فيها أسيراً وربما كان من الذين طلبوا الاتحاد بمصر فالتجأ إليها بعد عزله.

مَرْكَبَاتُ مَجْدِكَ المركبات للملوك أو للقريبين منهم والمعنى أن ذلك المجد مجد شبنا الملكي يزول كل الزوال.

يَا خِزْيَ بَيْتِ سَيِّدِكَ لا يمكن إشعياء أن يعيّر ثاني الملك هكذا قدام الناس ويكتب كلامه في سفر نبوءته إلا لسبب كافٍ ولا شك في أن هذا الرجل الشرير كان يتظاهر بالتقوى فغش حزقيا ذلك الملك الصالح وربما كان نفاقه معروفاً عند العالم كما كان معروفاً عند النبي فوقع اللوم على بيت الملك بسببه.

19 «وَأَطْرُدُكَ مِنْ مَنْصِبِكَ، وَمِنْ مَقَامِكَ يَحُطُّكَ».

أَطْرُدُكَ المتكلم هنا هو الرب.

يَحُطُّكَ الرب يحطه. ويظهر من (ص 36: 3) أن سقوطه لم يكن دفعة واحدة لأن حزقيا بعد ما عزله عيّنه كاتباً ولم يُذكر إتمام النبوءة.

تعيين ألياقيم لمنزلة شبنا ع 20 إلى 24

20 «وَيَكُونُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أَنِّي أَدْعُو عَبْدِي أَلِيَاقِيمَ بْنَ حِلْقِيَّا»

2ملوك 18: 18

فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أي يوم عزل شبنا.

عَبْدِي أَلِيَاقِيمَ (انظر ص 20: 3) ما للإنسان من شرف وأعظم من أن يدعوه الرب بعبدي.

21 «وَأُلْبِسُهُ ثَوْبَكَ وَأَشُدُّهُ بِمِنْطَقَتِكَ وَأَجْعَلُ سُلْطَانَكَ فِي يَدِهِ، فَيَكُونُ أَباً لِسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ وَلِبَيْتِ يَهُوذَا».

وَأُلْبِسُهُ الخ ثوباً رسمياً ومنطقة رسمية علامة رتبته التي أخذها من شبنا.

أَباً الأب يعتني بأولاده ويؤدبهم بالمحبة لنفعهم وهكذا خدمة المتولي الصالح (أيوب 29: 16).

22 «وَأَجْعَلُ مِفْتَاحَ بَيْتِ دَاوُدَ عَلَى كَتِفِهِ، فَيَفْتَحُ وَلَيْسَ مَنْ يُغْلِقُ وَيُغْلِقُ وَلَيْسَ مَنْ يَفْتَحُ».

أيوب 12: 14 ورؤيا 3: 7

مِفْتَاحَ بَيْتِ دَاوُدَ يشير إلى السلطة ووضع المفتاح على الكتف يشير إلى المسؤولية والتعب الناتجين عن الخدمة بالأمانة.

23 «وَأُثَبِّتُهُ وَتَداً فِي مَوْضِعٍ أَمِينٍ، وَيَكُونُ كُرْسِيَّ مَجْدٍ لِبَيْتِ أَبِيهِ».

عزرا 9: 8

مَجْدٍ لِبَيْتِ أَبِيهِ بسبب رتبته المحمودة يتمجد كل بيت أبيه وينتفعون به.

24، 25 «24 وَيُعَلِّقُونَ عَلَيْهِ كُلَّ مَجْدِ بَيْتِ أَبِيهِ، ٱلْفُرُوعَ وَٱلْقُضْبَانَ، كُلَّ آنِيَةٍ صَغِيرَةٍ مِنْ آنِيَةِ ٱلطُّسُوسِ إِلَى آنِيَةِ ٱلْقَنَانيِّ جَمِيعاً. 25 فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يَقُولُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ، يَزُولُ ٱلْوَتَدُ ٱلْمُثَبَّتُ فِي مَوْضِعٍ أَمِينٍ وَيُقْطَعُ وَيَسْقُطُ. وَيُبَادُ ٱلثِّقْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ».

وَيُعَلِّقُونَ عَلَيْهِ التجأ جميع أقربائه إليه واتكلوا عليه فأعانهم في كل أمورهم حتى زهيدها. رأى بعضهم أن النبوءة بزوال الوتد لا يوافق الكلام السابق في شأن ألياقيم فيقولون إن النبي في ع 25 رجع إلى أمر شبنا ولكننا إذا أمعنا النظر في ع 24 رأينا ما يدل على سبب سقوط ألياقيم فإن النبي قال إن أهل ألياقيم جميعاً كباراً وصغاراً الفروع والقضبان الطسوس والقناني سيأتون إليه ويثقلون عليه أي يطلبون منه رتباً ومالاً وحماية وما أشبه ذلك وربما أخطأ بحمايته لأقربائه المذنبين بتعيينه غير المستحقين للرتبة أو بزيادة النفقة فسقط.

ولنا من ذلك هذه الفائدة وهي أنه يجب على كل متولٍّ سياسياً كان أو دينياً أن يعتبر أقاربه في الأمور المختصة بتوليه أو رتبته كأنهم غرباء فيعاملهم بالحق بلا ميل ولا هوىً.

فوائد للوعاظ

فأبكي بمرارة (ع 4)

  1. إنه ليس كل بكاء دليلاً على الضعف بدليل أنه بكى الأقوياء كيوسف وداود وحزقيا ويوشيا وعزرا ونحميا وبطرس وبولس والرب يسوع المسيح نفسه.

  2. إن عدم البكاء قد يكون دليلاً على القساوة والجهل. فإن غير التائبين في أيام إشعياء أكلوا وشربوا وفرحوا وأما البكاء على الخطية فهو علامة التوبة الحقيقية غير أنه يجب التمييز بين البكاء على الخطية والبكاء من عواقبها فقط (انظر ترنيمة 108).

  3. إنه يجب أن يكون البكاء لأسباب كافية منها خطايانا وخطايا غيرنا وهلاك غير التائبين ويجب أن يكون بالاعتدال وإخلاص النية فلا يجوز أن نهيج أنفسنا ولا غيرنا على البكاء بل يجب أن نضبط أنفسنا ونعزي غيرنا.

شبنا وألياقيم (ع 15 - 24)

أشبه شبنا بعض كهنة العهد القديم الذين أحبوا المال وطلبوا المجد لأنفسهم.

وأشبه ألياقيم الكاهن الآخر الذي صار ليس بحسب ناموس وصية جسدية بل بحسب قوة حياة لا تزول أي المسيح. فإن المسيح عبد الرب (ص 52: 13) له مفتاح داود (رؤيا 3: 7) ومفاتيح الهاوية والموت (رؤيا 1: 18) وهو أبٌ أبديّ (ص 9: 6) ويأتي إليه الجميع كباراً وصغاراً ومهما سأله تلاميذه باسمه يفعله وله عرش عظيم (رؤيا 20: 11).

وأشبه ألياقيم أيضاً خدمة المسيح الأمناء الذين يفتحون للناس أبواب السماء بواسطة التبشير بالمسيح فيكونون وكلاء أمناء على بيت الله يوزعون بركات الخلاص ولا يخافون من أجناد الشر الروحية (انظر ص 36: 3) ويدل ذلك على أن ألياقيم ورفاقه لم يخافوا من ربشاقي.

والأمر واضح أن ألياقيم لم يشبه المسيح بسقوطه.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلْعِشْرُونَ

مضمونه:

يقسم هذا الأصحاح إلى قسمين (1) نبوءة بسقوط صور و(2) وعد برجوعها (انظر «صور» في قاموس الكتاب)،

تشابهت مدينتا صور وبابل في عظمتهما ومقاومتها لشعب الله وتباينتا بكون صور قوية في التجارة وبابل في الحرب ومصالح صور في البحر وبابل في البرّ.

1 «وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ صُورَ: وَلْوِلِي يَا سُفُنَ تَرْشِيشَ لأَنَّهَا خَرِبَتْ حَتَّى لَيْسَ بَيْتٌ حَتَّى لَيْسَ مَدْخَلٌ. مِنْ أَرْضِ كِتِّيمَ أُعْلِنَ لَهُمْ».

إرميا 25: 22 و47: 4 وحزقيال 26 و27 و28 وعاموس 1: 9 وزكريا 9: 2 و4 ع 12

سُفُنَ تَرْشِيشَ كانت ترشيش مدينة في أسبانيا سكنها مهاجرون من صور وكانت تجارتها البحرية مع أهل صور عظيمة (1ملوك 10: 22 وحزقيال 27: 12).

لَيْسَ بَيْتٌ يصوّر النبي نوتياً راجعاً من سفره الطويل فلا يجد بيته ولا بيت آخر ليدخله.

لَيْسَ مَدْخَلٌ لأن المرفأ مسدود من ردم أسوار المدينة وأبنيتها.

كِتِّيمَ جزيرة قبرس وكانت مستعمرة يسكنها مهاجرو صور.

أُعْلِنَ لَهُمْ يميل الملاحون الراجعون من ترشيش إلى قبرس ويسمعون أول خبر بسقوط صور.

2 «اِنْدَهِشُوا يَا سُكَّانَ ٱلسَّاحِلِ. تُجَّارُ صَيْدُونَ ٱلْعَابِرُونَ ٱلْبَحْرَ مَلأُوكِ».

ٱلسَّاحِلِ فينيقية أي الأرض الممتدة من البحر المتوسط إلى جبل لبنان عرضاً ومن الرأس الأبيض إلى طرابلس وأرواد أو من الرأس الأبيض إلى صيدا فقط طولاً.

تُجَّارُ صَيْدُونَ قال حزقيال (حزقيال 27: 8) كان أهل صيدون ملاّحي صور وكانت مدينة صيدون مع أنها غلب أن تكون مستقلة عن صور أقل منها شهرة وسطوة.

مَلأُوكِ أغنوا صور بتجارتهم.

3 «وَغَلَّتُهَا، زَرْعُ شِيحُورَ حَصَادُ ٱلنِّيلِ، عَلَى مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ فَصَارَتْ مَتْجَرَةً لأُمَمٍ».

تكوين 15: 18 حزقيال 27: 3

غَلَّتُهَا أي غلة صور وهي ربحها من تجارتها في أثمار مصر لأن المصريين كانوا يرسلون الحبوب بقوارب على نهر النيل وترعه إلى البحر وأما تجارة البحر فكانت كلها لصور.

شِيحُورَ أي نهر النيل ومعنى الكلمة الأصلي «أسود» إشارة إلى مياه النيل الموحلة (يشوع 13: 3 و1أيام 13: 5 وإرميا 2: 18).

مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ امتدت تجارة صور إلى كل نواحي بحر الروم والأوقيانوس الأتلانتيكي وإلى إنكلترا والبحر الأحمر والأوقيانوس الهندي إلى بلاد الهند وجزيرة ماداكسكر.

4 «اِخْجَلِي يَا صَيْدُونُ لأَنَّ حِصْنَ ٱلْبَحْرِ، نَطَقَ قَائِلاً: لَمْ أَتَمَخَّضْ وَلاَ وَلَدْتُ وَلاَ رَبَّيْتُ شَبَاباً وَلاَ نَشَّأْتُ عَذَارَى».

اِخْجَلِي نظراً إلى العلاقة التجارية بينها وبين صور فيكون سقوط صور سقوط صيدون أيضاً.

حِصْنَ ٱلْبَحْر مدينة صور لكونها مبنية على جزيرة محصنة.

لَمْ أَتَمَخَّضْ كانت صور أنشأت مستعمرات كثيرة كقرطجنة وغيرها فكانت أم المدن ولكنها صارت كأنها لم تلد أبداً أي انقطعت كل علاقاتها بمستعمراتها وكل مساعدة منها.

5 «عِنْدَ وُصُولِ ٱلْخَبَرِ إِلَى مِصْرَ، يَتَوَجَّعُونَ عِنْدَ وُصُولِ خَبَرِ صُورَ».

ص 19: 16

يَتَوَجَّعُونَ إن المصريين لعلاقاتهم التجارية بصور يخسرون بسقوطها ويخافون من قدوم الأشوريين عليهم أيضاً.

6 «اُعْبُرُوا إِلَى تَرْشِيشَ. وَلْوِلُوا يَا سُكَّانَ ٱلسَّاحِلِ».

أمر النبي أهل صور بأن يهربوا إلى ترشيش وساحل فينيقية.

7 «أَهٰذِهِ لَكُمُ ٱلْمُفْتَخِرَةُ ٱلَّتِي مُنْذُ ٱلأَيَّامِ ٱلْقَدِيمَةِ قِدَمُهَا؟ تَنْقُلُهَا رِجْلاَهَا بَعِيداً لِلتَّغَرُّبِ».

ص 22: 2

أَهٰذِهِ لَكُم ينظر النبي في الرؤيا إلى ردم صور ويكاد لا يصدق أن هذه الردم مدينة صور المتفخرة.

مُنْذُ ٱلأَيَّامِ ٱلْقَدِيمَةِ كانت صور أقدم مدينة من فينيقية بعد صيدون وذُكرت أولاً في الكتاب المقدس في (يشوع 19: 29) قبل الميلاد بنحو 1450 سنة.

تَنْقُلُهَا رِجْلاَهَا تشبه المدينة امرأة فقيرة متغربة ماشية.

8 «مَنْ قَضَى بِهٰذَا عَلَى صُورَ ٱلْمُتَوِّجَةِ ٱلَّتِي تُجَّارُهَا رُؤَسَاءُ؟ مُتَسَبِّبُوهَا مُوَقَّرُو ٱلأَرْضِ».

حزقيال 28: 2 و12

مَنْ قَضَى يأتي جواب هذا السؤال في (ع 9).

ٱلْمُتَوِّجَةِ قيل في التواريخ أن بعض الملوك كانوا تحت الجزية لصور وتجارها كانوا مثل الملوك في الغنى والسطوة.

9 «رَبُّ ٱلْجُنُودِ قَضَى بِهِ لِيُدَنِّسَ كِبْرِيَاءَ كُلِّ مَجْدٍ وَيُهِينَ كُلَّ مُوَقَّرِي ٱلأَرْضِ».

رَبُّ ٱلْجُنُودِ قَضَى بِهِ كل ممالك العالم بيد الرب فهو الذي يرفعها ويضعها وخطية صور كبرياؤها واتكالها على المال وإهانتها الرب خالقها والمحسن إليها.

10 «اِجْتَازِي أَرْضَكِ كَٱلنِّيلِ يَا بِنْتَ تَرْشِيشَ. لَيْسَ حَصْرٌ فِي مَا بَعْدُ».

بِنْتَ تَرْشِيشَ أي ترشيش عينها، إن ترشيش كانت على ما يرجح مظلومة من صور من جهة الجزية والجمارك فبشرها النبي بأن لا يكون عليها حصر بعد أي لا أحد يملك حريتها فيجوز لها أن تجتاز في أرضها كفيضان مياه النيل.

11 «مَدَّ يَدَهُ عَلَى ٱلْبَحْرِ. أَرْعَدَ مَمَالِكَ. أَمَرَ ٱلرَّبُّ مِنْ جِهَةِ كَنْعَانَ أَنْ تُخْرَبَ حُصُونُهَا».

كَنْعَانَ غلب استعمال هذا الاسم في العهد القديم لكل ما وقع بين الأردن والبحر الميت شرقاً والبحر المتوسط غرباً وأما هنا فلصور والساحل المختص بها.

12 «وَقَالَ: لاَ تَعُودِينَ تَفْتَخِرِينَ أَيْضاً أَيَّتُهَا ٱلْمُنْهَتِكَةُ ٱلْعَذْرَاءُ بِنْتُ صَيْدُونَ. قُومِي إِلَى كِتِّيمَ. ٱعْبُرِي. هُنَاكَ أَيْضاً لاَ رَاحَةَ لَكِ».

رؤيا 18: 22 ع 1

بِنْتُ صَيْدُونَ أي صيدون عينها أو صيدون مع بلاد فينيقية التي كانت صيدون أقدم مدينة فيها. ودُعيت منهتكة لأنها سقطت وفُتحت.

لاَ رَاحَةَ لَكِ أما لأن العدو يتبعهم إلى هناك أو لأن أهل كتيم أي قبرس لا يقبلونهم. وخضعت قبرس لملوك أشور أولاً لسرجون وبعده لآسرحدون. قيل أن عبد الملكوت ملك صيدون التجأ إلى قبرس في زمان أسرحدون فلحقه آسرحدون وقطع رأسه.

13 «هُوَذَا أَرْضُ ٱلْكِلْدَانِيِّينَ. هٰذَا ٱلشَّعْبُ لَمْ يَكُنْ. أَسَّسَهَا أَشُّورُ لأَهْلِ ٱلْبَرِّيَّةِ. قَدْ أَقَامُوا أَبْرَاجَهُمْ. دَمَّرُوا قُصُورَهَا. جَعَلَهَا رَدْماً».

مزمور 72: 9

ٱلْكِلْدَانِيِّينَ نظر النبي إلى المستقبل البعيد وبعد مرور نحو 150 سنة رأى نبوخذ نصر قادماً على صور (حزقيال 26: 7 - 14) قال حزقيال (حزقيال 29: 18) إن نبوخذ راصر أي نبوخذ ناصر استخدم جيشه خدمة شديدة على صور. كل رأس فرع وكل كتف تجردت ولم تكن له ولا لجيشه أجرة من صور لأجل خدمته التي خدم بها عليها. وظن بعضهم أنه لم يأخذ صور وبعضهم أنه أخذها ولكنه لم يجد فيها ما يكافئه على تعبه. وعلى أي وجه كان جعلها ردماً. وفي تاريخ هذه النبوءة كان الكلدانيون تحت حكم أشور فلم يكونوا شعباً مستقلاً. وملك أشور حسب عادته (2ملوك 17: 24) كان قد أتى بالكلدانيين من وطنهم في الشمال وأسكنهم في بابل. وبيّن النبي في هذه الآية أن سقوط صور عن يد مملكة مجهولة في زمانه ما يزيد خجل صور.

أَقَامُوا أَبْرَاجَهُمْ هي أبراج وقتية مقابل أسوار المدينة المحاصرة وكانوا عن هذه الأبراج يرمون سهامهم على المدينة (حزقيال 26: 8).

دَمَّرُوا قُصُورَهَا أي الكلدانيون دمروا قصور صور.

جَعَلَهَا رَدْماً اي ملك الكلدانيين جعل صور ردماً.

14 «وَلْوِلِي يَا سُفُنَ تَرْشِيشَ لأَنَّ حِصْنَكِ قَدْ أُخْرِبَ».

ع 1 وحزقيال 27: 25 و30

سُفُنَ تَرْشِيشَ السفن التي كانت تجارتها مع ترشيش.

حِصْنَكِ كانت مدينة صور حصناً للسفن. قال حزقيال (حزقيال 27: 10 و11) فارس ولود وفوط وبنو أرواد كانوا في جيش صور أي كان أهل صور أقوياء بالمال وضعفاء بالجند. فاستأجروا عساكر من الخارج فهاجت هذه الأحوال بالطبع طمع ملوك أشور وغيرهم. فحاربها شلمناسر وأسرحدون وأشربانبال ونبوخذنصر الذي حاصرها 13 سنة وأما خرابها التام فكان من اسكندر ذي القرنين.

كانت صور في زمان اسكندر مبنية على جزيرة تبعد عن البر نحو نصف ميل وكانت الجزيرة محصنة بسور علوه 150 قدماً وكان مقابل الجزيرة في البر ردم مدينة قديمة فأخذها اسكندر وطمّ بها البحر الفاصل بين البر والجزيرة وأخذ صور بعد حصار سبعة أشهر فقتل جيمع المحاربين فيها وباع نحو 30000 من النساء والأولاد وغير المحاربين عبيداً. ثم قامت المدينة من ردمها وفي زمان المسيح كانت مدينة كبيرة.

وفي سنة 1291 فتح سلطان مصر ودمشق مدينة عكا ولما بلغ الخبر أهل صور تركوا مدينتهم وسلموها بلا حرب. قال سائح في سنة 1750 إنه لم يجد في صور إلا عشرة أنفس وهي اليوم مدينة صغيرة وحقيرة بالنسبة إلى ما كانت عليه من العظمة في القديم.

15، 16 «15 وَيَكُونُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أَنَّ صُورَ تُنْسَى سَبْعِينَ سَنَةً كَأَيَّامِ مَلِكٍ وَاحِدٍ. مِنْ بَعْدِ سَبْعِينَ سَنَةً يَكُونُ لِصُورَ كَأُغْنِيَةِ ٱلزَّانِيَةِ. 16 خُذِي عُوداً. طُوفِي فِي ٱلْمَدِينَةِ أَيَّتُهَا ٱلزَّانِيَةُ ٱلْمَنْسِيَّةُ. أَحْسِنِي ٱلْعَزْفَ أَكْثِرِي ٱلْغِنَاءَ لِكَيْ تُذْكَرِي».

سَبْعِينَ سَنَةً قال إرميا (إرميا 25: 11) «وَتَخْدِمُ هٰذِهِ ٱلشُّعُوبُ مَلِكَ بَابِلَ سَبْعِينَ سَنَةً» فيذكر أسماء الشعوب ومنها صور. ويقول سبعين سنة لأن هذه مدة إقامة مملكة بابل وأما بعض الشعوب المذكورة فخضعت لبابل بعد ابتداء هذه المدة فكان زمان خدمتها لملك بابل أقل من سبعين سنة.

مَلِكٍ وَاحِدٍ أي مملكة واحدة وهي مملكة نبوخذ ناصر وخلفائه إلى زمان كورش.

كَأُغْنِيَةِ ٱلزَّانِيَةِ يظهر من ع 16 أنها أغنية شائعة بين البطالين في زمان إشعياء. إن خطية الزانية هي بيع عفتها بالمال وكل من يحيد عن طريق الصدق والأمانة والشفقة لأجل المال يخطأ خطية الزانية ولذلك دُعيت صور «زانية» وعلى هذا القياس كثيرون من تجار هذا العصر يستحقون هذا الاسم القبيح (رؤيا 18: 3). قيل أن الصوريين كانوا يلازمون ساحات الحرب ليسلبوا القتلى ويتاجروا بالأسرى (يوئيل 3: 6).

17، 18 «17 وَيَكُونُ مِنْ بَعْدِ سَبْعِينَ سَنَةً أَنَّ ٱلرَّبَّ يَتَعَهَّدُ صُورَ فَتَعُودُ إِلَى أُجْرَتِهَا، وَتَزْنِي مَعَ كُلِّ مَمَالِكِ ٱلْبِلاَدِ عَلَى وَجْهِ ٱلأَرْضِ. 18 وَتَكُونُ تِجَارَتُهَا وَأُجْرَتُهَا قُدْساً لِلرَّبِّ. لاَ تُخْزَنُ، وَلاَ تُكْنَزُ بَلْ تَكُونُ تِجَارَتُهَا لِلْمُقِيمِينَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ لأَكْلٍ إِلَى ٱلشَّبَعِ وَلِلِبَاسٍ فَاخِرٍ».

رؤيا 17: 2 زكريا 14: 20 و21

قُدْساً لِلرَّبِّ بما أن النبي ابتدأ بالمجاز ودعا صور زانية نظراً إلى ربحها القبيح ظل يستعمل المجاز ومعناه أن صور سترجع إلى تجارتها. وقوله إن هذه التجارة تكون قدساً للرب يمنع وجود الغش وغيره من الخطايا القبيحة في تجارتها. وسمى النبي تجارتها أجرة زانية كما أن يعقوب الرسول مدح إيمان راحاب ولم يزل يسميها راحاب الزانية والأمر واضح أنها كانت قد تركت زناها. والمسيح قال (لوقا 16: 9) «ٱصْنَعُوا لَكُمْ أَصْدِقَاءَ بِمَالِ ٱلظُّلْمِ» أي المال أخذ هذا الاسم لأنه غالباً نتيجة الظلم ولم يزل اسمه مال الظلم غير أن تلاميذ يسوع لا يظلمون أحداً. لا يجوز أن نقدم للرب شيئاً من الربح القبيح (تثنية 23: 18).

لِلْمُقِيمِينَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ تنبأ النبي هنا بوقف الصوريين مالهم لخدمة الرب بألفاظ مستعارة من الرسوم الموسوية غير أن هذه الخدمة تكون على أنواع مختلفة ومناسبة لأحوال كل جيل. قال عزرا (عزرا 3: 7) إن الصوريين خدموا في بناء الهيكل. وفي زمان بولس كان في صور جماعة من المسيحيين (أعمال 21: 3) وفي القرن الرابع بعد المسيح كانت صور أبرشية أسقف وبُنيت فيها كنيسة ثمينة.

وأما صور فهي كناية عن القوة المالية كما كانت بابل كناية عن القوة الحربية فلا شك في أن النبي نظر إلى ذلك اليوم الذي فيه يتقدس مال العالم لا مال صور فقط في الجيل الرابع.

فوائد للوعاظ

تجارها رؤساء (ع 8)

التجارب المقترنة بالمال

  1. محبة الذات. لأن التاجر ربما طلب الربح لنفسه ولو بخسارة غيره.

  2. ترك الله. لأن الغني ربما اهتم بأمواله ونسي يوم الرب والصلاة ومطالعة الكتاب المقدس.

  3. الكبرياء (حزقيال 27) لأن الغني ربما نسي أن المجد الذي يأتيه من الناس هو لماله لا لنفسه.

    فاحتراساً من هذه المخاطر يجب على كل غني أن يقف ماله للرب ويطلب خيرات أفضل من المال.

  4. الارتخاء. لأن المأكولات اللذيذة والملبوسات الناعمة والراحة الجسدية مما يُضعف العزم و يجعل في الإنسان الجبانة والكسل.

ليدنس كبرياء كل مجد (ع 9).

ضرر الكبرياء هو في ما يأتي

  1. في الإنسان نفسه لأن المتكبر لا يقدر أن يتعلم أو يتقدم.

  2. في ما بين إنسان وإنسان لأن المتكبر لا يحب أحداً ولا أحد يحبه.

  3. في ما بين الإنسان والله. لأن المتكبر يجعل نفسه في مكان الله والمخلوق في مكان الخالق.

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ

إن الأصحاحات الأربعة من (ص 24 - 27) نبوءة واحدة موضوعها سقوط اليهود وأمم كثيرة عن يد الكلدانيين ثم سقوط الكلدانيين أيضاً. أما مصائب اليهود فكانت الغاية منها تطهيرهم وخلاصهم بخلاف مصائب الأمم غير التائبين فإنها كانت للهلاك. وهذه النبوءة على أسلوب يدل على انقضاء الدهر ودينونة العالم الأخيرة والقيامة من الأموات وخلاص شعب الله التام. ولا يوجد في العهد القديم تعليم أوضح مما في هذه الأصحاحات في شأن الخلود وعموم الخلاص.

1 «هُوَذَا ٱلرَّبُّ يُخْلِي ٱلأَرْضَ وَيُفْرِغُهَا وَيَقْلِبُ وَجْهَهَا وَيُبَدِّدُ سُكَّانَهَا».

ٱلأَرْضَ أرض يهوذا والممالك المجاورة لها. أخلاها أولاً ملوك أشور ومصر ثم ملوك بابل وهؤلاء الملوك لم يكونوا إلا آلات في يد الرب.

وَيَقْلِبُ وَجْهَهَا أي وجه الأرض. شبّه الأرض بصحن يجليه إنسان ويمسحه ثم يقلبه فلا يبقى فيه شيئاً.

2 «وَكَمَا يَكُونُ ٱلشَّعْبُ هٰكَذَا ٱلْكَاهِنُ. كَمَا ٱلْعَبْدُ هٰكَذَا سَيِّدُهُ. كَمَا ٱلأَمَةُ هٰكَذَا سَيِّدَتُهَا. كَمَا ٱلشَّارِي هٰكَذَا ٱلْبَائِعُ. كَمَا ٱلْمُقْرِضُ هٰكَذَا ٱلْمُقْتَرِضُ. وَكَمَا ٱلدَّائِنُ هٰكَذَا ٱلْمَدْيُونُ».

هوشع 4: 9 حزقيال 7: 12 و13

ليس المعنى أن الكاهن يكون كالشعب في صفاته الأدبية بل في الخراب الواحد الذي يعم جميع الناس بدون استثناء كباراً وصغاراً أغنياء وفقراء.

3 «تُفْرَغُ ٱلأَرْضُ إِفْرَاغاً وَتُنْهَبُ نَهْباً، لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ بِهٰذَا ٱلْقَوْلِ».

لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ بِهٰذَا ٱلْقَوْلِ (انظر لاويين 26 وتثنية 27 و 28) ومما يزيد مسؤولية اليهود أن الرب كان أنذرهم بعواقب خطاياهم قبل حلولها.

4 «نَاحَتْ ذَبُلَتِ ٱلأَرْضُ. حَزِنَتْ ذَبُلَتِ ٱلْمَسْكُونَةُ. حَزِنَ مُرْتَفِعُو شَعْبِ ٱلأَرْضِ».

ذَبُلَتِ ٱلأَرْضُ شبّه الأرض بزهرة جمالها وقتيّ.

مُرْتَفِعُو شَعْبِ ٱلأَرْضِ العظماء فيتضعون ليسمو الرب وحده (ص 2: 11).

5 «وَٱلأَرْضُ تَدَنَّسَتْ تَحْتَ سُكَّانِهَا لأَنَّهُمْ تَعَدَّوْا ٱلشَّرَائِعَ، غَيَّرُوا ٱلْفَرِيضَةَ، نَكَثُوا ٱلْعَهْدَ ٱلأَبَدِيَّ».

تكوين 3: 17 وعدد 35: 33

إن سبب الخراب هو خطايا سكان الأرض ولا سيما سفك الدم (عدد 35: 33).

خلق الله الأرض لأجل الإنسان وسلطه على أعمال يديه فخطية الإنسان أثرت في العالم كما أن خطية الملك تؤثر في مملكته. قال الرب لآدم «مَلْعُونَةٌ ٱلأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِٱلتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. وَشَوْكاً وَحَسَكاً تُنْبِتُ لَكَ» (تكوين 3: 17 و18) وأهلك الله العالم القديم بالطوفان ومدن الدائرة بالنار والكبريت. وضرب أرض مصر بالضربات العشر فوقعت هذه الضربات على الطبيعة لا بسبب خطية أو عيب فيها بل بسبب الإنسان الذي دنسها بخطاياه.

تَعَدَّوْا ٱلشَّرَائِعَ الناموس نوعان الأول الناموس المكتوب في قلوب جميع الناس (رومية 2: 15). والثاني ناموس الشرائع والفرائض. وجميع الناس تعدوا الناموس الأول وشعب الله تعدوا أيضاً الناموس الثاني.

غَيَّرُوا ٱلْفَرِيضَةَ لم يحفظوها فجعلوها كأنها لم تكن.

ٱلْعَهْدَ ٱلأَبَدِيَّ يقول البعض أن الإشارة إلى عهد الله مع نوح (تكوين 9: 1 - 17) حيث وعده بأثمار وسلطان على البهائم ونهاه عن سفك دم الإنسان. ويقول غيرهم إن العهد الأبدي هو ناموس الله المطبوع في طبيعة الإنسان لأن الله خلقه على صورته ومهما توغل الإنسان بالخطية والتوحش لا يفقد هذه الصورة تماماً.

6 «لِذٰلِكَ لَعْنَةٌ أَكَلَتِ ٱلأَرْضَ وَعُوقِبَ ٱلسَّاكِنُونَ فِيهَا. لِذٰلِكَ ٱحْتَرَقَ سُكَّانُ ٱلأَرْضِ وَبَقِيَ أُنَاسٌ قَلاَئِلُ».

ملاخي 4: 6

لِذٰلِكَ اللعنة أكلت الأرض لسبب خطية لإنسان في التعدي على الشريعة ونكث العهد.

ٱحْتَرَقَ سُكَّانُ ٱلأَرْضِ يتلاشون كالهشيم بالنار.

7 - 9 «7 نَاحَ ٱلْمِسْطَارُ. ذَبُلَتِ ٱلْكَرْمَةُ. أَنَّ كُلُّ مَسْرُورِي ٱلْقُلُوبِ. 8 بَطَلَ فَرَحُ ٱلدُّفُوفِ. ٱنْقَطَعَ ضَجِيجُ ٱلْمُبْتَهِجِينَ. بَطَلَ فَرَحُ ٱلْعُودِ. 9 لاَ يَشْرَبُونَ خَمْراً بِٱلْغِنَاءِ. يَكُونُ ٱلْمُسْكِرُ مُرّاً لِشَارِبِيهِ».

ص 16: 8 و9 ويوئيل 1: 10 و12 إرميا 7: 34 و16: 9 و25: 10 وحزقيال 26: 13 وهوشع 2: 11 ورؤيا 18: 22

يذكر النبي أنواع الفرح المعروفة عند العامة ويقول أنها بطلت وملك الحزن على جميع الناس.

لاَ يَشْرَبُونَ خَمْراً بِٱلْغِنَاءِ يشربونها لكي ينسوا أحزانهم ويسكنوا أوجاعهم ولا يشربون بالفرح.

10 «دُمِّرَتْ قَرْيَةُ ٱلْخَرَابِ. أُغْلِقَ كُلُّ بَيْتٍ عَنِ ٱلدُّخُولِ».

قَرْيَةُ ٱلْخَرَابِ ربما كانت أورشليم في أفكار النبي ولكن الكلام يصح على مدن كثيرة في زمان الخراب الموصوف بهذه النبوءة.

أُغْلِقَ كُلُّ بَيْتٍ انسدت الأبواب بردم البيوت أو انقطعت الزيارات والاجتماعات بسبب الحزن والخوف.

11 «صُرَاخٌ عَلَى ٱلْخَمْرِ فِي ٱلأَزِقَّةِ. غَرَبَ كُلُّ فَرَحٍ. ٱنْتَفَى سُرُورُ ٱلأَرْضِ».

صُرَاخٌ عَلَى ٱلْخَمْرِ وإن كانوا لا يطلبونها حسب العادة بالولائم وأوقات الفرح يطلبونها لعلهم يتعزون بها فينسون ضيقاتهم.

غَرَبَ كُلُّ فَرَحٍ كما تغرب الشمس.

ٱنْتَفَى سُرُورُ ٱلأَرْضِ صار السرور كرجل منفي عن بلاده.

12 «اَلْبَاقِي فِي ٱلْمَدِينَةِ خَرَابٌ، وَضُرِبَ ٱلْبَابُ رَدْماً».

ضُرِبَ ٱلْبَابُ رَدْماً سلامة المدينة متوقعة على حفظ الباب ومتى ضُرب الباب ضربت المدينة كلها.

13 «إِنَّهُ هٰكَذَا يَكُونُ فِي وَسَطِ ٱلأَرْضِ بَيْنَ ٱلشُّعُوبِ كَنُفَاضَةِ زَيْتُونَةٍ، كَٱلْخُصَاصَةِ إِذِ ٱنْتَهَى ٱلْقِطَافُ».

ص 17: 5 و6

كَنُفَاضَةِ زَيْتُونَةٍ البقية القليلة التي تخلص. والبقية القليلة هي في وسط الأرض أي من جميع الشعوب وليس من اليهود فقط.

14، 15 «14 هُمْ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ وَيَتَرَنَّمُونَ. لأَجْلِ عَظَمَةِ ٱلرَّبِّ يُصَوِّتُونَ مِنَ ٱلْبَحْرِ. 15 لِذٰلِكَ فِي ٱلْمَشَارِقِ مَجِّدُوا ٱلرَّبَّ. فِي جَزَائِرِ ٱلْبَحْرِ مَجِّدُوا ٱسْمَ ٱلرَّبِّ إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ».

ملاخي 1: 11

يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ لما ظن إيليا إنه بقي وحده أظهر له الرب أنه قد أبقى في إسرائيل سبعة آلاف كل الركب التي لم تجثُ للبعل وهكذا أظهر لإشعياء أنه سيبقى له شعب في كل المسكونة من البحر وفي جزائر البحر أي الغرب وفي المشارق أيضاً وهم يسجدون للرب حتى في وقت الضيقات ويذكرون رحمته ومواعيده.

لِذٰلِكَ المرنمون في المغارب والمشارق يأمر بعضهم بعضاً بأن يمجدوا الرب لأجل عظمته. والكلام هنا يشير أيضاً إلى أيام العهد الجديد حيث يكون كثيرون من المؤمنين الحقيقيين مشتتين في جزائر البحر وفي المشارق والمغارب يسبحون الرب.

16 «مِنْ أَطْرَافِ ٱلأَرْضِ سَمِعْنَا تَرْنِيمَةً: مَجْداً لِلْبَارِّ. فَقُلْتُ: يَا تَلَفِي! يَا تَلَفِي! وَيْلٌ لِي! ٱلنَّاهِبُونَ نَهَبُوا. ٱلنَّاهِبُونَ نَهَبُوا نَهْباً».

إرميا 5: 11

لِلْبَارِّ الكلمة الأصلية المترجمة بكلمة «البار» لا تُنسب إلى الرب بل إلى الناس فقط. والأرجح أن شعب الله أي اليهود المؤمنين مسمون بهذا الاسم لأنهم يتمجدون من الأمم عند خلاصهم فإن الأمم عند ضيق اليهود حكموا عليهم كمذنبين ولكن عندما يسمعون ترنيمة خلاصهم يمجدونهم كأبرار أي مبررين كما يتبرر المذنب بعد أن يقيم بالسجن الزمان المعيّن له.

يَا تَلَفِي يتكلم النبي بالنيابة عن اليهود وعندما يسمع الخبر برجوع البقية القليلة والخراب الهائل الذي وقع على البلاد يحزن على المفقودين وإن تعزّى بالوعد. والناهبون هم الأشوريون والبابليون (ص 21: 2).

17 «عَلَيْكَ رُعْبٌ وَحُفْرَةٌ وَفَخٌّ يَا سَاكِنَ ٱلأَرْضِ».

1ملوك 19: 17 وإرميا 48: 43 و44 وعاموس 5: 19

رُعْبٌ وَحُفْرَةٌ وَفَخٌّ العدو لا يقاوم فقط بالقوة الظاهرة بل أيضاً بالحيل والمكر.

18 «وَيَكُونُ أَنَّ ٱلْهَارِبَ مِنْ صَوْتِ ٱلرُّعْبِ يَسْقُطُ فِي ٱلْحُفْرَةِ، وَٱلصَّاعِدَ مِنْ وَسَطِ ٱلْحُفْرَةِ يُؤْخَذُ بِٱلْفَخِّ. لأَنَّ مَيَازِيبَ مِنَ ٱلْعَلاَءِ ٱنْفَتَحَتْ، وَأُسُسَ ٱلأَرْضِ تَزَلْزَلَتْ».

تكوين 7: 11 مزمور 18: 7

أخطار متنوعة ومتتابعة فلا يقدر أحد أن يسلم منها كلها.

مَيَازِيبَ المصائب مشبهة بميازيب من كثرتها والإشارة إلى الطوفان.

19، 20 «19 اِنْسَحَقَتِ ٱلأَرْضُ ٱنْسِحَاقاً. تَشَقَّقَتِ ٱلأَرْضُ تَشَقُّقاً. تَزَعْزَعَتِ ٱلأَرْضُ تَزَعْزُعاً. 20 تَرَنَّحَتِ ٱلأَرْضُ تَرَنُّحاً كَٱلسَّكْرَانِ، وَتَدَلْدَلَتْ كَٱلْعِرْزَالِ، وَثَقُلَ عَلَيْهَا ذَنْبُهَا، فَسَقَطَتْ وَلاَ تَعُودُ تَقُومُ».

إرميا 4: 23 ص 19: 14

لاحظ قوة الكلام والجُمل والمكررة «انسحقت... تشققت... تزعزعت... ترنحت» كأنه لم يجد كلمة واحدة تعبر عن انفعالاته الشديدة.

كَٱلْعِرْزَالِ موضع يتخذه الناطور في أطراف الشجرة خوفاً من الوحوش.

ثَقُلَ عَلَيْهَا ذَنْبُهَا ذنب الإنسان ثقل على الأرض.

وَلاَ تَعُودُ تَقُومُ أشار أولاً إلى سقوط ممالك كأشور وبابل وسقوط أورشليم النهائي وإن قامت بعد سبي بابل لم ترجع إلى حالتها الأولى. وثانياً زوال السماء والأرض في اليوم الأخير وإقامة سماء جديدة وأرض جديدة يسكن فيه البرّ.

21 «وَيَكُونُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أَنَّ ٱلرَّبَّ يُطَالِبُ جُنْدَ ٱلْعَلاَءِ فِي ٱلْعَلاَءِ، وَمُلُوكَ ٱلأَرْضِ عَلَى ٱلأَرْضِ».

مزمور 76: 12

جُنْدَ ٱلْعَلاَءِ فِي ٱلْعَلاَءِ من التفاسير الكثيرة نذكر ثلاثة:

  1. إن جند العلاء هم المرتفعون من الناس كالملوك والكهنة والرب يطالبهم حتى في أماكن مجدهم فلا يقدرون أن يقاوموه.

  2. إن جند العلاء هم أجناد الشر الروحية في السماويات المشار إليها في (أفسس 6: 12) وهي من المخلوقات مثل بني البشر ولها قدرة محدودة والله سيحكم عليهم كما سيحكم على الأشرار من الناس.

  3. إن جند العلاء هي الأجرام الفلكية التي كانت الأمم تسجد لها وهذه الآلهة وإن كانت مرتفعة فوق الناس سيطالبها الرب أي يُظهر للناس بطل اتكالهم عليها وهكذا يحكم على كل ما كان الأمم يتكلون عليه أي آلهتهم الوهمية في السماء وملوكهم على الأرض ويُظهر أنه وحده الإله الحقيقي والتفسير الأخير هو الأصح على ما يرجح.

22 «وَيُجْمَعُونَ جَمْعاً كَأَسَارَى فِي سِجْنٍ، وَيُغْلَقُ عَلَيْهِمْ فِي حَبْسٍ. ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ يَتَعَهَّدُونَ».

لا نفهم هذا القول حرفياً أي أن الرب سيجمع كل الملوك ويحبسهم في حبس واحد على الأرض ولا أن يجمعهم ويحسبهم في القبر بل المعنى أنه يضعهم ويحطهم حتى لا يقدروا أن يعملوا شيئاً من مقاصدهم فيكونوا كأنهم محبوسون. ومن العدل أن الذين كانوا يعلّمون الناس الدين الفاسد ككهنة الأجرام الفلكية والذين كانوا يُلزمون الناس بارتكاب الخطية أي الملوك الأشرار كأحاز ومنسى ويربعام بن نباط يعاقبون أولاً ويكون عقابهم أعظم (يهوذا 6 ورؤيا 20: 10)

يَتَعَهَّدُونَ يُعاقب أعداء الله وشعبه ثم يُرحمون وهذا القول يطابق النبوءات برجوع بعض الأمم إلى الله كأشور ومصر (ص 19: 25) وصور (ص 23: 18).

23 «وَيَخْجَلُ ٱلْقَمَرُ وَتُخْزَى ٱلشَّمْسُ لأَنَّ رَبَّ ٱلْجُنُودِ قَدْ مَلَكَ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَفِي أُورُشَلِيمَ. وَقُدَّامَ شُيُوخِهِ مَجْدٌ».

ص 13: 10 و60: 19 وحزقيال 32: 7 ويوئيل 2: 31 و3: 15 رؤيا 19: 4 و6 عبرانيين 12: 22

وَيَخْجَلُ ٱلْقَمَرُ الخ يكون مجدهما كلا شيء بالنسبة إلى مجد الله.

شُيُوخِهِ نواب الشعب (خروج 24: 9 - 11) والنبي يصف مجد الرب في الكنيسة المسيحية باستعمال ألفاظ مستعارة من النظام اليهودي. ونلاحظ أن نواب الشعب الذين يقتربون نوعاً إلى الرب ويرون مجده هم الشيوخ لا الملوك لا الكهنة.

فوائد للوعاظ

جوهر الخطية (ع 5) تقوم بما يأتي:

  1. إهمال كلام الله. تعدوا الشريعة.

  2. تحريفه. غيّروا الفريضة.

  3. عدم الامتثال له. نكثوا العهد الأبدي.

نفاضة زيتونة (ع 13) البقية تشهد بما يأتي:

  1. عدل الله في أحكامه لأنه لا توجد إلا بقية قليلة.

  2. رحمة الله لأنه توجد بقية.

  3. مواعيد الله الصادقة لأن البقية القليلة للوقت الحاضر فقط فيتبعها أيام خلاص ومجد.

يترنمون (ع 14 و15)

  1. الترنيم هو في الضيق كترنيم بولس وسيلا في السجن (أعمال 16: 25) والترنيم في وقت المرض والفقر.

  2. الترنيم من أماكن بعيدة كجزائر البحر والبلاد الوثنية التي تنورت بنور الإنجيل.

  3. موضوع الترنيم هو المجد للرب وذكر أعماله.

ثقل عليها ذنبها (ع 20) أثمار التعدي

  1. التلف جسداً ونفساً.

  2. الخديعة. لأن الخاطئ يظن أنه يخطئ خطية واحدة فقط فيتركها. ولكن الخطية الواحدة تقود إلى الثانية والثالثة إلى غير نهاية.

  3. التزعزع. فيتزعزع الإيمان والبيت والهيئة الاجتماعية وجميع أركان الراحة والسعادة.

  4. العبودية. فتضعف قوة العزم ويبطل الرجاء فيكون الخاطئ كسجين.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلْعِشْرُونَ

مضمونه:

موضوع هذا الأصحاح تابع موضوع الأصحاح السابق فهما كنبوءة واحدة تصوّر النبي فيه نفسه أنه في المستقبل البعيد حين تكون مدينة بابل قد سقطت هي وجميع مقاومي شعب الله. فجعل النبي في أفواه الشعب ترنيمة شكر وحمد ثم تنبأ برجوع الأمم ومشاركتهم لشعب الله في بركات الخلاص وفرج كل الأحزان والأرزاء حتى الموت نفسه وذكر في الختام انحطاط جميع الأعداء.

1 «يَا رَبُّ، أَنْتَ إِلٰهِي أُعَظِّمُكَ. أَحْمَدُ ٱسْمَكَ لأَنَّكَ صَنَعْتَ عَجَباً. مَقَاصِدُكَ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ أَمَانَةٌ وَصِدْقٌ».

خروج 15: 2 ومزمور 118: 28 مزمور 98: 1 عدد 23: 19

يَا رَبُّ، أَنْتَ إِلٰهِي تكلم النبي هنا بالنيابة عن الشعب ويظهر من نَفَسه أن الترنيمة التي رنمها موسى لما خلص بنو إسرائيل من البحر كانت في أفكاره فبنى عليها (قابل خروج 15 وإشعياء 12 و25) ويجوز لكل مؤمن أن يقول للرب «أنت إلهي» فالرب ليس في الهيكل فقط أو الكنيسة فقط بل هو في قلوب المؤمنين أيضاً.

مَقَاصِدُكَ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ قصد الله منذ الأزل أن يعمل هذه العجائب لشعبه ووقوعها دليل على أمانته وصدقه.

2، 3 «2 لأَنَّكَ جَعَلْتَ مَدِينَةً رُجْمَةً. قَرْيَةً حَصِينَةً رَدْماً. قَصْرَ أَعَاجِمَ أَنْ لاَ تَكُونَ مَدِينَةً. لاَ يُبْنَى إِلَى ٱلأَبَدِ. 3 لِذٰلِكَ يُكْرِمُكَ شَعْبٌ قَوِيٌّ، وَتَخَافُ مِنْكَ قَرْيَةُ أُمَمٍ عُتَاةٍ».

ص 21: 9 و23: 13 وإرميا 51: 37 رؤيا 11: 13

المرجح أن المدينة المذكورة هنا هي بابل بدليل أنها مدينة حصينة وملوكها أعاجم أي يتكلمون بلغة غير لغة اليهود. والقول «لا يبنى إلى الأبد» يطابق ما قيل في النبوءة بأمور بابل في (ص 13). وربما أراد بالشعب القوي مادي وفارس الذي أخذ بابل وملكه كورش أكرم الرب بندائه بإطلاق بني إسرائيل المسبيين في بابل (عزرا 1: 1 - 4).

وَتَخَافُ مِنْكَ قَرْيَةُ أُمَمٍ عُتَاةٍ يرى البابليون يد الله في سقوطهم فيخافون غير أن الخوف على هذا النوع يمتاز عن الإيمان بالرب والخضوع له. وبما أن النبي لا يقول «أمة» بل «أمم» قال بعضهم أن قرية أمم العتاة تشمل كل مدينة تقاوم الله لا بابل وحدها.

4، 5 «4 لأَنَّكَ كُنْتَ حِصْناً لِلْمِسْكِينِ، حِصْناً لِلْبَائِسِ فِي ضِيقِهِ، مَلْجَأً مِنَ ٱلسَّيْلِ، ظِلاً مِنَ ٱلْحَرِّ، إِذْ كَانَتْ نَفْخَةُ ٱلْعُتَاةِ كَسَيْلٍ عَلَى حَائِطٍ. 5 كَحَرٍّ فِي يَبَسٍ تَخْفِضُ ضَجِيجَ ٱلأَعَاجِمِ. كَحَرٍّ بِظِلِّ غَيْمٍ يُذَلُّ غِنَاءُ ٱلْعُتَاةِ».

ص 4: 6

المسكين والبائس هما شعب الله المضايق والنبي حسب عادته يكثر التشبيهات فيشبه الرب بحصن وملجإ من السيل وظلّ من الحر وحائط يرد السيل. والمراد بقوله «مسكين... وبائس» يدل على عناية الله بكل مسكين وكل بائس.

والأعاجم البابليون كما في الآية الثانية أو جميع العتاة المقاومون والظالمون ومنهم البابليون. والرب يعمل بلا ضجيج (ص 18: 4) ويخفض العتاة كما يحفض الحر بظل الغيم.

غِنَاءُ ٱلْعُتَاةِ أي غناؤهم عند غلبتهم على شعب الله فإن هذه الغلبة وقتية والغناء عن قريب يذلّ.

6 - 8 «6 وَيَصْنَعُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ لِجَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ فِي هٰذَا ٱلْجَبَلِ وَلِيمَةَ سَمَائِنَ، وَلِيمَةَ خَمْرٍ عَلَى دُرْدِيٍّ، سَمَائِنَ مُمِخَّةٍ، دُرْدِيٍّ مُصَفّىً. 7 وَيُفْنِي فِي هٰذَا ٱلْجَبَلِ وَجْهَ ٱلنِّقَابِ ٱلَّذِي عَلَى كُلِّ ٱلشُّعُوبِ، وَٱلْغِطَاءَ ٱلْمُغَطَّى بِهِ عَلَى كُلِّ ٱلأُمَمِ. 8 يَبْلَعُ ٱلْمَوْتَ إِلَى ٱلأَبَدِ، وَيَمْسَحُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ ٱلدُّمُوعَ عَنْ كُلِّ ٱلْوُجُوهِ، وَيَنْزِعُ عَارَ شَعْبِهِ عَنْ كُلِّ ٱلأَرْضِ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ».

أمثال 9: 2 ومتّى 22: 4 ص 2: 2 و3 دانيال 7: 14 ومتّى 8: 11 و2كورنثوس 3: 15 وأفسس 4: 18 هوشع 13: 14 و1كورنثوس 15: 54 ورؤيا 20: 14 و21: 4 رؤيا 7: 17 و21: 4

مضمون هذه الآيات وعد لجميع الشعوب بخيرات في جبل صهيون والمعنى أن أورشليم تكون في المستقبل كما كانت في الماضي مركزاً للدين الحق لكل العالم وتمت النبوءة حرفياً برجوع اليهود من السبي وبناء الهيكل ثانية وتمت أيضاً بتأسيس الكنيسة المسيحية في أورشليم في زمان الرسل ويكون تتميمها الكامل في المستقبل البعيد بامتداد الدين الحقيقي في كل الأرض فإن أورشليم كناية عن الكنيسة.

سَمَائِنَ قيل (لاويين 7: 31) إنه على الكاهن أن يقدّم للرب الشحم وهو أفضل الذبيحة. وتقول هذه النبوءة أن الرب يصنع وليمة سمائن لجميع الشعوب أي يقدم لهم من خاصته وأفضل الخيرات ولا يطلب منهم تقدمة غير تقدمة قلوبهم.

انظر مزمور 22 فإنه ذكر فيه أولاً آلام المسيح ثم مُثلت في ع 26 البركات الروحية الناتجة عن آلام المسيح بوليمة والوليمة معدة للودعاء فيأكلون ويشبعون وقيل في ع 29 إن سميني الأرض يأكلون ويسجدون أي أن هذه البركات الروحية معدة لكل الشعوب لا لليهود فقط.

دُرْدِيٍّ ما يبقى من الخمر راسباً في أسفلها من الكدر والخمر التي تبقى زماناً على الدردي تكون أقوى وأحسن من غيرها غير أنها تتصفى أخيراً فتصير دردياً مصفىً. والنقاب هو غطاء الوجه ويشير إلى الظلام الدامس الذي يغطي عقول الشعب (2كورنثوس 3: 14). وهذا النقاب على الوثينين فلا يعرفون الله وعلى اليهود فلا يرون المسيح في يسوع الناصري وعلى بعض المسيحيين فلا يعلمون واجباتهم وامتيازاتهم باعتبار كونهم مسيحيين. ورأى بعضهم أن النقاب علامة الحزن (2صموئيل 15: 30). وفناء النقاب هو من أعظم البركات الموعود بها.

يَبْلَعُ ٱلْمَوْتَ إِلَى ٱلأَبَدِ الموت كناية عن كل المصائب والأحزان الواقعة على بني آدم بسبب الخطية والوعد من الله من أنه يبطلها فيصير الإنسان كما كان قبل سقوط آدم فهذا الوعد لا ينجز كل الإنجاز إلا بعد موت الجسد (1كورنثوس 15: 54). والكلمة الأصلية المترجمة «إلى الأبد» تُترجم أيضاً «إلى غلبة». ولا يوجد في العهد القديم عبارات أوضح منها يُعبّر بها عن إيمان شعب الله بالحياة الأبدية والخلاص التام.

وَيَمْسَحُ ٱلرَّبُّ ٱلدُّمُوعَ نرى هنا تنازلاً عظيماً ومحبة أبوية والتفاتاً إلى كل شخص والوعد يشير إلى أحزان شديدة قد انتهت وخطايا كثيرة قد غُفرت.

وَيَنْزِعُ عَارَ شَعْبِهِ الأمم عيّروا اليهود بقولهم إن إلههم رفضهم والرب سينزع هذا العار حين يخلصهم. والمسيح سينزع عار شعبه المؤمنين حين يلبسهم ثياباً بيضاً ويجعل في أياديهم سعوف النخل وعلى رؤوسهم الأكاليل ويعترف بهم أمام أبيه.

9 - 12 «9 وَيُقَالُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ: هُوَذَا هٰذَا إِلٰهُنَا. ٱنْتَظَرْنَاهُ فَخَلَّصَنَا. هٰذَا هُوَ ٱلرَّبُّ ٱنْتَظَرْنَاهُ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِخَلاَصِهِ. 10 لأَنَّ يَدَ ٱلرَّبِّ تَسْتَقِرُّ عَلَى هٰذَا ٱلْجَبَلِ، وَيُدَاسُ مُوآبُ فِي مَكَانِهِ كَمَا يُدَاسُ ٱلتِّبْنُ فِي مَاءِ ٱلْمَزْبَلَةِ. 11 فَيَبْسُطُ يَدَيْهِ فِيهِ كَمَا يَبْسُطُ ٱلسَّابِحُ لِيَسْبَحَ، فَيَضَعُ كِبْرِيَاءَهُ مَعَ مَكَايِدِ يَدَيْهِ. 12 وَصَرْحَ ٱرْتِفَاعِ أَسْوَارِكِ يَخْفِضُهُ. يَضَعُهُ، يُلْصِقُهُ بِٱلأَرْضِ إِلَى ٱلتُّرَابِ».

تكوين 49: 18 وتيطس 2: 13 مزمور 20: 5 ص 26: 5

فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ بعد زوال الضيقات وإتمام الخلاص سيرى كل مؤمن ويفهم أن كل ما حدث كان بموجب قضاء الرب وأن كله كان بالعدل والمحبة وأن نتيجته الخلاص.

هٰذَا إِلٰهُنَا يراد بهذا القول التعبير عن الإيمان الحق فإن جوهر الإيمان هو نيل المواعيد فيقول المؤمن أن الله هو إلهي وأبي وأن المسيح مات لأجلي وأنه هو سيدي وأن لي الحياة الأبدية بنعمته.

ٱنْتَظَرْنَاهُ في زمان الضيقات لم نلتجئ إلى آخر ولم نشك في صدق وعده.

فَخَلَّصَنَا وهذا وعد ثابت للذين يثبتون في إيمانهم.

لأَنَّ يَدَ ٱلرَّبِّ تَسْتَقِرُّ عَلَى هٰذَا ٱلْجَبَلِ أي أورشليم وهي كناية عن الكنيسة والمعنى أن الرب لا يترك كنيسته بل يسكن في وسطها ويُظهر قوته فيها على الدوام. ذكر النبي من أعداء يهوذا الكثيرين موآب وإن كان أقل قوة من أشور وبابل ومصر لأنه قريب وكانت حروب قاسية وقديمة بينه وبين إسرائيل ويهوذا. وموآب كناية عن جميع أعداء شعب الله.

كَمَا يُدَاسُ ٱلتِّبْنُ إشارة إلى ضعف كل من يقاوم الرب وعدم قيمته وانكساره وانحطاطه.

فَيَبْسُطُ يَدَيْهِ كأنه سقط في ماء المزبلة وغرق فيبسط يديه ليسبح إن أمكن ليخلّص نفسه.

وَصَرْحَ ٱرْتِفَاعِ الصرح القصر. أشار النبي إما إلى قير موآب المدينة المشهورة المحصنة. (ص 15: 1) أو إلى مدينة تصورية كنى بها عن كل قوة عالمية ترتفع على الرب.

أَسْوَارِكِ أسوار المدينة.

يَخْفِضُهُ أي الصرح. وهكذا كل قوة بني البشر هي اليوم كمدينة محصنة لها أسوار مرتفعة وغداً تكون كالتبن المدوس في ماء المزبلة لا شيء أدنى منه قيمة وقدرة.

فوائد للوعاظ

وجوب التسبيح (ع 1 - 12)

  1. لنا وصايا كثيرة بالتسبيح (أفسس 5: 20 وعبرانيين 13: 15 ويعقوب 5: 13 وأكثر المزامير).

  2. موضوع التسبيح أمانة الرب في وفاء مواعيده وبره في إهلاك أعدائه ورحمته للبائسين والمساكين المتكلين عليه.

  3. يجب أن نحل التسبيح المحل الأول في صلواتنا لأننا في الطلبات نطلب لأنفسنا وتقويتنا على ضعفنا وتجاربنا وأما التسبيح فهو للرب وإلى الأبد. وفي السماء يكون خدمته الملائكة والمفديين.

الوليمة (ع 6)

المسيح أيضاً شبّه بركات الخلاص وليمة (متّى 22: 1 - 5) لاحظ ما يأتي:

  1. صاحب الوليمة وهو الرب الذي منه كل عطية صالحة ومنه دعوة المدعوين.

  2. المدعوون هم كل بين البشر.

  3. المكان وهو أورشليم أي الكنيسة.

  4. الخيرات وهي أفخر المأكولات والمشروبات إشارة إلى المسيح وهو مأكل حق ومشرب حق.

المسيح يبلع الموت (ع 7) بما يأتي:

  1. قيامته من الأموات.

  2. تكفيره الخطية وهي شوكة الموت.

  3. إعداده مكاناً في بيت أبيه لجميع المؤمنين فيكون الموت عندهم كانتقال فقط.

  4. إنارة الحياة والخلود فتكون حياة المؤمنين على الأرض بداءة حياة لا تنتهي.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ وَٱلْعِشْرُونَ

أغنية يغنيها إسرائيل بعد خلاصهم

1 «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يُغَنَّى بِهٰذَا ٱلأُغْنِيَةِ فِي أَرْضِ يَهُوذَا: لَنَا مَدِينَةٌ قَوِيَّةٌ. يَجْعَلُ ٱلْخَلاَصَ أَسْوَاراً وَمِتْرَسَةً».

ص 2: 11 ص 60: 18

فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يوم خلاص لإسرائيل وكل يوم خلاص لشعب الله وللمؤمنين أفراداً في كل جيل.

لَنَا مَدِينَةٌ لليهود مدينة قوية يفتخرون بها كما افتخر أهل بابل بمدينتهم.

يَجْعَلُ ٱلْخَلاَصَ أَسْوَاراً للمدنية أسوار (ففي الآية الثانية «افتحوا الأبواب» ولا يكون أبواب بلا أسوار) ولكن الاتكال على الله وليس على الأسوار ومتى كان الله معهم خلّصهم سواء أكانت مدينتهم مسورة أو كانت بلا أسوار. ولعل النبي أشار بهذا أولاً إلى خلاص أورشليم من سنحاريب. وثانياً إلى الخلاص من بابل في نهاية السبي. وثالثاً وأخيراً إلى الخلاص التام بعد الموت في أورشليم السماوية.

والرب يخلّص على نوعين:

(1) التخليص بعمله خارجاً عن شعبه كما ضرب مصر ومديان والأشوريين.

(2) التخليص بعمله في داخل شعبه إذ يعطيهم الحكمة والشجاعة وغيرهما من المواهب العقلية والروحية فيحاربون ويغلبون باستعمالهم هذه المواهب.

2 «اِفْتَحُوا ٱلأَبْوَابَ لِتَدْخُلَ ٱلأُمَّةُ ٱلْبَارَّةُ ٱلْحَافِظَةُ ٱلأَمَانَةَ».

مزمور 118: 19 و20

اِفْتَحُوا ٱلأَبْوَابَ لا يخافون من فتح الأبواب وذلك لوجود السلام والراحة التامة.

ٱلأُمَّةُ ٱلْبَارَّةُ اليهود الراجعون من السبي وهم أبرار بأنهم تركوا عبادة الأصنام وهي الخطية التي أوجبت السبي. وقال بعضهم إن «الأمة البارة» يراد بها كل أمة تخاف الله.

3، 4 «3 ذُو ٱلرَّأْيِ ٱلْمُمَكَّنِ تَحْفَظُهُ سَالِماً سَالِماً، لأَنَّهُ عَلَيْكَ مُتَوَكِّلٌ. 4 تَوَكَّلُوا عَلَى ٱلرَّبِّ إِلَى ٱلأَبَدِ، لأَنَّ فِي يَاهَ ٱلرَّبِّ صَخْرَ ٱلدُّهُورِ».

ص 57: 19 تثنية 32: 4 وص 45: 17

معنى لفظة «ياه» هو غير المتغير فإن الله لا يتغير لأنه كامل في كل صفاته فيجب على كل من يتكل عليه أن يكون ذا رأي ممكن أي لا يتغير. والسلام الموعود به هو في قلوب المؤمنين ومن المحتمل أن تحدث أحزان وضيقات في الخارج ولكنّ السلام الداخلي لا يُزال. وهذا السلام يشتمل على ما يأتي:

  1. سلامة الضمير الناتجة عن غفران الخطايا.

  2. التسليم لإرادة الله.

  3. الاتكال عليه في الأمور المجهولة والمستقبلة.

  4. الإيمان بأنه يدبر كل أمورنا بالحكمة والقداسة والمحبة ويدبر أمورنا الشخصية.

صَخْرَ ٱلدُّهُورِ جميع المؤمنين في الدهور الماضية وجدوا الرب ثابتاً وأميناً وهكذا سيجده المؤمنون في الدهور الآتية.

5، 6 «5 لأَنَّهُ يَخْفِضُ سُكَّانَ ٱلْعَلاَءِ، يَضَعُ ٱلْقَرْيَةَ ٱلْمُرْتَفِعَةَ. يَضَعُهَا إِلَى ٱلأَرْضِ. يُلْصِقُهَا بِٱلتُّرَابِ. 6 تَدُوسُهَا ٱلرِّجْلُ، رِجْلاَ ٱلْبَائِسِ، أَقْدَامُ ٱلْمَسَاكِينِ».

ص 25: 12 و32: 19

ٱلْقَرْيَةَ ٱلْمُرْتَفِعَةَ بابل.

رِجْلاَ ٱلْبَائِسِ اليهود. الرب يميت ويحيي ويُهبط إلى الهاوبة ويُصعد. وليس المراد أن اليهود سيفتحون بابل بل أنهم سيفتخرون بسقوطها بواسطة الماديين والفرس.

7 «طَرِيقُ ٱلصِّدِّيقِ ٱسْتِقَامَةٌ. تُمَهِّدُ أَيُّهَا ٱلْمُسْتَقِيمُ سَبِيلَ ٱلصِّدِّيقِ».

مزمور 37: 23

الرب مستقيم فيجب على كل من يطلبه أن يكون مستقيماً فلا يترك الرب طريقه ليسلك في طريق الإنسان بل على الإنسان أن يترك طريقه الشريرة ليسلك في طريق الرب.

8 «فَفِي طَرِيقِ أَحْكَامِكَ يَا رَبُّ ٱنْتَظَرْنَاكَ. إِلَى ٱسْمِكَ وَإِلَى ذِكْرِكَ شَهْوَةُ ٱلنَّفْسِ».

ص 64: 5

الأتقياء من اليهود انتظروا الرب وهو يجري أحكامه بتأديبه إياهم مدة السبي في بابل. ولا يقدر الإنسان أن يعلم كل الأسرار في أحكام الرب لأن كثيراً ما ينجح الأشرار ويتضايق الأبرار ولكننا نؤمن بأن الرب يعمل كل شيء وإنه يعمله بالحكمة والعدل وأما واجباتنا اليومية فنعرفها ونقدر أن نعملها فننتظر الرب في طريق التسليم لأحكامه وفي حفظ وصاياه.

9 «بِنَفْسِي ٱشْتَهَيْتُكَ فِي ٱللَّيْلِ. أَيْضاً بِرُوحِي فِي دَاخِلِي إِلَيْكَ أَبْتَكِرُ. لأَنَّهُ حِينَمَا تَكُونُ أَحْكَامُكَ فِي ٱلأَرْضِ يَتَعَلَّمُ سُكَّانُ ٱلْمَسْكُونَةِ ٱلْعَدْلَ».

مزمور 63: 6 ونشيد 3: 1

التأمل في صفات الله وأحكامه مما يحمل التقي على الشوق إليه. فالليل يوافق هذا التأمل لأن لا شيء فيه يلهي النفس فيبعدها عن الله. والتأمل في الليل يأتي بالصلاة باكراً. نشتاق إلى الله في ليلة أحزاننا كالمرض والضيق وفراق الأحباء وفي ليلة شكوكنا عندما يضعف إيماننا فلا نقدر أن نفهم كلام الله ولا معاملته إيانا وفي ليلة انتقالنا عندما نسير في وادي ظل الموت.

حِينَمَا تَكُونُ أَحْكَامُكَ فِي ٱلأَرْضِ التقي يرى الله في كل شيء فليس السماوات وحدها تحدث بمجد الله بل كل أعمال يديه. والتاريخ عند القارئ التقي هو نبأ ما عمله الله في بني البشر وأحسن كتاب في التاريخ هو الكتاب المقدس لأنه لا يقتصر على الإخبار بأعمال الناس بل يظهر مع ذلك مقاصد الله وأحكامه.

يَتَعَلَّمُ سُكَّانُ ٱلْمَسْكُونَةِ يظهر من هذا القول أن النبي وكل مؤمن أيضاً يطلب انتشار معرفة الرب في كل المسكونة وانتقال جميع الناس من طريق الظلم إلى طريق العدل لأن تجديد الظالمين ورجوعهم إلى الله أفضل جداً من هلاكهم.

10 «يُرْحَمُ ٱلْمُنَافِقُ وَلاَ يَتَعَلَّمُ ٱلْعَدْلَ. فِي أَرْضِ ٱلاسْتِقَامَةِ يَصْنَعُ شَرّاً وَلاَ يَرَى جَلاَلَ ٱلرَّبِّ».

جامعة 8: 12 ورومية 2: 4 مزمور 143: 10

من مراحم الله على المنافق وجوده في أرض الاستقامة أي معاشرة الصالحين ولكنه لا يستفيد من كلامهم ولا من قدوتهم الحسنة. وجلال الرب في كل الأرض ويظهر في الخليقة والعناية والفداء ولكن المنافق لا يراه لأنه أعمى عن الروحيات وهو يختار لنفسه أن يكون أعمى. وأرض الاستقامة تشير إلى أرض اليهود. والمنافقون هم غير المؤمنين من اليهود أو الوثنيون المستوطنون عند اليهود.

11 «يَا رَبُّ، ٱرْتَفَعَتْ يَدُكَ وَلاَ يَرَوْنَ. يَرَوْنَ وَيَخْزَوْنَ مِنَ ٱلْغَيْرَةِ عَلَى ٱلشَّعْبِ وَتَأْكُلُهُمْ نَارُ أَعْدَائِكَ».

أيوب 34: 27 ومزمور 28: 5 وص 5: 12

لاَ يَرَوْنَ لا ينتبهون ولا يرجعون عن شرورهم.

يَرَوْنَ وَيَخْزَوْنَ لأنهم يضطرون أن ينظروا إلى الرب حين يقع عليهم الضيق.

ٱلْغَيْرَةِ عَلَى ٱلشَّعْبِ غيرة الله في خلاص شعب اليهود.

نَارُ أَعْدَائِكَ النار التي ستقع على أعداء الرب.

12 «يَا رَبُّ، تَجْعَلُ لَنَا سَلاَماً لأَنَّكَ كُلَّ أَعْمَالِنَا صَنَعْتَهَا لَنَا».

كُلَّ أَعْمَالِنَا صَنَعْتَهَا لَنَا الأعمال التي عملها الله لأجل شعبه. والمعنى أن كل ما وقع هو من الله. فإن السبي كان تأديب الله لشعبه والرجوع من السبي رحمة من الله لهم بعد التأديب وهم آمنوا بأن نتيجة أعمال الله لأجلهم تكون خيراً فتجعل لهم سلاماً. فلا نبني على هذا القول التعليم بعجز الإنسان عن فعل الخير مع أن أقوالاً أخرى في الكتاب تعلم أنه عاجز عن ذلك بلا نعمة الله.

13، 14 «13 أَيُّهَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا، قَدِ ٱسْتَوْلَى عَلَيْنَا سَادَةٌ سِوَاكَ. بِكَ وَحْدَكَ نَذْكُرُ ٱسْمَكَ. 14 هُمْ أَمْوَاتٌ لاَ يَحْيَوْنَ. أَخْيِلَةٌ لاَ تَقُومُ. لِذٰلِكَ عَاقَبْتَ وَأَهْلَكْتَهُمْ وَأَبَدْتَ كُلَّ ذِكْرِهِمْ».

2أيام 12: 8

سَادَةٌ هم ظالمو اليهود في بابل واليهود يعترفون بأن الله وحده ملكهم فلم يعتبروا ملوك بابل أو غيرهم بمنزلة ملوكهم حقيقة.

أَخْيِلَةٌ لاَ تَقُومُ هذا القول لا ينفي القيامة بل يفيد أن الظالمين المذكورين لا يرجعون إلى هذا العالم ليظلموا أيضاً واليهود يكونون قد خلصوا منهم تماماً. وجميع الحكام يأخذون سلطتهم من الله وسوف يعطون حساباً له. والأخيلة جمع خيال وهي موافقة لما قيل على بابل (ص 14: 4 - 17).

15 «زِدْتَ ٱلأُمَّةَ يَا رَبُّ، زِدْتَ ٱلأُمَّةَ. تَمَجَّدْتَ. وَسَّعْتَ كُلَّ أَطْرَافِ ٱلأَرْضِ».

نبوءة برجوع اليهود وتكثيرهم وتوسيع أرضهم. وصدقت هذه النبوءة برجوع اليهود وستتم في المستقبل بتكثير المؤمنين وتوسيع الكنيسة. وصيغة الماضي «زدت... وسعت» للتأكيد لأن النبي رأى ما يقع في المستقبل قد وقع في الحاضر.

تَمَجَّدْتَ وغاية كل أعمال الله لأجل شعبه تمجيد اسمه القدوس.

16 «يَا رَبُّ فِي ٱلضِّيقِ طَلَبُوكَ. سَكَبُوا مُخَافَتَةً عِنْدَ تَأْدِيبِكَ إِيَّاهُمْ».

هوشع 5: 15

اليهود تواضعوا تحت يد الرب في الضيق. والمخافتة هي الصوت الواطئ أو الخفي وربما كانت إشارة إلى صلوات سرّية. والصلاة مع التواضع من أثمار التأديب.

17، 18 «17 كَمَا أَنَّ ٱلْحُبْلَى ٱلَّتِي تُقَارِبُ ٱلْوِلاَدَةَ تَتَلَوَّى وَتَصْرُخُ فِي مَخَاضِهَا، هٰكَذَا كُنَّا قُدَّامَكَ يَا رَبُّ. 18 حَبِلْنَا تَلَوَّيْنَا كَأَنَّنَا وَلَدْنَا رِيحاً. لَمْ نَصْنَعْ خَلاَصاً فِي ٱلأَرْضِ وَلَمْ يَسْقُطْ سُكَّانُ ٱلْمَسْكُونَةِ».

ص 13: 8 ويوحنا 16: 21 مزمور 17: 14

كان كل اجتهادهم في تخليص نفوسهم عبثاً ومما عرفوه في وقت الضيق ضعفهم واحتياجهم كل الاحتياج إلى الرب. وسكان المسكونة الذين لم يسقطوا هم ظالمو اليهود كالبابليين فإن اليهود لم يقدروا أن يخلصوا منهم.

19 «تَحْيَا أَمْوَاتُكَ. تَقُومُ ٱلْجُثَثُ. ٱسْتَيْقِظُوا. تَرَنَّمُوا يَا سُكَّانَ ٱلتُّرَابِ. لأَنَّ طَلَّكَ طَلُّ أَعْشَابٍ، وَٱلأَرْضُ تُسْقِطُ ٱلأَخْيِلَةَ».

حزقيال 37: 1 ودانيال 12: 2

قيل (ع 14) إن أعداء اليهود «أخيلة لا تقوم» ولكن الرب قال لشعب اليهود «تحيا أمواتك». وكانت اليهود في بابل مدة السبي في الذل فكانوا بلا اسم ولا قوة ولا حرية كأنهم أموات. فقال لهم الرب إنهم سيرجعون إلى بلادهم فتقوم أمة اليهود ثانية أي الكلام هنا في موت الأمة السياسي وقيامتهم للحياة كأمة جديدة.

يَا سُكَّانَ ٱلتُّرَابِ إن الرب دعا هنا المذلين والحزانى إلى الفرح والتسابيح لأنه سيخلّصهم.

طَلُّ أَعْشَابٍ شبّه النبي اليهود بعشب كان قد يبس من عدم الرطوبة ثم نزل عليه المطر أي نعمة الله فانتعش.

تُسْقِطُ ٱلأَخْيِلَةَ معنى هذه الجملة كمعنى الجملة في أول الآية «تحيا أمواتك» أي هي إشارة إلى قيامة أمة اليهود السياسية.

وإذا قابلنا هذه النبوءة بما في (1كورنثوس ص 15) نرى أن كلام بولس تعليمي على وجه الحقيقة لا يدخله شيء من المجاز وأما هنا فأكثر الكلام مجاز. كالقول «يقلب وجه الأرض» (ص 24: 1) و«يخجل القمر وتخزى الشمس» (ص 24: 23) و«وليمة سمائن» (ص 25: 6) و«ولدنا ريحاً» (ص 26: 18).

وأكثر الحوادث التاريخية المذكورة في الكتاب المقدس يكنى بها عن تعليم روحي وذلك لأن الإله الواحد هو العامل في تاريخ العالم وتاريخ الفداء أيضاً. وأمثلة ذلك الخروج من مصر والسير في القفر وعبور الأردن والدخول إلى أرض كنعان فإن هذه الحوادث التاريخية تشبه الخلاص من عبودية الخطية وحياة المسيحي في قفر هذا العالم وعبور نهر الموت والدخول إلى كنعان السماوية.

والمدينة بابل رمز إلى كل قوة عالمية تقاوم شعب الله. والرجوع من السبي رمز إلى رجوع الخطأة إلى الله. وأورشليم رمز إلى السماء. وعلى هذا القياس نقول إن الكلام هنا في قيامة الأموات يشير أولاً إلى حادثة تاريخية أي رجوع الشعب من السبي وتجديد الأمة اليهودية ومع ذلك جعل الروح القدس في فم النبي ألفاظاً يصح استعمالها في القيامة من الأموات في اليوم الأخير.

20، 21 «20 هَلُمَّ يَا شَعْبِي ٱدْخُلْ مَخَادِعَكَ وَأَغْلِقْ أَبْوَابَكَ خَلْفَكَ. ٱخْتَبِئْ نَحْوَ لُحَيْظَةٍ حَتَّى يَعْبُرَ ٱلْغَضَبُ. 21 لأَنَّهُ هُوَذَا ٱلرَّبُّ يَخْرُجُ مِنْ مَكَانِهِ لِيُعَاقِبَ إِثْمَ سُكَّانِ ٱلأَرْضِ فِيهِمْ، فَتَكْشِفُ ٱلأَرْضُ دِمَاءَهَا وَلاَ تُغَطِّي قَتْلاَهَا فِي مَا بَعْدُ».

خروج 12: 22 و23 مزمور 30: 5 وص 54: 7 و8 و2كورنثوس 4: 17 ميخا 1: 3 ويهوذا 14

كما دخل نوح الفلك وأغلق الله عليه الباب حتى ينتهي الطوفان وهلاك الأشرار وكما دخل بنو إسرائيل بيوتهم فعبر الرب عن أبوابها لما ضرب أبكار المصريين وكما دخلت راحاب وأهلها إلى بيتها فخلصوا لما سقطت أريحا يختبئ شعب الله كما أمره الرب حتى يعبر الغضب لأن إتمام النبوءة في خلاصهم لا يكون في الوقت الحاضر.

فَتَكْشِفُ ٱلأَرْضُ كأن دم القتلى الذي نزل على الأرض يقوم ويشهد فكأن جميع الذين قُتلوا بالظلم والقساوة يقومون فينصفهم الله من ظالميهم وأما القاتلون فلم يحسبوا أن الأموات يقومون ولا حسبوا أن الله يسأل عن كل من هؤلاء المقتولين ويطالب كل واحد من قاتليهم بدمائهم.

فوائد للوعاظ

توكلوا على الرب إلى الأبد (ع 4)

الاتكال على الرب في كل الأوقات وكل الأحوال ولنا من ذلك ما يأتي:

  1. إنه لا يمكننا الاتكال إلى الأبد على الماديات لأن «هيئة هذا العالم تزول» و«ليس لنا هنا مدينة باقية» «حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون».

  2. إنه لا يمكن الاتكال إلى الأبد على الناس. لأن محبة أصدقائنا تتغير وإذا عشنا إلى الشيخوخة فربما لم يبق لنا صديق لأن بعض أصدقائنا ماتوا وبعضهم نسونا والبعض أظهروا عدم استحقاقهم أن يُسموا أصدقاء.

  3. إنه يمكن الاتكال إلى الأبد على الرب لأنه «هو هو أمس واليوم وإلى الأبد». و«هو صخر الدهور».

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ

الآيتان الأخيرتان من الأصحاح السابق تتضمنان موضوع هذا الأصحاح وهو حفظ الله شعبه في أثناء معاقبته سكان الأرض على آثامهم.

1 «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يُعَاقِبُ ٱلرَّبُّ بِسَيْفِهِ ٱلْقَاسِي ٱلْعَظِيمِ ٱلشَّدِيدِ لَوِيَاثَانَ، ٱلْحَيَّةَ ٱلْهَارِبَةَ. لَوِيَاثَانَ ٱلْحَيَّةَ ٱلْمُتَحَوِّيَةَ، وَيَقْتُلُ ٱلتِّنِّينَ ٱلَّذِي فِي ٱلْبَحْرِ».

مزمور 74: 13 و14 ص 51: 9 وحزقيال 29: 3 و32: 2

بِسَيْفِهِ الكتاب المقدس ينسب إلى الرب عينين وأذنين ويدين الخ من أعضاء جسد الإنسان وسيفاً أيضاً لأننا لا نقدر أن نصف الروحيات إلا بألفاظ مأخوذة من الجسديات. والسيف يختص بالمحارب وبالحاكم فالرب يحارب أعداءه ويقضي لشعبه.

لَوِيَاثَانَ كلمة عبرانية معناها ملتو أو ملتف أو مترحّ كالحية المترحية. والكلمة هنا تشير إلى وحش كبير يُحتمل أن يكون تمساحاً (أيوب ص 41) أو حوتاً (مزمور 104: 26) أو حية كبيرة كما في هذه الأصحاح. وكلمة «تنين» مثلها ومعناها الأصلي «الممدود» أو حيوان طويل كالحية أو التمساح. ومعنى لوياثان المجازي هو الأمم الوثنية التي ظلمت شعب الله وهذه القوة الوثنية تشبه الحية والتنين لكونها مكروهة وعظيمة لا يقدر أحد أن يغلبها إلا الله.

ورأى بعضهم أن لوياثان والحية والتنين تشير إلى مملكة واحدة وهي بابل وآخرون أنها تشير إلى ثلاث ممالك وهي بابل وأشور ومصر. وزاد بعضهم ممالك أخرى والمرجح أنه أُشير بها إلى الأمم الوثنية بالإجمال.

2، 3 «2 فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ غَنُّوا لِلْكَرْمَةِ ٱلْمُشْتَهَاةِ: 3 أَنَا ٱلرَّبُّ حَارِسُهَا. أَسْقِيهَا كُلَّ لَحْظَةٍ. لِئَلاَّ يُوقَعَ بِهَا أَحْرُسُهَا لَيْلاً وَنَهَاراً».

ص 5: 1 مزمور 80: 8 وص 5: 1 وإرميا 2: 21 مزمور 121: 4 و5

لِلْكَرْمَةِ ٱلْمُشْتَهَاةِ شعب الله وهذه الكرمة محبوبة إلى صاحبها فيستعمل لها كل الوسائط ولا يسلمها إلى حارس بل الرب هو حارسها وهو يسقيها كل لحظة أي لا يتأخر عن شيء من الخدمة الواجبة.

أَحْرُسُهَا لَيْلاً أي أحفظها في ليل الضيقات.

وَنَهَاراً أي يحفظها أيضاً من التجارب الناتجة عن الأمن والنجاح.

رأينا في (ص 5: 1 - 7) غضب الله على كرمه لأن الكرم صنع عنباً رديئاً فقال إنه ينزع سياجه ويهدم جدرانه ويجعله خراباً ولكن هنا نرى المحبة الشديدة والخدمة الدائمة فإن الكرم الأول هو إسرائيل في زمان إشعياء وبعده قليلاً والكرمة هنا إسرائيل في المستقبل والكنيسة بعد ما تطهر بواسطة التأديب.

4 «لَيْسَ لِي غَيْظٌ. لَيْتَ عَلَيَّ ٱلشَّوْكَ وَٱلْحَسَكَ فِي ٱلْقِتَالِ فَأَهْجِمَ عَلَيْهَا وَأَحْرِقَهَا مَعاً».

2صموئيل 23: 6 وص 9: 18

الشوك والحسك يشيران إلى أعداء الله وغيظه الشديد عليهم لا على شعبه لأنه يؤدب شعبه تأديباً وقتياً لنفعهم وأما أعداؤه فيهلكهم كالشوك في النار.

5 «أَوْ يَتَمَسَّكُ بِحِصْنِي فَيَصْنَعُ صُلْحاً مَعِي. صُلْحاً يَصْنَعُ مَعِي».

ص 25: 4 أيوب 22: 21

أَوْ يَتَمَسَّكُ بِحِصْنِي أي ملجإي (1ملوك 1: 5 و2: 28) ومعنى الجملة كلها أن الرب وإن كان مغتاظاً على أعداء شعبه يرحمهم إذا التجأوا إليه بالتوبة والإيمان.

فَيَصْنَعُ صُلْحاً مَعِي ما أبعد أفكار الرب عن أفكار الإنسان لأن الرب في كل وقت حتى وقت الغضب يطلب من الخاطئ أن يصالحه ويدله على طريق الصلح. وهذه الآية تعلمنا أن الفرق بين التأديب والعقاب ليس في الرب لأنه لا يشاء هلاك الناس بل الفرق في المؤدبين. كما أن المطر يُنمي أثمار الأرض وهو نفسه يُنمي الشوك. والنار تنقي الذهب والنار نفسها تحرق الهشيم. والمرض يعلم الإنسان الصالح صبراً وهو نفسه يحمل الشرير على الضجر والكفر. ولكن إذا كان الشرير يقسي قلبه ويرفض فوائد التأديب يهلك أخيراً بلا رحمة.

6 «فِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ يَتَأَصَّلُ يَعْقُوبُ. يُزْهِرُ وَيُفْرِعُ إِسْرَائِيلُ، وَيَمْلأُونَ وَجْهَ ٱلْمَسْكُونَةِ ثِمَاراً».

ص 37: 31 وهوشع 14: 5 و6

نبوءة برجوع إسرائيل وقد شُبّه بدالية متأصلة فتزهر وتأتي بثمر كثير. والكنيسة حين تتأصل كما يجب في نعمة الله تزهر فضائل روحية وتثمر أعمالاً صالحة.

7 «هَلْ ضَرَبَهُ كَضَرْبَةِ ضَارِبِيهِ أَوْ قُتِلَ كَقَتْلِ قَتْلاَهُ؟».

استفهام إنكاري أي الرب لم يضرب إسرائيل كما ضرب ضاربيه وقتلى إسرائيل أقل من قتلى العدو. وضاربو إسرائيل هم أشور وبابل خصوصاً فضربهم الرب وسقطوا وأما إسرائيل فضربهم بالسبي ورجعوا إلى بلادهم بعد التأديب.

8، 9 «8 بِزَجْرٍ إِذْ طَلَّقْتَهَا خَاصَمْتَهَا. أَزَالَهَا بِرِيحِهِ ٱلْعَاصِفَةِ فِي يَوْمِ ٱلشَّرْقِيَّةِ. 9 لِذٰلِكَ بِهٰذَا يُكَفَّرُ إِثْمُ يَعْقُوبَ. وَهٰذَا كُلُّ ٱلثَّمَرِ نَزْعُ خَطِيَّتِهِ: فِي جَعْلِهِ كُلَّ حِجَارَةِ ٱلْمَذْبَحِ كَحِجَارَةِ كِلْسٍ مُكَسَّرَةٍ. لاَ تَقُومُ ٱلسَّوَارِي وَلاَ ٱلشَّمْسَاتُ».

أيوب 23: 6 ومزمور 6: 1 وإرميا 10: 24 و30: 11 و46: 28 ويوحنا 3: 43 و1كورنثوس 10: 13 مزمور 78: 38 ص 17: 8 وحزقيال 6: 4 و6

بِزَجْرٍ إِذْ طَلَّقْتَهَا شبه شعب الله بامرأة طلقها رجلها بسبب خطيتها ثم غفر لها وقبلها أيضاً زوجة له.

يَوْمِ ٱلشَّرْقِيَّةِ الشرقية ريح قوية مضرة أريد بها غضب الله على شعبه لما أزالهم بسبي بابل.

وَهٰذَا كُلُّ ٱلثَّمَرِ ثمر التأديب هو نزع الخطية.

فِي جَعْلِهِ كُلَّ حِجَارَةِ ٱلْمَذْبَحِ إسرائيل سيجعل حجارة مذبح الأصنام كحجارة كلس مكسرة أي يهدمها. والسواري والشمسات كانت مستعملة في عبادة عشتروث والبعل.

10، 11 «10 لأَنَّ ٱلْمَدِينَةَ ٱلْحَصِينَةَ مُتَوَحِّدَةٌ. ٱلْمَسْكَنُ مَهْجُورٌ وَمَتْرُوكٌ كَٱلْقَفْرِ. هُنَاكَ يَرْعَى ٱلْعِجْلُ وَهُنَاكَ يَرْبُضُ وَيُتْلِفُ أَغْصَانَهَا. 11 حِينَمَا تَيْبَسُ أَغْصَانُهَا تَتَكَسَّرُ، فَتَأْتِي نِسَاءٌ وَتُوقِدُهَا. لأَنَّهُ لَيْسَ شَعْباً ذَا فَهْمٍ، لِذٰلِكَ لاَ يَرْحَمُهُ صَانِعُهُ وَلاَ يَتَرَأَّفُ عَلَيْهِ جَابِلُهُ».

ص 17: 2 و32: 14 تثنية 32: 28 وص 1: 3 وإرميا 8: 7 تثنية 32: 18 وص 43: 1 و7 و44: 2 و21 و24

من المحتمل أن المدينة المذكورة هي بابل والأرجح أنها أورشليم.

مُتَوَحِّدَةٌ متروكة وحدها إلى حين وعلاقاتها التجارية مقطوعة.

يَرْعَى ٱلْعِجْلُ دليل على خراب المدينة لأنها صارت مرعى وصارت بساتينها وعراً تحتطب النساء منه وهكذا كانت حال أورشليم في مدة السبي.

لأَنَّهُ لَيْسَ شَعْباً ذَا فَهْمٍ انظر قول موسى (تثنية 32: 28) «إنهم أمة عديمة الرأي» لأنهم تركوا الرب ولم يصدقوا أن كل الخيرات منه وهو القادر على كل شيء ونجاحهم وراحتهم في خدمته. وهذا وصف حالة اليهود قبل السبي.

12، 13 «12 وَيَكُونُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أَنَّ ٱلرَّبَّ يَجْنِي مِنْ مَجْرَى ٱلنَّهْرِ إِلَى وَادِي مِصْرَ. وَأَنْتُمْ تُلْقَطُونَ وَاحِداً وَاحِداً يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ. 13 وَيَكُونُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ أَنَّهُ يُضْرَبُ بِبُوقٍ عَظِيمٍ، فَيَأْتِي ٱلتَّائِهُونَ فِي أَرْضِ أَشُّورَ وَٱلْمَنْفِيُّونَ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَيَسْجُدُونَ لِلرَّبِّ فِي ٱلْجَبَلِ ٱلْمُقَدَّسِ فِي أُورُشَلِيمَ».

ص 2: 11 متّى 24: 31 ورؤيا 11: 15

بعدما أنبأ بالويل والخراب أخذ يعزّي الشعب بالوعد بالرجوع إلى الله والاجتماع بعد التشتيت.

«النهر» هنا هو نهر الفرات. و«الوادي» هو وادي العريش على الحدود بين مصر وفلسطين.

وَاحِداً وَاحِداً أي أن الله يخلّص شعبه أفراداً فلا يضيع أحد كما أن الراعي في المثل ترك التسعة والتسعين وفتش عن الخروف الضال. فيجب على المبشر أن يعرف قيمة النفس الواحدة ولا يكتفي بالوعظ على المنبر.

كان البوق لجمع العساكر في الحرب وللأنباء بالأعياد والمعنى أن الله سيجمع شعبه ليردهم إلى بلادهم. والنبوءة تمت أولاً في نداء كورش ثم بانضمام كثيرين من اليهود إلى الكنيسة وستتم أخيراً بخلاص جميع إسرائيل.

فوائد للوعاظ

يتمسك بحصني ويصنع صلحاً معي (ع 5).

دعوة الله للخطأة. نرى في هذا الأصحاح ما يأتي:

  1. قوة الله في عقاب لوياثان.

  2. عناية الله بشعبه كعناية الكرّام بكرمه.

  3. قداسة الله بتطهير شعبه.

  4. محبة الله للمؤمنين أفراداً.

بوق عظيم (ع 13)

بوق الإنجيل. فينادي المبشر بما يأتي:

  1. تجسد المسيح وموته وقيامته.

  2. دعوة كل بني البشر إلى الخلاص.

  3. الحرب المقدسة مع الخطية.

  4. اتحاد جميع شعب الله في انتشار الإنجيل في العالم.

  5. القيامة من الأموات في اليوم الأخير.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ وَٱلْعِشْرُونَ

مضمونه:

نبوءة بسقوط السامرة عن يد ملك أشور مع بيان سبب سقوطها وهو خطاياها كالسكر واحتقار كلام الله. وكانت يهوذا شاركت إسرائيل في هذه الخطايا وعليها أيضاً غضب الله. وكان مع الغضب الرحمة كما يظهر في مثل الحارث. والسامرة سقطت في السنة السادسة للملك حزقيا.

1 «وَيْلٌ لإِكْلِيلِ فَخْرِ سُكَارَى أَفْرَايِمَ، وَلِلزَّهْرِ ٱلذَّابِلِ جَمَالِ بَهَائِهِ ٱلَّذِي عَلَى رَأْسِ وَادِي سَمَائِنَ، ٱلْمَضْرُوبِينَ بِٱلْخَمْرِ».

ع 3 ع 4

وَيْلٌ لإِكْلِيلِ فَخْرِ سُكَارَى أَفْرَايِمَ أي السامرة عاصمة مملكة إسرائيل وكان موقعها على أكمة حولها أودية وآكام وكانت مدينة قوية لسبب موقعها وأسوارها وحصونها. وكانت الأودية والسهول المحيطة بها مخصبة جداً ومشهورة بالكروم والمناظر الجميلة (انظر سفر عاموس وانظر أيضاً «السامرة» قاموس الكتاب المقدس) ويظهر من هذا الأصحاح أن أهل السامرة اشتهروا بخطية السكر (عاموس 4: 1 و6: 4 - 6). واعتاد السكارى في القديم لبس إكليل من الأزهار كالورد والبنفسج مع أوراق الآس واللبلاب واعتقدوا أن الإكليل المصنوع منها ورائحة الأزهار ما يخفف أضرار السكر فكان الإكليل علامة الخلاعة.

أَفْرَايِمَ المملكة الشمالية أخذت اسمها من اسم أقوى سبط فيها. فالنبي لا يكتفي بذكر الخطية فسمى الخاطئ أيضاً كقول ناثان لداود «أنت هو الرجل».

وَلِلزَّهْرِ ٱلذَّابِلِ كانت السامرة جميلة كالزهر وإذ كان سقوطها قريباً كانت كزهر ذابل.

وَادِي سَمَائِنَ وادٍ فيه تُرب مخصبة تأتي بالأثمار الوافرة ولكن هذه الخيرات تحولت شروراً. وأفسد فساد قلوبهم عطايا الله الجيدة.

ٱلْمَضْرُوبِينَ بِٱلْخَمْرِ أي المغلوبين منها لأنهم صاروا كعبيد لها لا يقدرون أن يخلصوا منها وأُتلفت بها أملاكهم وصحتهم وآدابهم وهلكت نفوسهم. وكانوا سكارى أيضاً بخمر الكبرياء فلم ينتبهوا للأخطار المحيطة بهم.

2 - 4 «2 هُوَذَا شَدِيدٌ وَقَوِيٌّ لِلسَّيِّدِ كَٱنْهِيَالِ ٱلْبَرَدِ، كَنَوْءٍ مُهْلِكٍ، كَسَيْلِ مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ جَارِفَةٍ، قَدْ أَلْقَاهُ إِلَى ٱلأَرْضِ بِشِدَّةٍ. 3 بِٱلأَرْجُلِ يُدَاسُ إِكْلِيلُ فَخْرِ سُكَارَى أَفْرَايِمَ. 4 وَيَكُونُ ٱلزَّهْرُ ٱلذَّابِلُ جَمَالُ بَهَائِهِ ٱلَّذِي عَلَى رَأْسِ وَادِي ٱلسَّمَائِنِ كَبَاكُورَةِ ٱلتِّينِ قَبْلَ ٱلصَّيْفِ، ٱلَّتِي يَرَاهَا ٱلنَّاظِرُ فَيَبْلَعُهَا وَهِيَ فِي يَدِهِ».

ص 30: 3 وحزقيال 13: 11 ع 1

شَدِيدٌ وَقَوِيٌّ ملك أشور الذي كان آلة للسيد الرب في إجراء مقاصده.

كَٱنْهِيَالِ ٱلْبَرَدِ شبه هجوم الأشوريين ببرد ونوء وسيل كأن التشبيه الواحد لا يكفي لوصف أهوال الحرب ولا سيما حرب الأشوريين لأنهم كانوا بلا شفقة ولا حق فأحرقت المدن والقرى وقُتل ألوف في الحرب وذُبح ألوف من غير المحاربين منهم نساء وأولاد وسُلبت الأموال وخُربت الأملاك وكثيرون استُعبدوا بلا رجاء وسُبوا إلى بلاد بعيدة.

قَدْ أَلْقَاهُ ملك أشور قد ألقى الإكليل إلى الأرض والإكليل هو المدينة الجميلة على رأس الأودية. والنبي تكلم في هذه الأمور المستقبلة كأنها قد مضت.

كَبَاكُورَةِ ٱلتِّينِ الذي يرى باكورة التين لا يضعها في سلة ويأخذها إلى بيته بل يبلعها في الحال لأنها لذيذة. فيدل على طمع ملك أشور وشراهته.

5، 6 «5 فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يَكُونُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ إِكْلِيلَ جَمَالٍ وَتَاجَ بَهَاءٍ لِبَقِيَّةِ شَعْبِهِ، 6 وَرُوحَ ٱلْقَضَاءِ لِلْجَالِسِ لِلْقَضَاءِ، وَبَأْساً لِلَّذِينَ يَرُدُّونَ ٱلْحَرْبَ إِلَى ٱلْبَابِ».

فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يوم سقوط السامرة.

لِبَقِيَّةِ شَعْبِهِ يهوذا الذي بقي بعد سقوط السامرة نحو 130 سنة. إن اليهود الأتقياء افتخروا بالرب كما افتخر أهل السامرة بمدينتهم الجميلة وكان حزقيا الصالح في وقت هذه النبوءة ملكاً على يهوذا.

رُوحَ ٱلْقَضَاءِ لِلْجَالِسِ لِلْقَضَاء أي القضاة في أورشليم.

لِلَّذِينَ يَرُدُّونَ ٱلْحَرْبَ إِلَى ٱلْبَابِ (2ملوك 18: 8) أي يغلبون أعداءهم ويطردونهم ويردونهم إلى باب مدينتهم. فالرب وعد يهوذا بأنه يعطيهم روح العدل بالقضاء والبأس في الحرب وهما صفتان تجمعان كل الصفات الحميدة المطلوب أن تكون في الحكام. والاختلاف كبير بين إكليل السامرة وإكليل يهوذا فإن الأول إكليل جسدي ووقتيٌ والثاني إكليل روحي وأبدي ومجده مجد الرب. ومعظم غاية النبي في هذا الأصحاح إنذار يهوذا فبيّن عقاب الخطايا الناشئة عن الشهوات ولكنه ما اكتفى بذلك لئلا يقولوا لنأكل ونشرب لأننا غداً نموت فأوضح لهم أن مخافة الرب هي الحسنى لا السكر وإن البأس في الحرب هو الأفضل لا الافتخار الباطل.

7، 8 «7 وَلَكِنَّ هٰؤُلاَءِ أَيْضاً ضَلُّوا بِٱلْخَمْرِ وَتَاهُوا بِٱلْمُسْكِرِ. ٱلْكَاهِنُ وَٱلنَّبِيُّ تَرَنَّحَا بِٱلْمُسْكِرِ. ٱبْتَلَعَتْهُمَا ٱلْخَمْرُ. تَاهَا مِنَ ٱلْمُسْكِرِ. ضَلاَّ فِي ٱلرُّؤْيَا. قَلِقَا فِي ٱلْقَضَاءِ. 8 فَإِنَّ جَمِيعَ ٱلْمَوَائِدِ ٱمْتَلأَتْ قَيْئاً وَقَذَراً. لَيْسَ مَكَانٌ».

أمثال 20: 1 وهوشع 4: 11 ص 56: 10 و12

هٰؤُلاَءِ أَيْضاً كان على يهوذا الخطايا التي كانت على السامرة كالسكر واحتقار كلام الله. وسكر الكاهن كان خطية أفظع لأنه كان يقترب إلى الله في ممارسة وظيفته وكذلك سكر النبي لأنه كان يتكلم بكلام الله. كانت مدارس الأنبياء من أيام صموئيل فصاعداً وكانوا يتعلمون فيها تفسير التوراة والموسيقى والشعر وكانوا يعلّمون الشعب ولكن لم يكونوا كلهم ممن يلهمهم الله وبوحي إليهم.

ضَلاَّ فِي ٱلرُّؤْيَا كلام الله طاهر والرؤيا صادقة ولكن الإنسان يضل بسبب خطيته وهو كإناء نجس ينجس الموضوع فيه أو قناة مسدودة تمنع ماء الحياة عن العطاش.

لَيْسَ مَكَانٌ كان الكهنة يسكرون أين اتفق لهم حتى في الأماكن المقدسة والأنبياء في وقت ممارستهم عملهم بالنظر إلى كونهم معلني شريعة الله (لاويين 10: 9) «قَالَ ٱلرَّبُّ لِهَارُونَ: خَمْراً وَمُسْكِراً لاَ تَشْرَبْ أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ عِنْدَ دُخُولِكُمْ إِلَى خَيْمَةِ ٱلاجْتِمَاعِ لِكَيْ لاَ تَمُوتُوا. فَرْضاً دَهْرِيّاً فِي أَجْيَالِكُمْ».

9، 10 «9 لِمَنْ يُعَلِّمُ مَعْرِفَةً، وَلِمَنْ يُفْهِمُ تَعْلِيماً؟ أَلِلْمَفْطُومِينَ عَنِ ٱللَّبَنِ، لِلْمَفْصُولِينَ عَنِ ٱلثُّدِيِّ؟ 10 لأَنَّهُ أَمْرٌ عَلَى أَمْرٍ. أَمْرٌ عَلَى أَمْرٍ. فَرْضٌ عَلَى فَرْضٍ. فَرْضٌ عَلَى فَرْضٍ. هُنَا قَلِيلٌ هُنَاكَ قَلِيلٌ».

إرميا 6: 10

لِمَنْ يُعَلِّمُ مَعْرِفَةً كلام السكارى هنا استهزاء بالنبي وربما كانوا كهنة وأنبياء وكأنهم قالوا فيما بينهم هل نحن أطفال فيعلمنا وربما قلدوا صوته وأسلوب كلامه وضحكوا عليه قائلين أمر على أمر فرض على فرض فرض على فرض فإنهم اعتبروا تعليم إشعياء بسيطاً جداً وضجروا من تكرار ما يعرفونه ويفهمونه إذ رأوا أنه غير موافق لأناس علماء وفهماء كما كانوا يحسبون أنفسهم. «كَلِمَةَ ٱلصَّلِيبِ عِنْدَ ٱلْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ» (1كورنثوس 1: 18).

11 - 13 «11 إِنَّهُ بِشَفَةٍ لَكْنَاءَ وَبِلِسَانٍ آخَرَ يُكَلِّمُ هٰذَا ٱلشَّعْبَ 12 ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمْ: هٰذِهِ هِيَ ٱلرَّاحَةُ. أَرِيحُوا ٱلرَّازِحَ، وَهٰذَا هُوَ ٱلسُّكُونُ. وَلَكِنْ لَمْ يَشَاءُوا أَنْ يَسْمَعُوا. 13 فَكَانَ لَهُمْ قَوْلُ ٱلرَّبِّ: أَمْراً عَلَى أَمْرٍ. أَمْراً عَلَى أَمْرٍ. فَرْضاً عَلَى فَرْضٍ. فَرْضاً عَلَى فَرْضٍ. هُنَا قَلِيلاً هُنَاكَ قَلِيلاً لِيَذْهَبُوا وَيَسْقُطُوا إِلَى ٱلْوَرَاءِ وَيَنْكَسِرُوا وَيُصَادُوا فَيُؤْخَذُوا».

1كورنثوس 14: 21

جواب النبي للسكارى وهو أنه يكون كما قالوا فيكلمهم الرب بشفة لكناء وليس كما افتكروا بل يأتي ملك أشور وجيشه ويسمع أهل أورشليم لساناً غريباً ويكون لهم ضربة على ضربة والذين لم يريدوا أن يتعلموا من كلام النبي اللطيف يتعلمون على رغمهم بسيف ملك أشور القاسي ولعل النبوءة تشير إلى سبي بابل أيضاً.

قَالَ لَهُمْ كان الرب وعدهم بالراحة إذا أراحوا الرازح (تثنية 28: 1 - 13). إن القسم الأكبر من الكتاب المقدس أخبار تاريخية وأمثال حقائق مكرر ذكرها وموضحة على طرق كثيرة والضمير يحرض الإنسان على تتميم واجبات بسيطة ويحذره من تجارب تصيبه كل يوم وكل ساعة وإذا كان الناس من كبريائهم يحتقرون هذا التعليم البسيط يجعله الله بسيطاً في معنى آخر أي أنه يخفي عنهم كنوز المعرفة والنعمة المتضمنة في كلامه فيصير هذا الكلام عندهم كلاماً بلا معنى وبلا تأثير فيصبحون بلا مرشد في الضيق وبلا معز في الحزن وبلا مخلّص من خطاياهم. وفي كل جيل يستهزئ غير المؤمنين بخادم الرب وأحسن جواب يأتي به هو أن الكلام من الرب لا منه وأحسن سلوك في مثل هذه الأحوال هو الثبات في تعليمه الكتاب المقدس وإن كان هذا التعليم قديماً وعلى ظن المستهزئين بسيطاً ومفهوماً.

لِيَذْهَبُوا وَيَسْقُطُوا (انظر ص 6: 9).

14 «لِذٰلِكَ ٱسْمَعُوا كَلاَمَ ٱلرَّبِّ يَا رِجَالَ ٱلْهُزْءِ، وُلاَةَ هٰذَا ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ».

بعد توبيخ الكهنة والأنبياء النبي إلى ولاة الشعب أي الشرفاء الذين كانوا مشيري الملك ومدبري أمور المملكة في كل الأيام ولا سيما أيام الملوك الضعفاء والأشرار في المدة الأخيرة قبل السبي وهم رجال الهزء لأنهم دبروا وعملوا بحسب رأي أنفسهم ولم يسمعوا من الرب.

15 «لأَنَّكُمْ قُلْتُمْ: قَدْ عَقَدْنَا عَهْداً مَعَ ٱلْمَوْتِ، وَصَنَعْنَا مِيثَاقاً مَعَ ٱلْهَاوِيَةِ. ٱلسَّوْطُ ٱلْجَارِفُ إِذَا عَبَرَ لاَ يَأْتِينَا، لأَنَّنَا جَعَلْنَا ٱلْكَذِبَ مَلْجَأَنَا، وَبِٱلْغِشِّ ٱسْتَتَرْنَا».

عاموس 2: 4

عَقَدْنَا عَهْداً مَعَ ٱلْمَوْتِ ربما لم يقولوا هذا القول عينه ولكن هذا ما قاله لسان حالهم فكانوا يعملون الشرور ويخالفون وصايا الله بلا خوف من الموت كأنهم عقدوا عهداً معه. وكل خاطئ يسكّن نفسه بقوله أنه لا يصيبه بلية والموت بعيد جداً. والهاوية هنا بمعنى الموت.

ٱلسَّوْطُ ٱلْجَارِفُ ضربة تعمّ جميع الناس كطوفان أو وباء أو حرب ولا سيما حرب ملك أشور وربما كانوا متكلين على المخالفة بينهم وبينه (2ملوك 16: 7) فقالوا لا يأتيهم أي لا يضرهم وإن أتى وضرّ غيرهم.

جَعَلْنَا ٱلْكَذِبَ مَلْجَأَنَا لا ريب في أن هذا ليس كلامهم بلفظة لأنهم لا يعترفون بأنهم متكلون على الكذب ولكن النبي يقول إن هذا خلاصة كلامهم وربما كانوا متكلين على مصر سراً فظنوا أنهم آمنون من الجهتين أي من جهة أشور ومن جهة مصر وهذا الملجأ باطل لأن الاتكال على مصر عبث وملجأ الكذب يشير أيضاً إلى أقوال الأنبياء الكذبة (ميخا 2: 11) وكثيرون لا يطلبون معرفة الحق بل ما يوافق شهواتهم فيصغون بالسرور إلى الخادعين.

16 «لِذٰلِكَ هٰكَذَا يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ: هَئَنَذَا أُؤَسِّسُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ ٱمْتِحَانٍ، حَجَرَ زَاوِيَةٍ كَرِيماً، أَسَاساً مُؤَسَّساً. مَنْ آمَنَ لاَ يَهْرُبُ».

تكوين 49: 24 ومزمور 118: 22 ومتّى 21: 42 وأعمال 4: 11 ورومية 9: 33 و10: 11 وأفسس 2: 20 و1بطرس 2: 6 و7 و8

أُؤَسِّسُ فِي صِهْيَوْنَ كان المستهزئون في أورشليم قد وضعوا أساس الكذب فيريهم الرب الأساس الحقيقي.

حَجَرَاً ربما كان في بال النبي الحجارة العظيمة في أساس الهيكل (1ملوك 5: 17) وكُشف في أيامنا بعض هذه الحجارة فكان طول أحدها 38 قدماً فيُمثل بها المسيح وهو حجر الزاوية للكنيسة (رومية 9: 33 و1بطرس 2: 6).

حَجَرَ ٱمْتِحَانٍ حجر ممتحن لأن كل من يلتجئ إلى المسيح لا يسلك في طريق جديد بل يتبع خطوات ربوات كثيرة اتكلوا على المسيح وخلصوا ولم يخب أمل أحد منهم.

حَجَرَ زَاوِيَةٍ (أفسس 2: 20 و1بطرس 2: 5) الحجر الذي يسند كل البناء فالأنبياء والرسل هم الأساس ولكن المسيح وحده حجر الزاوية.

مَنْ آمَنَ لاَ يَهْرُبُ إذ لا يكون عليه شيء من الخطر حتى يهرب ولا يوجد ملجأ آخر ليهرب إليه ومن ليس له إيمان فيخاف ويهرب. غير أن اليهود الأتقياء في عصر إشعياء لم يعرفوا المسيح نفسه بل صدقوا الوعد بمجيئه وهذا الوعد وغيره من مواعيد الله كان لهم كحجر الزاوية الذي بنوا عليه كل رجائهم.

17 «وَأَجْعَلُ ٱلْحَقَّ خَيْطاً وَٱلْعَدْلَ مِطْمَاراً، فَيَخْطُفُ ٱلْبَرَدُ مَلْجَأَ ٱلْكَذِبِ، وَيَجْرُفُ ٱلْمَاءُ ٱلسِّتَارَةَ».

2ملوك 21: 13 ع 15

خَيْطاً... مِطْمَاراً الخيط والمطمار آلتان من آلات البناء يستقيم بهما الحائط ويكون عمودياً على سطح الأفق. وهكذا يقيس الرب كل أعمال الإنسان فيجب أن تكون بالعدل والحق وكل ما لا ينطبق على هذا القياس لا يثبت (متّى 7: 24 - 27).

ٱلْبَرَدُ... ٱلْمَاءُ أي أحكام الله كمجيء ملك أشور وملك بابل وإخراب الرومانيين أورشليم والموت والدينونة الأخيرة.

18، 19 «18 وَيُمْحَى عَهْدُكُمْ مَعَ ٱلْمَوْتِ، وَلاَ يَثْبُتُ مِيثَاقُكُمْ مَعَ ٱلْهَاوِيَةِ. ٱلسَّوْطُ ٱلْجَارِفُ إِذَا عَبَرَ تَكُونُونَ لَهُ لِلدَّوْسِ. 19 كُلَّمَا عَبَرَ يَأْخُذُكُمْ، فَإِنَّهُ كُلَّ صَبَاحٍ يَعْبُرُ، فِي ٱلنَّهَارِ وَفِي ٱللَّيْلِ، وَيَكُونُ فَهْمُ ٱلْخَبَرِ فَقَطِ ٱنْزِعَاجاً».

وَيُمْحَى عَهْدُكُمْ مَعَ ٱلْمَوْتِ لا يخلصون من الموت بأكاذيبهم كما كانوا يظنون. وفي هذه الآية ثلاثة تشبيهات بثلاثة مشبهات بها وهي السوط وطوفان وتشير إليها كلمة «الجارف» ودوس المحارب والمعنى واحد وهو الخراب التام.

كُلَّمَا عَبَرَ يَأْخُذُكُمْ كان هجوم الأشوريين كطوفان. أُخبرنا بمرور الأشوريين ثماني مرات على الأقل مرة في زمان سرجون ومرتين في زمان سنحاريب وثلاث مرات أو أربع في زمان آسرحدون ومرتين في زمان أشربانبال وكان اليهود في كل منها يقلون عدداً وقوة.

كُلَّ صَبَاحٍ أي تكون المصائب متوالية.

فَهْمُ ٱلْخَبَرِ فَقَطِ ٱنْزِعَاجاً من كثرة المصائب ينزعج النبي من التكلم به وينزعج الشعب من السمع بها.

20 «لأَنَّ ٱلْفِرَاشَ قَدْ قَصَرَ عَنِ ٱلتَّمَدُّدِ، وَٱلْغِطَاءَ ضَاقَ عَنِ ٱلالْتِحَافِ».

يظهر أن هذه العبارة كانت مثلاً معناه الضيق الناتج عن عدم الاستعداد كأن إنساناً صنع فراشاً وغلط في القياس فقصر عن المطلوب فلم يسترح عليه وهكذا أمر الذين يتكلون على الأكاذيب التي لا تخلصهم في وقت الضيق.

21 «لأَنَّهُ كَمَا فِي جَبَلِ فَرَاصِيمَ يَقُومُ ٱلرَّبُّ، وَكَمَا فِي ٱلْوَطَاءِ عِنْدَ جِبْعُونَ يَسْخَطُ لِيَفْعَلَ فِعْلَهُ ٱلْغَرِيبَ، وَلِيَعْمَلَ عَمَلَهُ ٱلْغَرِيبَ».

2صموئيل 5: 20 و1أيام 14: 11 يشوع 10: 10 و12 و2صموئيل 5: 25 و1أيام 14: 16 مراثي 2: 33

جَبَلِ فَرَاصِيمَ... ٱلْوَطَاءِ عِنْدَ جِبْعُونَ (انظر 1ايام 14: 8 - 16).

عَمَلَهُ ٱلْغَرِيبَ:

  1. لأن الرب سيعمل مع شعبه كما عمل مع الفلسطينيين.

  2. لأن الأحكام الآتية على اليهود لم يأتهم مثلها.

  3. لأن الرب سيستعمل في تأديب شعبه أمة وثنية.

  4. لأن من يجري هذه الأحكام على شعبه هو إله محبة فلا يسرّ بهلاكهم.

22 «فَٱلآنَ لاَ تَكُونُوا مُتَهَكِّمِينَ لِئَلاَّ تُشَدَّدَ رُبُطُكُمْ، لأَنِّي سَمِعْتُ فَنَاءً قَضَى بِهِ ٱلسَّيِّدُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ عَلَى كُلِّ ٱلأَرْضِ».

ص 10: 22 و23 ودانيال 9: 27

كان بنو إسرائيل مربوطين بربط الجزية والخضوع للأشوريين ولكن هذه الربط كانت رخوة بالنسبة إلى ما وقع عليهم بعد ذلك الزمان فيقول لهم النبي يكفيكم رُبطكم فلا تشدوها بإصراركم على خطاياكم. وكل خطية كحلقة في السلسلة التي يقيّد الخاطئ نفسه بها.

كُلِّ ٱلأَرْضِ أي أرض اليهودية.

23 - 29 «23 اُصْغُوا وَٱسْمَعُوا صَوْتِي. ٱنْصُتُوا وَٱسْمَعُوا قَوْلِي. 24 هَلْ يَحْرُثُ ٱلْحَارِثُ كُلَّ يَوْمٍ لِيَزْرَعَ وَيَشُقَّ أَرْضَهُ وَيُمَهِّدَهَا؟ 25 أَلَيْسَ أَنَّهُ إِذَا سَوَّى وَجْهَهَا يَبْذُرُ ٱلشُّونِيزَ وَيُذَرِّي ٱلْكَمُّونَ وَيَضَعُ ٱلْحِنْطَةَ فِي أَتْلاَمٍ وَٱلشَّعِيرَ فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ وَٱلْقَطَانِيَّ فِي حُدُودِهَا؟ 26 فَيُرْشِدُهُ. بِٱلْحَقِّ يُعَلِّمُهُ إِلٰهُهُ. 27 إِنَّ ٱلشُّونِيزَ لاَ يُدْرَسُ بِٱلنَّوْرَجِ، وَلاَ تُدَارُ بَكَرَةُ ٱلْعَجَلَةِ عَلَى ٱلْكَمُّونِ، بَلْ بِٱلْقَضِيبِ يُخْبَطُ ٱلشُّونِيزُ وَٱلْكَمُّونُ بِٱلْعَصَا. 28 يُدَقُّ ٱلْقَمْحُ لأَنَّهُ لاَ يَدْرُسُهُ إِلَى ٱلأَبَدِ، فَيَسُوقُ بَكَرَةَ عَجَلَتِهِ وَخَيْلَهُ. لاَ يَسْحَقُهُ. 29 هٰذَا أَيْضاً خَرَجَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ. عَجِيبُ ٱلرَّأْيِ عَظِيمُ ٱلْفَهْمِ».

مزمور 92: 5 وإرميا 32: 19

اُصْغُوا لأن الكلام الآتي يستحق عظيم الاعتبار. والنبي يخاطب أهل أورشليم. وبعد ما كان قد تنبأ بالسوط الجارف والفناء المقضى به أخذ يعلّمهم بواسطة مثل الحارث أن قصد الرب في أحكامه تأديب الشعب لكي يأتوا بأثمار صالحة (انظر قاموس الكتاب المقدس ففيه وصف النباتات المذكورة). بزر الشونير هو الحبة السوداء التي تنتثر على الخبز وتُعرف عند العامة بحبة البركة. وبزر الكمون يشبه الأنيسون وذكره المسيح (متّى 23: 23) مريداً به الأشياء الزهيدة. ويُراد بالقطاني جميع الحبوب التي تُطبخ كالعدس والماش والفول واللوبياء والحمص.

ومن فوائد هذا المثل ما يأتي:

  1. إن كل شيء في يد الله وهو الحارث فيحرث ويزرع ويحصد ويدرس كما يريد والحقل له.

  2. إن لله مقاصد في كل عمله كما أن الحارث يحرث أرضاً ويترك أخرى ويزرع القمح هنا والشعير هناك ويفعل كل شيء برأي وتدبير.

  3. إن الحراثة تشير إلى تأديب الله الذي به يكسر القلوب ويعده لقبول البزر.

  4. إن للحراثة وقتاً محدوداً ولتأديب الله نهاية فلا يؤدب أكثر من المقتضى «القصبة المرضوضة لا يكسرها والفتيلة المدخنة لا يطفئها».

  5. إن الله يجعل التأديب مناسباً لكل من المؤدبين. النورج للقمح والقضيب للشونيز والعصا للكمون فعلى كل مؤدَّب أن يسلّم أمره إلى الرب.

فوائد للوعاظ

ضلوا بالخمر (ع 8) فعل المسكر

  1. يحط الشرف. «بالأرجل يُداس». حتى النبي والكاهن إذا سكرا يصيرا هزءة وأضحوكة.

  2. يشوه الجمال «الزهر الذابل».

  3. يضعف العقل «تاها من المسكر»

  4. يضعف القوة الجسدية «ألقاه إلى الأرض بشدة».

  5. يبدد المال «يبتلعها وهي بيده» أي غنى السامرة زال كباكورة التين بيد آكله.

  6. يهلك النفس «لا يثبت ميثاقهم مع الهاوية» «ولا السكيرون يرثون ملكوت الله».

وبما أن شرب المسكر مخطر إلى هذا الحد كان الأولى أن لا نستعمله مطلقاً.

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلْعِشْرُونَ

مضمونه:

نبوءة بحصار أورشليم ونجاتها وبيان غباوة اليهود وريائهم ونبوءة بدعوة الأمم ورجوع اليهود.

1 «وَيْلٌ لأَرِيئِيلَ، لأَرِيئِيلَ قَرْيَةٍ نَزَلَ عَلَيْهَا دَاوُدُ. زِيدُوا سَنَةً عَلَى سَنَةٍ. لِتَدُرِ ٱلأَعْيَادُ».

حزقيال 43: 15 و16 و2صموئيل 5: 9

أَرِيئِيلَ أورشليم. والكلمة الأصلية تحتمل معنيين:

(1) أسد الله والمراد به أن أورشليم قوية كأسد.

(2) موقد الله والمراد به أما موضع تقديم المحرقات وغيرها من الذبائح أي مركز العبادة اليهودية أو موضع المصائب والضيقات والمرجح المعنى الأخير أي أن أريئيل موقد الله وموضع المصائب.

نَزَلَ عَلَيْهَا دَاوُدُ أخذها من اليبوسيين (2صموئيل 5: 6) وهكذا الرب سيأخذها لنفسه ينزع الخطايا المتسلطة عليها.

زِيدُوا سَنَةً عَلَى سَنَةٍ هذا القول تهكم من النبي. كان أهل أورشليم يمارسون الرسوم الخارجية كتقديم الذبائح وحفظ الأعياد وهكذا تدور السنون بالأعياد وبلا أثمار روحية.

2 «وَأَنَا أُضَايِقُ أَرِيئِيلَ فَيَكُونُ نَوْحٌ وَحُزْنٌ، وَتَكُونُ لِي كَأَرِيئِيلَ».

وَأَنَا أُضَايِقُ أَرِيئِيلَ نبوءة بهجوم سنحاريب. ففي ما يأتي في (ع 5 و6) أن هلاك الأعداء يكون في لحظة بغتة وفي (ع 7 و8) أنه يكون في خيبة أملهم ولكن إذا أمعنا النظر في مضمون الأصحاح كله رأينا أموراً لا توافق هجوم سنحاريب. ومنها قوله «أقيم عليك متارس» لأن سنحاريب لم يحاصر أورشليم زماناً طويلاً حتى يقيم متارس. وقوله في (ع 8) جمهور كل الأمم المتجندين على جبل صهيون. وما قيل في (ع 13 و14) في عقاب اليهود وسقوطهم. فالأرجح أن النبي لم يشر في هذا الأصحاح إلى سنحاريب وحده بل أشار أيضاً إلى هجوم الأعداء من أمم مختلفة وفي أوقات مختلفة. وهكذا في (زكريا 12: 1 و2 وحزقيال 38 و39).

وَتَكُونُ لِي كَأَرِيئِيلَ تكون كموقد الله وتتقد فيها نيران المصائب وآخرتها رماد وخراب.

3، 4 «3 وَأُحِيطُ بِكِ كَٱلدَّائِرَةِ، وَأُضَايِقُ عَلَيْكِ بِحِصْنٍ، وَأُقِيمُ عَلَيْكِ مَتَارِسَ. 4 فَتَتَّضِعِينَ وَتَتَكَلَّمِينَ مِنَ ٱلأَرْضِ، وَيَنْخَفِضُ قَوْلُكِ مِنَ ٱلتُّرَابِ، وَيَكُونُ صَوْتُكِ كَخِيَالٍ مِنَ ٱلأَرْضِ، وَيُشَقْشَقُ قَوْلُكِ مِنَ ٱلتُّرَابِ».

ص 8: 19

وَأُحِيطُ بِكِ المتكلم هو الرب. وقال إنه يحيط بأورشليم ويضايقها لأنه سمح بضيقاتهم من أجل خطاياهم. فالرب أحاط بأورشليم كما نزل عليها داود وضايقها وحاصرها ليأخذها لنفسه فتصير مدينة مقدسة ومجيدة.

حِصْنٍ... مَتَارِسَ كان المحاصرون في الحروب القديمة يقيمون أبراجاً وأسواراً وقتية من التراب والأخشاب والحجارة البسيطة وكانوا يتسترون وراءها ويرمون منها سهامهم.

تَتَكَلَّمِينَ مِنَ ٱلأَرْضِ النبي يصف ضعف اليهود واتضاعهم بسبب الحصار.

5، 6 «5 وَيَصِيرُ جُمْهُورُ أَعْدَائِكِ كَٱلْغُبَارِ ٱلدَّقِيقِ، وَجُمْهُورُ ٱلْعُتَاةِ كَٱلْعُصَافَةِ ٱلْمَارَّةِ. وَيَكُونُ ذٰلِكَ فِي لَحْظَةٍ بَغْتَةً. 6 مِنْ قِبَلِ رَبِّ ٱلْجُنُودِ تُفْتَقَدُ بِرَعْدٍ وَزَلْزَلَةٍ وَصَوْتٍ عَظِيمٍ، بِزَوْبَعَةٍ وَعَاصِفٍ وَلَهِيبِ نَارٍ آكِلَةٍ».

ص 25: 5 أيوب 21: 18 وص 17: 13 ص 30: 13 ص 28: 2 و30: 30

من هنا يبتدئ الوعد بخلاص اليهود من أعدائهم.

كَٱلْغُبَارِ ٱلدَّقِيقِ سيكسر الرب أعداءهم فيصيرون كالغبار ويشتت جيوشهم كما تذري الريح العصافة. وكان هلاك الأشوريين في لحظة بغتة (ص 37: 36).

تُفْتَقَدُ النبي يخاطب هنا العدو وهو أشور وغيره.

بِرَعْدٍ وَزَلْزَلَةٍ ليس لنا من نبإ بوقوع هذه العجائب على جيوش أعداء إسرائيل فالعبارات مجازية معناها هلاك عظيم وعجيب ظهرت فيه يد الله.

7، 8 «7 وَيَكُونُ كَحُلْمٍ، كَرُؤْيَا ٱللَّيْلِ جُمْهُورُ كُلِّ ٱلأُمَمِ ٱلْمُتَجَنِّدِينَ عَلَى أَرِيئِيلَ، كُلُّ ٱلْمُتَجَنِّدِينَ عَلَيْهَا وَعَلَى قِلاَعِهَا وَٱلَّذِينَ يُضَايِقُونَهَا. 8 وَيَكُونُ كَمَا يَحْلُمُ ٱلْجَائِعُ أَنَّهُ يَأْكُلُ ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ وَإِذَا نَفْسُهُ فَارِغَةٌ. وَكَمَا يَحْلُمُ ٱلْعَطْشَانُ أَنَّهُ يَشْرَبُ ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ وَإِذَا هُوَ رَازِحٌ وَنَفْسُهُ مُشْتَهِيَةٌ. هٰكَذَا يَكُونُ جُمْهُورُ كُلِّ ٱلأُمَمِ ٱلْمُتَجَنِّدِينَ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ».

أيوب 20: 8 ص 37: 36 مزمور 73: 20

خيبة آمال الأعداء. أخذ سنحاريب كل مدن يهوذا الحصينة وأرسل ربشاقي إلى أورشليم بجيش عظيم فلم يكن لليهود بالنظر إلى القوة البشرية أن يرجوا الخلاص منه (ص 36: 1 و2). كما ارتبك في القديم بنو إسرائيل في الأرض وأمامهم البحر ووراءهم جيش فرعون وكما طُرح شدرخ وميشخ وعبد نغو في أتون النار وطُرح دانيال في جب الأسود وحُبس بطرس ليُقتل في الغد. فبهذه الحوادث علّم الرب شعبه أن يثبتوا في إيمانهم ولو تزحزحت الأرض أو انقلبت الجبال إلى قلب البحار. وكثيراً ما يسمح الله بأن الإنسان يصل إلى درجة اليأس التام قبلما يخلّصه ليكون المجد للرب وحده. والرب يعلّم أعداءه أنهم ليسوا قادرين على شعبه وهو معه.

9 - 12 «9 تَوَانَوْا وَٱبْهَتُوا. تَلَذَّذُوا وَٱعْمُوا. قَدْ سَكِرُوا وَلَيْسَ مِنَ ٱلْخَمْرِ. تَرَنَّحُوا وَلَيْسَ مِنَ ٱلْمُسْكِرِ. 10 لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ سَكَبَ عَلَيْكُمْ رُوحَ سُبَاتٍ وَأَغْمَضَ عُيُونَكُمُ. ٱلأَنْبِيَاءُ وَرُؤَسَاؤُكُمُ ٱلنَّاظِرُونَ غَطَّاهُمْ. 11 وَصَارَتْ لَكُمْ رُؤْيَا ٱلْكُلِّ مِثْلَ كَلاَمِ ٱلسِّفْرِ ٱلْمَخْتُومِ ٱلَّذِي يَدْفَعُونَهُ لِعَارِفِ ٱلْكِتَابَةِ قَائِلِينَ: ٱقْرَأْ هٰذَا فَيَقُولُ: لاَ أَسْتَطِيعُ لأَنَّهُ مَخْتُومٌ. 12 أَوْ يُدْفَعُ ٱلْكِتَابُ لِمَنْ لاَ يَعْرِفُ ٱلْكِتَابَةَ وَيُقَالُ لَهُ: ٱقْرَأْ هٰذَا فَيَقُولُ: لاَ أَعْرِفُ ٱلْكِتَابَةَ».

ص 28: 7 و8 ص 51: 21 رومية 11: 8 مزمور 69: 23 وص 6: 10 ص 3: 2 وإرميا 26: 8 و1صموئيل 9: 9 ص 8: 16 دانيال 12: 4 و9 ورؤيا 5: 1 إلى 5 و9 و6: 1

تَوَانَوْا قال النبي هذا القول تهكماً لأن اليهود لم ينتبهوا وكان كلامه ككلام أبله أو سكران. كان النبي قد أنذرهم كل الإنذار ولكنهم رفضوا إنذاره واختاروا الضلال وأغمضوا عيونهم وعموا بإرادتهم. والمعنى أن الرب بعد الإنذار ليعملوا كما اختاروا والمسؤولية عليهم.

لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ سَكَبَ عَلَيْكُمْ رُوحَ سُبَاتٍ إذا نزع منهم روحه القدوس لا يبقى لهم إلا روح السبات والسبات باختيارهم. إن غاية الساعة المنبهة أن توقظ النائم ولكنه إن لم يرد أن يستيقظ لا ينتبه لها فيسمع الصوت كل يوم وكل يوم يرجع إلى نومه فيعتاد الصوت فلا يسمعه أخيراً. وهكذا من يسمع كلام الله ولا يعمل بموجبه فإنه يصير أخيراً كأصم في الروحيات فلا يفهمها أو يتأثر بها.

وَأَغْمَضَ عُيُونَكُمُ ينزع الرب نورهم فلا يبقى لهم غير العمى. إذا أغمض إنسان عينيه ولا يستعملهما أبداً يعمى أخيراً حقيقة. وهكذا كل من لا يقبل كلام الله وإرشاد الروح القدس يصيبه أخيراً العمى الروحي وهو شر من العمى الجسدي بما لا يوصف.

على أن في هذا العقاب المخيف ما يدل على الرحمة (انظر ع 18) فإن غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الرب «إِنَّ ٱلْقَسَاوَةَ قَدْ حَصَلَتْ جُزْئِيّاً لإِسْرَائِيلَ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ مِلْؤُ ٱلأُمَمِ» (رومية 11: 25). وكما أن لا أحد يعرف لذة الطعام كالجائع ولا أحد يعرف قيمة البصر كالأعمى ترك الرب شعبه مدة محدودة لكي يلذوا بكلامه ويقبلوا إرشاد روحه فيرجعوا إليه.

غَطَّاهُمْ الرب غطى رؤوس الأنبياء والرؤساء فلا يبصرون ولا يسمعون ومثلهم الكتبة والفريسيون في زمان المسيح.

كَلاَمِ ٱلسِّفْرِ ٱلْمَخْتُومِ لا يقرأ الناس الكتاب المقدس ولكل منهم عذر فيقول الواحد إنه لا يعرف أن يقرأ ويقول الآخر إن كتاب الله غير مفهوم عند العامة والسبب الحقيقي هو أنهم لا يحبون أن يعرفوا الحق.

13 «فَقَالَ ٱلسَّيِّدُ: لأَنَّ هٰذَا ٱلشَّعْبَ قَدِ ٱقْتَرَبَ إِلَيَّ بِفَمِهِ وَأَكْرَمَنِي بِشَفَتَيْهِ وَأَمَّا قَلْبُهُ فَأَبْعَدَهُ عَنِّي، وَصَارَتْ مَخَافَتُهُمْ مِنِّي وَصِيَّةَ ٱلنَّاسِ مُعَلَّمَةً».

حزقيال 33: 31 ومتّى 15: 8 و9 ومرقس 7: 6 و7 كولوسي 2: 22

يكره الرب الرياء كثيراً لأن المرائي ينسب إلى الله الجهل كأنه إنسان فيرضى بالإكرام بالشفتين ولا يعرف ما في القلب. ولعل بعض الناس في زمان حزقيا عبدوا الرب خوفاً من الملك لا خوفاً من الرب.

وَصِيَّةَ ٱلنَّاسِ مُعَلَّمَةً المسيح خصص هذا القول للفريسيين (متّى 15: 8) ولا شك في أن إشعياء نظر بالوحي إلى حالة الشعب الروحية في العصور الآتية لا في أيامه وحدها. وفي أيامنا أيضاً معلمون كذبة يقيمون التقاليد وأحكام المجامع والفرائض الكنسية مقام وصايا الله لأنها توافق تعليمهم الفاسد والشعب يقبلونها لأنها توافق شهواتهم الفاسدة.

14 «لِذٰلِكَ هَئَنَذَا أَعُودُ أَصْنَعُ بِهٰذَا ٱلشَّعْبِ عَجَباً وَعَجِيباً، فَتَبِيدُ حِكْمَةُ حُكَمَائِهِ وَيَخْتَفِي فَهْمُ فُهَمَائِهِ».

حبقوق 1: 5 إرميا 49: 7 وعوبديا 8 و1كورنثوس 1: 19

عَجَباً وَعَجِيباً التكرار للتأكيد والعمل العجيب هو ترك الله شعبه ومدينتهم المقدسة.

فَتَبِيدُ حِكْمَةُ حُكَمَائِهِ تكون مصائب جديدة لم يتصورها الحكماء وهكذا تفيد حكمتهم وفي زمان النبي ظهرت جهالة أرباب السياسة من جهة أشور ومصر وفي زمان المسيح ظهرت جهالة الفريسيين وغيرهم من معلمي اليهود الذين درسوا الكتاب المقدس بالتدقيق وعظموا الأمور الزهيدة وتركوا أثقل الناموس والحق والرحمة والإيمان والبرقع حتى اليوم موضوع على عقولهم وأعظم جهالة عدم الإيمان بالمسيح وستظهر هذه الجهالة عند غلبته جميع أعدائه وإقامة ملكوت المجد.

15، 16 «15 وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَتَعَمَّقُونَ لِيَكْتُمُوا رَأْيَهُمْ عَنِ ٱلرَّبِّ، فَتَصِيرُ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلظُّلْمَةِ، وَيَقُولُونَ: مَنْ يُبْصِرُنَا وَمَنْ يَعْرِفُنَا؟. 16 يَا لَتَحْرِيفِكُمْ! هَلْ يُحْسَبُ ٱلْجَابِلُ كَٱلطِّينِ حَتَّى يَقُولَ ٱلْمَصْنُوعُ عَنْ صَانِعِهِ: لَمْ يَصْنَعْنِي. أَوْ تَقُولُ ٱلْجِبْلَةُ عَنْ جَابِلِهَا: لَمْ يَفْهَمْ؟».

ص 30: 1 مزمور 94: 7 ص 45: 9 ورومية 9: 20

الأرجح أن الرأي الذي أرادوا أن يكتموه عن الرب هو المحالفة مع مصر (ص 20: 5 و6 وص 30 و31) وتعجب النبي من جهال.تهم. وتحريفهم هو زعمهم أن الله كبني البشر وأنهم يقدرون أن يكتموا رأيهم عنه. وكثيرون يقرون باعتقادهم أن الله يعلم كل شيء ومع ذلك يسلكون كأنه لا يعرف أعمالهم وأفكارهم السرّية.

تَقُولُ ٱلْجِبْلَةُ عَنْ جَابِلِهَا: لَمْ يَفْهَمْ وهذا هو التحريف أنهم اعتبروا أن الله لم يفهم وأنهم فهماء.

17 «أَلَيْسَ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ جِدّاً يَتَحَوَّلُ لُبْنَانُ بُسْتَاناً، وَٱلْبُسْتَانُ يُحْسَبُ وَعْراً؟».

ص 32: 15 رومية 11: 17 إلى 22

معنى لبنان هنا وعر أو آجام برية أي أشجار كالأرز وغيرها بلا فلاحة ومعنى الجملة أن كل شيء يتغير فيصير الوعر بستاناً والبستان وعراً أي الأمم وهم بلا وسائط روحية يتنورون ويخلصون. يصير شعب الله بلا معرفة وبلا إيمان فيكون الأولون آخرين والآخرون أولين. ونفهم أيضاً من لبنان أي الوعر الفقراء والبسطاء ومن البستان الأغنياء والعلماء. ومعنى النبوءة أن الله اختار جهال العالم ليخزي الحكماء (1كورنثوس 1: 25) وأنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين (لوقا 1: 52).

18 «وَيَسْمَعُ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ ٱلصُّمُّ أَقْوَالَ ٱلسِّفْرِ، وَتَنْظُرُ مِنَ ٱلْقَتَامِ وَٱلظُّلْمَةِ عُيُونُ ٱلْعُمْيِ».

ص 35: 5

ٱلصُّمُّ... ٱلْعُمْيِ الأمم صم لأنهم لم يسمعوا التبشير وعمي لأنهم لم يعرفوا الحق. ومضمون النبوءة تجديدهم وخلاصهم. والصم والعمي أيضاً جميع الذين بلا فهم روحي من الأمم ومن اليهود (انظر تفسير ع 9 - 12) والوعد هو أن الله يسكب عليهم روحه القدوس فينير عقولهم ويجدد قلوبهم فيصغون إلى كلام الله ويفهمون معناه الروحي.

أَقْوَالَ ٱلسِّفْرِ كلام الله الذي في الكتاب المقدس.

19 «وَيَزْدَادُ ٱلْبَائِسُونَ فَرَحاً بِٱلرَّبِّ، وَيَهْتِفُ مَسَاكِينُ ٱلنَّاسِ بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ».

ص 61: 1 يعقوب 2: 5

الفرح نتيجة المعرفة الروحية وأمثلة ذلك ما جاء في سفر أعمال الرسل بخصوص الأمم الذين قبلوا الكلمة بفرح وما نراه اليوم من تجديد الهيئة الاجتماعية بدخول الإنجيل.

20، 21 «20 لأَنَّ ٱلْعَاتِيَ قَدْ بَادَ، وَفَنِيَ ٱلْمُسْتَهْزِئُ، وَٱنْقَطَعَ كُلُّ ٱلسَّاهِرِينَ عَلَى ٱلإِثْمِ 21 ٱلَّذِينَ جَعَلُوا ٱلإِنْسَانَ يُخْطِئُ بِكَلِمَةٍ وَنَصَبُوا فَخّاً لِلْمُنْصِفِ فِي ٱلْبَابِ وَصَدُّوا ٱلْبَارَّ بِٱلْبُطْلِ».

ص 28: 14 و22 ميخا 2: 1 عاموس 5: 10 و12 أمثال 28: 21

ٱلْعَاتِيَ هو الظالم من أعداء اليهود من الخارج كالأشوريين والمستهزئ هو غير المؤمن والشرير من اليهود.

ٱلسَّاهِرِينَ عَلَى ٱلإِثْمِ هم الأشرار من اليهود وخطيئتهم عظيمة لأنهم يقصدون الإثم ويفتشون عن فرص وطرق مناسبة للظلم والغش كما أن الصالحين يسهرون ويجتهدون في الأعمال الصالحة (ميخا 2: 1 وعاموس 8: 5).

يُخْطِئُ بِكَلِمَةٍ يراقبون الإنسان حتى يصيدوه بكلمة كالفريسيين في أيام المسيح (متّى 22: 15) وربما القول يشير إلى ما جرى في المحكمة من التحريف والتهديد للفقير حتى يغلط بكلمة فتسقط دعواه.

فَخّاً لِلْمُنْصِفِ يمنعون من يريد أن ينصف المسكين (عاموس 5: 10 - 12).

فِي ٱلْبَابِ كان القضاة يجلسون في باب المدينة لكونه محل اجتماع.

وَصَدُّوا ٱلْبَارَّ بِٱلْبُطْلِ بواسطة شهادة زور أو تلاعب في الكلام منعوا البار من حقه.

22 «لِذٰلِكَ هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي فَدَى إِبْرَاهِيمَ لِبَيْتِ يَعْقُوبَ: لَيْسَ ٱلآنَ يَخْجَلُ يَعْقُوبُ، وَلَيْسَ ٱلآنَ يَصْفَرُّ وَجْهُهُ».

يشوع 24: 3

ٱلَّذِي فَدَى إِبْرَاهِيمَ أخذه من بلاد وثنية ووعده بنسل كثير وإن كان في ذلك الوقت بلا ولد وهكذا الرب يقدر أن يكثر أولاد يعقوب بالإيمان وإن كان ذلك مستحيلاً حسب الظاهر.

لَيْسَ ٱلآنَ يَخْجَلُ يَعْقُوبُ لا يخجل اليهود من خيبة آمالهم أو عدم وفاء مواعيد الله.

23 «بَلْ عِنْدَ رُؤْيَةِ أَوْلاَدِهِ عَمَلِ يَدَيَّ فِي وَسَطِهِ يُقَدِّسُونَ ٱسْمِي، وَيُقَدِّسُونَ قُدُّوسَ يَعْقُوبَ، وَيَرْهَبُونَ إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ».

ص 19: 25 و45: 11 و60: 21 وأفسس 2: 10

أَوْلاَدِهِ عَمَلِ يَدَيَّ يشير إلى الأمم الذين يتجددون بعمل الروح القدس ثم ينضمون إلى شعب الله. وهكذا فرح بطرس بتجديد كرنيليوس (أعمال 10) وبرنابا بتجديد اليونانيين في أنطاكية (أعمال 11: 20) وأولاد يعقوب هم أولاده بالإيمان أي إيمانهم كإيمانه (غلاطية 3: 7).

وَيَرْهَبُونَ اليهود والذين انضموا إليهم من الأمم يرهبون إله إسرائيل لأنه وفى بوعده وأظهر صدقه وقدرته إذ عمل ما كان يراه محالاً.

24 «وَيَعْرِفُ ٱلضَّالُّو ٱلأَرْوَاحِ فَهْماً، وَيَتَعَلَّمُ ٱلْمُتَمَرِّدُونَ تَعْلِيماً».

ص 28: 7

ٱلضَّالُّو ٱلأَرْوَاحِ... ٱلْمُتَمَرِّدُونَ وهم اليهود (انظر ع 9 و18) والأمور ذات الشأن في هذه النبوءة ثلاثة:

  1. رفض اليهود لقساوة قلوبهم وعمى عقولهم.

  2. خلاص الأمم على رغم اليهود لأنهم اضطهدوا الرسل لكونهم مبشري الأمم.

  3. رجوع اليهود إلى المسيح الذي به صار الاثنان واحداً والجميع أهل بيت الله الواحد (رومية ص 11).

فوائد للوعاظ

أحلام الأشرار (ع 7 و8)

  1. إنهم يرون في أحلامهم الغنى والراحة والسرور وبعد زمان يستيقظون وإذا هم فقراء ومتعبون وحزانى أو إذا نالوا الغنى لا يجدون فيه سروراً.

  2. إنهم يرون في أحلامهم أنهم سالمون وأعمالهم الشريرة مكتومة عن الله والناس ويستيقظون عندما تُكشف هذه الأعمال فيظهر القاتل والسارق ويُعرف الكذاب ويعتريهم أمراض وفقر وعار عقاباً لهم على خطاياهم.

  3. إنهم يرون في أحلامهم خلاصهم في الآخرة مع أنهم خالفوا شريعة الله ورفضوا المسيح ويستيقظون في يوم الدين ليسمعوا قوله «اذهبوا عني يا ملاعين».

العجز الروحي (ع 9 - 12)

  1. هذا العجز هو في أعلى قوى الإنسان أي قواه الروحية. فالعمى الجسدي مصيبة عظيمة والجنون مصيبة أعظم لأن العقل أعلى من الجسد ومصيبة العجز الروحي أعظم الكل لأن النفس تفوق الجسد والعقل قيمة.

  2. إن من المحتمل أن الذين هم أقوى الناس جسداً وعقلاً يكونون عاجزين في الروحيات كرؤساء اليهود وفلاسفة اليونانيين وبعض العلماء في أيامنا فإنهم لا يفهمون ما لروح الله.

  3. إن هذا العجز هو بإرادة الإنسان وناتج عن الخطيئة وهو أيضاً خطيئة.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّلاَثُونَ

مضمونه:

  1. الويل للمتكلين على مصر.

  2. ميل اليهود إلى العصيان والكذب.

  3. رحمة الله لشعبه في إبادة أشور فكان ذلك برهاناً لليهود على أنه لا حاجة إلى الاتكال على مصر.

1 «وَيْلٌ لِلْبَنِينَ ٱلْمُتَمَرِّدِينَ يَقُولُ ٱلرَّبُّ، حَتَّى أَنَّهُمْ يُجْرُونَ رَأْياً وَلَيْسَ مِنِّي، وَيَسْكُبُونَ سَكِيباً وَلَيْسَ بِرُوحِي، لِيَزِيدُوا خَطِيئَةً عَلَى خَطِيئَةٍ».

ص 29: 15 تثنية 29: 19

لِلْبَنِينَ الرب سمى اليهود بنين فبيّن لهم محبته الأبوية وعنايته بهم وواجباتهم له كأب لهم وفظاعة خطيئتهم بعصيانهم.

ٱلْمُتَمَرِّدِينَ كان النبي قد بيّن لهم ضعف مصر (ص 18 - 20) ولكنهم رفضوا مشورة الرب وطلبوا محالفة مصر على أشور.

وَيَسْكُبُونَ سَكِيباً إشارة إلى عادة الوثنيين فإنهم كانوا يسكبون سكيبة من الزيت والخمر لآلهتهم لتصديق العهد.

وَلَيْسَ بِرُوحِي حسب الحكمة البشرية كان رأي اليهود صائباً لأن مصر كانت أقوى أمة في العالم بعد أشور ولها استعداد كافٍ للحرب وهي مشاركة لليهود في الخطر العام من أشور ولكن كان رأيهم هذا الخطاء الأساسي وهو اتحادهم وهم شعب الله بالوثنيين.

لِيَزِيدُوا خَطِيئَةً عَلَى خَطِيئَةٍ كانت خطيئتهم الأولى تركهم الرب وكان بعد ذلك كل خطوة في طريقهم زيادة ابتعاد عن الرب.

2، 3 «2 ٱلَّذِينَ يَذْهَبُونَ لِيَنْزِلُوا إِلَى مِصْرَ وَلَمْ يَسْأَلُوا فَمِي، لِيَلْتَجِئُوا إِلَى حِصْنِ فِرْعَوْنَ وَيَحْتَمُوا بِظِلِّ مِصْرَ. 3 فَيَصِيرُ لَكُمْ حِصْنُ فِرْعَوْنَ خَجَلاً، وَٱلاِحْتِمَاءُ بِظِلِّ مِصْرَ خِزْياً».

ص 31: 1 عدد 27: 21 ويشوع 9: 14 و1ملوك 22: 7 وإرميا 21: 2 و42: 2 و20 ص 20: 5 وإرميا 37: 5 و7

يَذْهَبُونَ لِيَنْزِلُوا إِلَى مِصْرَ ربما كان رسل اليهود ذاهبين في تاريخ هذه النبوءة أو رآهم النبي ذاهبين في رؤيا.

وَلَمْ يَسْأَلُوا فَمِي بعض الناس لا يسألون الرب لمعرفتهم أن رأيهم لا يرضيه وهكذا كان اليهود في زمان إشعياء وبعضهم لا يسألون لأنهم واثقون بصحة رأيهم فلا يرون من حاجة إلى سؤال الرب وهكذا فعل بنو إسرائيل في أمر جبعون (يشوع 9: 14). وأما تعليم الكتاب المقدس فهو أن السؤال من الرب واجب في كل أمر صغيراً كان أو كبيراً. وهكذا فعل جميع الأفاضل في القديم وهكذا يفعل الأتقياء في أيامنا. وكان السؤال من الرب في القديم بواسطة رئيس الكهنة (عدد 27: 21) أو بواسطة نبي (2ملوك 22: 14) واليوم يكون بواسطة الصلاة باسم المسيح ومطالعة الكتاب المقدس ومشاورة الإخوة المؤمنين. ويظهر من كلام ربشاقي إلى رسل حزقيا أن اليهود كانوا متكلين على مصر (2ملوك 18: 21).

بِظِلِّ مِصْرَ كان يجب أن يبيتوا في ظل القدير فلما التجأوا إلى مصر جعلوا مصر في مكان الرب.

فَيَصِيرُ لَكُمْ حِصْنُ فِرْعَوْنَ خَجَلاً لأن خلاصهم من أشور يكون من الرب لا من فرعون.

4، 5 «4 لأَنَّ رُؤَسَاءَهُ صَارُوا فِي صُوعَنَ، وَبَلَغَ رُسُلُهُ إِلَى حَانِيسَ. 5 قَدْ خَجِلَ ٱلْجَمِيعُ مِنْ شَعْبٍ لاَ يَنْفَعُهُمْ. لَيْسَ لِلْمَعُونَةِ وَلاَ لِلْمَنْفَعَةِ، بَلْ لِلْخَجَلِ وَلِلْخِزْيِ».

ص 19: 11 إرميا 2: 36

رُؤَسَاءَهُ أي رؤساء يهوذا وهم المرسلون إلى مصر ليطلبوا المساعدة من ملك مصر على ملك أشور.

صُوعَنَ (ص 19: 13) مدينة في مصر السفلى وكانت حانيس في أواسط مصر وربما كانت صوعن عاصمة ملك مصر وحانيس عاصمة ملك كوش.

قَدْ خَجِلَ لعل الرسل لم يخجلوا في الحال بل سروا بكلام المصريين ووعودهم ولكن شعب اليهود خجلوا بعد ذلك لعدم وفاء المصريين بالوعود.

6، 7 «6 وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بَهَائِمِ ٱلْجَنُوبِ: فِي أَرْضِ شِدَّةٍ وَضِيقَةٍ، مِنْهَا ٱللَّبْوَةُ وَٱلأَسَدُ، ٱلأَفْعَى وَٱلثُّعْبَانُ ٱلسَّامُّ ٱلطَّيَّارُ، يَحْمِلُونَ عَلَى أَكْتَافِ ٱلْحَمِيرِ ثَرْوَتَهُمْ، وَعَلَى أَسْنِمَةِ ٱلْجِمَالِ كُنُوزَهُمْ، إِلَى شَعْبٍ لاَ يَنْفَعُ. 7 فَإِنَّ مِصْرَ تُعِينُ بَاطِلاً وَعَبَثاً، لِذٰلِكَ دَعَوْتُهَا رَهَبَ ٱلْجُلُوسِ».

ص 57: 9 وهوشع 8: 9 و12: 1 تثنية 8: 15 إرميا 37: 7 أيوب 9: 13 وص 51: 9

النبي يصور أتعاب هؤلاء الرسل بوصف أتعاب بهائمهم لأن سفرهم كان في أرض شدة وضيق أرض وحوش وحرارة لا ماء فيها وهي الأرض الفاصلة بين اليهودية ومصر.

ٱلثُّعْبَانُ ٱلسَّامُّ ٱلطَّيَّارُ أفاعي صحارى الشرق المشهورة بسرعة الوثب.

يَحْمِلُونَ ثَرْوَتَهُمْ هدايا من اليهود للمصريين.

رَهَبَ اسم شعري لمصر (أيوب 9: 13 ومزمور 87: 4 و89: 10 وإشعياء 51: 9) ومعنى الكلمة الأصلي الشراسة والوقاحة والتكبر. ومصر رهب الجلوس لأنها لم تفعل شيئاً ولا نفعت المتكلين عليها بل كان كل قوتها في الكلام والوعد بلا فعل.

8، 9 «8 تَعَالَ ٱلآنَ ٱكْتُبْ هٰذَا عِنْدَهُمْ عَلَى لَوْحٍ وَٱرْسِمْهُ فِي سِفْرٍ، لِيَكُونَ لِزَمَنٍ آتٍ لِلأَبَدِ إِلَى ٱلدُّهُورِ. 9 لأَنَّهُ شَعْبٌ مُتَمَرِّدٌ، أَوْلاَدٌ كَذَبَةٌ، أَوْلاَدٌ لَمْ يَشَاءُوا أَنْ يَسْمَعُوا شَرِيعَةَ ٱلرَّبِّ».

حبقوق 2: 2 تثنية 32: 20 وص 1: 4 وع 1

ٱكْتُبْ هٰذَا ربما كان كلام النبي بصوت في دار الهيكل أو مجتمع آخر فيقول له الرب أن يكتبه لزمان آت وربما كان المكتوب على اللوح كلاماً وجيزاً بأحرف كبيرة ليراه المارون على الطريق والمكتوب في السفر بالتفصيل لأجل الحفظ إلى الأبد مع أسفار الكتاب المقدس القانونية. وهذا دليل على أن الأسفار المقدسة لجميع الناس وإنها إلى الأبد والحكم في هذه المسائل الدينية للشعب أجمعين لا للملك وأرباب السياسة فقط.

شَعْبٌ مُتَمَرِّدٌ تظاهروا بالتقوى ومع ذلك لم يريدوا أن يسمعوا كلام الله فكتب النبي نبوءته لتكون شاهداً عليهم.

10 - 12 «10 ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لِلرَّائِينَ: لاَ تَرَوْا وَلِلنَّاظِرِينَ: لاَ تَنْظُرُوا لَنَا مُسْتَقِيمَاتٍ. كَلِّمُونَا بِٱلنَّاعِمَاتِ. ٱنْظُرُوا مُخَادِعَاتٍ. 11 حِيدُوا عَنِ ٱلطَّرِيقِ. مِيلُوا عَنِ ٱلسَّبِيلِ. ٱعْزِلُوا مِنْ أَمَامِنَا قُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ. 12 لِذٰلِكَ هٰكَذَا يَقُولُ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ: لأَنَّكُمْ رَفَضْتُمْ هٰذَا ٱلْقَوْلَ وَتَوَكَّلْتُمْ عَلَى ٱلظُّلْمِ وَٱلاِعْوِجَاجِ وَٱسْتَنَدْتُمْ عَلَيْهِمَا».

إرميا 11: 21 وعاموس 2: 12 و7: 13 وميخا 2: 6 و1ملوك 22: 13 وميخا 2: 11

ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لا بالكلام بل بالأعمال. سمى المسيح أورشليم «قاتلة الأنبياء» (متّى 23: 37) وقال استفانوس لليهود (أعمال 7: 52) «أي الأنبياء لم يضطهده أباؤكم». إنه في الأمور العالمية يميل الناس جميعاً إلى أن يسمعوا كلاماً صادقاً ولكن في الأمور الروحية يغتصب القلب الفاسد الرئاسة التي تليق بالعقل. فإنه من واجبات النبي الصادق أن يظهر للناس خطاياهم فيخجلوا ويقول لهم أن يتركوا الخطايا التي يحبونها وينذرهم بالعقاب إن لم يرجعوا عنها فينزعجوا من كلامه ولذلك كان التعليم الديني المستقيم يقاوم في كل جيل والناس يقبلون بالسرور كلام التمليق الذي يوافق شهواتهم ويزيد عجبهم بأنفسهم ويسكن ضمائرهم وخوفهم من الدينونة العتيدة أن تكون (انظر نبأ الملك آخاب والنبي ميخا 2أيام 18).

حِيدُوا عَنِ ٱلطَّرِيقِ الشعب يقول للأنبياء أن يحيدوا عن طريق الصدق والإنذار.

قُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ استعمل إشعياء هذا الاسم كثيراً في مواعظه (ذكر في سفر إشعياء 24 مرة) والمراد به إن الرب قدوس فلا يطيق الإثم وقدوس إسرائيل فيلاحظ نوعاً خطاياهم ولكن الشعب المتمرد ضجر منه وقال له كف عن ذكر قدوس إسرائيل فكان جواب النبي تكرار قوله «قدوس إسرائيل» (ع 12 و15) وعلى كل واعظ أن يكون أميناً وعظه ويقول ما يرضي الرب قبلما يرضى الناس.

13، 14 «13 لِذٰلِكَ يَكُونُ لَكُمْ هٰذَا ٱلإِثْمُ كَصَدْعٍ مُنْقَضٍّ نَاتِئٍ فِي جِدَارٍ مُرْتَفِعٍ، يَأْتِي هَدُّهُ بَغْتَةً فِي لَحْظَةٍ. 14 وَيُكْسَرُ كَكَسْرِ إِنَاءِ ٱلْخَزَّافِينَ، مَسْحُوقاً بِلاَ شَفَقَةٍ، حَتَّى لاَ يُوجَدُ فِي مَسْحُوقِهِ شَقْفَةٌ لأَخْذِ نَارٍ مِنَ ٱلْمَوْقَدَةِ، أَوْ لِغَرْفِ مَاءٍ مِنَ ٱلْجُبِّ».

مزمور 62: 3 ص 29: 5 مزمور 2: 9 وإرميا 19: 11

كَصَدْعٍ مُنْقَضٍّ الصدع يكون قبل هدم الجدار ويكون فيه وليس خارجاً ويزداد رويداً رويداً غير أن هدم الجدار يكون دفعة واحدة بغتة وهكذا يكون سقوط يهوذا ولكن من أسباب قديمة داخلية. ونظر النبي إلى حالة يهوذا كما ينظر الإنسان إلى حائط منقض ويقول أنه معيب وأنه بعد قليل يسقط.

كَكَسْرِ إِنَاءِ ٱلْخَزَّافِينَ الرب خلصهم من الأشوريين ولكنهم لم ينتبهوا ولا استفادوا من هذه الرحمة فكان الكسر التام في سبي بابل.

15 «لأَنَّهُ هٰكَذَا قَالَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ: بِٱلرُّجُوعِ وَٱلسُّكُونِ تَخْلُصُونَ. بِٱلْهُدُوءِ وَٱلطُّمَأْنِينَةِ تَكُونُ قُوَّتُكُمْ. فَلَمْ تَشَاءُوا».

ص 7: 4 وع 7 متّى 23: 37

لم يزل النبي يقول «قدوس إسرائيل» الذي لم يريدوا أن يسعوا ذكره. فإن الإنسان الضعيف لا يقدر أن يطرد الخالق من الكون ولا يسكّت صوته في أنبيائه وفي كتابه المقدس. ولو سكّت الخاطئ صوت الله في ضميره ما كان ذلك إلا إلى حين فيأتي وقت فيه لا يقدر أن يغمض عينيه ويسد أذنيه.

بِٱلرُّجُوعِ وَٱلسُّكُونِ الرجوع عن خطاياهم ولا سيما خطية الاتكال على مصر. والسكون لأن الخلاص من الله لا منهم فما عليهم إلا أن يطيعوه ويتكلوا عليه.

بِٱلْهُدُوءِ وَٱلطُّمَأْنِينَةِ تَكُونُ قُوَّتُكُمْ الجندي المتمرن جداً لا يتقدم نحو العدو ولا يضرب حتى يسمع أمر القائد فتكون قوة الجيش في الهدوء والطمأنينة في وقت انتظارهم الأمر بالعمل. قد يكون الامتناع عن العمل أصعب من العمل والسكوت أصعب من التكلم والحكم على الذات أصعب من الحكم على غيرها. ولا يمكن الإنسان أن يستعمل قواه أحسن استعمال إن لم يكن هادئاً والخائف والمضطرب لا يقدران أن يعملا عملهما كما يجب.

16، 17 «16 وَقُلْتُمْ: لاَ بَلْ عَلَى خَيْلٍ نَهْرُبُ. لِذٰلِكَ تَهْرُبُونَ. وَعَلَى خَيْلٍ سَرِيعَةٍ نَرْكَبُ. لِذٰلِكَ يُسْرِعُ طَارِدُوكُمْ. 17 يَهْرُبُ أَلْفٌ مِنْ زَجْرَةِ وَاحِدٍ. مِنْ زَجْرَةِ خَمْسَةٍ تَهْرُبُونَ، حَتَّى أَنَّكُمْ تَبْقُونَ كَسَارِيَةٍ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ، وَكَرَايَةٍ عَلَى أَكَمَةٍ».

لاويين 26: 8 وتثنية 28: 25 و32: 30 ويشوع 23: 10

عَلَى خَيْلٍ نَهْرُبُ اشتهرت مصر قديماً بالخيل. فالملك سليمان أخذ خيلاً ومركبات منها. ولعل بعضهم أمل أنه بواسطة اتحادهم بمصر تأتيهم خيل فيخلصون بواسطتها إذا سقطت مدينتهم. فقال الرب إنهم يهربون ولا يخلصون ويكون طاردوهم أسرع منهم ويرهب جيشهم ولو كان كبيراً من أمام جيش العدو ولو كان صغيراً.

كَسَارِيَةٍ شجرة وحيدة باقية بعد قطع كل ما سواها من الأشجار. والراية على الأكمة هي راية في مكان ظاهر تبقى بعد تشتت الجنود عبرة للجميع.

18، 19 «18 وَلِذَلِكَ يَنْتَظِرُ ٱلرَّبُّ لِيَتَرَأَّفَ عَلَيْكُمْ. وَلِذَلِكَ يَقُومُ لِيَرْحَمَكُمْ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهُ حَقٍّ. طُوبَى لِجَمِيعِ مُنْتَظِرِيهِ. 19 لأَنَّ ٱلشَّعْبَ فِي صِهْيَوْنَ يَسْكُنُ فِي أُورُشَلِيمَ. لاَ تَبْكِي بُكَاءً. يَتَرَأَّفُ عَلَيْكَ عِنْدَ صَوْتِ صُرَاخِكَ. حِينَمَا يَسْمَعُ يَسْتَجِيبُ لَكَ».

مزمور 2: 12 و34: 8 وأمثال 16: 20 وإرميا 17: 7 ص 65: 9

لِذَلِكَ كانوا تركوا الرب واتكلوا على مصر فكانت نتيجة خطيتهم الهلاك لو عاملهم الله بالعدل ولكنهم لما كانوا شعبه لم يسرع إلى إهلاكهم تماماً بل انتظر حتى يتوبوا ويرجعوا إليه فيترأف عليهم.

إِلٰهُ حَقٍّ فلا يقاصهم أكثر من الواجب ولا ينسى وعده.

طُوبَى لِجَمِيعِ مُنْتَظِرِيهِ وعد عمومي لجميع الناس في كل جيل فننتظر الرب في وقت الضيق واليأس وننتظره بالإيمان والصبر لأنه لا ينسى منتظريه بل يخلّصهم سريعاً بعد إتمام تأديبهم.

لأَنَّ ٱلشَّعْبَ فِي صِهْيَوْنَ أي شعب الله اليهود يسكن في أورشليم بعد رجوعهم من السبي.

لاَ تَبْكِي في هذا القول المؤثر نرى حزن الشعب على أتعابهم وعلى خطاياهم «على أنهار بابل هناك جلسنا بكينا أيضاً عندما تذكرنا صهيون» ونرى محبة الله الأبوية إذ يقول لكل واحد منهم «لا تبكي».

عِنْدَ صَوْتِ صُرَاخِكَ ينتظر الرب أن يصلوا ويطلبوا إليه والوعد بأنه يستجيب لهم سريعاً. فيجب أن لا نظن أن الرب يعمل معنا عملاً واحداً إذا طلبنا إليه أو إذا لم نطلب لأنه مستعد أن يبارك علينا ولكن حلول هذه البركات علينا متوقفة على صلواتنا.

20، 21 «20 وَيُعْطِيكُمُ ٱلسَّيِّدُ خُبْزاً فِي ٱلضِّيقِ وَمَاءً فِي ٱلشِّدَّةِ. لاَ يَخْتَبِئُ مُعَلِّمُوكَ بَعْدُ، بَلْ تَرَى عَيْنَاكَ مُعَلِّمِيكَ، 21 وَأُذُنَاكَ تَسْمَعَانِ كَلِمَةً خَلْفَكَ قَائِلَةً: هٰذِهِ هِيَ ٱلطَّرِيقُ. ٱسْلُكُوا فِيهَا. حِينَمَا تَمِيلُونَ إِلَى ٱلْيَمِينِ وَحِينَمَا تَمِيلُونَ إِلَى ٱلْيَسَارِ».

1ملوك 22: 27 ومزمور 127: 2 مزمور 74: 9 وعاموس 8: 11 يشوع 1: 7

خُبْزاً فِي ٱلضِّيقِ ولو تضايقوا في السبي لا يتركهم الرب تماماً ولا يهلكهم بالجوع والعطش ولا يقطع عنهم القوت الروحي أي نعمته اليومية.

لاَ يَخْتَبِئُ مُعَلِّمُوكَ كان القوت الروحي بواسطة معلميهم فلا يختبئوا. وترجم بعضهم الكلمة الأصلية بلفظة «معلم» بالمفرد (وكذا الترجمة اليسوعية) فيكون المعنى أن الرب معلم شعبه. ووُفي بهذا الوعد بوجود أنبياء في مدة السبي كإرميا وحزقيال ودانيال.

كَلِمَةً خَلْفَكَ كتائهين عن الطريق يسمعون صوت دليلهم من ورائهم يقول لهم ارجعوا. ولعل الإشارة هنا إلى صوت متكلم غير منظور كإرشاد الروح القدس أو صوت الله في الضمير. ووُفي بهذا الوعد أيضاً بحلول الروح القدس وبالأسفار المقدسة المكتوبة بالوحي وبإرشاد شعب الله بعضهم بعضاً وبنواميس الله المكتوبة على قلوبهم.

22 «وَتُنَجِّسُونَ صَفَائِحَ تَمَاثِيلِ فِضَّتِكُمُ ٱلْمَنْحُوتَةِ وَغِشَاءَ تِمْثَالِ ذَهَبِكُمُ ٱلْمَسْبُوكِ. تَطْرَحُهَا مِثْلَ فِرْصَةِ حَائِضٍ. تَقُولُ لَهَا: ٱخْرُجِي».

2أيام 31: 1 وص 2: 20 و31: 7 هوشع 14: 8

صَفَائِحَ تَمَاثِيلِ فِضَّتِكُمُ كانت الأصنام مصنوعة من الحجر أو من الخشب ومغشاة بالفضة أو الذهب والمعنى أنهم لا يخلعون الفضة والذهب ليستعملوه ثانية بل يطرحون الأصنام مع صفائحها. والظاهر أن بعضهم في زمان حزقيا كان يسجد للأصنام سراً.

مِثْلَ فِرْصَةِ حَائِضٍ تشبيه يدل على كراهتهم الكلية للأصنام التي كانوا يسجدون لها. وكراهة الخطية هي من نتائج فعل الروح القدس فلا يمكن القلب المتجدد أن يحب الخطية أو أن يشتهي مما لا يرضي الله.

23 - 26 «23 ثُمَّ يُعْطِي مَطَرَ زَرْعِكَ ٱلَّذِي تَزْرَعُ ٱلأَرْضَ بِهِ وَخُبْزَ غَلَّةِ ٱلأَرْضِ، فَيَكُونُ دَسَماً وَسَمِيناً. وَتَرْعَى مَاشِيَتُكَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ فِي مَرْعىً وَاسِعٍ. 24 وَٱلأَبْقَارُ وَٱلْحَمِيرُ ٱلَّتِي تَعْمَلُ ٱلأَرْضَ تَأْكُلُ عَلَفاً مُمَلَّحاً مُذَرَّى بِٱلْمِنْسَفِ وَٱلْمِذْرَاةِ. 25 وَيَكُونُ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ عَالٍ وَعَلَى كُلِّ أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ سَوَاقٍ وَمَجَارِي مِيَاهٍ فِي يَوْمِ ٱلْمَقْتَلَةِ ٱلْعَظِيمَةِ، حِينَمَا تَسْقُطُ ٱلأَبْرَاجُ. 26 وَيَكُونُ نُورُ ٱلْقَمَرِ كَنُورِ ٱلشَّمْسِ، وَنُورُ ٱلشَّمْسِ يَكُونُ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ كَنُورِ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، فِي يَوْمٍ يَجْبُرُ ٱلرَّبُّ كَسْرَ شَعْبِهِ وَيَشْفِي رَضَّ ضَرْبِهِ».

متّى 6: 33 و1تيموثاوس 4: 8 ص 2: 14 و15 و44: 3 ص 60: 19 و20

نبوة بعطاء أحسن البركات ومنها المطر والغلال الجيدة حتى أن البهائم تأكل علفاً مملحاً مُذرى وتكون الأرض كلها سقياً حتى الجبال وتسقط أبراج بابل وجميع الأعداء ويُزاد نور القمر ونور الشمس. ولا يمكن إتمام هذه النبوءة على سبيل الحقيقة إنما تتم على سبيل المجاز فإن النبي يصف ملك المسيح وأحوال الكنيسة باستعارات مأخوذة من الطبيعة والمعنى أن الله يسد كل احتياجات شعبه ويمجدهم بمجد أعظم من مجد هذا العالم الحاضر كأن نور الشمس ازداد سبعة أضعاف.

وفي هذه النبوءة ما تمّ ويتمّ حقيقة أيضاً فإن الأمطار والأزمنة المثمرة من الله والعالم الحاضر الطبيعي يتغير ويتحسن بتحسين الساكنين فيه فنرى أن البلاد الوثنية تختلف عن البلاد المسيحية لا بالسكان فقط بل بأحوال الطبيعة أيضاً كالأرض والمزروعات والبهائم والإقليم.

كسرة سنحاريب ملك أشور ع 27 إلى 33

27 «هُوَذَا ٱسْمُ ٱلرَّبِّ يَأْتِي مِنْ بَعِيدٍ. غَضَبُهُ مُشْتَعِلٌ وَٱلْحَرِيقُ عَظِيمٌ. شَفَتَاهُ مُمْتَلِئَتَانِ سَخَطاً، وَلِسَانُهُ كَنَارٍ آكِلَةٍ».

ٱسْمُ ٱلرَّبِّ الاسم هو ما يُعرف به المسمى ومعنى النبي أن الرب سيظهر نفسه بأعمال مخيفة ليعرف كل الناس قوة غضبه.

يَأْتِي مِنْ بَعِيدٍ كالمطر المصحوب بالريح فإننا نرى أولاً غيمة صغيرة صاعدة من البحر ثم تسود السماء من الغيوم ثم يعقب ذلك مطر وريح.

وَٱلْحَرِيقُ عَظِيمٌ من البروق.

شَفَتَاهُ أي الغيم الذي يخرج من الرعود والبرق.

لِسَانُهُ أي البرق الذي يخرج من الغيم.

28 «وَنَفْخَتُهُ كَنَهْرٍ غَامِرٍ يَبْلُغُ إِلَى ٱلرَّقَبَةِ. لِغَرْبَلَةِ ٱلأُمَمِ بِغُرْبَالِ ٱلسُّوءِ، وَعَلَى فُكُوكِ ٱلشُّعُوبِ رَسَنٌ مُضِلٌّ».

ص 11: 4 و2تسالونيكي 2: 8 ص 8: 8 ص 37: 29

نَفْخَتُهُ كَنَهْرٍ أي المطر.

يَبْلُغُ إِلَى ٱلرَّقَبَةِ إلى الرقبة فقط دون الرأس أي ملك أشور لأنه نجا فرجع إلى بلاده (ص 37: 37).

بِغُرْبَالِ ٱلسُّوءِ الغربال ينقي القمح وأما هذا الغربال فليس فيه إلا الهشيم وكله للهلاك. والتشبيه بالغربال يختلف عن التشبيه بالنهر الغامر في أن الغربال باليد فليس الرب كبني البشر غير القادرين على إطفاء حريق أو حجز الأنهار بل كل شي في يده وتحت أمره.

رَسَنٌ مُضِلٌّ يشبّه النبي الشعوب أي جيوش أشور بوحش على فكه رسن فلا يقدر أن يعمل كل ما يريد. و«رسن مضل» (انظر ص 37: 7) «هَئَنَذَا أَجْعَلُ فِيهِ رُوحاً فَيَسْمَعُ» والنبي كثّر التشابيه لأن هلاك جيش سنحاريب أمر عظيم حتى يكاد لا يقدر أن يعبّر عنه.

29 - 31 «29 تَكُونُ لَكُمْ أُغْنِيَةٌ كَلَيْلَةِ تَقْدِيسِ عِيدٍ، وَفَرَحُ قَلْبٍ كَٱلسَّائِرِ بِٱلنَّايِ، لِيَأْتِيَ إِلَى جَبَلِ ٱلرَّبِّ، إِلَى صَخْرِ إِسْرَائِيلَ. 30 وَيُسَمِّعُ ٱلرَّبُّ جَلاَلَ صَوْتِهِ، وَيُرِي نُزُولَ ذِرَاعِهِ بِهَيَجَانِ غَضَبٍ وَلَهِيبِ نَارٍ آكِلَةٍ، نَوْءٍ وَسَيْلٍ وَحِجَارَةِ بَرَدٍ. 31 لأَنَّهُ مِنْ صَوْتِ ٱلرَّبِّ يَرْتَاعُ أَشُّورُ. بِٱلْقَضِيبِ يَضْرِبُ».

مزمور 42: 4 ص 2: 3 تثنية 32: 4 ص 29: 6 ص 28: 2 و32: 19 ص 37: 36 ص 10: 5 و24

كَلَيْلَةِ تَقْدِيسِ عِيدٍ لعل المراد بالعيد هنا عيد الفصح لأن ممارسته كانت في الليل وكان فيه أغنية.

لِيَأْتِيَ إِلَى جَبَلِ ٱلرَّبِّ ذكر فرح الصاعدين إلى أورشليم للعيد (مزمور 122) وصخر إسرائيل هو الرب.

لا نعرف بأية واسطة أهلك الرب جيش أشور (ص 37: 36) ربما أهلكهم بوبإ كالطاعون أو بمطر وسيل وبرَد فتكون هذه النبوءة تمت على سبيل الحقيقة.

32 «وَيَكُونُ كُلُّ مُرُورِ عَصَا ٱلْقَضَاءِ ٱلَّتِي يُنْزِلُهَا ٱلرَّبُّ عَلَيْهِ بِٱلدُّفُوفِ وَٱلْعِيدَانِ. وَبِحُرُوبٍ ثَائِرَةٍ يُحَارِبُهُ».

ص 11: 15 و19: 16

مُرُورِ عَصَا ٱلْقَضَاءِ الضربات التي وقعت على أشور من يد الرب وعصا القضاء هي التي قضى بها الرب على أشور.

بِٱلدُّفُوفِ يكون فرح لإسرائيل بنجاتهم وأما أشور فيكون للنار والهلاك.

يُحَارِبُهُ أي الرب يحارب أشور.

33 «لأَنَّ «تُفْتَةَ» مُرَتَّبَةٌ مُنْذُ ٱلأَمْسِ، مُهَيَّأَةٌ هِيَ أَيْضاً لِلْمَلِكِ، عَمِيقَةٌ وَاسِعَةٌ، كُومَتُهَا نَارٌ وَحَطَبٌ بِكَثْرَةٍ. نَفْخَةُ ٱلرَّبِّ كَنَهْرِ كِبْرِيتٍ تُوقِدُهَا».

2ملوك 23: 10 وإرميا 7: 31 و19: 6 الخ

تُفْتَةَ كانت في وادي ابن هنوم إلى جهة الشرق والجنوب من أورشليم وكان أصلاً في هذا الوادي بساتين وأماكن للتنزه ثم أقاموا فيه معابد للأصنام ولا سيما مولك إله بني عمون وكان لهذا الإله تمثال من نحاس مجوف وكانوا يوقدون في جوفه ناراً حامية جداً ثم يجيزون أولادهم بين يديه أي يحرقونهم وفي أثناء ذلك كانوا يضربون الطبل لمنع سماع صراخهم (قاموس الكتاب المقدس). وأبطل يوشيا ملك يهوذا هذه العادة ونجّس تفنة فصارت مكاناً للأوساخ وجثث الأموات وأوقدوا فيها النيران لتنقية الهواء وربما أشار المسيح إلى هذا المكان في أقواله في عذاب الأشرار الأبدي.

مُرَتَّبَةٌ مُنْذُ ٱلأَمْسِ في مقاصد الله الأزلية.

لِلْمَلِكِ ملك أشور. يشير إلى القول إلى هلاكه وربما يشير أيضاً إلى هلاك نفسه في جهنم. وكما أننا لا نقدر أن نفسر ألفاظ الكتاب في السماء كالحجارة الكريمة والسوق من ذهب والأبواب والأسوار والعرض والطول والعلوّ على سبيل الحقيقة لا نقدر أن نفسر هكذا الألفاظ في جهنم كالنار والحطب والكبريت بل يكفينا أنها تشير إلى عذاب لا يوصف.

إن الله أعدّ لهلاك أشور خمسة أشياء:

(1) السيل (2) الغربال (3) الرسن (4) العصا (5) تفتة.

ومن فوائد هذا الأصحاح:

  1. تحريم الاتكال على الوسائط البشرية للخلاص ووجوب الاتكال على الله وحده.

  2. إننا لا نعرف مقاصد الله ولا نفهم جميع أعماله ولكن علينا أن نخضع له ونطيعه وننتظره لأنه يعرف كل شيء ويعتني بكل شيء وما لا نعرفه الآن سنعرفه فيما بعد.

فوائد للوعاظ

مجد ملكوت المسيح (ع 23 - 26) يقوم بما يأتي:

  1. حصاد كثير أي انضمام كثيرين من جميع الأمم إلى الكنيسة (متّى 9: 37 و38 ويوحنا 4: 35).

  2. مطر غزير أي نعمة الله النازلة على الناس التي تُنمي وتُحيي.

  3. قُنيٌ كثيرة بها يصل ماء الحياة إلى كل مكان. والقُنيٌ هي المبشرون.

  4. نور عظيم. أي امتداد معرفة الله في الكنيسة والعالم.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلثَّلاَثُونَ

إن موضوع هذا الأصحاح كموضوع الأصحاح السابق بتشبيهات جديدة.

1 «وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَنْزِلُونَ إِلَى مِصْرَ لِلْمَعُونَةِ، وَيَسْتَنِدُونَ عَلَى ٱلْخَيْلِ وَيَتَوَكَّلُونَ عَلَى ٱلْمَرْكَبَاتِ لأَنَّهَا كَثِيرَةٌ، وَعَلَى ٱلْفُرْسَانِ لأَنَّهُمْ أَقْوِيَاءُ جِدّاً، وَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ وَلاَ يَطْلُبُونَ ٱلرَّبَّ».

ص 30: 2 و36: 6 وحزقيال 17: 15 مزمور 20: 7 وص 36: 9 دانيال 9: 13 وهوشع 7: 7

كانت مصر وأشور المملكتين العظيمتين في العالم فكان من الطبع أن المملكة الضعيفة الواقعة بينهما كيهوذا تلتجئ إلى الواحدة أو الأخرى منها. ولكن الرب أعلن لليهود أن ذلك محظور عليهم ووعدهم بأنه يخلّصهم بدون مساعدة مصر. فأخطأ اليهود باتكالهم على الحكمة البشرية وعدم الإيمان بما أعلنه الرب.

وَيَسْتَنِدُونَ عَلَى ٱلْخَيْلِ قال أوميروس الشاعر اليوناني إنه كان لمدينة ثيبة في مصر مئة باب يخرج من كل منها مئتا محارب بخيل ومركبات. وكان القدماء يستندون كثير الاستناد على الخيل في الحرب (2أيام 12: 3). وكان لأشور خيل كثيرة فظن اليهود أنه لا بد لهم من الخيل ليقاوموهم. وكما ظن اليهود قديماً أن الاتحاد بمصر ضروري يعتقد اليوم كثيرون أن الاتفاق مع العالم ضروري وإن الغش قد يكون ضرورياً وإن لهم عذراً إذا ارتكبوا هذه الخطايا ولكن تعليم هذا الأصحاح وسائر تعليم الكتاب هو أنه يجب الاتكال على الرب وحفظ وصاياه ولو نشأ عن ذلك خسارة كل شيء وترك كل شيء. وللرب طرق كثيرة للخلاص لا نعرفها نحن.

2 «وَهُوَ أَيْضاً حَكِيمٌ وَيَأْتِي بِٱلشَّرِّ وَلاَ يَرْجِعُ بِكَلاَمِهِ، وَيَقُومُ عَلَى بَيْتِ فَاعِلِي ٱلشَّرِّ وَعَلَى مَعُونَةِ فَاعِلِي ٱلإِثْمِ».

عدد 23: 19

وَهُوَ أَيْضاً حَكِيمٌ إن البعض لا يذكرون الله إلا وقت العبادة. ولكن هذا الأصحاح يعلّمنا أن الرب يعرف كل شيء ويهتم بالأمور السياسية كما يهتم بالأمور الدينية فعلى الناس أن يطلبوا إرشاده ويسلموا لأوامره في كل حياتهم وأمورهم أجسدية كانت أم روحية. والنبي يوبخ الذين يفضلون رأيهم على رأي الرب كأنهم أحكم منه. وجميع الخطأة يقولون بلسان أعمالهم إن الرب ليس بحكيم.

يَأْتِي بِٱلشَّرِّ أي الأرزاء والنكبات. وهي من الله وعقاب على الخطية.

وَلاَ يَرْجِعُ بِكَلاَمِهِ الرب لا يغلط فلا يتغير وأما الإنسان فيتغير وإذا رجع عن خطيته يغفر الرب له (حزقيال 18: 25 - 28).

فَاعِلِي ٱلشَّرِّ اليهود المتمردين وفاعلي الإثم هم المصريون فلا يبارك الرب على الاستعانة بهم.

3 «وَأَمَّا ٱلْمِصْرِيُّونَ فَهُمْ أُنَاسٌ لاَ آلِهَةٌ، وَخَيْلُهُمْ جَسَدٌ لاَ رُوحٌ. وَٱلرَّبُّ يَمُدُّ يَدَهُ فَيَعْثُرُ ٱلْمُعِينُ وَيَسْقُطُ ٱلْمُعَانُ وَيَفْنَيَانِ كِلاَهُمَا مَعاً».

مزمور 146: 3 و5

جَسَدٌ لاَ رُوحٌ اعتقد قدماء المصريين أن ملوكهم آلهة فبيّن أنهم ليسوا سوى بشر فقط وأنهم عرضة للتعب والضعف والموت فلا يجوز لليهود أن يتكلوا عليهم الاتكال الذي يحق للرب وحده.

4، 5 «4 لأَنَّهُ هٰكَذَا قَالَ لِي ٱلرَّبُّ: كَمَا يَهِرُّ فَوْقَ فَرِيسَتِهِ ٱلأَسَدُ وَٱلشِّبْلُ (ٱلَّذِي يُدْعَى عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ ٱلرُّعَاةِ وَهُوَ لاَ يَرْتَاعُ مِنْ صَوْتِهِمْ وَلاَ يَتَذَلَّلُ لِجُمْهُورِهِمْ) هٰكَذَا يَنْزِلُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ لِلْمُحَارَبَةِ عَنْ جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَعَنْ أَكَمَتِهَا. 5 كَطُيُورٍ مُرِفَّةٍ هٰكَذَا يُحَامِي رَبُّ ٱلْجُنُودِ عَنْ أُورُشَلِيمَ. يُحَامِي فَيُنْقِذُ. يَعْفُو فَيُنَجِّي».

هوشع 11: 10 وعاموس 3: 8 ص 42: 13 تثنية 32: 11 ومزمور 91: 4 مزمور 37: 40

الأسد هو الرب والرعاة الأشوريون والفريسة أورشليم. والأسد مشهور بين الوحوش بالقوة والشجاعة ويسمى ملك الوحوش. فالرب هو القادر على كل شيء وهو ثابت الرأي فلا يمكن أنه يسلم أورشليم للأشوريين. والأمر واضح أن هذا التشبيه لا يوافق المطلوب من كل وجه لأن الأسد يمسك الفريسة ليمزقها ويهلكها وأما الرب فيحفظ حياة شعبه ولذلك النبي أتى بتشبيه آخر لإظهار حنوّ الرب ومحبته لشعبه.

كَطُيُورٍ مُرِفَّةٍ المراد بهذا التشبيه أن الرب يحب شعبه كمحبة الأم لأولادها. إن من صفات الرجل القوة والثبات والشجاعة ومن صفات المرأة اللطف والرقة والحنو. والرب يسوع المسيح لكونه إنساناً تاماً بلا خطية يجمع في نفسه هذه الصفات كلها فيوجد فيه القوة والثبات والحنوّ أيضاً والرأفة فلا نحتاج إلى وسيط كمريم العذراء فيها الرقة والحنوّ لأن المسيح حنون ورقيق القلب أكثر من النساء (متّى 23: 37).

6 - 8 «6 اِرْجِعُوا إِلَى ٱلَّذِي ٱرْتَدَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَنْهُ مُتَعَمِّقِينَ. 7 لأَنْ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يَرْفُضُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَوْثَانَ فِضَّتِهِ وَأَوْثَانَ ذَهَبِهِ ٱلَّتِي صَنَعَتْهَا لَكُمْ أَيْدِيكُمْ خَطِيئَةً. 8 وَيَسْقُطُ أَشُّورُ بِسَيْفِ غَيْرِ رَجُلٍ، وَسَيْفُ غَيْرِ إِنْسَانٍ يَأْكُلُهُ، فَيَهْرُبُ مِنْ أَمَامِ ٱلسَّيْفِ، وَيَكُونُ مُخْتَارُوهُ تَحْتَ ٱلْجِزْيَةِ».

هوشع 9: 9 ص 2: 20 و30: 22 و1ملوك 12: 30 و2ملوك 19: 35 و36 وص 37: 36

مُتَعَمِّقِينَ كانوا قد أخطأوا عمداً وقصداً وربما أشارت الكلمة أيضاً إلى مقاصدهم السرّية.

يَرْفُضُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَوْثَانَ فِضَّتِهِ الإصلاح الحقيقي هو أن يفحص كل واحد أولاً عما في قلبه وحياته فينزع منهما الخطية قبلما ينظر إلى خطايا غيره. ويرجع الإنسان عن أعماله الشريرة لا لمجرد كونها خطأ سياسياً بل لأنها إساءة إلى الله أيضاً.

صَنَعَتْهَا لَكُمْ أَيْدِيكُمْ وكل خطيئة صنع أيدينا لأننا نختارها ونعملها ونحبها ونسلم بمسؤوليتها فنحمل عقابها.

بِسَيْفِ غَيْرِ رَجُلٍ سقط أشور بسيف الرب (ص 37: 36) وربما كان سقوطه بوبإ أو بعاصفة شديدة.

تَحْتَ ٱلْجِزْيَةِ إن مملكة أشور صارت أخيراً تحت الجزية لمملكة بابل فما أعجب هذه النبوءة إن أعظم مملكة في العالم أخافت إسرائيل وكل الممالك تصير تحت الجزية.

9 «وَصَخْرُهُ مِنَ ٱلْخَوْفِ يَزُولُ، وَمِنَ ٱلرَّايَةِ يَرْتَعِبُ رُؤَسَاؤُهُ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي لَهُ نَارٌ فِي صِهْيَوْنَ، وَلَهُ تَنُّورٌ فِي أُورُشَلِيمَ».

ص 37: 37

وَصَخْرُهُ صخر أشور ملكهم وظنوه صخراً لكونه ثاقب الرأي وشديد الثبات ووافر الشجاعة وأما صخر إسرائيل فهو الرب القادر على كل شيء الحكيم وحده غير المتغير.

مِنَ ٱلرَّايَةِ يَرْتَعِبُ أي من راية يهوذا.

لَهُ نَارٌ فِي صِهْيَوْنَ أي أورشليم الموضع الذي اختاره الرب لعبادته وفيها نار المحرقات ومن أورشليم يخرج لإهلاك أعدائه فتكون لهم ناراً آكلة أو قوية كنار تنور (انظر خروج 14: 20) كان عمود السحاب ظلاماً للمصريين ونوراً لإسرائيل كما كان الرسل رائحة موت للهالكين ورائحة حياة للخالصين (2كورنثوس 2: 16).

فوائد للوعاظ

جهالة الاتكال على البشر (ع 1) تظهر ما يأتي:

  1. إن الإنسان ضعيف المعرفة. يقصد شيئاً اليوم وغداً يسمع خبراً جديداً فيغيّر قصده.

  2. إن الإنسان ضعيف القوة. هو جسد والجسد عرضة للأمراض والموت وآلات حربه جسدية فتُكسر سريعاً. انظر مدرعات الملوك اليوم وهي مكان الخيل والمركبات في القديم فإنها تظهر قوية جداً ولكن بعد مرور عشر سنين تكون قيمتها كقيمة الحديد العتيق فقط.

  3. إن الإنسان ضعيف الخلاص. لو نجحت مصر في محاربة أشور وخلصت اليهود كان اليهود أصبحوا تحت حكم مصر وربما كانت تلك الحال شراً من الخصوع لأشور. فإن مصر لا تعين غيرها إن لم يكن لنفع نفسها.

  4. إن الإنسان لا يقدر أن يقاوم الرب.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلثَّلاَثُونَ

مضمونه:

نبوءة بامتداد العدل والحق (ع 1 - 8). وضربات ثقيلة على أورشليم حتى يُسكب روح من العلاء.

1 «هُوَذَا بِٱلْعَدْلِ يَمْلِكُ مَلِكٌ، وَرُؤَسَاءُ بِٱلْحَقِّ يَتَرَأَّسُونَ».

مزمور 45: 1 الخ وإرميا 23: 5 وهوشع 3: 5 وزكريا 9: 9

قال بعضهم إن الملك هنا هو حزقيا بناء على ذكر «رؤساء» في هذه الآية و«إنسان» في الآية الثانية وعلى موافقة النبوءة لزمان حزقيا بعد هلاك جيش سنحاريب. وقال آخر إن الملك هنا هو المسيح بناء على أن الصفات المذكورة ليست على إطلاقها في أحد من ملوك الناس. والبركات الموعود بها لم تأت بتمامها في زمان حزقيا. والأرجح أن النبي يصور ملكاً في حال الكمال وتمت النبوءة جزئياً بحزقيا وكلياً بالمسيح. والأرجح أن تاريخ هذه النبوءة قبل هلاك جيش أشور بقليل بدليل قوله في ع 10 «أيام على سنة» والظاهر أن حزقيا قبل إنذار إشعياء وعدل عن محالفة مصر واتكل على الرب فعزاه النبي بالمواعيد التي في هذا الأصحاح.

رُؤَسَاءُ لا يقدر الملك وحده أن يجري العدل والحق فللملك المشار إليه إن كان حزقيا وإن كان المسيح أناس فيهم روحه فيترأسون بالحق. إن للرحمة مكاناً وللعدل مكاناً وأما العدل فهو الأساس لكل حكم صالح وهو كالنواميس الطبيعية للكون فإن الشمس تشرق والمطر ينزل ويأتي البرد والحر في أوقاتهما ولو نشأ عن ذلك أحياناً تعب وخسارة لبعض الناس. ورأى بعضهم أن «الرؤساء» إشارة إلى رسل المسيح.

2 «وَيَكُونُ إِنْسَانٌ كَمَخْبَإٍ مِنَ ٱلرِّيحِ وَسِتَارَةٍ مِنَ ٱلسَّيْلِ، كَسَوَاقِي مَاءٍ فِي مَكَانٍ يَابِسٍ، كَظِلِّ صَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ فِي أَرْضٍ مُعْيِيَةٍ».

ص 4: 6 و25: 4

كَمَخْبَإٍ مِنَ ٱلرِّيحِ يلتجئ المسافر إلى المخبإ فيستريح من الريح التي تارة تكون باردة وتارة تكون حارة. و«الإنسان» هو الملك المذكور في الآية الأولى فإن الملك العادل يكون كمخبأ لجميع المظلومين.

كَسَوَاقِي مَاءٍ في أواسط أميركا الشمالية أرض واسعة صالحة للمزروعات من كل وحه ولكن لا يقع عليها مطر وليس فيها ماء ولكن الحكومة أجرت إليها حديثاً سواقي عظيمة فصارت مخصبة وسكنها كثيرون. فهذه الخيرات أجرتها الحكومة على الرعية. وهكذا يجري العدل والحق من الملك المذكور ورؤسائه. وهكذا تكون نعمة المسيح على القلوب القاسية العقيمة.

كَصَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ أحياناً الصخرة العظيمة تمنع الرمل الذي تحمله الريح فيتساقط ويتراكم وراء الصخرة فتسلم الأرض التي أمامها من أضرار الرمل. كان إبراهيم كصخرة فمنع ميل أهل الأرض إلى عبادة الأصنام وبظله نبت شعب اليهود. وكان النبي إشعياء كصخرة منع ميل اليهود إلى الاتكال على مصر. وكان حزقيا بإيمانه ورجوعه إلى الله كذلك فأخر خراب مملكته. والمسيح صخرة بالأولى لأنه عرض نفسه لرياح الاضطهاد من الناس وتجارب إبليس وغضب الله على الخطاء فالمؤمنون به يستريحون بظله ويُثمرون.

3 «وَلاَ تَحْسِرُ عُيُونُ ٱلنَّاظِرِينَ، وَآذَانُ ٱلسَّامِعِينَ تَصْغَى».

ص 29: 18 و35: 5 و6

إن معاصري إشعياء طمّسوا أعينهم وثقلوا آذانهم فكان ذلك سبب حزن شديد للنبي. وكل راعي نفوس يعدّ عدم الاستماع من أعظم تجاربه ويراه أثقل من المقاومة والاضطهاد. والوعد هنا أنه في ملكوت المسيح سيسمع الناس كلام الله ويفهمون.

4 «وَقُلُوبُ ٱلْمُتَسَرِّعِينَ تَفْهَمُ عِلْماً، وَأَلْسِنَةُ ٱلْعَيِيِّينَ تُبَادِرُ إِلَى ٱلتَّكَلُّمِ فَصِيحاً».

المتسرعون هم الذين يتكلمون وليس لهم معرفة والمعيون لهم معرفة ولكنهم لا يقدرون أن يتكلموا. والوعد هنا هو أنه في ملكوت المسيح يتجدد القلب واللسان معاً فيتكلم الجميع بمحبة المسيح.

5 - 8 «5 وَلاَ يُدْعَى ٱللَّئِيمُ بَعْدُ كَرِيماً، وَلاَ ٱلْمَاكِرُ يُقَالُ لَهُ نَبِيلٌ. 6 لأَنَّ ٱللَّئِيمَ يَتَكَلَّمُ بِٱللُّؤْمِ، وَقَلْبُهُ يَعْمَلُ إِثْماً لِيَصْنَعَ نِفَاقاً، وَيَتَكَلَّمَ عَلَى ٱلرَّبِّ بِٱفْتِرَاءٍ، وَيُفْرِغَ نَفْسَ ٱلْجَائِعِ وَيَقْطَعَ شُرْبَ ٱلْعَطْشَانِ. 7 وَٱلْمَاكِرُ آلاَتُهُ رَدِيئَةٌ. هُوَ يَتَآمَرُ بِٱلْخَبَائِثِ لِيُهْلِكَ ٱلْبَائِسِينَ بِأَقْوَالِ ٱلْكَذِبِ، حَتَّى فِي تَكَلُّمِ ٱلْمِسْكِينِ بِٱلْحَقِّ. 8 وَأَمَّا ٱلْكَرِيمُ فَبِٱلْكَرَائِمِ يَتَآمَرُ، وَهُوَ بِٱلْكَرَائِمِ يَقُومُ».

إن أبناء هذا الدهر يعتبرون الناس بالنظر إلى أموالهم ورتبهم فالغني والحاكم وابن الأسرة الأصلية يُدعى كريماً ولو كان لئيماً ويدعى نبيلاً ولو كان ماكراً لكن الاسم لا يغير طبع الإنسان فإن اللئيم يتكلم باللؤم ولو دعاه العالم كريماً والماكر يتكلم بالخبائث ولو سماه أهل الأرض نبيلاً. ولكن في ملكوت المسيح يحكم الناس بالصدق ويعتبرون كل إنسان بالنظر إلى ما هو عليه من الصفات الأدبية والروحية لا بالنظر إلى ما هو فيه كالغنى والمجد. يأتي ملكوت المسيح في هذا العالم بالتدريج وهكذا تأتي هذه البركات بالتدريج كالعدل والحق والصدق والغيرة والإصغاء إلى كلام الله. وتزداد هذه البركات بازدياد الملكوت.

9 - 15 «9 أَيَّتُهَا ٱلنِّسَاءُ ٱلْمُطْمَئِنَّاتُ، قُمْنَ ٱسْمَعْنَ صَوْتِي. أَيَّتُهَا ٱلْبَنَاتُ ٱلْوَاثِقَاتُ، ٱصْغِينَ لِقَوْلِي. 10 أَيَّاماً عَلَى سَنَةٍ تَرْتَعِدْنَ أَيَّتُهَا ٱلْوَاثِقَاتُ، لأَنَّهُ قَدْ مَضَى ٱلْقِطَافُ. ٱلاجْتِنَاءُ لاَ يَأْتِي. 11 اِرْتَجِفْنَ أَيَّتُهَا ٱلْمُطْمَئِنَّاتُ. ٱرْتَعِدْنَ أَيَّتُهَا ٱلْوَاثِقَاتُ. تَجَرَّدْنَ وَتَعَرَّيْنَ وَتَنَطَّقْنَ عَلَى ٱلأَحْقَاءِ 12 لاَطِمَاتٍ عَلَى ٱلثُّدِيِّ مِنْ أَجْلِ ٱلْحُقُولِ ٱلْمُشْتَهَاةِ وَمِنْ أَجْلِ ٱلْكَرْمَةِ ٱلْمُثْمِرَةِ. 13 عَلَى أَرْضِ شَعْبِي يَطْلَعُ شَوْكٌ وَحَسَكٌ حَتَّى فِي كُلِّ بُيُوتِ ٱلْفَرَحِ مِنَ ٱلْمَدِينَةِ ٱلْمُبْتَهِجَةِ. 14 لأَنَّ ٱلْقَصْرَ قَدْ هُدِمَ. جُمْهُورُ ٱلْمَدِينَةِ قَدْ تُرِكَ. ٱلأَكَمَةُ وَٱلْبُرْجُ صَارَا مَغَايِرَ إِلَى ٱلأَبَدِ، مَرَحاً لِحَمِيرِ ٱلْوَحْشِ، مَرْعىً لِلْقُطْعَانِ. 15 إِلَى أَنْ يُسْكَبَ عَلَيْنَا رُوحٌ مِنَ ٱلْعَلاَءِ، فَتَصِيرَ ٱلْبَرِّيَّةُ بُسْتَاناً، وَيُحْسَبَ ٱلْبُسْتَانُ وَعْراً».

عاموس 6: 1 ص 34: 13 وهوشع 9: 6 ص 22: 2 ص 27: 10 و2أيام 27: 3 مزمور 104: 30 ويوئيل 2: 28 ص 29: 17 و35: 2

يكلم النبي هنا نساء أورشليم ويوبخهن على خطيئتهن وهي غفلتهن أو عدم انتباههن. والمرأة عرضة لهذه الخطيئة أكثر من سواها لأنها من طبعها أن تثق بغيرها. وهذه الثقة تارة تكون فضيلة كثقتها برجلها المعيّن لها من الله ليعتني بها وتارة تكون خطية كثقة حواء بالحية وثقة سفيرة برجلها حنانيا. والظاهر من هذا الأصحاح والأصحاح الثالث من هذا السفر أن نساء أورشليم كنّ مهتمات بلباسهن وراحتهن وثقلن على رجالهن بإسرافهن فأجبرنهم على الظلم والرشوة وهن لم ينتبهن فكان عدم انتباههن خطيئة.

أَيَّاماً عَلَى سَنَةٍ أي سنة وكسوراً والمعنى إما أن الضيقات تدوم سنة وكسوراً أو أنها تبتدئ بعد سنة وكسور وهذا هو الأرجح. وكانت هذه الضيقات بواسطة سنحاريب وبعد هلاك جيشه كان لليهود راحة وسلام تحت حكم حزقيا الملك العادل (2أيام 32: 27 - 30).

قَدْ مَضَى ٱلْقِطَافُ يصف النبي الضيق الآتي كأنه قد أتى.

تَجَرَّدْنَ وَتَعَرَّيْنَ أي أنهن يخلعن ثيابهن الفاخرة ويلبسن المسح. قال أحد المفسرين إن الموت سوف يجردنا من أموالنا فالأولى أن نجرد أنفسنا قبل الموت بوقف أموالنا للرب فلا نخاف من الموت.

عَلَى أَرْضِ شَعْبِي يَطْلَعُ شَوْكٌ قال سنحاريب في الكتابات الأشورية أنه سبى مئتي ألف من اليهود ولا ريب في أن نتيجة ذلك أن تُركت أرض كثيرة بلا فلاحة وبيوت كثيرة بلا سكان. ابتدأ الخراب الموصوف بواسطة سنحاريب وكُمل في مدة السبي.

ٱلأَكَمَةُ وَٱلْبُرْجُ صَارَا مَغَايِرَ إِلَى ٱلأَبَدِ الأكمة قسم من أورشليم جنوبي الهيكل والبرج كذلك قسم من أورشليم. والقول «إلى الأبد» يشير إلى زمان طويل لا إلى غير النهاية لأن نبوءات أخرى تشير إلى الرجوع (ص 35) «تفرح البرية الأرض اليابسة» الخ.

رُوحٌ مِنَ ٱلْعَلاَءِ إن الروح القدس يعمل في قلوب الناس في كل عصر. فإن الإصلاح في أيام حزقيا وفي أيام يوشيا أيضاً وإيمان بعض اليهود في مدة السبي وبعد السبي كانا من الروح القدس ولكن النبي يشير هنا إلى حلول الروح القدس بغزارة كما في يوم الخمسين. والبركات الموعود بها أعطيت جزئياً في أيام حزقيا وبعد السبي وستُعطى بغزارة كما يُعطى الروح القدس بغزارة في أيام العهد الجديد. كانت علة مصائب اليهود الجسدية فسادهم الأدبي والروحي ولما صلحت أحوالهم الروحية صلحت أحوالهم الجسدية أيضاً.

فَتَصِيرَ ٱلْبَرِّيَّةُ بُسْتَاناً إشارة إلى التحسين في كل شيء.

وَيُحْسَبَ ٱلْبُسْتَانُ وَعْراً هذا التشبيه غير ما أتى في (ص 29: 17) فإن المراد هنا أن الأرض المخصبة تزداد خصباً وتصير الأشجار المثمرة كأشجار الوعر كثرة وعظمة.

16 - 19 «16 فَيَسْكُنُ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ ٱلْحَقُّ، وَٱلْعَدْلُ فِي ٱلْبُسْتَانِ يُقِيمُ. 17 وَيَكُونُ صُنْعُ ٱلْعَدْلِ سَلاَماً، وَعَمَلُ ٱلْعَدْلِ سُكُوناً وَطُمَأْنِينَةً إِلَى ٱلأَبَدِ. 18 وَيَسْكُنُ شَعْبِي فِي مَسْكَنِ ٱلسَّلاَمِ، وَفِي مَسَاكِنَ مُطْمَئِنَّةٍ وَفِي مَحَلاَّتٍ أَمِينَةٍ. 19 وَيَنْزِلُ بَرَدٌ بِهُبُوطِ ٱلْوَعْرِ، وَإِلَى ٱلْحَضِيضِ تُوضَعُ ٱلْمَدِينَةُ».

يعقوب 3: 18 ص 30: 30 زكريا 11: 2

فِي ٱلْبَرِّيَّةِ... فِي ٱلْبُسْتَانِ أي في كل مكان يكون العدل والحق فتعم هذه البركات جميع الناس كالساكن في البرية أي الفقير وصاحب البستان أي الغني. ونتيجة العدل هي السلام.

وَيَنْزِلُ بَرَدٌ الأرجح أن النبي يشير إلى أحكام الله على أورشليم كما تكلم في (ع 13 و14) فلا بد من حدوث هذا التأديب قبل وفاء المواعيد والتأديب هو غزو سنحاريب وبموجب هذا التفسير يكون الوعر إشارة إلى جيش اليهود وأكابرهم والمدينة المذكورة هي أورشليم. ورأى بعضهم أن الوعر هو جيش الأشوريين وأن المدينة هي نينوى. وقال غيرهم إن الوعر يشير إلى أعداء الله بالإجمال والمدينة هي كل مدينة تقاوم الله في كل زمان.

20 «طُوبَاكُمْ أَيُّهَا ٱلزَّارِعُونَ عَلَى كُلِّ ٱلْمِيَاهِ، ٱلْمُسَرِّحُونَ أَرْجُلَ ٱلثَّوْرِ وَٱلْحِمَارِ».

ص 30: 24

نظر النبي إلى المستقبل وغبط الذين سيسكنون في الأرض بكل راحة وطمأنينة ولهم مياه كثيرة ويزرعون في كل موضع بلا خوف ويسرّحون بهائمهم أي يخرجونها لترعى في كل مكان بالأمان. فلا نغبط الذين يقضون حياتهم بلا عمل بل الذين يعملون ويتعبون ويتمتعون بأثمار أتعابهم.

فوائد للوعاظ

مَن هو اللئيم ومَن هو الكريم (ع 5)

  1. الناس يعتبرون الذكي فيسمعون كلامه ونكته ومن المحتمل أنه يكون كافراً في الدين وفاسداً في الأدب.

  2. الناس يعتبرون الغني ومن المحتمل أنه يكون طماعاً وظالماً.

  3. الناس يعتبرون ابن أسرة شريفة ومن المحتمل أنه يكون متكبراً وغير نافع.

  4. الله يعتبر أولاً الصفات الأدبية والروحية ومن المحتمل أن البسيط يكون أفضل من الذكي والفقير أفضل من الغني والصغير في العالم أفضل من الكبير. فيكون الكريم الحقيقي من لا يطلب ما لنفسه بل يضع نفسه لأجل غيره ولا يسود على الناس بل يخدمهم اقتداء بالمسيح ولا يفتخر بل يعترف بخطاياه.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلثَّلاَثُونَ

مضمونه:

آخر النبوءات المتعلقة بسنحاريب وكان جيشه في زمن هذه النبوءة أمام أورشليم وكان حزقيا قد أعطاه جميع الفضة التي في بيت الرب وفي خزائن بيت الملك وكان قد نزع الذهب عن أبواب هيكل الرب رجاء أن يذهب سنحاريب عنه فقبل سنحاريب الجزية ولكنه نكث العهد فلم يترك أورشليم بل أرسل ربشاقي بجيش عظيم وعيّر الملك وجدّف على الرب. وكان قد أخرب اليهودية كلها والتجأ السكان إلى أورشليم وكان على ما يظهر أن هذه المدينة نفسها ستسقط سريعاً فأوحي في أثناء الخوف والاضطراب إلى إشعياء بأن يصرّح بانكسار سنحاريب ونجاة أورشليم وتوطيد الأمن والسلام.

1 «وَيْلٌ لَكَ أَيُّهَا ٱلْمُخْرِبُ وَأَنْتَ لَمْ تُخْرَبْ، وَأَيُّهَا ٱلنَّاهِبُ وَلَمْ يَنْهَبُوكَ. حِينَ تَنْتَهِي مِنَ ٱلتَّخْرِيبِ تُخْرَبُ، وَحِينَ تَفْرَغُ مِنَ ٱلنَّهْبِ يَنْهَبُونَكَ».

ص 21: 2 وحبقوق 2: 8 رؤيا 13: 10

خاطب النبي بهذا سنحاريب وهو إستحق هذا الويل لأمرين (1) إنه تعدى على اليهود وحاربهم بلا داع و(2) إنه تكبر وافتخر وظن أنه يقدر أن يخرب ولا أحد يقدر أن يخربه وينهب ولا أحد يقدر أن ينهبه وجدف على الرب والرب جازاه. وكان من الطبع أن الكثيرين الذين ظلمهم أشور يستغنمون أول فرصة ليقوموا وينتقموا منه على حسب ظلمه.

حِينَ تَنْتَهِي لم ينته نظراً إلى مقاصده بل نظراً إلى مقاصد الرب لأن الرب يرى كل شيء ويجعل لكل ظالم نهاية. وكل من يتأمل في تاريخ العالم يرى أن ممالك الظالمين تقوم وتسقط فيقوم غيرها ويسقط الخ ولا تثبت مملكة ما لم تكن مؤسسة على العدل والحق.

2 «يَا رَبُّ، تَرَأَّفْ عَلَيْنَا. إِيَّاكَ ٱنْتَظَرْنَا. كُنْ عَضُدَهُمْ فِي ٱلْغَدَوَاتِ. خَلاَصَنَا أَيْضاً فِي وَقْتِ ٱلشِّدَّةِ».

ص 25: 9

صلاة النبي. إدخال الصلاة هكذا بين كلمات النبوءة هو غير المعتاد وهو يدل على اضطراب أفكار النبي فإنه كان قد تنبأ بما حدوثه محال بحسب الظاهر أي سقوط أشور (ص 29: 5 - 8 و30: 27 - 33 و31: 8) وبقرب الوقت الذي تتم فيه هذه النبوءة (ص 32: 10) وبهذا يُعرف أنه تكلم بالوحي فالتجأ إلى الرب ليتشجع به.

كُنْ عَضُدَهُمْ أي عضد اليهود. صلى أولاً كالنائب عن الشعب في الكلام وقال «تراءف علينا... انتظرنا» ثم انتقل من التكلم إلى الغيبة وهو نوع من الالتفات البديعي والمعنى واحد. وعضد الإنسان هو الجزء الغليظ من ذراعه وهو بين المرفق (المعروف عن العامة بالكوع) والكتف وهو العضو الذي عليه أكثر الاعتماد في العمل. ونحن نطلب من الرب أن يكون عضدنا أي أن يكون لنا قوة على العمل.

فِي ٱلْغَدَوَاتِ أشار بذلك إلى الصباح الذي فيه رأى اليهود جيش أشور جميعهم جثثاً ميتة (ص 37: 36). يطلبون المعونة صباحاً لا ظهراً ولا مساءً أي سريعاً. والرب لنا عون في حينه. والغدوات بصيغة الجمع تفيد أيضاً معونة كل يوم فإن حياة الإنسان ليست مدة واحدة متصلة بل هي أيام ولكل يوم واجبات خاصة وتجارب خاصة فنحتاج كل يوم إلى معونة خاصة.

3 «مِنْ صَوْتِ ٱلضَّجِيجِ هَرَبَتِ ٱلشُّعُوبُ. مِنِ ٱرْتِفَاعِكَ تَبَدَّدَتِ ٱلأُمَمُ».

صَوْتِ ٱلضَّجِيجِ هو صوت الله (مزمور 29: 3 - 9) و«الشعوب» شعوب أشور لأن مملكة أشور كانت مجموعة من شعوب مختلفة.

ٱرْتِفَاعِكَ ارتفاع الرب كما يقوم جبار ويرفع يده ليضرب.

4 «وَيُجْنَى سَلْبُكُمْ جَنْي ٱلْجَرَادِ. كَتَرَاكُضِ ٱلْجُنْدُبِ يُتَرَاكَضُ عَلَيْهِ».

سَلْبُكُمْ النبي يخاطب الأشوريين وسلبهم كسلب الجراد لأن الجراد لا يترك شيئاً. والذين يسلبون أشور كالجندب في الكثرة والشراهة. ولا نبأ في الكتاب يسلب أشور ولكنه أمر طبيعي أنهم بعد تلك الضربة الهائلة انصرفوا بالعجل وتركوا أمتعتهم فصارت غنيمة لليهود وربما سلب أهل البلاد الهاربين أيضاً وتجاسر بعض الشعوب على غزو المملكة.

5 «تَعَالَى ٱلرَّبُّ لأَنَّهُ سَاكِنٌ فِي ٱلْعَلاَءِ. مَلأَ صِهْيَوْنَ حَقّاً وَعَدْلاً».

مزمور 97: 9

تَعَالَى ٱلرَّبُّ أولاً بإظهار عدله وحقه في إبادة أشور وبسكناه في العلاء باعتبار أنه ملك الشعوب ثم في رجوع شعبه إليه بالتوبة فامتلأت أورشليم عدلاً وحقاً.

6 «فَيَكُونُ أَمَانُ أَوْقَاتِكَ وَفْرَةَ خَلاَصٍ وَحِكْمَةٍ وَمَعْرِفَةٍ. مَخَافَةُ ٱلرَّبِّ هِيَ كَنْزُهُ».

النبي يخاطب هنا اليهود. والأمان هو من أعظم وسائط النجاح فيبني الأماكن الصخرية كلبنان وعدم الأمان يخرب الأراضي الجيدة. وأما الأمان فهو مما يجعل الناس يلتهون بالخيرات الزمنية وينسون الرب فيكونون ناجحين في الجسديات ومتكاسلين في الروحيات فيحذر النبي اليهود من هذا الخطر بقوله «يكون أمان أوقاتك وفرة خلاص وحكمة ومعرفة» أي الأمان الحقيقي يكون بالخلاص من الخطية وليس فقط من سنحاريب وكنزهم الحقيقي مخافة الرب لا مجرد الفضة والذهب. كان سنحاريب قد غزا كل اليهودية وأخذ مدنها وحصونها وكنوزها من الذهب والفضة وداس كرومها وحقولها ولكنها كانت غنية في مخافة الرب فإنها كانت قد تعلمت الاتكال على الرب دون الاتكال على مصر وغيرها وكانت ترجو مواعيد الله. وصارت غنية أيضاً في الجسديات لأن اليهود رجعوا إلى حقولهم وتجددت كرومهم ومدنهم وكان ذلك في آخر ملك حزقيا (2أيام 32: 27 - 30) فإن للذين يطلبون أولاً ملكوت الله تزاد جميع الخيرات الجسدية.

7 - 9 «7 هُوَذَا أَبْطَالُهُمْ قَدْ صَرَخُوا خَارِجاً. رُسُلُ ٱلسَّلاَمِ يَبْكُونَ بِمَرَارَةٍ. 8 خَلَتِ ٱلسِّكَكُ. بَادَ عَابِرُ ٱلسَّبِيلِ. نَكَثَ ٱلْعَهْدَ. رَذَلَ ٱلْمُدُنَ. لَمْ يَعْتَدَّ بِإِنْسَانٍ. 9 نَاحَتْ ذَبُلَتِ ٱلأَرْضُ. خَجِلَ لُبْنَانُ وَتَلِفَ. صَارَ شَارُونُ كَٱلْبَادِيَةِ. نُثِرَ بَاشَانُ وَكَرْمَلُ».

2ملوك 18: 18 و37 قضاة 5: 6 و2ملوك 18: 14 إلى 17 ص 24: 4

أَبْطَالُهُمْ أبطال يهوذا المرسلون ليطلبوا الصلح من سنحاريب فرجعوا وثيابهم ممزقة (ص 36: 22).

خَلَتِ ٱلسِّكَكُ خوفاً من الأشوريين.

نَكَثَ ٱلْعَهْدَ أي سنحاريب لأنه كان قد أخذ من حزقيا الذهب والفضة وهكذا عاهده على أنه يرجع عنه ولم يرجع.

رَذَلَ ٱلْمُدُنَ احتقرها لأنها لم تقدر أن تقاومه فقال أين آلهة حماة وأرفاد وسفروايم والسامرة. ولم يعتد بإنسان أي لم يخف إنساناً. لبنان وشارون وباشان وكرمل ليست في اليهودية ولكنها كناية عن جميع الأماكن المثمرة والجميلة.

10 - 12 «10 اَلآنَ أَقُومُ يَقُولُ ٱلرَّبُّ. ٱلآنَ أَصْعَدُ. ٱلآنَ أَرْتَفِعُ. 11 تَحْبَلُونَ بِحَشِيشٍ تَلِدُونَ قَشِيشاً. نَفَسُكُمْ نَارٌ تَأْكُلُكُمْ. 12 وَتَصِيرُ ٱلشُّعُوبُ وَقُودَ كِلْسٍ، أَشْوَاكاً مَقْطُوعَةً تُحْرَقُ بِٱلنَّارِ».

مزمور 12: 5 مزمور 7: 14 وص 59: 4 ص 9: 18

تكرار الكلمة «الآن» ثلاث مرات يدل على غضب الرب الشديد على سنحاريب لأن تجديفه كان قد وصل إلى درجة لا تُطاق ويدل أيضاً على شفقته على شعبه كأنه هاج من ذكر خراب بلادهم. والرب يقوم دائماً للعمل في وقته لا قبل الوقت ولا بعده وذلك نظراً إلى تعظم أعدائه واتضاع شعبه. كما نادى ملاك الرب إبراهيم لما مد يده ليذبح ابنه إسحاق وكما ضرب الآراميين بالعمى لما أحاطوا بمدينة دوثان فخلص نبيه أليشع. وكما ضرب نبوخذناصر الملك بالجنون حين افتخاره وتجديفه. وهامان (أستير 5: 11) وهيرودس (أعمال 12: 21 - 23). فحين يصرخ شعبه إليه من الأعماق يصغي ويستجيب.

تَحْبَلُونَ بِحَشِيشٍ إشارة إلى خيبة مقاصد أشور.

نَفَسُكُمْ نَارٌ تَأْكُلُكُمْ كان كلام الكبرياء والتجديف الذي خرج من أفواه الأشوريين سبب هلاكهم فأهلكوا أنفسهم. فلا يجوز لجميع المصابين أن يقولوا إن مصائبهم من الله لكي يخلصوا من كل لوم ومسؤولية لأن مصائب كثيرة نتيجة طبيعية للخطية كأمراض السكارى والفجار وفقر الكسالى والمسرفين وانحطاط المتكبرين. كانت الشرور الخارجة من قلوب الأشرار النار التي أكلتهم فكان هلاكهم من أنفسهم. وإذا فحصنا قلوبنا نرى فيها الطمع والكبرياء والكسل ومحبة الذات وخطايا أخرى فتكون هذه الخطايا السبب الحقيقي لمصائبنا وعدم نجاحنا.

أَشْوَاكاً مَقْطُوعَةً أي أشواكاً يابسة تُحرق سريعاً كالمستعملة وقوداً للكلس.

13، 14 «13 اِسْمَعُوا أَيُّهَا ٱلْبَعِيدُون مَا صَنَعْتُ، وَٱعْرِفُوا أَيُّهَا ٱلْقَرِيبُونَ بَطْشِي. 14 ٱرْتَعَبَ فِي صِهْيَوْنَ ٱلْخُطَاةُ. أَخَذَتِ ٱلرَّعْدَةُ ٱلْمُنَافِقِينَ. مَنْ مِنَّا يَسْكُنُ فِي نَارٍ آكِلَةٍ؟ مَنْ مِنَّا يَسْكُنُ فِي وَقَائِدَ أَبَدِيَّةٍ؟».

ص 49: 1

ٱلْبَعِيدُون هم الأمم والقريبون هم اليهود فالدعوة تشمل الجميع. وبطش الله هو عمله العظيم في إهلاك أعدائه.

ٱرْتَعَبَ فِي صِهْيَوْنَ ٱلْخُطَاةُ كان بعض اليهود الساكنين في أورشليم خطأة أيضاً لا الأشوريون فقط. وذُكر في النبوءات السابقة بعض خطايا هؤلاء اليهود كالرياء والكبرياء والظلم والسكر ورفض كلام الله ولما نظروا تلك النار الآكلة أي غضب الله على أشور خافوا لأنهم خطأة أيضاً كالأشوريين. أخطأ الأشوريون بدون ناموس واستحقوا الهلاك فبالأولى أن يستحق ذلك اليهود الذين أخطأوا ولهم ناموس.

وَقَائِدَ أَبَدِيَّةٍ أحكام الله على الخطأة نوعان:

(1) أحكامه في هذا العالم كإهلاك الأشوريين وتعذيب كثيرين من الأفراد بأمراض ومصائب مختلفة وتوبيخ الضمير والبعد عن الله وفقد الرجاء وتسلط الحسد والطمع والشهوات.

(2) أحكامه الأبدية بعد الموت التي لا ينجو أحد منها إلا بواسطة الإيمان بالرب يسوع المسيح. إننا نرى في الزمان الحاضر كثيرين من الخطأة في حال الراحة ولولا إعلان الدينونة والعقاب بعد الموت كنا نشك في عدل الله. فيجب على الواعظ الأمين أن يوضح هذا التعليم لسامعيه بالمحبة القلبية والحزن وبذل كل الاجتهاد في تخليص الهالكين وأحسن مثال للواعظ في هذا الأمر هو الرب يسوع المسيح الذي قدّم في هذا الموضوع تعليماً لا يوجد أوضح منه وبذل نفسه ليخلّص الخطأة. ولا نفهم أن الوقائد الأبدية تشير إلى نار حقيقية فإن المراد بها عذاب لا يوصف.

رأى اليهود جزءاً من أحكام الله الزمنية عندما أُهلك 185000 من الأشوريين في ليلة واحدة. وإذا كانت هذه الأحكام أحكام الله الزمنية مخيفة إلى هذا الحد فمن يقدر أن يحتمل أحكامه الأبدية.

15 «ٱلسَّالِكُ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمُتَكَلِّمُ بِٱلاسْتِقَامَةِ، ٱلرَّاذِلُ مَكْسَبَ ٱلْمَظَالِمِ، ٱلنَّافِضُ يَدَيْهِ مِنْ قَبْضِ ٱلرَّشْوَةِ، ٱلَّذِي يَسُدُّ أُذُنَيْهِ عَنْ سَمْعِ ٱلدِّمَاءِ، وَيُغَمِّضُ عَيْنَيْهِ عَنِ ٱلنَّظَرِ إِلَى ٱلشَّرِّ».

مزمور 15: 2 و24: 4 مزمور 119: 37

ٱلسَّالِكُ بِٱلْحَقِّ الخ ليس هذا القول جواباً للسؤال في (ع 14) كأن السالك بالحق يقدر أن يسكن في وقائد أبدية بل هو وصف لمن يقدر أن يسكن مع الإله القدوس القادر على كل شيء. إن غضب الله هو على الخطية لا على الخاطئ فالمسيح جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك. والخاطئ مشبه بخروف ضال ودرهم ضائع وابن ضال. والمراد بهذه التشبيهات أن الله يحب الخاطئ كما يحب الراعي خروفه وكما يحب صاحب الدرهم ماله وكما يحب الأب ابنه فلا شيء يفصلنا عن محبة الله إلا الخطية وكل من يترك خطيته ويلتجئ إلى الله بالتوبة والإيمان يجده أباً حنوناً ومخلّصاً قديراً. ومن يريد أن يسكن مع الله يجب أن يكون قدوساً كما هو قدوس. والقداسة المشار إليها ليست قداسة أصلية كقداسة الملائكة بل قداسة المفديين والمطهرين بدم يسوع. والصفات المذكورة في هذا العدد هي الصفات المطلوبة خصوصاً في عصر إشعياء.

ٱلنَّافِضُ يَدَيْهِ كأن اليد تتدنس من الرشوة فيرفضها كما ينفض الإنسان يده فلا يلصق بها أدنى شيء من الغبار.

يَسُدُّ أُذُنَيْهِ عَنْ سَمْعِ ٱلدِّمَاءِ لا يسمع موآمرات قاصدي سفك الدماء.

وَيُغَمِّضُ عَيْنَيْهِ عَنِ ٱلنَّظَرِ إِلَى ٱلشَّرِّ أي النظر إلى كل ما يجربه لارتكاب خطية كمكسب الظلم أو الرشوة وكل ما يفسد الأخلاق ويهيج الشهوات لأن العين كباب يدخل منه خير وشر فيتصف الإنسان بالأمور التي ينظر إليها عادة واختياراً فمن ينظر بالرضا إلى الشرور يصير شريراً ومن ينظر إلى الصالحات يصير صالحاً.

16 «هُوَ فِي ٱلأَعَالِي يَسْكُنُ. حُصُونُ ٱلصُّخُورِ مَلْجَأُهُ. يُعْطَى خُبْزَهُ، وَمِيَاهُهُ مَأْمُونَةٌ».

فِي ٱلأَعَالِي يَسْكُنُ أي في الأمان لأن الحصون كانت في أماكن عالية.

يُعْطَى خُبْزَهُ ليس عليه خطر في وقت الحصار لأن مكانه منيع وطعامه وشرابه لا ينقطعان وكنى بهذه التشبيهات عن سلام شعب الله وحمايته لهم.

17 «اَلْمَلِكَ بِبَهَائِهِ تَنْظُرُ عَيْنَاكَ. تَرَيَانِ أَرْضاً بَعِيدَةً».

اَلْمَلِكَ بِبَهَائِهِ حزقيا لأنه في وقت الحصار تغطى بمسح (ص 37: 1) لا شك في أنه بعد ما نجوا لبس ثيابه البهية. ولم يكن له بهاء اللباس وحده بل كان له أيضاً بهاء روحي لأنه ملك بالعدل والحق.

أَرْضاً بَعِيدَةً بعدما نجوا من سنحاريب خرجوا بالحرية من المدينة إلى أطراف بلادهم. وهذه الألفاظ توافق المسيح والكنيسة أيضاً لأن الكنيسة ستنظر ملكها المسيح ببهائه وترى امتداد ملكوته إلى أقصى الأرض (زكريا 9: 17 ومزمور 45: 2 ونشيد الأنشاد كله).

18 «قَلْبُكَ يَتَذَكَّرُ ٱلرُّعْبَ. أَيْنَ ٱلْكَاتِبُ، أَيْنَ ٱلْجَابِي، أَيْنَ ٱلَّذِي عَدَّ ٱلأَبْرَاجَ؟».

1كورنثوس 1: 20

الرعب من أشور. سُرّ النبي بذكر الخطر بعد زواله. والكاتب أقيم من قبل ملك أشور زمان الحصار ليكتب الأسماء لأجل التسخير والجزية ففرح اليهود بعدم وجوده. وبولس استعمل ألفاظاً تشبه ما جاء في إشعياء (1كورنثوس 1: 20) وربما معناه أنه كما انصرف ذلك الكاتب المفتخر والمتكبر عن أورشليم هكذا تزول حكمة هذ العالم. والجابي هو الذي قبض المال المفروض على اليهود. والذي عدّ الأبراج هو المهندس الذي نظر إلى أبراج اليهود وعدّها لكي تهدم.

19 «ٱلشَّعْبَ ٱلشَّرِسَ لاَ تَرَى: ٱلشَّعْبَ ٱلْغَامِضَ ٱللُّغَةِ عَنِ ٱلإِدْرَاكِ، ٱلْعَيِيَّ بِلِسَانٍ لاَ يُفْهَمُ».

2ملوك 19: 32 تثنية 28: 49 وإرميا 5: 15

انصرف الأشوريون ولم يرجعوا إلى أورشليم في زمان ذلك الجيل غير أنهم جاءوا في زمان ملك منسى ابن حزقيا.

ٱلْغَامِضَ ٱللُّغَةِ وهذا مما زاد رعب اليهود لأنهم كانوا يسمعون كل يوم من مدة الحصار صراخاً وتهديدات وأصواتاً غريبة ومخيفة لم يفهموها ولعدم فهم لغة الأشوريين حسبوهم عيييّن باللسان.

20 «اُنْظُرْ صِهْيَوْنَ مَدِينَةَ أَعْيَادِنَا. عَيْنَاكَ تَرَيَانِ أُورُشَلِيمَ مَسْكَناً مُطْمَئِنّاً، خَيْمَةً لاَ تَنْتَقِلُ. لاَ تُقْلَعُ أَوْتَادُهَا إِلَى ٱلأَبَدِ، وَشَيْءٌ مِنْ أَطْنَابِهَا لاَ يَنْقَطِعُ».

مزمور 48: 12 مزمور 46: 5 و125: 1 و2 ص 37: 33 و54: 2

اُنْظُرْ صِهْيَوْنَ انظرها بعد نجاتها من أشور فإنها سترجع إلى حالتها الأولى وتحفظ أعيادها ويأتيها معيّدون من كل الجهات بلا خوف. والمدينة مشبهة بخيمة لا تنتقل إشارة إلى قول سنحاريب (ص 36: 17) «آتي وآخذكم إلى أرض الخ». وليس المراد بالوعد أن مدينة أورشليم تثبت إلى الأبد بل أنها تبقى زماناً طويلاً.

لاَ تَنْتَقِلُ ولكنها خيمة إشارة إلى أن كل مدن العالم ستزول وليس إلا مدينة واحدة ثابتة لها أساسات وهي أورشليم السماوية التي بانيها وصانعها الله. انظر قول المسيح في الكنيسة (متّى 16: 18) «أَبْوَابُ ٱلْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا». لكل وعد شروط والوعد لأورشليم هو أنها تثبت إذا حفظت ما ذُكر في (ع 15).

21 «بَلْ هُنَاكَ ٱلرَّبُّ ٱلْعَزِيزُ لَنَا مَكَانُ أَنْهَارٍ وَتُرَعٍ وَاسِعَةِ ٱلشَّوَاطِئِ. لاَ يَسِيرُ فِيهَا قَارِبٌ بِمِقْذَافٍ، وَسَفِينَةٌ عَظِيمَةٌ لاَ تَجْتَازُ فِيهَا».

ليس لأورشليم أنهار كالفرات والنيل تُغني المدن المبنية على شواطئها وتسير فيها قوارب ولكن الرب يكون لهم عوضاً عن الأنهار فيعطيهم كل الخيرات التي للمدن المبنية عليها.

لاَ يَسِيرُ فِيهَا قَارِبٌ يسير فيها قوارب تجارية ولكن لا يسير قوارب بمقذاف أو سفينة عظيمة أي قارب من قوارب أعدائهم الحربية. والكلام ليس بحقيقي كأنه سيكون في أورشليم أنهار عظيمة فهو مجاز ويشير إلى تمام النجاح والسلام.

22 «فَإِنَّ ٱلرَّبَّ قَاضِينَا. ٱلرَّبُّ شَارِعُنَا. ٱلرَّبُّ مَلِكُنَا هُوَ يُخَلِّصُنَا».

يعقوب 4: 12 مزمور 89: 18

تكرار اسم الرب للتأكيد ويشير إلى تمام اتكالهم عليه وثبات عزمهم. في كل حكومة دستورية ثلاث دائرات وهي النواب الذين يسنون الشرائع والقضاة الذين يفسرونها ويخصصونها والملك أو الرئيس الذي يجريها. فكان الرب لإسرائيل بمقام الثلاثة فكان قاضياً وشارعاً وملكاً.

23 «ٱرْتَخَتْ حِبَالُكِ. لاَ يُشَدِّدُونَ قَاعِدَةَ سَارِيَتِهِمْ. لاَ يَنْشُرُونَ قِلْعاً. حِينَئِذٍ قُسِمَ سَلْبُ غَنِيمَةٍ كَثِيرَةٍ. ٱلْعُرْجُ نَهَبُوا نَهْباً».

ٱرْتَخَتْ حِبَالُكِ ظن بعضهم أن النبي يخاطب الأشوريين فقوله يشير إلى انكسارهم والأرجح أنه موجه إلى أورشليم ويشير إلى ما كان اليهود فيه سابقاً من التشويش والخلاعة والابتعاد عن الله وكان النبي أظهر لهم هذه الخطايا مراراً كثيرة. وشبّه اليهود بملاحين كسالى لم ينتبهوا لسفينتهم كما يجب.

حِينَئِذٍ أي حين أظهر الله قوته ومجده بإهلاك الأشوريين انقلبت الأحوال.

غَنِيمَةٍ كَثِيرَةٍ ولا شك أنهم مع هذه الغنمية استرجعوا الذهب والفضة التي كان حزقيا أعطاها لملك أشور جزية وما كان هذا الملك أخذه من مدن يهوذا (2ملوك 18: 13 - 16).

ٱلْعُرْجُ نَهَبُوا أي اليهود الذين كانوا عاجزين كالعرج وذلك نظراً إلى عددهم القليل وإيمانهم الضعيف وسلوكهم الرديء ومع ذلك نهبوا الأشوريين والقول كمثل يشير إلى انكسار الأشوريين الكامل وكثرة غنيمة الإسرائيليين.

24 «وَلاَ يَقُولُ سَاكِنٌ: أَنَا مَرِضْتُ. ٱلشَّعْبُ ٱلسَّاكِنُ فِيهَا مَغْفُورُ ٱلإِثْمِ».

إرميا 50: 20

لا شك في أنه كثرت الأمراض في أورشليم زمان سقوط مدن يهوذا والتجاء كثيرين من أهلها إلى أورشليم وحصار أورشليم نفسها وإتلاف الغلال والأملاك ووقوف كل عمل. وكان شفاء الأمراض مقترناً بمغفرة الخطايا (مزمور 103: 3 ومتّى 9: 2). كان القدماء يعتبرون كل مرض نتيجة الخطية وعلامة غضب الله فكان زوال الأمراض علامة رضاه وغفران الخطية. ووفاء الوعد الكامل يكون في السماء.

فوائد للوعاظ

الملك ببهائه تنظر عيناك (ع 17)

  1. المنظور وهو الملك القادر على كل شيء والمنتصر على كل أعدائه والمخضع كل شيء لنفسه وهو القدوس فيجري العدل والحق وهو المحب أيضاً والمعتني بكل خلائقه. والجالس على العرش هو الفادي الذي بذل نفسه ليخلّصنا.

  2. النظر. الآن ننظره بالإيمان لأنه هو العامل في العالم والعامل فينا وإن كنا لا نقدر أن نراه بأعيننا الجسدية. وننظره في امتداد ملكوته في العالم ومجده في المفديين وسننظره في مجده في السماء.

  3. الناظرون. وهم المستنيرون لأن العميان في الروحيات لا يقدرون أن يروه. والأنقياء القلب لأنه قدوس فلا يقترب إليه إلا القديسون. والمؤمنون لأننا نتطهر ونتقدس بدم المسيح.

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ

من الأصحاح الثالث عشر إلى الأصحاح الثالث والثلاثين نبوءات مضمونها أحكام الله على الأمم واليهود ومواعيده لليهود والأصحاحان الرابع والثلاثون والخامس والثلاثون هما نبوءة واحدة وخاتمة النبوءات المذكورة. وصف النبي في الأصحاح الرابع والثلاثين سخط الرب على كل الأمم ولا سيما أدوم وفي الأصحاح الخامس والثلاثين وصف البركات التي سيمنح شعبه إياها بعد انتقامه من أعدائه. وهذان الأصحاحان ممتازان عن غيرهما لما فيهما من المبالغة والتشخيص والاصطلاحات الشعرية وعظمة الأحكام في الأصحاح الواحد وعظمة البركات في الآخر.

1 «اِقْتَرِبُوا أَيُّهَا ٱلأُمَمُ لِتَسْمَعُوا، وَأَيُّهَا ٱلشُّعُوبُ ٱصْغُوا. لِتَسْمَعِ ٱلأَرْضُ وَمِلْؤُهَا. ٱلْمَسْكُونَةُ وَكُلُّ نَتَائِجِهَا».

مزمور 49: 1 تثنية 32: 1

يدعو النبي كل المسكونة وسكانها الناطقة وغير الناطقة كالبهائم والأشجار لتسمع كلامه وهذا مما يدل على أهميته (ص 1: 2).

2 «لأَنَّ لِلرَّبِّ سَخَطاً عَلَى كُلِّ ٱلأُمَمِ، وَحُمُوّاً عَلَى كُلِّ جَيْشِهِمْ. قَدْ حَرَّمَهُمْ، دَفَعَهُمْ إِلَى ٱلذَّبْحِ».

في تفسير هذه النبوءة نتذكر ما يأتي:

  1. إنها كلام الله وهو الخالق والحاكم العادل وله حق أن يُحيي ويُميت.

  2. إنها تبيّن لنا شر الخطية وتعلمنا أن نكرهها ونخاف منها ولا نستخف بها ولا ننظر إلى محبة الله ورحمته فقط بغض النظر عن عدله وحقه.

  3. إن الرب لا يسرّ بذبح الناس وسفك الدماء لأن الكتاب بأسره يعلّمنا أنه لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة.

  4. إنه أحياناً يتألم واحد عبرة للآخرين لعلهم ينتبهون ويخلصون فيكون خراب المملكة الواحدة رحمة لغيرها وخيراً من خراب الممالك جميعها.

وقال «كل الأمم» لأن النبوءة التي في هذا الأصحاح خاتمة كل النبوءات السابقة وخلاصتها ومنها النبوءات على أشور وبابل وموآب ودمشق ومصر وصور وبلاد العرب.

3 «فَقَتْلاَهُمْ تُطْرَحُ، وَجِيَفُهُمْ تَصْعَدُ نَتَانَتُهَا، وَتَسِيلُ ٱلْجِبَالُ بِدِمَائِهِمْ».

يوئيل 2: 20

من كثرة قتلاهم تُطرح ولا يمكن دفنها. وتسيل الجبال بدمائهم كما تسيل بالمياه في وقت المطر الغزير.

4 «وَيَفْنَى كُلُّ جُنْدِ ٱلسَّمَاوَاتِ، وَتَلْتَفُّ ٱلسَّمَاوَاتُ كَدَرْجٍ، وَكُلُّ جُنْدِهَا يَنْتَثِرُ كَٱنْتِثَارِ ٱلْوَرَقِ مِنَ ٱلْكَرْمَةِ وَٱلسُّقَاطِ مِنَ ٱلتِّينَةِ».

مزمور 102: 26 وحزقيال 32: 7و 8 ويوئيل 2: 31 و3: 15 ومتّى 24: 29 و2بطرس 3: 10 رؤيا 6: 14 ص 14: 12 رؤيا 6: 13

جُنْدِ ٱلسَّمَاوَاتِ النجوم.

كَدَرْجٍ الله في البدء بسط السموات كخيمة وفي الآخر يلفها كدرج وهذه المبالغة جائزة بالشعر ومعناها بلايا عظيمة.

وَكُلُّ جُنْدِهَا يَنْتَثِرُ تسقط النجوم كما تسقط أوراق الأشجار.

5 «لأَنَّهُ قَدْ رَوِيَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ سَيْفِي. هُوَذَا عَلَى أَدُومَ يَنْزِلُ، وَعَلَى شَعْبٍ حَرَّمْتُهُ لِلدَّيْنُونَةِ».

إرميا 46: 10 إرميا 49: 7 الخ وملاخي 1: 4

قَدْ رَوِيَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ سَيْفِي قضاء الله الأزلي بوقوع هذه الضربات كأنها كانت وقعت سابقاً في السماء أي في قضاء الله.

عَلَى أَدُومَ بلاد أدوم امتدت من البحر الميت شمالاً إلى البحر الأحمر جنوباً وكلها جبال والأدوميون من نسل عيسو وكان بينهم وبين اليهود عداوة قديمة وشديدة وفي الكتاب المقدس كثير من التهديد والتعيير والدعاء عليهم (مزمور 137: 7 وإرميا 49: 7 - 22 وحزقيال 25: 12 - 14 ونبوءة عوبديا). وسبب هذه التهديدات اتحاد الأدوميين بأعداء اليهود مع أنهم إخوة اليهود من نسل إبراهيم وإسحاق وافتخارهم على اليهود يوم سقوط أورشليم بيد الكلدانيين (انظر قاموس الكتاب المقدس «أدوم»). وسخط الله هو على كل الأمم وأما أدوم فذُكرت خصوصاً كنائبة عن الجميع لأنها العدو القريب والقديم والحقود وظهرت عداوتها أكثر ظهور في زمان بلايا اليهود.

6 «لِلرَّبِّ سَيْفٌ قَدِ ٱمْتَلأَ دَماً، ٱطَّلَى بِشَحْمٍ، بِدَمِ خِرَافٍ وَتُيُوسٍ، بِشَحْمِ كُلَى كِبَاشٍ. لأَنَّ لِلرَّبِّ ذَبِيحَةً فِي بُصْرَةَ وَذَبْحاً عَظِيماً فِي أَرْضِ أَدُومَ».

ص 63: 1 وإرميا 49: 13 وصفنيا 1: 7

ٱمْتَلأَ دَماً إشارة إلى ذبح عظيم كأن السيف كوحش مفترس شرب دم القتلى حتى شبع منه.

خِرَافٍ وَتُيُوسٍ كناية عن الأدوميين من كل رتبهم.

بُصْرَةَ يُطلق هذا الاسم على مدينتين إحداهما في موآب (إرميا 48: 24) ويُظن أنها بصرة حوران والثانية بصرة أدوم واسمها اليوم بصيرة تبعد عن سالع أي بترى أو وادي موسى نحو 35 ميلاً إلى الشمال منها. وكانت بصرة من أعظم مدن أدوم وهي مذكورة في (تكوين 36: 33) وتنبأ بعاقبتها إرميا (إرميا 49: 13) قال «بصرة تكون دهشاً وعاراً وخراباً ولعنة».

7 «وَيَسْقُطُ ٱلْبَقَرُ ٱلْوَحْشِيُّ مَعَهَا وَٱلْعُجُولُ مَعَ ٱلثِّيرَانِ، وَتُرْوَى أَرْضُهُمْ مِنَ ٱلدَّمِ، وَتُرَابُهُمْ مِنَ ٱلشَّحْمِ يُسَمَّنُ».

ٱلْبَقَرُ ٱلْوَحْشِيُّ... ٱلْعُجُولُ... ٱلثِّيرَانِ كناية عن الأدوميين.

وَتُرَابُهُمْ مِنَ ٱلشَّحْمِ يُسَمَّنُ الجثث غير المدفونة من كثرتها تخصب الأرض كأنها الزبل الذي تُدمن به التربة للخصب. قيل إن سهل واترلو في البلجيك أخصب كثيراً بعد المعركة المشهورة التي فيها انكسر نابوليون الأول.

8 «لأَنَّ لِلرَّبِّ يَوْمَ ٱنْتِقَامٍ، سَنَةَ جَزَاءٍ مِنْ أَجْلِ دَعْوَى صِهْيَوْنَ».

ص 63: 4

الرب يؤخر قصاص أعدائه لغايات (1) أن يعطيهم فرصة للتوبة فيصفح عنهم. (2) أن يكمل تأديب شعبه بواسطتهم. ولكنه عيّن يوماً للانتقام فيكون الانتقام في الوقت المعيّن.

مِنْ أَجْلِ دَعْوَى صِهْيَوْنَ (انظر سفر عوبديا) يظهر من هذه النبوءة المخيفة محبة الله لشعبه لأن غضبه على أعدائهم المعتدين عليهم هو بمقدار محبته لهم (زكريا 2: 8 «مَنْ يَمَسُّكُمْ يَمَسُّ حَدَقَةَ عَيْنِهِ»).

يَوْمَ... سَنَةَ (انظر ص 61: 2 و63: 4) فيظهر من مقابلة هذه الآيات الثلاث أن للانتقام يوماً وأما الرحمة فلها سنة أي الرب يسرّ بخلاص الناس لا بهلاكهم فيغفر لنا خطايانا ولا يذكرها أيضاً ورحمته إلى الأبد. انظر الوصية الرابعة حيث قيل أن الرب يفتقد الذنوب إلى الجيل الثالث والرابع ويصنع إحساناً إلى ألوف أي إلى ألوف من الأجيال.

9 «وَتَتَحَوَّلُ أَنْهَارُهَا زِفْتاً، وَتُرَابُهَا كِبْرِيتاً، وَتَصِيرُ أَرْضُهَا زِفْتاً مُشْتَعِلاً».

تثنية 29: 23

إشارة إلى خراب سدوم وعمورة. ليس في أدوم أنهار دائمة مدة السنة ولكن توجد أودية كثيرة تجري فيها سيول فصل الشتاء والمراد بالقول الخراب الدائم والكامل.

10 «لَيْلاً وَنَهَاراً لاَ تَنْطَفِئُ. إِلَى ٱلأَبَدِ يَصْعَدُ دُخَانُهَا. مِنْ دَوْرٍ إِلَى دَوْرٍ تُخْرَبُ. إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ لاَ يَكُونُ مَنْ يَجْتَازُ فِيهَا».

رؤيا 14: 11 و18: 18 و19: 3 ملاخي 1: 4

قال ملاخي وهو بعد زمان إشعياء بنحو 300 سنة «أَبْغَضْتُ عِيسُوَ، وَجَعَلْتُ جِبَالَهُ خَرَاباً... لأَنَّ أَدُومَ قَالَ قَدْ: هُدِمْنَا» وتحسّنت أدوم قليلاً في زمان المكابيين ثم تأخرت أيضاً حتى سقطت سقوطها النهائي في القرن السابع بعد المسيح. وإلى اليوم أدوم خربة (انظر كتاب البينة الجلية ف 8).

11 «وَيَرِثُهَا ٱلْقُوقُ وَٱلْقُنْفُذُ، وَٱلْكَرْكِيُّ وَٱلْغُرَابُ يَسْكُنَانِ فِيهَا، وَيُمَدُّ عَلَيْهَا خَيْطُ ٱلْخَرَابِ وَمِطْمَارُ ٱلْخَلاَءِ».

ص 14: 23 وصفنيا 2: 14 ورؤيا 18: 2 و2ملوك 21: 13 ومراثي 2: 8

انظر قاموس الكتاب لوصف الطيور والحيوانات. والأجناس المذكورة هي التي تحب الخلوة والأماكن الخربة.

وَيُمَدُّ عَلَيْهَا خَيْطُ ٱلْخَرَابِ الخيط مستعمل غالباً للبناء وأحياناً للخراب كأن مهندساً يمد خيطه ليعمل طريقاً فيخرب بعض البيوت للتمهيد.

12 «أَشْرَافُهَا لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَدْعُونَهُ لِلْمُلْكِ، وَكُلُّ رُؤَسَائِهَا يَكُونُونَ عَدَماً».

أَشْرَافُهَا هذه الجملة غير كاملة. والظاهر أن النبي ابتدأ يقول شيئاً في أشراف أدوم وبعدما لفظ لفظة أشراف وقف وتذكر أنه ليس ملك في أدوم ولا أشراف.

13 - 15 «13 وَيَطْلَعُ فِي قُصُورِهَا ٱلشَّوْكُ. ٱلْقَرِيصُ وَٱلْعَوْسَجُ فِي حُصُونِهَا فَتَكُونُ مَسْكَناً لِلذِّئَابِ وَدَاراً لِبَنَاتِ ٱلنَّعَامِ. 14 وَتُلاَقِي وُحُوشُ ٱلْقَفْرِ بَنَاتِ آوَى، وَمَعْزُ ٱلْوَحْشِ يَدْعُو صَاحِبَهُ. هُنَاكَ يَسْتَقِرُّ ٱللَّيْلُ وَيَجِدُ لِنَفْسِهِ مَحَلاً. 15 هُنَاكَ تُحْجِرُ ٱلنَّكَّازَةُ وَتَبِيضُ وَتُفْرِخُ وَتُرَبِّي تَحْتَ ظِلِّهَا. وَهُنَاكَ تَجْتَمِعُ ٱلشَّوَاهِينُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ».

ص 32: 13 وهوشع 9: 6 ص 13: 21 الخ

تُلاَقِي وُحُوشُ ٱلْقَفْرِ أي لا يكون أناس هناك فالوحوش لا تلاقي إلا وحوشاً وبأصواتها تدعو بعضها.

يَسْتَقِرُّ ٱللَّيْلُ الليل كناية عن الحزن والخوف والخراب. وقيل في السماء (رؤيا 22: 5) «لا يكون ليل هناك».

ٱلنَّكَّازَةُ هي حية خبيثة جداً ذات رأس رفيع قفازة مثل الحية الطيارة.

وَتَبِيضُ بعض أجناس من الحيّات تضع صغارها أحياء وأكثرها يبيض وبعضها يحضن البيض مثل الطيور «تحت ظلها».

16 «فَتِّشُوا فِي سِفْرِ ٱلرَّبِّ وَٱقْرَأُوا. وَاحِدَةٌ مِنْ هٰذِهِ لاَ تُفْقَدُ. لاَ يُغَادِرُ شَيْءٌ صَاحِبَهُ، لأَنَّ فَمَهُ هُوَ قَدْ أَمَرَ، وَرُوحَهُ هُوَ جَمَعَهَا».

ملاخي 3: 16

سِفْرِ ٱلرَّبِّ أي الأسفار المقدسة التي كانت في أيام إشعياء ولا سيما نبوءة إشعياء هذه من جهة أدوم. ويظهر من هذا القول وجود سفر في أيام إشعياء معروف ومعتبر أنه سفر الرب وموحى به ويظهر أيضاً أن إشعياء عرف أنه تكلم بالوحي وكلامه سيُحفظ لإرشاد الأجيال الآتية.

وَاحِدَةٌ مِنْ هٰذِهِ ظن بعضهم أن كلمة «هذه» ترجع إلى النبوءات في سفر الرب والمعنى أن كل نبوءة ستتم. والأرجح أن «هذه» ترجع إلى الحيوانات المذكورة والمعنى أنها جميعها تكون في أدوم كما قيل ولا يغادر أحدهم رفيقه لأن الكل يكون هناك وهذا أمر الرب وهو الذي جمع في أدوم هذه الأجناس من الحيوانات والطيور والحيات.

17 «وَهُوَ قَدْ أَلْقَى لَهَا قُرْعَةً، وَيَدُهُ قَسَمَتْهَا لَهَا بِٱلْخَيْطِ. إِلَى ٱلأَبَدِ تَرِثُهَا. إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ تَسْكُنُ فِيهَا».

أَلْقَى لَهَا قُرْعَةً قسم بلاد أدوم لهذه الحيوانات كما قسم بلاداً أخرى لبني آدم.

فوائد للوعاظ

للرب سخط (ع 2) نتعلم

  1. إن الانتقام أمر ضروري فلا يجوز أن الخطية تكون بلا عقاب.

  2. إنه لا يجوز للإنسان أن ينتقم لنفسه لأنه خاطئ وضعيف وعرضة للكبرياء والقساوة والغلط.

  3. إن الانتقام للرب لأنه خلق جميع الناس والجميع له وهو يعرف كل شيء وهو العادل والقدوس والمحب فلا يمكن أنه يغلط في أحكامه أو يجازي أحداً بأكثر مما يستحقه.

شهادة البلاد الخربة كأدوم وبابل وغيرهما ع 13 إلى 15

  1. إنها تشهد لله بأنه عادل في أحكامه وصادق في أقواله وقدير في إجراء قصده. فإن هذه البلاد لم تسقط لأسباب طبيعية فقط.

  2. إنها تشهد بمنافع الدين. كان لبعضهم أرض مخصبة ومياه كثيرة كسدوم وعمورة وبابل وكان للآخر حصون متينة كأدوم ولغيره مال كثير كصور وسقط جميعها لعدم الدين الحق.

  3. إنها تشهد على الخطية. فإن أجرتها موت الخاطئ وخراب البلاد فلا يضل أحد. الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلثَّلاَثُونَ

مضمونه:

هذا الأصحاح تتمة الأصحاح السابق لأن موضوع ذلك الأصحاح تحويل بلاد مثمرة إلى قفر وموضوع هذا الأصحاح تحويل قفر إلى بلاد مثمرة. وفي الأصحاح الواحد سخط وذبح وزفت وكبريت ووحوش وخراب وفي الأصحاح الآخر فرح وتعزية وأزهار جميلة ومياه غزيرة ومسافرون وساكنون بالراحة والأمان. ومعنى هذه التشبيهات سعادة شعب الله بعد خلاصهم من الضيقات.

1 «تَفْرَحُ ٱلْبَرِّيَّةُ وَٱلأَرْضُ ٱلْيَابِسَةُ، وَيَبْتَهِجُ ٱلْقَفْرُ وَيُزْهِرُ كَٱلنَّرْجِسِ».

ص 55: 12 نشيد الأنشاد 2: 1

معنى هذه النبوءة:

  1. فرح اليهود برجوعهم من سبي بابل وانتقالهم من العبودية في بلاد غريبة إلى الراحة في بلادهم.

  2. فرح الأمم عند قبولهم المسيح وانتقالهم من عبودية الخطية إلى حرية شعب الله.

  3. فرح الكنيسة في كل عصر بالخلاص من الضيق.

  4. فرح كل إنسان عند تجديد قلبه وإيمانه بالمسيح لأنه بذلك التجديد ينتقل من قفر الأعمال المائتة إلى بلاد الأعمال المثمرة.

  5. فرح جميع المؤمنين من اليهود ومن الأمم بنهاية سفرهم في قفر هذا العالم ودخولهم إلى أمجاد السماء.

2 «يُزْهِرُ إِزْهَاراً وَيَبْتَهِجُ ٱبْتِهَاجاً وَيُرَنِّمُ. يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَجْدُ لُبْنَانَ. بَهَاءُ كَرْمَلَ وَشَارُونَ. هُمْ يَرَوْنَ مَجْدَ ٱلرَّبِّ، بَهَاءَ إِلٰهِنَا».

ص 32: 15

يُدْفَعُ إِلَيْهِ إلى القفر. وامتازت لبنان وكرمل وشارون عن غيرها بالخصب والجمال. والمجد الموصوف هو مجد طبيعي أي مجد الأزهار الجميلة والأشجار الكبيرة والسهول المخصبة لا مجد المدن والقصور والحصون ولعل المراد به أن المجد من الله وبأعماله لا بأعمال الإنسان. والفرح الحقيقي هو بالعيشة البسيطة وبما يعطيه الله لجميع الناس بغزارة لا بالمال وعيشة الأغنياء والأكابر.

هُمْ يَرَوْنَ أي المخلصون يرون في هذه الخيرات يد الرب ويعترفون بأنه خلصهم واعتنى بهم وأرشدهم. إن مجد الرب في الطبيعة دائماً فالشمس تشرق على جميع الناس صالحين وأشراراً والأزهار والأشجار وتغريد العصافير الحلوة والروائح الطيبة في بلاد الأشرار كما في بلاد الصالحين لكن الأشرار لا يرون هذا المجد بل يرون في الطبيعة ما يحملهم على الخوف والحزن لأن جمال العالم وأفراحه للذين يرون الله فيه.

3، 4 «3 شَدِّدُوا ٱلأَيَادِيَ ٱلْمُسْتَرْخِيَةَ، وَٱلرُّكَبَ ٱلْمُرْتَعِشَةَ ثَبِّتُوهَا. 4 قُولُوا لِخَائِفِي ٱلْقُلُوبِ: تَشَدَّدُوا لاَ تَخَافُوا. هُوَذَا إِلٰهُكُمُ. ٱلانْتِقَامُ يَأْتِي. جَزَاءُ ٱللّٰهِ. هُوَ يَأْتِي وَيُخَلِّصُكُمْ».

أيوب 4: 3 و4 وعبرانيين 12: 12

وصية لشعب الله أن يشجع بعضهم بعضاً في وقت الضيقات بذكر مواعيد الله فلا شك أن هذه المواعيد ثبتت إيمانهم وعزّتهم مدة السبي. إن لكثيرين قوة كافية ولكنهم لا يعرفون قوتهم ولا يستعملونها وهم كإنسان ذي رجلين صحيحتين يظن أنه أعرج فلا يحتاج إلا إلى من يشجعه ويقول له قم وامش وهكذا لنا قوى روحية لا نعرفها وعندما نسمع صوت الرب من فم أنبيائه أو إخوتنا المؤمنين نتشجع ونقوم للحياة والخدمة بالنشاط. إن الرب أحياناً يشجعنا بتحسين أحوالنا الخارجية وكثيراً ما يشجعنا بتحسين أحوالنا القلبية فنتشجع ونتقوى ونحتمل ما لا نقدر أن نخلص منه.

هُوَ يَأْتِي وَيُخَلِّصُكُمْ كان لهم هذا الوعد في ضيقاتهم مدة السبي وهو أن الله لم يزل إلههم فعرف أحوالهم وكانت لمصائبهم نهاية. فيأتيهم بالخلاص ويأتي أعداءهم بالانتقام والله يأتي كل مؤمن بروحه فيعزيه ويقويه. ونظر النبي أيضاً إلى المستقبل البعيد وإتيان المسيح الموعود به الذي يخلص شعبه من خطاياهم. والكنيسة كانت تنتظر في كل عصر عند نزول الضيقات والأهوال مجيء المسيح الثاني بالصبر والإيمان.

5، 6 «5 حِينَئِذٍ تَتَفَتَّحُ عُيُونُ ٱلْعُمْيِ، وَآذَانُ ٱلصُّمِّ تَتَفَتَّحُ. 6 حِينَئِذٍ يَقْفِزُ ٱلأَعْرَجُ كَٱلإِيَّلِ وَيَتَرَنَّمُ لِسَانُ ٱلأَخْرَسِ، لأَنَّهُ قَدِ ٱنْفَجَرَتْ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ مِيَاهٌ وَأَنْهَارٌ فِي ٱلْقَفْرِ».

ص 29: 18 و32: 3 و4 و42: 7 ومتّى 9: 27 الخ و11: 5 و12: 22 و20: 30 الخ و21: 14 ويوحنا 9: 6 و7 متّى 11: 5 ومرقس 7: 32 الخ متّى 11: 5 و15: 30 و21: 14 ويوحنا 5: 8 و9 وأعمال 3: 2 الخ و8: 7 و14: 8 الخ ص 32: 4 ومتّى 9: 32 و33 و12: 22 و15: 30 ص 41: 18 و43: 19 ويوحنا 7: 38 و39

حفرت في بعض الأماكن في صحراء إفريقية آبار عميقة فنشأت منها ينابيع ماء حي وكل مكان وصل إليه الماء صار جنة خضراء جميلة كثيرة الخصب ولو كان قبل ذلك قفراً ذا رمال لا شيء فيه من الخضرة. والنبي نظر في الرؤيا إن المياه قد انفجرت في القفر فنبت فيه كل ما يسر النظر. ولم يكن التحسين مقصوراً على الأرض بل كان لأهلها أيضاً لأن عيون العمي تتفتح فينظرون هذه المناظر وتتفتح آذان الصم فيسمعون هذه الأصوات ويقفز الأعرج ويترنم الأخرس. وهذه النبوءة لا تستوفي تمامها بالرجوع من بابل ولا بعجائب المسيح بل برجوع الناس إلى الله وإقامة ملكوت المسيح حيث يفتح الرب عيون الأذهان ويفتح آذان القلوب ويحل رُبط الألسنة لتترنم للرب ويشدد الأيادي للخدمة.

7 «وَيَصِيرُ ٱلسَّرَابُ أَجَماً، وَٱلْمَعْطَشَةُ يَنَابِيعَ مَاءٍ. فِي مَسْكَنِ ٱلذِّئَابِ، فِي مَرْبِضِهَا دَارٌ لِلْقَصَبِ وَٱلْبَرْدِيِّ».

ص 34: 13

ٱلسَّرَابُ هو منظر ماء غير موجود يُرى في نصف النهار عند اشتداد الحر. وهو كناية عن خيرات غاشة يطلبها الناس ويتبعونها ولا يحصلون عليها. والأجم أماكن يوجد فيها ماء وهي كناية عن خيرات حقيقية يعطيها الله لشعبه (يوحنا 4: 13 و14).

فِي مَسْكَنِ ٱلذِّئَابِ... دَارٌ لِلْقَصَبِ أي الأماكن التي لم يكن فيها ماء يصير فيها ماء كثير.

8 «وَتَكُونُ هُنَاكَ سِكَّةٌ وَطَرِيقٌ يُقَالُ لَهَا «ٱلطَّرِيقُ ٱلْمُقَدَّسَةُ». لاَ يَعْبُرُ فِيهَا نَجِسٌ بَلْ هِيَ لَهُمْ. مَنْ سَلَكَ فِي ٱلطَّرِيقِ حَتَّى ٱلْجُهَّالُ لاَ يَضِلُّ».

ص 52: 1 ويوئيل 3: 17 ورؤيا 21: 27

وَتَكُونُ هُنَاكَ سِكَّةٌ السكك الجيدة من أعظم وسائط التمدن وتوجد في كل بلاد متمدنة دون البلاد المتوحشة وهي تجمع الأماكن البعيدة وتربط بعضها ببعض فتصير كبلاد واحدة وهي ما يزيد التجارة والأمان والاتحاد والمعرفة والمحبة ووجودها يشهد باتحاد السكان فإنها لا يبنيها الأفراد بل الجماعات المتفقة على عمل واحد. ولا شك في أنه عندما سمع اليهود المسبيون في بابل الوعد بالرجوع إلى بلادهم قالوا في أنفسهم أنهم لا يقدرون أن يرجعوا لعدم وجود سكة في القفر وعدم معرفتهم الطريق وعدم الأمان فالرب أراح أفكارهم بوعده أنه سيكون سكة ممهدة وواضحة ويكون في هذه السكة الأمان التام إذ لا يكون فيها وحوش ولا لصوص بل تكون السكة لشعب الله خاصة.

ٱلطَّرِيقُ ٱلْمُقَدَّسَةُ أي الذين يسلكون فيها يكونون مقدسين لأن الخلاص هو من الخطية لا فيها.

لاَ يَعْبُرُ فِيهَا نَجِسٌ يظن البعض أن القول يشير إلى الوثنيين والأرجح أنه يشير إلى كل خاطئ من الوثنيين واليهود فإن هذه الطريق هي طريق التوبة والإيمان فلا يستطيع أحد أن يسلك فيها إن لم يكن قد ترك خطاياها وراءه.

لاَ يَضِلُّ طريق الخلاص واضحة والتعليم الجوهري مفهوم حتى عند البسطاء. قيل أنه لو شغل الإنسان بالتفتيش عن الدين الحق عُشر ما يشغله من الوقت بأعماله العالمية لحصل بسهولة على كل ما يحتاج إليه من المعرفة لخلاص نفسه.

9، 10 «9 لاَ يَكُونُ هُنَاكَ أَسَدٌ. وَحْشٌ مُفْتَرِسٌ لاَ يَصْعَدُ إِلَيْهَا. لاَ يُوجَدُ هُنَاكَ. بَلْ يَسْلُكُ ٱلْمَفْدِيُّونَ فِيهَا. 10 وَمَفْدِيُّو ٱلرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَى صِهْيَوْنَ بِتَرَنُّمٍ، وَفَرَحٌ أَبَدِيٌّ عَلَى رُؤُوسِهِمِ. ٱبْتِهَاجٌ وَفَرَحٌ يُدْرِكَانِهِمْ. وَيَهْرُبُ ٱلْحُزْنُ وَٱلتَّنَهُّدُ».

لاويين 26: 6 وص 11: 9 وحزقيال 34: 25 ص 51: 11 ص 25: 8 و65: 19 ورؤيا 7: 7 و21: 4

أَسَدٌ يشير إلى الذين ضايقوا اليهود كسنحاريب ونبوخذناصر وغيرهم من الظالمين ويشير أيضاً إلى إبليس الذي هو كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو.

ٱلْمَفْدِيُّونَ هم المحررون من عبودية بابل والخالصون من عبودية إبليس والخطية وهم مفديو الرب كأن الرب اشتراهم من سادتهم البابليين فأطلقهم. والكلمة تشير إلى ما عمله المسيح إذ سفك دمه الكريم ليفتدي شعبه من عبودية الخطية.

إِلَى صِهْيَوْنَ كان الوعد أنهم يكملون سفرهم بالأمان ويصلون إلى أورشليم والوعد لجميع المؤمنين أنهم يصلون إلى أورشليم السماوية.

عَلَى رُؤُوسِهِمِ غالباً تكون علامات الفرح على الرأس كإكليل.

فوائد للوعاظ

شددوا الأيد المسترخية (ع 3) ملاحظات

  1. إن في الكنيسة أقوياء وضعفاء. قال المسيح «ٱلْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ» (يوحنا 12: 8) وهكذا المرضى والجهلاء. والكنيسة لا ترفض أحداً لكونه ضعيفاً أو فقيراً.

  2. إنه من واجبات الأقوياء أن يشفقوا على الضعفاء ويعزوهم ويشجعوهم ويعطوهم من أموالهم ويساعدوهم بحكمتهم ويخدمونهم ويحاموا عنهم ويعلموهم ويبشروهم.

  3. إن قوة الناس وضعفهم نسبيان فنقول إن واحداً قوي بالنسبة إلى غيره والآخر ضعيف بالنسبة إلى غيره أيضاً ولكن الجميع ضعفاء بالنسبة إلى الله فلا يجوز لأحد أن يفتخر على غيره. فإن القوة من الله وهو يعطي القوة الروحية لكل من يطلبها فيتقوى بالروح وإن كان ضعيفاً جسداً وعقلاً. والقوة الروحية هي القوة الحقيقية.

ويكون هناك سكة (ع 8) الطريقان

  1. طريق السراب. وهي تؤدي بحسب الظاهر إلى الغنى والمجد والراحة غير أن أكثر السالكين فيها لا يصلون إلى نهايتها والذين يصلون لا يجدون ما يشبعهم كما كانوا يتوهمون كما لا يصل السالك فيها إلى الماء وهم الذين يفضّلون خيرات هذا العالم على ملكوت الله.

  2. الطريق المقدسة. والسالكون فيها يتركون خطاياهم ويعملون مشيئة الله وإن كان بخسارة زمنية وينكرون أنفسهم في عمل الخير ويرجون الحياة الأبدية.

والطريق المقدسة أفضل لأسباب (1) إنها واضحة (2) إنها أمينة (3) إنها لا تغش أحداً لأن كل من يقصد يرضي الله يرضيه وكل من يقصد السماء يصل إليها وكل من يقصد عمل الخير ينجح ويفرح فيه ومن يطلب أولاً ملكوت الله ينال أيضاً كل ما يحتاج إليه من الخيرات الجسدية.

مفديو الرب (ع 10)

  1. س. من أي شيء مفديون؟

    ج. إنهم مفديون من الخطية وهي عبودية شر من العبودية للناس. تأمل في حال الطماع والفاسق والسكير والحقود وغيرهم من المستعبدين للخطية.

  2. س. بأي شيء مفديون؟

    ج. إنهم مفديون بدم المسيح وهو أثمن من الذهب (1بطرس 1: 18 و19) فإن الخدمة من أحد الأغنياء مقبولة أكثر من المال منه لأنها تدل على المحبة ولا سيما الخدمة التي تكون بالخسارة لنفسه فتحقق محبته المخلصة.

  3. س. إلى أي شيء يصلون بالفداء؟

    ج. إنهم يصلون به إلى الخلاص والاتحاد بالمسيح والتبني والحياة الأبدية والسماء.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ وَٱلثَّلاَثُونَ

إن الأربع الأصحاحات من ص 36 - ص 39 تتضمن ثلاث حوادث تاريخية:

  1. غزو سنحاريب مدن يهوذا ورجوعه عن أورشليم بعد هلاك قسم عظيم من جيشه (ص 36 و37).

  2. مرض حزقيا وشفاؤه (ص 38).

  3. رسالة ملك بابل (ص 39).

ومضمون هذه الأصحاحات كمضمون (2ملوك ص 18 و19 و20) تقريباً والأرجح أن إشعياء كتبها جميعها ولعله كتبها مرتين لأن كل سفر من الأسفار المقدسة كان مستقلاً عن غيره ولا يكفي ذكر هذه الحوادث في سفر الملوك فقط لبيان تتميم النبوءات المتضمنة في سفر إشعياء. والحوادث المذكورة في سفر إشعياء تختلف عن المذكورة في سفر الملوك (1) بترك الخبر بتسليم حزقيا ودفعه المال لملك أشور (2ملوك 18: 14 - 16) (2) بزيادة تسبيح حزقيا بعد شفائه (إشعياء 38: 9 - 20).

والأرجح أن حادثة سنحاريب كانت بعد مرض حزقيا ورسالة ملك بابل وذلك بناء على ما أتى في (ص 38: 6) «وَمِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ أُنْقِذُكَ» وهذه مذكورة في الأول لعلاقاتها مع النبوءات في أشور. فيكون ترتيب الحوادث كما يأتي.

  1. مرض حزقيا في السنة الرابعة عشرة من ملكه ورسالة ملك بابل وكان سرجون ملكاً على أشور.

  2. فتنة أشدود (ص 20) واتحاد الممالك المجاورة في مقاومة أشور وهي فلسطين (ص 14: 29) وموآب (ص 15 و16) وأدوم (ص 21: 11) ويهوذا ومصر (ص 31).

  3. موت سرجون وجلوس ابنه سنحاريب.

  4. قدوم سنحاريب ومحاربته أشقلون وانتصاره على المصريين وهجومه على يهوذا وفتح 46 مدينة من مدن يهوذا وسبي مئتي ألف بينهم بنات حزقيا (حسب قول سنحاريب) وأخذه من المال ثلاث مئة شاقل من الفضة وثلاثين شاقلاً من الذهب وسلبه بيت الله (2ملوك 18: 14 - 16) ورجوعه عن أورشليم وفرح اليهود (ص 22).

  5. إرسال ربشاقي وتجديفه وهلاك قسم من جيش أشور (ص 36 و37).

وجميع الكتابات الأشورية تطابق أخبار الكتاب المقدس ما عدا تاريخ هجوم سنحاريب على أورشليم. فإن إشعياء يقول (ص 36: 1) «فِي ٱلسَّنَةِ ٱلرَّابِعَةِ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ حَزَقِيَّا» وأما مجموع الكتابات الأشورية فتدل على أنه كان في أواخر ملكه. أي سرجون أخذ السامرة في السنة السادسة لحزقيا وملك بعد ذلك 17 سنة وخلف ابنه سنحاريب وهو في السنة الرابعة من ملكه حارب أورشليم أي في السنة 27 من ملك حزقيا. وربما تُكشف كتابات جديدة تحل هذا المشكل أو نضطر أن نقول أن أحد النساخ غلط في أرقام السنة أو في اسم الملك فيكون الملك المذكور في (ص 36: 1) سرجون لا سنحاريب.

1، 2 «1 وَكَانَ فِي ٱلسَّنَةِ ٱلرَّابِعَةِ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ حَزَقِيَّا أَنَّ سَنْحَارِيبَ مَلِكَ أَشُّورَ صَعِدَ عَلَى كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا ٱلْحَصِينَةِ وَأَخَذَهَا. 2 وَأَرْسَلَ مَلِكُ أَشُّورَ رَبْشَاقَى مِنْ لَخِيشَ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى ٱلْمَلِكِ حَزَقِيَّا بِجَيْشٍ عَظِيمٍ، فَوَقَفَ عِنْدَ قَنَاةِ ٱلْبِرْكَةِ ٱلْعُلْيَا فِي طَرِيقِ حَقْلِ ٱلْقَصَّارِ».

2ملوك 18: 13 و17 و2أيام 32: 1

رَبْشَاقَى الأرجح أن هذا ليس اسم علم بل اسم رتبة أي «رئيس السقاة» فكانت رتبته كرتبة وزير لا قائد عسكر وكان إرساله للمنابأة. وظهر من هذه الحادثة أنه كان مقتدراً في اللغة العبرانية وصاحب سياسة وحيل وغش.

لَخِيشَ مدينة للفلسطينيين على طريق مصر. إن سنحاريب قصد فتح مصر فاضطر أن يأخذ أولاً المدن الحصينة الواقعة في طريقه. وكان مع ربشاقي ترتان أي رئيس الجيش وربساريس أي رئيس الخصيان ومعهم جيش عظيم.

قَنَاةِ ٱلْبِرْكَةِ المكان الذي فيه لاقى إشعياء وابنه آحاز (ص 7: 3) وهي قناة تحت الأرض فإنه أخذ الماء من خارج المدينة في الجهة الشمالية وأدخله إلى أورشليم.

3 «فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا ٱلَّذِي عَلَى ٱلْبَيْتِ وَشِبْنَةُ ٱلْكَاتِبُ وَيُوآخُ بْنُ آسَافَ ٱلْمُسَجِّلُ».

أَلِيَاقِيمُ كانت رتبته كرتبة شبنة حسب النبوءة (ص 22: 15 - 25).

شِبْنَةُ لعله شبنة المذكور الذي كان سابقاً على البيت فعُزل من هذه الرتبة ونُقل إلى رتبة أدنى منها.

ٱلْمُسَجِّلُ أمين الأوراق أو المؤرخ الذي كتب أمور المملكة بغية الحفظ.

4 «فَقَالَ لَهُمْ رَبْشَاقَى: قُولُوا لِحَزَقِيَّا: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلْمَلِكُ ٱلْعَظِيمُ مَلِكُ أَشُّورَ: مَا هُوَ هٰذَا ٱلاتِّكَالُ ٱلَّذِي ٱتَّكَلْتَهُ؟».

2ملوك 18: 19 الخ

رَبْشَاقَى ذكره حزقيا بلا لقب للاحتقار وأما ملك أشور فعظّمه.

مَا هُوَ هٰذَا ٱلاتِّكَالُ افتكر ربشاقي أن حزقيا وحده لا يقدر أن يقاوم ملك أشور فلا بد من اتكاله على آخر إما مصر أو الرب ثم حاول أن يبيّن أن اتكاله باطل من الجهتين فلا يقدر أن يتكل على مصر ولا على الرب.

5 «أَقُولُ إِنَّمَا كَلاَمُ ٱلشَّفَتَيْنِ هُوَ مَشُورَةٌ وَبَأْسٌ لِلْحَرْبِ. وَٱلآنَ عَلَى مَنِ ٱتَّكَلْتَ حَتَّى عَصَيْتَ عَلَيَّ؟».

أَقُولُ أي ربشاقي ومعنى قوله مشورة اليهود وبأسهم كلام بلا فعل.

حَتَّى عَصَيْتَ عَلَيَّ تكلم ربشاقي كنائب عن ملك أشور. وكان أبو حزقيا آحاز قد خضع لملك أشور وقال له أنا عبدك وابنك (2ملوك 16: 7) وكان قد أرسل له هدية وكان حزقيا قد عصاه (2ملوك 18: 7).

6 «إِنَّكَ قَدِ ٱتَّكَلْتَ عَلَى عُكَّازِ هٰذِهِ ٱلْقَصَبَةِ ٱلْمَرْضُوضَةِ، عَلَى مِصْرَ، ٱلَّتِي إِذَا تَوَكَّأَ أَحَدٌ عَلَيْهَا دَخَلَتْ فِي كَفِّهِ وَثَقَبَتْهَا. هٰكَذَا فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ لِجَمِيعِ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْهِ».

حزقيال 29: 6 و7

ظن أن اليهود كانوا متكلين على ملك مصر لأن مصر كانت مقدام الممالك المقاومة لأشور فعيّر ربشاقي ملك مصر. ومع ذلك كان ملك أشور خائفاً منه (ص 37: 9).

ٱلْقَصَبَةِ ٱلْمَرْضُوضَةِ القصبة ضعيفة في ذاتها وإن كانت مرضوضة كانت خادعة أيضاً لأنها تظهر صحيحة وتنكسر حالاً عندما يتوكأ أحد عليها.

7 «وَإِذَا قُلْتَ لِي: عَلَى ٱلرَّبِّ إِلٰهِنَا ٱتَّكَلْنَا، أَفَلَيْسَ هُوَ ٱلَّذِي أَزَالَ حَزَقِيَّا مُرْتَفَعَاتِهِ وَمَذَابِحَهُ، وَقَالَ لِيَهُوذَا وَلأُورُشَلِيمَ: أَمَامَ هٰذَا ٱلْمَذْبَحِ تَسْجُدُونَ».

لم يفهم ربشاقي أن تخصيص أورشليم مركز للعبادة هو بموجب الناموس (تثنية 16: 5 و6) وظن أن حزقيا هكذا حكم من نفسه ولغاية سياسية فيغتاظ الرب منه. وكان حزقيا قد أزال المرتفعات في أول ملكه (2ملوك 18: 4).

أَمَامَ هٰذَا ٱلْمَذْبَحِ أي مذبح المحرقة في دار الهيكل في أورشليم.

8، 9 «8 فَٱلآنَ رَاهِنْ سَيِّدِي مَلِكَ أَشُّورَ، فَأُعْطِيكَ أَلْفَيْ فَرَسٍ إِنِ ٱسْتَطَعْتَ أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْهَا رَاكِبِينَ! 9 فَكَيْفَ تَرُدُّ وَجْهَ وَالٍ وَاحِدٍ مِنْ عَبِيدِ سَيِّدِي ٱلصِّغَارِ، وَتَتَّكِلُ عَلَى مِصْرَ لأَجْلِ مَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانٍ؟».

مراد ربشاقي أن اليهود لا يقدرون أن يقدموا جيشاً ولو ألفين من المحاربين الذين يحسنون ركوب الخيل وصدق في قوله لأنه لم يكن فرسان ولا خيل عند اليهود فكانوا سابقاً يقصدون أن يطلبوا الخيل من مصر (ص 31: 1) ولكن المصريين انكسروا في محاربة أشور فيئس من مساعدتهم وعيّر ربشاقي اليهود لمعرفته بضعفهم.

10 «وَٱلآنَ هَلْ بِدُونِ ٱلرَّبِّ صَعِدْتُ عَلَى هٰذِهِ ٱلأَرْضِ لأُخْرِبَهَا؟ ٱلرَّبُّ قَالَ لِي ٱصْعَدْ: إِلَى هٰذِهِ ٱلأَرْضِ وَٱخْرِبْهَا».

كثيرون من ملوك الوثنيين اعتبروا أنفسهم رسلاً من قبل آلهتهم. كنخو ملك مصر إذ قال «وَٱللّٰهُ أَمَرَ بِإِسْرَاعِي» (2أيام 35: 21) وهكذا تقول كتابات أشور وموآب وغيرهما. وكان ربشاقي يأمل أنه بهذا القول الكاذب يغش اليهود فيظنون أن الرب تركهم وصار مع أعدائهم وفي أيامنا كثيرون من المعلمين الكذبة يسندون تعليمهم الفاسد إلى أقوال الكتاب المقدس ويدعون أن الرب أرسلهم.

11، 12 «11 فَقَالَ أَلِيَاقِيمُ وَشِبْنَةُ وَيُوآخُ لِرَبْشَاقَى: كَلِّمْ عَبِيدَكَ بِٱلأَرَامِيِّ لأَنَّنَا نَفْهَمُهُ، وَلاَ تُكَلِّمْنَا بِٱلْيَهُودِيِّ فِي مَسَامِعِ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِينَ عَلَى ٱلسُّورِ. 12 فَقَالَ رَبْشَاقَى: هَلْ إِلَى سَيِّدِكَ وَإِلَيْكَ أَرْسَلَنِي سَيِّدِي لأَتَكَلَّمَ بِهٰذَا ٱلْكَلاَمِ؟ أَلَيْسَ إِلَى ٱلرِّجَالِ ٱلْجَالِسِينَ عَلَى ٱلسُّورِ، لِيَأْكُلُوا عَذِرَتَهُمْ وَيَشْرَبُوا بَوْلَهُمْ مَعَكُمْ؟».

الآرامي لغة الأشوريين. وكان من اللياقة أن الكلام يكون بين مرسلي ملك أشور الثلاثة ومرسلي حزقيا الثلاثة ولا على مسامع الشعب وأما ربشاقي فكانت غايته تهييج الشعب على ملكهم فيخضعون لملك أشور.

13 - 15 «13 ثُمَّ وَقَفَ رَبْشَاقَى وَنَادَى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ بِٱلْيَهُودِيِّ: ٱسْمَعُوا كَلاَمَ ٱلْمَلِكِ ٱلْعَظِيمِ مَلِكِ أَشُّورَ. 14 هٰكَذَا يَقُولُ ٱلْمَلِكُ: لاَ يَخْدَعْكُمْ حَزَقِيَّا لأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يُنْقِذَكُمْ 15 وَلاَ يَجْعَلْكُمْ حَزَقِيَّا تَتَّكِلُونَ عَلَى ٱلرَّبِّ قَائِلاً: إِنْقَاذاً يُنْقِذُنَا ٱلرَّبُّ. لاَ تُدْفَعُ هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةُ إِلَى يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ».

عمل ربشاقي بعكس ما طلبه اليهود منه فرفع صوته وعظّم ملك أشور وحذّر اليهود من الاتكال على حزقيا وعلى الرب. ولكن من شأن جميع الذين يحبون الرب أن يزيدوا غيرة عندما يسمعون التجديف على اسمه القدوس ويزيد رجاؤهم أيضاً بأن الرب يخلصهم من أجل اسمه.

هٰكَذَا يَقُولُ ٱلْمَلِكُ كان ربشاقي مرسلاً من قبل الملك فاعتبر أن كلامه هو كلام الملك.

قَائِلاً إِنْقَاذاً يُنْقِذُنَا ٱلرَّبُّ ولا شك كان ذلك جوهر كلام حزقيا لشعبه. وأظهر ربشاقي حذاقته الشيطانية ومعرفته بكل ما جرى عند اليهود.

16، 17 «16 لاَ تَسْمَعُوا لِحَزَقِيَّا. لأَنَّهُ هٰكَذَا يَقُولُ مَلِكُ أَشُّورَ: ٱعْقِدُوا مَعِي صُلْحاً، وَٱخْرُجُوا إِلَيَّ وَكُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَفْنَتِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِينَتِهِ، وَٱشْرَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ مَاءَ بِئْرِهِ 17 حَتَّى آتِيَ وَآخُذَكُمْ إِلَى أَرْضٍ مِثْلِ أَرْضِكُمْ، أَرْضِ حِنْطَةٍ وَخَمْرٍ، أَرْضِ خُبْزٍ وَكُرُومٍ».

زكريا 3: 10

هذا القول لليهود الذين كانوا تركوا بيوتهم وكرومهم وحقولهم والتجأوا إلى أورشليم خوفاً من الأشوريين فطلب منهم ربشاقي بالنيابة عن ملك أشور أن يخضعوا له فيسمح لهم أن يخرجوا ويرجعوا إلى بيوتهم وفي النهاية يأخذهم ملك أشور إلى أرض مثل أرضهم فيها كروم وحنطة وكان القول كذباً لأنه لو سمعوا منه لأخذهم إلى أرض تختلف كثيراً عن أرضهم وعذبهم بعبودية قاسية.

وَكُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَفْنَتِهِ إن حب الذات ضد حب الوطن لأن حب الوطن كان يحملهم على الاتحاد ومقاومة العدو واحتمال الضيقات حتى الموت لأجل ملكهم ومدينتهم وأما حب الذات فيحملهم على التسليم للعدو وترك ملكهم ومدينتهم وطلب الأكل والشرب والراحة كل واحد لنفسه في بيته. وكل من يحب ذاته فيطلب ما لنفسه ويُخدع بما يوعد به من الخيرات فلو قبل اليهود نصيحة ربشاقي وخضعوا لملك أشور لخُدعوا وخسروا.

18 - 22 «18 لاَ يَغُرَّكُمْ حَزَقِيَّا قَائِلاً: ٱلرَّبُّ يُنْقِذُنَا. هَلْ أَنْقَذَ آلِهَةُ ٱلأُمَمِ كُلُّ وَاحِدٍ أَرْضَهُ مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ؟ 19 أَيْنَ آلِهَةُ حَمَاةَ وَأَرْفَادَ؟ أَيْنَ آلِهَةُ سَفَرْوَايِمَ؟ هَلْ أَنْقَذُوا ٱلسَّامِرَةَ مِنْ يَدِي؟ 20 مَنْ مِنْ كُلِّ آلِهَةِ هٰذِهِ ٱلأَرَاضِي أَنْقَذَ أَرْضَهُمْ مِنْ يَدِي، حَتَّى يُنْقِذَ ٱلرَّبُّ أُورُشَلِيمَ مِنْ يَدِي؟ 21 فَسَكَتُوا وَلَمْ يُجِيبُوا بِكَلِمَةٍ لأَنَّ أَمْرَ ٱلْمَلِكِ كَانَ: لاَ تُجِيبُوهُ. 22 فَجَاءَ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا ٱلَّذِي عَلَى ٱلْبَيْتِ وَشِبْنَةُ ٱلْكَاتِبُ وَيُوآخُ بْنُ آسَافَ ٱلْمُسَجِّلُ إِلَى حَزَقِيَّا وَثِيَابُهُمْ مُمَزَّقَةٌ، فَأَخْبَرُوهُ بِكَلاَمِ رَبْشَاقَى».

فتح سرجون مدينة حماة وغزا كل أرضها وأخذ ملكها إلى أشور وسلخه وأحرقه ونقل أهل حماة وأسكن أشوريين في مكانهم. وأرفاد قريبة من حماة وكانت متحدة معها وسفروايم مدينتان إحداهما على ضفة الفرات الواحدة والأخرى على الضفة الثانية. وكانت عادة الأشوريين أن ينقلوا أيضاً أصنام المدن المفتوحة. ولم يميز ملك أشور بين آلهة الوثنيين والإله الحقيقي. وظهر من كلام ربشاقي اعتقاده أن النصرة هي من الآلهة فتكون الحرب الحقيقية بين آلهة آشور وإله إسرائيل (2ايام 32: 13 - 20).

فَسَكَتُوا لم يسكتوا لعدم وجود جواب بل لمعرفتهم أن تجديف ربشاقي لا يستحق جواباً والكلام معه لا ينفع.

فوائد للوعاظ

القصبة المرضوضة (ع 6)

نتعلم من هذا:

  1. إنه لا يجوز الاتكال على الخيرات الجسدية كالمال والصحة والذكاء والمجد.

  2. إنه لا يجوز الاتكال على الناس لأن البعض يغشونا والبعض من ضعفهم لا يقدرون أن يساعدونا والجميع بشر وعرضة للضعف والخسارة والموت.

  3. إنه يجب الاتكال على الرب وهو كصخرة.

فسكتوا (ع 21)

أوقات السكوت والتكلم.

  1. لا تتكلم بما ستفعله. لا تفتخر بالغد لأنك لا تعلم ماذا يلده يوم. إن ملك أشور لم يأخذ أورشليم كما تكلم.

  2. لا تجاوب المقاومين إذا رأيتهم غير مستعدين للاستماع فالكلام يزيدهم تعصباً.

  3. لا تجاوب إذا رأيت نفسك غير مستعد للكلام عقلياً وروحياً لأن السكوت أولى من الجواب الركيك. لا تتكلم لتفتخر بمعرفتك ولا تخجل إذا سكت فإن المسيح سكت أمام المقاومين والمجدفين.

  4. تكلم مع الله في الصلاة. وانتظره واتكل عليه.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ

1 «فَلَمَّا سَمِعَ ٱلْمَلِكُ حَزَقِيَّا ذٰلِكَ مَزَّقَ ثِيَابَهُ وَتَغَطَّى بِمِسْحٍ وَدَخَلَ بَيْتَ ٱلرَّبِّ».

2ملوك 19: 1 الخ

مَزَّقَ ثِيَابَهُ إن رسل حزقيا رجعوا إليه وثيابهم ممزقة (ص 36: 22). ومزق حزقيا أيضاً ثيابه وزاد على ذاك أن تغطى بمسح فدخل بيت الرب ليس كملك بل كرجل بائس ومتضع. وهكذا يعقوب مزق ثيابه ووضع مسحاً على حقويه لما سمع خبر ابنه يوسف (تكوين 37: 34) وداود لما قُتل أبنير (2صموئيل 3: 31). وآخاب (1ملوك 21: 27) ومردخاي (أستير 4: 1).

دَخَلَ بَيْتَ ٱلرَّبِّ دار الهيكل. إن الهيكل هو المكان الذي كان الرب يُظهر نفسه فيه نوعاً وهو مكان الصلاة أيضاً فكان يجب على كل يهودي أن يوجه صلواته إليه. وليست الصلاة من احتياجات الضعفاء والجهلاء فقط بل هي أيضاً من احتياجات الملوك. وحاجة الملك إلى الصلاة أعظم من حاجة الرعية إليها لأن عليه مسوؤلية وواجبات أعظم مما عليهم. فتجب الصلاة في الأمور السياسية والعالمية لا في الأمور الروحية فقط. ونرى فائدة الضيق لأنه ألجأ الملك وشعبه إلى الاقتراب إلى الله. ولا شك في أن أكبر سبب لشدة حزقيا هو تجديف ربشاقي على الرب لا تعييره الملك فقط.

2 «وَأَرْسَلَ أَلِيَاقِيمَ ٱلَّذِي عَلَى ٱلْبَيْتِ وَشِبْنَةَ ٱلْكَاتِبَ وَشُيُوخَ ٱلْكَهَنَةِ مُتَغَطِّينَ بِمُسُوحٍ إِلَى إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ ٱلنَّبِيِّ».

إرسال ألياقيم وغيره من العظماء إلى إشعياء مما يدل على اعتبار الملك له وذلك لكونه نبي الرب. إن أخآب الملك الشرير لما طلب النبي ميخا أرسل خصياً (1ملوك 22: 9) فاحتقر الرب. ولعل شبنة الكاتب هو الذي عيّره النبي (ص 22: 15) فكان هذا الاعتبار لكلام الرب عوضاً عن الاحتقار المشار إليه والميل إلى الاتكال على مصر.

3 «فَقَالُوا لَهُ: هٰكَذَا يَقُولُ حَزَقِيَّا: هٰذَا ٱلْيَوْمُ يَوْمُ شِدَّةٍ وَتَأْدِيبٍ وَإِهَانَةٍ، لأَنَّ ٱلأَجِنَّةَ دَنَتْ إِلَى ٱلْمَوْلِدِ وَلاَ قُوَّةَ عَلَى ٱلْوِلاَدَةِ».

الشدة والإهانة من ملك أشور والتأديب من الرب لأنه سمح للأشوريين أن يصلوا إلى أبواب أورشليم وسمح للمرسلين من قبل الملك أن يتكلموا ويجدفوا ولم يمتهم حالاً أو ردهم. وظهر لليهود أن الرب تركهم ليسقطوا ويهلكوا ولكنه لم يرفضهم رفضاً تاماً مع أنهم استحقوا تأديباً لتمردهم واتكالهم على غيره (ص 30: 1).

لاَ قُوَّةَ عَلَى ٱلْوِلاَدَةِ هذا التشبيه يدل على آلام شديدة وخطر عظيم وكل الاحتياج إلى الخلاص.

4 «لَعَلَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ يَسْمَعُ كَلاَمَ رَبْشَاقَى ٱلَّذِي أَرْسَلَهُ مَلِكُ أَشُّورَ سَيِّدُهُ لِيُعَيِّرَ ٱلإِلٰهَ ٱلْحَيَّ، فَيُوَبِّخَ عَلَى ٱلْكَلاَمِ ٱلَّذِي سَمِعَهُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ. فَٱرْفَعْ صَلاَةً لأَجْلِ ٱلْبَقِيَّةِ ٱلْمَوْجُودَةِ».

ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ اعترفوا في هذا القول بأن الرب مع إشعياء وإنهم خطئوا بعدم إيمانهم به.

ٱلإِلٰهَ ٱلْحَيَّ بخلاف آلهة الأمم الذين أخضعهم أشور.

فَٱرْفَعْ صَلاَةً يجوز لكل إنسان أن يصلي من أجل نفسه ويجوز لنا أيضاً أن نطلب من إخوتنا الأحياء المؤمنين أن يصلوا من أجلنا غير أن صلواتهم تُقبل إكراماً للمسيح الوسيط الوحيد لا بناء على استحقاقهم.

ٱلْبَقِيَّةِ كانت من إسرائيل بقيّة بعد سقوط السامرة ونقل الأسباط العشرة قبل تاريخ هذه الحادثة بنحو 21 سنة وكانت أيضاً بقية من يهوذا أي بقية البقية بعد سبي مئتي ألف من إخوتهم عن يد سنحاريب هذا.

5، 6 «5 فَجَاءَ عَبِيدُ ٱلْمَلِكِ حَزَقِيَّا إِلَى إِشَعْيَاءَ. 6 فَقَالَ لَهُمْ إِشَعْيَاءُ: هٰكَذَا تَقُولُونَ لِسَيِّدِكُمْ: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ: لاَ تَخَفْ بِسَبَبِ ٱلْكَلاَمِ ٱلَّذِي سَمِعْتَهُ، ٱلَّذِي جَدَّفَ عَلَيَّ بِهِ غِلْمَانُ مَلِكِ أَشُّورَ».

جَدَّفَ عَلَيَّ لا يلزمهم الخوف لأن الرب أخذ الأمر على نفسه.

غِلْمَانُ كلمة احتقار لربشاقي ورفقائه.

7 «هَئَنَذَا أَجْعَلُ فِيهِ رُوحاً فَيَسْمَعُ خَبَراً وَيَرْجِعُ إِلَى أَرْضِهِ، وَأُسْقِطُهُ بِٱلسَّيْفِ فِي أَرْضِهِ».

أَجْعَلُ فِيهِ رُوحاً أي روح الخوف فعدّوهم خائف منهم فلا يخاف منه. والخوف والأمان مع الإيمان هما من الرب فيقدر أن يجعل فينا روح الأمان والإيمان كما يجعل في أعدائنا روح الخوف. والغلبة لمن له إيمان وإن كان جيشه أقل عدداً من جيش عدوه. وكان خوف سنحاريب أولاً من ترهاقة وثانياً من اليهود أنفسهم الذين عيّرهم لأن محاربتهم عسرة لكون مدينتهم حصينة وأرضهم وعراً لا يوافق سير المركبات وهي قليلة المياه. والأرجح أن الخبر الذي سمعه هو خبر قدوم ترهاقة. ورجع سنحاريب إلى أرضه لأنه لم يقدر أن يحارب ترهاقة بعد سقوط قسم كبير من جيشه.

وَأُسْقِطُهُ بِٱلسَّيْفِ نبوءة مدققة تمت حرفياً لأن ابنيه ضرباه بالسيف وهو ساجد في بيت نسروخ إلهه (ع 38).

8، 9 «8 فَرَجَعَ رَبْشَاقَى وَوَجَدَ مَلِكَ أَشُّورَ يُحَارِبُ لِبْنَةَ، لأَنَّهُ سَمِعَ أَنَّهُ ٱرْتَحَلَ عَنْ لَخِيشَ. 9 وَسَمِعَ عَنْ تِرْهَاقَةَ مَلِكِ كُوشَ قَوْلاً: قَدْ خَرَجَ لِيُحَارِبَكَ. فَلَمَّا سَمِعَ أَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى حَزَقِيَّا قَائِلاً».

لِبْنَةَ مدينة في ساحل يهوذا قريبة من لخيش وعلى طريق مصر والأرجح أن سنحاريب لم يأخذ لخيش فتركها وحارب لبنة.

تِرْهَاقَةَ مَلِكِ كُوشَ والأرجح أنه كان ملك مصر أيضاً في زمان هذه الحادثة وهو الملك الذي جرت المنابآت بينه وبين اليهود المشار إليها في (ص 30 و31) فأتى لمساعدتهم عندما سمع خبر قدوم سنحاريب.

أَرْسَلَ رُسُلاً أي رسالة ثانية وغايته منها أن يقنع حزقيا فيسلم له لأنه لم يقدر أن يحارب ترهاقة وحزقيا معاً. إنه لم يكن في ذلك العصر وسائط لنشر الأخبار بسرعة كالتلغراف والبريد والجرائد والسكك الحديدية والمراكب البخارية فمن المحتمل أن الملك ترهاقة يكون قد خرج لمحاربة سنحاريب والخبر لم يصل إلى حزقيا.

10 - 13 «10 هٰكَذَا تُكَلِّمُونَ حَزَقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا: لاَ يَخْدَعْكَ إِلٰهُكَ ٱلَّذِي أَنْتَ مُتَوَكِّلٌ عَلَيْهِ، قَائِلاً: لاَ تُدْفَعُ أُورُشَلِيمُ إِلَى يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ. 11 إِنَّكَ قَدْ سَمِعْتَ مَا فَعَلَ مُلُوكُ أَشُّورَ بِجَمِيعِ ٱلأَرَاضِي لِتَحْرِيمِهَا. وَهَلْ تَنْجُو أَنْتَ؟ 12 هَلْ أَنْقَذَ آلِهَةُ ٱلأُمَمِ هٰؤُلاَءِ ٱلَّذِينَ أَهْلَكَهُمْ آبَائِي، جُوزَانَ وَحَارَانَ وَرَصَفَ وَبَنِي عَدَنَ، ٱلَّذِينَ فِي تَلَسَّارَ؟ 13 أَيْنَ مَلِكُ حَمَاةَ وَمَلِكُ أَرْفَادَ وَمَلِكُ مَدِينَةِ سَفَرْوَايِمَ وَهَيْنَعَ وَعِوَّا؟».

إرميا 49: 23

لقب حزقيا ملكاً فليس كلامه تعيير حزقيا بل تعيير الرب كأنه أحد الآلهة وأضعف من آلهة أشور وغايته أن يقنع حزقيا فلا يتكل على الرب بل يسلم نفسه لملك أشور. وكل مجرب يجتهد أولاً أن يُدخل في قلوبنا الشك في جودة الرب وقدرته فيبعدنا عنه.

قَائِلاً لاَ تُدْفَعُ أُورُشَلِيمُ ربما يرجع الضمير إلى الرب أو إلى حزقيا والمعنى واحد وهو أن الرب قال لحزقيا وهو قال لشعبه.

آبَائِي أسلافه ملوك أشور وأما أبوه سرجون فلم يكن من النسل الملكي بل كان قائداً للجيش فعصى سيده شلمناسر وقتله وملك عوضاً عنه.

جُوزَانَ كورة بين بحر قزيين والجبال الفاصلة بين مادي وأشور يسقيها نهر خابور.

حَارَانَ موقعها في الشمال الشرقي من ما بين النهرين حيث مات تارح أبو إبراهيم وسكن لابان. و«رصف» بقرب حاران و«عدن» كورة في ما بين النهرين.

تَلَسَّارَ أي تل أشور كان أولاً مسكن بين عدن وهو قرب حاران وأُرفا.

هَيْنَعَ يُظن أنها أتاك على الفرات على بعد 200 ميل من بابل و«عوا» أيضاً على الفرات.

14 «فَأَخَذَ حَزَقِيَّا ٱلرَّسَائِلَ مِنْ يَدِ ٱلرُّسُلِ وَقَرَأَهَا، ثُمَّ صَعِدَ إِلَى بَيْتِ ٱلرَّبِّ، وَنَشَرَهَا أَمَامَ ٱلرَّبِّ».

ٱلرَّسَائِلَ كتب سنحاريب كلامه وربما كان على البابيرس أي الورق المصنوع من البردي. والكلمة العبرانية بصيغة المفرد تفيد معنى كتاب أو سفر وبصيغة الجمع تفيد معنى مكتوب أو رسالة فيكون المراد هنا مكتوب واحد فقط لا مكاتيب.

نَشَرَهَا أَمَامَ ٱلرَّبِّ الرب عرف الأمر كله بدون نشر المكتوب أمامه ويعرف جميع أمورنا قبلما نذكرها أمامه في صلواتنا ومقاصد الرب لا تتغير ومواعيده ثابتة ومع هذا كله نصلي والكتاب المقدس يأمرنا بالصلاة وذلك:

(1) لأن ذكر أمورنا في الصلاة مما يعبر عن إيماننا بالله ومحبتنا له وثقتنا به.

(2) لأننا لا نحصل على البركات المطلوبة بدون صلاة. وكما نعلم أننا لا نأكل بدون عمل منا ولا نبقى أحياء إن لم نحفظ حياتنا مع أن الله سبق فعيّن كل ما يحدث هكذا نعلم أننا لا ننال كمال البركات إن لم نطلبها مع أن الله أعدها لنا منذ الأزل ووعدنا بها. فصلى حزقيا وطلب النجاة مع أن الرب كان وعده بها قبلما صلى. ودانيال صلى وطلب الرجوع من سبي بابل بعد ما فهم من النبوءات أن الرب قد وعد شعبه بذلك.

15، 16 «15 وَصَلَّى: 16 يَا رَبَّ ٱلْجُنُودِ، إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ ٱلْجَالِسَ فَوْقَ ٱلْكَرُوبِيمِ، أَنْتَ هُوَ ٱلإِلٰهُ وَحْدَكَ لِكُلِّ مَمَالِكِ ٱلأَرْضِ. أَنْتَ صَنَعْتَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ».

يَا رَبَّ ٱلْجُنُودِ الجنود السماوية التي رآها يعقوب في محنايم ورأها أليشع وخادمه في دوثان ويراها جميع المؤمنين فلا يخافون من جنود العالم.

إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ يذكر الرب عهوده ومواعيده لإنه إله إسرائيل وإسرائيل شعبه.

ٱلْكَرُوبِيمِ جمع كروب ويقال كروبان للاثنين وبعضهم يجمع الكروب جمعاً عربياً فيقول كروبون في الرفع وكروبين في النصب والجر. وهما تمثالان على غطاء التابوت في قدس الأقداس. وكان وجود الكروبين فوق التابوت لتظليل ظهور مجد الله عن الناظر كما غطى السحاب مجده في الجبل. ولما دخل موسى إلى خيمة الاجتماع ليتكلم مع الرب كان يسمع الصوت يكلمه من على الغطاء الذي على التابوت من بين الكروبين (عدد 7: 89).

ٱلإِلٰهُ وَحْدَكَ لِكُلِّ مَمَالِكِ ٱلأَرْضِ بخلاف اعتقاد الوثنيين بوجود آلهة كثيرة ولكل مملكة آلهة خاصة كالحكام بين الناس.

17 «أَمِلْ يَا رَبُّ أُذُنَكَ وَٱسْمَعِ. ٱفْتَحْ يَا رَبُّ عَيْنَيْكَ وَٱنْظُرْ، وَٱسْمَعْ كُلَّ كَلاَمِ سَنْحَارِيبَ ٱلَّذِي أَرْسَلَهُ لِيُعَيِّرَ ٱللّٰهَ ٱلْحَيَّ».

دانيال 9: 18

أَمِلْ يَا رَبُّ أُذُنَكَ... ٱفْتَحْ يَا رَبُّ عَيْنَيْكَ أشار إلى صلاة سليمان (2أيام 6: 40) ووعد الرب له (2أيام 7: 15) وهكذا صلى دانيال (دانيال 9: 18).

18 «حَقّاً يَا رَبُّ إِنَّ مُلُوكَ أَشُّورَ قَدْ خَرَّبُوا كُلَّ ٱلأُمَمِ وَأَرْضَهُمْ».

حَقّاً منذ نحو 200 سنة أخذت أشور تمتد إلى كل الجهات فجاء الملك فول على السامرة وأخذ ألف وزنة من الفضة من ملكها منحيم وجاء تغلث فلاسر وسبى سبياً عظيماً من الجليل وأخذ دمشق وسبى أهلها إلى قير وقتل ملكها. وشملناسر حاصر السامرة وسرجون أخذها وهجم سرجون أيضاً على فلسطين وفتح أشدود فلم يكن لليهود رجاء أن يخلصوا من أشور إلا بالرب.

19 «وَدَفَعُوا آلِهَتَهُمْ إِلَى ٱلنَّارِ، لأَنَّهُمْ لَيْسُوا آلِهَةً بَلْ صَنْعَةُ أَيْدِي ٱلنَّاسِ، خَشَبٌ وَحَجَرٌ. فَأَبَادُوهُمْ».

كان الأشوريون ينقلون المغلوبين من أرضهم ويخربون مساكنهم ويلاشون أصنامهم فينسون وطنهم وينضمون إلى الأشوريين ويصيرون شعباً واحداً. وكان الأشوريون يأخذون الأصنام الثمينة التي من الذهب والفضة إلى بلادهم ليفتخروا بها ولكن كثيراً من الأصنام كان من الخشب وبلا قيمة في نفسه وطُرح في النار.

20 «وَٱلآنَ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا خَلِّصْنَا مِنْ يَدِهِ، فَتَعْلَمَ مَمَالِكُ ٱلأَرْضِ كُلِّهَا أَنَّكَ أَنْتَ ٱلرَّبُّ وَحْدَكَ».

وهذه غاية المؤمنين في كل صلواتهم أي تقديس اسم الرب في كل الأرض. وعلى كل تقي أن يكون غيوراً للرب كموسى (خروج 32: 12) وداود (مزمور 59: 13 و83: 18) وإيليا (1ملوك 19: 14) ودانيال (دانيال 9: 19). والرب يتمجد بخلاص شعبه وسقوط المجدفين عليه ولا سيما خلاص شعبه من خطاياهم وبأعماله الحسنة. وصلاة حزقيا تفيدنا أن يُطلب في الصلاة الحقيقية ما يأتي:

  1. الإيمان بأن الله موجود وأنه يجازي الذين يطلبونه.

  2. الاحترام المقدس.

  3. الثقة بأنه هو إلهنا فيهمه كل أمورنا.

  4. الغيرة للرب ولمجده لا لمجد أنفسنا.

21 - 23 «21 فَأَرْسَلَ إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ إِلَى حَزَقِيَّا قَائِلاً: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ ٱلَّذِي صَلَّيْتَ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ سَنْحَارِيبَ مَلِكِ أَشُّورَ: 22 هٰذَا هُوَ ٱلْكَلاَمُ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ ٱلرَّبُّ عَلَيْهِ. اِحْتَقَرَتْكَ. ٱسْتَهْزَأَتْ بِكَ ٱلْعَذْرَاءُ ٱبْنَةُ صِهْيَوْنَ. نَحْوَكَ أَنْغَضَتِ ٱبْنَةُ أُورُشَلِيمَ رَأْسَهَا. 23 مَنْ عَيَّرْتَ وَجَدَّفْتَ، وَعَلَى مَنْ عَلَّيْتَ صَوْتاً، وَقَدْ رَفَعْتَ إِلَى ٱلْعَلاَءِ عَيْنَيْكَ؟ عَلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ!».

سمع الرب صلاة حزقيا وجاوبه بواسطة إشعياء.

ٱلْعَذْرَاءُ ٱبْنَةُ صِهْيَوْنَ لقبت صيدون أيضاً «بالعذراء» (ص 23: 12) وبابل (ص 47: 1) ويُشار «بالعذراء» إلى الجمال وإلى مدينة لم تُفتح ومدينة أورشليم لم تُفتح ولا تُفتح من سنحاريب.

نَحْوَكَ أَنْغَضَتِ رَأْسَهَا علامة الاحتقار كما هزّ المجتازون رؤوسهم وجدفوا على يسوع وهو على الصليب. وربما أشار إلى النظر إلى سنحاريب وهو ذاهب مخذولاً وخائباً.

مَنْ عَيَّرْتَ وَجَدَّفْتَ لم يعيّر حزقيا فقط أو شعبه أو أحداً من الناس أو إلهاً من آلهة الأمم بل الإله الحي الحقيقي إله كل الأرض والقادر على كل شيء. فالتجديف هو خطية لا تُطاق وتستحق شر عقاب سريعاً.

عَلَّيْتَ صَوْتاً كان ربشاقي نادى بصوت عظيم (ص 36: 13).

قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ اسم لذي الجلال الأقدس وهو مستعمل كثيراً في إشعياء.

24 «عَنْ يَدِ عَبِيدِكَ عَيَّرْتَ ٱلسَّيِّدَ، وَقُلْتَ: بِكَثْرَةِ مَرْكَبَاتِي قَدْ صَعِدْتُ إِلَى عُلُوِّ ٱلْجِبَالِ عِقَابِ لُبْنَانَ، فَأَقْطَعُ أَرْزَهُ ٱلطَّوِيلَ وَأَفْضَلَ سَرْوِهِ، وَأَدْخُلُ أَقْصَى عُلُوِّهِ وَعْرَ كَرْمَلِهِ».

قُلْتَ الرب يعرف القلوب وهنا يعبر عما كان في قلب سنحاريب من الكبرياء والافتخار. فإن سنحاريب افتخر بمركباته وقال مبالغاً إنه يقدر أن يصعد بها إلى أعلى قمم لنبان ويفتح لها طريقاً ولو بين الأرز والسرو وأشجار كرمل. استعمل الأشوريون المركبات في كل حروبهم في كل مكان حتى الجبال والكتابات الأشورية تذكر صعوبات نقل المركبات فكان الناس يحلمونها أحياناً على أكتافهم وكانوا أحياناً يقطعون الأشجار ويكسرون الصخور لتمهيد الطريق وافتخر ملوكهم بغلبتهم هذه الصعوبات. وفي الكتابات أن الأشوريين أخذوا من أرز لبنان والسرو إلى نينوى وغيرها من مدنهم للبناء وكانوا أحياناً يقطعون الأشجار لمجرد الإخراب.

25 «أَنَا قَدْ حَفَرْتُ وَشَرِبْتُ مِيَاهاً، وَأُنَشِّفُ بِبَطْنِ قَدَمِي جَمِيعَ خُلْجَانِ مِصْرَ».

بعد ذكر صعوبة السفر في الجبال ذكر صعوبة السفر في القفر حيث لا ماء وافتخر بدفع هذه الصعوبة بحفر آبار. وكان أمامه أرض مصر التي فيها نهر النيل وفروعه الكثيرة التي تعيق سير الخيل والمركبات ولكنه لم يخف منها بل يقول مفتخراً أنه سينشفها ببطن قدميه أي عبور جيشه سينشف الأنهار كما ينشف إنسان قطرة ماء بكفه.

خُلْجَانِ مِصْرَ افتخار كاذب لأن جيشه لم يصل إلى مصر.

26 «أَلَمْ تَسْمَعْ؟ مُنْذُ ٱلْبَعِيدِ صَنَعْتُهُ. مُنْذُ ٱلأَيَّامِ ٱلْقَدِيمَةِ صَوَّرْتُهُ. ٱلآنَ أَتَيْتُ بِهِ. فَتَكُونُ لِتَخْرِيبِ مُدُنٍ مُحَصَّنَةٍ حَتَّى تَصِيرَ رَوَابِيَ خَرِبَةً».

2ملوك 19: 25

أَلَمْ تَسْمَعْ كلام الرب لسنحاريب. كان الرب قد أنبأ بفم أنبيائه بخراب ممالك بسبب خطاياهم وكان ذلك عن يد ملوك أشور كآلة بيد الرب (ص 10: 5) ولا شك في أن سنحاريب كان قد سمع خبر هذه النبوءات وعرفها كما عرف ما عمله حزقيا (ص 36: 7) وما قاله حزقيا لشعبه (ص 36: 15). ولو لم يعرف سنحاريب أقوال الأنبياء لكفاه أن العقل يشهد بوجود الله الخالق والضمير يشهد بوجوب العدل والرحمة فكان على سنحاريب أن يعرف أنه لا يجوز له أن يفتخر كأنه قادر على كل شيء ولا يجوز له أن يسلب ويغزو ويقتل إخوته بني البشر.

مُنْذُ ٱلْبَعِيدِ صَنَعْتُهُ قصد الله الأزلي فهو الذي قصد وهو الذي أجرى بواسطة سنحاريب فما أعظم خطية الإنسان الذي يتخذ لنفسه المجد الذي لا يستحقه سوى الرب.

27 «فَسُكَّانُهَا قِصَارُ ٱلأَيْدِي قَدِ ٱرْتَاعُوا وَخَجِلُوا. صَارُوا كَعُشْبِ ٱلْحَقْلِ وَكَالنَّبَاتِ ٱلأَخْضَرِ، كَحَشِيشِ ٱلسُّطُوحِ، وَكَالْمَلْفُوحِ قَبْلَ نُمُوِّهِ».

ليس للأشوريين أن يفتخروا لأن سكان هذه المدن كانوا ضعفاء وكان الرب قد سلّمهم للأشوريين لسبب خطاياهم فكانت غلبة الأشوريين كغلبة قوي على ضعيف أو غلبة رجل مسلح على ولد صغير.

28، 29 «28 وَلَكِنَّنِي عَالِمٌ بِجُلُوسِكَ وَخُرُوجِكَ وَدُخُولِكَ وَهَيَجَانِكَ عَلَيَّ. 29 لأَنَّ هَيَجَانَكَ عَلَيَّ وَعَجْرَفَتَكَ قَدْ صَعِدَا إِلَى أُذُنَيَّ، أَضَعُ خِزَامَتِي فِي أَنْفِكَ وَشَكِيمَتِي فِي شَفَتَيْكَ، وَأَرُدُّكَ فِي ٱلطَّرِيقِ ٱلَّذِي جِئْتَ فِيهِ».

ص 30: 28 وحزقيال 38: 4

عرف الرب كل ما كان الأشوريون قد افتكروا فيه وقصدوه وعملوه فلم يعملوا شيئاً إلا بعلمه وإذنه وكانوا آلة بيده. ومن السرائر التي للرب فلا نقدر أن ندركها أن الأشوريين مع كونهم آلة بيد الرب كانوا أحراراً ومسوؤلين في كل ما عملوه فدانهم الله.

أَضَعُ خِزَامَتِي فِي أَنْفِكَ يشبهه بوحش له قوة بلا عقل وتحت سلطة الإنسان وكان الأشوريون هكذا يفعلون بأسراهم كما يظهر من صورهم القديمة. ولا نفهم أن هذا صار لسنحاريب على سبيل الحقيقة بل أنه اضطر إلى الرجوع إلى أرضه.

30 «وَهٰذِهِ لَكَ ٱلْعَلاَمَةُ: تَأْكُلُونَ هٰذِهِ ٱلسَّنَةَ زِرِّيعاً، وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلثَّانِيَةِ خِلْفَةً، وَأَمَّا ٱلسَّنَةُ ٱلثَّالِثَةُ فَفِيهَا تَزْرَعُونَ وَتَحْصِدُونَ، وَتَغْرِسُونَ كُرُوماً وَتَأْكُلُونَ أَثْمَارَهَا».

كلام الرب لحزقيا. وربما كان قدوم سنحاريب في الصيف فخسر اليهود غلتهم ولم يفلحوا في الخريف فخسروا أيضاً غلال السنة التالية وأما السنة الثالثة فسيزرعون فيها ويحصدون. والوعد بأنهم يحصدون في السنة الثالثة يتضمن الوعد بأنهم يخلصون من سنحاريب في الوقت الحاضر. ولكن الحصاد في السنة الثالثة لا يكون علامة لهلاك الأشوريين في تلك الليلة والأرجح أن معنى العلامة وهو أن الأشوريين لا يرجعون فيزرع اليهود ويحصدون بلا مانع.

31، 32 «31 وَيَعُودُ ٱلنَّاجُونَ مِنْ بَيْتِ يَهُوذَا ٱلْبَاقُونَ يَتَأَصَّلُونَ إِلَى أَسْفَلَ، وَيَصْنَعُونَ ثَمَراً إِلَى مَا فَوْقُ. 32 لأَنَّهُ مِنْ أُورُشَلِيمَ تَخْرُجُ بَقِيَّةٌ وَنَاجُونَ مِنْ جَبَلِ صِهْيَوْنَ. غَيْرَةُ رَبِّ ٱلْجُنُودِ تَصْنَعُ هٰذَا».

2ملوك 19: 31 وص 9: 7

قال سنحاريب في الكتابات الأشورية أنه أخذ 46 مدينة من مدن يهوذا وأسر 200150 نفساً. وشُبّه الباقون من اليهود بشجرة مقطوعة يتأصل ساقها وتصعد أغصانها من جديد. والسند على ذلك هو غيرة رب الجنود. وفي زمان يوشيا كانت اليهودية قد رجعت إلى قوتها وامتدت سلطتها في أكثر مملكة إسرائيل القديمة (2أيام 34: 6 و7) وكان سقوط أورشليم بعد تاريخ هذه الحادثة بنحو 120 سنة.

33، 34 «33 لِذٰلِكَ هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ عَنْ مَلِكِ أَشُّورَ: لاَ يَدْخُلُ هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةَ وَلاَ يَرْمِي هُنَاكَ سَهْماً وَلاَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا بِتُرْسٍ وَلاَ يُقِيمُ عَلَيْهَا مِتْرَسَةً. 34 فِي ٱلطَّرِيقِ ٱلَّذِي جَاءَ فِيهِ يَرْجِعُ، وَإِلَى هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ لاَ يَدْخُلُ يَقُولُ ٱلرَّبُّ».

كان الأشوريون إذا حاصروا مدينة يرمون أولاً سهاماً على المحاربين الواقفين على الأسوار ثم يتقدمون على المدينة بأتراس ويصعدون بسلالم على الأسوار ويضرمون الأبواب بالنار ويحفرون تحت الأسوار وإن لم ينجحوا بهذه الوسائط يقيمون متاريس تجاه الأسوار ومنجنيقات. والنبوءة تذكر هذه الأنواع من الحرب كلها لفهم اليهود أن سنحاريب لا يرجع ولا يحارب أورشليم فيما بعد مطلقاً.

35 «وَأُحَامِي عَنْ هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ لأُخَلِّصَهَا مِنْ أَجْلِ نَفْسِي، وَمِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي».

2ملوك 20: 6 وص 38: 6

لم ينس الرب وعده لداود «كُرْسِيُّكَ يَكُونُ ثَابِتاً إِلَى ٱلأَبَدِ» (2صموئيل 7: 16) و كان هذا الوعد لحزقيا لكونه من نسل داود وسلك في طرقه. وأخيراً سقطت مدينة أورشليم لأن ملوكهم خالفوا عهد الرب فالرب تركهم وإن كانوا من نسل داود. وأما الوعد فتم على نوع خاص بالمسيح الذي من نسل داود حسب الجسد.

36، 37 «36 فَخَرَجَ مَلاَكُ ٱلرَّبِّ وَضَرَبَ مِنْ جَيْشِ أَشُّورَ مِئَةً وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ أَلْفاً. فَلَمَّا بَكَّرُوا صَبَاحاً إِذَا هُمْ جَمِيعاً جُثَثٌ مَيِّتَةٌ. 37 فَٱنْصَرَفَ سَنْحَارِيبُ مَلِكُ أَشُّورَ وَذَهَبَ رَاجِعاً وَأَقَامَ فِي نِينَوَى».

2ملوك 19: 35

قيل في (2ملوك 19: 35) إنه في تلك الليلة ضرب ملاك الرب الجيش. ذكر النبي بكلام وجيز ما كان أعظم الحوادث القديمة. ولا نعرف ما هي هذه الضربة أَوباء هي أم غيره. ولا نعرف مكان الجيش أَعند أورشليم كان أم قرب لبنة وهو الأرجح. إن سنحاريب لم يرسل إلى أورشليم سوى قسم من جيشه فقصد تخويف اليهود وربما كان عدد تلك الفصيلة أقل من 185000 وكان معظم قصد سنحاريب محاربة مصر. ومن الطبع أن الكتابات الأشورية لم تذكر هذه الحادثة غير أنها ذكرت رجوع سنحاريب إلى أرضه ولم تذكر أنه رجع إلى اليهودية. ومما يزيد هذه الضربة أنها كانت بسكوت فإنهم ناموا مساء كعادتهم ولما بكروا صباحاً إذا هم جميعاً جثث ميتة أي الذين قاموا صباحاً رأوا أن جميع رفقائهم كانوا قد ماتوا ليلاً فلم يُرَ شيء ولم يُسمع صوت. وقيل في (2أيام 32: 21) إن ملاك الرب أباد كل جبار بأس ورئيس وقائد فأصبح الجيش بلا قوّاد وبلا نظام فلم يقدروا أن يحاربوا بعد. وقال المؤرخ هيرودتس إنه سُمع من كهنة مصر أن إلههم أرسل كثيراً من الفأر فأكل قسّي الأشوريين وأتراسهم وجعابهم. ومن الطبع أن الكهنة كانوا يحبون أن ينسبوا هلاك عدوهم العظيم إلى قوة آلهتهم.

38 «وَفِيمَا هُوَ سَاجِدٌ فِي بَيْتِ نِسْرُوخَ إِلٰهِهِ ضَرَبَهُ أَدْرَمَّلَكُ وَشَرْآصَرُ ٱبْنَاهُ بِٱلسَّيْفِ، وَنَجَوَا إِلَى أَرْضِ أَرَارَاطَ. وَمَلَكَ أَسَرْحَدُّونَ ٱبْنُهُ عِوَضاً عَنْهُ».

إلهه لم يقدر أن يخلصه وقتل ابنيه له شرّ مما كان لو مات من الوباء أو في الحرب. وقيل أن ابنيه قتلاه من الحسد من أخيهما أسرحدون لأنه كان محبوباً عند أبيهم أكثر منهما. وذكر قتله اثنان من المؤرخين وقال أحدهما وهو من أرض أراراط أن ابنيه «لجآ إلينا» لأنه كان حروب بين أشور وأراراط. وعاش سنحاريب نحو 20 سنة بعد رجوعه.

فوائد للوعاظ

الذي أنت متوكل عليه (ع 10)

  1. الاتكال على الله أمر طبيعي لأنه القادر على كل شيء والعارف كل شيء وهو الآب المحب والحنون وهو أمين في كل مواعيده.

  2. الاتكال على الله نادر الوجود. لأن أكثر الناس ينظرون إلى ما يُرى ويُسمع ويُمس ولا يفتكرون في من لا يُرى وفي الروحيات. ومن فوائد المصائب أنها تنزع ما كنا متكلين عليه فنلتزم أن نتكل على الله وحده.

  3. الاتكال على الله واجب في كل حين. في وقت الراحة والنجاح لأن الكل منه فهو يعطي ويأخذ. وفي وقت الضيق لأن ليس آخر يقدر أن يخلص.

يتأصلون إلى أسفل ويصنعون ثمراً إلى فوق (ع 31).

الأصل والثمر

  1. إنه لا يكمل الإنسان بدونهما. للبعض معرفة وقدرة ولكنهم لا يعملون ما ينفع غيرهم فلهم أصل بلا ثمر. والبعض مجتهدون في العمل ولكنهم بلا معرفة ولا حكمة فلا يثبتون. فلهم ثمر بلا أصل. ومن أعوزه أحدهما لم يكن مقبولاً عند الله ولا عند الناس.

  2. إنه يجب الاجتهاد في تحصيلهما. وعلى كل إنسان أن يمتحن نفسه ليعرف حاجته كما أن البنّاء ينظر إلى المكان الضعيف في الأساس فيمكّنه والتلميذ في المدرسة يجتهد ليسد نقصه في علومه. وعلى من يرى أنه كثير المعرفة وقليل العمل أن يجتهد في زيادة أعماله.

  3. الأصل في المسيح (كولوسي 2: 7) والثمر فيه أيضاً (يوحنا 15: 5).

في الطريق الذي جاء فيها يرجع (ع 34).

الرجوع

  1. الرجوع المستحيل. وهو الرجوع إلى أمس. فإن الواجبات التي أهملناها أمس لا نقدر أن نعملها اليوم لأن لكل يوم واجبات تختص به. والرجوع من القبر إلى هذا العالم مستحيل أيضاً.

  2. الرجوع الذي لا نريده كرجوع كل من الطماع والظالم والمفتخر عن مقاصده الشريرة التي لا يقدر أن يدركها.

  3. الرجوع الواجب على كل إنسان وهو الرجوع إلى الله بالتوبة والاعتراف بالخطية وطلب الغفران من الله والناس وترك كل خطية.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ وَٱلثَّلاَثُونَ

مضمونه:

هذا الأصحاح على وفق ما قيل في (2ملوك 20: 1) بزيادة كتابة حزقيا بعد شفائه (ع 9 - 20) والباقي من الأصحاح مختصر ما جاء في سفر الملوك.

1 «فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ مَرِضَ حَزَقِيَّا لِلْمَوْتِ، فَجَاءَ إِلَيْهِ إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ ٱلنَّبِيُّ وَقَالَ لَهُ: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ: أَوْصِ بَيْتَكَ لأَنَّكَ تَمُوتُ وَلاَ تَعِيشُ».

2ملوك 20: 1 الخ و2أيام 32: 24 و2صموئيل 17: 23

فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ (انظر تفسير ص 36: 1).

لِلْمَوْتِ لعل مرضه كان الطاعون (انظر ع 21) «الدّبل» أي نتيجة المرض الطبيعية كانت الموت لولا شفاؤه العجيب. انظر قول يونان لأهل نينوى (يونان 3: 4) بعد أربعين يوماً تنقلب نينوى إن لم يتوبوا. أي الانقلاب نتيجة خطاياهم إن لم يتوبوا.

أَوْصِ بَيْتَكَ انظر ما فعله داود لما قربت أيام وفاته (1ملوك 2: 1 - 9) والظاهر أنه لم يكن لحزقيا ابن لأن منسى وُلد بعد ما شفي حزقيا من مرضه فكان على حزقيا أن يدبر أمور المملكة ويعيّن خليفته. كان النبي أميناً للملك في هذا التنبيه وهكذا يجب على كل واحد ولا سيما راعي النفوس أن يخبر المشرفين على الموت بحالتهم لكي يدبروا أمورهم الجسدية ويستعدوا للانتقال. وهذا التنبيه واجب في وقت المرض الشديد وفي وقت الصحة الكاملة أيضاً لأن حال الصحة الجسدية والعقلية توافق الاستعداد للأبدية أكثر من حال المرض.

2، 3 «2 فَوَجَّهَ حَزَقِيَّا وَجْهَهُ إِلَى ٱلْحَائِطِ وَصَلَّى: 3 آهِ يَا رَبُّ، ٱذْكُرْ كَيْفَ سِرْتُ أَمَامَكَ بِٱلأَمَانَةِ وَبِقَلْبٍ سَلِيمٍ وَفَعَلْتُ ٱلْحَسَنَ فِي عَيْنَيْكَ. وَبَكَى حَزَقِيَّا بُكَاءً عَظِيماً».

نحميا 13: 14

فَوَجَّهَ حَزَقِيَّا وَجْهَهُ إِلَى ٱلْحَائِطِ لأجل البكاء والصلاة الانفرادية. جاء في المزامير «رِجَالُ ٱلدِّمَاءِ وَٱلْغِشِّ لاَ يَنْصُفُونَ أَيَّامَهُمْ» (مزمور 55: 23). وكان القدماء يعتقدون أن من لا ينصف أيامه يكون من الأشرار فاحتج حزقيا بأنه لم يكن من رجال الدماء والغش ولا من عبدة الأوثان فلماذا يُقطع في نصف أيامه.

بِقَلْبٍ سَلِيمٍ أي أن قلبه كان كله للرب فلم يمل قط إلى عبادة الأصنام.

وَفَعَلْتُ ٱلْحَسَنَ فِي عَيْنَيْكَ لا يجوز للصالح أن يتكل على أعماله الحسنة كأنها تخلّصه بل يجوز ذكرها كدليل على الإيمان الحي. وحزقيا لم يحسب نفسه كاملاً لأنه يذكر خطاياه في (ع 17) غير أنه كان متكلاً على الرب وحفظ وصاياه (2ملوك 18: 3 - 6). وقول هذا كقول المريض الذي يلتجئ إلى الطبيب ويقول له «إني حفظت كل أوامرك واتكلت عليك وحدك فأرجو الشفاء منك» أي أنه يقر بأنه مريض وأن الشفاء من الطبيب لا منه ولو حفظ أوامره واتكل عليه.

وَبَكَى حَزَقِيَّا أسباب بكائه ما يأتي:

  1. إنه كان ابن 39 سنة فقط.

  2. إنه ليس له ولد.

  3. إنه كان آخذاً في إصلاح شؤون المملكة.

  4. إنه كان على المملكة أخطار عظيمة من الداخل ومن الخارج فيحتاج إلى ملك كحزقيا يخاف الرب.

  5. إنه ليس له ولا لغيره من القدماء معرفة جلية بحالة المؤمنين بعد الموت.

4 «فَصَارَ قَوْلُ ٱلرَّبِّ إِلَى إِشَعْيَاءَ».

فَصَارَ قَوْلُ ٱلرَّبِّ (انظر 2ملوك 20: 4) حيث قيل إن إشعياء لم يخرج إلى المدينة الوسطى حتى كان كلام الرب إليه أي استجاب لصلاة حزقيا حالاً.

5 «ٱذْهَبْ وَقُلْ لِحَزَقِيَّا: هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ دَاوُدَ أَبِيكَ: قَدْ سَمِعْتُ صَلاَتَكَ. قَدْ رَأَيْتُ دُمُوعَكَ. هَئَنَذَا أُضِيفُ إِلَى أَيَّامِكَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً».

دَاوُدَ أَبِيكَ كان حزقيا ابن داود بالتناسل الجسدي وبصفاته الروحية معاً.

قَدْ سَمِعْتُ صَلاَتَكَ لا شك في أن كثيرين في أيامنا يشفون من أمراض يستحيل الشفاء منها بحسب الظاهر إجابة لصلاة الإيمان وأحياناً لا يستجيب لنا الرب كما نريد نحن لعلمه أن الوفاة أفضل.

قَدْ رَأَيْتُ دُمُوعَكَ دليل على محبة الله الأبوية.

خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً كان له نحو 14 سنة ملكاً وسنه حينئذ 39 سنة فتكون مدة ملكه بزيادة 15 سنة 29 سنة ومدة حياته 54 سنة فتكون حياته أطول من حياة أكثر ملوك يهوذا. والعمر الطويل ليس لأنفسنا لنستريح فيه بل لخدمة طويلة نافعة. ربما لم يعرف أحد غير حزقيا يوم موته وخير لنا أن لا نعرفه لئلا نكسل في أول المدة المعيّنة لأن الموت بعيد ونضطرب في آخرها لأن الموت قريب فالأولى بنا أن نسهر دائماً ونكون مستعدين للوفاة في كل حين.

6 «وَمِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ أُنْقِذُكَ وَهٰذِهِ ٱلْمَدِينَةَ. وَأُحَامِي عَنْ هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ».

ص 37: 35

يظهر من هذا الوعد أن مرض حزقيا كان قبل حادثة سنحاريب.

7، 8 «7 وَهٰذِهِ لَكَ ٱلْعَلاَمَةُ مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ عَلَى أَنَّ ٱلرَّبَّ يَفْعَلُ هٰذَا ٱلأَمْرَ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ: 8 هَئَنَذَا أُرَجِّعُ ظِلَّ ٱلدَّرَجَاتِ ٱلَّذِي نَزَلَ فِي دَرَجَاتِ آحَازَ بِٱلشَّمْسِ عَشَرَ دَرَجَاتٍ إِلَى ٱلْوَرَاءِ. فَرَجَعَتِ ٱلشَّمْسُ عَشَرَ دَرَجَاتٍ فِي ٱلدَّرَجَاتِ ٱلَّتِي نَزَلَتْهَا».

2ملوك 20: 8 الخ وص 7: 11

وَهٰذِهِ لَكَ ٱلْعَلاَمَةُ (2ملوك 20: 8 - 11) الرب وعد حزقيا أنه يصعد إلى بيت الرب في اليوم الثالث «وأخذوا قرص تين ووضعوه على الدّبل فبرئ» أي أضافوا إلى الصلاة استعمال الوسائط الطبيعية. آحاز لم يطلب آية (7: 11) لأنه لم يؤمن ولم يرد أن يعمل كما قال له الرب وحزقيا طلب آية لأنه آمن وطلب ما يزيد إيمانه والنبي خيّره في أمرين إما أن يسير الظل إلى الأمام عشر درجات أو أن يرجع إلى الوراء كذلك وحزقيا اختار رجوع الظلّ.

دَرَجَاتِ آحَازَ (انظر آحاز في قاموس الكتاب). قال هيرودتس إن المزولة (الساعة الشمسية) اختراع البابليين ويحتمل أن الأشوريين عرفوها من البابليين وآحاز رآها لما زار تغلث فلاسر في دمشق (2ملوك 16: 10) وعمل لنفسه هذه المزولة أو الدرجات في أورشليم والظاهر أنها كانت سلّماً عملها آحاز وعلى رأس السلم عمود وللسلّم درجات نازلة من العمود إلى جهة الغرب ودرجات أخرى نازلة من العمود إلى جهة الشرق وكان يقع ظل العمود إلى جهة الغرب قبل الظهر وإلى جهة الشرق بعد الظهر ويصعد وينزل على الدرجات كما صعدت ونزلت الشمس وهكذا يعيّن الوقت. والأرجح أن هذه العجيبة تمت في انعكاس أشعة الشمس على طريقة غريبة ولا يلزم القول بأن الأرض وقفت عن دورانها والبرهان على ذلك هو أن ملك بابل أرسل ليسأل عن الأعجوبة التي كانت في الأرض (2أيام 32: 31) أي أنها حدثت في محل واحد فقط ومعنى الأعجوبة أنه كما رجع ظل الشمس هكذا رجعت شمس حياة حزقيا التي كانت قد اقتربت من المغيب.

9 «كِتَابَةٌ لِحَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا إِذْ مَرِضَ وَشُفِيَ مِنْ مَرَضِهِ».

إن حزقيا تأثر جداً من اقتراب الموت ومن رحمة الله له وعرف قيمة الحياة وأهمية الاستعداد للأبدية وكتب هذا الكلام لإفادة غيره وخوفاً على نفسه لئلا ينسى مقاصده الصالحة. وفي هذه الكتابة أمران (1) وصف آلامه مدة المرض. و(2) ذكر رحمة الله بشفائه.

10 «أَنَا قُلْتُ: فِي عِزِّ أَيَّامِي أَذْهَبُ إِلَى أَبْوَابِ ٱلْهَاوِيَةِ. قَدْ أُعْدِمْتُ بَقِيَّةَ سِنِيَّ».

عِزِّ أَيَّامِي كانت سنه 39 سنة.

ٱلْهَاوِيَةِ مكان الأموات والذهاب إلى أبواب الهاوية هو الدخول إلى هذا المكان.

11 «قُلْتُ لاَ أَرَى ٱلرَّبَّ فِي أَرْضِ ٱلأَحْيَاءِ. لاَ أَنْظُرُ إِنْسَاناً بَعْدُ مَعَ سُكَّانِ ٱلْفَانِيَةِ».

مزمور 27: 13 و116: 9

لاَ أَرَى ٱلرَّبَّ كان حزقيا يرى الرب بالإيمان في خدمة الهيكل وكان يلتذ بالصلوات والتسبيحات وجميع فرائض الهيكل لأنه أحب الرب ورآه في هذه الفرائض وأحب الناس أيضاً والاجتماع معهم فاستصعب ترك هذه الأفراح التي عرفها والدخول إلى ما لا يعرفه. لأن القدماء لم يعرفوا حالة المؤمنين بعد الموت كما نعرفها نحن من العهد الجديد فإن الرب يسوع المسيح هو الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل.

12 «مَسْكَنِي قَدِ ٱنْقَلَعَ وَٱنْتَقَلَ عَنِّي كَخَيْمَةِ ٱلرَّاعِي. لَفَفْتُ كَٱلْحَائِكِ حَيَاتِي. مِنَ ٱلنَّوْلِ يَقْطَعُنِي. ٱلنَّهَارَ وَٱللَّيْلَ تُفْنِينِي».

أيوب 7: 6

يشبّه حياته بخيمة الراعي التي تبقى في مكانها مدة قليلة فقط.

وَٱنْتَقَلَ عَنِّي أشار إلى موت الجسد مع بقاء النفس (2كورنثوس 5: 1 - 4).

لَفَفْتُ كَٱلْحَائِكِ شبّه نفسه بحائك وحياته بنسيج قطعه الرب من النول والنسيج لم يتم.

تُفْنِينِي يخاطب هنا الرب.

13، 14 «13 صَرَخْتُ إِلَى ٱلصَّبَاحِ. كَٱلأَسَدِ هٰكَذَا يُهَشِّمُ جَمِيعَ عِظَامِي. ٱلنَّهَارَ وَٱلَّلَيْلَ تُفْنِينِي. 14 كَسُنُونةٍ مُزَقْزِقةٍ هٰكَذَا أَصِيحُ. أَهْدِرُ كَحَمَامَةٍ. قَدْ ضَعُفَتْ عَيْنَايَ نَاظِرَةً إِلَى ٱلْعَلاَءِ. يَا رَبُّ قَدْ تَضَايَقْتُ. كُنْ لِي ضَامِناً».

ص 59: 11

يصف آلامه الشديدة. في الليل لم يسترح وكان ذلك من يد الرب الثقيلة عليه وكان الرب كأسد يهشم عظامه.

كَسُنُونةٍ من الآلام والضعف كان صوته كصوت السنونة أو الحمامة. قال إرميا (إرميا 8: 7) «وَٱلْيَمَامَةُ وَٱلسُّنُوْنَةُ ٱلْمُزَقْزِقَةُ حَفِظَتَا وَقْتَ مَجِيئِهِمَا» أي الطيور تهاجر عند إقبال أيام البرد إلى أرض الجنوب وهكذا نفس المؤمن عند الموت تترك الجسد وتصعد إلى السعادة الأبدية.

قَدْ ضَعُفَتْ عَيْنَايَ أي نظر إلى الرب وطلب منه النجاة حتى ضعفت عيناه من الانتظار.

كُنْ لِي ضَامِناً شبّه نفسه بمديون محكوم عليه بالحبس ولا يرجو الخلاص من السجن إلا بمن يكفله فالتجأ إلى الرب وطلب منه أن يكفله (أيوب 17: 3 ومزمور 119: 122) ويسوع المسيح بموته عنا صار ضامناً لنا عند الله.

15 «بِمَاذَا أَتَكَلَّمُ، فَإِنَّهُ قَالَ لِي وَهُوَ قَدْ فَعَلَ. أَتَمَشَّى مُتَمَهِّلاً كُلَّ سِنِيَّ مِنْ أَجْلِ مَرَارَةِ نَفْسِي».

أيوب 7: 11 و10: 1

استجاب له الرب فأرسل إليه إشعياء (ع 4 - 8) قائلاً «قَدْ سَمِعْتُ صَلاَتَكَ. قَدْ رَأَيْتُ دُمُوعَكَ. هَئَنَذَا أُضِيفُ إِلَى أَيَّامِكَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً» فغيّر حزقيا نفس كلامه وترك ذكر الآلام وابتدأ في الشكر والتسبيح.

بِمَاذَا أَتَكَلَّمُ يكاد لا يقدر أن يعبّر عن انفعالاته.

وَهُوَ قَدْ فَعَلَ لعله شعر بأن جسمه شُفي من مرضه.

أَتَمَشَّى مُتَمَهِّلاً بالتواضع والتسليم للرب وكمن يعرف الخطر الذي حوله وكمن نظر إلى الأبدية فلا يجري وراء لذّات هذا العالم ومجده.

مِنْ أَجْلِ مَرَارَةِ نَفْسِي هذا السلوك بالتقوى والإيمان هو نتيجة تأديب الرب. وعلى كل مؤمن أن يتذكر أيام الضيق وأيام العصيان والخطية فيسلك متمهلاً كل الأيام الباقية له في هذا العالم.

16 «أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ، بِهٰذَا يَحْيَوْنَ، وَبِهَا كُلُّ حَيَاةِ رُوحِي فَتَشْفِينِي وَتُحْيِينِي».

بِهٰذَا يَحْيَوْنَ أي بمواعيد الله ومراحمه يحيا الناس (انظر تثنية 8: 3) «لَيْسَ بِٱلْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا ٱلإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِ ٱلرَّبِّ». حزقيا شكر الله على رجوعه إلى الصحة الجسدية ولكن رضا الله أفضل من الحياة للجسد وهو الحياة الحقيقية. ومن لم يختبر تأديب الرب لا يعرف الحياة الحقيقية لأنه بالتأديب يقترب الإنسان إلى الله ويشعر بمحبته ويتحرر من عبودية الخطية ويرفع نظره عن الخيرات الجسدية ويتعلم قيمة الروحيات وقيمة الحياة الحاضرة كفرصة لخدمة الله والاستعداد للأبدية.

17 «هُوَذَا لِلسَّلاَمَةِ قَدْ تَحَوَّلَتْ لِيَ ٱلْمَرَارَةُ، وَأَنْتَ تَعَلَّقْتَ بِنَفْسِي مِنْ وَهْدَةِ ٱلْهَلاَكِ، فَإِنَّكَ طَرَحْتَ وَرَاءَ ظَهْرِكَ كُلَّ خَطَايَايَ».

هُوَذَا لِلسَّلاَمَةِ (انظر عبرانيين 12: 5 - 11) «أَمَّا أَخِيراً فَيُعْطِي ٱلَّذِينَ يَتَدَرَّبُونَ بِهِ ثَمَرَ بِرٍّ لِلسَّلاَمِ».

تَعَلَّقْتَ بِنَفْسِي مِنْ وَهْدَةِ ٱلْهَلاَكِ كان حزقيا عرف شيئاً من محبة الله له لما كان في حال الصحة والنجاح ولكنه لم يعرفها حق المعرفة حتى سقط في وهدة الهلاك فأحبه الرب في الضيق ونزل إلى الأعماق ورفعه وخلّصه.

طَرَحْتَ وَرَاءَ ظَهْرِكَ كُلَّ خَطَايَايَ غُفرت خطاياه والرب لا يذكرها وهي كأنها لم تكن. قال أحد المفسرين «إذا طرحنا خطايانا وراء ظهورنا فالرب يضعها أمام وجهه وإذا وضعنا خطايانا أمام وجوهنا (أي نعترف بها) فالرب يطرحها وراء ظهره».

18 «لأَنَّ ٱلْهَاوِيَةَ لاَ تَحْمَدُكَ. ٱلْمَوْتُ لاَ يُسَبِّحُكَ. لاَ يَرْجُو ٱلْهَابِطُونَ إِلَى ٱلْجُبِّ أَمَانَتَكَ».

مزمور 6: 5 و30: 9 و88: 11 و115: 17 وجامعة 9: 10

لأَنَّ ٱلْهَاوِيَةَ لاَ تَحْمَدُكَ كان حزقيا من أفضل الأتقياء في العهد القديم وكان إشعياء مرشداً له على أن كلامه هذا وإن دلّ على إيمانه بالرب وغيرته في عبادته يدل أيضاً على قلة معرفته بحال المؤمنين بعد الموت ولكن بولس الرسول قال «لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح» وهكذا قال كثيرون من المؤمنين في كل جيل ولكنهم لم يحصلوا على هذه الثقة إلا بموت المسيح وقيامته. وحزقيا لم يعرف هذه الأمور إلا معرفة جزئية بواسطة المرموز والنبوءات. قيل «الاستعداد للموت لا يقربه بل يسهله» وليس من مستعد للحياة إن لم يكن مستعداً للموت.

19 «ٱلْحَيُّ ٱلْحَيُّ هُوَ يَحْمَدُكَ كَمَا أَنَا ٱلْيَوْمَ. ٱلأَبُ يُعَرِّفُ ٱلْبَنِينَ حَقَّكَ».

تثنية 4: 9 و6: 7 ومزمور 78: 3 و4

الحي يحمد الرب ويعلّم أولاده أن يحمدوه أيضاً فيكون حفظ حياة التقي رحمة عظيمة لأولاده. وقول حزقيا هو في الوالدين عموماً فلا يثبّت أن له أولاداً.

20 «ٱلرَّبُّ لِخَلاَصِي. فَنَعْزِفُ بِأَوْتَارِنَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِنَا فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ».

فَنَعْزِفُ قصد حزقيا أن يشترك مع اللاويين في تسبيحاتهم في الهيكل وربما استعملوا تسبيحة حزقيا هذه. وجميع الأتقياء إلى اليوم يعبرون عن انفعالاتهم في وقت المرض وفي وقت الشفاء بهذه التسبيحة. ويقول «أوتارنا» لأن أبوه آحاز كان قد قطع آنية بيت الله وأغلق أبواب بيت الرب (2أيام 28: 24). وأما حزقيا فجدد الخدمة وقال للاويين أن يسبحوا الرب بكلام داود وآساف.

21، 22 «21 وَكَانَ إِشَعْيَاءُ قَدْ قَالَ: لِيَأْخُذُوا قُرْصَ تِينٍ وَيُضَمِّدُوهُ عَلَى ٱلدَّبْلِ فَيَبْرَأَ. 22 وَحَزَقِيَّا سَأَلَ: مَا هِيَ ٱلْعَلاَمَةُ أَنِّي أَصْعَدُ إِلَى بَيْتِ ٱلرَّبِّ؟».

2ملوك 20: 7 و2ملوك 20: 8

تكميل الحديث كأن المؤرخ كان قد نسي هذا الأمر فرجع وذكره. وليس في التين قوة الشفاء ولا سيما في مثل مرض حزقيا ولكن الله يستعمل أحياناً مع العجيبة وسائط طبيعية كما طرح أليشع الملح في النبع في أريحا (2ملوك 2: 20) وطلى يسوع عيني الأعمى بطين (يوحنا 9: 6) فتعلمنا هذه الحوادث أن نطلب الشفاء من الرب ونستعمل أيضاً الوسائط الطبيعية الواجبة.

فوائد للوعاظ

وصلى الرب (ع 2)

فوائد للصلاة السرية:

  1. يجب أن يكون لكل إنسان مكان وزمان للصلاة السرّية «اغلق بابك» (متّى 6: 6). صلى المسيح في البراري والجبال وفي الليل.

  2. يجب أن نطلب كل ما نحتاج إليه كبيراً وصغيراً روحياً وجسدياً.

  3. يجب الصدق في الصلاة فلا نخفي شيئاً ولا نخفف خطايانا.

  4. يجب الثقة بأن الله يسمع ويستجيب.

  5. تجب اللجاجة. وكثيراً ما ينتظر الله اللجاجة في صلواتنا حتى يعطينا مطلوبنا. ولا بد من الإجابة فيعطينا إما مطلوبنا أو ما هو أفضل ويعطينا في وقته لا في وقتنا.

الحي الحي هو يحمدك (ع 19)

للحياة قيمة عظيمة لأسباب:

  1. إن نهايتها غير معروفة. فلنعمل اليوم ما نريد عمله قبلما نموت.

  2. إنها قصيرة. إننا لا نقدر أن نعمل كل ما نريد عمله فعلينا أن نميز الأمور المتخالفة (فيلبي 1: 10) ونهتم أولاً بما يختص بملكوت الله فينا وحولنا.

  3. إنها فرصة للاستعداد للآخرة. كما يكون الإنسان هنا على الأرض هكذا يكون في الآخرة «مَنْ هُوَ نَجِسٌ فَلْيَتَنَجَّسْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ بَارٌّ فَلْيَتَبَرَّرْ بَعْدُ» (رؤيا 22: 11).

  4. إنها فرصة لتربية أولادنا الذين سيكونون في مكاننا.

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ

1، 2 «1 فِي ذٰلِكَ ٱلزَّمَانِ أَرْسَلَ مَرُودَخُ بَلاَدَانَ بْنُ بَلاَدَانَ مَلِكُ بَابِلَ رَسَائِلَ وَهَدِيَّةً إِلَى حَزَقِيَّا، لأَنَّهُ سَمِعَ أَنَّهُ مَرِضَ ثُمَّ صَحَّ. 2 فَفَرِحَ بِهِمْ حَزَقِيَّا وَأَرَاهُمْ بَيْتَ ذَخَائِرِهِ: ٱلْفِضَّةَ وَٱلذَّهَبَ وَٱلأَطْيَابَ وَٱلزَّيْتَ ٱلطَّيِّبَ وَكُلَّ بَيْتِ أَسْلِحَتِهِ وَكُلَّ مَا وُجِدَ فِي خَزَائِنِهِ. لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ لَمْ يُرِهِمْ إِيَّاهُ حَزَقِيَّا فِي بَيْتِهِ وَفِي كُلِّ مُلْكِهِ».

2ملوك 20: 12 الخ و2أيام 32: 31

كانت بابل تحت حكم أشور غير أن مردوخ بلادان كان قد عصى سرجون ملك أشور قبل تاريخ هذه الحادثة فملك في بابل 12 سنة ثم حاربه سرجون وعزله وبعد أربع سنين من ذلك مات سرجون وعصى مردوخ بلادان ابنه سنحاريب فملك ثانية في بابل ثمانية أشهر ثم عُزل ثانية وهرب إلى عيلام. وغايته في الرسائل والهدية لحزقيا أولاً التهنئة له بشفائه وثانياً الاستخبار عن عجيبة رجوع الظل لأن البابليين كانوا من الراغبين في علم الفلك وثالثاً المعاهدة مع حزقيا في محاربة سنحاريب فوبخ إشعياء حزقيا لأنه أراه ذخائره وأسلحته مما يدل على الافتخار وعلى الاتحاد بملوك الأمم. وكانت هذه الرسالة في السنة العاشرة من مردوخ بلادان.

والظاهر أن حزقيا أخطأ في قضية أخرى لأن هؤلاء الرسل أتوا من بابل ليستخبروا عن العجيبة فكان له فرصة أن يبين لهم قدرة إله إسرائيل ورحمته استجابة للصلاة وكان قد قال في كتابته (ص 38: 19) «ٱلْحَيُّ هُوَ يَحْمَدُكَ كَمَا أَنَا ٱلْيَوْمَ» ولكن روح الافتخار غلبه. قيل في (2أيام 32: 25) «وَلٰكِنْ لَمْ يَرُدَّ حَزَقِيَّا حَسْبَمَا أُنْعِمَ عَلَيْهِ لأَنَّ قَلْبَهُ ٱرْتَفَعَ» ولعله خير له لو لم يعرف أجله تماماً. ونستفيد من أمر حزقيا أن الإنسان أحياناً يتقوى في الروحيات بواسطة الضيقات والآلام ويضعف في الروحيات في وقت الصحة والأمان غير أن الخيرات الجسدية تقدس بكلمة الله والصلاة فلا تكون للخطية. وقيل في (2أيام 32: 31) «تَرَكَهُ ٱللّٰهُ لِيُجَرِّبَهُ لِيَعْلَمَ كُلَّ مَا فِي قَلْبِهِ» وربما المعنى أن الله لم يرسل إليه نبياً ليعلّمه واجباته أو يحذره من التجارب وبموجب عقله وضميره بلا إعلان خاص من الله. ولا يدل ذلك على غضب الله عليه لأن الخدمة العقلية مرضية عند الله أكثر من الطاعة بلا تمييز كعادة الأطفال. كما أن النبوءات والإعلانات كانت ضرورية في طفولية الكنيسة كان انقطاعها اليوم مما يدل على نموها.

3 «فَجَاءَ إِشَعْيَاءُ ٱلنَّبِيُّ إِلَى ٱلْمَلِكِ حَزَقِيَّا وَسَأَلَهُ: مَاذَا قَالَ هٰؤُلاَءِ ٱلرِّجَالُ، وَمِنْ أَيْنَ جَاءُوا إِلَيْكَ؟ فَقَالَ حَزَقِيَّا: جَاءُوا إِلَيَّ مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ، مِنْ بَابِلَ».

فَجَاءَ إِشَعْيَاءُ لم يطلبه الملك ولكنه جاء ووبخه بلا خوف لأنه نبي ومرسل من الرب إلى الملك ومن واجبات وظيفته توبيخ الملوك باسم الرب إذا أخطأوا. وهكذا ناثان وبخ داود (2صموئيل 12: 1 - 12). وجاد (2صموئيل 24: 11 - 14). وحنان وبخ آسا (2أيام 16: 7 - 9). وياهو وبخ يهوشافاط (2أيام 19: 2 و3) وهم من الملوك الصالحين وكان إشعياء قد وبخ آحاز الملك الشرير (ص 7: 1 - 17).

مَاذَا قَالَ هٰؤُلاَءِ ٱلرِّجَالُ يشير إلى احتقار النبي لسفراء ملك بابل. وسؤال إشعياء بيّن عدم خوفه من الملك وثقته بأنه يسمع ويقبل التوبيخ. وكان إشعياء قد حذّر اليهود من الاتكال على مصر (ص 31) وهنا حذر الملك من الاتكال على بابل.

مِنْ أَيْنَ جَاءُوا لم يسأل هذا السؤال ليستخبر لأنه عرف وجميع أهل أورشليم عرفوا من أين جاءوا ولكن قصده بالسؤال هو أن حزقيا يقول إنهم جاءوا من بابل فيتنبأ إشعياء بسبي بابل. والظاهر أن حزقيا افتخر بمجيء سفراء من أرض بعيدة إليه لكونه ملكاً عظيماً.

4، 5 «4 فَسَأَلَ: مَاذَا رَأَوْا فِي بَيْتِكَ؟ فَقَالَ حَزَقِيَّا: رَأَوْا كُلَّ مَا فِي بَيْتِي. لَيْسَ فِي خَزَائِنِي شَيْءٌ لَمْ أُرِهِمْ إِيَّاهُ. 5 فَقَالَ إِشَعْيَاءُ لِحَزَقِيَّا: ٱسْمَعْ قَوْلَ رَبِّ ٱلْجُنُودِ».

ٱسْمَعْ قَوْلَ رَبِّ ٱلْجُنُودِ لم يخف النبي من الملك لكونه ملكاً ولا لكونه صديقه فكان أميناً في أمرين لا يوجد أصعب منهما وهما أنه عرفه إقبال موته (ص 38: 1) وإنه وبخه على خطيته. وبما أن هذا القول من رب الجنود كان يجب على النبي أن يتكلم وعلى الملك أن يسمع.

6، 7 «6 هُوَذَا تَأْتِي أَيَّامٌ يُحْمَلُ فِيهَا كُلُّ مَا فِي بَيْتِكَ وَمَا خَزَنَهُ آبَاؤُكَ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ إِلَى بَابِلَ. لاَ يُتْرَكُ شَيْءٌ يَقُولُ ٱلرَّبُّ. 7 وَمِنْ بَنِيكَ ٱلَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْكَ ٱلَّذِينَ تَلِدُهُمْ يَأْخُذُونَ، فَيَكُونُونَ خِصْيَاناً فِي قَصْرِ مَلِكِ بَابِلَ».

إرميا 20: 5 دانيال 1: 2 و3 و7

تنبأ موسى بسبي (لاويين 26: 33) وبرجوع (تثنية 30: 3). وقال أخيا (1ملوك 14: 15) «ويبددهم إلى عبر النهر». وقال عاموس (عاموس 5: 27) «فأسبيكم إلى ما وراء دمشق». وقال ميخا (ميخا 4: 10) «وتأتين إلى بابل». وكان ميخا في عصر إشعياء ولا نعرف أيهما نطق بنبوءته أولاً. ولكن نبوءة إشعياء هذه هي أول نبوءة واضحة بسبي بابل لأنه ذكُر فيها نقل كل خزائن بيت الملك واستعباد نسله في قصر ملك بابل وفي زمن هذه النبوءة وهي قبل سبي بابل بنحو 124 سنة كانت بابل مملكة ضعيفة وبعد زمن النبوءة بنحو سنتين حارب سرجون مردوخ بلادان وأخضع بابل فرجعت إلى ما كانت عليه فصارت ولاية من مملكة أشور. فلم يكن في عصر هذه النبوءة ما يدل على عظمة بابل ورسالة ملكها إلى حزقيا مما يدل على ضعفها. فتكون نبوءة إشعياء هذه وتمامها برهاناً قاطعاً على أنه تكلم بالوحي وأعلن ما لا يعرفه أحد غير الله وحده.

نشر حزقيا أمام الرب رسائل سنحاريب وكان خيراً له نشر أمامه رسائل مردوخ بلادان أيضاً فلم يسقط بسببها ويجب علينا أن نطلب من الرب أن يعتني بنا ويحفظنا في الأمور التي تظهر لنا أنها بسيطة كما نسأله ذلك في الأمور التي تظهر أنها صعبة.

ولا نستلزم هذه النبوءة أن سبي بابل كان نتيجة خطية حزقيا لأنه كان عقاباً على خطايا كثيرة من ملوك كثيرين ولا سيما منسى (2ملوك 24: 3 و4) ومن عموم الشعب أيضاً. وأما ذكر سبي بابل في هذا الوقت فكان على سبيل التوبيخ لحزقيا على خطيته بالافتخار أمام الرسل من بابل. انظر ما جاء في سفر الملوك الثاني وأخبار الأيام الثاني في منسى ويهوياقيم ويهوياكين. وذكر دانيال (دانيال 1: 3 و4) إن من نسل ملوك يهوذا من عُينوا للوقوف في قصر ملك بابل والأرجح أن هؤلاء كانوا خصياناً حسب العادة القديمة. وتقضى على الملك يهوياكين نحو 37 سنة أسيراً في بابل.

يُحْمَلُ فِيهَا كُلُّ مَا فِي بَيْتِكَ لا يقول ما في قلبك أي الكنوز المخزونة على الأرض تفنى وتزول وأما الكنوز الروحية المخزونة في قلب المؤمن فلا تزول ولا أحد يقدر أن يأخذ من حزقيا إيمانه ورجاءه بالله.

8 «فَقَالَ حَزَقِيَّا لإِشَعْيَاءَ: جَيِّدٌ هُوَ قَوْلُ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي تَكَلَّمْتَ بِهِ. وَقَالَ: فَإِنَّهُ يَكُونُ سَلاَمٌ وَأَمَانٌ فِي أَيَّامِي».

1صموئيل 3: 18

جَيِّدٌ هُوَ قَوْلُ ٱلرَّبِّ والمعنى أمران (1) أنه اعترف بخطيته وقبل التوبيخ. و(2) أنه شكر الله إذ سمح له وللمملكة بالراحة والسلام في أيامه. ولا نستنتج أنه لم يهتم بحالة المملكة بعد موته بل أنه في هذا الأمر سلم لإرادة الرب.

والحادثة المذكورة في هذا الأصحاح خاتمة موافقة للقسم الأول من سفر إشعياء (ص 1 - ص 39) ومقدمة موافقة للقسم الثاني منه (ص 40 إلى آخره) الذي موضوعه التعزية للشعب في مدة السبي والمواعيد برجوعهم وإقامة ملكوت المسيح.

فوائد للوعاظ

ماذا رأوا في بيتك (ع 4)

ما جهات رؤية الضيف في بيتنا. هي ما يأتي:

  1. جهة الترتيب والنظافة.

  2. جهة طاعة الأولاد للوالدين.

  3. جهة محبة كل من الوالدين للآخر ومحبتهما لأولادهما ومحبة كل من الأولاد للآخر.

  4. جهة محبتنا للجيران وعموم أهل المدينة.

  5. جهة الصلاة البيتية والتكلم في الروحيات وعدم الكلام الباطل.

تأتي أيام (ع 6)

الهموم وعلاجها:

  1. إن الناس يهتمون بصحتهم فيخافون من المرض والموت وبمالهم فيخافون من الخسارة وبأولادهم ولا سيما الغائبين وبخطاياهم فيخافون من جهة الخلاص.

  2. إن علاج الهموم هو الإيمان بأن الله هو القادر على كل شيء وهو يحبنا ويغفر لنا خطايانا وقبول مواعيده الصالحة وبذل نفوسنا في خدمته.

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَرْبَعُونَ

من ص 40 إلى نهاية السفر قسم جديد من إشعياء والأرجح أنه كتبه في آخر حياته في أيام منسى بن حزقيا الذي عمل الشر وعاد فبنى المرتفعات وأقام مذابح للبعل وبنى مذابح لكل جند السماء في داري بيت الرب وسفك دماً بريئاً كثيراً جداً حتى ملأ أورشليم. وربما كانت أحوال إشعياء في آخر حياته مثل أحوال يوحنا الرسول في شيخوخته لأن يوحنا كان منفياً في جزيرة بطمس من أجل كلمة الله فرأى في رؤيا الأمور المختصة بشعب الله إلى انقضاء الدهر والكنيسة المجيدة في السماء. وهكذا اضطر إشعياء في شيخوخته أن ينفرد عن العالم ورفع نظره عن رجاسات الملك وشعب اليهود فرأى في رؤيا الأمور المذكورة في هذا القسم من نبوءاته وكتبها لإفادة الأجيال القادمة. وبسبب هذه الأحوال غير الموافقة لم يذكر الملك ولا غيره شيئاً من حوادث عصره فتكلم كأنه ليس في الجسد بل قد انتقل بالروح إلى المستقبل البعيد.

في القسم الأول من نبوءات إشعياء نبوءات متنوعة مختلفة باختلاف أحوال المكان والزمان كالنبوءات بخصوص أورشليم والسامرة وبابل وموآب الخ. وأما القسم الثاني من إشعياء فكله كلام مرتب ومتصل كأنه خطاب واحد. والكلام في ذاته لا يوجد أسمى منه وهو مفيد لكل جيل وفيه تعزية وتنشيط لشعب الله اليوم كما كان في أيام إشعياء ومواضيع هذا القسم من النبوءة ما يأتي:

  1. الله أي لا يوجد إلا إله واحد فقط وهو الإله الحي الحقيقي. والنبي قابل الرب بالأصنام ووصف قدرته ومعرفته وقداسته بأفصح العبارات وأبان حقارة الأصنام صنعة أيدي الناس وجهالة الذين يسجدون لها. وفي مدة السبي تأمل الشعب في هذا التعليم وانتبهوا له بسبب الضيق ولم يسجدوا بعد السبي للأصنام.

  2. الشعب كان منهم مؤمنون والأكثرون غير مؤمنين فللمؤمن تعزية ومواعيد بالخلاص لا من سبي بابل فقط بل من الخطية أيضاً. والرجوع من بابل مثال وعربون الخلاص الأعظم. وللأشرار إنذار ليتركوا طرقهم ويتوبوا إلى الرب فيرحمهم.

  3. المخلص في حال اتضاعه وفي حال ارتفاعه.

  4. الكنيسة أي الدين الحقيقي لا ينحصر في أورشليم ولا في الهيكل ورسومه فإنهم وجدوا الله في بابل وهناك سمع صلواتهم وقبل عبادتهم مع كونها بلا هيكل ولا ذبائح وتعلموا أن الله هو إله كل بني البشر فالكنيسة المستقبلة تعم الأمم أيضاً ويمتد خلاص الله إلى أقصى الأرض. وهذا كله تعليم جديد لليهود لأنهم قبل السبي لم يفهموا كما يجب السجود لله بالروح والحق بل نظروا إلى وسائط السجود الجسدية والوقتية كالهيكل والذبائح ولم يفهموا عموم الخلاص وانضمام الأمم.

انظر مقدمة فصل 12 في صدق نسبة هذه الأصحاحات إلى إشعياء.

ومضمون الأصحاح الأربعين هو أن الرب آت إلى شعبه فعليهم أن يعزوا بعضهم ويهيئوا الطريق له وهو الإله الحقيقي والقادر على كل شيء والصادق في كل أقواله.

1 «عَزُّوا عَزُّوا شَعْبِي يَقُولُ إِلٰهُكُمْ».

عَزُّوا عَزُّوا التكرار للتأكيد كقوله «لأرئيل لأرئيل» (ص 29: 1) وقوله «الرب الرب الرب» (ص 33: 22) وقوله «الحي الحي» (ص 38: 19) وقوله «انهضي انهضي» (ص 51: 17). والمخاطَبون معلمو الشعب أي الأنبياء والكتبة. والشعب أيضاً يعزون بعضهم بعضاً وأحسن تعزية هي كلمة «شعبي» أي لم يزل الله يقبلهم كشعبه. وكلمة «إلهكم» أي لم يزل الله إلههم. وهذه التعزية في مقدمة القسم الثاني من النبوءة توافق خاتمة القسم الأول منها وهي نبوءة صريحة بسبي بابل (ص 39: 6 و7).

2 «طَيِّبُوا قَلْبَ أُورُشَلِيمَ وَنَادُوهَا بِأَنَّ جِهَادَهَا قَدْ كَمَلَ، أَنَّ إِثْمَهَا قَدْ عُفِيَ عَنْهُ، أَنَّهَا قَدْ قَبِلَتْ مِنْ يَدِ ٱلرَّبِّ ضِعْفَيْنِ عَنْ كُلِّ خَطَايَاهَا».

طَيِّبُوا قَلْبَ أُورُشَلِيمَ ليس الساكنون في أورشليم في تاريخ النبوءة في آخر ملك حزقيا أو في ملك منسى القساة القلوب الذين كان السبي مقبلاً عليهم لأن النبي لا يقول لهؤلاء «جهادكم قد كمل» بل شعب الله في مدة السبي وفي كل زمان. والقلب مركز الأفكار السرية والعواطف والانفعالات كالخوف والرجاء والحزن والفرح فتعزية الله ليست مقصورة على تحسين الأحوال الخارجية.

جِهَادَهَا قَدْ كَمَلَ رأى النبي في الرؤيا أنه قد كمل غير أن المخاطبين هم الساكنون في بابل مدة السبي وفي القول تعزية كأنه قال عن قريب يكمل جهادكم والباقي من زمان الضيق قليل وكلا شيء. وكان المسبيون في بابل محتاجين إلى التعزية لأنهم كانوا بعيدين عن وطنهم وكانت مدينتهم خربة وهيكلهم مهدوماً وكان عليهم في بابل أعمال شاقة وتعييرات الأمم وكانوا حسب الظاهر مرفوضين من إلههم.

ضِعْفَيْنِ عَنْ كُلِّ خَطَايَاهَا ليس المراد أن آلامهم مهما كانت شديدة تكفر عن الخطية بل هو ما يأتي:

  1. إن التأديب المعيّن لهم من الله قد كمل.

  2. إن دم المسيح يكفر خطايا المؤمنين تماماً مهما كانت عظيمة. كأن الإنسان دفع المطلوب منه مرتين لا واحدة فلا يطالب أيضاً والقول للتأكيد. والأمر المهم هنا غفران خطايا شعب الله ورجوع الله إليهم لا مجرد رجوع اليهود من بابل.

3، 4 «3 صَوْتُ صَارِخٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ ٱلرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي ٱلْقَفْرِ سَبِيلاً لإِلٰهِنَا. 4 كُلُّ وَطَاءٍ يَرْتَفِعُ، وَكُلُّ جَبَلٍ وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ، وَيَصِيرُ ٱلْمُعَوَّجُ مُسْتَقِيماً وَٱلْعَرَاقِيبُ سَهْلاً».

متّى 3: 3 ومرقس 1: 3 ولوقا 3: 4 ويوحنا 1: 23 ملاخي 3: 1 مزمور 68: 4 وص 49: 11 ص 45: 2

مثّل النبي الرب راجعاً مع شعبه إلى أورشليم كملك سائر أمام جيشه والملك يرسل أمامه سابقاً ليعد أمامه الطريق. وتمت هذه النبوءة في يوحنا المعمدان الذي كان سابقاً للمسيح.

صَوْتُ نسمع صوتاً ولا نرى أحداً. أي الأهمية للقول لا للقائل.

ٱلْقَفْرِ القفر بين بابل وأورشليم وبرية اليهودية أيضاً حيث كرز يوحنا المعمدان. وهكذا على كل من يطلب خلاص نفسه أن يؤمن بأن الله يغفر الخطايا وإنه يغفرها إكراماً للمسيح ثم عليه أن يعد طريق الرب ويدفع الكسل والفتور ويدوس الكبرياء ويقوّم أعماله المعوجّة.

5 «فَيُعْلَنُ مَجْدُ ٱلرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعاً، لأَنَّ فَمَ ٱلرَّبِّ تَكَلَّمَ».

أعلن مجد الرب في الرجوع من بابل وفي تجسد المسيح أيضاً وحياته على الأرض وموته وهذا الإعلان لكل بشر لا لليهود فقط. كان مجد الرب خفياً في مدة السبي كما تحجب الشمس من غيم وأُعلن في يوم الخلاص.

6 - 8 «6 صَوْتُ قَائِلٍ: نَادِ. فَقَالَ: بِمَاذَا أُنَادِي؟ كُلُّ جَسَدٍ عُشْبٌ، وَكُلُّ جَمَالِهِ كَزَهْرِ ٱلْحَقْلِ. 7 يَبِسَ ٱلْعُشْبُ، ذَبُلَ ٱلزَّهْرُ، لأَنَّ نَفْخَةَ ٱلرَّبِّ هَبَّتْ عَلَيْهِ. حَقّاً ٱلشَّعْبُ عُشْبٌ! 8 يَبِسَ ٱلْعُشْبُ، ذَبُلَ ٱلزَّهْرُ. وَأَمَّا كَلِمَةُ إِلٰهِنَا فَتَثْبُتُ إِلَى ٱلأَبَدِ».

أيوب 14: 2 ومزمور 90: 5 و102: 11 و103: 15 ويعقوب 1: 10 و1بطرس 1: 24 مزمور 103: 16 يوحنا 12: 34 و1بطرس 1: 25

سمع النبي صوتاً قائلاً «ناد» ثم قال النبي «بماذا أنادي» فقال الصوت «كل جسد عشب الخ» وتشير كلمة «عشب» إلى ضعف الإنسان وقصر أيامه وربما كان في ذلك إشارة إلى أن ممالك أشور وبابل وغيرهما لا تبقى إلى الأبد والذين توفوا من بني إسرائيل في مدة السبي وهم القسم الأكبر لأن مدة السبي كانت 70 سنة وقد مضى جيل وقام آخر ولكن مواعيد الله لا تتغير.

جَمَالِهِ أي جمال الإنسان الجسدي وكل ما للجسد كالملبوسات والأبنية وآلات أعماله وحروبه وكذلك علومه وقواه العقلية.

نَفْخَةَ ٱلرَّبِّ كما أن العشب يبس أمام الريح الشرقية هكذا الإنسان بيد الرب فيأخذ منه حياته وخيراته متى شاء. يقصر الناس عن وفاء مواعيدهم لقصر أيامهم فيموتون قبل إتمام الوعد أو من ضعفهم أو فقرهم أو من وقوع حوادث غير منتظرة أو ضعف عقولهم فينسون المواعيد أو يندمون عليها ولكن ليس الرب كإنسان فمواعيده ثابتة إلى الأبد.

9، 10 «9 عَلَى جَبَلٍ عَالٍ ٱصْعَدِي يَا مُبَشِّرَةَ صِهْيَوْنَ. ٱرْفَعِي صَوْتَكِ بِقُوَّةٍ يَا مُبَشِّرَةَ أُورُشَلِيمَ. ٱرْفَعِي لاَ تَخَافِي. قُولِي لِمُدُنِ يَهُوذَا: هُوَذَا إِلٰهُكِ. 10 هُوَذَا ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ بِقُوَّةٍ يَأْتِي وَذِرَاعُهُ تَحْكُمُ لَهُ. هُوَذَا أُجْرَتُهُ مَعَهُ وَعُمْلَتُهُ قُدَّامَهُ».

ص 41: 27 و52: 7 ص 59: 16 ص 62: 11 ورؤيا 22: 12 ص 49: 4

يَا مُبَشِّرَةَ صِهْيَوْنَ مثّل النبي مبشرة مرسلة إلى صهيون. يقول في (ص 41: 27 وفي ص 52: 7) «مبشراً» أي التبشير أمر موافق للجنسين للرجل وللمرأة أيضاً (ففي مزمور 68: 11) «ٱلْمُبَشِّرَاتُ بِهَا جُنْدٌ كَثِيرٌ». إن مريم المجدلية كانت أول من بشر بقيامة المسيح. وعلى هذه المبشرة أن تصعد على جبل عال وترفع صوتها أي هذه البشارة مهمة وهي لجميع اليهود. وليس عليها خوف من جهة تتميم النبوءة أو صحة البشارة لأن الرب يأتي بقوة.

مُبَشِّرَةَ أُورُشَلِيمَ هكذا المسيح بشر اليهود وأمر تلاميذه أن يبتدئوا من أورشليم واليهودية.

لِمُدُنِ يَهُوذَا كانت جميع مدن يهوذا خربة لا أورشليم وحدها. والمبشرة تبشر هذه المدن الخربة أنها ستُبنى وتُسكن. ومضمون هذه البشارة أن الرب يأتي.

ذِرَاعُهُ تَحْكُمُ لَهُ أي أنه يحكم بالقوة.

أُجْرَتُهُ مَعَهُ رأى بعضهم أن الأجرة هي البركات التي يعطيها لشعبه عند مجيئه ولكن الأرجح أن الأجرة هي التي يأخذها الرب لا التي يعطيها فبموجب هذا التفسير أجرة الرب شعبه المفديون كما أن أجرة الراعي هي القطيع الماشي أمامه كقطعان يعقوب التي اشتراها بتعبه وخدمته في فدان آرام وأخذها إلى أرض كنعان. وهكذا المسيح يأخذ المفديين إلى كنعان السماوية (انظر أعمال 20: 28 كنيسة الله التي اقتناها بدمه).

11 «كَرَاعٍ يَرْعَى قَطِيعَهُ. بِذِرَاعِهِ يَجْمَعُ ٱلْحُمْلاَنَ وَفِي حِضْنِهِ يَحْمِلُهَا، وَيَقُودُ ٱلْمُرْضِعَاتِ».

ص 49: 10 وحزقيال 34: 23 و37: 24 ويوحنا 10: 11 وعبرانيين 13: 20 وبطرس 2: 25 و5: 4 ورؤيا 7: 17

كَرَاعٍ يَرْعَى قَطِيعَهُ الرب يأتي كراع لا كملك فقط والراعي يجمع في نفسه القوة والحنو. فالقوة لكي يحامي عن القطيع. والحنو لكي يربضه في مراع خضر ويورده إلى مياه الراحة ويرحم الضعيف كالحملان والمرضعات وأحسن مثال لذلك الرب يسوع المسيح الذي تحنن على الجموع واحتضن الأولاد وبذل نفسه عن خرافه. وعلى كل راعي نفوس أن يشفق على كل الصغار كالضعفاء والفقراء والمرضى والحزانى والأولاد والضعفاء بالمعرفة والإيمان ويجمع الحملان المشتتة الضائعة أي الذين تاهوا عن الرب بالجهل والخطية.

12 «مَنْ كَالَ بِكَفِّهِ ٱلْمِيَاهَ، وَقَاسَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِٱلشِّبْرِ، وَكَالَ بِٱلْكَيْلِ تُرَابَ ٱلأَرْضِ، وَوَزَنَ ٱلْجِبَالَ بِٱلْقَبَّانِ وَٱلآكَامَ بِٱلْمِيزَانِ؟».

أمثال 30: 4

من هذه الآية إلى آخر الأصحاح يصف النبي الرب القادر على كل شيء والعارف كل شيء والرحيم الرؤوف بألفاظ وتشبيهات لا يوجد أعلى منها. وغاية الكلام البيان أن الرب قارد أن يتمم كل ما وعدهم به وأنه يعطي قوة لشعبه. وأفضل شيء لإسرائيل هو أن يعرفوا الله كما هو والرجوع إليه أفضل من الرجوع إلى أرضهم. كان اليهود في بابل قد نظروا هياكل عظيمة وجميلة وأصنامها من الذهب ومن الفضة ومنه هيكل البعل وهو ثمانية أبراج الواحد فوق الآخر وفيه تمثال البعل من الذهب الخالص. ونظروا كثرة الساجدين لهذه الأصنام وعظمة مدينتهم وغناهم فكان بعض اليهود تركوا الله الذي لم يروه ولجأوا إلى الأصنام التي كانت أمامهم والنبي يكلمهم أولاً (ع 12 - 16) ثم (ع 27 - 31) يكلم الذين لم يتركوا الرب تماماً ولكنهم شكوا في قدرته ومحبته لهم كأنه كان قد تركهم.

المكاييل المذكورة هنا كلها صغيرة «الكف والشبر والكيل» ومع ذلك كف الرب يسع البحار وشبر الرب يقيس السماوات وكيل الرب يكيل كل تراب الأرض وميزانه يزن الجبال. والمراد بهذه التشبيهات:

  1. إن الله هو الخالق العظيم وأعظم مخلوقاته كالبحار والجلَد والجبال كلا شيء عنده.

  2. إن الله ضابط الكل ولكل شيء ميزان وقياس ونظام وترتيب فلا ينسى شيئاً ولا أحداً.

والنبي يذكر ذراع الرب وكفه وشبره غير أن الرب يفوق الأصنام ويفوق بني البشر بما لا يقاس لأنه روح جسد وخالق غير مخلوق.

13 - 15 «13 مَنْ قَاسَ رُوحَ ٱلرَّبِّ، وَمَنْ مُشِيرُهُ يُعَلِّمُهُ؟ 14 مَنِ ٱسْتَشَارَهُ فَأَفْهَمَهُ وَعَلَّمَهُ فِي طَرِيقِ ٱلْحَقِّ، وَعَلَّمَهُ مَعْرِفَةً وَعَرَّفَهُ سَبِيلَ ٱلْفَهْمِ.؟ 15 هُوَذَا ٱلأُمَمُ كَنُقْطَةٍ مِنْ دَلْوٍ، وَكَغُبَارِ ٱلْمِيزَانِ تُحْسَبُ. هُوَذَا ٱلْجَزَائِرُ يَرْفَعُهَا كَدُقَّةٍ!».

أيوب 21: 22 و36: 22 و23 ورومية 11: 34 و1كورنثوس 2: 16

لا أحد يقدر أن يقيس قدرة الرب فيقول أنه قادر على كذا وكذا وليس قادر على كذا وكذا وهكذا لا أحد يقدر أن يقيس معرفة الرب فيذكر ما يعرفه وما لا يعرفه.

رُوحَ ٱلرَّبِّ لا يشير إلى الأقنوم الثالث باللاهوت بل إلى قوة الرب في المعرفة والإدراك كالعقل في الإنسان.

مَنْ مُشِيرُهُ أي لا أحد يقدر أن يزيد على معرفته شيئاً.

هُوَذَا ٱلأُمَمُ كَنُقْطَةٍ الخ الذي يستقي ماء لا يشعر إذا سقطت قطرة ماء من الدلو. وكذلك الغبار لا يرجح الميزان وهكذا الأمم وهم ملايين من الناس وجيوش الأمم المسلحة للحرب جميعها كلا شيء عند الرب. غير أننا لا نستنتج من ذلك أن الرب يحتقر الإنسان لأنه أرسل ابنه إلى العالم ليخلصه وهو يسمع ويستجيب لكل فرد من المؤمنين.

ٱلْجَزَائِرُ يَرْفَعُهَا كَدُقَّةٍ جاءت كلمة جزائر كثيراً في هذا السفر ومعناها جزائر البحر وشطوط البحر وممالك الأمم عبر البحر أي إلى جهة الغرب ولا شك في أن روح الرب نظر إلى أيامنا حيث امتد الإنجيل كثيراً إلى جهة الغرب أي في قارة أوربا وقارة أميركا.

16، 17 «16 وَلُبْنَانُ لَيْسَ كَافِياً لِلإِيقَادِ، وَحَيَوَانُهُ لَيْسَ كَافِياً لِمُحْرَقَةٍ. 17 كُلُّ ٱلأُمَمِ كَلاَ شَيْءٍ قُدَّامَهُ. مِنَ ٱلْعَدَمِ وَٱلْبَاطِلِ تُحْسَبُ عِنْدَهُ».

دانيال 4: 35 مزمور 62: 9

وَلُبْنَانُ لَيْسَ كَافِياً لِلإِيقَادِ الرب كان يرضى بالمحرقات والذبائح من اليهود ولكن كان ذلك نظراً إلى قلوب الذين قدموها لا إلى قيمتها بذاته لأنه خلق كل شيء والناس لا يقدرون أن يقدموا له إلا مما له.

18 - 20 «18 فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ ٱللّٰهَ، وَأَيَّ شَبَهٍ تُعَادِلُونَ بِهِ؟ 19 اَلصَّنَمُ يَسْبِكُهُ ٱلصَّانِعُ، وَٱلصَّائِغُ يُغَشِّيهِ بِذَهَبٍ وَيَصُوغُ سَلاَسِلَ فِضَّةٍ. 20 ٱلْفَقِيرُ عَنِ ٱلتَّقْدِمَةِ يَنْتَخِبُ خَشَباً لاَ يُسَوِّسُ، يَطْلُبُ لَهُ صَانِعاً مَاهِراً لِيَنْصُبَ صَنَماً لاَ يَتَزَعْزَعُ!».

ع 25 وص 46: 5 وأعمال 17: 29 ص 41: 6 و7 و44: 12 الخ وإرميا 10: 3 الخ ص 41: 7 وإرميا 10: 4

فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ ٱللّٰهَ سأل النبي هذه السؤال ثم ذكر جواب الوثنيين لسؤاله وأبان غباوة الذين يشبهون الله بأصنامهم. وذكر نوعين من الأصنام الواحد من معدن مغشى بالذهب والثاني من الخشب لكون صانعه فقيراً. فيظهر من المقابلة بين الرب والأصنام.

  1. إن الرب واحد والأصنام كثيرة.

  2. الرب صنع كل شيء والأصنام صنعة أيدي الناس.

  3. إن الرب قادر على كل شيء والأصنام تحتاج إلى أن تُنصب وتُربط بسلاسل لئلا تتزعزع.

  4. إن الرب منذ الأزل وإلى الأبد والصنم ولو كان من المعدن أو من الخشب لا يأكله السوس له نهاية كما له بداءة.

21 «أَلاَ تَعْلَمُونَ؟ أَلاَ تَسْمَعُونَ؟ أَلَمْ تُخْبَرُوا مِنَ ٱلْبَدَاءَةِ؟ أَلَمْ تَفْهَمُوا مِنْ أَسَاسَاتِ ٱلأَرْضِ؟».

مزمور 19: 1 وأعمال 14: 17 ورومية 1: 19 و20

أَلاَ تَعْلَمُونَ كأن النبي لم يقدر أن يضبط نفسه فيقول لماذا نكثر الكلام في عظمة الله وبطل الأصنام فإن جميع الناس حتى الجهال يعرفون هذا الأمر. ألا تعلمون وأنتم شعب الله الخاص. ومصادر معرفتهم:

  1. إعلانات الرب المتضمنة في الكتب المقدسة وموضوع هذه الإعلانات أعمال الله منذ البداءة أي من حين وضع أساسات الأرض وصاعداً.

  2. الخليقة والوثنيون أيضاً يجب أن يعرفوا الله من المصنوعات (رومية 1: 20).

22 «ٱلْجَالِسُ عَلَى كُرَةِ ٱلأَرْضِ وَسُكَّانُهَا كَٱلْجُنْدُبِ. ٱلَّذِي يَنْشُرُ ٱلسَّمَاوَاتِ كَسَرَادِقَ، وَيَبْسُطُهَا كَخَيْمَةٍ لِلسَّكَنِ».

أيوب 9: 8 ومزمور 104: 2 وص 42: 5 و44: 24 و51: 13 وإرميا 10: 12

كُرَةِ ٱلأَرْضِ الفلك كنصف كرة أو قبة والله جالس في أعلاه.

وَسُكَّانُهَا كَٱلْجُنْدُبِ كأصغر شيء وأضعف شيء من المخلوقات.

كَسَرَادِقَ غطاء من نسيج ناعم فوق الخيمة (وفي كتب اللغة العربية الفسطاط الذي يمد فوق صحن البيت).

كَخَيْمَةٍ أي السماوات وهي أعظم ما نراه من المخلوقات هي كخيمة عند الناس.

23 - 25 «23 ٱلَّذِي يَجْعَلُ ٱلْعُظَمَاءَ لاَ شَيْئاً، وَيُصَيِّرُ قُضَاةَ ٱلأَرْضِ كَٱلْبَاطِلِ. 24 لَمْ يُغْرَسُوا بَلْ لَمْ يُزْرَعُوا وَلَمْ يَتَأَصَّلْ فِي ٱلأَرْضِ سَاقُهُمْ. فَنَفَخَ أَيْضاً عَلَيْهِمْ فَجَفُّوا، وَٱلْعَاصِفُ كَٱلْعَصْفِ يَحْمِلُهُمْ. 25 فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي فَأُسَاوِيهِ؟ يَقُولُ ٱلْقُدُّوسُ».

أيوب 12: 21 ومزمور 107: 40 تثنية 4: 15 الخ وع 18

كان النبي قابل الرب بالخليقة والأمم والأصنام وهنا قابله بالعظماء كالملوك الذين في القديم كان لهم من السلطة والمجد أكثر ما يمكن لبني البشر.

لَمْ يُغْرَسُوا المعنى (1) أن الملوك بشر فيموتون وممالكهم أيضاً تخرب كالأشوريين والكلدانيين.

(2) الملوك لا يقدرون أن يقاوموا الرب ولا يجروا مقاصدهم بل هم كالعصف تحمله الريح.

ٱلْقُدُّوسُ معنى هذه الكلمة الأصلي «المفروز وحده» أي لا أحد يساويه بالقدرة والمجد والقداسة.

26 «ٱرْفَعُوا إِلَى ٱلْعَلاَءِ عُيُونَكُمْ وَٱنْظُرُوا، مَنْ خَلَقَ هٰذِهِ؟ مَنِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ بِعَدَدٍ جُنْدَهَا، يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ؟ لِكَثْرَةِ ٱلْقُوَّةِ وَكَوْنِهِ شَدِيدَ ٱلْقُدْرَةِ لاَ يُفْقَدُ أَحَدٌ».

مزمور 147: 4

ٱرْفَعُوا إِلَى ٱلْعَلاَءِ النجوم مشبهة بجند والرب قائدهم. وعدد النجوم ونظامها وحركاتها فوق إدراك البشر وكلما تقدم الناس في علم الفلك يزدادون عجباً من عظمة الخالق ولا شك أن المسبيين في بابل تذكروا هذا الكلام وكانوا يتعزون به كلما رفعوا عيونهم إلى العلاء. لم يروا على الأرض إلا شدة وضيقاً. لم يروا رجاء ولا تعزية ولكم كلمتهم نجوم السماء وقالت لهم إن الله موجود ولا يتغير وهو يرى كل شيء وهو القادر على كل شيء. وهذه النجوم التي كان أهل بابل يعبدونها هي خلائق الله وكلها في يده.

يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ بواسطة المرقب (النظارة الفلكية) تُرى نجوم كثيرة لا تُرى بالعين وحدها وصنع حديثاً مرقب عظيم جداً كشف عن ستين ألف نجم لم تُر سابقاً. فما أعظم عدد النجوم كلها لا يقدر أحد أن يعدها ولا يُعطي كلا منها اسماً ولكن الرب يدعوها بأسماء. فكم بالحري يعرف كل بني البشر أفراداً ويدعو كلاً منهم باسمه (يوحنا 10: 3).

27 «لِمَاذَا تَقُولُ يَا يَعْقُوبُ وَتَتَكَلَّمُ يَا إِسْرَائِيلُ: قَدِ ٱخْتَفَتْ طَرِيقِي عَنِ ٱلرَّبِّ وَفَاتَ حَقِّي إِلٰهِي؟».

يَعْقُوبُ... إِسْرَائِيلُ بمعنى واحد.

ٱخْتَفَتْ طَرِيقِي أي حياتهم ومصائبهم وضيقاتهم فظنوا أن الرب لا يعرف أو أنه لا يهتم بهم فيقول لهم النبي إن الذي يوقد جيوش السماء يقدر أن يخلص شعبه من جيوش بابل والذي يدعو النجوم بأسماء فلا يُفقد أحد هو يعرف أحوال شعبه ولا ينسى أحداً منهم.

وَفَاتَ حَقِّي إِلٰهِي كانوا مظلومين في بابل ولا أحد سأل عنهم أو قضى لهم ومن ضعف إيمانهم ظنوا الرب أيضاً تركهم.

28 «أَمَا عَرَفْتَ أَمْ لَمْ تَسْمَعْ؟ إِلٰهُ ٱلدَّهْرِ ٱلرَّبُّ خَالِقُ أَطْرَافِ ٱلأَرْضِ لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَعْيَا. لَيْسَ عَنْ فَهْمِهِ فَحْصٌ».

مزمور 147: 5 ورومية 11: 33

لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَعْيَا الناس يكلون من طول الزمان وظهر لليهود بعد مرور سبعين سنة أن الرب كلّ فلم يحبهم ولا اعتنى بهم كما في القديم. والناس يعيون من عظمة العمل وظهر لليهود أن الخلاص من العبودية والرجوع إلى أورشليم صارا من الأمور المستحيلة.

لَيْسَ عَنْ فَهْمِهِ فَحْصٌ لم يقدر بنو إسرائيل أن يدركوا أعمال الله ولا أن يفهموا مقاصده في تأديبهم فلا يجب أن يشكوا في قدرته وحكمته ومحبته.

29 «يُعْطِي ٱلْمُعْيِيَ قُدْرَةً وَلِعَدِيمِ ٱلْقُوَّةِ يُكَثِّرُ شِدَّةً».

يُعْطِي ٱلْمُعْيِيَ الرب لا يخلص شعبه كمن يحمل طفلاً بلا عمل منهم بل يعطيهم قدرة وشدة فيمشون. وهكذا منتظرو الرب يجددون قوة لأن الرب لا يعمل لهم فقط بل أيضاً يعمل فيهم. إن الرب قادر على كل شيء فالذين ينتظرونه يستطيعون كل شيء بقوّته. ويجددون قوة لأن القوة الروحية تشبه القوة الجسدية لأنها إن لم تتجدد تفنى. وكما أن التجارب التي تصيب المؤمنين تتجدد يومياً كذلك يحتاجون تجديد القوة يومياً.

30، 31 «30 اَلْغِلْمَانُ يُعْيُونَ وَيَتْعَبُونَ، وَٱلْفِتْيَانُ يَتَعَثَّرُونَ تَعَثُّراً. 31 وَأَمَّا مُنْتَظِرُو ٱلرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَٱلنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ، يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ».

مزمور 103: 5

إن الله أعلن لشعبه المستقبل البعيد فكانوا ينظرون إليه كما ينظر الناس إلى جبل بعيد عنهم بينهم وبينه أودية عميقة جداً فلا يصل إليه إلا النسور.

يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَٱلنُّسُورِ يشير إلى إيمانهم الذي به ينظرون المواعيد ويصدقونها ويحيّونها.

يَرْكُضُونَ يدل على غيرتهم لأنهم يقدمون أنفسهم لخدمة الله من كل قلوبهم وبأعمالهم وصلواتهم يطلبون سرعة مجيء الرب. وهذه الغيرة ليست وقتية لأنهم لا يتعبون.

يَمْشُونَ يدل على الثبات لأن الإيمان الحي والغيرة الحقيقية يظهران في الأمانة والاجتهاد في تتميم الواجبات الصغيرة واليومية وذلك على الدوام. فالثبات في الإيمان والغيرة تكملة ما يُطلب من كل مسيحي.

فوائد للوعاظ

عزوا عزوا شعبي يقول الرب (ع 1)

  1. شروط التعزية وهي ترك الخطية والاعتراف بها والصلاة فلا يعزينا الرب إلا تحت هذه الشروط.

  2. وسائط التعزية. وهي أصدقاؤنا ومرشدونا في الرب ومطالعة الكتاب المقدس وفعل الروح القدس في قلوبنا.

  3. نتائج التعزية. وهي الفرح والشكر وزيادة الغيرة في خدمة الرب وتعزية المحزونين.

كراع يرعى قطيعه (ع 11)

  1. يحب قطيعه. وهو خاصته «أَنَا لِحَبِيبِي وَإِلَيَّ ٱشْتِيَاقُهُ» (نشيد الأنشاد 7: 10).

  2. يرعى قطيعه. في مراع خضر. يقدم لهم نفسه وهو خبز الحياة.

  3. يقود قطيعه. بتعليمه وقدوته وروحه.

  4. يحامي عن قطيعه. لا ينعس ولا ينام. وهو القدير.

  5. يطلب ويخلص الضالين.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلأَرْبَعُونَ

مضمونه:

النبي يقوّي إيمان اليهود بالله دون الاتكال على الأصنام فيتنبأ بنهوض كورش ويبين أن الله أنهضه ونصره. والكلام على سبيل محاكمة شرعية والرب يستدعي عبدة الأصنام كأنه للمبارزة ويطلب منهم أن يخبروا بما سيعرض أو يعملوا شيئاً. والرب يؤكد لليهود أنه يكون معهم ويحفظهم ويعتني بهم.

1 «اُنْصُتِي إِلَيَّ أَيَّتُهَا ٱلْجَزَائِرُ وَلْتُجَدِّدِ ٱلْقَبَائِلُ قُوَّةً. لِيَقْتَرِبُوا ثُمَّ يَتَكَلَّمُوا. لِنَتَقَدَّمْ مَعاً إِلَى ٱلْمُحَاكَمَةِ».

زكريا 2: 13

اُنْصُتِي إِلَيَّ لأن الكلام في موضوع مهم وإن لم ينصتوا لا يقدرون أن يجاوبوا. قال لاهوتي إنه في كل مناظرة يُطلب أولاً إدراك موضوعها وكثيراً ما يكون الاختلاف من سوء الفهم فحين يدرك كل من الطرفين ما هو موضوع المناظرة يزول الاختلاف.

أَيَّتُهَا ٱلْجَزَائِرُ البلاد البعيدة في البحر أو عبر البحر ولا سيما البلاد التي في جهة الغرب.

لْتُجَدِّدِ ٱلْقَبَائِلُ قُوَّةً طلبهم الرب للمحاكمة فكان عليهم أن يثبتوا ادعاءهم أن لآلهتهم شيئاً من صفات الله كالقدرة والحكمة غير المحدودة والمعرفة بالمستقبل فقال لهم تهكماً أن يجددوا قوتهم استعداداً لهذه المحاكمة.

2 «مَنْ أَنْهَضَ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ ٱلَّذِي يُلاَقِيهِ ٱلنَّصْرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ؟ دَفَعَ أَمَامَهُ أُمَماً وَعَلَى مُلُوكٍ سَلَّطَهُ. جَعَلَهُمْ كَٱلتُّرَابِ بِسَيْفِهِ وَكَالْقَشِّ ٱلْمُنْذَرِي بِقَوْسِهِ».

ص 46: 11 تكوين 14: 14 الخ وع 25 وص 45: 1

كورش هو الإنسان الذي أنهضه الله من المشرق. غير أن اليهود في أيامنا يقولون هو إبراهيم. ومما يدل على أن كورش هو المشار إليه هنا:

  1. إنه أتى من المشرق.

  2. إن كلام هذه النبوءة يطابق ما قيل في كورش في (ص 44: 28 و45: 1 - 3).

  3. إن كل ما ذُكر هنا يطابق صفات كورش وتاريخ حياته.

  4. إن كورش هو الذي أطلق اليهود من سبي بابل ولذلك ذكره هنا يناسب غاية النبي.

وكورش كان ابن كمبيس وكانت أمه بنت ملك مادي وأخت داريوس المادي وقد جمع في شخصه قوة مملكتي فارس ومادي. وافتتح مملكة ليدية في أسيا الصغرى وبابل وصار أعظم ملك في العالم. واشتهر بالشجاعة والسرعة في الحرب والحكمة والعدل والكرامة وله اعتبار خاص في الكتاب المقدس لأن الرب استعمله كآلة في إرجاع شعبه من بابل كما استخدم نبوخذنصر في سبيهم.

ٱلَّذِي يُلاَقِيهِ ٱلنَّصْرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ أي عند كل خطوة في سيره. قال كورش في آخر حياته إنه لم يبتدئ في عمل ما إلا نجح فيه.

3 «طَرَدَهُمْ. مَرَّ سَالِماً فِي طَرِيقٍ لَمْ يَسْلُكْهُ بِرِجْلَيْهِ».

مَرَّ سَالِماً كانت حروب كورش ذات خسارة قليلة لنفسه لأنه بالحكمة كان يميز الفرصة المناسبة ويستغنمها ومثال ذلك فتوح مدينة بابل.

طَرِيقٍ لَمْ يَسْلُكْهُ بِرِجْلَيْهِ أي دخل بلاداً لم يعرفها سابقاً واستعمل وسائط جديدة في حروبه كصعوده إلى مدينة سردس في طريق يُظن أنها لا تُعبر ولذلك كانت بلا حراس. ودخوله إلى بابل في طريق النهر وأما البعض فيفهمون أن سير كورش كان بسرعة كسير الطيور (انظر دانيال 8: 5) «إِذَا بِتَيْسٍ مِنَ ٱلْمَعْزِ جَاءَ مِنَ ٱلْمَغْرِبِ عَلَى وَجْهِ كُلِّ ٱلأَرْضِ وَلَمْ يَمَسَّ ٱلأَرْضَ».

4 «مَنْ فَعَلَ وَصَنَعَ دَاعِياً ٱلأَجْيَالَ مِنَ ٱلْبَدْءِ؟ أَنَا ٱلرَّبُّ ٱلأَوَّلُ، وَمَعَ ٱلآخِرِينَ أَنَا هُوَ».

ع 26 وص 44: 7 و46: 10 ص 43: 10 و44: 6 و48: 12 ورؤيا 1: 17 و22: 13

مَنْ فَعَلَ وَصَنَعَ الرب هو الذي دفع الأمم أمام كورش وكورش نفسه أقر بذلك (عزرا 1: 2).

دَاعِياً ٱلأَجْيَالَ الرب سبق فعيّن كل ما يحدث فيعرف كل ما سيحدث. وعند الوثنين إن أحسن دليل على الألوهية هو الخبر بالحوادث المستقبلة.

ٱلأَوَّلُ وَمَعَ ٱلآخِرِينَ الرب منذ الأزل وإلى الأبد فلم يكن أحد قبله ولا يكون أحد بعده (رؤيا 1: 8 «أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ، ٱلْبِدَايَةُ وَٱلنِّهَايَةُ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱلْكَائِنُ وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَأْتِي»).

5 «نَظَرَتِ ٱلْجَزَائِرُ فَخَافَتْ. أَطْرَافُ ٱلأَرْضِ ٱرْتَعَدَتِ. ٱقْتَرَبَتْ وَجَاءَتْ».

نَظَرَتِ ٱلْجَزَائِرُ فَخَافَتْ قيل أن كيرسس ملك سردس وهو أول ملك في العالم في الغنى والقدرة خاف عندما سمع خبر كورش وأرسل رسلاً وامتحن أشهر الأصنام في العالم بسؤال عن حادثة مستقبلة وعند حدوث هذه الحادثة وجد أن الجواب الذي أتاه من دلفي في بلاد اليونان كان أقرب الكل فأرسل إلى دلفي هدايا ثمينة وطلب إفادة في أمر كورش وأتاه هذا الجواب «إذا حاربت تسقط مملكة. وأنت تنكسر حين يجلس بعل على عرش مادي». وفهم كيرسس أن مملكة فارس ستسقط وهو لا ينكسر أبداً. ولكن مملكته سقطت وجلس كورش على عرش مادي وهو من أصل خليط لأن أباه من فارس وأمه من مادي. فيظهر من هذه الحادثة:

  1. إن الأمم كانوا خائفين من كورش.

  2. إنهم كانوا يفتشون عن الإله الحقيقي.

  3. إنهم كانوا يعتبرون الخبر بالأمور المستقبلة برهاناً على صدق ادعاء الألوهية.

ٱقْتَرَبَتْ وَجَاءَتْ كانت ليدية وبابل ومصر أعظم الممالك في زمان كورش فاقتربت وجاءت أي اتحدت لمقاومة كورش.

6، 7 «6 كُلُّ وَاحِدٍ يُسَاعِدُ صَاحِبَهُ وَيَقُولُ لأَخِيهِ: تَشَدَّدْ. 7 فَشَدَّدَ ٱلنَّجَّارُ ٱلصَّائِغَ. ٱلصَّاقِلُ بِٱلْمِطْرَقَةِ ٱلضَّارِبَ عَلَى ٱلسَّنْدَانِ، قَائِلاً عَنِ ٱلإِلْحَامِ: هُوَ جَيِّدٌ. فَمَكَّنَهُ بِمَسَامِيرَ حَتَّى لاَ يَتَقَلْقَلَ!».

ص 40: 19 و44: 12 ص 40: 19 ص 40: 20

استعداد أهل الجزائر لمحاربة كورش الذي أنهضه الرب. واستعدادهم هو صنعهم أصناماً جديدة فكان دليلاً على أنهم كانوا قد امتحنوا الأصنام التي عندهم فوجدوها باطلة.

8 «وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِسْرَائِيلُ عَبْدِي، يَا يَعْقُوبُ ٱلَّذِي ٱخْتَرْتُهُ، نَسْلَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِي».

تثنية 7: 6 و10: 15 و14: 2 ومزمور 135: 4 وص 43: 1 و44: 1 و2أيام 20: 7 ويعقوب 2: 23

أَمَّا أَنْتَ يَا إِسْرَائِيلُ الجزائر خافت لأن اتكالها على الأصنام وأما إسرائيل فاتكاله على الرب.

عَبْدِي لا يدل هذا اللقب على الاحتقار بل أن إسرائيل خاصة الرب فيعتني الرب به. ولما كانوا عبيداً لملك بابل تعزّوا بقول الرب أنهم بالحقيقة عبيده وعبوديتهم في بابل وقتية ويعلم الرب فيدعوهم ويأخذهم.

إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِي الله تكلم مع إبراهيم كما يتكلم الإنسان مع صديقه وأظهر له بعض مقاصده وباركه وأعطاه مواعيد. وإبراهيم استحق هذا الاسم نظراً إلى طاعته وإدراكه الحقائق الروحية وقبوله المواعيد بالإيمان. ونستنتج أن لنسل الأتقياء بركات خصوصية وعليهم مسؤولية خصوصية.

9 «ٱلَّذِي أَمْسَكْتُهُ مِنْ أَطْرَافِ ٱلأَرْضِ، وَمِنْ أَقْطَارِهَا دَعَوْتُهُ، وَقُلْتُ لَكَ: أَنْتَ عَبْدِي. ٱخْتَرْتُكَ وَلَمْ أَرْفُضْكَ».

ٱلَّذِي أَمْسَكْتُهُ أولاً الرب أمسك إبراهيم ودعاه من أور الكلدانيين ثم أمسك نسله ودعاهم من مصر وهنا يعدهم بأنه يمسكهم ويدعوهم من بابل.

لَمْ أَرْفُضْكَ تعزية لليهود في بابل الذين كانوا حسب الظاهر مرفوضين من إلههم.

10 «لاَ تَخَفْ لأَنِّي مَعَكَ. لاَ تَتَلَفَّتْ لأَنِّي إِلٰهُكَ. قَدْ أَيَّدْتُكَ وَأَعَنْتُكَ وَعَضَدْتُكَ بِيَمِينِ بِرِّي».

ع 13 و14 وص 43: 5 تثنية 31: 6 و8

لاَ تَتَلَفَّتْ لا تصرف وجهك إلى آخر بل انظر إلى الرب وحده لأنه إلهك (انظر تثنية 31: 8) «وَٱلرَّبُّ سَائِرٌ أَمَامَكَ. هُوَ يَكُونُ مَعَكَ. لاَ يُهْمِلُكَ وَلاَ يَتْرُكُكَ. لاَ تَخَفْ وَلاَ تَرْتَعِبْ».

قَدْ أَيَّدْتُكَ عبّر عن المستقبل بالماضي تحقيقاً وتوكيداً لأن مواعيد الله ثابتة فهي كأنها مضت.

بِيَمِينِ بِرِّي يمين الرب تشير إلى قوته الظاهرة بأعماله وبرّ الرب يشير إلى المطابقة بين أعماله ومواعيده أي كما وعد هكذا فعل.

11 - 13 «11 إِنَّهُ سَيَخْزَى وَيَخْجَلُ جَمِيعُ ٱلْمُغْتَاظِينَ عَلَيْكَ. يَكُونُ كَلاَ شَيْءٍ مُخَاصِمُوكَ وَيَبِيدُونَ. 12 تُفَتِّشُ عَلَى مُنَازِعِيكَ وَلاَ تَجِدُهُمْ. يَكُونُ مُحَارِبُوكَ كَلاَ شَيْءٍ وَكَالْعَدَمِ. 13 لأَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ ٱلْمُمْسِكُ بِيَمِينِكَ، ٱلْقَائِلُ لَكَ: لاَ تَخَفْ. أَنَا أُعِينُكَ».

خروج 23: 22 وص 45: 24 و60: 12 وزكريا 12: 3 ع 10

ذُكر أربعة أنواع من الأعداء «المغتاظون... مخاصموك... منازعوك... محاربوك» وكل نوع أقوى مما قبله فالقول يشمل جميع الأعداء ولا أحد في زمان السبي تصور أن شعباً ضعيفاً كشعب اليهود يبقى حتى يفتش عن البابليين ولا يجدهم.

ٱلْمُمْسِكُ بِيَمِينِكَ يدل على ضعف إسرائيل كأنه ولد صغير لا يقدر أن يمشي وحده ويدل أيضاً على محبة الله الأبوية وهو كأب حنون يمسك بيمين ابنه الصغير.

14 «لاَ تَخَفْ يَا دُودَةَ يَعْقُوبَ، يَا شِرْذِمَةَ إِسْرَائِيلَ. أَنَا أُعِينُكَ يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَفَادِيكَ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ».

دُودَةَ يَعْقُوبَ عبارة تشير إلى ضعف اليهود وعدم استحقاقهم. قال الرب (حزقيال 36: 22) «لَيْسَ لأَجْلِكُمْ أَنَا صَانِعٌ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، بَلْ لأَجْلِ ٱسْمِي ٱلْقُدُّوسِ» وكلمة «شرذمة» تشير إلى قلة عددهم. وظهرت قوة الله باستعماله آلة ضعيفة لأن قوته تكمل في ضعف الإنسان.

وَفَادِيكَ معنى كلمة فادي بالعبراني «الذي يفك المبيع» (لاويين 25: 25) «إِذَا ٱفْتَقَرَ أَخُوكَ فَبَاعَ مِنْ مُلْكِهِ، يَأْتِي وَلِيُّهُ ٱلأَقْرَبُ إِلَيْهِ وَيَفُكُّ مَبِيعَ أَخِيهِ» والولي هو الفادي. والكلمة تفيد أيضاً الذي يخلص من الخطية وهذا الفادي هو قدوس إسرائيل ونعرف من العهد الجديد أنه الأقنوم الثاني أي يسوع المسيح. وكل خاطئ كمبيع لإبليس فينظر إلى المسيح الفادي الإله التام والإنسان التام والقريب منه كما نظر اليهودي الفقير إلى وليه الأقرب ليخلصه.

15 «هَئَنَذَا قَدْ جَعَلْتُكَ نَوْرَجاً مُحَدَّداً جَدِيداً ذَا أَسْنَانٍ. تَدْرُسُ ٱلْجِبَالَ وَتَسْحَقُهَا وَتَجْعَلُ ٱلآكَامَ كَٱلْعُصَافَةِ».

ميخا 4: 13 و2كورنثوس 1: 4 و5

الدودة يعقوب صار نورجاً. فالوعد هو أن إسرائيل سيغلب كل الصعوبات بقوة الرب ومنها:

  1. الإذن من الملك بالرجوع من بابل فلا يقدر أحد أن يتصور أنه يقوم ملك مثل كورش يأذن لهم بالرجوع ويعطيهم آنية بيت الرب ومالاً للنفقة.

  2. السفر في القفر ومعهم هذه الآنية الثمينة وليس معهم عساكر يحامون عنهم.

  3. مقاومة أهل البلاد للذين بنوا الهيكل وأقاموا أسوار أورشليم ومن هذه الصعوبات التي كانت كالجبال أنقذهم الرب.

16 «تُذَرِّيهَا فَٱلرِّيحُ تَحْمِلُهَا وَٱلْعَاصِفُ تُبَدِّدُهَا، وَأَنْتَ تَبْتَهِجُ بِٱلرَّبِّ. بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ تَفْتَخِرُ».

إرميا 51: 2 ص 45: 25

تُذَرِّيهَا فَٱلرِّيحُ تَحْمِلُهَا إسرائيل عمل والريح عملت أي لم يخلصوا من الصعوبات إلا بواسطة تعبهم وبواسطة عناية الله أيضاً.

وَأَنْتَ تَبْتَهِجُ بِٱلرَّبِّ يكون الابتهاج بعد الصعوبات والضيقات ويكون بالشرط أنهم قد تمموا كل واجباتهم ويكون بالرب لأن الكل منه وهو الذي عمل فيهم ولأجلهم. وهذا الوعد يشبه وعد المسيح لجميع المؤمنين (متّى 17: 20) «لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهٰذَا ٱلْجَبَلِ: ٱنْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ». ولا يطلب شعب الله وضع أعدائهم تحت نورج حديد كأعداء داود (2صموئيل 12: 31) بل يطلبون ملاشاة الكفر والأديان الفاسدة وجميع الخطايا وخلاص جميع الخطاة.

17 - 20 «17 اَلْبَائِسُونَ وَٱلْمَسَاكِينُ طَالِبُونَ مَاءً وَلاَ يُوجَدُ. لِسَانُهُمْ مِنَ ٱلْعَطَشِ قَدْ يَبِسَ. أَنَا ٱلرَّبُّ أَسْتَجِيبُ لَهُمْ. أَنَا إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ لاَ أَتْرُكُهُمْ. 18 أَفْتَحُ عَلَى ٱلْهِضَابِ أَنْهَاراً، وَفِي وَسَطِ ٱلْبِقَاعِ يَنَابِيعَ. أَجْعَلُ ٱلْقَفْرَ أَجَمَةَ مَاءٍ، وَٱلأَرْضَ ٱلْيَابِسَةَ مَفَاجِرَ مِيَاهٍ. 19 أَجْعَلُ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ ٱلأَرْزَ وَٱلسَّنْطَ وَٱلآسَ وَشَجَرَةَ ٱلزَّيْتِ. أَضَعُ فِي ٱلْبَادِيَةِ ٱلسَّرْوَ وَٱلسِّنْدِيَانَ وَٱلشَّرْبِينَ مَعاً. 20 لِيَنْظُرُوا وَيَعْرِفُوا وَيَتَنَبَّهُوا وَيَتَأَمَّلُوا مَعاً أَنَّ يَدَ ٱلرَّبِّ فَعَلَتْ هٰذَا وَقُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ أَبْدَعَهُ».

ص 35: 6 و7 و43: 19 و44: 3 مزمور 107: 35 أيوب 12: 9

البائسون والمساكين هم بنو إسرائيل والمساكين بالروح والحزانى والودعاء والجياع والعطاش إلى البر في كل عصر.

طَالِبُونَ مَاءً أي متضايقون ومذلون مدة السبي ويحتاجون إلى كل شيء وليس إلى الماء فقط. ووعد الرب لهم بينابيع ماء وأشجار متنوعة كناية عن كل الخيرات. وغايته أنهم يلتفتون إليه ويعرفون أن قدوس إسرائيل أبدعه. وما يدل على أن الكلام هنا مجاز القول في (ص 44: 3) «أَسْكُبُ مَاءً عَلَى ٱلْعَطْشَانِ وَسُيُولاً عَلَى ٱلْيَابِسَةِ. أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى نَسْلِكَ» أي الماء كناية عن الروح. و«شجرة الزيت» غير الزيتون وغير معروفة.

21 - 24 «21 قَدِّمُوا دَعْوَاكُمْ يَقُولُ ٱلرَّبُّ. أَحْضِرُوا حُجَجَكُمْ يَقُولُ مَلِكُ يَعْقُوبَ. 22 لِيُقَدِّمُوهَا وَيُخْبِرُونَا بِمَا سَيَعْرِضُ. مَا هِيَ ٱلأَوَّلِيَّاتُ؟ أَخْبِرُوا فَنَجْعَلَ عَلَيْهَا قُلُوبَنَا وَنَعْرِفَ آخِرَتَهَا، أَوْ أَعْلِمُونَا ٱلْمُسْتَقْبِلاَتِ. 23 أَخْبِرُوا بِٱلآتِيَاتِ فِيمَا بَعْدُ فَنَعْرِفَ أَنَّكُمْ آلِهَةٌ، وَٱفْعَلُوا خَيْراً أَوْ شَرّاً فَنَلْتَفِتَ وَنَنْظُرَ مَعاً. 24 هَا أَنْتُمْ مِنْ لاَ شَيْءٍ، وَعَمَلُكُمْ مِنَ ٱلْعَدَمِ. رِجْسٌ هُوَ ٱلَّذِي يَخْتَارُكُمْ».

ص 45: 21 ص 42: 9 و44: 7 و8 و45: 3 ويوحنا 13: 19 إرميا 10: 5 مزمور 115: 8 وص 44: 9 و1كورنثوس 8: 4

في الأول قال الرب للأوثان انصتوا فذكر من الأمور المستقبلة نهوض كورش وخلاص اليهود. وهنا يقول لهم أن يقدموا دعواهم فيخبروا هم أيضاً بما سيعرض.

مَلِكُ يَعْقُوبَ يظهر من أسماء بعض الأصنام أن عبدتها اعتبروها كملوك. مثل مولك أو ملكوم إله العمونيين وأدرملك إله لسفروايم وبعل. والرب أخذ لنفسه هذا الاسم لأنه إله يعقوب وملكه الحقيقي.

مَا هِيَ ٱلأَوَّلِيَّاتُ المعنى على الأرجح أن الرب يطلب من عبدة الأصنام أن يدلوا على نبوءات سابقة عندهم فنقابل بالحوادث الواقعة فتُعرف صحة النبوءات أو بطلها.

أَوْ أَعْلِمُونَا ٱلْمُسْتَقْبِلاَتِ أي يجوز لهم أن يقدموا في الوقت الحاضر نبوءة بما سيحدث.

وَٱفْعَلُوا خَيْراً أَوْ شَرّاً أي الأصنام لا تقدر أن تعمل خيراً فنرجوه ولا شراً فنخاف منه ونتصور أن المتكلم توقف هنا وانتظر جواباً من عبدة الأصنام فلم يتكلموا ثم يقول (ع 24) «هَا أَنْتُمْ مِنْ لاَ شَيْءٍ».

رِجْسٌ هُوَ ٱلَّذِي يَخْتَارُكُمْ نعرف من التواريخ ومن أحوال الوثنيين في أيامنا أن عبدة الأصنام يصيرون مثل أصنامهم. مثلاً كان لليونان القدماء إله للسكر وآلهة للزنى وللوثنيين في الهند إله القتل ومن واجبات عبدة هذه الآلهة أن يسكروا ويزنوا ويقتلوا الخ.

25 «قَدْ أَنْهَضْتُهُ مِنَ ٱلشِّمَالِ فَأَتَى. مِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ يَدْعُو بِٱسْمِي. يَأْتِي عَلَى ٱلْوُلاَةِ كَمَا عَلَى ٱلْمِلاَطِ وَكَخَزَّافٍ يَدُوسُ ٱلطِّينَ».

عزرا 1: 2 ع 2

وبعدما خجل عبدة الأصنام من عدم معرفة أصنامهم وعدم قدرتها ثبت الرب ألوهيته بأمرين أولهما أنه عرف كل ما سيحدث وعنده ما سيحدث بعد مئة سنة كما سيحدث غداً. وثانيهما أنه يصنع كل ما يحدث وهو الذي سينهض كورش ويقول «أنهضته» بصيغة الماضي لأن حدوثه لا بد منه.

أَنْهَضْتُهُ مِنَ ٱلشِّمَالِ بلاد فارس إلى جهة الشرق من بابل وبلاد مادي إلى جهة الشمال الشرقي فيجوز القولان أن كورش أتى من الشمال وإنه من الشرق يدعو باسم الرب.

يَدْعُو بِٱسْمِي (عزرا 1: 1 - 4) اعترف كورش بأن الرب هو إله السماء وأنه دفع له جميع ممالك الأرض مع ذلك لم يزل يعبد الأصنام كما يظهر من كتابة قديمة في بابل فيها يقول كورش أن إلهه مردوخ نصره على بابل أي أن كورش اعتبر جميع الآلهة من كل الأديان.

كَمَا عَلَى ٱلْمِلاَطِ كانوا قديماً يجبلون الملاط أي الطين بأرجلهم. و«الولاة» هم استياجس ملك مادي وكيرسس ملك ليدية ونابونيدس ملك بابل. وعاملهم كورش باللطف ولكنهم انحطوا وصاروا كالطين المدوس إذ سقطوا عن سلطتهم كملوك.

26 - 29 «26 مَنْ أَخْبَرَ مِنَ ٱلْبَدْءِ حَتَّى نَعْرِفَ، وَمِنْ قَبْلٍ حَتَّى نَقُولَ: هُوَ صَادِقٌ؟ لاَ مُخْبِرٌ وَلاَ مُسْمِعٌ وَلاَ سَامِعٌ أَقْوَالَكُمْ. 27 أَنَا أَوَّلاً قُلْتُ لِصِهْيَوْنَ: هَا! هَا هُمْ وَلأُورُشَلِيمَ جَعَلْتُ مُبَشِّراً. 28 وَنَظَرْتُ فَلَيْسَ إِنْسَانٌ، وَمِنْ هٰؤُلاَءِ فَلَيْسَ مُشِيرٌ حَتَّى أَسْأَلَهُمْ فَيَرُدُّونَ كَلِمَةً. 29 هَا كُلُّهُمْ بَاطِلٌ، وَأَعْمَالُهُمْ عَدَمٌ وَمَسْبُوكَاتُهُمْ رِيحٌ وَخَلاَءٌ».

ص 43: 9 ع 4 ص 40: 9 ص 69: 5 ع 24

حَتَّى نَعْرِفَ المتكلمون هم الرب وشعبه.

حَتَّى نَقُولَ: هُوَ صَادِقٌ لو أخبر أحد الأصنام بالمستقبلات لكان عبدة الرب صدقوا واعترفوا بألوهيته.

وَلاَ سَامِعٌ أَقْوَالَكُمْ أي لا أحد من الأصنام يُسمع ولا يسمع أقوال عبدته.

هَا! هَا هُمْ أي الراجعون من السبي والمعنى أن الله وحده أخبر أن بني إسرائيل سيرجعون وهو وحده جُعل لهم مبشراً والمبشر هو إشعياء أو إرميا أو دانيال (دانيال 9: 2 وفهمت من الكتب عدد السنين التي كانت عنها كلمة الرب إلى إرميا النبي).

لَيْسَ إِنْسَانٌ ليس نبي ولا أحد من الآلهة يقول شيئاً ولعدم إجابتهم الدعوة وقع عليهم الحكم بأنهم باطل وأعمالهم عدم.

فوائد للوعاظ

ماء في القفر (ع 18)

  1. قفر الخطية. ينبوع مفتوح للخطية والنجاسة (زكريا 13: 1). «دَمُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (1يوحنا 1: 7).

  2. قفر الحزن. انظر نبأ هاجر (تكوين 21: 19) «وَفَتَحَ ٱللّٰهُ عَيْنَيْهَا فَأَبْصَرَتْ بِئْرَ مَاءٍ». كانت مطرودة من الناس والله وجدها وعزاها. للحزانى تعزية من الكتاب المقدس وفي الصلاة.

  3. قفر الوحدة. وعد الله مواعيد خاصة للأرامل واليتيم والغريب فيقترب إلينا حين يبتعد الناس عنا.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلأَرْبَعُونَ

مضمون هذا الأصحاح عبد الرب وخلاص شعب الله والاسم «عبد الرب» مخصص أولاً للمسيح (ع 1 - 17) ثم الصعوبات الواقعة في طريق هذا الخلاص منها عدم إيمان إسرائيل وهو عبد الرب في هذا القسم من الأصحاح (ع 18 - 25).

1 «هُوَذَا عَبْدِي ٱلَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي ٱلَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ ٱلْحَقَّ لِلأُمَمِ».

ص 43: 10 و49: 3 و6 و52: 13 و53: 11 ومتّى 12: 18 و19 و20 وفيلبي 2: 7 متّى 3: 17 و17: 5 وأفسس 1: 6 ص 11: 2 ويوحنا 3: 34

هُوَذَا عَبْدِي النبي استدعى نظر العالم من اليهود والأمم إلى الكلام الآتي فإنه كان أثبت أن آلهة الأمم كلهم باطل وأعمالهم عدم (ص 41: 29) وهنا اجتذب النظر إلى عبد الرب الحقيقي المستحق كل العبادة والإكرام.

عَبْدِي القسم الثاني من إشعياء يذكر عبد الرب مرات كثيرة والمفسرون قد بحثوا كثيراً في معنى هذه الكلمة واتفق الأكثرون على ما يأتي:

  1. في بعض الآيات عبد الرب هو شعب إسرائيل كله (ع 19 و43: 10).

  2. في بعض الآيات عبد الرب هو المختارون من شعب الله (ص 41: 8 و9 و44: 1 و2 و21).

  3. في بعض الآيات عبد الرب هو المسيح (ع 1 - 8 و49: 1 - 9 و50: 4 - 10 و52: 13 - 53: 12). ولا منافاة بين المعاني الثلاثة لأن المسيح هو رأس الكنيسة وهي متحدة به كجسد واحد. فنقول إن المسيح نور العالم والكنيسة أيضاً نور العالم (ص 42: 6). المسيح مهان النفس مكروه الأمة عبد المتسلطين (ص 49: 7) والكنيسة كذلك. فإذاً إذا وجدنا وصفاً لا يوافق المسيح كأعمى وأصم نقول إن عبد الرب هو إسرائيل. وإذا وجدنا وصفاً لا يوافق غير المسيح كمضمون (ص 53) نقول إن المسيح هو عبد الرب. وإذا رأينا ما يوافق الجهتين نقول إن عبد الرب هو الكنيسة والمسيح كرأسها وهما جسد واحد. وهنا في العدد الأول عبد الرب هو المسيح.

ٱلَّذِي أَعْضُدُهُ (يوحنا 5: 26) «لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، كَذٰلِكَ أَعْطَى ٱلابْنَ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ».

سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي هكذا شهد الله للمسيح حين المعمودية وعلى جبل التجلي ومتّى خصص هذا الكلام كله بالمسيح (متّى 12: 7 - 21) «وضعت روحي عليه» ولما اعتمد يسوع نزل روح الله عليه (انظر أيضاً يوحنا 3: 34).

فَيُخْرِجُ ٱلْحَقَّ لِلأُمَمِ لا يكون المسيح لليهود فقط بل منه ومن الكنيسة كجسده يخرج الحق إلى أقصى الأرض أي التعليم والعدل والإنصاف.

2 «لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي ٱلشَّارِعِ صَوْتَهُ».

لاَ يَصِيحُ النبي يصف المسيح كأنه سمعه ورآه كأحد المبشرين والمعنى أن المسيح لا يستعمل القوة الجسدية ولا يحارب الناس كالملوك بل يُسمع صوته في التعليم فقط والتعزية. وبهذا الأمر تميز المسيح عن كل المعلمين الكذبة لأنهم بالإجمال يطلبون الشهرة وأما المسيح فكان يوصي الناس أن لا يظهروه.

3 «قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ. إِلَى ٱلأَمَانِ يُخْرِجُ ٱلْحَقَّ».

قَصَبَةً مَرْضُوضَةً يشير إلى حنو المسيح على الضعفاء فلا يرفض المؤمن لكونه ضعيفاً بل يقوي إيمانه. ربما يوجد في كل إنسان شيء من الخير وعلى راعي النفوس أن يفتش عنه ويقويه.

يُخْرِجُ ٱلْحَقَّ كأن الحق كان مخفىً والظلام غالب في العالم وأما المسيح فيخرج الحق ويثبته ويديمه. قال متّى البشير «إلى النصرة» لأنه اقتبس من الترجمة السبعينية ولا فرق جوهري في المعنى.

4 «لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ ٱلْحَقَّ فِي ٱلأَرْضِ، وَتَنْتَظِرُ ٱلْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ».

تكوين 49: 10

لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ كان المسيح حسب الظاهر ضعيفاً جداً والأشرار فعلوا به كما أرادوا مع ذلك لم يكل ولا انكسر لا من تجارب إبليس ولا من تعييرات الفريسيين ولا من الموت بل تمم مقاصده في عمل الفدى وأسس كنيسته ووضع الحق في الأرض. وكلمة «الحق» تتضمن التعليم الحقيقي والحكم الحقيقي أيضاً.

وَتَنْتَظِرُ ٱلْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ أكثر الأمم لا يعرفون حالتهم التعيسة وأكثرهم لا يطلبون التبشير ولا يقبلونه ولكنهم ينتظرون شريعة المسيح بالمعنى أنهم محتاجون وهالكون ولا يمكنهم الخلاص إلا بإنجيل المسيح.

5 «هٰكَذَا يَقُولُ ٱللّٰهُ ٱلرَّبُّ خَالِقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَنَاشِرُهَا، بَاسِطُ ٱلأَرْضِ وَنَتَائِجِهَا، مُعْطِي ٱلشَّعْبِ عَلَيْهَا نَسَمَةً وَٱلسَّاكِنِينَ فِيهَا رُوحاً».

ص 44: 24 وزكريا 12: 1 مزمور 136: 6 أعمال 17: 25

هٰكَذَا يَقُولُ ٱللّٰهُ الكلام الآتي كلام الرب وليس كلام النبي فقط.

خَالِقُ... نَاشِرُهَا... بَاسِطُ... مُعْطِي هذه الصفات تدل على العمل في الزمان الحاضر لا في الماضي فقط أي الرب خلق كل شيء في البداءة ولم يزل يعمل في العالم وهو الآن حامل كل الأشياء بكلمة قدرته.

6 «أَنَا ٱلرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ بِٱلْبِرِّ، فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْداً لِلشَّعْبِ وَنُوراً لِلأُمَمِ».

ص 43: 1 ص 49: 8 ص 49: 6 ولوقا 2: 32 وأعمال 13: 47

أَنَا ٱلرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ الذي خلق كل شيء ويعتني بكل شيء قد دعا المسيح فيعتني به كما يعتني بالكون كله.

بِٱلْبِرِّ البر هنا بمعنى صدق الله وأمانته لأنه وفى بمواعيده للعالم بإرسال المخلص ومواعيده للمسيح بأنه يعضده ويحفظه.

إن كلمة «بر» مستعملة كثيراً في هذا القسم من النبوءة ولها معان مختلفة وهي:

  1. بر الله بمعنى أنه لا يبارك الأشرار ولا يعاقب الصالحين ولا يسمح للأقوياء في العالم أن يظلموا الضعفاء.

  2. بر الله بمعنى الصدق والأمانة في تتميم مواعيده.

  3. بر الناس بمعنى العدل والاستقامة والأعمال الصالحة.

  4. بر المؤمنين بالمسيح بمعنى الخلاص من الدينونة بغفران خطاياهم.

وَأَجْعَلُكَ عَهْداً لِلشَّعْبِ العهد الجديد أو عهد النعمة. إن المسيح هو العهد أو وسيط العهد بين الله وبين الشعوب وبه يعاهدهم الله ويعطيهم الخلاص بشرط الإيمان به (إرميا 31: 31 - 34).

لِلشَّعْبِ شعب العهد أي جميع المؤمنين بالمسيح من اليهود ومن الأمم.

وَنُوراً لِلأُمَمِ النور يشير إلى المعرفة ولا سيما المعرفة بطريق الخلاص.

7 «لِتَفْتَحَ عُيُونَ ٱلْعُمْيِ، لِتُخْرِجَ مِنَ ٱلْحَبْسِ ٱلْمَأْسُورِينَ، مِنْ بَيْتِ ٱلسِّجْنِ ٱلْجَالِسِينَ فِي ٱلظُّلْمَةِ».

ص 35: 5 ص 61: 1 ولوقا 4: 18 و2تيموثاوس 2: 26 وعبرانيين 2: 14 و15 ص 9: 2

لِتَفْتَحَ عُيُونَ ٱلْعُمْيِ المسيح هو النور الخارجي والنور الداخلي أيضاً أي هو كالشمس التي تُظهر كل ما في العالم وهو يعطي الإنسان قوة البصر التي بدونها لا ينفعه نور الشمس. لأن الإنسان يفتقر إلى الوسائط الخارجية وإلى فتح عيني قلبه لكي يفهم ويستعمل هذه الوسائط ولا شك أن غاية المسيح في عجائبه كانت أولاً خلاص الناس من ضعفاتهم الجسدية وفوق ذلك أن يمثل لهم الخلاص من الخطية.

لِتُخْرِجَ مِنَ ٱلْحَبْسِ ٱلْمَأْسُورِينَ المأسورين بعبودية الخطية وظلمة الهلاك لا المأسورين بالجسد فقط. والمسيح لا يقتصر على فتح الأبواب بل يخرج المأسورين أيضاً بنعمته في قلوب السامعين يميله لكي يقبلوا الخلاص والكنيسة وهي تحت رياسة المسيح نور للعالم لفتح عيون العمي وإخراج المأسورين. وعلى كل من يتبع المسيح أن يعرف قيمة المخلوق على صورة الله فيشفق على كل ضعيف.

8 «أَنَا ٱلرَّبُّ هٰذَا ٱسْمِي، وَمَجْدِي لاَ أُعْطِيهِ لِآخَرَ، وَلاَ تَسْبِيحِي لِلْمَنْحُوتَاتِ».

ص 48: 11

أَنَا ٱلرَّبُّ كل رجاء شعب الله مبني على هذا القول ومعناه (1) الله لا يتغير ولا يغير قوله.

(2) هو إله غيور فلا يعطي مجده للآخر. فلا بد من انتصار الحق وانحطاط كل ما يقاومه.

9 «هُوَذَا ٱلأَوَّلِيَّاتُ قَدْ أَتَتْ، وَٱلْحَدِيثَاتُ أَنَا مُخْبِرٌ بِهَا. قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ أُعْلِمُكُمْ بِهَا».

ٱلأَوَّلِيَّاتُ أي النبوءات التي قد تمت كالنبوءات بخصوص سنحاريب والنبوءة بخصوص السبي في (ص 39: 5 - 7).

ٱلْحَدِيثَاتُ حوادث مستقبلة لا يعرف أحد بها غير الله.

قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ أي تاريخ هذه النبوءة كان قبل زمان كورش بمدة طويلة وفي تاريخها لم يوجد شيء يدل على حدوث الأمور المنبإ بها. أحياناً الحاذقون بالأمور السياسية يتنبأون بما سيحدث في المستقبل القريب كوقوع حرب بين مملكتين بناء على وجود اختلاف بينهما أو يتنبأون بغلبة المملكة الواحدة على الأخرى بناء على ما ظهر فيها من القوة والاستعداد وأحياناً تصدق هذه النبوءات وأحياناً لا تصدق. ولكن الرب أخبر بما سيحدث في المستقبل البعيد كنهوض كورش وتجسد المسيح وأخبر بما يفوق حذاقة أرباب السياسة كخروج اليهود من بابل بإذن الملك وبالمساعدة منه بخلاف الخروج من مصر في القديم.

نبوءة بفرح يعم كل المسكونة بسبب خلاص الرب ع 10 إلى 13

10 - 13 «10 غَنُّوا لِلرَّبِّ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً، تَسْبِيحَهُ مِنْ أَقْصَى ٱلأَرْضِ. أَيُّهَا ٱلْمُنْحَدِرُونَ فِي ٱلْبَحْرِ وَمِلْؤُهُ وَٱلْجَزَائِرُ وَسُكَّانُهَا، 11 لِتَرْفَعِ ٱلْبَرِّيَّةُ وَمُدُنُهَا صَوْتَهَا، ٱلدِّيَارُ ٱلَّتِي سَكَنَهَا قِيدَارُ. لِتَتَرَنَّمْ سُكَّانُ سَالِعَ. مِنْ رُؤُوسِ ٱلْجِبَالِ لِيَهْتِفُوا. 12 لِيُعْطُوا ٱلرَّبَّ مَجْداً وَيُخْبِرُوا بِتَسْبِيحِهِ فِي ٱلْجَزَائِرِ. 13 ٱلرَّبُّ كَٱلْجَبَّارِ يَخْرُجُ. كَرَجُلِ حُرُوبٍ يُنْهِضُ غَيْرَتَهُ. يَهْتِفُ وَيَصْرُخُ وَيَقْوَى عَلَى أَعْدَائِهِ».

مزمور 33: 3 و40: 3 و98: 1 مزمور 17: 23 ص 21: 16 قضاة 1: 36 وص 16: 1 ص 31: 4

أُغْنِيَةً جَدِيدَةً يغنون أغنية جديدة لأن مراحم الرب جديدة وأعظم من أعماله السابقة. وتكون هذه الأغنية للأمم في كل الأرض لا لليهود فقط.

قِيدَارُ بلاد العرب.

سَالِعَ اسمها اليوم بترا وكانت عاصمة أدوم وغاية النبي أن يصف التسبيح العام فيذكر الجزائر أي البلاد البعيدة إلى جهة الغرب عبر البحر وبلاد العرب وأدوم أي البلاد الشرقية.

كَرَجُلِ حُرُوبٍ النبي يصف أعمال الله بتشابيه مأخوذة من الحروب القديمة. وعرفنا من العهد الجديد أن انتشار الإنجيل في العالم يكون بوسائط روحية وإظهار الحق والجندي الصالح للمسيح لا يضرب ولا يقتل بل يحتمل الضربات والاضطهادات حتى الموت غير أن الرب هو إله الحروب الجسدية أيضاً بمعنى أنه يحط كل قوة جسدية تقاوم الحق وإنه يجعل حروب الناس وإن كانت بذاتها شراً عظيماً تؤول إلى امتداد ملكوته.

يُنْهِضُ غَيْرَتَهُ الله لا يتغير وغيرته لا تزداد ولا تنقص ولكنه ترك شعبه ليتألموا ويتضايقوا في بابل إلى مدة محدودة لسبب خطاياهم فيكون التغيير فيهم وفي الأزمنة والأوقات وليس في الرب.

14 «قَدْ صَمَتُّ مُنْذُ ٱلدَّهْرِ. سَكَتُّ. تَجَلَّدْتُ. كَٱلْوَالِدَةِ أَصِيحُ. أَنْفُخُ وَأَنْخِرُ مَعاً».

قَدْ صَمَتُّ الله صمت بمعنى أنه لم يستجب للصلاة ولا خلّص شعبه.

مُنْذُ ٱلدَّهْرِ مدة السبي والضيقات التي قبلها. وهذه المدة وإن كانت سبعين سنة فقط كانت «كدهر» عند الرب وذلك بسب محبته لشعبه وغيرته في خلاصهم.

كَٱلْوَالِدَةِ كأنه لا يقدر أن يضبط نفسه وربما هذا التشبيه يشير إلى ولادة شعبه بعد السبي لحياة جديدة وعبادة روحية وتجديد قلوب المؤمنين في كل جيل. «يَا أَوْلاَدِي ٱلَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ أَيْضاً إِلَى أَنْ يَتَصَوَّرَ ٱلْمَسِيحُ فِيكُمْ» (غلاطية 4: 19). إننا لا نقدر أن نقول إن الله يتألم ولكنه كامل بكل صفاته. ومن صفات بني البشر الممدوحة إنكار الذات والصبر والثبات في احتمال الآلام فالجندي الذي يحارب ويبذل نفسه لأجل الوطن له مدح أكثر من الملك الذي أرسله وبقي في قصره. قال المسيح «ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه». فلا بد من وجود هذه الصفات كلها في اللاهوت وهي قد ظهرت بكمالها في تجسد المسيح وآلامه فلا يجب أن ننسى أن المحبة التي ظهرت في آلام المسيح كانت في اللاهوت قبل التجسد وإن كان التوفيق بين القدرة غير المحدودة وآلام المحبة فوق إدراكنا وسبب هذه الآلام ليس ضيقات شعبه فقط بل خطاياهم بالأولى.

15 «أَخْرِبُ ٱلْجِبَالَ وَٱلآكَامَ وَأُجَفِّفُ كُلَّ عُشْبِهَا، وَأَجْعَلُ ٱلأَنْهَارَ يَبَساً وَأُنَشِّفُ ٱلآجَامَ».

أَخْرِبُ ٱلْجِبَالَ الجبال والآكام والأنهار والآجام تشير إلى ممالك وقوات وكل ما يرتفع على الله وفي القديم الجبال كانت مملكة بابل وعبادة الأصنام وفي أيامنا الكفر والطمع والتعاليم الكاذبة ولنا هذا الوعد أن الله سيخرب هذه الجبال كلها.

16 «وَأُسَيِّرُ ٱلْعُمْيَ فِي طَرِيقٍ لَمْ يَعْرِفُوهَا. فِي مَسَالِكَ لَمْ يَدْرُوهَا أُمَشِّيهِمْ. أَجْعَلُ ٱلظُّلْمَةَ أَمَامَهُمْ نُوراً وَٱلْمُعْوَجَّاتِ مُسْتَقِيمَةً. هٰذِهِ ٱلأُمُورُ أَفْعَلُهَا وَلاَ أَتْرُكُهُمْ».

وَأُسَيِّرُ ٱلْعُمْيَ اليهود وهم عمي بسبب خطاياهم ورفضهم النور وكل بني البشر عمي بمعنى أنهم لا يعرفون المستقبل ولا يدركون مقاصد الله فيكون الوعد لجميع العمي أن الله يسيرهم. والطريق التي لا يعرفونها بل يسلكون فيها بالخوف والحزن ستظهر أخيراً أنها طريق الله وأحسن طريق. فعلينا التسليم لإرشاده والرجاء لخلاصه.

17 «قَدِ ٱرْتَدُّوا إِلَى ٱلْوَرَاءِ. يَخْزَى خِزْياً ٱلْمُتَّكِلُونَ عَلَى ٱلْمَنْحُوتَاتِ، ٱلْقَائِلُونَ لِلْمَسْبُوكَاتِ: أَنْتُنَّ آلِهَتُنَا!».

مزمور 97: 7 وص 1: 29 و44: 11 و45: 16

قَدِ ٱرْتَدُّوا يخزى عبدة الأوثان عند خلاص شعب الله وإتمام مواعيده ونبوءاته.

18 «أَيُّهَا ٱلصُّمُّ ٱسْمَعُوا. أَيُّهَا ٱلْعُمْيُ ٱنْظُرُوا لِتُبْصِرُوا».

الرب يكلم شعبه إسرائيل وهم صمّ وعمي لأنهم لا يسمعون كلام الله ولا يفهمون وذلك من قساوة قلوبهم وولوعهم بالخطية والرب يأمرهم أن يسمعوا ويبصروا لأنهم عمي وصمّ بإرادتهم.

19، 20 «19 مَنْ هُوَ أَعْمَى إِلاَّ عَبْدِي، وَأَصَمُّ كَرَسُولِي ٱلَّذِي أُرْسِلُهُ؟ مَنْ هُوَ أَعْمَى كَٱلْكَامِلِ، وَأَعْمَى كَعَبْدِ ٱلرَّبِّ؟ 20 نَاظِرٌ كَثِيراً وَلاَ تُلاَحِظُ. مَفْتُوحُ ٱلأُذُنَيْنِ وَلاَ يَسْمَعُ».

ص 43: 8 وحزقيال 12: 2 ويوحنا 9: 39 و41 رومية 2: 21

مَنْ هُوَ أَعْمَى إِلاَّ عَبْدِي عبد الرب هنا إسرائيل كأمة لأن الوصف لا يوافق المسيح ولا المختارون. وعبد الرب يجب أن يسمع ويفهم أكثر من كل الناس ولكنه أعمى أكثر من الكل حتى أنه يُسمى بالأعمى كأنه لا يوجد غيره.

كَرَسُولِي إسرائيل مرسل من الله لتنوير الأمم وهو نفسه محتاج إلى التنوير.

كَٱلْكَامِلِ إسرائيل كامل من جهة الدعوة والاختيار. والرب أعطاه الشريعة الكاملة والأنبياء حتى لا يوجد شيء يُصنع لإسرائيل والرب لم يصنعه وله قدرة كافية ومعرفة كافية ومواعيد ثابتة. غير أنه ناقص من جهة نفسه وغير كامل في الإيمان والسلوك.

21 «ٱلرَّبُّ قَدْ سُرَّ مِنْ أَجْلِ بِرِّهِ. يُعَظِّمُ ٱلشَّرِيعَةَ وَيُكْرِمُهَا».

ٱلرَّبُّ قَدْ سُرَّ مِنْ أَجْلِ بِرِّهِ (رومية 3: 3) «فَمَاذَا إِنْ كَانَ قَوْمٌ لَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ؟ أَفَلَعَلَّ عَدَمَ أَمَانَتِهِمْ يُبْطِلُ أَمَانَةَ ٱللّٰهِ» أي الرب لا يخلصهم لأنه سر بهم كأنهم أبرار بل يخلصهم من أجل بره أي أمانته في تتميم مواعيده.

يُعَظِّمُ ٱلشَّرِيعَةَ ليس شريعة موسى فقط التي استلمها في جبل سيناء بل شريعة الرب الإجمال وهي الشريعة المذكورة في (ع 4) «تنتظر الجزائر شريعته» فعظمها وأكرمها بانتشارها في العالم وخلاص النفوس ونجاح الكنيسة وإن كان شعبه اليهود غير مؤمنين.

22 «وَلَكِنَّهُ شَعْبٌ مَنْهُوبٌ وَمَسْلُوبٌ. قَدِ ٱصْطِيدَ فِي ٱلْحُفَرِ كُلُّهُ، وَفِي بُيُوتِ ٱلْحُبُوسِ ٱخْتَبَأُوا. صَارُوا نَهْباً وَلاَ مُنْقِذَ، وَسَلْباً وَلَيْسَ مَنْ يَقُولُ: رُدَّ!».

يذكر مشقات الشعب التي أصابتهم على سبيل التأديب ويذكرها بألفاظ تدل على حنو الرب وشفقته عليهم.

23 - 25 «23 مَنْ مِنْكُمْ يَسْمَعُ هٰذَا؟ يَصْغَى وَيَسْمَعُ لِمَا بَعْدُ؟ 24 مَنْ دَفَعَ يَعْقُوبَ إِلَى ٱلسَّلْبِ وَإِسْرَائِيلَ إِلَى ٱلنَّاهِبِينَ؟ أَلَيْسَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي أَخْطَأْنَا إِلَيْهِ وَلَمْ يَشَاءُوا أَنْ يَسْلُكُوا فِي طُرُقِهِ وَلَمْ يَسْمَعُوا لِشَرِيعَتِهِ. 25 فَسَكَبَ عَلَيْهِ حُمُوَّ غَضَبِهِ وَشِدَّةَ ٱلْحَرْبِ، فَأَوْقَدَتْهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَلَمْ يَعْرِفْ، وَأَحْرَقَتْهُ وَلَمْ يَضَعْ فِي قَلْبِهِ».

2ملوك 25: 9 هوشع 7: 9

يكلم كل السامعين كلام الرب وهو طالب منهم الحكم من جهة إسرائيل. وإرميا (ص 44: 17 - 19) يذكر قول اليهود الساكنين في مصر أنهم كانوا شبعوا من الخبز لما سجدوا لملكة السماوات أي عشتورث أو الزهرة ولما كفوا عن التبخير لها احتاجوا إلى كلٍّ وفنوا بالسيف والجوع. وقولهم هذا دليل على أنهم احتاجوا إلى هذا التعليم من إشعياء وهو أن مصائبهم هي من الرب فأصابتهم لانهم تركوه.

أَخْطَأْنَا النبي يقر بأنه اشترك معهم في خطاياهم.

فَأَوْقَدَتْهُ أي الحرب أوقدت إسرائيل ويشير إلى ما جاء في (2ملوك 25: 8 - 10) حيث قيل أن الكلدانيين أحرقوا بيت الرب وبيت الملك وكل بيوت أورشليم.

فوائد للوعاظ

لا يصيح (ع 2)

العمل بالهدوء

  1. الله يعمل بالهدوء في الطبيعة وأمثلة ذلك سيارات الأجرام السماوية والنمو في النباتات وفعل الشمس والندى.

  2. الله يعمل بالهدوء في الإنسان. مثلاً نمو جسمه من الطفولية إلى البلوغ ونمو قواه العقلية.

  3. الله يعمل بالهدوء في تخليص الإنسان فإن الكلمة تنغرس في القلب وتنمو والناس نيام (مرقس 4: 26) والحياة مقدمة للناس حتى يختاروها والوعاظ يطلبون من الناس أن يتصالحوا مع الله وأكثر نجاح التبشير يكون بالكلام الهادئ مع الناس أفراداً.

لتفتح عيون العمي (ع 7)

العمى الروحي

  1. البعض يبصرون ولا ينتبهون كما أننا كثيراً ما نمشي في طريق وأعيننا مفتوحة غير أننا لا ننتبه ونكون كأننا لا نرى.

  2. البعض يرون ما يريدون أن يروه فقط مثلاً لا يرون في أعدائهم إلا النقائص ولا يرون في أصدقائهم إلا الفضائل غير أنه يوجد في الأعداء فضائل ويوجد في أصدقائهم نقائص وكذلك في البحث لا يرون إلا ما يثبت اعتقادهم الأصلي.

  3. العمى الروحي لا يكون إلا بإرادة الإنسان فيكون خطية بخلاف العمى الجسدي فيحتاج إلى فعل روح الله في قلبه.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلأَرْبَعُون

مضمونه:

لم يترك الله شعبه إسرائيل. وحين يؤدبهم يكون هو معهم وبعد التأديب يزيدهم فيكونون له شهوداً ويخلصهم من بابل وهذه البركات ليست لاستحقاق فيهم بل من نعمته ولإجراء مقاصده السامية.

1 «وَٱلآنَ هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ خَالِقُكَ يَا يَعْقُوبُ وَجَابِلُكَ يَا إِسْرَائِيلُ: لاَ تَخَفْ لأَنِّي فَدَيْتُكَ. دَعَوْتُكَ بِٱسْمِكَ. أَنْتَ لِي».

ع 7 ع 21 وص 44: 2 و21 و24 ص 44: 6 ص 42: 6 و45: 4

كلمة «الآن» تشير إلى علاقة هذا الأصحاح بالأصحاح السابق فإن الرب وإن سكب حمو غضبه على شعبه (ص 42: 25) قال «لا تخف لأني فديتك». كما قال بولس (رومية 5: 20) «حَيْثُ كَثُرَتِ ٱلْخَطِيَّةُ ٱزْدَادَتِ ٱلنِّعْمَةُ».

خَالِقُكَ الله خلقهم كأمّة لما أخرجهم من مصر ونظمهم وعاهدهم وجعل مسكنه بينهم.

فَدَيْتُكَ يشير إلى فداء الأبكار (عدد 3: 11 - 13) فإن بني إسرائيل كانوا كأبكار جميع الشعوب وكما افتُدي إسرائيل بدمار ممالك كمصر وبابل وكما كان اللاويون مخصصين للرب بدل الأبكار (عدد 3: 12) هكذا كان إسرائيل شعباً خاصاً للرب امتيازاً عن غيره من الشعوب.

دَعَوْتُكَ بِٱسْمِكَ دعوة خصوصية لإسرائيل وهي غير الدعوة العمومية لكل الشعوب. وكانت هذه الدعوة الخصوصية لاستلام أقوال الله وحفظ الفرائض وانتشار الحق في العالم.

أَنْتَ لِي إسرائيل للرب لأنه خلقه ودعاه وفداه. وبما أنه خاصة الرب فالرب يحبه ويعتني به إلى الأبد.

2 «إِذَا ٱجْتَزْتَ فِي ٱلْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ، وَفِي ٱلأَنْهَارِ فَلاَ تَغْمُرُكَ. إِذَا مَشَيْتَ فِي ٱلنَّارِ فَلاَ تُلْذَعُ، وَٱللَّهِيبُ لاَ يُحْرِقُكَ».

مزمور 66: 12 و91: 3 الخ تثنية 31: 6 و8 دانيال 3: 25 و27

لا يقول الرب إنه يحفظهم من المياه أو من النار لأنهم احتاجوا إلى التأديب وهو يتمجد فيهم إذا احتملوا التأديب بالصبر والإيمان. بل يقول إنه يكون معهم في الضيقات. وهكذا كان العمود مع بني إسرائيل لما اجتازوا البحر الأحمر وكان التابوت معهم لما عبروا الأردن. وكان الرب مع شدرخ وميشخ وعبدنغو في أتون النار. والرب يسوع المسيح صار جسداً وأشبه إخوته في كل شيء وتألم مجرباً في كل شيء مثلهم بلا خطية.

3 «لأَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ مُخَلِّصُكَ. جَعَلْتُ مِصْرَ فِدْيَتَكَ، كُوشَ وَسَبَا عِوَضَكَ».

أمثال 11: 8 و21: 18

مُخَلِّصُكَ (انظر 2صموئيل 22: 3) حيث دعا داود الرب مخلصاً ودعا إشعياء الرب بهذا الاسم كثيراً في القسم الثاني من نبوءته. وغلب استعمال هذا الاسم للأقنوم الثاني يسوع المسيح ولكن الله الآب هو مخلص أيضاً والروح القدس مخلص. والله واحد والمخلص واحد.

جَعَلْتُ مِصْرَ فِدْيَتَكَ يذكر الرب ثلاث ممالك وهي مصر وكوش وسبا وهي متجاورة كناية عن كل الشعوب والمعنى أن الله اختار إسرائيل وفضّله على كل الشعوب وجعل مسكنه في وسطه دون غيره من الشعوب. كإنسان يفك قطعة أرض مرهونة بدفع قطعة أخرى من الأرض.

والبعض يفهمون من كلمة «جعلت» حادثة في الزمان الماضي أي موت أبكار المصريين واستبقاء أبكار إسرائيل وهلاك جيش المصريين في البحر الأحمر وخلاص جيش إسرائيل. والبعض يفهمون من كلمة «جعلت» ما سيحدث أي أن الرب عيّن فيعطي لكورش الممالك المذكورة تعويضاً عن إطلاقه بني إسرائيل. فإن كمبيس بن كورش أخذ الممالك المذكورة. وكوش إلى جنوبي مصر وتحتوي على نوبيا وسنار وكردوفان وشمالي الحبش وكانت أحياناً تُطلق على كل أفريقية الواقعة جنوبي مصر. ويُظن أن سبا شمالي بلاد الحبش.

4 «إِذْ صِرْتَ عَزِيزاً فِي عَيْنَيَّ مُكَرَّماً، وَأَنَا قَدْ أَحْبَبْتُكَ. أُعْطِي أُنَاساً عِوَضَكَ وَشُعُوباً عِوَضَ نَفْسِكَ».

إن الله اختار إسرائيل دون غيره من الشعوب:

  1. لقضائه المطلق أي له حق أن يعمل كما يشاء.

  2. اختار إسرائيل كخادم لكل الأرض.

  3. لبني إسرائيل بعض صفات تؤهلهم لهذه الرتبة منها ميلهم إلى الدين وقبولهم التعليم وتمسكهم به وبجنسهم. والله ميّز إسرائيل عن كل الشعوب بأمرين وهما الفداء والإعلان.

5، 6 «5 لاَ تَخَفْ فَإِنِّي مَعَكَ. مِنَ ٱلْمَشْرِقِ آتِي بِنَسْلِكَ وَمِنَ ٱلْمَغْرِبِ أَجْمَعُكَ. 6 أَقُولُ لِلشِّمَالِ: أَعْطِ وَلِلْجَنُوبِ: لاَ تَمْنَعْ. اِيتِ بِبَنِيَّ مِنْ بَعِيدٍ وَبِبَنَاتِي مِنْ أَقْصَى ٱلأَرْضِ».

ص 41: 1 و14 و44: 2 وإرميا 30: 10 و11 و46: 27 و28

مِنَ ٱلْمَشْرِقِ (يوحنا 11: 52 ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد). والمعنى ليس فقط أن الله يجمع اليهود المشتتين في كل الجهات ويرده إلى بلادهم بل أيضاً أنه يجمع شعبه المختار يهوداً وأمماً من كل الجهات ومن أقصى الأرض إلى الإيمان الواحد.

اِيتِ بِبَنِيَّ شيّعهم الأمم في رجوعهم (عزرا 8: 22 و31 ونحميا 2: 7 و8).

بَنَاتِي قال هذا إكراماً للجنس الضعيف لأن محبة الله واختياره لبناته كما لبنيه.

7 «بِكُلِّ مَنْ دُعِيَ بِٱسْمِي وَلِمَجْدِي خَلَقْتُهُ وَجَبَلْتُهُ وَصَنَعْتُهُ».

ص 63: 19 ويعقوب 2: 7 مزمور 100: 3 وص 29: 23 ويوحنا 3: 3 و5 و2كورنثوس 5: 17 وأفسس 2: 10 ع 1

بِكُلِّ مَنْ دُعِيَ بِٱسْمِي الله اختار الناس ودعاهم أفراداً.

وَلِمَجْدِي خَلَقْتُهُ الله اختار الناس لمجده وبحسب مشيئته لا بناء على أعمالهم.

خَلَقْتُهُ وَجَبَلْتُهُ وَصَنَعْتُهُ أي العمل كله لله من أوله إلى آخره.

8 «أَخْرِجِ ٱلشَّعْبَ ٱلأَعْمَى وَلَهُ عُيُونٌ، وَٱلأَصَمَّ وَلَهُ آذَانٌ».

ص 6: 9 و42: 19 وحزقيال 12: 2

ٱلشَّعْبَ ٱلأَعْمَى هو إسرائيل وهم عمي لعدم إدراكهم الروحي وقساوة قلوبهم (ص 42: 19) ومع ذلك لهم عيون أي يعرفون كل ما عمله الله لأجلهم في القديم فيطلب الرب إخراجهم كشهود له بالمحاكمة بينه وبين الأصنام. ويقول البعض أن المعنى هو أن إسرائيل كانوا عمياً ولكنهم سينتبهون ويبصرون فيكونون شهوداً للرب.

9 «اِجْتَمِعُوا يَا كُلَّ ٱلأُمَمِ مَعاً وَلْتَلْتَئِمِ ٱلْقَبَائِلُ. مَنْ مِنْهُمْ يُخْبِرُ بِهٰذَا وَيُعْلِمُنَا بِٱلأَوَّلِيَّاتِ؟ لِيُقَدِّمُوا شُهُودَهُمْ وَيَتَبَرَّرُوا. أَوْ لِيَسْمَعُوا فَيَقُولُوا: صِدْقٌ».

ص 41: 21 و22 و26

الرب دعا الأمم ليجتمعوا للمحاكمة بينه وبين الأصنام. ويكون الامتحان بالأوليات أي بالنبوءات التي قد تمت. وطلب منهم أن يقدموا شهودهم ليشهدوا إن كانت أصنامهم تنبأت بشيء من الحوادث قبل حدوثه تبرروا أي أثبتوا ادعاءهم أنها آلهة وإلا فعليهم أن يسمعوا شهود الرب ويسلموا بأن شهادتهم صادقة.

10 «أَنْتُمْ شُهُودِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَعَبْدِي ٱلَّذِي ٱخْتَرْتُهُ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا بِي وَتَفْهَمُوا أَنِّي أَنَا هُوَ. قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إِلٰهٌ وَبَعْدِي لاَ يَكُونُ».

ص 44: 8 ص 42: 1 و55: 4 ص 41: 4 و44: 6

أَنْتُمْ شُهُودِي الرب خاطب إسرائيل لأن عندهم الكتب المقدسة وكانوا يقدرون أن يثبتوا منها إتمام نبوءات قديمة كنبوءة موسى في (تثنية 28: 49 - 57) «يَجْلِبُ ٱلرَّبُّ عَلَيْكَ أُمَّةً مِنْ بَعِيدٍ الخ» ونبوءة النبي الذي أتى من يهوذا إلى بيت إيل «سَيُولَدُ لِبَيْتِ دَاوُدَ ٱبْنٌ ٱسْمُهُ يُوشِيَّا الخ» (1ملوك 13: 2). ونبوءة ناثان (2صموئيل 7: 13) «أَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مَمْلَكَتِهِ إِلَى ٱلأَبَدِ». وكان يجب أن يشهدوا أيضاً بأعمال الله العجيبة ومحبته وعنايته بهم. وعلى جميع المؤمنين أن يشهدوا هكذا بما اختبروه من جودة الرب وشهادتهم تكون بسلوكهم الحسن لا بمجرد كلامهم.

وَعَبْدِي عبد الرب هنا بمعنى إسرائيل.

لِكَيْ تَعْرِفُوا هذه الشهادة مفيدة للشهود كما هي نافعة للسامعين. فإن الذي يعلّم غيره يعلّم نفسه أيضاً والذي يقوي إيمان غيره يقوي إيمان نفسه أيضاً. والغاية العظمى في هذه المحاكمة تقوية إيمان إسرائيل لا مجرد إقناع عبدة الأصنام.

قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إِلٰهٌ قال الكلدانيون إن الآلهة تصوروا قبلما تصور الإنسان أي سلموا بقولهم هذا أن آلهتهم ليسوا منذ الأزل.

11 «أَنَا أَنَا ٱلرَّبُّ وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ».

ص 45: 21 وهوشع 13: 4

وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ الدليل الواحد على الألوهية هو الخبر بالحوادث المستقبلة والدليل الآخر هو القدرة غير المحدودة في إجراء المقاصد. فالرب ليس المخبر فقط بأن شعبه سيخلصون بل هو المخلص أيضاً. ومعنى هذا القول الكامل ظهر في الرب يسوع المسيح المخلص الوحيد.

12، 13 «12 أَنَا أَخْبَرْتُ وَخَلَّصْتُ وَأَعْلَمْتُ وَلَيْسَ بَيْنَكُمْ غَرِيبٌ. وَأَنْتُمْ شُهُودِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ وَأَنَا ٱللّٰهُ. 13 أَيْضاً مِنَ ٱلْيَوْمِ أَنَا هُوَ، وَلاَ مُنْقِذَ مِنْ يَدِي. أَفْعَلُ، وَمَنْ يَرُدُّ؟»

تثنية 32: 16 ومزمور 81: 9 ص 44: 8 وع 10 مزمور 90: 2 ويوحنا 8: 58 أيوب 9: 12 وص 14: 27

وَلَيْسَ بَيْنَكُمْ غَرِيبٌ أي إله غريب. الرب أخبر بأنه سيخلّص شعبه من سنحاريب فخلصهم ولم يكن بينهم عبادة ظاهرة للأصنام فكان الخبر والخلاص من الرب وحده.

أَيْضاً مِنَ ٱلْيَوْمِ أي منذ الآن وصاعداً.

14 «هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ فَادِيكُمْ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ: لأَجْلِكُمْ أَرْسَلْتُ إِلَى بَابِلَ وَأَلْقَيْتُ ٱلْمَغَالِيقَ كُلَّهَا وَٱلْكِلْدَانِيِّينَ فِي سُفُنِ تَرَنُّمِهِمْ».

أَرْسَلْتُ إِلَى بَابِلَ لا نستنتج من الفعل الماضي أن تاريخ هذه النبوءة كان بعد السبي لأن الأنبياء كثيراً ما يذكرون حادثة مستقبلة كأنها ماضية. والمرسل هو كورش.

وَأَلْقَيْتُ ٱلْمَغَالِيقَ اتكل البابليون على أسوارهم العالية وظنوا أن أعداءهم لا يقدرون أن يدخلوا مدينتهم غير أن الدخول إلى المدينة يكون من الأبواب وفتح الأبواب يكون برفع المغاليق فإذاً كلمة «مغاليق» هنا كناية عن قوة المدينة.

سُفُنِ تَرَنُّمِهِمْ كانت بابل على نهر الفرات وكان تُرع بين الفرات ودجلة فكانت سفن بابل تسير في هذه الترع والأنهار وتصل إلى خليج العجم. قيل أنه كان للملك سميراميس الذي أسس مدينة بابل ثلاثة آلاف سفينة تسير في النهر وقيل أن الملك مردوخ بلادان أعد سفناً ليهرب فيها إذا انكسر بحروبه مع أشور وقيل أيضاً إن البابليين اشتهروا بالترنم والظاهر أنهم استعملوا سفنهم للتسلية وترنموا بها. فيكون معنى الآية أن الرب سيزيل المغاليق أي قوة المدينة وقوة أهلها معاً فيهربون في سفنهم التي كانت لهم سفن ترنم.

15 «أَنَا ٱلرَّبُّ قُدُّوسُكُمْ، خَالِقُ إِسْرَائِيلَ مَلِكُكُمْ».

الرب إثباتاً لوعده ذكر صفاته أي القداسة والقدرة وحقه في إسرائيل كشعبه الخاص.

16، 17 «16 هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱلْجَاعِلُ فِي ٱلْبَحْرِ طَرِيقاً وَفِي ٱلْمِيَاهِ ٱلْقَوِيَّةِ مَسْلَكاً. 17 ٱلْمُخْرِجُ ٱلْمَرْكَبَةَ وَٱلْفَرَسَ، ٱلْجَيْشَ وَٱلْعِزَّ. يَضْطَجِعُونَ مَعاً لاَ يَقُومُونَ. قَدْ خَمِدُوا. كَفَتِيلَةٍ ٱنْطَفَأُوا».

خروج 14: 16 و22 ومزمور 77: 19 وص 51: 10 يشوع 3: 13 و16 خروج 14: 4 إلى 9 و25

الرب ذكّر إسرائيل بخلاصهم من مصر ولا سيما فتحه طريقاً لهم في البحر وهلاك المصريين فالبحر صار طريقاً لإسرائيل وقبراً لأعدائهم.

ٱلْمُخْرِجُ ٱلْمَرْكَبَةَ المصريون خرجوا بإرادتهم ولتتميم مقاصدهم والرب أخرجهم لتتميم مقاصده.

كَفَتِيلَةٍ تنطفئ الفتيلة من نفس الإنسان عليها أو من هواء خفيف والرب يبيد أعداءه بنفخة فمه.

18 «لاَ تَذْكُرُوا ٱلأَوَّلِيَّاتِ، وَٱلْقَدِيمَاتُ لاَ تَتَأَمَّلُوا بِهَا».

إرميا 16: 14 و23: 7

ثم قال لهم أن لا يذكروا الأوليات أي خلاصهم من مصر في القديم لأنه سيعمل أعمالاً أعظم منها ومن هذه الأعمال المستقبلة الرجوع من بابل (انظر إرميا 23: 7 و8) «هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ وَلاَ يَقُولُونَ بَعْدُ: حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي أَصْعَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. بَلْ: حَيٌّ هُوَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي أَصْعَدَ وَأَتَى بِنَسْلِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ ٱلشِّمَالِ». ونظر النبي أيضاً إلى الخلاص الروحي فقال (إرميا 31: 31) «هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ وَأَقْطَعُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْداً جَدِيداً».

ويجب علينا أن نتذكر أعمال الله القديمة كخلاص شعبه من مصر ومن بابل وأعمال المسيح ورسله وحلول الروح القدس يوم الخمسين. غير أنه يجب أن لا نكتفي بها كأن أعمال الله انتهت بل أن ننتظر أعمالاً جديدة أعظم من الأعمال القديمة (يوحنا 14: 12).

19 «هَئَنَذَا صَانِعٌ أَمْراً جَدِيداً. ٱلآنَ يَنْبُتُ. أَلاَ تَعْرِفُونَهُ؟ أَجْعَلُ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ طَرِيقاً، فِي ٱلْقَفْرِ أَنْهَاراً».

2كورنثوس 5: 17 ورؤيا 21: 5 خروج 17: 2 وعدد 20: 11 وتثنية 8: 15 ومزمور 78: 16 وص 35: 6 و41: 18

ٱلآنَ يَنْبُتُ كان الرجوع من السبي بعد عصر إشعياء بمدة طويلة ولكنه يذكره كأنه قريب. وهكذا تكلم عن ولادة المسيح (ص 7: 14) ها العذراء تحبل كأنه عن قريب يحدث أي هذه الأمور المستقبلة كانت قريبة للنبي في الرؤيا فرآها كأنها حاضرة.

20 «يُمَجِّدُنِي حَيَوَانُ ٱلصَّحْرَاءِ، ٱلذِّئَابُ وَبَنَاتُ ٱلنَّعَامِ، لأَنِّي جَعَلْتُ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ مَاءً، أَنْهَاراً فِي ٱلْقَفْرِ، لأَسْقِيَ شَعْبِي مُخْتَارِي».

ص 48: 21

أَنْهَاراً فِي ٱلْقَفْرِ ليست أنهاراً حقيقية بل المعنى أن الرب سيُظهر قوته غير المحدودة لخلاص شعبه وعند الله كل شيء مستطاع. وإذا قلنا لسنا قادرين على العمل الذي أمامنا يقول الرب إنه يفتح لنا طريقاً ولو في قفر هذه الصعوبات. وإذا قلنا أمامنا قفر الضيق فماذا نأكل وبماذا نكتسي يقول الرب إنه يجعل في هذا القفر أنهار خيرات. والقول إن الحيوان غير الناطق يمجد الله دليل على كثرة الخيرات لأنها تكفي شعبه وذلك الحيوان أيضاً.

21 «هٰذَا ٱلشَّعْبُ جَبَلْتُهُ لِنَفْسِي. يُحَدِّثُ بِتَسْبِيحِي».

يُحَدِّثُ بِتَسْبِيحِي (عزرا 3: 9 - 11 ونحميا 12: 27) حيث ذُكر تسبيحات بني إسرائيل بعد رجوعهم من السبي. والله اختار إسرائيل وفداه لمجده لا بناء على استحقاق إسرائيل ومن أعظم العجائب تجديد إسرائيل.

22 «وَأَنْتَ لَمْ تَدْعُنِي يَا يَعْقُوبُ حَتَّى تَتْعَبَ مِنْ أَجْلِي يَا إِسْرَائِيلُ».

ملاخي 1: 13

لَمْ تَدْعُنِي أي بالعبادة والسجود. والظاهر أن الأكثرين كانوا قد تركوا عادة الصلاة مدة السبي وإن كان البعض ظلوا عليها كدانيال.

23، 24 «23 لَمْ تُحْضِرْ لِي شَاةَ مُحْرَقَتِكَ، وَبِذَبَائِحِكَ لَمْ تُكْرِمْنِي. لَمْ أَسْتَخْدِمْكَ بِتَقْدِمَةٍ وَلاَ أَتْعَبْتُكَ بِلُبَانٍ. 24 لَمْ تَشْتَرِ لِي بِفِضَّةٍ قَصَباً، وَبِشَحْمِ ذَبَائِحِكَ لَمْ تُرْوِنِي. لٰكِنِ ٱسْتَخْدَمْتَنِي بِخَطَايَاكَ وَأَتْعَبْتَنِي بِآثَامِكَ».

عاموس 5: 25 خروج 30: 23 ونشيد الأنشاد 4: 14 ص 1: 14 وملاخي 2: 17

المحرقة والذبائح والتقدمة واللبان تجمع كل التقدمات الموسوية.

لَمْ تُحْضِرْ لِي شَاةَ يشير إلى زمان آحاز الذي أغلق أبواب بيت الرب وأبطل التقدمات. أو إلى تقديم تقدمات بلا عبادة قلبية فكانت كأنها لم تقدّم. والأرجح أن القول يشير إلى إبطال التقدمات في زمان السبي وكان الإسرائيليون معذورين لعدم إمكانهم فلا يلومهم الرب بل يقول «لم أستخدمك» أي لم يطلب منهم ما لا يقدرون أن يقدموه. ولكنهم عوضاً عن ذلك أن يقدموا له ذبيحة التسبيح ثمر شفاه معترفة باسمه (عبرانيين 13: 15) استخدموه بخطاياهم فكانت الخطايا عوضاً عن الخدمة وما يغيظ الرب عوضاً عما يرضيه.

قَصَباً كانوا يركبون من القصب الدهن المقدس لمسح خيمة الاجتماع وآنيتها والكهنة (خروج 30: 23) والقصب يُجلب من الهند وبلاد العرب فقيل «لم تشتر لي بفضة قصباً».

لٰكِنِ ٱسْتَخْدَمْتَنِي بِخَطَايَاكَ أي أحزنوا الرب برفضهم إياه وعبادتهم للأصنام ووضعوا عليه عمل الخلاص من بابل وعمل الفداء من الخطية والأصحاح 53 يُظهر لنا عبد الرب أي المسيح الذي حمل آثامنا وضُرب من أجل ذنب شعبه.

25 «أَنَا أَنَا هُوَ ٱلْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا».

ص 44: 22 و48: 9 وإرميا 50: 20 وأعمال 3: 19 حزقيال 36: 22 الخ ص 1: 18 وإرميا 31: 34

الرب يذكر خطاياهم هنا ليفهموا أن اختيارهم ليس مبنياً على أعمالهم. كأن تلميذاً عمل عملاً على لوحه وقدمه لمعلمه وكله غلط فمحا المعلم الكل وقال إنك لا تستحق الجائزة ولكني أعطيك إياها كهبة. وتكرار كلمة «أنا» هو للتشديد لأنه لا يوجد غير الله يغفر هكذا. ويتضح من ص 53 أن هذا الغفران التام المجاني يكون بواسطة المسيح الذي قد وضع الرب عليه إثم جميعنا.

26 «ذَكِّرْنِي فَنَتَحَاكَمَ مَعاً. حَدِّثْ لِكَيْ تَتَبَرَّرَ».

ذَكِّرْنِي الرب يعرف كل شيء فلم يقدروا أن يذكروه بشيء كان نسيه. وليس لهم عذر في خطاياهم وليس لهم أعمال صالحة فيذكرونها أمام الرب. فتكون المحاكمة قد كملت ولا يُنتظر بعد إلا الحكم النهائي. ولكنهم يقدرون أن يذكروا الرب بمواعيده وبمجد اسمه. وهكذا كانت صلاة يعقوب وموسى وداود وجميع الأتقياء.

27، 28 «27 أَبُوكَ ٱلأَوَّلُ أَخْطَأَ، وَوُسَطَاؤُكَ عَصَوْا عَلَيَّ. 28 فَدَنَّسْتُ رُؤَسَاءَ ٱلْقُدْسِ، وَدَفَعْتُ يَعْقُوبَ إِلَى ٱللَّعْنِ، وَإِسْرَائِيلَ إِلَى ٱلشَّتَائِمِ».

ملاخي 2: 7 و8 ص 47: 6 ومراثي 2: 2 و6 و7 مزمور 79: 5 وإرميا 24: 9 ودانيال 9: 11 وزكريا 8: 13

أَبُوكَ ٱلأَوَّلُ يجوز أن يكون آدم أو إبراهيم والأرجح أنه يعقوب لأن الآب الذي أخذ اليهود اسمهم منه «إسرائيليون» أو «بنو إسرائيل». وخطية يعقوب الخصوصية هي أخذه البركة من أبيه إسحاق بالخديعة. وعواقب هذه الخطية ظهرت في كل حياته لأنه بسببها وقع عداوة بينه وبين أخيه عيسو وهرب إلى فدان آرام وخدم خاله لابان وفي شيخوخته خدعه أولاده في أمر ابنه المحبوب يوسف.

وُسَطَاؤُكَ الأنبياء والكهنة (إرميا 23: 11).

رُؤَسَاءَ ٱلْقُدْسِ الكهنة (1أيام 24: 5) والرب دنسهم لما سلمهم للسبي.

فوائد للوعاظ

أنت لي (ع 1)

نحن لله

  1. لأنه خلقنا وأعطانا قوانا الجسدية والعقلية.

  2. لأنه حفظنا واعتنى بنا ودبر حياتنا من ولادتنا إلى اليوم.

  3. لأنه افتدانا واشترانا بدمه.

ويكون بما أننا له

  1. إنه يحبنا كأولاده.

  2. إنه يحامي عنا كخاصته.

  3. إنه يطلب منا المحبة والثقة به والطاعة له.

تعزية في الضيق (ع 2)

  1. الضيق لا يمنع التقدم. «اجتزت في المياه» أي المياه لا تقدر أن تردك ولا تقدر أن توقف سيرك. والضيق وقتي فقط كعبور نهر.

  2. الضيق يقربنا إلى المسيح. فإنه مع المجتازين في المياه وهو تجرب وتألم. ويمكننا أن نجد المسيح نوعاً في الضيقات.

  3. الضيق لا يميت . فإن غاية الرب في التأديب حياتنا لا موتنا وخلاصنا لا هلاكنا. والضيقات مما ينشئ ويقوي الحياة الروحية.

الشهود (ع 8 إلى 11)

أولاً: الشهود للرب ومنهم

  1. شعب الله القديم فإنهم شهدوا أن الله واحد فقط وهو خالق الكل والقادر على كل شيء والقدوس وهو روح لا يُرى.

  2. الكنيسة المسيحية فإنها تشهد بعمل الفداء وعمل الروح القدس وهكذا يكمل الثالوث الأقدس. وهي تشهد أيضاً لمحبة الله الظاهرة في المسيح ومحبته لكل العالم.

  3. المسيح فإنه شهد للآب بكلامه وسلوكه بلا خطية وطاعته.

ثانيا: الشهود على الرب ومنهم

  1. الوثنيون. فإنهم يمثلونه بالناس والبهائم والأصنام.

  2. الكفار وجميع الذين ينكرون وجود الله بكلامهم أو بسلوكهم وينكرون كتابه أو يحرّفونه.

  3. المسيحيون بالاسم فقط الذين لهم صورة التقوى ولكنهم منكرون قوتها (2تيموثاوس 3: 5).

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلأَرْبَعُون

مضمونه:

نبؤة بانسكاب الروح القدس والبركات الناتجة عنه والتصريح بسمو الرب وبطل الأصنام والوعد بالغفران والخلاص والإنباء برجوع اليهود بواسطة كورش.

1، 2 «1 وَٱلآنَ ٱسْمَعْ يَا يَعْقُوبُ عَبْدِي وَإِسْرَائِيلُ ٱلَّذِي ٱخْتَرْتُهُ. 2 هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ صَانِعُكَ وَجَابِلُكَ مِنَ ٱلرَّحِمِ، مُعِينُكَ: لاَ تَخَفْ يَا عَبْدِي يَعْقُوبُ وَيَا يَشُورُونُ ٱلَّذِي ٱخْتَرْتُهُ».

ع 21 وص 41: 8 و43: 1 وإرميا 30: 10 و46: 27 و28 ص 43: 1 و7 تثنية 32: 15

عبد الرب هنا المختارون وليس جميع اليهود.

صَانِعُكَ وَجَابِلُكَ مِنَ ٱلرَّحِمِ الرب خالقهم أفراداً ولكنه يشير هنا إلى إفراز إسرائيل شعباً عند خروجهم من مصر. والبركات السابقة هي عربون بركات جديدة.

يَشُورُونُ دعي إسرائيل بهذا الاسم أربع مرات في الكتاب المقدس (تثنية 32: 15 و33: 5 و26) ومعناه الأصلي «المستقيم» فيشير إلى المحبة والاعتبار وأما استقامة إسرائيل فهي الاستقامة الواجبة أو الاستقامة المحسوبة لهم وليست الاستقامة بالفعل. لشعب الله ثلاثة أسماء وهي:

  1. يعقوب أي القائم مقام أخيه.

  2. إسرائيل أي الذي جاهد الله بالصلاة وقدر.

  3. يشورون أي المستقيم.

3 «لأَنِّي أَسْكُبُ مَاءً عَلَى ٱلْعَطْشَانِ وَسُيُولاً عَلَى ٱلْيَابِسَةِ. أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى نَسْلِكَ وَبَرَكَتِي عَلَى ذُرِّيَّتِكَ».

ص 35: 7 ويوئيل 2: 28 ويوحنا 7: 38 وأعمال 2: 18

لأَنِّي أَسْكُبُ مَاءً المراد بالماء هنا الروح القدس كما يظهر من الكلام الآتي «أسكب روحي». والروح يشبه الماء في أربعة أمور:

  1. إنه نزل من فوق كالمطر.

  2. إنه يطهّر القلوب كالماء للجسد.

  3. إنه يحيي إحياء الماء للأرض اليابسة ويُكثر الأثمار الروحية في القلوب القاسية.

  4. إنه يحل على البشر بالقوة والكثرة كالمطر الغزير (يوحنا 7: 37 - 39) والوعد بانسكاب الروح القدس هو للذين يسألونه (يوحنا 11: 13).

عَلَى نَسْلِكَ يشير إلى داوم البركة الموعود بها. وأما النسل فهو أولاد يعقوب بالإيمان لا مجرد نسله حسب الجسد. وهنا أيضاً وعد ثمين للوالدين فلا يمكنهم أن يطلبوا لأولادهم بركة أعظم من عطية الروح القدس وهي العطية التي تشمل كل العطايا الصالحة.

4 «فَيَنْبُتُونَ بَيْنَ ٱلْعُشْبِ مِثْلَ ٱلصَّفْصَافِ عَلَى مَجَارِي ٱلْمِيَاهِ».

فَيَنْبُتُونَ يشير إلى النتائج الروحية الوافرة بفعل الروح فهي كأثمار أشجار في أرض كثيرة الماء.

5 «هٰذَا يَقُولُ: أَنَا لِلرَّبِّ وَهٰذَا يُكَنِّي بِٱسْمِ يَعْقُوبَ، وَهٰذَا يَكْتُبُ بِيَدِهِ: لِلرَّبِّ، وَبِٱسْمِ إِسْرَائِيلَ يُلَقِّبُ».

هٰذَا يَقُولُ أَنَا لِلرَّبِّ نستنتج أنه يجب على كل مؤمن بالمسيح أولاً أنه يقف نفسه تماماً للرب ويتعاهد بأنه يعمل ويحتمل ويتكلم كما يأمره الرب. ثم يقول أمام الناس إنه للرب وإنه قاصد خدمته الكاملة. فيجب أن لا ننسى هذه العهود الخطيرة التي بينه وبين الرب وبينه وبين شعب الله.

يُكَنِّي بِٱسْمِ يَعْقُوبَ انضمام الأمم ودعوتهم باسم يعقوب يشير إلى انضمام المؤمنين إلى الكنيسة ودعوتهم باسم المسيح. فإن المؤمنين ينسون نسبتهم إلى أب أو إلى بلاد ويفتخرون بالاسم «مسيحي» أي نسبتهم إلى المسيح ونسبتهم بعضهم إلى بعض (غلاطية 3: 28).

وَهٰذَا يَكْتُبُ بِيَدِهِ وبالأصل كلمة «يده» بلا حرف الجر فمن المحتمل المعنى أنه يكتب على يده (ص 49: 16) «هُوَذَا عَلَى كَفَّيَّ نَقَشْتُكِ» و(غلاطية 6: 17) «لأَنِّي حَامِلٌ فِي جَسَدِي سِمَاتِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ» و(رؤيا 7: 3) «حَتَّى نَخْتِمَ عَبِيدَ إِلٰهِنَا عَلَى جِبَاهِهِمْ». لاحظ صيغة المفرد «أنا للرب... يكتب بيده» أي يكون انضمام المؤمنين إلى الكنيسة أفراداً وبموجب عهد خصوصي بين كل منهم وبين ربه. واعلم أن انضمام المريض إلى جماعة الأصحاء لا يجعله صحيحاً وانضمام المذنب إلى جماعة الأبرار لا يجعله باراً.

6 «هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَفَادِيهِ، رَبُّ ٱلْجُنُودِ: أَنَا ٱلأَوَّلُ وَأَنَا ٱلآخِرُ وَلاَ إِلٰهَ غَيْرِي».

ع 24 وص 43: 1 و14 ص 41: 4 و48: 12 ورؤيا 1: 8 و17 و22: 13

ٱلرَّبُّ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ فيحق له السجود والطاعة وهو فاديه أيضاً فصار مقتنى الرب.

رَبُّ ٱلْجُنُودِ (ص 1: 9).

لاَ إِلٰهَ غَيْرِي هذا موضوع الكلام الآتي (ع 6 - 20).

7 «وَمَنْ مِثْلِي يُنَادِي فَلْيُخْبِرْ بِهِ وَيَعْرِضْهُ لِي مُنْذُ وَضَعْتُ ٱلشَّعْبَ ٱلْقَدِيمَ. وَٱلْمُسْتَقْبَلاَتُ وَمَا سَيَأْتِي لِيُخْبِرُوهُمْ بِهَا».

ص 41: 4 و22 و45: 21

المعنى من مثلي ينادي بما سيحدث وإذا وُجد أحد فليخبر به أي بما سيحدث ويعرضه لي وأنا أنادي بواسطة الأنبياء منذ خلق الإنسان الأول ووضع الشعوب في العالم. والمطلوب من الأصنام أن يقدموا لي نبوءات كاذبة بل نبوءات بما سيأتي.

8 «لاَ تَرْتَعِبُوا وَلاَ تَرْتَاعُوا. أَمَا أَعْلَمْتُكَ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ وَأَخْبَرْتُكَ؟ فَأَنْتُمْ شُهُودِي. هَلْ يُوجَدُ إِلٰهٌ غَيْرِي؟ وَلاَ صَخْرَةَ لاَ أَعْلَمُ بِهَا».

ص 41: 22 ص 43: 10 و12 تثنية 4: 35 و39 و32: 39 و1صموئيل 2: 2 و2صموئيل 22: 32 وص 45: 5 تثنية 32: 4

لاَ تَرْتَعِبُوا من دمار الممالك الوثنية لأن هذا كله من الله وبموجب علمه السابق وقضائه.

وَلاَ صَخْرَةَ (ص 17: 10) الأصنام تغش كل من يتكل عليها لأن ليس لها قوة ولا ثبات ولا وجود.

لاَ أَعْلَمُ بِهَا التي لا يعلم الله بها ليس لها وجود.

9 «ٱلَّذِينَ يُصَوِّرُونَ صَنَماً كُلُّهُمْ بَاطِلٌ، وَمُشْتَهَيَاتُهُمْ لاَ تَنْفَعُ، وَشُهُودُهُمْ هِيَ. لاَ تُبْصِرُ وَلاَ تَعْرِفُ حَتَّى تَخْزَى».

ص 41: 24 و29 مزمور 115: 4 الخ

كُلُّهُمْ بَاطِلٌ هم بشر فقط ومحدودو القدرة والمعرفة والبقاء فكم بالحري صنعة أيديهم. الوثنيون الفاهمون والذين يستعملون الصور والتماثيل يقولون إنهم لا يعتبرون نفس الصورة أو التمثال بل هي واسطة تساعدهم في عبادة الإله غير المنظور. والوثنيون بعدما يصنعون صنماً يصلون عليه فيحل فيه روح إلههم. فلذلك أضاف الله إلى الوصية الأولى الوصية الثانية التي تنهي عن استعمال الصور والتماثيل في العبادة مطلقاً فإن ما ينظره الإنسان ويقبّله ويركع أمامه ويبخر له فهو إلهه مهما قال الفلاسفة واللاهوتيين.

مُشْتَهَيَاتُهُمْ الأصنام التي تعبوا فيها وزينوها وقدموا لها تقدمات ثمينة واتكلوا عليها فهذه الأصنام لا تنفعهم.

وَشُهُودُهُمْ هِيَ الأصنام تشهد على نفسها.

حَتَّى تَخْزَى أي عبدة الأصنام لا الأصنام نفسها لأنها لا تبصر ولا تعرف فالساجدون لها يخزون.

10، 11 «10 مَنْ صَوَّرَ إِلٰهاً وَسَبَكَ صَنَماً لِغَيْرِ نَفْعٍ؟ 11 هَا كُلُّ أَصْحَابِهِ يَخْزَوْنَ وَٱلصُّنَّاعُ هُمْ مِنَ ٱلنَّاسِ. يَجْتَمِعُونَ كُلُّهُمْ، يَقِفُونَ يَرْتَعِبُونَ وَيَخْزَوْنَ مَعاً».

إرميا 10: 5 وحبقوق 2: 18 مزمور 97: 7 وص 1: 29 و42: 17 و45: 16

صَوَّرَ... وَسَبَكَ أولاً سكبوا الصنم من معدن كالفضة أو الذهب ثم صوروه بالإزميل (خروج 32: 4).

كُلُّ أَصْحَابِهِ أصحاب الصنم هم الساجدون له. كانوا أصحابه وهو لهم وأما الإله الحقيقي فهو صاحبنا ونحن له. كانوا يقدمون ذبيحة أو تقدمة ثم يجلسون ويأكلون مما كانوا قدموه له أي أكلوا من مائدته واشتركوا فيها (1كورنثوس 10: 20).

12 «طَبَعَ ٱلْحَدِيدَ قَدُوماً، وَعَمِلَ فِي ٱلْفَحْمِ، وَبِالْمَطَارِقِ يُصَوِّرُهُ فَيَصْنَعُهُ بِذِرَاعِ قُوَّتِهِ. يَجُوعُ أَيْضاً فَلَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ. لَمْ يَشْرَبْ مَاءً وَقَدْ تَعِبَ».

ص 40: 19 و41: 6 وإرميا 10: 3 الخ

صنع الصنم أولاً عمل آلاته من الحديد وتعب في عمله وجاع وعطش أي هو إنسان ضعيف ذو جسد فانٍ فكم بالحري صنعة يديه. وعادة بعض الوثنيين أنهم حينما يصنعون صنماً لا يأكلون ولا يشربون حتى يكملوا عمله.

13 «نَجَّرَ خَشَباً. مَدَّ ٱلْخَيْطَ. بِٱلْمِخْرَزِ يُعَلِّمُهُ، يَصْنَعُهُ بِٱلأَزَامِيلِ، وَبِالدَّوَّارَةِ يَرْسِمُهُ. فَيَصْنَعُهُ كَشَبَهِ رَجُلٍ، كَجَمَالِ إِنْسَانٍ، لِيَسْكُنَ فِي ٱلْبَيْتِ!».

بعدما أكمل الآلة بنجر الخشب ووصف عمله بالتدقيق لبيان بطل الصنم الذي أصله من الخشب وعملته يد الإنسان كشبه رجل وكبرته على قياس الخيط وجماله من المخرز والإزميل والدوارة. صنع الله الإنسان على صورته فأكرمه وأما الإنسان فصنع الله على صورته فأهانه.

كَجَمَالِ إِنْسَانٍ بعض الوثنيين ولا سيما اليونان اشتهروا بجمال تماثيلهم فلم يوجد أجمل منها ولا مثلها إلى هذا اليوم. وأما جمال التمثال والصورة فهو جمال جسدي فقط والساجدون له هم جسديون ودنسون ومغلوبو الشهوات وفاقدو الحياة الروحية.

لِيَسْكُنَ فِي ٱلْبَيْتِ بيت الصنم أي هيكله أو بيت الإنسان فيصير إلهاً له ولعياله وهو في البيت فلا يقدر أن يخرج منه ليعمل خيراً أو شراً.

14 - 17 «14 قَطَعَ لِنَفْسِهِ أَرْزاً وَأَخَذَ سِنْدِيَاناً وَبَلُّوطاً، وَٱخْتَارَ لِنَفْسِهِ مِنْ أَشْجَارِ ٱلْوَعْرِ. غَرَسَ سَنُوبَراً وَٱلْمَطَرُ يُنْمِيهِ. 15 فَيَصِيرُ لِلنَّاسِ لِلإِيقَادِ. وَيَأْخُذُ مِنْهُ وَيَتَدَفَّأُ. يُشْعِلُ أَيْضاً وَيَخْبِزُ خُبْزاً، ثُمَّ يَصْنَعُ إِلٰهاً فَيَسْجُدُ! قَدْ صَنَعَهُ صَنَماً وَخَرَّ لَهُ. 16 نِصْفُهُ أَحْرَقَهُ بِٱلنَّارِ. عَلَى نِصْفِهِ يَأْكُلُ لَحْماً. يَشْوِي مَشْوِيّاً وَيَشْبَعُ! يَتَدَفَّأُ أَيْضاً وَيَقُولُ: بَخْ! قَدْ تَدَفَّأْتُ. رَأَيْتُ نَاراً. 17 وَبَقِيَّتُهُ قَدْ صَنَعَهَا إِلٰهاً، صَنَماً لِنَفْسِهِ! يَخُرُّ لَهُ وَيَسْجُدُ، وَيُصَلِّي إِلَيْهِ وَيَقُولُ: نَجِّنِي لأَنَّكَ أَنْتَ إِلٰهِي».

غَرَسَ سَنُوبَراً الإنسان غرس الصنوبر الذي سيكون إلهاً.

وَٱلْمَطَرُ يُنْمِيهِ والمطر من الله وهو الذي خلق المواد التي منها صُنعت الأصنام. والأشرار يقاومون الله بالقوة التي نالوها منه. وأبان بعض مؤلفي الوثنيين بطل عبادة الأصنام بكلام يشبه كلام إشعياء غير أنهم لم يعرفوه ولا عرفوا الإله الحقيقي قال هورس الشاعر اللاتيني إن حطاباً قطع شجرة ثم جلس ليفتكر هل يصنع منها كرسياً أو يعمل إلهاً. وقال مرشل إن إنساناً وضع صنماً في أجمته ليحفظها من السرقة وقال للصنم «إن لم تحفظ هذه الأجمة جيداً فأنا أحرقك». ليس كل تمثال صنماً لأن التمثال لا يصير صنماً إلا بالسجود له وكل ما نسجد له غير الله فهو صنم. وأمثلة ذلك المال والمجد العالمي والعلوم وكل ما نجعله في مكان الله.

18، 19 «18 لاَ يَعْرِفُونَ وَلاَ يَفْهَمُونَ لأَنَّهُ قَدْ طُمِسَتْ عُيُونُهُمْ عَنِ ٱلإِبْصَارِ وَقُلُوبُهُمْ عَنِ ٱلتَّعَقُّلِ. 19 وَلاَ يُرَدِّدُ فِي قَلْبِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَعْرِفَةٌ وَلاَ فَهْمٌ حَتَّى يَقُولَ: نِصْفَهُ قَدْ أَحْرَقْتُ بِٱلنَّارِ، وَخَبَزْتُ أَيْضاً عَلَى جَمْرِهِ خُبْزاً، شَوَيْتُ لَحْماً وَأَكَلْتُ. أَفَأَصْنَعُ بَقِيَّتَهُ رِجْساً وَلِسَاقِ شَجَرَةٍ أَخُرُّ؟».

ص 45: 20 2وتسالونيكي 2: 11 ص 46: 8

وسبب هذه الغباوة ليس ضعف العقل أو قلة المعرفة لأن بعض الوثنيين كانوا حكماء وفهماء بل قساوة القلب ومحبة الخطية لأن الناس لا يريدون أن يعرفوا الإله الطاهر القدوس الذي لا يرضى بالخطية فيغمضون عيونهم ويقسون قلوبهم بإرادتهم.

20 «يَرْعَى رَمَاداً. قَلْبٌ مَخْدُوعٌ قَدْ أَضَلَّهُ فَلاَ يُنَجِّي نَفْسَهُ وَلاَ يَقُولُ: أَلَيْسَ كَذِبٌ فِي يَمِينِي؟».

هوشع 4: 13 ورومية 1: 21 و2تسالونيكي 2: 11

يَرْعَى رَمَاداً (هوشع 12: 1 «أَفْرَايِمُ رَاعِي ٱلرِّيحِ») أشار بهذا إلى من ينتظر ما يلتذ به ويشبع منه ولا يجد إلا المرارة والضيق والموت.

فَلاَ يُنَجِّي نَفْسَهُ عبادة الأصنام شر عبودية فإن الوثنيين يخافون من الأرواح الشريرة ومن الطبيعة ومن الموت ويتعذبون من الضمير ومن تسلط الشهوات ولا يقدرون أن ينجوا أنفسهم.

كَذِبٌ فِي يَمِينِي أي غلط في الأمور الجوهرية.

21، 22 «21 اُذْكُرْ هٰذِهِ يَا يَعْقُوبُ، يَا إِسْرَائِيلُ، فَإِنَّكَ أَنْتَ عَبْدِي. قَدْ جَبَلْتُكَ. عَبْدٌ لِي أَنْتَ. يَا إِسْرَائِيلُ لاَ تُنْسَى مِنِّي. 22 قَدْ مَحَوْتُ كَغَيْمٍ ذُنُوبَكَ وَكَسَحَابَةٍ خَطَايَاكَ. اِرْجِعْ إِلَيَّ لأَنِّي فَدَيْتُكَ».

ع 1 و2 ص 43: 25 ص 43: 1 و48: 20 و1كورنثوس 6: 20 و1بطرس 1: 18 و19

اُذْكُرْ هٰذِهِ يَا يَعْقُوبُ على إسرائيل أن يذكر بطل الاتكال على الأصنام ويذكر أيضاً نسبته إلى الله أي أنه عبد الله. إن الإنسان لا ينسى ما له كاملاً وأولاده ويعقوب عبد الرب فلا ينساه الرب.

لاَ تُنْسَى مِنِّي وأما الشعب فظنوا أنه نسيهم وتركهم بسبب خطاياهم.

قَدْ مَحَوْتُ كَغَيْمٍ ذُنُوبَكَ الذنوب كالغيم في خمسة أمور:

  1. إنها كثيرة.

  2. إنها فاصلة بين الله والناس كالغيم بين الشمس والأرض.

  3. إنها من تحت ومن الأرض أي من الإنسان لا من الله.

  4. إنها تجلب على الإنسان غضب الله كالرعود والبروق من الغيم.

  5. إن الله يزيلها كما يزيل ضوء الشمس الغيم.

اِرْجِعْ إِلَيَّ عليهم أولاً أن يرجعوا إلى الله فيرجعهم إلى أرضهم. ولهم ثقة به عند رجوعهم إليه لأنه فداهم فالأولى أن يرجع الخاطئ في أيامنا إلى الله بالتوبة وله ثقة لأن المسيح مات لأجله.

23 «تَرَنَّمِي أَيَّتُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ فَعَلَ. اِهْتِفِي يَا أَسَافِلَ ٱلأَرْضِ. أَشِيدِي أَيَّتُهَا ٱلْجِبَالُ تَرَنُّماً، ٱلْوَعْرُ وَكُلُّ شَجَرَةٍ فِيهِ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ فَدَى يَعْقُوبَ، وَفِي إِسْرَائِيلَ تَمَجَّدَ».

مزمور 69: 34 و96: 11 و12 وص 42: 10 و49: 13 وإرميا 51: 48 ورؤيا 18: 20

لا فرح كالفرح برجوع الخطأة إلى الله. يفرح الملائكة بخاطئ واحد يتوب فكم يفرحون برجوع شعب كثير.

24، 25 «24 هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ فَادِيكَ وَجَابِلُكَ مِنَ ٱلْبَطْنِ: أَنَا ٱلرَّبُّ صَانِعٌ كُلَّ شَيْءٍ، نَاشِرٌ ٱلسَّمَاوَاتِ وَحْدِي. بَاسِطٌ ٱلأَرْضَ. مَنْ مَعِي؟ 25 مُبَطِّلٌ آيَاتِ ٱلْمُخَادِعِينَ وَمُحَمِّقٌ ٱلْعَرَّافِينَ. مُرَجِّعٌ ٱلْحُكَمَاءَ إِلَى ٱلْوَرَاءِ وَمُجَهِّلٌ مَعْرِفَتَهُمْ».

ص 43: 14 وع 6 ص 43: 1 أيوب 9: 8 ومزمور 104: 2 وص 40: 22 و42: 5 و45: 12 و51: 13 ص 47: 13 إرميا 50: 36 و1كورنثوس 1: 20

مُبَطِّلٌ آيَاتِ ٱلْمُخَادِعِينَ كلما يحدث يوافق أقوال الرب تماماً ويكذب أقوال العرافين.

مُرَجِّعٌ ٱلْحُكَمَاءَ أي المدعين الحكمة.

26 - 28 «26 مُقِيمٌ كَلِمَةَ عَبْدِهِ، وَمُتَمِّمٌ رَأْيَ رُسُلِهِ. ٱلْقَائِلُ عَنْ أُورُشَلِيمَ: سَتُعْمَرُ، وَلِمُدُنِ يَهُوذَا: سَتُبْنَيْنَ، وَخِرَبَهَا أُقِيمُ. 27 ٱلْقَائِلُ لِلُّجَّةِ: ٱنْشَفِي وَأَنْهَارَكِ أُجَفِّفُ. 28 ٱلْقَائِلُ عَنْ كُورَشَ: رَاعِيَّ، فَكُلَّ مَسَرَّتِي يُتَمِّمُ. وَيَقُولُ عَنْ أُورُشَلِيمَ: سَتُبْنَى، وَلِلْهَيْكَلِ: سَتُؤَسَّسُ».

زكريا 1: 6 إرميا 50: 38 و51: 32 و36 و2أيام 36: 22 و23 وعزرا 1: 1 الخ وص 45: 13

مُقِيمٌ كَلِمَةَ عَبْدِهِ أي نبوءات إشعياء وغيره من الأنبياء.

رُسُلِهِ الأنبياء كإرميا (إرميا 29: 10 - 14) وحزقيال (حزقيال 39: 25 - 28) ويوئيل (يوئيل 3: 1) وعاموس (عاموس 9: 14) وعوبديا (عوبديا 2) وميخا (ميخا 4: 10) وصفنيا 3: 14 - 20).

ٱلْقَائِلُ لِلُّجَّةِ أي نهر الفرات الذي نشفه كورش لما أخذ بابل وهذا عمل الله لأنه أنهض كورش وأرسله.

ٱلْقَائِلُ عَنْ كُورَشَ الرب ذكر كورش باسمه قبلما ملك بما ينيف على مئة سنة. يغلب أن النبوءات تكشف عن المستقبل بعبارات غامضة كما ينظر إنسان منظراً بعيداً فيميز الأمور الكبيرة فقط كالجبال والسهول والأنهر والمدن ولا يقدر أن يميز الأشياء فرداً فرداً. وشذ عن هذا القياس ذكر اسم يوشيا (1ملوك 13: 2) قبلما وُلد بمدة ثلاث مئة سنة وذكر اسم كورش هنا (انظر أيضاً دانيال ص 11). ولعل الرب ذكر اسم كورش على أنه الإله الحقيقي فلا أحد من الأصنام ولا من العرافين والحكماء يقدر أن يعمل شيئاً مثل ذلك. قال يوسيفوس إن كورش عرف هذه النبوءة وأشار إليها في ندائه بقوله «ٱلرَّبُّ إِلٰهُ ٱلسَّمَاءِ، وَهُوَ أَوْصَانِي الخ» (عزرا 1: 2). وكان دانيال النبي في بابل لما أخذها كورش ولعل كورش تعرف به وسمع منه هذه النبوءات فإن دانيال كان إنساناً مشهوراً ومعتبراً ومشيراً للملوك.

كُورَشَ رَاعِيَّ قيل إن كورش أحب هذا اللقب وقال إنه يجب على الملك أن يكون راعياً صالحاً وكان كورش راعياً للرب لأنه اعتنى بشعب الله وأحسن إليهم فكان عمله هذا عكس المنتظر من ملك وثني وبخلاف ما عمله سلفاؤه ملوك بابل وأشور الظالمون.

فوائد للوعاظ

لا يعرفون ولا يفهمون (ع 18)

مطابقة الدين الحقيقي للعقل

  1. اعترض بعض العلماء على الذين بقولهم أنه يوافق البسطاء وأما العلماء والفهماء فلا يقدرون أن يصدقوه.

  2. جميع الذين يرفضون الدين الحق يُستعبدون للخرافات والأباطيل فيرفضون العبادة الروحية ويقبلون تعليم الناس ويرفضون شفاعة المسيح ويقبلون شفاعة بني البشر ويرفضون الخلاص بالمسيح ويطلبون الخلاص بواسطة السحر والشعوذة الخ.

  3. شهادة أفضل العلماء في أيامنا وفي كل جيل للدين وخضوعهم له. إنه في الدين أمور كثيرة تفوق العقل ولا شيء يخالفه.

يرعى رماداً (ع 20)

رماد وخبز

  1. تجوع النفس كما يجوع الجسد وللجسد طعام وللنفس طعام. وجوع النفس هو إلى المعرفة والقداسة والسعادة.

  2. لا تتقوت النفس بما للجسد كالمأكولات والملبوسات والمال والمجد العالمي فإن هذه الخيرات وإن كانت تناسب الجسد هي رماد النفس. ولا تتقوت النفس من الكذب كالتعليم الذي ينفي وجود الله والآخرة أو عقاب الخطية أو المسيح باعتبار كونه فادياً وشفيعاً.

  3. الخبز الحقيقي هو المسيح الذي يحل بالإيمان في القلب. وهذا الخبز خبز مكسور أي المسيح مات ليعطينا الحياة.

لا يقول أليس كذب في يميني (ع 20)

  1. الكذب في اليد وليس في الفم أي كثيرون يتكلمون كلاماً صالحاً ويعملون أعمالاً رديئة.

  2. الكذب في اليمين وهي اليد التي يتكل الناس عليها. فيكون الكذب جوهر كل ما يعملونه وأساس رجائهم.

  3. الكذب في اليد التي تكتب مقالات الطعن والكفر والقبائح واليد التي تضرب لمقاومة الحق.

  4. ليكن في اليمين سيف الروح الذي هو كلمة الله بدلاً من الكذب.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلأَرْبَعُون

مضمونه:

انتصار كورش وتوبيخ إسرائيل على تذمرهم وتجديد الأمم وخضوعهم للرب وامتداد الخلاص إلى أقاصي الأرض.

1 «هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ لِمَسِيحِهِ، لِكُورَشَ ٱلَّذِي أَمْسَكْتُ بِيَمِينِهِ لأَدُوسَ أَمَامَهُ أُمَماً، وَأَحْقَاءَ مُلُوكٍ أَحُلُّ. لأَفْتَحَ أَمَامَهُ ٱلْمِصْرَاعَيْنِ، وَٱلأَبْوَابُ لاَ تُغْلَقُ».

ص 41: 13 ص 41: 2 ودانيال 5: 30

لِمَسِيحِهِ، لِكُورَشَ كانت المسحة في القديم علامة التعيين لإحدى الوظائف المقدسة فكانت للأنبياء والكهنة والملوك. وأما كورش فلقب بمسيح الرب لأن الرب اختاره وعيّنه لخدمة خاصة لشعب إسرائيل. ولم يلقب من ملوك الأمم الذي خاطبه الرب بلا واسطة. فإن الرب كلم أبيمالك وفرعون ونبوخذناصر وغيرهم من ملوك الأمم بأحلام أو بواسطة أنبياء. ويُظن أن دانيال النبي في شيخوخته في بابل دل كورش على هذه النبوءة وأشار إلى اسمه المكتوب فيها أوامر الرب ومواعيده له. ولعل هذه النبوءات أنهضت غيرته فنادى إطاعة لها لليهود بالرجوع إلى أرضهم. ولعل الرب ميّز كورش فخاطبه هكذا لثلاثة أسباب:

  1. أن يعرف أنه الرب.

  2. أن يخدم إسرائيل.

  3. أن يعلم جميع الأمم أن ليس إله غير الرب.

أَمْسَكْتُ بِيَمِينِهِ الرب عضده وحفظه وأرشده فكان نجاحه من الرب لا من نفسه ولا من أصنامه.

وَأَحْقَاءَ مُلُوكٍ أَحُلُّ حل المنطقة علامة الضعف والكسر. قيل في بيلشاصر ملك بابل أنه انحلت خرز حقويه لما نظر الأصابع تكتب على الحائط.

ٱلْمِصْرَاعَيْنِ وُجد مصوراً في الآثار الأشورية مصراعان كبيران لكل باب.

وَٱلأَبْوَابُ لاَ تُغْلَقُ كانت أبواب بابل قد تُركت مفتوحة لما دخل كورش حتى وكانت أبواب قصر الملك كذلك.

2 «أَنَا أَسِيرُ قُدَّامَكَ وَٱلْهِضَابَ أُمَهِّدُ. أُكَسِّرُ مِصْرَاعَيِ ٱلنُّحَاسِ، وَمَغَالِيقَ ٱلْحَدِيدِ أَقْصِفُ».

ص 40: 4 مزمور 107: 16

وَٱلْهِضَابَ أُمَهِّدُ هضاب الصعوبات كعلو الأسوار وقوتها وقوة أبوابها. فالرب سهل الطريق لكورش فأخذ بابل بقليل من التعب والخسارة.

مِصْرَاعَيِ ٱلنُّحَاسِ تذكر التواريخ أن أبواب بابل المئة كانت من النحاس وربما كانت من خشب وملبّسه بنحاس ولم يُذكر أن كورش كسرها وربما المعنى هو أن الرب فتحها وليس أنه كسرها حقيقة.

وَمَغَالِيقَ ٱلْحَدِيدِ ذكر هيرودتس استعمال الحديد عند البابليين فكان الحديد أقوى من النحاس للمغاليق.

3 «وَأُعْطِيكَ ذَخَائِرَ ٱلظُّلْمَةِ وَكُنُوزَ ٱلْمَخَابِئِ، لِتَعْرِفَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي يَدْعُوكَ بِٱسْمِكَ، إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ».

ص 41: 22 خروج 23: 12 و17 وص 43: 1 و49: 1

ذَخَائِرَ ٱلظُّلْمَةِ ذخائر مخفية وربما كانت مطمورة في الأرض أو كانت في خزائن أصحابها. قيل أن كورش أخذ من كريسس قيمة مئة ربوة من الليرات.

لِتَعْرِفَ عرف كورش النبوءات وبعد تتميمها عرف أن الرب أعطاه الممالك. ولا نستنتج من هذا القول أن كورش ترك عبادة الأصنام وصار عابداً للرب وحده. وفي الكتابات القديمة نسب كورش نصرته إلى الإله مردوخ.

4، 5 «4 لأَجْلِ عَبْدِي يَعْقُوبَ وَإِسْرَائِيلَ مُخْتَارِي دَعَوْتُكَ بِٱسْمِكَ. لَقَّبْتُكَ وَأَنْتَ لَسْتَ تَعْرِفُنِي. 5 أَنَا ٱلرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. لاَ إِلٰهَ سِوَايَ. نَطَّقْتُكَ وَأَنْتَ لَمْ تَعْرِفْنِي».

ص 44: 1 و1تسالونيكي 4: 5 تثنية 4: 35 و39 و32: 39 وص 44: 8 و46: 9 ع 14 و18 و21 و22 مزمور 18: 32 و39

لأَجْلِ عَبْدِي يَعْقُوبَ أُعطيت النصرة والذخائر لكورش لا لتكون لنفسه بل ليخدم الله بها بخدمته لإسرائيل مختار الرب. وكل عطايا الله للناس ليخدموا بها لا ليفتخروا ويتمجدوا بها ومنفعة الجمع أهم من منفعة الواحد.

إِسْرَائِيلَ مُخْتَارِي كان إسرائيل مختار الله في العهد القديم كالكنيسة في العهد الجديد واختاره الله أولاً ليتسلم الحق ويشهد به ثم أن يسلمه لجميع الأمم.

لَقَّبْتُكَ براعي الرب ومسيحه.

وَأَنْتَ لَسْتَ تَعْرِفُنِي هذه الجملة تفيد أولاً أن الرب دعا كورش ولقبه قبلما وُلد. وثانياً أنه دعاه وعيّنه لخدمة شعب إسرائيل وهو عابد الأصنام لا مؤمن بالرب كما يجب.

نَطَّقْتُكَ حلّ أحقاء الملوك (ع 1) ونطّق كورش أي الرب يعطي القوة لواحد ويمنعها عن آخر كما يشاء.

6 «لِيَعْلَمُوا مِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ وَمِنْ مَغْرِبِهَا أَنْ لَيْسَ غَيْرِي. أَنَا ٱلرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ».

مزمور 102: 15 وص 37: 20 وملاخي 1: 11

لِيَعْلَمُوا أي يعرفوا الرب أولاً من هذه النبوة العجيبة التي تذكر اسم كورش وأموره بالتدقيق قبلما وُلد وثانياً من سقوط بابل ورجوع شعب الله إلى بلادهم.

مِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ وَمِنْ مَغْرِبِهَا لا في زمان كورش فإنه أذن لليهود بالرجوع إلى أرضهم فقامت عبادة الرب ثانية ودامت حتى أتى المسيح وهو مسيح الرب الحقيقي ومخلّص العالم كله من المشرق إلى المغرب.

7 «مُصَوِّرُ ٱلنُّورِ وَخَالِقُ ٱلظُّلْمَةِ، صَانِعُ ٱلسَّلاَمِ وَخَالِقُ ٱلشَّرِّ. أَنَا ٱلرَّبُّ صَانِعُ كُلِّ هٰذِهِ».

عاموس 3: 6

وَخَالِقُ ٱلشَّرِّ اعتقد الوثنيون وجود آلهة كثيرة بعضها مصدر الخير وبعضها مصدر الشر والمعنى هنا أنه لا يوجد إلا الإله الواحد فالخير منه والشر أيضاً أي لا يحدث شيء من البلايا والمصائب إلا بعلمه وأذنه وأحسن تعزية لشعب الله إيمانهم بأن كل شيء منه وهو إله محبة وكل ما يصيبهم من المصائب فهو للخير ولخلاصهم. غير أن الشر بمعنى الخطية فهو من الإنسان لا من الله وليس الشيطان وجنوده آلهة بل هم ملائكة لم يحفظوا رئاستهم فلا يقدرون أن يعملوا شيئاً إلا بعلم الله وأذنه.

8 «اُقْطُرِي أَيَّتُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ مِنْ فَوْقُ، وَلْيُنْزِلِ ٱلْجَوُّ بِرّاً. لِتَنْفَتِحِ ٱلأَرْضُ فَيُثْمِرَ ٱلْخَلاَصُ، وَلْتُنْبِتْ بِرّاً مَعاً. أَنَا ٱلرَّبَّ قَدْ خَلَقْتُهُ».

مزمور 72: 3 و85: 11

اُقْطُرِي أَيَّتُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ... لِتَنْفَتِحِ ٱلأَرْضُ «البر» هنا مشبّه بالمطر النازل من فوق على الأرض المعطشة بعد فصل الصيف فيبرد الهواء وينتعش الناس والبهائم وتنبت الأعشاب والأزهار وهكذا عطش اليهود الأتقياء إلى الله مدة السبي في بابل (مزمور 42 «عطشت نفسي إلى الله» ). ينزل البر من الله وينبت البر من الأرض أيضاً فإن الله يحيي في شعبه قلباً جديداً فيقومون لحياة جديدة. ويُطلب من الأرض أن تنفتح ومن الإنسان أن يقبل نعمة الله.

وَلْتُنْبِتْ بِرّاً مَعاً أي الأرض تُنبت براً فيكون الخلاص والبر معاً لأن الخلاص هو من الخطية والبر هو نتيجة الخلاص الواجبة.

9 «وَيْلٌ لِمَنْ يُخَاصِمُ جَابِلَهُ. خَزَفٌ بَيْنَ أَخْزَافِ ٱلأَرْضِ. هَلْ يَقُولُ ٱلطِّينُ لِجَابِلِهِ: مَاذَا تَصْنَعُ؟ أَوْ يَقُولُ: عَمَلُكَ لَيْسَ لَهُ يَدَانِ؟».

ص 64: 8 ص 29: 16 وإرميا 18: 6 ورومية 9: 20

هذا القول لإسرائيل فلا يجوز أن يتذمروا على الرب بقولهم لماذا تأخر خلاصهم ولا بقولهم لماذا خلصهم الرب بواسطة كورش لا بواسطة ملك منهم.

خَزَفٌ بَيْنَ أَخْزَافِ ٱلأَرْضِ الإنسان كخزف:

  1. لأن قيمته قليلة بذاته.

  2. لأنه سهل الانكسار.

  3. لأنه عمل يدي غيره. فلا يليق به أن يحكم على الرب. والعظماء كملوك أشور وبابل ومصر جميعهم خزف وإسرائيل وإن كان مختار الرب هو خزف أيضاً.

10 «وَيْلٌ لِلَّذِي يَقُولُ لأَبِيهِ: مَاذَا تَلِدُ؟ وَلِلْمَرْأَةِ: مَاذَا تَلِدِينَ؟».

لا يليق بالإنسان أن يلوم والديه بقوله إن ضعفه وفقره منهما لأن حياته وتربيته منهما. وبالأولى جداً لا يليق به أن يلوم خالقه. فعلينا أن نقبل بالشكر كل ما منحنا الله من الخيرات وبالصبر كل ما أدبنا به وبالإيمان كل ما لا نقدر أن نفهمه.

وأما الإنسان فيختلف عن الطين:

  1. لأنه حر فيختار لنفسه الخير أو الشر وكل إنسان قابل الإصلاح والنمو مهما كان دنيئاً أو فقيراً من أصله.

  2. لأن الرب لا يغلط كما يغلط الفخاري بل يعمل كل شيء بغاية الحكمة والمحبة وهو قدوس إسرائيل.

11 «هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ وَجَابِلُهُ: اِسْأَلُونِي عَنِ ٱلآتِيَاتِ. مِنْ جِهَةِ بَنِيَّ وَمِنْ جِهَةِ عَمَلِ يَدِي أَوْصُونِي».

إرميا 31: 9 ص 29: 23

إسرائيل خزف وهم بنون أيضاً. ليس لهم أن يعترضوا على الرب أو يتذمروا ولكنهم يقدرون أن يسألوه بالتواضع والاحترام كبنين محبوبين.

اِسْأَلُونِي عَنِ ٱلآتِيَاتِ نسأل الرب لأنه لا يعرف الآتيات سواه ومن يسأل غيره عن الآتيات ينفي الإله الحق.

أَوْصُونِي لا يليق بنا أن نوصي الرب بشيء غير أن الله سمح لنا أن نصلي له ووعدنا بأنه يستجيب لنا فنوصيه بصلواتنا ونطلب منه تتميم مشيئته وإتيان ملكوته.

12 «أَنَا صَنَعْتُ ٱلأَرْضَ وَخَلَقْتُ ٱلإِنْسَانَ عَلَيْهَا. يَدَايَ أَنَا نَشَرَتَا ٱلسَّمَاوَاتِ، وَكُلَّ جُنْدِهَا أَنَا أَمَرْتُ».

ص 42: 5 وإرميا 27: 5 تكوين 1: 26 و27 تكوين 2: 1

الذي خلق السموات والأرض يقدر أن يخلّص شعبه وله حق أن يخلّصهم كما يريد وعن يد من يختاره وإن كان ذلك بخلاف انتظار اليهود.

جُنْدِهَا النجوم التي يدور كل واحد منها في مداره كما رتب له الرب أو الملائكة وهم خدامه العاملون مرضاته.

13 «أَنَا قَدْ أَنْهَضْتُهُ بِٱلنَّصْرِ وَكُلَّ طُرُقِهِ أُسَهِّلُ. هُوَ يَبْنِي مَدِينَتِي وَيُطْلِقُ سَبْيِي، لاَ بِثَمَنٍ وَلاَ بِهَدِيَّةٍ قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ».

ص 41: 2 و2أيام 36: 22 و23 وعزرا 1: 1 الخ وص 44: 28 ص 52: 3 ورومية 3: 14

قَدْ أَنْهَضْتُهُ أي كورش وهو بنى أورشليم أي بُنيت بأمره (عزرا 1: 1 - 4).

لاَ بِثَمَنٍ لم يأخذ كورش شيئاً من اليهود بل أعطاهم آنية بيت الرب التي كان نبوخذناصر جعلها في بيت آلهته وأمر أهل مملكته أن ينجدوا اليهود بالفضة والذهب وكل ما يحتاجون إليه للسفر ولبيت الرب. وكان لكورش غاية دينية بإطلاق شعب الله لأن الرب نبّه روحه وله غاية سياسية أيضاً لأن أورشليم كانت بين مملكته وبلاد مصر فاستحسن إقامة أسوارها وإعانة شعبه.

14 «هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: تَعَبُ مِصْرَ وَتِجَارَةُ كُوشٍ وَٱلسَّبَئِيُّونَ ذَوُو ٱلْقَامَةِ إِلَيْكِ يَعْبُرُونَ وَلَكِ يَكُونُونَ. خَلْفَكِ يَمْشُونَ. بِٱلْقُيُودِ يَمُرُّونَ وَلَكِ يَسْجُدُونَ. إِلَيْكِ يَتَضَرَّعُونَ قَائِلِينَ: فِيكِ وَحْدَكِ ٱللّٰهُ وَلَيْسَ آخَرُ. لَيْسَ إِلٰهٌ».

مزمور 68: 31 و72: 10 و11 وص 49: 23 و60: 9 و10 و14 و16 وزكريا 8: 22 و23 مزمور 149: 8 و1كورنثوس 14: 25 ع 5

يذكر النبي ثلاث شعوب بالنيابة عن كل الأمم وانضمامهم إلى الكنيسة. وأورشليم كناية عن الكنيسة المسيحية وهي مشبهة بملك ظافر يأخذ لنفسه ثروة أعدائه ويقود الأسرى وهكذا سيقف الناس أنفسهم وأموالهم لخدمة الكنيسة.

تَعَبُ مِصْرَ اشتهر المصريون بالفلاحة والكوشيون والسبئيون بالتجارة.

ذَوُو ٱلْقَامَةِ (انظر ص 18: 2).

بِٱلْقُيُودِ لا يشير القول إلى الخضوع بواسطة القوة الجسدية بل إلى تسلط الحق على عقول الناس وضمائرهم.

وَلَكِ يَسْجُدُونَ ليس السجود للكنيسة بل للرب الساكن فيها كما كان اليهود المتغربون يصلون نحو أورشليم لأنها المكان الذي أظهر الرب نفسه فيه. وأما تسلط الكنيسة فليس برسومها ولا بنظامها ولا بتسلسلها من الرسل بل بمقدار حياتها الروحية واتحادها بالرب رئيسها وإذا ابتعدت عن الرب لم يبق لها تسلط ولا اعتبار.

15 «حَقّاً أَنْتَ إِلٰهٌ مُحْتَجِبٌ يَا إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ ٱلْمُخَلِّصَ».

مزمور 44: 24 وص 8: 17 و57: 17

إِلٰهٌ مُحْتَجِبٌ هذا قول النبي. وكان الرب إلهاً محتجباً:

  1. في أمر السبي فإنه ترك شعبه حسب الظاهر وسلّم مدينته وهيكله للوثنيين.

  2. في طول السبي ولا شك في أنه قال كثيرون من الأتقياء لماذا نسينا الرب.

  3. في طريق الخلاص فإنه كان بواسطة ملك وثني.

  4. في مقاصده من جهة الأمم لأن اليهود لم يفهموا أن الخلاص لجميع الشعوب. وكل من يتأمل في أعمال الله يقول «ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء». والأمر الذي نفهمه والذي يثبت إيماننا في ما لا نفهمه هو أن الله هو مخلّص إسرائيل وفهم بعضهم أن هذا القول هو قول المذكورين في (ع 14) لا قول النبي فيكون المعنى أنهم لم يعرفوا إله إسرائيل سابقاً بل كان محتجباً عنهم ولكنهم عند رجوع اليهود وإقامة مملكة المسيح يعترفون بأنه إله ومخلّص.

16 «قَدْ خَزُوا وَخَجِلُوا كُلُّهُمْ. مَضُوا بِٱلْخَجَلِ جَمِيعاً ٱلصَّانِعُونَ ٱلتَّمَاثِيلَ».

ص 44: 11

قَدْ خَزُوا الأمم المذكورون في (ع 14) ومعهم جميع الصانعي التماثيل خزيهم خلاص إسرائيل وارتفاع الرب على تماثيلهم.

17 «أَمَّا إِسْرَائِيلُ فَيَخْلُصُ بِٱلرَّبِّ خَلاَصاً أَبَدِيّاً. لاَ تَخْزَوْنَ وَلاَ تَخْجَلُونَ إِلَى دُهُورِ ٱلأَبَدِ».

ص 26: 4 وع 25 ورومية 11: 26

فَيَخْلُصُ بِٱلرَّبِّ ليس بكورش ولا بقوة أنفسهم ولا من الرب كأنه بعيد عنهم بل بالرب أي بوجوده بينهم أو اتحاده بهم. قال المسيح لتلاميذه «أَنْتُمْ فِيَّ، وَأَنَا فِيكُمْ» (يوحنا 14: 20).

خَلاَصاً أَبَدِيّاً لأنه ليس من سبي بابل فقط بل من كل الضيقات ومن الخطية وعواقبها. وإسرائيل الحقيقي أي المؤمنون بالمسيح لا يسقطون كما قال المسيح (يوحنا 10: 28) «وَأَنَا أُعْطِيهَا (أي الخراف) حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى ٱلأَبَدِ». نرى كثيرين يندمون على أعمالهم ولكننا لم نر إنساناً ندم على إيمانه بالمسيح ولا خسارته لأجله ولا يخزون لأن الله لا يتغير بل سيوفي جميع ما وعدهم به.

18 «لأَنَّهُ هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: خَالِقُ ٱلسَّمَاوَاتِ هُوَ ٱللّٰهُ. مُصَوِّرُ ٱلأَرْضِ وَصَانِعُهَا. هُوَ قَرَّرَهَا. لَمْ يَخْلُقْهَا بَاطِلاً. لِلسَّكَنِ صَوَّرَهَا. أَنَا ٱلرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ».

ص 42: 5 ع 5

لأَنَّهُ هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ الأرجح أن كلام الرب يبتدئ من «أنا الرب وليس آخر» والنبي في هذه الآية يثبت رجاء إسرائيل بأنهم يرجعون إلى أرضهم فيقولون إن الرب لم يخلق الأرض باطلاً أي الله خلق الأرض لأجل الإنسان فلا يليق بالخالق أن الأرض ومنها أرض اليهود تبقى بلا سكان كما أنه لا يليق بباني البيت أن بيته لا يُسكن أبداً. واليهود يستنتجون من هذا القول أن الأرض ستُسكن بعد القيامة (2بطرس 3: 13).

19 «لَمْ أَتَكَلَّمْ بِٱلْخِفَاءِ فِي مَكَانٍ مِنَ ٱلأَرْضِ مُظْلِمٍ. لَمْ أَقُلْ لِنَسْلِ يَعْقُوبَ: بَاطِلاً ٱطْلُبُونِي. أَنَا ٱلرَّبُّ مُتَكَلِّمٌ بِٱلصِّدْقِ مُخْبِرٌ بِٱلاسْتِقَامَةِ».

تثنية 30: 11 وص 48: 16 مزمور 19: 8 و119: 137 و138

لَمْ أَتَكَلَّمْ بِٱلْخِفَاءِ بخلاف عادة كهنة الوثنيين فإن كل أعمالهم كانت بالغش وكان كلامهم من أماكن مظلمة وبألفاظ مبهمة وأما كلام الرب فكان بواسطة أنبيائه الذين تكلموا علانية بألفاظ واضحة وكتبوا كلامهم ليشهد لصدقهم بعد تتميم نبوءاتهم. والمسيح عمل أعماله علانية وتكلم بكلام مفهوم عند الجميع. ونفهم أيضاً من «أرض مظلمة» برية بلا أثمار وبلا طريق والرب لم يكلم شعبه من أرض مظلمة بل أنعم عليهم بخيرات كثيرة ومتنوعة وكان منه الرجاء والإرشاد (إرميا 2: 31) «هَلْ صِرْتُ بَرِّيَّةً لإِسْرَائِيلَ أَوْ أَرْضَ ظَلاَمٍ دَامِسٍ». قيل في (ع 15) «أنت إله محتجب» وهنا «لم أتكلم بالخفاء» أي كلام الله في واجبات الإنسان وفي الخلاص والتوبة. والإيمان واضح جداً ومفهوم عند جميع الناس وأما قضاء الله واختياره ورحمته غير المحدودة ومحبته في المسيح ومجده الأزلي والأبدي فهذه تفوق الإدراك.

لَمْ أَقُلْ لِنَسْلِ يَعْقُوبَ نستفيد:

  1. إن الله يسمع الصلاة.

  2. إن أمر الله للناس أن يطلبوه يُعتبر كوعد منه بأنه يخلّصهم.

  3. إن نسل يعقوب هم أولاد يعقوب بالإيمان وتفسير الوعد هو قول المسيح «من يطلب يجد» (متّى 7: 8).

20 «اِجْتَمِعُوا وَهَلُمُّوا تَقَدَّمُوا مَعاً أَيُّهَا ٱلنَّاجُونَ مِنَ ٱلأُمَمِ. لاَ يَعْلَمُ ٱلْحَامِلُونَ خَشَبَ صَنَمِهِمْ وَٱلْمُصَلُّونَ إِلَى إِلٰهٍ لاَ يُخَلِّصُ».

ص 44: 17 و18 و19 و46: 7 و48: 7 ورومية 1: 22 و23

اِجْتَمِعُوا النبي يخاطب الأمم الذين نجوا من دمار الممالك فإنه كان يجب أن يكونوا قد تعلموا بالاختبار أن الأصنام لا تقدر أن تخلّص عبدتها.

لاَ يَعْلَمُ ٱلْحَامِلُونَ (ص 46: 1 و2) كانوا يحملون أصنامهم لأنها بلا حياة وبلا قوة وربما القول يشير إلى حمل الأصنام في احتفالاتهم الدينية. ولو كان لهم قليل من العقل لعلموا بطل الاتكال على الخشب.

21 «أَخْبِرُوا. قَدِّمُوا. وَلْيَتَشَاوَرُوا مَعاً. مَنْ أَعْلَمَ بِهٰذَا مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ، أَخْبَرَ بِهَا مُنْذُ زَمَانٍ؟ أَلَيْسَ أَنَا ٱلرَّبُّ وَلاَ إِلٰهَ آخَرَ غَيْرِي؟ إِلٰهٌ بَارٌّ وَمُخَلِّصٌ. لَيْسَ سِوَايَ».

ص 41: 22 و43: 9 و44: 7 و46: 10 و48: 14 ع 5 و14 و18 وص 44: 8 و46: 9 و48: 3 الخ

أَخْبِرُوا. قَدِّمُوا (ص 41: 21) ذكر الرب مراراً في هذه النبوءة أن الإعلان بالأمور المستقبلة ولا سيما أمر كورش وحروبه هو برهان على أنه الإله الحقيقي. ولا شك في أن بيّنة تتميم النبوءات في أيامنا هي من أحسن البيّنات لصدق الديانة المسيحية.

إِلٰهٌ بَارٌّ وَمُخَلِّصٌ بر الله هنا:

(1) كما في (ص 41: 10) المطابقة بين أعماله ومواعيده فإنه وعد شعبه بالخلاص فخلّصهم.

(2) المطابقة بين عدل الله ورحمته (رومية 3: 26) «بَارّاً وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ ٱلإِيمَانِ بِيَسُوعَ».

22 «اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَٱخْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي ٱلأَرْضِ لأَنِّي أَنَا ٱللّٰهُ وَلَيْسَ آخَرَ».

مزمور 22: 27 و65: 5

اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ طلب الرب من الأمم المغلوبين عوضاً عن التصريح بحكم صارم عليهم بهذه المحاكمة أن يقبلوا منه الخلاص. والمتكلم هنا المسيح فنستفيد.

  1. إنه يجب أن نلتفت إلى المسيح وهو المخلّص الوحيد لا إلى الأصنام ولا إلى بني البشر ولا إلى أنفسنا.

  2. إن الالتفات إلى المسيح يتضمن الشعور بالخطية والشقاوة ويتضمن أيضاً الإيمان به وتصديق مواعيده والطاعة له والاتكال عليه كما يلتفت المريض إلى الطبيب والمظلوم إلى الحاكم العادل.

  3. إن نتيجة الالتفات إلى المسيح هي غفران تام لجميع الخطايا وتجديد القلب والاتحاد به ونيل فوائد الفداء.

  4. إن هذا الالتفات أمر هيّن جداً فيمكن جميع الناس الخلاص (انظر حادثة الحيّة عدد 21: 4 - 9 ويوحنا 3: 14 و15).

  5. إن الخلاص المنادى به هو لكل الأرض والرب هو إله كل الأرض باختلاف لغاتهم وأجناسهم (رؤيا 7: 9).

23 «بِذَاتِي أَقْسَمْتُ. خَرَجَ مِنْ فَمِي ٱلصِّدْقُ كَلِمَةٌ لاَ تَرْجِعُ: إِنَّهُ لِي تَجْثُو كُلُّ رُكْبَةٍ. يَحْلِفُ كُلُّ لِسَانٍ».

تكوين 22: 16 وعبرانيين 6: 13 رومية 14: 11 وفيلبي 2: 10 تكوين 31: 53 وتثنية 6: 13 ومزمور 63: 11 وص 65: 16

أقسم الرب بذاته إذ لم يكن له أعظم يقسم به. والقسم يشير إلى أمر مهم وأمر لا يصدق بدون قسم. فمن كان يصدق أن هذا العالم المملوء من الخطية والشقاوة يصير كله للرب. اقتبس بولس الرسول من هذه النبوءة مرتين ونسبها إلى المسيح (رومية 14: 11 وفيلبي 2: 10) ومضمونها أن كل إنسان سيخضع للمسيح ويبايعه كملكه ويحلف له يمين الطاعة. وتتميم هذا الوعد العظيم يكون بالمستقبل وعلى كنيسة المسيح أن تنتظره وتصلي وتعمل لأجله. ولا نفهم من الكتاب المقدس أنه في الوقت المشار إليه يكون كل إنسان في العالم مؤمناً حقيقاً لأن الزوان سيبقى مع الحنطة إلى وقت الحصاد أي مجيء المسيح الثاني (متّى 13: 30) ولكن الكل سيخضعون للمسيح البعض طوعاً والبعض كرهاً. كانت الديانة اليهودية موافقة لليهود فقط وذلك بسبب رسومها وفرائضها الجسدية كالسجود في الهيكل في أورشليم وتقديم ذبائح وقرابين عن يد الكهنة أبناء هارون ولكن هذه الفرائض الجسدية تمت وزالت في المسيح وبقيت الحقائق الروحية والأبدية التي تناسب كل إنسان في كل بلاد وفي كل جيل.

ومن هذه الحقائق ما يأتي:

  1. إنه لا يوجد غير إله واحد فقط وهو روح.

  2. إن الله أعلن إرادته في كتابه.

  3. إن الخلاص هو بواسطة الإيمان بالمسيح.

  4. إن المسيح هو رب وسيّد وعلى جميع الناس أن يطيعوه في كل شيء.

24، 25 «24 قَالَ لِي: إِنَّمَا بِٱلرَّبِّ ٱلْبِرُّ وَٱلْقُوَّةُ. إِلَيْهِ يَأْتِي. وَيَخْزَى جَمِيعُ ٱلْمُغْتَاظِينَ عَلَيْهِ. 25 بِٱلرَّبِّ يَتَبَرَّرُ وَيَفْتَخِرُ كُلُّ نَسْلِ إِسْرَائِيلَ».

إرميا 23: 5 و1كورنثوس 1: 30 ص 41: 11 ع 17 و1كورنثوس 1: 31

قَالَ لِي قال الرب للنبي.

بِٱلرَّبِّ ٱلْبِرُّ وَٱلْقُوَّةُ هذا من جهة الرب أنه صادق في كل مواعيده وقادر على وفائها. ومن جهة الإنسان أن برّه بالرب يسوع المسيح الذي حمل خطايانا ومن أجله حسبنا الله أبراراً. وقوة الإنسان أيضاً بالمسيح لأن النعمة اليومية منه وهو يشفع فينا على الدوام فلا يحتاج الإنسان إلى غير البر والقوة أي غفران الخطايا السابقة والنعمة للأعمال الحسنة.

جَمِيعُ ٱلْمُغْتَاظِينَ وهم مميزون عن نسل إسرائيل في (ع 25) أولئك يخزن ويسلمون للمسيح لأنهم ليسوا قادرين على مقاومته. وأما هؤلاء فيفتخرون بغلبة الملك الذي كانوا قد اختاروه بإرادتهم. ونسل يعقوب هم جميع المؤمنين لا نسل يعقوب بالجسد فقط.

فوائد للوعاظ

ويل لمن يخاصم جابله (ع 9)

التذمر

جهالة التذمر تقوم بما يأتي:

  1. إنه لا ينفع شيئاً لأن الله لا يتغير ولا يغير نواميس الكون لأجلنا. فيأتي المطر والقيظ والحر والبرد والصحة والنجاح بموجب قوانين رضينا أم لم نرض.

  2. إنه طلب خيرات حاضرة ومنظورة بغض النظر عن الخيرات التي هي أفضل بالمستقبل.

خطية التذمر تقوم بما يأتي:

  1. إنه كبرياء وحكم على الله كأنه لا يعرف أن يدبر الكون.

  2. إنه عدم الشكر لله على مراحمه الكثيرة ومحبته الظاهرة بالعناية والفداء.

  3. إنه محبة الذات دون محبة الله والقريب.

اسألوني... أوصوني (ع 11)

الصلاة

نتأمل في ما يأتي:

  1. تنازل الرب. قال السيد لعبيده «أوصوني».

  2. عظمة الوعد. فإن القول «أوصوني» يفيد أنه يعطي عبيده مهما طلبوا منه.

  3. شرط العطية. الرب ينتظر السؤال من عبيده حتى يعطيهم.

لي تجثو كل ركبة (ع 23)

أساس الرجاء بنصرة الإنجيل ما يأتي:

  1. ما ظهر من نجاح التبشير في كل المسكونة.

  2. مواعيد الله الصادقة.

  3. مناسبة الإنجيل لجميع الناس فإنه يبشرهم بغفران الخطايا. والجميع خطاة. ويقدم لهم نعمة كافية للحياة الروحية والثبات فيها.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ وَٱلأَرْبَعُون

مضمونه:

المقابلة بين الرب وآلهة بابل فإن الآلهة مغلوبة ومحمولة إلى السبي وأما الرب فهو حامل شعبه منذ البدء وإلى النهاية وأظهر علمه السابق بنبوءاته في كورش وسيظهر بره أي صدقه بخلاص شعبه.

1، 2 «1 قَدْ جَثَا بِيلُ، ٱنْحَنَى نَبُو. صَارَتْ تَمَاثِيلُهُمَا عَلَى ٱلْحَيَوَانَاتِ وَٱلْبَهَائِمِ. مَحْمُولاَتُكُمْ مُحَمَّلَةٌ حِمْلاً لِلْمُعْيِي. 2 قَدِ ٱنْحَنَتْ. جَثَتْ مَعاً. لَمْ تَقْدِرْ أَنْ تُنَجِّيَ ٱلْحِمْلَ، وَهِيَ نَفْسُهَا قَدْ مَضَتْ فِي ٱلسَّبْيِ».

ص 21: 9 وإرميا 50: 2 و51: 44 إرميا 10: 5 إرميا 48: 7

بِيلُ اسم إله من آلهة بابل مثل بعل عند الكنعانيين وهو رمز إلى الشمس. والاسم «بيل» دخل في أسماء كثيرة كبيلشاصر.

نَبُو إله آخر من آلهة بابل وهو إله العلوم. والاسم «نبو» يقرب من كلمة نبي وجاء في بعض الأسماء المركبة كنبوخذنصر. وهذان الإلهان هما أعظم آلهة بابل وأشهرها وكان لهما هياكل عظيمة ولا سيما هيكل بيل وهو ثمانية أبراج برج فوق برج وكان البرج الأعلى معبد وفي داخله تمثال من ذهب خالص وآنية هذا المعبد كالموائد والكراسي والمذابح كلها من ذهب. والنبي يصور فتوح بابل عن يد كورش وخلفائه غير أن سلب الهياكل لم يكن من كورش الذي سمى نفسه خادماً لبيل وطلب منه النجاح والعمر الطويل. ولكن العالم فهم عند سقوط بابل أن آلهتها ليست قادرة على حفظها فابتدأ اعتبارها يقل من أيام كورش وصاعداً وتم سقوط آلهة بابل في زمان زركسيس الملك الذي دخل معبد بيل وقتل الكاهن وأخذ التمثال الذهبي.

جَثَا بِيلُ كان يجثو الناس له ولكنهم سينزلونه عن كرسيه ويُخفضون رأسه حتى يخرج من الباب وهو لا يقدر أن يخلّص نفسه ولا أحداً من الذين كانوا يسجدون له ويتكلون عليه.

تَمَاثِيلُهُمَا ميّز النبي بين الإله وبين تمثاله لأن عبدة الأصنام في يومه ربما اعتذروا بقولهم أن سجودهم ليس للخشب أو المعدن بل للروح الحال فيه أو المرموز إليه فيقول النبي «هي نفسها قد مضت إلى السبي» أي الآلهة لا تماثيلها فقط.

مَحْمُولاَتُكُمْ كان الناس يحملون هذه التماثيل على أكتافهم في احتفالاتهم وأما هنا فقيل أنها حُملت على البهائم وصارت قيمتها قيمة معدنها فقط.

حِمْلاً لِلْمُعْيِي أي الحمل ثقيل والسفر طويل.

3 - 5 «3 اِسْمَعُوا لِي يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ وَكُلَّ بَقِيَّةِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، ٱلْمُحَمَّلِينَ عَلَيَّ مِنَ ٱلْبَطْنِ، ٱلْمَحْمُولِينَ مِنَ ٱلرَّحِمِ. 4 وَإِلَى ٱلشَّيْخُوخَةِ أَنَا هُوَ، وَإِلَى ٱلشَّيْبَةِ أَنَا أَحْمِلُ. قَدْ فَعَلْتُ، وَأَنَا أَرْفَعُ، وَأَنَا أَحْمِلُ وَأُنَجِّي. 5 بِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي وَتُسَوُّونَنِي وَتُمَثِّلُونَنِي لِنَتَشَابَهَ؟».

خروج 19: 4 وتثنية 1: 31 و32: 11 ومزمور 71: 6 وص 63: 9 مزمور 102: 27 وملاخي 3: 6 مزمور 48: 14 و71: 18 ص 40: 18 و25

كُلَّ بَقِيَّةِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الباقون في بابل الذين خلصوا من الحروب والمصائب.

ٱلْمُحَمَّلِينَ عَلَيَّ الوثنيون يحملون آلهتهم وأما الرب فهو يحمل إسرائيل.

وَإِلَى ٱلشَّيْخُوخَةِ الأم تحمل ابنها مدة الطفولية فقط وأما الرب فيحمل شعبه إلى الشيخوخة أي إلى الأبد «ٱلإِلٰهُ ٱلْقَدِيمُ مَلْجَأٌ، وَٱلأَذْرُعُ ٱلأَبَدِيَّةُ مِنْ تَحْتُ» (تثنية 33: 27). وللمتقدمين في الأيام هذه الفائدة أن الرب يحملهم حين يحتاجون إلى من يحملهم لسبب ضعفهم الجسدي والعقلي وقلة أصدقائهم وعجزهم عن الأعمال والأفراح العادية فيكونون عرضة للخوف واليأس. فيحملهم الرب كما تحمل الأم طفلها بالمحبة والحنوّ.

والرب يحمل شعبه بما يأتي:

  1. مواعيده الثابتة ووصاياه الصادقة كما تحملنا الأرض التي لا تتزعزع تحت أرجلنا.

  2. غفران خطايانا إذ حملها المسيح على الصليب.

  3. جعل الرجاء فينا والنشاط في وقت الضعف واليأس.

  4. احتماله إيانا بمحبته العظيمة لأنه طويل الروح وكثير الرحمة ولا يجازينا حسب أعمالنا.

يظن البعض أن الدين حمل ثقيل والواقع عكس ذلك فإن الدين الحق ليس حملاً بل هو يحمل جميع الذين يتمسكون به في كل حين وإلى الأبد. فيجدر بالإنسان أن لا يسأل أيقدر أن يحتمل الدين بل أن يحسب أنه لا يقدر أن يستغني عنه. وأما المال فيجب على كل من يطلبه أن يسأل هل يقدر أن يحتمل تجاربه وإلا فلا يطلبه.

قَدْ فَعَلْتُ، وَأَنَا أَرْفَعُ الرب خلقنا ووضعنا في هذا العالم وهو عيّن لكل إنسان نصيبه ورتب لكل واحد ظروفه فلا يمكن الإله العادل أن يتركه بل يعطي كل إنسان النعمة ليعمل الواجبات المطلوبة منه والقوة ليحتمل المشقات المعيّنة له.

6 «اَلَّذِينَ يُفْرِغُونَ ٱلذَّهَبَ مِنَ ٱلْكِيسِ، وَٱلْفِضَّةَ بِٱلْمِيزَانِ يَزِنُونَ. يَسْتَأْجِرُونَ صَائِغاً لِيَصْنَعَهَا إِلٰهاً. يَخُرُّونَ وَيَسْجُدُونَ!».

ص 40: 19 و41: 6 و44: 12 و19 وإرميا 10: 3

لا يوجد من يشبه الرب. والنبي كرر كلامه المذكور سابقاً بخصوص بُطل الأصنام أي أنها صنعة أيدي الناس ولا تعمل شيئاً ولا تتحرك.

يُفْرِغُونَ ٱلذَّهَبَ ينفق الوثنيون مبالغ من المال على أصنامهم فيجب أن يخجل المسيحيون من قلة تقدماتهم للرب بالنسبة إلى تقدمات الوثنيين إلى أصنامهم.

7 «يَرْفَعُونَهُ عَلَى ٱلْكَتِفِ. يَحْمِلُونَهُ وَيَضَعُونَهُ فِي مَكَانِهِ لِيَقِفَ. مِنْ مَوْضِعِهِ لاَ يَبْرَحُ. يَزْعَقُ أَحَدٌ إِلَيْهِ فَلاَ يُجِيبُ. مِنْ شِدَّتِهِ لاَ يُخَلِّصُهُ».

إرميا 10: 5 ص 45: 20

يَرْفَعُونَهُ عَلَى ٱلْكَتِفِ أي من المعمل إلى هيكله.

يَزْعَقُ أَحَدٌ إِلَيْهِ يعلّي صوته ولكن الصنم لا يسمع ولا يجيب ولا يخلّص.

8 «اُذْكُرُوا هٰذَا وَكُونُوا رِجَالاً. رَدِّدُوهُ فِي قُلُوبِكُمْ أَيُّهَا ٱلْعُصَاةُ».

ص 44: 19 و47: 7

وَكُونُوا رِجَالاً من صفات الرجال ما يأتي:

  1. الاستماع. فكان أهل بيرية (أعمال 17: 11) رجالاً لأنهم قبلوا الكلمة بكل نشاط فاحصين الكتب.

  2. الثبات. أما الأولاد فيتغيرون كل ساعة ولأسباب زهيدة يفرحون أو يبكون.

  3. الشجاعة. وهي تظهر في أوقات الضيق والخوف.

  4. القوة. وليس فقط القوة الجسدية بل القوة في احتمال المشقات وانتظار وقت الفرج.

  5. الإيمان. فإن الأولاد ينظرون إلى الأمور الحاضرة فقط وأما الرجال فينظرون إلى المستقبل وأمور لا تُرى. واحتاج بنو إسرائيل إلى هذا الإنذار في مدة السبي.

أَيُّهَا ٱلْعُصَاةُ العصاة الذين يختارون الخطية ويستغنون عن خدمة الله. وليست خدمة الله إلا السلوك بموجب العقل وبموجب الضمير المتنور بواسطة كتاب الله وكل من يعتمد على أن يسلك هذا السلوك دائماً وبكل الظروف ومهما تعب أو خسر فهو المطيع للرب ومن يسلك بخلاف ذلك فهو العاصي على الرب.

9 «اُذْكُرُوا ٱلأَوَّلِيَّاتِ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ لأَنِّي أَنَا ٱللّٰهُ وَلَيْسَ آخَرُ. ٱلإِلٰهُ وَلَيْسَ مِثْلِي».

تثنية 32: 7 ص 45: 5 و21

ٱلأَوَّلِيَّاتِ هي النبوءات التي تكلم بها رجال الله منذ القديم وكانت النبوءات بما لم يُفعل ولا يُظن أنه يُفعل والرب يذكرهم على نوع خاص ما أخبرهم به من الخير أي مواعيده.

10 «مُخْبِرٌ مُنْذُ ٱلْبَدْءِ بِٱلأَخِيرِ وَمُنْذُ ٱلْقَدِيمِ بِمَا لَمْ يُفْعَلْ، قَائِلاً: رَأْيِي يَقُومُ وَأَفْعَلُ كُلَّ مَسَرَّتِي».

ص 45: 21 مزمور 33: 11 وأمثال 19: 21 و21: 30 وأعمال 5: 39 وعبرانيين 6: 17

رَأْيِي يَقُومُ رأي الرب بدعوة كورش. ورأي الرب يتضمن:

(1) خلاص شعبه من جميع أعدائهم ومن كل خطية وامتدادهم في كل المسكونة.

(2) خلاص المؤمنين أفراداً لأنه لم يخلق أحداً عبثاً بل قصد لكل واحد عملاً يمجد الله به فلا بد من قيام رأي الرب وإن كنا ضعفاء بأنفسنا وحولنا تجارب وأمامنا صعوبات. غير أن كلاً من المؤمنين حر في كل ما يعمله (فيلبي 2: 12 و13). وعلينا أن نفرح بقيام رأي الرب لأنه أحسن رأي لكل بني البشر.

11 «دَاعٍ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ ٱلْكَاسِرَ. مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ رَجُلَ مَشُورَتِي. قَدْ تَكَلَّمْتُ فَأُجْرِيهِ. قَضَيْتُ فَأَفْعَلُهُ».

ص 41: 2 و25 ص 44: 28 و45: 13 عدد 23: 19

ٱلْكَاسِرَ أو الغراب وهو طائر من الجوارح قيل أنه ملك الطيور. وكورش سُمي بهذا الاسم لشراسته وشدته وسرعته في الحروب.

12، 13 «12 اِسْمَعُوا لِي يَا أَشِدَّاءَ ٱلْقُلُوبِ ٱلْبَعِيدِينَ عَنِ ٱلْبِرِّ. 13 قَدْ قَرَّبْتُ بِرِّي. لاَ يَبْعُدُ وَخَلاَصِي لاَ يَتَأَخَّرُ. وَأَجْعَلُ فِي صِهْيَوْنَ خَلاَصاً. لإِسْرَائِيلَ جَلاَلِي».

مزمور 76: 5 رومية 10: 3 ص 51: 5 ورومية 1: 17 و3: 21 حبقوق 2: 3 ص 62: 11

قَدْ قَرَّبْتُ بِرِّي كلمة «بر» هنا بمعنى الخلاص أي عندما يخلّص الرب شعبه يظهر صدقه في مواعيده وعدله في مجازاة الأشرار. والبعيدون عن البر هم بعيدون عن الخلاص أيضاً وذلك لعصيانهم ورفضهم الخلاص بإرادتهم.

لإِسْرَائِيلَ جَلاَلِي الرب يجعل جلاله لإسرائيل أي أنه يُظهر مجده عندما يخلّص شعبه ويُظهر جلاله فيهم على الدوام والرب يتمجد في كنيسته.

  1. لأنها شاهدة لعمل الفداء وهو عمل الرب لأجلها.

  2. لأنها شاهدة لفعل الروح القدس الذي يجدد القلوب ويحوّل الأشرار إلى قديسين وهو عمل الله فيها.

  3. لأنها شاهدة لفعلية الصلاة والتبشير بكلمة الله أي عمل الله بواسطتها.

فوائد للوعاظ

حاملون ومحمولون (ع 1)

  1. حاملون الأصنام. يحب الناس أن يُحملوا على الخيل والعربات ومراكب البحر والمراكب الهوائية ولا يحبون أن يَحمِلوا. وكثيرون يطلبون أصدقاء لكي يُحملوا أي يصير لهم مساعدة منهم وهكذا يطلبون المال والوظائف لكي يتكلوا عليها ويستريحوا بواسطتها ولكنهم يجدون عكس ما ينتظرون فإن الأصدقاء يثقلون ولا يساعدون والمال والوظائف لا تريح أصحابها بل تجعل فيهم الكدر والهمّ والتعب والحسد أي هذه الخيرات هي أصنام محملة حملاً للمعيي.

  2. محمولون من الرب. الرب أقوى منا فيقدر أن يحملنا والرب يحبنا فيريد أن يحملنا كما تحب الأم أن تحمل ابنها والرب لا يتغير بل يحملنا من طفوليتنا إلى شيخوختنا. والرب يحمل نفوسنا وليس فقط في الأمور الجسدية لأنه يريحنا من حمل الخطية ومن حمل الهموم ويخلصنا من اليأس والدموع والهلاك ويجعل فينا الرجاء.

  3. متمثلون بالرب. الرب يحملنا ويقوينا ويعزينا ويحبنا لنحمل نحن الضعفاء ونعزي الحزانى ونحب جميع الناس كما أحبنا ونساعدهم كما ساعدنا.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلأَرْبَعُون

مضمونه:

في الأصحاح السابق نبوءة بسقوط آلهة بابل وعجزها عن خلاص المتكلين عليها وفي هذا الأصحاح نبوءة بسقوط بابل نفسها وهي تكني عن جميع أعداء الله. ومدينة بابل مشبهة بسيدة صارت خادمة محتقرة والنبي يصف سقوط المدينة مع ذكر الخطايا التي كانت سببه وهي الكبرياء والتنعم والاتكال على المال والحكمة البشرية والخرافات.

1 «اِنْزِلِي وَٱجْلِسِي عَلَى ٱلتُّرَابِ أَيَّتُهَا ٱلْعَذْرَاءُ ٱبْنَةَ بَابِلَ. ٱجْلِسِي عَلَى ٱلأَرْضِ بِلاَ كُرْسِيٍّ يَا ٱبْنَةَ ٱلْكِلْدَانِيِّينَ، لأَنَّكِ لاَ تَعُودِينَ تُدْعَيْنَ نَاعِمَةً وَمُتَرَفِّهَةً».

إرميا 48: 18 ص 3: 26

ٱلْعَذْرَاءُ تشبيه مدينة بابل بعذراء يشير إلى جمالها وتنعمها ولا تفيد أنها لم تُفتح قط لأن الأشوريين كانوا فتحوها مرات عديدة.

بِلاَ كُرْسِيٍّ عند افتتاح بابل عن يد كورش سقطت عن مقامها كعاصمة الممالك وفي مدة سلطة ملوك فارس كانت مدينة سوسن العاصمة غير أن الملوك قضوا قسما من كل سنة في بابل. وفي مدة سلطة السلوكيين انحطت بابل حتى وصلت إلى درجة الدمار التام.

ٱبْنَةَ ٱلْكِلْدَانِيِّينَ مدينتهم أي بابل. ومدينة بابل كناية عن كل قوة عالمية تقاوم الله كما كانت أورشليم كناية عن شعب الله على الأرض ومكانهم في المجد في السماء. وأول سفر من الكتاب المقدس يعرفنا في بابل كمركز الكبرياء والتجديف (تكوين 11) والسفر الأخير يسمى قوة العالم الشرير بابل (رؤيا 14: 8).

نَاعِمَةً وَمُتَرَفِّهَةً كانت بابل بهاء الممالك وزينة فخر الكلدانيين ومولعة بالسكر والخلاعة وانقلبت هذه الحال عند سقوطها.

2 «خُذِي ٱلرَّحَى وَٱطْحَنِي دَقِيقاً. ٱكْشِفِي نُقَابَكِ. شَمِّرِي ٱلذَّيْلَ. ٱكْشِفِي ٱلسَّاقَ. ٱعْبُرِي ٱلأَنْهَارَ».

خروج 1: 5 وقضاة 16: 21 ومتّى 24: 41

ٱلرَّحَى كان الطحن بالرحى عملاً متعباً ودنيئاً ومعتبراً من أعمال النساء الفقيرات والعبدات.

ٱكْشِفِي ٱلسَّاقَ كان لبس النقاب من عوائد السيدات المترفهات وأما الفقيرات وصاحبات الأشغال الشاقة فلا يمكنهن لبسه.

ٱعْبُرِي ٱلأَنْهَارَ إشارة إلى سقوط بابل وسبي أهلها وعبورهم الأنهار بسفرهم إلى بلاد بعيدة أو إشارة إلى خدمة العبدات التي تجبرهن على كشف الساق وعبور الأنهار.

3 «تَنْكَشِفُ عَوْرَتُكِ وَتُرَى مَعَارِيكِ. آخُذُ نَقْمَةً وَلاَ أُصَالِحُ أَحَداً».

ص 3: 17 و20: 4 وإرميا 13: 22 و26 وناحوم 3: 5 رومية 12: 19

آخُذُ نَقْمَةً وَلاَ أُصَالِحُ أَحَداً كلام الرب يشير إلى غضبه العظيم وعدم الرجاء بالمغفرة وسبب الغضب هو ظلم البابليين شعب الله في مدة السبي. في الكتاب المقدس أقوال كثيرة في رحمة الله وغفران الخطايا وأقوال أيضاً في قداسة الله وعدله فلا يمكن الغفران لغير التائبين ولا بعد الموت. وكثيرون وهم في قيد الحياة قد أماتوا ضمائرهم فلا يمكنهم التوبة والرجوع إلى الله. وغفران الخطايا من الفوائد الحاصلة للمؤمنين من موت المسيح.

4 «فَادِينَا رَبُّ ٱلْجُنُودِ ٱسْمُهُ. قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ».

ص 43: 3 و14 وإرميا 50: 34

كلام النبي بالنيابة عن إسرائيل والقول يفيد:

  1. إن إسرائيل شعب الله وهو إلههم وفاديهم (ص 44: 24).

  2. إنه صادق في كل أقواله وقدوس ولا يقدر أن يغض النظر عن خطية بابل في اضطهاد شعبه.

  3. إنه رب الجنود ويقدر أن يجري أحكامه حتى على أعظم مملكة في العالم.

5 «ٱجْلِسِي صَامِتَةً وَٱدْخُلِي فِي ٱلظَّلاَمِ يَا ٱبْنَةَ ٱلْكِلْدَانِيِّينَ، لأَنَّكِ لاَ تَعُودِينَ تُدْعَيْنَ سَيِّدَةَ ٱلْمَمَالِكِ».

1صموئيل 2: 9 ع 7 وص 13: 19 ودانيال 2: 27

الصمت يشير إلى الخراب فلا يكون بائع ولا مشتر ولا فاعل ولا صانع ولا بان ولا فلاح. والظلام يشير إلى الحزن وعدم الرجاء بالإصلاح.

لاَ تَعُودِينَ تُدْعَيْنَ سَيِّدَةَ ٱلْمَمَالِكِ لا تكون عاصمة المملكة والمملكة أيضاً لا تكون رأس الممالك.

6 «غَضِبْتُ عَلَى شَعْبِي. دَنَّسْتُ مِيرَاثِي وَدَفَعْتُهُمْ إِلَى يَدِكِ. لَمْ تَصْنَعِي لَهُمْ رَحْمَةً. عَلَى ٱلشَّيْخِ ثَقَّلْتِ نِيرَكِ جِدّاً».

2صموئيل 24: 14 و2أيام 28: 9 وزكريا 1: 15 ص 43: 28 تثنية 28: 50

غَضِبْتُ عَلَى شَعْبِي لم يقدر البابليون أن يعتذروا بقولهم إن إسرائيل أخطأ فاستحق ما أصابه لأنه لم تكن غايتهم في محاربة أورشليم إجراء مقاصد الرب بل طمعهم في زيادة مملكتهم ولم تكن معاملتهم المسبيين في بابل على نوع التأديب بل بالقساوة. كما أن إخوة يوسف أخطأوا في بيعه للعرب مع أنه استبقى حياة في مصر وأخطأ الذين صلبوا المسيح مع أن صلبه كان بموجب مشيئة الله وصار واسطة لخلاص العالم.

دَنَّسْتُ مِيرَاثِي لم يدخل أحد القدس إلا الكهنة ولم يدخل قدس الأقداس إلا رئيس الكهنة وذلك مرة فقط بالسنة وكان في قدس الأقداس التابوت وكروبا المجد مظللين الغطاء ولما رأى إشعياء الرب في الرؤيا (ص 6) «هٰذَا نَادَى ذَاكَ: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ ٱلْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ ٱلأَرْضِ». وأما الكلدانيون الوثنيون فدخلوا وسلبوا ونجسوا ذلك المكان المقدس ولم يردّهم الرب.

لَمْ تَصْنَعِي لَهُمْ رَحْمَةً نستنتج من أقوال الكتاب المقدس أن البعض من اليهود المسبيين كانوا مرحومين وناجحين في الأمور الجسدية فبنوا بيوتاً وغرسوا بساتين وتعاطوا التجارة (إرميا 29: 5) ولكن أكثرهم استُعبدوا في أشغال شاقة واحتملوا قساوة وظلماً. ولنا صور من الآثار القديمة يُرى فيها ملك بيده رمح يقلع عيني يهودي راكع أمامه ويداه مربوطتان وراء ظهره. ويُرى فيها أيضاً يهودي بأنفه حلقة وبالحلقة مرسة والمرسة بيد إنسان يقود اليهودي كدابة. ويُرى أيضاً يهود حاملون أحمالاً ثقيلة كالحجارة والطين وعليهم مسخرون بأيديهم أسواط. فيظهر من هذه الصور أن البابليين عملوا هذه الأعمال وإنهم افتخروا فيها أيضاً.

عَلَى ٱلشَّيْخِ ثَقَّلْتِ نِيرَكِ جِدّاً وأما الشيخ فيستحق الاعتبار الخصوصي:

  1. بسبب ضعفه الجسدي.

  2. بسب حكمته واختباره.

  3. لأنه خدم العالم مدة عمره الطويل.

  4. لأن الباقي من حياته قليل فلا يبقى لنا فرص أن نعمل معه خيراً.

7 «وَقُلْتِ: إِلَى ٱلأَبَدِ أَكُونُ سَيِّدَةً حَتَّى لَمْ تَضَعِي هٰذِهِ فِي قَلْبِكِ. لَمْ تَذْكُرِي آخِرَتَهَا».

ع 5 ورؤيا 18: 7 ص 46: 8 تثنية 32: 29

اتكل البابليون على غناهم في مزروعاتهم وتجارتهم واتكلوا أيضاً على أسوار مدينتهم العالية وأبوابها من النحاس وكثرة جنودها وأسلحتها فظنوا أن هذا الغنى وهذه القوة تبقى إلى الأبد (ص 56: 12). غير ان الخطية ليست باقتناء المال بل بالاتكال عليه وعدم استعماله في عمل الخير والرحمة لمجد الله (مزمور 10: 24).

لَمْ تَضَعِي هٰذِهِ فِي قَلْبِكِ تشير كلمة «هذا» إلى الخطايا المذكورة سابقاً أي القساوة والاتكال على المال والقوة الجسدية وإنكار الرب.

آخِرَتَهَا عواقب خطاياها ومنها عواقب طبيعية وهي:

  1. النفور بين أصحاب المال والصنّاع الناتج عن قساوة أصحاب المال فنتج من هذا النفور خراب الهيئة الاجتماعية لأن الجنسين لا يستغنيان عن بعضهما بل أصحاب المال يحتاجون إلى خدمة الصناع كما أن الصناع يحتاجون إلى تدبير أصحاب المال.

  2. الغفلة الناتجة عن الكبرياء والاتكال على القوة الجسدية ففاجأهم الهلاك. وأما آخرة خطاياهم أي عقابها الأخير فلا يكون في هذا العالم بل لها عقاب من الله في العالم العتيد. حتى الأمم الذين لا يعرفون الله من إعلانه في الكتاب المقدس عليهم غضب الله لأنهم لم يسلكوا بموجب الإعلان في الخليقة وشريعة الله المكتوبة في ضمائرهم.

8 «فَٱلآنَ ٱسْمَعِي هٰذَا أَيَّتُهَا ٱلْمُتَنَعِّمَةُ ٱلْجَالِسَةُ بِٱلطُّمَأْنِينَةِ، ٱلْقَائِلَةُ فِي قَلْبِهَا: أَنَا وَلَيْسَ غَيْرِي. لاَ أَقْعُدُ أَرْمَلَةً وَلاَ أَعْرِفُ ٱلثَّكَلَ».

ع 10 وصفنيا 2: 15 رؤيا 18: 7

ٱلْجَالِسَةُ بِٱلطُّمَأْنِينَةِ الطمأنينة الوهمية. قال هيرودتس إن البابليين لم يهتموا عند حصار المدينة بل قضوا الوقت بالسكر والرقص.

أَنَا وَلَيْسَ غَيْرِي معنى قول بابل إنه لم يوجد مدينة أو مملكة مثلها فبهذا القول جدفت على الله القادر على كل شيء والديّان لكل بشر.

لاَ أَقْعُدُ أَرْمَلَةً ليس للنساء حالة يُرثى لها أكثر من حالة الأرملة والمثكلة وقول بابل يشير إلى ثقتها بأنها لا تخسر قوتها وغناها فتصير مثل أرملة ولا تخلى من سكانها فتصير مثل مثكلة. وما أعظم محبة بابل لنفسها فلم تهتم بغيرها بل اكتفت أن تكون مرتاحة وحدها.. قابل تعليم الإنجيل «فَيَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ ٱلأَقْوِيَاءَ أَنْ نَحْتَمِلَ أَضْعَافَ ٱلضُّعَفَاءِ، وَلاَ نُرْضِيَ أَنْفُسَنَا» (رومية 15: 1).

9 «فَيَأْتِي عَلَيْكِ هٰذَانِ ٱلاثْنَانِ بَغْتَةً فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ: ٱلثَّكَلُ وَٱلتَّرَمُّلُ. بِٱلتَّمَامِ قَدْ أَتَيَا عَلَيْكِ مَعَ كَثْرَةِ سُحُورِكِ، مَعَ وُفُورِ رُقَاكِ جِدّاً».

ص 51: 19 و1تسالونيكي 5: 3 ناحوم 3: 4

فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ كان سقوط بابل رويداً على مدة 200 سنة والمراد هنا أن كل مصائبها ابتدأت من اليوم الذي فيه دخلها كورش وفي ذلك اليوم انقطع رجاؤها وصدر الأمر من العلي بخرابها المخيف وأتاهم ذلك اليوم بغتة.

كَثْرَةِ سُحُورِكِ كان النبي ذكر قساوة بابل وكبرياءها وهنا يذكر الثالثة من الخطايا التي سببت سقوطها وهي السحر. اشتهر علماء بابل بعلم الفلك وهو علم حقيقي غير أنهم زادوا عليه التنجيم أي الادعاء بعلاقة بين النجوم وأمور بني البشر فقالوا إن لكل إنسان نجمة تظهر أولاً في ساعة ولادته ومن سير هذه النجمة تُعرف أمور حياته المستقبلة. وقالوا إنه يوجد أيام سعد فينجح كل ما يُعمل فيها وأيام نحس لا يجوز فيها شروع عمل. وادعى المنجمون بأنهم يقدرون أن يستدلوا من النجوم على الأوقات ويعرفوا أيام السعد وأيام النحس. وكانوا يكتبون كلمات سحرية على حجارة صغيرة أو ألواح من الفخار وكان الناس يلبسونها بزعمهم أنها تحفظهم من العين والجن والأمراض وغيرها من المخاطر الوهمية والحقيقية. وكانوا يعلّمون الناس بعض ألفاظ سحرية ليلفظوها عند وقوعهم في خطر فتخلّصهم (أستير 3: 7 وحزقيال 21: 21 و22).

10 «وَأَنْتِ ٱطْمَأْنَنْتِ فِي شَرِّكِ. قُلْتِ: لَيْسَ مَنْ يَرَانِي. حِكْمَتُكِ وَمَعْرِفَتُكِ هُمَا أَفْتَنَاكِ، فَقُلْتِ فِي قَلْبِكِ: أَنَا وَلَيْسَ غَيْرِي».

مزمور 52: 7 ص 29: 15 وحزقيال 8: 12 و9: 9 ع 8

وَأَنْتِ ٱطْمَأْنَنْتِ فِي شَرِّكِ كانت الخرافات والأباطيل المذكورة تطمنهم وتغشهم بالوعد بأنهم يقدرون أن يبقوا كما هم في خطاياهم ويخلصوا من عقابها. وهكذا جميع الأديان الفاسدة تطمن الناس وهم باقون في شرورهم وأما الدين الحقيقي فهو يوضح الخلاص هو من الخطية وليس من عقابها فقط وبداءة الخلاص هي في هذه الحياة وليست في الآخرة.

قُلْتِ: لَيْسَ مَنْ يَرَانِي أي قُررت بخطيتها لأنها أرادت أن تخفي ما كانت عملته وهنا برهان على أنه للوثنيين ضمير وإنهم يعرفون واجباتهم وإن كانوا لا يعرفون طريق الخلاص.

حِكْمَتُكِ وَمَعْرِفَتُكِ الخرافات المذكورة وليست حكمة حقيقية.

11 «فَيَأْتِي عَلَيْكِ شَرٌّ لاَ تَعْرِفِينَ فَجْرَهُ، وَتَقَعُ عَلَيْكِ مُصِيبَةٌ لاَ تَقْدِرِينَ أَنْ تَصُدِّيهَا، وَتَأْتِي عَلَيْكِ بَغْتَةً تَهْلُكَةٌ لاَ تَعْرِفِينَ بِهَا».

1تسالونيكي 5: 3

شَرٌّ لاَ تَعْرِفِينَ فَجْرَهُ أي شر لا خلاص منه وليس له نهاية كليل لا يليه صباح. ادعت بابل بأنها عرفت الأمور المستقبلة فيأتيها شر لم تعرفه ولا تنتظره ولا تقدر أن تخلص منه. وليس نبوءة بترجيع بابل.

بَغْتَةً أي المصيبة التي وقعت عليها لم تعرفها قبل وقوعها فكيف تقدر أن تدعي بالمعرفة بالمستقبلات.

12 «قِفِي فِي رُقَاكِ وَفِي كَثْرَةِ سُحُورِكِ ٱلَّتِي فِيهَا تَعِبْتِ مُنْذُ صِبَاكِ. رُبَّمَا يُمْكِنُكِ أَنْ تَنْفَعِي. رُبَّمَا تُرْعِبِينَ».

قِفِي فِي رُقَاكِ تهكم من النبي كقول إيليا لأنباء البعل (1ملوك 18: 27).

ٱلَّتِي فِيهَا تَعِبْتِ تعب أهل بابل في سحورهم لأن كهنتهم كانوا حاكمين عليهم في كل أمورهم وليس فقط في الأمور الدينية فلم يقدروا أن يبنوا ولا يسافروا ولا يحاربوا ولا يعملوا شيئاً بدون إذن منهم وكانت هذه العبودية تصغر العقل وتميت الضمير وفوق ذلك أنفقوا مبلغاً عظيماً من المال على المعابد والتماثيل ومعاشات الكهنة وكثيراً ما توقف أشغالهم وأحياناً وقع اختلاف بين الكهنة والملوك فكان الكهنة يقاومون الملك ويعملون تشويشاً بينه وبين رعيته. فكان من أسباب سقوط بابل:

  1. القساوة على العبيد والشعوب المحكوم عليهم.

  2. التنعم والترفه.

  3. سلطة العلماء والسحرة.

مُنْذُ صِبَاكِ منذ تأسيس المدينة.

13 «قَدْ ضَعُفْتِ مِنْ كَثْرَةِ مَشُورَاتِكِ. لِيَقِفْ قَاسِمُو ٱلسَّمَاءِ ٱلرَّاصِدُونَ ٱلنُّجُومَ، ٱلْمُعَرِّفُونَ عِنْدَ رُؤُوسِ ٱلشُّهُورِ، وَيُخَلِّصُوكِ مِمَّا يَأْتِي عَلَيْكِ».

ص 57: 10 ص 44: 25 ودانيال 2: 2

قَدْ ضَعُفْتِ مِنْ كَثْرَةِ مَشُورَاتِكِ يضعف عقل الإنسان وضميره من عدم اتكاله عليهما. وكان البابليون تركوا الله واتكلوا على غيره وحسب اعتقادهم لم يتوقف النجاح في عمل ما على الرأي المصيب والاجتهاد فيه ولا على الحق بل على مجرد الصدفة والحظ.

قَاسِمُو ٱلسَّمَاءِ قسم العلماء السماء إلى اثني عشر برجاً وسموا كل برج باسم كالسرطان والجدي والتيس الخ وغايتهم التسهيل في تسمية النجوم أفراداً ورصدها.

ٱلْمُعَرِّفُونَ عِنْدَ رُؤُوسِ ٱلشُّهُورِ كان العلماء ينشرون في أول كل شهر زيجاً أو مطبوخاً يخبر عن أمور فلكية ويتنبأ بأمور بني البشر المستقبلة كما ادعوا. ووُجد بين الآثار القديمة كتاب مركب من سبعين قرميدة في علم الفلك وتاريخ هذا الكتاب منذ ألفين وخمس مئة سنة قبل المسيح.

14 «هَا إِنَّهُمْ قَدْ صَارُوا كَٱلْقَشِّ. أَحْرَقَتْهُمُ ٱلنَّارُ. لاَ يُنَجُّونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ يَدِ ٱللَّهِيبِ. لَيْسَ هُوَ جَمْراً لِلاِسْتِدْفَاءِ وَلاَ نَاراً لِلْجُلُوسِ تُجَاهَهَا».

ناحوم 1: 10 وملاخي 4: 1

علماؤهم وكهنة دينهم كالقش اليابس الذي لا يرد النار بل يزيدها قوة ويتلاشى منها حالاً وهكذا علماء بابل لا يقدرون أن ينجوا أنفسهم ولا مدينتهم بل كانوا يعجلون قدوم يوم الهلاك.

لِيْسَ هُوَ جَمْراً لِلاِسْتِدْفَاءِ لا تكون مصيبتهم مصيبة جزئية كجمرة نار بل تكون دماراً كاملاً كحريق عظيم لا يترك شيئاً.

15 «هٰكَذَا صَارَ لَكِ ٱلَّذِينَ تَعِبْتِ فِيهِمْ. تُجَّارُكِ مُنْذُ صِبَاكِ قَدْ شَرَدُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى وَجْهِهِ وَلَيْسَ مَنْ يُخَلِّصُكِ».

رؤيا 18: 11

تُجَّارُكِ وهم مستوطنون فقط في بابل فليس لهم محبة لها كوطنهم بل يسألون عن مصالحهم الشخصية فقط فيهربون حالاً كل واحد في طريقه. وبالإجمال ليست قوة المدينة بأسوارها وأبراجها ولا بالمدافع والبوارج الحربية بل برجالها. وكانت بابل ضعيفة لأن البعض من أهلها كانوا عبيداً والبعض كهنة والبعض تجاراً أجنبيين فلم يهتم أحدهم بصالح المدينة والنفع العمومي. وأما الشرور التي كانت بابل تكنى عنها فهي في العالم اليوم أي الكبرياء والكفر ومحبة المال ومحبة الذات والظلم والقساوة. وبابل الروحية هذه لم تزل تقاوم ملكوت الله.

فوائد للوعاظ

كيف نعمل بما وكلنا الله عليه (ع 6).

  1. كثيراً ما نهمل الصلاة ونعمل بحسب حكمتنا وإرادتنا وننسى أن عملنا هو عمل الرب.

  2. كثيراً ما نخدم الناس كفرض لازم ونعمل المطلوب منا فقط بلا زيادة ونعمله بلا محبة قلبية.

  3. كثيراً ما نعمل لغاية مجد أنفسنا فلا نحتمل التوبيخ ولا نطلب نجاح غيرنا.

أنت اطمأننت في شرك (ع 10)

الاطمئنان الباطل يحتوي على:

  1. غض النظر عن المستقبل وقدوم الموت ويوم الدينونة.

  2. الاتكال على الذات وقوة الجسد وحذاقة العقل.

  3. الاتكال على الأباطيل كالسحر والدين الفاسد.

  4. الاتكال على الكفر وإنكار الله والأبدية وعواقب الخطية.

وعقاب الاطمئنان الباطل عدم الاستعداد ليوم الدينونة كمن لا يستعد بالصيف لفصل الشتاء أو كمن يستدين ويصرف ولا يفكر بوفاء الدَين.

قد ضعفت (ع 13)

أسباب الضعف

  1. كثرة المشورات. فإن الطريق المستقيم واحد ولكن طرق الضلال كثيرة. إذا استدعينا طبيباً حقيقياً يصف لنا أحسن دواء فإذا تركناه ونظرنا إلى الدجالين نرى أن لكل منهم رأي يختلف عن رأي الآخر.

  2. كثرة اللذات الجسدية. فإن الجسد يضعف من الأكل والشرب بشراهة أكثر من الأكل القليل. ومن يقضي كل وقته بالتسلية تصير له التسلية شغلاً متعباً أكثر من الشغل الجائز.

  3. كثرة الراحة. كما يضعف الجسد من عدم العمل تضعف النفس أيضاً من عدم المحبة وعدم الخدمة.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ وَٱلأَرْبَعُون

مضمونه:

ينقسم القسم الثاني من نبوءة إشعياء وهو من ص 40 إلى آخر السفر إلى ثلاثة أقسام وفي كل منها تسع أصحاحات والأصحاح 48 هو آخر القسم الأول من الأقسام الثلاثة وهو على سبيل مراجعة بعض المواضيع المهمة فيها كنصرة كورش والتمييز بين الإله الحقيقي والأصنام وآخره القول «لاَ سَلاَمَ قَالَ ٱلرَّبُّ لِلأَشْرَارِ» (ع 22). والقسم الثاني ينتهي بهذا القول نفسه (ص 57: 21).

وهذا الأصحاح يذكر خطايا إسرائيل ولا سيما الرياء ويذكر أيضاً محبة الرب لهم وإن كانوا غير مستحقين ومقاصده في خلاصهم لأجل اسمه. ولم يُعد النبي بعد هذا الأصحاح إلى الكلام في نصرة كورش وسقوط بابل والأوليات والمستقبلات وبطل الأصنام ووحدانية الرب مما تمعن فيه في ما سبق من النبوءة. وخاطب النبي المسبيين في بابل الذين أكثرهم من سبط يهوذا.

1، 2 «1 اِسْمَعُوا هٰذَا يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ ٱلْمَدْعُوِّينَ بِٱسْمِ إِسْرَائِيلَ ٱلَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ مِيَاهِ يَهُوذَا، ٱلْحَالِفِينَ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ، وَٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ، لَيْسَ بِٱلصِّدْقِ وَلاَ بِٱلْحَقِّ! 2 فَإِنَّهُمْ يُسَمَّوْنَ مِنْ مَدِينَةِ ٱلْقُدْسِ وَيُسْنَدُونَ إِلَى إِلٰهِ إِسْرَائِيلَ. رَبُّ ٱلْجُنُودِ ٱسْمُهُ».

مزمور 68: 26 تثنية 6: 13 وص 65: 16 وصفنيا 1: 5 إرميا 4: 2 و5: 2 ص 52: 1 ميخا 3: 11 ورومية 2: 17

يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ تشير لفظة «يعقوب» إلى الأصل الطبيعي ولفظة «إسرائيل» إلى النسبة إليه كرئيس العهد ومستلم المواعيد.

مِيَاهِ يَهُوذَا يهوذا مذكور دون غيره من أولاد يعقوب وهو مشبه بنبع والشعب بالمياه الخارجة منه (مزمور 68: 26) لا لأنهم جميعاً متسلسلون منه تسلسلاً طبيعاً بل لأن الرئاسة كانت له وكان الملوك منه. فالنبي خاطب شعب الله كلهم بغض النظر عن الأصل أي سواء كانوا من يهوذا أو كانوا من الأسباط العشرة. وأوضح أنهم مدعوون لكونهم شعب الله لا لكونهم أبراراً فيجب أن لا ينظروا إلى دعوتهم ليفتخروا بها ولا إلى خطاياهم ليقنطوا.

ٱلْحَالِفِينَ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ كان يجب أن يحلفوا باسم الرب لأنهم كانوا يعترفون بذلك به (تثنية 6: 13). ولا نستنتج من ذلك أن الحلف يجوز في المحادثة المعتادة بل في أحوال توجب القسم كالشهادة في المحكمة أو في التعيين لمقام (متّى 5: 33 - 37).

لَيْسَ بِٱلصِّدْقِ خطية إسرائيل الغالبة في الرياء لأنهم كانوا يسمون باسم إسرائيل ويقولون الرب إلههم ومع ذلك كانوا يخالفون وصاياه ويسجدون للأصنام وهم كاليهود في زمان المسيح في افتخارهم بأنهم ذرية إبراهيم (يوحنا 8: 33). وأما المسيح فقال فيهم «يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هٰذَا ٱلشَّعْبُ بِفَمِهِ، وَيُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيداً» (متّى 15: 8).

يُسَمَّوْنَ مِنْ مَدِينَةِ ٱلْقُدْسِ اتكالهم على نسبتهم إلى أورشليم برهان على عدم وجود البرّ الحقيقي فيهم.

رَبُّ ٱلْجُنُودِ ٱسْمُهُ كثيراً ما يتعلق هذا الاسم بذكر قداسة الله واستعماله يذكر اليهود أن الرب ليس إله إسرائيل بمعنى أنه يغض النظر عن خطاياهم لكونهم بني إسرائيل بل هو إله عادل وقدوس.

3 «بِٱلأَوَّلِيَّاتِ مُنْذُ زَمَانٍ أَخْبَرْتُ، وَمِنْ فَمِي خَرَجَتْ وَأَنْبَأْتُ بِهَا. بَغْتَةً صَنَعْتُهَا فَأَتَتْ».

ص 41: 22 و42: 9 و43: 9 و44: 7 و8 و45: 21 و46: 9 و10 يشوع 21: 45

بِٱلأَوَّلِيَّاتِ الأرجح أن المراد «بالأوليات» هنا كل النبوءات القديمة والحديثة (ع 6) قسم جديد من النبوءات يبتدئ في ص 49 وموضوعها المسيح وملكوته. والأوليات تشتمل على النبوءات والحوادث التي تمت النبوءات فيها.

بَغْتَةً أي في تاريخ تلك النبوءات لم يكن شيء يدل على حدوث الحوادث المذكورة في النبوءات كهلاك جيش سنحاريب.

صَنَعْتُهَا فَأَتَتْ (انظر ص 46: 11) «قَدْ تَكَلَّمْتُ فَأُجْرِيهِ. قَضَيْتُ فَأَفْعَلُهُ» الرب أولاً قضى وتكلم بما سيحدث وفي الوقت المعين أتى بالحوادث فالكل منه والكل به.

4 «لِمَعْرِفَتِي أَنَّكَ قَاسٍ، وَعَضَلٌ مِنْ حَدِيدٍ عُنُقُكَ، وَجِبْهَتُكَ نُحَاسٌ».

خروج 32: 9 وتثنية 31: 27

هذه الآية توبيخ شديد وهو نادر في نبوءة إشعياء غير أنه أتى كثيراً في حزقيال.

عَضَلٌ مِنْ حَدِيدٍ عُنُقُكَ يشير إلى عناد إسرائيل وهو مشبه بثور لا يقبل النير ولا يطيع صاحبه.

جِبْهَتُكَ نُحَاسٌ يشير إلى قلة الحياء كامرأة زانية (إرميا 3: 3) أو إلى العناد (حزقيال 3: 7).

5 «أَخْبَرْتُكَ مُنْذُ زَمَانٍ. قَبْلَمَا أَتَتْ أَنْبَأْتُكَ، لِئَلاَّ تَقُولَ: صَنَمِي قَدْ صَنَعَهَا، وَمَنْحُوتِي وَمَسْبُوكِي أَمَرَ بِهَا».

ع 3

أَخْبَرْتُكَ مُنْذُ زَمَانٍ أي بالأوليات المذكورة في (ع 3). وهذه النبوءات كانت عجيبة جداً وفائقة كل حكمة بشرية فلا يمكن أحد غير الله أن يعرفها. المختبرون في الأمور السياسية يقدرون أن يخبروا بما سيحدث على الأرجح وأما الرب فأخبر بالتأكيد بما سيكون ولم يخبر فقط بأمور قريبة في الزمان بل أيضاً بأمور بعيدة جداً وأمور تخالف كل انتظار الناس وظنونهم كسقوط بابل وذكر كورش باسمه قبلما وُلد بمئة سنة ونيف. ولا شك أن الرب قصد بهذه النبوءات غير المعتادة أن يسكت ويخجل المتكلين على الأصنام ولا يكون ذلك إلا بنبوءات كهذه فإن عناد إسرائيل غير المعتاد استلزم نبوءات غير معتادة.

لِئَلاَّ تَقُولَ: صَنَمِي يظهر أن أكثر اليهود كانوا يسجدون للأصنام لا قبل السبي فقط بل في مدة السبي أيضاً (حزقيال 20: 30 - 33). والذين رجعوا من السبي وهم القسم الأقل كانوا الساجدين للرب وأما الساجدون للأصنام فبقوا في بابل وربما بعضهم سجدوا للرب وللأصنام معاً أي عبادة ممتزجة وبعضهم تركوا الرب كل الترك.

6، 7 «6 قَدْ سَمِعْتَ فَٱنْظُرْ كُلَّهَا. وَأَنْتُمْ أَلاَ تُخْبِرُونَ؟ قَدْ أَنْبَأْتُكَ بِحَدِيثَاتٍ مُنْذُ ٱلآنَ، وَبِمَخْفِيَّاتٍ لَمْ تَعْرِفْهَا. 7 ٱلآنَ خُلِقَتْ وَلَيْسَ مُنْذُ زَمَانٍ، وَقَبْلَ ٱلْيَوْمِ لَمْ تَسْمَعْ بِهَا، لِئَلاَّ تَقُولَ: هَئَنَذَا قَدْ عَرَفْتُهَا».

قَدْ سَمِعْتَ أي إسرائيل كان قد سمع النبوءات.

فَٱنْظُرْ أي انظر الآن تمام هذه النبوءات.

أَلاَ تُخْبِرُونَ أي إسرائيل لا يقدر أن ينكر إتمام النبوءات فلا يجوز له أن يرفض طلب الرب بل عليه أن يشهد بما كان قد سمعه ونظره وهذه الشهادة واجبة عليه خصوصاً لكونه شعب الله.

بِحَدِيثَاتٍ (انظر ع 3) أي قسم جديد من النبوءات يبتدئ في (ص 49) وموضوعها المسيح وملكوته. وهذه الحديثات مخفيات عن الناس لأنها مستقبلة فلا يقدرون أن يعرفوها وهي بعيدة عن كل اختبارهم فلا يقدرون أن يرجحوها.

ٱلآنَ خُلِقَتْ الأمور المختصة بعبد الرب والفداء بالمسيح وهذه الأمور كانت بمقاصد الرب الأزلية ويكون إتمامها في العصور المستقبلة ولكنها خُلقت الآن بالمعنى أنها ذُكرت وظهرت بالنبوءات ولم يعرفها قبل النبوءات أحد من الناس وكانت كأنها خُلقت عندما أُعلنت.

وَقَبْلَ ٱلْيَوْمِ لَمْ تَسْمَعْ بِهَا كانت في الأسفار المقدسة القديمة رموز وإشارات إلى المسيح وطريقة الخلاص غير أنه لم يكن إعلان واضحاً كما يأتي في نبوءات إشعياء من (ص 49) وصاعداً.

لِئَلاَّ تَقُولَ لو أُعلنت هذه الحديثات في القديم لكانت عند اليهود في عصر إشعياء كأشياء بسيطة ومفهومة ونسبوا معرفتهم بها إلى قوة عقولهم كما أن بعض أهل عصرنا اعتادوا الكتب المقدسة فلا يرون فيها شيئاً عجيباً بل يظنون أنهم يعرفون كل شيء بقوة أذهانهم ويجهلون أنهم لولا إعلان الله كتابه المقدس كانوا كالبرابرة في ظلام دامس.

8 «لَمْ تَسْمَعْ وَلَمْ تَعْرِفْ، وَمُنْذُ زَمَانٍ لَمْ تَنْفَتِحْ أُذُنُكَ، فَإِنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ تَغْدُرُ غَدْراً، وَمِنَ ٱلْبَطْنِ سُمِّيتَ عَاصِياً».

مزمور 58: 3

لَمْ تَسْمَعْ كانوا قد سمعوا النبوءات ولكنهم لم ينتبهوا لها ولا آمنوا بها. وإن لم ينتبهوا للمبادئ فكيف يفهمون أمور المسيح والخلاص التي سيأتي الإعلان بها.

مُنْذُ زَمَانٍ ظهر عدم إيمان إسرائيل من أول تاريخه باعتبار كونه شعب الله.

فَإِنِّي عَلِمْتُ لم يعلن لهم الرب هذه الأمور منذ زمان ولم يفتح آذانهم لمعرفته أنهم لا يقبلون الإعلان ولا يحفظون العهد.

تَغْدُرُ غَدْراً خالفوا العهد الذي بينهم وبين إلههم.

وَمِنَ ٱلْبَطْنِ من أول ما صاروا شعباً.

9 «مِنْ أَجْلِ ٱسْمِي أُبَطِّئُ غَضَبِي، وَمِنْ أَجْلِ فَخْرِي أُمْسِكُ عَنْكَ حَتَّى لاَ أَقْطَعَكَ».

مزمور 79: 9 و106: 8 وص 43: 25 وع 11 وحزقيال 20: 9 و14 و22 و44 مزمور 78: 38

خطايا إسرائيل المذكورة في هذا الأصحاح أي الرياء والعناد وعدم الاستماع استوجبت غضب الله في الحال ولكنه بطأ غضبه لأنه كان قد اختار إسرائيل وسماه شعبه الخاص ولو تركهم لجدف الأمم على اسمه (تثنية 9: 28 وخروج 32: 12). وتذكر الرب مواعيده لشعبه ومقاصده في خلاصهم وخلاص العالم بواسطتهم فلأجل اسمه لم يرد أن يقطعهم. ومجد الله أهم من كل منفعة لخلائقه (1) لأن الله أعلى من خلائقه. (2) لأن كل منفعة لخلائقه متعلقة بمجده وإظهار صفاته الكاملة.

10 «هَئَنَذَا قَدْ نَقَّيْتُكَ وَلَيْسَ بِفِضَّةٍ. ٱخْتَرْتُكَ فِي كُورِ ٱلْمَشَقَّةِ».

مزمور 66: 10 حزقيال 22: 20 و21 و22

لَيْسَ بِفِضَّةٍ هذه العبارة تحتمل تفسيرين:

(1) الامتحان بلا قساوة. قيل في (مزمور 12: 6) «كَلاَمُ ٱلرَّبِّ كَلاَمٌ نَقِيٌّ، كَفِضَّةٍ مُصَفَّاةٍ فِي بُوطَةٍ فِي ٱلأَرْضِ، مَمْحُوصَةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ». وأما امتحان إسرائيل فلم يكن هكذا بل برحمة واعتدال. ولو عاملهم الرب بالعدل حسب خطاياهم لهلكوا تمام الهلاك.

(2) الامتحان بلا نتيجة. أي أن الرب كان أدّب شعبه ولم ينتج من تأديبه شيء من الأعمال الصالحة كصائغ حمىّ كوره ووضع المعدن فيه وبعد كل تعبه لم يخرج منه شيء من الفضة بل كان كل ما خرج خبثاً لا قيمة له. الصائغ يقصد الربح لنفسه وأما الرب فلشعبه وكل ما يحتملونه من التأديب إنما هو لمنفعتهم.

11 «مِنْ أَجْلِ نَفْسِي، مِنْ أَجْلِ نَفْسِي أَفْعَلُ. لأَنَّهُ كَيْفَ يُدَنَّسُ ٱسْمِي؟ وَكَرَامَتِي لاَ أُعْطِيهَا لآخَرَ».

ع 9 تثنية 32: 26 و27 وحزقيال 20: 9 ص 42: 8

مِنْ أَجْلِ نَفْسِي لم يخترهم من أجل غناهم أو قوتهم أو أعمالهم الصالحة بل لأجل اسمه ليظهر فيهم رحمته ونعمته وقوته في خلاصهم من أعدائهم ومن خطاياهم.

أَفْعَلُ وبالمستقبل أيضاً يخلّصهم من أجل نفسه ولو كانوا غير مستحقين.

لأَنَّهُ كَيْفَ يُدَنَّسُ ٱسْمِي يُدنس اسم الرب بأمرين:

الأول: أن يتركهم بلا تأديب فيستنتج الأمم أن الرب راض بأعمالهم القبيحة.

الثاني: بتركه شعبه بلا خلاص فيستنتج الأمم أن الرب ليس قادراً على خلاصهم وغير أمين في مواعيده.

12، 13 «12 اِسْمَعْ لِي يَا يَعْقُوبُ. وَإِسْرَائِيلُ ٱلَّذِي دَعَوْتُهُ. أَنَا هُوَ. أَنَا ٱلأَوَّلُ وَأَنَا ٱلآخِرُ، 13 وَيَدِي أَسَّسَتِ ٱلأَرْضَ وَيَمِينِي نَشَرَتِ ٱلسَّمَاوَاتِ. أَنَا أَدْعُوهُنَّ فَيَقِفْنَ مَعاً».

تثنية 32: 39 ص 41: 4 و44: 6 ورؤيا 1: 17 و22: 13 مزمور 102: 25 ص40: 26

وعلى إسرائيل أن يسمع لسببين (1) إن الله دعاه ووجه كلامه إليه خاصة. (2) إن المتكلم هو الله القادر على كل شيء وخالق كل شيء.

أَنَا هُوَ الله غير متغير ومنذ الأزل هو هو وإلى الأبد.

وَأَنَا ٱلآخِرُ الله وعد المؤمنين به بالحياة الأبدية فلا يكون هو الآخر وحده ولكن كل شيء منه لأنه خلق الكل والحياة الأبدية منه لأنه يحفظ خلائقه على الدوام وكل شيء له وهو غاية كل شيء لأنه خلق الكل لأجل مجده.

أَنَا أَدْعُوهُنَّ انظر فعل المضارع لأن الله ليس الخالق فقط في البدء بل هو الآن حافظ الكل والمعتني بكل شيء وبدون عنايته الدائمة لا يقف الكون. وكل شيء من المخلوقات تحت أمره يدعوه فيقف. فكم بالحري يجب على الإنسان أن يسمع عندما يدعوه الرب والذي يعتني به بالأرض والسموات فكلم بالحري يقدر أن يحفظ شعبه ويخلصه.

14 «اِجْتَمِعُوا كُلُّكُمْ وَٱسْمَعُوا. مَنْ مِنْهُمْ أَخْبَرَ بِهٰذَا؟ قَدْ أَحَبَّهُ ٱلرَّبُّ. يَصْنَعُ مَسَرَّتَهُ بِبَابِلَ، وَيَكُونُ ذِرَاعُهُ عَلَى ٱلْكِلْدَانِيِّينَ».

ص 41: 22 و43: 9 و44: 7 و45: 20 و21 ص 45: 1 ص 44: 28

اِجْتَمِعُوا كُلُّكُمْ يا إسرائيليون.

مَنْ مِنْهُمْ أَخْبَرَ أي مَن مِنَ الأمم أخبر بهذه أي سقوط بابل وخلاص إسرائيل فإن الأمم لا يقدرون أن يقولوا أن آلهتهم تنبأت بهذه وأما الرب فأخبر بها قبل حدوثها بمئة وخمسين سنة فيجب على إسرائيل أن يعترف بأن الرب هو الله.

قَدْ أَحَبَّهُ ٱلرَّبُّ أي كورش ولا نفهم من هذا القول أنه أحبه كما أحب إبراهيم وداود لأن كورش كان ملكاً وثنياً ولكنه كان كآلة مختارة لإتمام إرادته في خلاص شعبه من بابل وكان موافقاً لهذه الغاية ومطيعاً في هذا الأمر. وهكذا في (إرميا 25: 9) «نَبُوخَذْنَصَّرَ عَبْدِي».

يَصْنَعُ مَسَرَّتَهُ بِبَابِلَ كورش سيصنع مسرة الرب بدمار بابل وكان ذلك مسرة الرب وليس مسرة كورش فقط.

ذِرَاعُهُ عَلَى ٱلْكِلْدَانِيِّينَ ذراع كورش أي يحاربهم ويغلبهم.

15 «أَنَا أَنَا تَكَلَّمْتُ وَدَعَوْتُهُ. أَتَيْتُ بِهِ فَيَنْجَحُ طَرِيقُهُ».

ص 45: 1 و2 الخ

أَنَا أَنَا تكرار لفظة «أنا» يدل على أهمية القول وبالحقيقة تسمية كورش قبلما وُلد وارتقاءه إلى كرسي الملك ونجاحه وانتصاره على الكلدانيين من الأمور العجيبة لا يقدر أحد غير الله أن يعملها أو يعرفها قبل حدوثها.

فَيَنْجَحُ طَرِيقُهُ (ص 41: 2 و3 و45: 1 - 3).

16 «تَقَدَّمُوا إِلَيَّ. ٱسْمَعُوا هٰذَا. لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنَ ٱلْبَدْءِ فِي ٱلْخَفَاءِ. مُنْذُ وُجُودِهِ أَنَا هُنَاكَ، وَٱلآنَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ أَرْسَلَنِي وَرُوحُهُ».

ص 45: 19 ص 61: 1 وزكريا 2: 8 و9 و11

تَقَدَّمُوا إِلَيَّ الرب هو المتكلم.

لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنَ ٱلْبَدْءِ فِي ٱلْخَفَاءِ (ص 45: 19).

مُنْذُ وُجُودِهِ أي وجود هذا الأمر في قضاء الله منذ الأزل.

أَنَا هُنَاكَ (أمثال 8: 27) الرب لم يقتصر على أن تكلم وقضى في البدء فهو يجري كل شيء ويعتني بكل شيء من الأول إلى النهاية. وهو العامل في كل أمور العالم من البدء إلى الآن.

وَٱلآنَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ أَرْسَلَنِي وَرُوحُهُ رأى بعضهم أن النبي هو المتكلم ولكن الأرجح أن المتكلم هنا المسيح وروح الرب كان عليه (ص 61: 1) «روح السيد الرب عليّ» والمسيح هو الكلمة أي الله كلم الناس به وأظهر به مجده وليس فقط بعد التجسد بل في العهد القديم أيضاً (تكوين 18: 13 وقضاة 6: 11 و13: 3). والله الآب عمل العالمين به وهو الحامل كل الأشياء بكلمة قدرته (عبرانيين 1: 3) فيجوز أن نقول أن المسيح هو المتكلم بهذه الآية كلها.

17 «هٰكَذَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ فَادِيكَ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ: أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ مُعَلِّمُكَ لِتَنْتَفِعَ، وَأُمَشِّيكَ فِي طَرِيقٍ تَسْلُكُ فِيهِ».

ص 43: 14 و44: 6 و24 وع 20 مزمور 32: 8

الرب يعلّم شعبه بلسان الأنبياء وبالتأديب أيضاً. والقول «الرب معلم شعبه» يشير إلى ثلاثة أمور:

  1. تنازله ومحبته الأبوية وطول أناته.

  2. قيمة الإنسان عنده فإن هذا القول يستلزم أن الإنسان قابل التعليم وذو عقل وإدراك وضمير.

  3. مسؤولية الإنسان فإن الرب لا يجبره كبهيمة أو عبد بل يعلّمه ليفهم ويعرف ويقتنع ويطيع الرب بإرادته واختياره.

فَادِيك بيّن الله محبته لشعبه على طرق كثيرة بأنه اختارهم وفداهم من عبودية مصر وسبي بابل ولا سيما بذله ابنه الفادي لجميع المؤمنين فكان موت المسيح برهاناً قاطعاً على محبة الله. فمهما أصابنا من المصائب والأحزان لا نشك في محبته لنا.

قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ ليست غاية تعليمه الراحة الوقتية بل القداسة والآلام الجسدية وخسارة الأموال قد تكون وسائط لخلاص النفس والنمو في الروحيات وكل ما يصيبنا هو لنفعنا.

وَأُمَشِّيكَ تعليم الرب فعّال لأنه لا يكتفي بالكلام بل أيضاً يجعل روحه في داخلهم ويجعلهم يسلكون في فرائضه (حزقيال 36: 27).

18 «لَيْتَكَ أَصْغَيْتَ لِوَصَايَايَ، فَكَانَ كَنَهْرٍ سَلاَمُكَ وَبِرُّكَ كَلُجَجِ ٱلْبَحْرِ».

تثنية 32: 29 ومزمور 81: 13 مزمور 119: 165

لَيْتَكَ نفهم من هذا القول:

  1. إن الرب لا يشاء أن يهلك الناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة.

  2. إنه أعطى الإنسان الحرية ليقبل الخلاص أو يرفضه كما يشاء غير أننا لا نقدر أن نفهم كيف يقول القادر على كل شيء «ليتك» كأنه اشتهى شيئاً بعد الوقوع أو مستحيل الوقوع. فما أعظم محبة الله وما أعظم مسؤولية الإنسان.

فَكَانَ كَنَهْرٍ سَلاَمُكَ السلام الموعود به يشبه النهر في أمور:

  1. إنه من فوق ومن الله وليس من العالم كما أن النهر من نبع أعلى منه وماء النبع من المطر النازل من السماء.

  2. إنه يدوم فيشبه نهراً كبيراً كالفرات الذي لا تنقطع مياهه ولا ينشف وأما سلام العالم فكسيول الأودية التي إلى حين فقط فتنشف وتبقى الأودية بلا ماء أكثر السنة.

  3. إنه يشمل كل أمورنا سواء كانت مهمة أو كانت زهيدة كمياه نهر يغطي كل ما في طريقه.

  4. إنه مثمر فحين يحل سلام الله في قلوبنا نزداد في كل نعمة كأرض مصر التي خصبها العجيب من نهر النيل.

  5. إنه يزداد يوماً فيوماً وسنة فسنة من سني حياتنا على الأرض فنصل إلى السلام الكامل كما أن النهر يزداد حتى يصل إلى البحر غير المحدود.

بِرُّكَ القرينة تدل عى أن كلمة بر هنا مستعملة في معنى التدبير والفوائد الناتجة عنه كالراحة والسلام فإن بني إسرائيل لم يكونوا أبراراً نظراً إلى أعمالهم ولكن الرب وعدهم بالغفران فيكونون كأنهم أبرار وكما كانت خطاياهم سبباً لضيقاتهم هكذا يكون تبريرهم سبباً للراحة والسلام.

كَلُجَجِ ٱلْبَحْرِ التبرير كلجج البحر في ما يأتي:

  1. البحر غير المحدود وكما يغطي كل شيء هكذا بر المسيح يغطينا فلا تظهر خطايانا ولا تُذكر.

  2. إن لجج البحر قوية جداً ولا يقدر بني البشر أن يردوها وهكذا برّ المسيح «مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي ٱللّٰهِ؟ اَللّٰهُ هُوَ ٱلَّذِي يُبَرِّرُ» (رومية 8: 33).

19 «وَكَانَ كَٱلرَّمْلِ نَسْلُكَ وَذُرِّيَّةُ أَحْشَائِكَ كَأَحْشَائِهِ. لاَ يَنْقَطِعُ وَلاَ يُبَادُ ٱسْمُهُ مِنْ أَمَامِي».

تكوين 22: 17 وهوشع 1: 10

وَكَانَ كَٱلرَّمْلِ نَسْلُكَ هكذا وعد الله إبراهيم (تكوين 22: 17) وتم الوعد جزئياً ووقتياً في أيام سليمان (1ملوك 4: 20) وسيتم في أولاد إبراهيم بالإيمان أي المؤمنين بالمسيح ولولا خطايا إسرائيل لتم الوعد كل التمام بنمو نسل إبراهيم حسب الجسد. غير أن الذين رجعوا من سبي بابل كانوا قليلين جداً بالنسبة إلى الوعد.

كَأَحْشَائِهِ أي الحيوانات العديدة في البحر. قيل إن السردين في البحر لا ينقطع ولو أكل منه كل أهل أوربا كل يوم.

لاَ يُبَادُ ٱسْمُهُ أي اسم إسرائيل والمعنى أن الأمة لا تتلاشى بواسطة حروب أو سبي أو انضمام إلى أمة أخرى بل تبقى أمة عظيمة وحرة.

أَمَامِي يكون نظر الله عليها في كل حين وهكذا الرب أكد لشعبه محبته غير المحدودة وأكد لهم أيضاً أنه طالب خلاصهم ولكنهم رفضوا محبته وأهلكوا أنفسهم.

20 «اُخْرُجُوا مِنْ بَابِلَ، ٱهْرُبُوا مِنْ أَرْضِ ٱلْكِلْدَانِيِّينَ. بِصَوْتِ ٱلتَّرَنُّمِ أَخْبِرُوا. نَادُوا بِهٰذَا. شَيِّعُوهُ إِلَى أَقْصَى ٱلأَرْضِ. قُولُوا: قَدْ فَدَى ٱلرَّبُّ عَبْدَهُ يَعْقُوبَ».

ص 52: 11 وإرميا 50: 8 و51: 6 و45 وزكريا 2: 6 و7 ورؤيا 18: 4 خروج 19: 4 و5 و6 وص 44: 22 و23

نبوءة بالرجوع من السبي. لا يحتاج الأسير إلى أمر بالخروج من سجنه فإنه يخرج متى فُتح له الباب وأما المسبيون في بابل فأكثرهم وُلدوا هناك وامتلكوا والخروج من بابل لم يظهر لهم كالرجوع إلى الوطن والواقع أن الأكثرين فضلوا البقاء في بابل. وهكذا يغلب أن المسبيين بالخطايا لا يطلبون الإطلاق منها بل يفتقرون إلى أن يسمعوا الأمر بأن يخرجوا والنبي ينذرهم بالخطر الذي عليهم إذا بقوا في بابل لأن المتحدين بالأشرار ولو في الأمور الجسدية فقط ربما اتحدوا بهم في عواقب خطاياهم.

ٱهْرُبُوا لا خوفاً من الكلدانيين بل خوفاً من أن يُصابوا في دمار مدينتهم.

بِصَوْتِ ٱلتَّرَنُّمِ يشير إلى فرح الإسرائيليين بالخلاص من بابل والرجوع إلى بلادهم.

شَيِّعُوهُ أي على إسرائيل أن يرسلوا الخبر إلى أقصى الأرض فإن خلاصه يهم جميع الشعوب لأن الإسرائيليين كانوا قد استؤمنوا على أقوال الله ومنهم المسيح حسب الجسد فكان خلاصهم استعداداً لخلاص العالم وباكورته.

21 «وَلَمْ يَعْطَشُوا فِي ٱلْقِفَارِ ٱلَّتِي سَيَّرَهُمْ فِيهَا. أَجْرَى لَهُمْ مِنَ ٱلصَّخْرِ مَاءً، وَشَقَّ ٱلصَّخْرَ فَفَاضَتِ ٱلْمِيَاهُ».

ص 41: 17 و18 خروج 17: 6 وعدد 20: 11 ومزمور 105: 41

ليس في التواريخ أن الله أجرى لهم ماء من الصخر حين الرجوع ولذلك نفهم أن هذا القول وعد عام بأنه يعتني بهم حين رجوعهم من بابل كما اعتنى بشعبه لما خرجوا من مصر. قال عزرا (عزرا 8: 31) «كَانَتْ يَدُ إِلٰهِنَا عَلَيْنَا فَأَنْقَذَنَا مِنْ يَدِ ٱلْعَدُوِّ وَٱلْكَامِنِ عَلَى ٱلطَّرِيقِ».

22 «لاَ سَلاَمَ قَالَ ٱلرَّبُّ لِلأَشْرَارِ».

ص 57: 21

إن خاتمة هذا الأصحاح تبيّن أن المواعيد المذكورة هي لشعب الله المؤمنين فقط لا للأشرار. ولهذا القول معنى خاص وهو أن الذين بقوا في بابل وإن كان لهم مال وبيوت وراحة جسدية ليس لهم السلام الحقيقي الذي لا يوجد إلا بحفظ وصايا الله. وله أيضاً معنى عام وهو أن لا سلام للأشرار. والأشرار هم الذين لا يحبون الله ولا يطيعونه والخطية لا تكون بفعل الشر فقط بل أيضاً بإهمال الأعمال المطلوبة والسكوت عن الكلام الواجب وعدم الإيمان والمحبة. والسلام الحقيقي لا يكون في ما للإنسان كالبيت والمال والراحة والصحة بل في داخله وفي الإيمان بالمسيح ومصالحة الله والرجاء بالحياة الأبدية.

لا سلام للاشرار بفعل الخطية وإن كان لهم نوع من اللذة الوقتية ولا بعد الخطية عندما يتذكرونها ولا في الآخرة بل عليهم غضب الله إلى الأبد.

فوائد للوعاظ

لمعرفتي أنك قاس (ع 4)

العناد

ميّز بين العناد والثبات فإن العناد ينشأ عن غير عقل كعناد البهيمة والعناد هو الاتكال على الذات دون الاتكال على الله.

  1. العناد جهالة لأن العنيد لا يسمع ولا يقدر أن يتعلم مع أن لا أحد من الناس يقدر أن يعرف كل شيء ولا يمكن احداً وحده أن يعرف كل ما يعرفه الناس إجمالاً. والعنيد لا يقدر أن يغش الناس فيقنعهم بأنه صائب الرأي والأمر الذي يفتخر به هو الأمر الذي به يحتقره العالم.

  2. العناد خطية لأن الله يطلب من عبيده أن يسمعوا ويتعلموا ويتوبوا ويتركوا طرقهم الرديئة ويطيعوه ولكن العنيد لا يسمع ولا يعترف بخطيته ولا يسلّم لإرادة الرب.

  3. العناد خطر عظيم لأنه من خصائصه أن يزداد فيبعد صاحبه عن الله على قدر زيادته فكلما تقدم في طريقه صعب عليه الرجوع إلى الله.

مخفيات لا تعرفها (ع 6)

مقدمة

يوجد مخفيات في الطبيعة كالمعادن تحت الأرض وقوى طبيعية كالكهربائية التي كانت في العالم منذ الخلق ولكنها عرفت جزئياً في هذا العصر وللآن لم تُعرف تماماً. ومن مخفيات الإنسان الروحية ما يأتي:

  1. قوى روحية. فإننا كثيراً ما نظن أننا لسنا قادرين على احتمال تجارب وضيقات أو على إتمام نوع من الخدمة ولكن عند الحاجة تظهر القوى المخفية. وكما أنه يوجد تحت وجه الأرض بزور كثيرة لا نعرفها حتى ينزل المطر وتشرق الشمس عليها فتنبت وتثمر هكذا يوجد في قلوب الناس بزور أثمار روحية تظهر عند حلول الروح القدس.

  2. قوى شريرة. وهي أيضاً كنوز مخفية كبزور نباتات سامة ومضرة فإن أعظم الخطاة كالقتلة واللصوص كانوا أصلاً أطفالاً محبوبين وبسطاء القلوب فلا يجوز لأحد أن يتكل على نفسه كأنه ثابت في القداسة لأنه ربما كان في قلبه أميال إلى الخطية لا يعرفها.

  3. قوة المجد والخلود فإن كل إنسان ابن الله ومات المسيح ليفتديه ومن الممكن أن البربري المتوحش يرث الحياة الأبدية ويلبس ثياباً بيضاً وإكليلاً من الذهب.

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلأَرْبَعُون

مضمونه:

شهادة الرب لعبده (ع 1 - 12). وتعزية صهيون في ضيقها (ع 13 - 26). والحق الأساسي في (ع 7) وهو قوله «الرب الذي هو أمين» وهو أمين لعبده فلا يتركه وأمين للكنيسة فلا ينساها.

وفي هذا الأصحاح وما يليه عما سبق لأن النبي لا يتكلم بعد في التمييز بين الله والأصنام ولا في كورش ودمار بابل بل موضوع كلامه النسبة بين الكنيسة ورأسها المسيح ونسبتها إلى العالم وغاية الله في دعوة الكنيسة وإرسال المسيح. وفي هذا الأصحاح إحدى العبارات الأربع التي فيها ذكر «عبد الرب» (ص 42: 1 - 4 و49: 1 - 6 و50: 4 - 9 و52: 13 - 53: 12 انظر ما قيل في ص 42: 1 - 4).

1، 2 «1 اِسْمَعِي لِي أَيَّتُهَا ٱلْجَزَائِرُ، وَٱصْغُوا أَيُّهَا ٱلأُمَمُ مِنْ بَعِيدٍ: ٱلرَّبُّ مِنَ ٱلْبَطْنِ دَعَانِي. مِنْ أَحْشَاءِ أُمِّي ذَكَرَ ٱسْمِي، 2 وَجَعَلَ فَمِي كَسَيْفٍ حَادٍّ. فِي ظِلِّ يَدِهِ خَبَّأَنِي وَجَعَلَنِي سَهْماً مَبْرِيّاً. فِي كِنَانَتِهِ أَخْفَانِي».

ص 41: 1 ع 5 وإرميا 1: 5 ومتّى 1: 20 و21 ولوقا 1: 15 و31 ويوحنا 10: 36 وغلاطية 1: 15 ص 11: 4 و51: 16 وهوشع 6: 5 وعبرانيين 4: 12 ورؤيا 1: 16 ص 51: 16 مزمور 45: 5

المتكلم هو المسيح لأن الصفات المذكورة لا تُنسب إلى غيره كالقول «نوراً للأمم» (ع 6 وانظر أعمال 13: 47). والقول «عهداً للشعب» (ع 8). والمسيح يدعو الجزائر والأمم ليسمعوا كلامه لأنه مخلّص العالم فهو ليس لليهود فقط وهو الذي يتبارك فيه جميع أمم الأرض (تكوين 22: 18).

أَيَّتُهَا ٱلْجَزَائِرُ أي سكان الجزائر وسواحل البحر وما عبر البحر والأمم البعيدين لأنه مرسل إلى العالم ليخلّص العالم كله لا اليهود فقط.

ٱلرَّبُّ مِنَ ٱلْبَطْنِ دَعَانِي (انظر متّى 1: 21 ولوقا 1: 31) فإنه سمي يسوع أي مخلصاً قبل ما وُلد.

وَجَعَلَ فَمِي كَسَيْفٍ حَادٍّ (انظر عبرانيين 4: 12). إن كلمة الله بالإجمال حية وفعالة وكذا كلام المسيح. قيل إن الجموع بهتوا من تعليمه وعلم ما كان في الإنسان وأظهر ما كُتم من خطايا السامرية. وشهد له أعداؤه بقولهم «لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ إِنْسَانٌ هٰكَذَا مِثْلَ هٰذَا ٱلإِنْسَانِ. فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يُجِيبَهُ بِكَلِمَةٍ» (يوحنا 7: 46 ومتّى 22: 46).

فِي ظِلِّ يَدِهِ خَبَّأَنِي أعداء المسيح المجروحون بهذا السيف والمصابون بهذا السهم حنقوا عليه وطلبوا أن يقتلوه والآب حفظه حتى الساعة المعيّنة. إن كلام المسيح يعزي ويخلّص الذين يقبلونه ويهيّج غضب المقاومين. والكلمة «خبأني» تفيد أيضاً أن الله لم يرسل ابنه إلى العالم حتى صار ملء الأزمنة وهو السر المكتوم منذ الدهور في الله كسهم في يد المحارب لا يظهره حتى يصير وقت استعماله فيضرب عدوه على غير انتظار.

سَهْماً مَبْرِيّاً في الحروب القديمة كان المحارب يستعمل السيف لضرب العدو القريب والسهم لضرب العدو البعيد. والمسيح هو آلة كاملة بيد الرب معدة لإجراء مقاصده.

3، 4 «3 وَقَالَ لِي: أَنْتَ عَبْدِي إِسْرَائِيلُ ٱلَّذِي بِهِ أَتَمَجَّدُ. 4 أَمَّا أَنَا فَقُلْتُ عَبَثاً تَعِبْتُ. بَاطِلاً وَفَارِغاً أَفْنَيْتُ قُدْرَتِي. لٰكِنَّ حَقِّي عِنْدَ ٱلرَّبِّ، وَعَمَلِي عِنْدَ إِلٰهِي».

ص 42: 1 وزكريا 3: 8 ص 44: 23 ويوحنا 13: 31 و15: 8 وأفسس 1: 6 حزقيال 3: 19 ص 40: 10 و62: 11

أَنْتَ عَبْدِي إذا نظرنا إلى كامل الأصحاح يتضح أن عبد الرب هو المسيح وإن سُمي إسرائيل. قيل في (1كورنثوس 15: 45) «صَارَ آدَمُ ٱلإِنْسَانُ ٱلأَوَّلُ نَفْساً حَيَّةً، وَآدَمُ ٱلأَخِيرُ رُوحاً مُحْيِياً». والمسيح سُمي «آدم» لأنه نائب عن شعبه للخلاص كما كان آدم نائب عن كل الجنس البشري في المعصية. والمسيح سُمي «إسرائيل» هنا لأنه رئيس لشعب الله الروحي أي الكنيسة كما كان يعقوب أو إسرائيل رئيساً لشعب الله في الجسد. ولا يمكن أن لفظة «عبد الرب» هنا تشير إلى شعب اليهود لأنه قيل في (ع 5) «عَبْداً لَهُ، لإِرْجَاعِ يَعْقُوبَ إِلَيْهِ» فمن الضرورة أن الذي يرجع اليهود إلى الرب يكون غير اليهود.

ٱلَّذِي بِهِ أَتَمَجَّدُ (انظر يوحنا 13: 31) الآب يتمجد في ابنه لما يأتي:

  1. إنه حفظ الناموس تماماً وهكذا أظهر أن الناموس عادل وحق.

  2. إنه تألم ومات وهكذا أظهر عدل الله وصدقه وغضبه على الخطية فإن أجرة الخطية هي موت.

  3. إنه أظهر محبة الله للعالم إذ بذل الله ابنه الوحيد ليحمل في جسده خطايا العالم فيخلص كل من يؤمن به. والآب وعد الابن بأنه يتمجد به أي سينجح في خدمته.

عَبَثاً تَعِبْتُ أي عبثاً نسبياً لأن الرسل الاثني عشر آمنوا به ونحو خمس مئة من المؤمنين اجتمعوا في الجليل بعد قيامته. ولا شك في أن كثيرين غيرهم كانوا قد آمنوا به. وكان كثيرون من الذين اعتمدوا يوم الخمسين قد سمعوا كلام المسيح وكان المسيح قد وضع أساس الكنيسة في مدة حياته على الأرض. مع ذلك يقول «عبثاً» لأن النتيجة الظاهرة كانت كلا شيء بالنسبة إلى آلامه وأتعابه. وهذا القول مما يدل على أن المسيح الموعود به يكون إنساناً تاماً عرضة للآلام والأحزان واليأس كبني البشر مع أنه بلا خطية (متّى 23: 37 و27: 46 ويوحنا 11: 35). وفي هذا الأمر المسيح قدوة لأتباعه لأنه لم يسلم نفسه لليأس بل تشجع في الرب فقال «حقي عند الرب وعملي عند إلهي» أي أجرة عمله.

ولا نفهم من هذا الأصحاح أن هذا الكلام صار حرفياً بين الآب والابن بل أن الله أوحى إلى النبي شيئاً من مقاصده وأوضحه بألفاظ وتشبيهات مفهومة عند بني البشر.

5، 6 «5 وَٱلآنَ قَالَ ٱلرَّبُّ جَابِلِي مِنَ ٱلْبَطْنِ عَبْداً لَهُ، لإِرْجَاعِ يَعْقُوبَ إِلَيْهِ، فَيَنْضَمُّ إِلَيْهِ إِسْرَائِيلُ (فَأَتَمَجَّدُ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ وَإِلٰهِي يَصِيرُ قُوَّتِي). 6 فَقَالَ: قَلِيلٌ أَنْ تَكُونَ لِي عَبْداً لإِقَامَةِ أَسْبَاطِ يَعْقُوبَ وَرَدِّ مَحْفُوظِي إِسْرَائِيلَ. فَقَدْ جَعَلْتُكَ نُوراً لِلأُمَمِ لِتَكُونَ خَلاَصِي إِلَى أَقْصَى ٱلأَرْضِ».

ع 1 متّى 23: 37 ص 42: 6 و60: 3 ولوقا 2: 32 وأعمال 13: 47 و26: 18

جَابِلِي المسيح منذ الأزل وهو الله ومساو للآب في القدرة والمجد فكان الله جابله من جهة الناموس فقط. وكان هو عبداً له من جهة وظيفته فقط كالمرسل إلى العالم من قبل الآب (لوقا 2: 49 و4: 43 ويوحنا 4: 34 و6: 38 و17: 4).

يَعْقُوبَ... إِسْرَائِيلَ إسرائيل حسب الجسد أي اليهود. فالنبوءة هنا تختص برجوع اليهود إلى الله (رومية 11: 26) وهذه النبوءة ستتم في المستقبل.

فَأَتَمَجَّدُ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ قال (ع 4) «عبثاً تعبت» وكان المسيح محتقراً من الناس ولم ينجح في عمله كما يعتبر الناس النجاح ولكنه تمجد عند الرب وبالرب يكون قوياً وبالنهاية يتمجد عند الناس أيضاً حين تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض.

وَرَدِّ مَحْفُوظِي إِسْرَائِيلَ ليس الرجوع من السبي فقط بل الرجوع من الخطية إلى الله أيضاً وهو الأهم. والمحفوظان بالمعنى الحقيقي أو الروحي هم الذين في نهاية مدة السبي وبالمعنى المجازي أو الروحي كانوا شعباً واحداً فقط من شعوب العالم وكان عددهم قليلاً بالنسبة إلى عدد سكان الأرض فيقول الرب إنه لا يليق بعبده أن يتجسد ويتألم ويموت لأجل رجوع اليهود فقط فأعطاه أن يكون مخلص العالم كله. ومن التلميحات إلى ذلك أنه قبل الصلب قليلاً تقدم إلى يسوع بعض اليونانيين (يوحنا 12: 20) وإن المسيح شفى ابنة امرأة فينيقية وأرسل الرسل ليتلمذوا كل العالم.

نُوراً لِلأُمَمِ ليس المسيح كسراج يضيء في بيت واحد فقط بل كالشمس التي تضيء في كل مكان وعلى جميع الناس ولا يمكن أن ينحصر نوره في مكان واحد. والمسيح نور لأنه يُظهر كل شيء فيعرف الناس بواسطته خطاياهم وطريق الخلاص من الخطايا وما سيكون بعد الموت والمجد في السماء والحياة الأبدية. وهو نور أيضاً لأنه يبطل القباحة والكذب والغضب وغيرها من أعمال الظلمة والخوف والحزن وكل ما هو من الليل ويأتي العالم بالتعزية والفرح والقداسة.

لِتَكُونَ خَلاَصِي أي إن الله يخلّص العالم بواسطة المسيح واستند بولس الرسول على هذا القول في موعظته في أنطاكية لما ترك اليهود غير المؤمنين وتوجه إلى الأمم (أعمال 13: 47).

7 «هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ فَادِي إِسْرَائِيلَ، قُدُّوسُهُ، لِلْمُهَانِ ٱلنَّفْسِ، لِمَكْرُوهِ ٱلأُمَّةِ، لِعَبْدِ ٱلْمُتَسَلِّطِينَ: يَنْظُرُ مُلُوكٌ فَيَقُومُونَ. رُؤَسَاءُ فَيَسْجُدُونَ. لأَجْلِ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي هُوَ أَمِينٌ وَقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ ٱلَّذِي قَدِ ٱخْتَارَكَ».

ص 53: 3 ومتّى 26: 67 مزمور 72: 10 و11 وع 23

فَادِي إِسْرَائِيلَ، قُدُّوسُهُ الرب فدى إسرائيل إذ بذل ابنه الوحيد ليخلّصه وهو قدوس إسرائيل فغايته خلاصهم من خطاياهم لا من المتسلطين عليهم فقط. وإذا كان الرب هكذا قصد وقضى فلا بد من أن يحفظ عبده وينجحه.

لِلْمُهَانِ ٱلنَّفْسِ هذا أول إشارة في نبوءة إشعياء إلى اتضاع المسيح غير أنه أُشير إليه في المزامير (مزمور 22: 6). وفي ص 53 من إشعياء كلام مستوفى في هذا الموضوع والعهد الجديد يوضح تتميم النبوءة بالتفصيل. والمسيح لم يكن مهاناً بسب فقره فقط ولا بسبب حالته الدنية بل بسبب نفسه لأنه كان قدوساً فوبخ على كل خطية ونوراً فكشف كل رياء. ويجوز أيضاً أن نفهم أن «النفس» نفس غيره فيكون المعنى أن أعداء المسيح أبغضوه من نفوسهم ومن كل قلوبهم. وهكذا كان بغض الفريسيين ليسوع.

مَكْرُوهِ ٱلأُمَّةِ أي أمة اليهود.

عَبْدِ ٱلْمُتَسَلِّطِينَ كان يسوع وهو أمام بيلاطس وهيرودس محسوباً كعبد.

يَنْظُرُ مُلُوكٌ فَيَقُومُونَ وهذه النبوءة تمت جزئياً لأنه في أيامنا بعض الملوك يسجدون للمسيح ويطيعونه.

لأَجْلِ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي هُوَ أَمِينٌ كل شيء لمجد الله فيتمجد بابنه يسوع الذي يسجد الملوك له ويتمجد في الكنيسة التي اشتراها المسيح وطهرها وقدسها وعظمها. وهذه النعمة وهذه المواهب كلها تشهد بالأمانة للرب الذي لا يترك عبده ولا ينسى كنيسته ولا يخيب أحداً من المتكلين عليه.

ٱلَّذِي قَدِ ٱخْتَارَكَ المخاطب هو المسيح أي الله اختار المسيح ليكون مخلّص العالم ورئيس كهنة لجميع المؤمنين فلم يأخذ المسيح هذه المنزلة لنفسه بل كان مدعواً من الله. وشهد الآب أنه اختاره عند المعمودية وعلى جبل التجلي وبالصوت من السماء (يوحنا 12: 28) وبالقوات والعجائب وبالقيامة.

8 «هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: فِي وَقْتِ ٱلْقُبُولِ ٱسْتَجَبْتُكَ، وَفِي يَوْمِ ٱلْخَلاَصِ أَعَنْتُكَ. فَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْداً لِلشَّعْبِ، لإِقَامَةِ ٱلأَرْضِ، لِتَمْلِيكِ أَمْلاَكِ ٱلْبَرَارِيِّ»

مزمور 69: 13 و2كورنثوس 6: 2 ص 42: 6

هنا يكلم المسيح ويقول إنه قبل شفاعته وأعانه على عمل الفداء. ووقت القبول هو وقت العهد الجديد حين تجسد المسيح ليفتدي العالم ومات وقام وصعد ليشفع في المؤمنين وحل الروح القدس وتأسست الكنيسة. وجميع الفوائد التي حصلت للكنيسة وللعالم هي بواسطة شفاعة المسيح وقبوله عند الرب. ووقت القبول ينتهي عند مجيء المسيح الثاني ليدين العالم فلا تكون فرصة بعد للتوبة والخلاص. ولكل من يسمع الإنجيل وقت القبول هو الآن فعليه أن يقبل الخلاص في الوقت الحاضر. وإذا تأخر كان تحت ثلاثة أخطار:

  1. إنه ربما لم يحصل على وسائط أحسن ولا أحوال أنسب.

  2. إنه يتقّسى قلبه ويموت ضميره فلا يتأثر من كلمة الوعظ.

  3. إنه ربما يموت بلا استعداد.

عَهْداً لِلشَّعْبِ (ص 42: 6).

لإِقَامَةِ ٱلأَرْضِ أي لتعمير الأرض الخربة فترجعه إلى ما كانت عليه من الخصب وكثرة السكان.

لِتَمْلِيكِ أَمْلاَكِ ٱلْبَرَارِيِّ الأماكن الخالية من السكان وبالمعنى الروحي الخالية من الدين الحق. إن بني إسرائيل في زمان يشوع طردوا الكنعانيين الأشرار وامتلكوا أرضهم وأقاموا فيها عبادة الله وأما الكنيسة المسيحية فلا تطرد الأشرار من الأرض بل بإظهار الحق تطرد الشر من قلوبهم فينضمون إلى الكنيسة فتمتلكهم وأرضهم. والإنسان هو كالأرض لأن الله خلقه ليأتي بأثمار الأعمال الصالحة وأما هو فصار كأملاك البراري بلا أثمار وعمل المسيح هو ترجيعه إلى ما خلقه لأجله.

9، 10 «9 قَائِلاً لِلأَسْرَى: ٱخْرُجُوا. لِلَّذِينَ فِي ٱلظَّلاَمِ: ٱظْهَرُوا. عَلَى ٱلطُّرُقِ يَرْعَوْنَ وَفِي كُلِّ ٱلْهِضَابِ مَرْعَاهُمْ. 10 لاَ يَجُوعُونَ وَلاَ يَعْطَشُونَ، وَلاَ يَضْرِبُهُمْ حَرٌّ وَلاَ شَمْسٌ، لأَنَّ ٱلَّذِي يَرْحَمُهُمْ يَهْدِيهِمْ وَإِلَى يَنَابِيعِ ٱلْمِيَاهِ يُورِدُهُمْ».

ص 42: 7 وزكريا 9: 12 رؤيا 7: 16 مزمور 121: 6 مزمور 23: 2

لِلأَسْرَى أسرى بابل وأسرى الخطية فإن كل خاطئ أسير وهو في الظلام ولو ظن أنه حر ويعرف كل شيء وهو أسير للشهوات وللعادات الردية ولأقوال الناس وهو بلا معرفة بالروحيات وبلا رجاء وبلا فرح وتعزية وبدون سلوك مستقيم وأعمال مفيدة والمسيح وحده يخرجه من هذه الحال الهائلة.

عَلَى ٱلطُّرُقِ يَرْعَوْنَ في أماكن لا يوجد فيها مرعىً غالباً قال ذلك كناية عن فوائد الخلاص الكثيرة والممتدة. وهكذا المسيح يقدم لشعبه فوائد روحية كثيرة وعظيمة ويقدمها بوسائط غير موافقة حسب أفكار الناس كالفرح في الضيق والراحة في الخدمة والفوائد من الذين هم أصغر منّا عمراً ومعرفة.

لاَ يَجُوعُونَ كما يعتني الراعي الصالح بغنمه فلا تحتاج إلى شيء هكذا المسيح يعتني بشعبه إذ يقدم لهم الماء الحي وخبز الحياة ويحفظهم في نيران الاضطهادات.

لاَ يَضْرِبُهُمْ حَرٌّ الكلمة الأصلية تشير إلى انعكاس شعاع الشمس من الأرض. فلا يُضربون من الشمس من فوق ولا من الرمل الحار من تحت. وهذه البركات لنا بعضها في الوقت الحاضر وكلها في الآخرة (رؤيا 7: 16 و17).

ٱلَّذِي يَرْحَمُهُمْ يَهْدِيهِمْ لا يسوقهم بالقساوة بل يتقدمهم ويهديهم كراع حنون يعرف ضعف قطيعه. وأعظم تعزية لكل مؤمن هي أن مدبر حياته هو الله الآب الحنون ورأس الكنيسة الذي تخدمه هو المسيح الذي أحبها واشتراها بدمه والمعلم والمرشد هو الروح القدس المعزي.

11 «وَأَجْعَلُ كُلَّ جِبَالِي طَرِيقاً، وَمَنَاهِجِي تَرْتَفِعُ».

ص 40: 4

وَأَجْعَلُ كُلَّ جِبَالِي طَرِيقاً الجبال تشير إلى الصعوبات فإنه يوجد صعوبات لكل من يريد أن يتبع المسيح كالتجارب الداخلية والخارجية وهموم العالم وضيق العيش وهذا الوعد لا يستلزم زوال هذه الصعوبات تماماً بل إننا نغلبها فتتحول إلى وسائط التقدم. ويُفهم من قوله «جبالي» أن صعوباتنا معيّنة لنا من الرب وقصده فيها تأديبنا وامتحاننا. وقوله «كل جبالي» يدل على الخلاص التام من كل تجربة وضيق كما أننا في السفر في الجبال لا نرى الطريق كلها من الأول إلى الآخر وأحياناً نظن أنه لا يوجد طريق ولكنها تظهر بالتدريج أمامنا عندما نتقدم.

12، 13 «12 هٰؤُلاَءِ مِنْ بَعِيدٍ يَأْتُونَ، وَهٰؤُلاَءِ مِنَ ٱلشِّمَالِ وَمِنَ ٱلْمَغْرِبِ، وَهٰؤُلاَءِ مِنْ أَرْضِ سِينِيمَ. 13 تَرَنَّمِي أَيَّتُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ، وَٱبْتَهِجِي أَيَّتُهَا ٱلأَرْضُ. لِتَشْدُ ٱلْجِبَالُ بِٱلتَّرَنُّمِ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ عَزَّى شَعْبَهُ، وَعَلَى بَائِسِيهِ يَتَرَحَّمُ».

ص 43: 5 و6 ص 44: 23

هٰؤُلاَءِ مِنْ بَعِيدٍ يدل على أن هذه المواعيد ليست لليهود فقط بل لجميع المسكونة.

أَرْضِ سِينِيمَ ليست معروفة فرأى بعضهم أنها بلاد الصين وبعضهم إنها السيني في أرض فلسطين المشار إليها في (تكوين 10: 17) وفي الترجمة السبعينية بلاد فارس وفي الترجمة اليسوعية أرض الجنوب وهي الأصح.

تَرَنَّمِي النبي يدعو السموات والجبال للفرح ويدعوها لأنها منذ القديم فشاهدت سقوط إسرائيل وهي ستبقى إلى انقضاء الدهر فسترى رجوعهم إلى الله وإلى بلادهم. والداعي الخاص إلى الترنم هو إعلان مقاصد الله في تمجيد ابنه في خلاص شعبه والأمم إلى أقاصي الأرض. وذكر الجبال مما يدل على أن هذا الكلام هو من إشعياء لا من نبي مجهول سكن في سهول بابل في مدة السبي وكان إشعياء يذكر الجبال كثيراً.

قَدْ عَزَّى هو وعد بأنه سيعزي شعبه وعبر عن المستقبل بصيغة الماضي لتأكيد الحدوث.

14 «وَقَالَتْ صِهْيَوْنُ: قَدْ تَرَكَنِي ٱلرَّبُّ، وَسَيِّدِي نَسِيَنِي».

ص 40: 27

«صهيون» هي شعب الله إن كان في أورشليم أو بابل أو موضع آخر. ظنوا أن الله نسي شعبه لأنهم رأوا أنه سلّمهم لأعدائهم وأسوار مدينتهم سقطت والهيكل المقدس احترق ومدة السبي طالت ولم يكن شيء حتى آخر المدة يدل على تميم الوعد بالرجوع. قالت صهيون ولكنها غلطت في قولها. ويقول كثيرون في أيامنا من شعب الله إن الله نسيهم إذ هم متضيقون ومضطهدون والكنيسة ضعيفة والتبشير غير ناجح. يقولون ولكنهم يخطئون بقولهم لأن الرب لم ينس شعبه.

15، 16 «15 هَلْ تَنْسَى ٱلْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلاَ تَرْحَمَ ٱبْنَ بَطْنِهَا؟ حَتَّى هٰؤُلاَءِ يَنْسَيْنَ، وَأَنَا لاَ أَنْسَاكِ. 16 هُوَذَا عَلَى كَفَّيَّ نَقَشْتُكِ. أَسْوَارُكِ أَمَامِي دَائِماً».

مزمور 103: 13 وملاخي 3: 17 ومتّى 7: 11 رومية 11: 29 خروج 13: 9 ونشيد الأنشاد 8: 6

هذا قول الرب وهو جوابه لقول صهيون فأكد محبته لهم بتشبيه لا يوجد أقوى منه أي محبة الأم لأولادها. لا تنسى المرأة رضيعها لأنه منها وحياته من حياتها وهي ربته وخدمته ويندر أن تنسى الأم ابنها (2ملوك 6: 28 و29) ولكن الرب لا ينسى لأن محبة الرب لشعبه أعظم من محبة الأم لأولادها (مزمور 27: 10).

هُوَذَا عَلَى كَفَّيَّ نَقَشْتُكِ تشبيه آخر يؤكد لهم محبته ولم يكتب اسمها فيُمحى بل نقشه وليس في كتاب يخفى أو يبعد عن النظر بل على كفي الرب فيكون أمامه دائماً. والقول يشير إلى الوشم على اليد وهو عادة قديمة ولم تزل عند بعض الناس في الشرق.

أَسْوَارُكِ أَمَامِي دَائِماً لا يقول خِربك بل «أسوارك» أي يتذكر حالة شعبه الأصلية والمجيدة. وهذه الأسوار وإن سقطت وقتياً لم تزل أمام الرب. وكما أن باني البيت يرسمه تماماً قبلما يبنيه وهذا الرسم يكون أمامه دائماً حتى يطابقه البناء تماماً هكذا الرب رسم لكل منا حياة فيها صفات وأعمال تختلف عن حياة غيره ومع ذلك هي حياة كاملة فعلينا نحن كبنائين معه وتحت أمره أن ننظر دائماً إلى ذلك الرسم ونسعى وراءه لتكون حياتنا كما رسمها الرب لنا.

17 «قَدْ أَسْرَعَ بَنُوكِ. هَادِمُوكِ وَمُخْرِبُوكِ مِنْكِ يَخْرُجُونَ».

ع 19

النبي رأى رجوع بني إسرائيل من بابل كأنه مضى تأكيداً لأنه لا بد من أن يكون. ولما تمت مدة السبي الرب سهّل لهم الطرق ورفع جميع الصعوبات والذين كانوا يمنعون تركوا المقاومة.

18 «اِرْفَعِي عَيْنَيْكِ حَوَالَيْكِ وَٱنْظُرِي. كُلُّهُمْ قَدِ ٱجْتَمَعُوا، أَتَوْا إِلَيْكِ. حَيٌّ أَنَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ: إِنَّكِ تَلْبِسِينَ كُلَّهُمْ كَحُلِيٍّ، وَتَتَنَطَّقِينَ بِهِمْ كَعَرُوسٍ».

ص 60: 4 أمثال 17: 6

النبي يخاطب أورشليم وهي كناية عن الكنيسة.

كُلُّهُمْ قَدِ ٱجْتَمَعُوا الداخلون إلى الكنيسة وهم المؤمنون من جميع الشعوب أي اليهود والأمم (ص 60: 4).

تَلْبِسِينَ كُلَّهُمْ كَحُلِيٍّ كانت أورشليم كأرملة ولكنها تصير كعروس وكما أن أجمل زينة للوالدين هي أولادهم الصالحون (أمثال 17: 6) هكذا حلي الكنيسة وهي عروس المسيح يكون أبناءها المؤمنين المجتمعين من كل أمة في العالم.

19 «إِنَّ خِرَبَكِ وَبَرَارِيَّكِ وَأَرْضَ خَرَابِكِ، إِنَّكِ تَكُونِينَ ٱلآنَ ضَيِّقَةً عَلَى ٱلسُّكَّانِ، وَيَتَبَاعَدُ مُبْتَلِعُوكِ».

ص 54: 1 و2 وزكريا 2: 4 و10: 10

هنا جملة غير كاملة بمقتضى قواعد النحو لكنها بليغة بمقتضى علم البيان فإنه حذف الخبر بناء على أن اللغة لا تفي ببيانه فإن الرب أخذ يقول شيئاً في الخرَب فما أكمل الجملة وانتقل حالاً إلى الوعد برجوع أهل أورشليم بكثرة. ويصح أن الغرض من الحذف بيان أن لا حاجة إلى كلام كثير في الضيقات لأنها مضت وحان وقت الفرج. وهذه النبوءة لم تتم حرفياً لأن أرض فلسطين ليست ضيقة على السكان وفيها أقسام واسعة ومخصبة بلا سكان فالنبوءة ستتم بالكنيسة التي لم تنحصر في فلسطين بل امتدت كثيراً وستمتد أيضاً حتى تملأ الأرض.

20 «يَقُولُ أَيْضاً فِي أُذُنَيْكِ بَنُو ثُكْلِكِ: ضَيِّقٌ عَلَيَّ ٱلْمَكَانُ. وَسِّعِي لِي لأَسْكُنَ».

ص 60: 4 ومتّى 3: 9 ورومية 11: 11 و12 الخ

بَنُو ثُكْلِكِ بنو الثكل هم أبناء التي كانت فقدت أبناءها وهم الأمم الذين انضموا إلى شعب الله عوضاً عن اليهود غير المؤمنين وهم سيكثرون جداً ويملأون كل ممالك العالم. إن الضيقات والاضطهادات لا تلاشي الكنيسة بل تزيدها وتقويها.

21 «فَتَقُولِينَ فِي قَلْبِكِ: مَنْ وَلَدَ لِي هٰؤُلاَءِ وَأَنَا ثَكْلَى، وَعَاقِرٌ مَنْفِيَّةٌ وَمَطْرُودَةٌ؟ وَهٰؤُلاَءِ مَنْ رَبَّاهُمْ؟ هَئَنَذَا كُنْتُ مَتْرُوكَةً وَحْدِي. هٰؤُلاَءِ أَيْنَ كَانُوا؟».

هذا القول يشير إلى أن الداخلين إلى الكنيسة هم من الأمم لا من اليهود فقط. والكنيسة هنا مشبهة بامرأة كانت فقدت أبناءها وكانت منفية ومطرودة ثم كأنها وجدت نفسها في بيتها وحولها أبناء كثيرون فتتعجب وتبتهج وتسأل «من ولد لي هؤلاء». والكنيسة ولو كانت قدمت صلوات كثيرة وطلبت خلاص الأمم ستتعجب عندما يستجيب الرب لصلواتها لأن جوابه يكون أعظم جداً مما كانت تطلب أو تفتكر (انظر أعمال 11: 1 - 3 و15: 1 - 11 وغلاطية 2: 11 - 14) وغيرهما مما يدل على أن الكنيسة الأولى لم تنتظر انضمام الأمم.

22 «هٰكَذَا قَالَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ: هَا إِنِّي أَرْفَعُ إِلَى ٱلأُمَمِ يَدِي وَإِلَى ٱلشُّعُوبِ أُقِيمُ رَايَتِي، فَيَأْتُونَ بِأَوْلاَدِكِ فِي ٱلأَحْضَانِ، وَبَنَاتُكِ عَلَى ٱلأَكْتَافِ يُحْمَلْنَ».

ص 60: 4 و66: 20

إِنِّي أَرْفَعُ إِلَى ٱلأُمَمِ يَدِي كما أن القائد يرفع يده ويقيم رايته علامة لجنده لكي يجتمعوا عنده هكذا الرب يدعو أولاد الكنيسة أي جميع المؤمنين من كل مملكة لينضموا إليها.

فَيَأْتُونَ بِأَوْلاَدِكِ الرب سيستخدم كل بشر وكل كنوز العالم لبنيان الكنيسة وتمت هذه النبوءة جزئياً في رجوع بني إسرائيل من السبي وفي أيامنا أيضاً في نمو الكنيسة ويجوز أننا نستنتج منها أن العيال تدخل إلى الكنيسة الأولاد الصغار مع والديهم.

23 «وَيَكُونُ ٱلْمُلُوكُ حَاضِنِيكِ وَسَيِّدَاتُهُمْ مُرْضِعَاتِكِ. بِٱلْوُجُوهِ إِلَى ٱلأَرْضِ يَسْجُدُونَ لَكِ، وَيَلْحَسُونَ غُبَارَ رِجْلَيْكِ، فَتَعْلَمِينَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي لاَ يَخْزَى مُنْتَظِرُوهُ».

مزمور 72: 11 وع 7 وص 52: 15 و60: 16 مزمور 72: 9 وميخا 7: 17 مزمور 34: 22 ورومية 5: 5 و9: 33 و10: 11

حَاضِنِيكِ تغيّر التشبيه لأن أورشليم كانت قد شُبهت بأم ثكلى وهنا شُبهت بطفل يحتاج إلى حاضنين ومرضعات. وبياناً لتتميم هذه النبوءة نذكر أنه في سنة 1900 أمرت دولة الولايات المتحدة في أميركا جنودها في الصين بالمحاماة عن كل المسيحيين أجنبيين ووطنيين. ولا يجوز أن نستنتج من هذا أن للكنيسة أن تتداخل في ما لا يعنيها من الأمور السياسية والجسدية لأنه يوجد ما هو لقيصر وما هو لله فعلى الكنيسة العبادة والتفسير والتعليم والإنذار ولا تستعمل القوة الجسدية ولا تغصب الناس على الطاعة لها.

يَسْجُدُونَ لَكِ ليس المراد أن الأمم يسجدون سجوداً حقيقياً كسجود العبيد للسادة بل المراد أن الكنيسة بإظهارها الحق لضمير كل إنسان تميله إلى الطاعة للحق بإرادته. وليس السجود لجماعة من بين البشر بل للمسيح رئيسها. وذكر السجود للكنيسة بناء على أنها متحدة بالمسيح وعمود الحق وقاعدته. ولنا في هذا الوعد أن تعليم الكنيسة المطابق للكتاب المقدس والمبني عليه سيسود كل مالك العالم.

ٱلَّذِي لاَ يَخْزَى مُنْتَظِرُوهُ لأسباب:

  1. إنه قادر على كل شيء.

  2. إنه أمين في كل أقواله.

  3. إنه يعرف كل شيء فلا يمكن أن يحدث شيء يغيّر مقاصده.

إننا لا ننال مواعيد الله الآن بل ننتظرها لغايتين:

الأولى: أن نصلي بأكثر لجاجة.

الثانية: أن نستعد لقبول المواعيد بترك خطايانا وهي المانع الوحيد عن نيل المواعيد.

24، 25 «24 هَلْ تُسْلَبُ مِنَ ٱلْجَبَّارِ غَنِيمَةٌ، وَهَلْ يُفْلِتُ سَبْيُ ٱلْمَنْصُورِ؟ 25 فَإِنَّهُ هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: حَتَّى سَبْيُ ٱلْجَبَّارِ يُسْلَبُ، وَغَنِيمَةُ ٱلْعَاتِي تُفْلِتُ. وَأَنَا أُخَاصِمُ مُخَاصِمَكِ وَأُخَلِّصُ أَوْلاَدَكِ».

متّى 12: 29 ولوقا 11: 21 و22

هَلْ تُسْلَبُ الخ قول الشعب الضعيف الإيمان لأنهم يكادون لا يصدقون هذه المواعيد وكان يظهر لهم أنه لا يمكن أن اليهود القليلين والضعفاء يخلصون من بابل القوية. ونحن كذلك نقول كيف يمكن الكنيسة الضعيفة أن تغلب العالم. وقول الرب هو أن هذا كله يكون لأن غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله.

26 «وَأُطْعِمُ ظَالِمِيكِ لَحْمَ أَنْفُسِهِمْ، وَيَسْكَرُونَ بِدَمِهِمْ كَمَا مِنْ سُلاَفٍ، فَيَعْلَمُ كُلُّ بَشَرٍ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ مُخَلِّصُكِ، وَفَادِيكِ عَزِيزُ يَعْقُوبَ».

ص 9: 20 رؤيا 14: 20 و16: 6 مزمور 9: 16 وص 60: 16

لَحْمَ أَنْفُسِهِمْ يشير إلى حرب أهلية والقول يطابق المكتوبات القديمة فإنها تفيد أن الملك نابونيدس غيّر شيئاً من العادات والرسوم الدينية وهكذا أبعد رعيته عنه وانحاز البعض منها إلى كورش في الحرب بينه وبين نباونيدس. والنتيجة أن الرب هو القادر على كل شيء وعنده وسائط لا نعرفها وهو يقدر أن يستخدم ملوك الوثنيين والناس الأشرار والفتن والأهواء لإجراء مقاصده في خلاص شعبه فلا نشك في صدقه ولا في قدرته بل نسلم أنفسنا له بالإيمان والطاعة.

فوائد للوعاظ

اتضاع المسيح وارتفاعه ع 7 (انظر في 2: 7 - 11)

  1. اتضاع المسيح يقوم بولادته ووضعه في المذود وخضوعه للوالدين وللأحكام ورفض أهل مدينته وأمته إياه واحتماله الضربات والتعييرات والآلام والموت والدفن.

  2. ارتفاع المسيح يقوم بقيامته وصعوده وجلوسه عن يمين الآب وانتشار اسمه في كل الأرض وسجود ألوف الألوف من بني البشر له وامتداد ملكوته حتى يملأ الأرض وبقاء هذا الملكوت إلى الأبد.

والاتضاع والارتفاع لأجلنا لنموت معه عن الخطية ونقوم معه إلى حياة أبدية.

فتح الطريق (ع 11)

  1. في زمان المسيح. فإن الله أعدّ اليهود ليحفظوا كتابه المقدس ويكونوا المبشرين الأولين وأعد اللغة اليونانية لتعبر عن أمور المسيح والخلاص بأحسن العبارات وأعد الحكومة الرومانية لفتح أحسن الطرق ولتوطيد السلام والأمان في كل العالم.

  2. في أيامنا. أعد الله سفن قوية تحمل المبشرين إلى جميع ممالك العالم وأعد ملايين من النسخ من الكتاب المقدس والكتب الروحية والعلمية ولا سيما الطبية ليكون الطب واسطة للتبشير والجمعيات التبشيرية وعناية الحكام المسيحيين.

  3. في المستقبل سيفتح الله طرق لا نعرفها الآن فلا نهتم بشيء ولا نخاف من الصعوبات بل نسلك في الطريق التي أمامنا.

محبة الله للكنيسة (ع 15 و16)

  1. أصل هذه المحبة. إن الله خلق العالم لأجل الإنسان ومن جميع الناس اختار لنفسه شعباً وقال للكنيسة «كل شيء لكم... أم العالم أم الحياة أم الموت أم الأشياء الحاضرة أم المستقبلة كل شيء لكم».

  2. ظهور هذه المحبة. في حفظ الكنيسة في وسط الاضطهادات والضيقات والتجارب من الأول إلى اليوم وفي تطهير الكنيسة بواسطة التأديب والتعليم.

  3. نتيجة هذه المحبة. شهادة الكنيسة بوجود الله وصفاته الكاملة وبأن للإنسان روحاً وبخلود النفس وسلوك الكنيسة المقدس غير أنها لم تكن كاملة في الزمان الحاضر وانتشار الإنجيل وبجمع الكثيرين الواقفين حول العرش والساجدين لفاديهم.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَمْسُونَ

1 - 3 «1 هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: أَيْنَ كِتَابُ طَلاَقِ أُمِّكُمُ ٱلَّتِي طَلَّقْتُهَا، أَوْ مَنْ هُوَ مِنْ غُرَمَائِي ٱلَّذِي بِعْتُهُ إِيَّاكُمْ؟ هُوَذَا مِنْ أَجْلِ آثَامِكُمْ قَدْ بُعْتُمْ، وَمِنْ أَجْلِ ذُنُوبِكُمْ طُلِّقَتْ أُمُّكُمْ. 2 لِمَاذَا جِئْتُ وَلَيْسَ إِنْسَانٌ، نَادَيْتُ وَلَيْسَ مُجِيبٌ؟ هَلْ قَصَرَتْ يَدِي عَنِ ٱلْفِدَاءِ، وَهَلْ لَيْسَ فِيَّ قُدْرَةٌ لِلإِنْقَاذِ؟ هُوَذَا بِزَجْرَتِي أُنَشِّفُ ٱلْبَحْرَ. أَجْعَلُ ٱلأَنْهَارَ قَفْراً. يُنْتِنُ سَمَكُهَا مِنْ عَدَمِ ٱلْمَاءِ وَيَمُوتُ بِٱلْعَطَشِ. 3 أُلْبِسُ ٱلسَّمَاوَاتِ ظَلاَماً، وَأَجْعَلُ ٱلْمِسْحَ غِطَاءَهَا».

تثنية 24: 1 وإرميا 3: 8 وهوشع 2: 2 و2ملوك 4: 1 ومتّى 18: 25 ص 52: 3 أمثال 1: 24 وص 65: 12 و66: 4 وإرميا 7: 13 و35: 15 عدد 11: 23 وص 59: 1 مزمور 106: 9 وناحوم 1: 4 خروج 14: 21 يشوع 3: 16 خروج 7: 18 و21 خروج 10: 21 ورؤيا 6: 12

هذا الفصل تابع الأصحاح السابق فإن الرب قال (ص 49: 14 - 26) إنه لم ينس شعبه بل سيفتقدهم ويردهم إلى بلادهم فيبنون أسوار أورشليم وينضم إليهم الأمم وثروتهم ويقول الرب بهذه الآيات إنه لا مانع شرعي يمنع اليهود من الرجوع إلى إلههم وإلى بلادهم.

في الأصحاح السابق شُبهت صهيون بامرأة والسكان بأولادها كما نُسمي اليوم الكنيسة أُماً وأعضاءها أولادها وهنا الرب يخاطب الأولاد.

كِتَابُ طَلاَقِ انظر وصية موسى في أمر الطلاق (تثنية 24: 1 - 4) ووصية المسيح (متّى 19: 3 - 9). والسؤال «أين كتاب طلاق أمكم» يستلزم جواب إنكاري أنه لا كتاب طلاق فلا يقدر أحد أن يبينه لأن الرب لم يطلّق شعبه.

مَنْ هُوَ مِنْ غُرَمَائِي ٱلَّذِي بِعْتُهُ إِيَّاكُمْ بموجب ناموس موسى كان يجوز للوالدين أن يبيعوا أولادهم (خروج 21: 7 ونحميا 5: 5 و8) ويمكن الإنسان أن يبيع نفسه (لاويين 25: 39) وجواب هذا السؤال «لا أحد» لأن الرب لم يبع شعبه ومواعيده لشعبه ثابتة ومحبته لهم غير متغيرة وعنده مغفرة لكل الخطايا ولهم رجاء ولو كانوا في أعماق اليأس.

مِنْ أَجْلِ آثَامِكُمْ هذا هو السبب الحقيقي لاستعباد الأولاد وطلاق الأم والسبب منهم لا من إلههم وزال هذا السبب بغفران خطاياهم «إن اثمها قد عُفي عنه» (ص 40: 2).

لِمَاذَا جِئْتُ الرب يذكر خطاياهم وأولها عدم الاستماع فإنه جاء بكلمته وبعنايته فما أحد انتبه ولا أحد أجاب. وثانيها عدم الإيمان فإنهم يقولون بقلوبهم إن الله لا يقدر أن ينقذهم فيذكرهم الرب أنه نشّف البحر أي البحر الأحمر وجعل الأنهار قفراً أي مياه الأردن وحوّل ماء النيل دماً وألبس السموات ظلاماً أي ضرب المصريين بضربة الظلام الدامس وهو قادر فوق ذلك أن يجعل العالم كله ظلاماً لأنه هو الذي خلق النور وهو قادر أيضاً أن يمنعه ولم تقصر يده عن الفداء ولا قدرته عن إنقاذ شعبه من بابل. ذهب بعض العلماء إلى أن الله خلق العالم ونظم له نواميس طبيعية وتركه فلا يمكن أدنى تغيير في هذه النواميس فينكرون بذلك المعجزات كلها. ولكن هذه الآيات وغيرها من الكتاب المقدس تُثبت أن العالم لم يزل بيد الله فيشرق الشمس ويُرسل المطر ويُنمي النباتات ويطعم ويحفظ جميع البهائم والإنسان ويقدر أن يوقف النواميس التي نظمها حسب إرادته.

4، 5 «4 أَعْطَانِي ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ لِسَانَ ٱلْمُتَعَلِّمِينَ لأَعْرِفَ أَنْ أُغِيثَ ٱلْمُعْيِيَ بِكَلِمَةٍ. يُوقِظُ كُلَّ صَبَاحٍ، يُوقِظُ لِي أُذُناً، لأَسْمَعَ كَٱلْمُتَعَلِّمِينَ. 5 ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ فَتَحَ لِي أُذُناً وَأَنَا لَمْ أُعَانِدْ. إِلَى ٱلْوَرَاءِ لَمْ أَرْتَدَّ».

خروج 4: 11 متّى 11: 28 مزمور 40: 6 و7 و8 متّى 26: 39 و14: 31 وفيلبي 2: 8 وعبرانيين 10: 5 الخ

المتكلم هو المسيح لأن الكلام يوافقه كل الموافقة ولا يوافق غيره. وهو عبد الرب المذكور في (ص 42: 1 - 4 و49: 1 - 6 و52: 13 - 53: 12). وهنا يذكر شركته للرب الذي تعلم منه خدمة الوعظ والتعزية وخضوعه له والإهانة التي احتملها (ع 6) وثقته بالرب (ع 7 - 9).

لِسَانَ ٱلْمُتَعَلِّمِينَ قال المسيح (يوحنا 8: 28) «أَتَكَلَّمُ بِهٰذَا كَمَا عَلَّمَنِي أَبِي» فهذا اللسان ليس لساناً يتكلم بلا فكر أو بالسفاهة والهزل ولا لساناً يخترع مفاسد وغشاً ولا لسان الكبرياء والعجب إنما هو لسان مهذب يتكلم بحسب مشيئة الله بالحكمة والمحبة وللبنيان والتعزية والخلاص.

أُغِيثَ ٱلْمُعْيِيَ بِكَلِمَةٍ (متّى 11: 28 - 30) «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ ٱلْمُتْعَبِينَ».

يُوقِظُ كُلَّ صَبَاحٍ أي دائماً فإن الرب كلّم الأنبياء بعض الأيام وأما المسيح فكلّمه كل يوم وكلّم الأنبياء في رؤى الليل وأما المسيح فكلّمه بالنهار. فعلى جميع المؤمنين أن يوجهوا أفكارهم إلى كلام الله في كل حين ولا سيما في الصباح حيث تكون الأفكار رائقة ومستعدة لقبول الكلمة للواجبات القادمة عليهم بالنهار. وهنا فائدة لرعاة النفوس فإنهم لا يقدرون أن يفيدوا رعاياهم إن لم يستفيدوا أولاً من المسيح وهو راعي الرعاة وبمقدار ما يسمعون يفيدون بكلامهم.

فَتَحَ لِي أُذُناً وبهذا تميز المسيح عن شعب إسرائيل المتمردين (ص 48: 8) فإن أُذن المسيح كانت مفتوحة دائماً ليسمع كلام الرب واحتمل الآلام والإهانة من الأشرار والجهلاء إطاعة لإرادة أبيه في كل الأحوال حتى تجربته العظمى في جثسيماني قال «ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت».

6 «بَذَلْتُ ظَهْرِي لِلضَّارِبِينَ وَخَدَّيَّ لِلنَّاتِفِينَ. وَجْهِي لَمْ أَسْتُرْ عَنِ ٱلْعَارِ وَٱلْبَصْقِ».

متّى 21: 67 و27: 26 ويوحنا 18: 22 مراثي 3: 30

بذل المسيح ظهره للضاربين ولم يستر وجهه عن العار والبصق (متّى 27: 26 - 31). وربما نتفوا شعره لكن هذا لم يذكره البشيرون.

7 «وَٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ يُعِينُنِي، لِذٰلِكَ لاَ أَخْجَلُ. لِذٰلِكَ جَعَلْتُ وَجْهِي كَٱلصَّوَّانِ وَعَرَفْتُ أَنِّي لاَ أَخْزَى».

حزقيال 3: 8 و9

أشار بهذا إلى ثقة المسيح بالرب فلم يخجل حتى في أعماق اتضاعه. والله لا يترك المتكلين عليه ويعين خدامه. ويُجمع كل ما يُطلب من الإنسان في ثلاث كلمات وهي الإيمان والطاعة والصبر. فالإيمان بأن الله قادر على كل شيء وأمين في كل أقواله ومحب لكل عبيده والطاعة لكل أوامره والصبر إلى وقت الفرج ونيل المواعيد والمسيح قدوة لنا في هذه كلها.

كَٱلصَّوَّانِ أي عزمه ثابت فلا تغيره التعييرات والضربات (حزقيال 3: 8 و9).

8 «قَرِيبٌ هُوَ ٱلَّذِي يُبَرِّرُنِي. مَنْ يُخَاصِمُنِي؟ لِنَتَوَاقَفْ! مَنْ هُوَ صَاحِبُ دَعْوَى مَعِي؟ لِيَتَقَدَّمْ إِلَيَّ!».

رومية 8: 32 و33 و34

يُبَرِّرُنِي يُطلب من القاضي أن يبرر البار أي أن يحكم له ويُظهر برّه (تثنية 25: 1).

قَرِيبٌ كان الله قريباً من المسيح في كل وقت ليبرره فإنه لما اعتمد أتى صوت من السماء وكذلك على جبل التجلي. وفي جثسيماني ظهر له ملاك يقويه. وكانت قيامته أعظم برهان على أن الله برّره وقبل عمل الفداء.

مَنْ يُخَاصِمُنِي «مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي ٱللّٰهِ؟ اَللّٰهُ هُوَ ٱلَّذِي يُبَرِّرُ» (رومية 8: 33). وكل مؤمن بالمسيح يقدر أن يقول أيضاً بكل ثقة الرب يبررني ليس لأنه بار كما كان المسيح باراً لأن خطاياه مغفورة له وهو تبرر برهم أمام الناس ولو كان ذلك بعد زمان وسيبررهم في اليوم الأخير. من يريد أن يقاوم العالم الشرير يجب عليه أن لا يقاوم الرب بل يجب أن يطيعه.

9 «هُوَذَا ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ يُعِينُنِي. مَنْ هُوَ ٱلَّذِي يَحْكُمُ عَلَيَّ؟ هُوَذَا كُلُّهُمْ كَٱلثَّوْبِ يَبْلُونَ. يَأْكُلُهُمُ ٱلْعُثُّ».

أيوب 13: 28 ومزمور 102: 26 وص 51: 6 ص 51: 8

يَأْكُلُهُمُ ٱلْعُثُّ أشار بهذا إلى ما سيكون من إهلاك أعداء المسيح ولو كانوا متسلطين عليه في الزمان الحاضر فإن الفريسيين والمجمع السبعيني وملوك رومية والمضطهدين لا ذكر لهم اليوم كأنهم لم يكونوا وأما كنيسة المسيح فهي باقية.

10، 11 «10 مَنْ مِنْكُمْ خَائِفُ ٱلرَّبِّ، سَامِعٌ لِصَوْتِ عَبْدِهِ؟ مَنِ ٱلَّذِي يَسْلُكُ فِي ٱلظُّلُمَاتِ وَلاَ نُورَ لَهُ؟ فَلْيَتَّكِلْ عَلَى ٱسْمِ ٱلرَّبِّ وَيَسْتَنِدْ إِلَى إِلٰهِهِ. 11 يَا هٰؤُلاَءِ جَمِيعُكُمُ، ٱلْقَادِحِينَ نَاراً، ٱلْمُتَنَطِّقِينَ بِشَرَارٍ، ٱسْلُكُوا بِنُورِ نَارِكُمْ وَبِٱلشَّرَارِ ٱلَّذِي أَوْقَدْتُمُوهُ. مِنْ يَدِي صَارَ لَكُمْ هٰذَا. فِي ٱلْوَجَعِ تَضْطَجِعُونَ».

مزمور 23: 4 و2أيام 20: 20 ومزمور 20: 7 يوحنا 9: 39 مزمور 16: 4

كلام الرب لشعبه أو كلام النبي لمعاصريه أو لمن يسكنون بعد عصره في آخر مدة السبي والشعب مقسوم إلى قسمين وهما الذين يخافون الرب ويسمعون صوت عبده والذين لا يسمعون وعبد الرب هو المسيح.

ٱلظُّلُمَاتِ الضيقات التي تصيب الأتقياء فإنهم أحياناً لا يرون طريقاً للعمل والخلاص فيكونون كالسالكين في الظلمة والمسيح يقول لهم أن يتمثلوا به ويتكلوا على الرب ويطيعوه كما اتكل هو على الرب وأطاعه فيجدون النور والرجاء بالإيمان والطاعة.

ٱسْمِ ٱلرَّبِّ اسمه يهوه (خروج 7: 3) ومعناه الحي والكائن منذ الأزل وإلى الأبد وغير المتغير.

ٱلْقَادِحِينَ نَاراً القسم الآخر من الشعب وهم الذين لا يطلبون النور من الرب بالاتكال عليه والطاعة له بل يصنعون نوراً لأنفسهم ويسلكون حسب حكمتهم وإرادتهم.

والنار هنا تشير إلى النار المتقدة في موقد البيت ويُكنى بها عن جميع أسباب الراحة والسرور البيتية ولا يجوز للإنسان لأن يتمنطق بها أي أن يتكل عليها ويفتخر بها لأنها وقتية. والذين يتكلون عليها يشبهون الفقراء في أيام البرد يوقدون في الموقد كل ما عندهم من الوقيد ويفرحون قليلاً ولكن نارهم تنطفئ سريعاً فيضطجعون من شدة البرد. والسرور الحقيقي من الرب لا من أنفسنا ولا من بني البشر والخيرات الجسدية.

ٱسْلُكُوا بِنُورِ نَارِكُمْ تهكم ومثله كثير في الكتاب المقدس والمعنى أنه إذا كان الناس لا يسمعون كلام الله بل يقسون قلوبهم فالله يسلّمهم أخيراً ليعملوا كما يريدون فيهلكون.

مِنْ يَدِي الرب المتكلم.

فِي ٱلْوَجَعِ تَضْطَجِعُونَ كمن يفضّل نور ناره على ضوء الشمس فيضطجع أي يبقى في الظلام والضيق وأعظم قصاص للخاطئ هو تتميم إرادته فيتركه الله ليسلك في نوره ويضطجع في مضجعه ويعمل ما يريد فيهلك بلا مخلّص.

فوائد للوعاظ

من أجل آثامكم قد بعتم (ع 1)

  1. البائع. الإنسان يبيع نفسه أي يسلم نفسه للخطية طمعاً في الربح أو اللذة ولكن ليس الإنسان لنفسه بل للرب الذي خلقه وأعطاه الحياة والمال والقوى العقلية والجسدية لكي يمجده بها فالذي يبيع نفسه يبيع ما ليس له.

  2. المشتري. وهو الإنسان أيضاً لأنه يشتري نفسه أي تتسلّط عليه محبة الذات والشهوات الجسدية والطمع والكبرياء فلا سيّد صارم أكثر من هذا السيّد ولا عبودية شرّ من عبودية محبة الذات..

  3. الثمن. وهو لذة وقتية زهيدة أو مال أو شهرة وكثيراً ما يكون البيع بالوعد فالبائع لا يقبض الثمن أبداً فيخسر نفسه ولا يربح العالم ولا جزءاً منه.

لأعرف أن أغيث المعيي بكلمة (ع 4)

المعيي هو التّعِب الكالّ من العمل الشاق أو من الخدمة أو من مقاومة التجارب. والكلمة التي تغيث المعيي أنواع:

  1. كلمة الإنذار وهي ممن ينظر إلى المستقبل فيرى نتائج الخطية فينذر الأحداث والطائشين.

  2. كلمة التوبيخ وهي ممن له شجاعة وأمانة ومحبة للخاطئ.

  3. كلمة التعزية وهي ممن تعزى من الله فيقدر أن يعزي غيره بالتعزية التي تعزى بها.

  4. كلمة المشورة وهي من الفهيم والمختبر الأمور لمن يريد المعرفة ويطلبها.

الأذن المصغية واللسان المفيد (ع 4)

  1. الغاية العظمى من مطالعة الكتاب المقدس هي أن نسمع فيه صوت الله ونعرف إرادته.

  2. الله يكملّنا ويعلّمنا لنعلّم غيرنا ولا يمكننا أن نفيد باللسان إن لم نكن استفدنا أولاً بالأذن.

  3. اللسان المستعد يجد فرصاً كثيرة للخدمة كتعزية الحزانى وتنشيط الضعفاء وإرشاد الجهلاء والمتقلبين وخلاص الضالين.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلْخَمْسُونَ

في (ص 50: 4 - 10) كلام في عبد الرب وكذلك في (ص 52: 13 - 53: 12) وبين هذين الفصلين كلام تعزية من الرب لشعبه والكلام ثلاثة أقسام بداءة القسم الأول قوله «اسمعوا لي». والقسم الثاني قوله «انصتوا إليّ» (ع 4) والقسم الثالث قوله «اسمعوا لي» (ع 7).

1، 2 «1 اِسْمَعُوا لِي أَيُّهَا ٱلتَّابِعُونَ ٱلْبِرَّ ٱلطَّالِبُونَ ٱلرَّبَّ. ٱنْظُرُوا إِلَى ٱلصَّخْرِ ٱلَّذِي مِنْهُ قُطِعْتُمْ وَإِلَى نُقْرَةِ ٱلْجُبِّ ٱلَّتِي مِنْهَا حُفِرْتُمُ. 2 ٱنْظُرُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَبِيكُمْ وَإِلَى سَارَةَ ٱلَّتِي وَلَدَتْكُمْ. لأَنِّي دَعَوْتُهُ وَهُوَ وَاحِدٌ وَبَارَكْتُهُ وَأَكْثَرْتُهُ».

ع 7 رومية 9: 30 و31 و32 رومية 4: 1 و16 وعبرانيين 11: 11 و12 تكوين 12: 1 و2 تكوين 24: 1 و35

ٱلتَّابِعُونَ ٱلْبِرَّ البرّ هنا القداسة والسلوك الطاهر وحفظ وصايا الله والتابعون البر والطالبون الرب كانوا قليلين فكادوا لا يصدقون مواعيد الله بأن نسل إسرائيل يكون كالرمل بالكثرة (ص 48: 17 - 19) فذكرهم الرب بالصخر الذي منه قُطعوا أي إبراهيم. وكان إبراهيم شيخاً لما ولد إسحاق وامرأته كذلك كانت عاجزة فالنسل الكثير منهما ليس من الأمور الطبيعية بل ببركة الرب وقدرته غير المحدودة.

وَهُوَ وَاحِدٌ كان من شخص واحد نسل كنجوم السماء بالكثرة فما المانع من أن يكون نسل إسرائيل كثيراً ببركة الرب (انظر حزقيال 33: 24) حيث وبخ الرب البقية الشريرة الذين قالوا نفس هذا القول. والقول هنا يفيد إنه يجب الاتكال على الرب وأما القول في حزقيال فيفيد أنه لا ينفع الاتكال عليه بلا حفظ وصاياه. وكثيراً ما ينتفع الإنسان من النظر إلى بداءة حياته فإنه كان طفلاً ضعيفاً لا يقدر أن يفهم شيئاً أو يعمل شيئاً ومن هذا الطفل صنع الله رجلاً قوياً في الجسم ومقتدراً في العقل وهو يقدر أن يصنع أيضاً من هذا الرجل قديساً يمجد الله ويتمتع به إلى الأبد. وإذا نظرنا إلى بداءة الكنيسة رأينا أنها كانت صغيرة وضعيفة كالطفل والله صنع منها كنيسة ممتدة في كل الأرض كالمشاهدة اليوم ويقدر أن يصنع منها كنيسة المستقبل وهي الكنيسة المجيدة التي لا غضن فيها وهي عروس الخروف.

3 «فَإِنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ عَزَّى صِهْيَوْنَ. عَزَّى كُلَّ خِرَبِهَا، وَيَجْعَلُ بَرِّيَّتَهَا كَعَدَنٍ وَبَادِيَتَهَا كَجَنَّةِ ٱلرَّبِّ. ٱلْفَرَحُ وَٱلاِبْتِهَاجُ يُوجَدَانِ فِيهَا. ٱلْحَمْدُ وَصَوْتُ ٱلتَّرَنُّمِ».

مزمور 102: 13 وص 40: 1 و52: 9 وع 12 تكوين 13: 10 ويوئيل 2: 3

قَدْ عَزَّى هذه التعزية وإن كانت مستقبلة فكأنها قد مضت بمقاصد الله.

صِهْيَوْنَ أي شعب الله لا أهل مدينة أورشليم فقط.

خِرَبِهَا لما سقطت أورشليم أبقى رئيس الشرط من مساكين الأرض كرامين وفلاحين ولكنهم كانوا قليلين العدد وأكثر الأرض أصبح خرباً.

عَدَنٍ... جَنَّةِ ٱلرَّبِّ كناية عن البركات الروحية فإن ماء الجنة يشير إلى النهر الصافي من ماء الحياة وأشجار الجنة إلى شجرة الحياة وأثمار الجنة إلى أعمال القديسين الصالحة وسياج الجنة إلى عناية الله وهذه البركات أعظم مما حدث عند رجوع اليهود إلى بلادهم وأعظم أيضاً مما نراه اليوم في العالم ولكنها ليست أعظم مما سيكون بعدما يُقام ملكوت الله تماماً في العالم وهي أقل جداً مما سيكون في الملكوت السماوي.

صَوْتُ ٱلتَّرَنُّمِ ليس فقط الفرح في الخيرات التي للجسد بل الفرح في غفران الخطايا والرجوع إلى الله.

4 «اُنْصُتُوا إِلَيَّ يَا شَعْبِي، وَيَا أُمَّتِي أَصْغِي إِلَيَّ. لأَنَّ شَرِيعَةً مِنْ عِنْدِي تَخْرُجُ، وَحَقِّي أُثَبِّتُهُ نُوراً لِلشُّعُوبِ».

ص 2: 3 و42: 4 ص 42: 6

اُنْصُتُوا هذه الكلمة أقوى من كلمة «اسمعوا» في (ع 1). والرب هنا وعدهم ببركات أعظم من المذكورة في (ع 3) أي الشريعة والحق أعظم من الجنات والترنم.

شَعْبِي... أُمَّتِي ما أعظم تعزية هاتين الكلمتين لأن الرب يقول بهما إنه اختارهم ولم يرفضهم وهم خاصته فيحبهم ويعتني بهم ولا يكفي الكلمة الواحدة بل يزيد عليها كلمة «أمتي».

لِلشُّعُوبِ العالم كله فان الرب إله الكل والمسيح مخلص الكل والنور أي التبشير بالمسيح خرج من أورشليم وتمت النبوءة في أيام الرسل لما حل عليهم الروح القدس في أورشليم وخرجوا منها ليتلمذوا جميع الأمم. والتبشير بالمسيح نور لأن المقصود به المعرفة والإدراك فإن الإنسان لا يخلص كأعمى يقوده المرشد بيده بل كمفتوح العينين ومطلق الرجلين يمشي باختياره في طريق يراه بواسطة نور الإنجيل.

5 «قَرِيبٌ بِرِّي. قَدْ بَرَزَ خَلاَصِي وَذِرَاعَايَ يَقْضِيَانِ لِلشُّعُوبِ. إِيَّايَ تَرْجُو ٱلْجَزَائِرُ وَتَنْتَظِرُ ذِرَاعِي».

ص 42: 6 ص 46: 13 و56: 1 ورومية 1: 16 و17 مزمور 67: 4 و98: 9 ص 60: 9 رومية 1: 16

قَرِيبٌ بِرِّي برّ الله وهو يقوم بصدقه وأمانته في تتميم وعده ووعيده. وكان برّه قريب في الرؤيا لأن النبي نظره كأنه حاضر وقريب عند الرب الذي عنده ألف سنة كيوم واحد غير أنه بعيد بحسب أفكار بني البشر.

ٱلْجَزَائِرُ (ص 42: 4) ممالك الأمم البعيدة.

تَنْتَظِرُ ذِرَاعِي قوة الرب للخلاص. قيل في أعمال الرسل إن الأمم قبلوا الكلمة بالنشاط أكثر من اليهود (أعمال 11: 21 و13: 42 و17: 4).

6 «اِرْفَعُوا إِلَى ٱلسَّمَاوَاتِ عُيُونَكُمْ، وَٱنْظُرُوا إِلَى ٱلأَرْضِ مِنْ تَحْتٍ. فَإِنَّ ٱلسَّمَاوَاتِ كَٱلدُّخَانِ تَضْمَحِلُّ، وَٱلأَرْضَ كَٱلثَّوْبِ تَبْلَى، وَسُكَّانَهَا كَٱلْبَعُوضِ يَمُوتُونَ. أَمَّا خَلاَصِي فَإِلَى ٱلأَبَدِ يَكُونُ وَبِرِّي لاَ يُنْقَضُ».

ص 40: 26 مزمور 102: 21 ومتّى 24: 35 و2بطرس 3: 10 و12 ص 50: 9

انظر متّى 24: 35 «اَلسَّمَاءُ وَٱلأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلٰكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ» السماء والأرض أثبت ما يكون من المخلوقات فإن لجميع النباتات والحيوانات حياة محدودة وأما السماء والأرض فبقيا كما هما منذ البدء إلى اليوم ولكن في انقضاء الدهور «تَزُولُ ٱلسَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ ٱلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ ٱلأَرْضُ وَٱلْمَصْنُوعَاتُ ٱلَّتِي فِيهَا» (2بطرس 3: 7 - 12). و«البعوض» مذكور بالمقابلة على هذه الأرض كحياة البعوض بالنسبة إلى الأبدية وأما خلاص الله وبرّه فإلى الأبد لأن الله إلى الأبد لا يتغير. وإذا كان الخلاص إلى الأبد فمن الضرورة الإنسان أيضاً الذي له هذا الخلاص يكون إلى الأبد فلا يزول كما تزول السماء والأرض.

7، 8 «7 اِسْمَعُوا لِي يَا عَارِفِي ٱلْبِرِّ، ٱلشَّعْبَ ٱلَّذِي شَرِيعَتِي فِي قَلْبِهِ. لاَ تَخَافُوا مِنْ تَعْيِيرِ ٱلنَّاسِ، وَمِنْ شَتَائِمِهِمْ لاَ تَرْتَاعُوا، 8 لأَنَّهُ كَٱلثَّوْبِ يَأْكُلُهُمُ ٱلْعُثُّ، وَكَالصُّوفِ يَأْكُلُهُمُ ٱلسُّوسُ. أَمَّا بِرِّي فَإِلَى ٱلأَبَدِ يَكُونُ، وَخَلاَصِي إِلَى دَوْرِ ٱلأَدْوَارِ».

ع 1 مزمور 37: 31 متّى 10: 28 وأعمال 5: 41 ص 50: 9

يَا عَارِفِي ٱلْبِرِّ الرب يكلّم المؤمنين به والعبارة «عارفي البر» مفسرة بالعبارة التالية «شريعتي في قلبه» أي البرّ هنا شريعته المقدسة والمعرفة المذكورة هي المعرفة القلبية التي تحتوي على المحبة والطاعة لا مجرد الخبر والإدراك. والمخاطَبون وإن كانوا مؤمنين بالرب هم عرضة للخوف من الناس فشجعهم بقوله إن الإنسان أي المضطهد كالبابليين كثوب يأكله العث أي ليس له قوة ولا دوام وأما خلاص الرب فإلى دور فدور.

9 - 11 «9 اِسْتَيْقِظِي ٱسْتَيْقِظِي! ٱلْبِسِي قُوَّةً يَا ذِرَاعَ ٱلرَّبِّ! ٱسْتَيْقِظِي كَمَا فِي أَيَّامِ ٱلْقِدَمِ، كَمَا فِي ٱلأَدْوَارِ ٱلْقَدِيمَةِ. أَلَسْتِ أَنْتِ ٱلْقَاطِعَةَ رَهَبَ، ٱلطَّاعِنَةَ ٱلتِّنِّينَ؟ 10 أَلَسْتِ أَنْتِ هِيَ ٱلْمُنَشِّفَةَ ٱلْبَحْرَ، مِيَاهَ ٱلْغَمْرِ ٱلْعَظِيمِ، ٱلْجَاعِلَةَ أَعْمَاقَ ٱلْبَحْرِ طَرِيقاً لِعُبُورِ ٱلْمَفْدِيِّينَ؟ 11 وَمَفْدِيُّو ٱلرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَى صِهْيَوْنَ بِٱلتَّرَنُّمِ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ فَرَحٌ أَبَدِيٌّ. ٱبْتِهَاجٌ وَفَرَحٌ يُدْرِكَانِهِمْ. يَهْرُبُ ٱلْحُزْنُ وَٱلتَّنَهُّدُ».

مزمور 44: 23 وص 52: 1 مزمور 93: 1 ورؤيا 11: 17 أيوب 26: 12 مزمور 87: 4 و89: 10 مزمور 74: 12 و14 وص 27: 1 وحزقيال 29: 3 خروج 14: 2 وص 43: 16 ص 35: 10

قول الشعب للرب أو قول النبي له بالنيابة عن الشعب. ذكر أعمال الله العجيبة في القديم في مصر والبحر الأحمر وطلب إلى الرب أن يظهر قوته أيضاً.

ٱسْتَيْقِظِي الرب لا ينام ولا ينعس ولا ينسى شيئاً وهو سبق فعيّن كل ما يحدث ومقاصده ثابتة إلى الأبد مع ذلك شعبه يصلّون له ويذكرون مواعيده وصلواتهم تقتدر كثيراً في فعلها غير أن الموافقة بين هذين الأمرين فوق إدراكنا. وكما يتشجع الجنود بقدوم نجدات هكذا يتشجع شعب الله بإيمانهم بقوته غير المحدودة وإصغائه لصلواتهم فهو لهم عون في حينه.

رَهَبَ أي مصر (انظر ص 30: 7).

ٱلتِّنِّينَ أراد به أعداء الرب وهو من أسماء الشيطان (رؤيا 12: 7 - 9 و20: 2) وأشار به هنا إلى قوة مصر المسماة بالتمساح في (حزقيال 29: 3).

ٱلْمُنَشِّفَةَ ٱلْبَحْرَ تشير هذه العبارة إلى البدء (تكوين 1: 9) حين جمع المياه إلى مكان واحد فظهرت اليابسة.

ٱلْجَاعِلَةَ أَعْمَاقَ ٱلْبَحْرِ طَرِيقاً هذا إشارة إلى عبور بني إسرائيل البحر الأحمر عند خروجهم من مصر. فالشعب يذكرها في الصلاة أولاً إن الله في البدء جمع المياه إلى مكان واحد ثم يذكر أنه فتح طريقاً في البحر لشعبه عند خروجهم من مصر ثم يسأل ألا يقدر أيضاً أن يفتح طريقاً لرجوع شعبه إلى بلادهم.

مَفْدِيُّو ٱلرَّبِّ ورد هذا الكلام عينه في (ص 35: 10).

12 «أَنَا أَنَا هُوَ مُعَزِّيكُمْ. مَنْ أَنْتِ حَتَّى تَخَافِي مِنْ إِنْسَانٍ يَمُوتُ، وَمِنِ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي يُجْعَلُ كَٱلْعُشْبِ؟».

ع 3 و2كورنثوس 1: 3 مزمور 118: 6 ص 40: 6 و1بطرس 1: 24

جواب الرب لصلاة شعبه وفحواه أنه يجب عليهم أن ينظروا إليه وحده ويؤمنوا به. ويتكلوا عليه ولا ينظروا قوة أعدائهم فيخافوا منهم فللتعزية يكرر لفظة «أنا».

مَنْ أَنْتِ السؤال من الرب وربما هو جواب قولهم إننا عبيد مسبيون بلا ملك وبلا قوة ونحن خطأة أيضاً ومرفوضون. وأما الرب فذكرهم أنهم شعبه المختار وهم مؤدبون لا مرفوضون وإن الذين يضايقونهم وإن كانوا كثيرين وأقوياء هم أناس فيموتون وأما الرب فهو باسط السموات ومؤسس الأرض وهو صانع إسرائيل ومعزيه فيجب أن يرفعوا نظرهم إليه بالإيمان والرجاء. ويقول الرب «أنتِ» بضمير المخاطبة على نيّة أورشليم كقوله في (ع 17) «ٱنْهَضِي يَا أُورُشَلِيمُ» والمؤنث يناسب سياق الكلام لأن الشعب كان ضعيفاً وخائفاً.

13 «وَتَنْسَى ٱلرَّبَّ صَانِعَكَ، بَاسِطَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَمُؤَسِّسَ ٱلأَرْضِ، وَتَفْزَعُ دَائِماً كُلَّ يَوْمٍ مِنْ غَضَبِ ٱلْمُضَايِقِ عِنْدَمَا هَيَّأَ لِلإِهْلاَكِ. وَأَيْنَ غَضَبُ ٱلْمُضَايِقِ؟».

أيوب 9: 8 ومزمور 104: 2 وص 40: 22 و42: 5 و44: 24 أيوب 20: 7

وَتَنْسَى ٱلرَّبَّ لا يعاتبهم على عدم الإيمان كأنهم أنكروا الرب بل على ضعف إيمانهم فإنهم نسوا قوة الرب غير المحدود ومواعيده الصادقة وهذه التعزية توافق المتضايقين والخائفين في كل عصر. وكثير من الخطايا ناتجة من الخوف كالكذب والرياء وإنكار الله والاتفاق مع الإثم. والخوف من الناس هو عدم الإيمان بالله لأنه لو آمن الإنسان بأن الله يحبه ويفتكر فيه وإنه يعرف كل شيء وهو القادر على كل شيء لما خاف من الناس.

عِنْدَمَا هَيَّأَ لِلإِهْلاَكِ الظاهر أن الإسرائيليين كانوا منتظرين كل يوم وكل ساعة أن يموتوا عن يد سادتهم القساة.

14 «سَرِيعاً يُطْلَقُ ٱلْمُنْحَنِي وَلاَ يَمُوتُ فِي ٱلْجُبِّ وَلاَ يُعْدَمُ خُبْزُهُ».

زكريا 9: 11

ٱلْمُنْحَنِي أي الأسير ورجلاه في المقطرة ورأسه في الحناك.

ٱلْجُبِّ سجن تحت الأرض.

15، 16 «15 وَأَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ مُزْعِجُ ٱلْبَحْرِ فَتَعِجُّ لُجَجُهُ. رَبُّ ٱلْجُنُودِ ٱسْمُهُ. 16 وَقَدْ جَعَلْتُ أَقْوَالِي فِي فَمِكَ، وَبِظِلِّ يَدِي سَتَرْتُكَ لِغَرْسِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَتَأْسِيسِ ٱلأَرْضِ، وَلِتَقُولَ لِصِهْيَوْنَ: أَنْتِ شَعْبِي».

أيوب 26: 12 و مزمور 74: 13 وإرميا 31: 35 تثنية 18: 18 وص 59: 21 ويوحنا 3: 34 ص 49: 2 ص 65: 17 و66: 22

مُزْعِجُ ٱلْبَحْرِ وبالنتيجة مسكنه لأن الذي يقدر أن يزعج يقدر أن يسكّن أيضاً.

وَقَدْ جَعَلْتُ أَقْوَالِي فِي فَمِكَ يشير سياق الكلام إلى أن المخاطب هنا إسرائيل وهكذا في (ص 59: 21) ولكن الباقي من الجملة يطابق ما أتى في (ص 49: 2) «فِي ظِلِّ يَدِهِ خَبَّأَنِي» حيث كان المخاطب المسيح. والقول هنا «لِغَرْسِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَتَأْسِيسِ ٱلأَرْضِ، وَلِتَقُولَ لِصِهْيَوْنَ: أَنْتِ شَعْبِي» لا يناسب غير المسيح فالأرجح أن المسيح هو المخاطب في هذه الآية كلها. وبما أن المسيح تجسّد وصار إنساناً يهودياً كان هو واحداً من الشعب فيكلّمه الرب كنائب عنهم فجعل الرب أقواله في فم إسرائيل وعلى نوع خاصّ في فم المسيح وهو الإسرائيلي الكامل الله في الجسد.

لِغَرْسِ ٱلسَّمَاوَاتِ (ص 65: 17) لا نعد هذه الأقوال نبوءة بانقضاء الدهر بل نعدها نبوءة بالتجديد في كل شيء كما صار عند موت المسيح وهو كخلق جديد فإن الهيكل والرسوم الموسوية والمذابح والكهنة بطلت وقامت الكنيسة المسيحية. وللكنيسة معرفة أوضح وحياة أفضل وخدمة أوسع مما كان لشعب اليهود.

17 «اِنْهَضِي ٱنْهَضِي! قُومِي يَا أُورُشَلِيمُ ٱلَّتِي شَرِبْتِ مِنْ يَدِ ٱلرَّبِّ كَأْسَ غَضَبِهِ. ثُفْلَ كَأْسِ ٱلتَّرَنُّحِ شَرِبْتِ. مَصَصْتِ».

ص 52: 1 أيوب 21: 20 وإرميا 25: 15 و16 تثنية 28: 28 و34 ومزمور 60: 3 و75: 8 وحزقيال 23: 32 و33 و34 وزكريا 12: 2 ورؤيا 14: 10

من ع 17 إلى 52: 12 كلام الرب لأورشليم أي أهل أورشليم اليهود وفيه ينادي كما في (ص 40: 2) بأن زمان اتضاعها مضى وأتى زمان افتقادها وعقاب أعدائها ويحرّض على النهوض بالفرح والرجوع إلى مدينتهم وإلههم. وشُبهت الضيقات هنا بالخمر في الكأس وتأثيرها بتأثير الخمر وأورشليم شربت من هذه الكأس عندما سقطت عن يد نبوخذنصر واحترق الهيكل وقصر الملك وبيوت العظماء وانهدمت الأسوار (2ملوك 25: 9 و10) وشربت ثفل الكأس ومصّت أي لم تترك شيئاً بالكأس بل ارتوت من الضيقات. والكلدانيون أيضاً شربوا الكأس نفسها (إرميا 25: 26).

18 «لَيْسَ لَهَا مَنْ يَقُودُهَا مِنْ جَمِيعِ ٱلْبَنِينَ ٱلَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ، وَلَيْسَ مَنْ يُمْسِكُ بِيَدِهَا مِنْ جَمِيعِ ٱلْبَنِينَ ٱلَّذِينَ رَبَّتْهُمْ».

لَيْسَ لَهَا مَنْ يَقُودُهَا قيل في (إرميا 43: 5 - 7) إن يوحانان وكل الرؤساء هربوا إلى مصر وأصبحت الأرض بلا قائد فكان خرابها التام من سوء إدارة اليهود لا من الكلدانيين فقط.

19 «اِثْنَانِ هُمَا مُلاَقِيَاكِ. مَنْ يَرْثِي لَكِ؟ ٱلْخَرَابُ وَالاِنْسِحَاقُ وَٱلْجُوعُ وَٱلسَّيْفُ. بِمَنْ أُعَزِّيكِ؟».

ص 47: 9 عاموس 7: 2

اِثْنَانِ أي الخراب والانسحاق فإن الكلمتين «الجوع والسحق» تفسير الكلمتين «الخراب والانسحاق» فالخراب أي الجوع يكون من الداخل والانسحاق أي السيف يكون من الخارج.

بِمَنْ أُعَزِّيكِ يشير إلى حال اليهود وهم في السبي إذ لم يكن لهم حليف ولا محام ولا أحد يسأل عنهم أو يرثي لهم.

20 «بَنُوكِ قَدْ أَعْيَوْا. ٱضْطَجَعُوا فِي رَأْسِ كُلِّ زُقَاقٍ كَٱلْوَعْلِ فِي شَبَكَةٍ. ٱلْمَلآنُونَ مِنْ غَضَبِ ٱلرَّبِّ، مِنْ زَجْرَةِ إِلٰهِكِ».

مراثي 2: 11 و12

بَنُوكِ قَدْ أَعْيَوْا (مراثي 2: 11 و12) النبي من عادته أن يذكر بعض الأمور المستقبلة كأنها مضت فيذكرها كما رآها في رؤياه. وحدث هذا كله لما سقطت أورشليم بواسطة الكلدانيين.

كَٱلْوَعْلِ فِي شَبَكَةٍ وهو يرفس ويضرب ويعذّب نفسه ولا يقدر أن يخلص وهكذا اليهود في وقت حاصر نبوخذنصر أورشليم.

ٱلْمَلآنُونَ مِنْ غَضَبِ ٱلرَّبِّ يشير إلى ما قيل في ع 17 «شَرِبْتِ مِنْ يَدِ ٱلرَّبِّ كَأْسَ غَضَبِهِ» فكانوا ملآنين من غضب الرب كسكران بالخمر. وأعظم مصائب الإنسان ليس ما يحدث خارجاً عنه كهجوم الكلدانيين على أورشليم أو خسارة المال والمقاومة من الناس بل ما يصيبه من الداخل كالريب والخوف واليأس والجهل وهذه المصائب الداخلية تشير نوعاً إلى غضب الله.

21 «لِذٰلِكَ ٱسْمَعِي هٰذَا أَيَّتُهَا ٱلْبَائِسَةُ وَٱلسَّكْرَى وَلَيْسَ بِٱلْخَمْرِ».

ع 17 ومراثي 3: 15

سَّكْرَى وَلَيْسَ بِٱلْخَمْرِ لو كان السكر بالخمر كان السبب منها ومما فعلت بإرادتها وكان وقتياً أما هذا السكر فهو من هجوم أعداء كثيرين لا تقدر أن تخلص منهم وكان للهلاك بلا رجاء.

22 «هٰكَذَا قَالَ سَيِّدُكِ ٱلرَّبُّ، وَإِلٰهُكِ ٱلَّذِي يُحَاكِمُ لِشَعْبِهِ: هَئَنَذَا قَدْ أَخَذْتُ مِنْ يَدِكِ كَأْسَ ٱلتَّرَنُّحِ، ثُفْلَ كَأْسِ غَضَبِي. لاَ تَعُودِينَ تَشْرَبِينَهَا فِي مَا بَعْدُ».

إرميا 50: 34

سَيِّدُكِ ٱلرَّبُّ ليس ملك بابل بل الرب سيّد اليهود وهو سيّدهم وهم في بابل كما كان سيّدهم وهم في بلادهم فيجب الخوف من الرب وليس من ملك بابل ويجب الفرح بالرب أيضاً لأن السيّد الرب ليس كملك بابل بل هو طويل الروح وكثير الرحمة وجميع مقاصده خير وخلاص لشعبه.

ٱلَّذِي يُحَاكِمُ لِشَعْبِهِ كان الرب حاكمهم إذ سلّمهم لأعدائهم لسبب خطاياهم ولكن انتهى التأديب فيحاكم لشعبه وعلى أعدائهم الذين سبوهم وظلموهم فاستحق البابليون ان يُحكم عليهم لأنهم لم يفعلوا ما فعلوه بشعب الله إطاعة لإرادته بل بحسب إرادتهم وقساوتهم.

23 «وَأَضَعُهَا فِي يَدِ مُعَذِّبِيكِ ٱلَّذِينَ قَالُوا لِنَفْسِكِ: ٱنْحَنِي لِنَعْبُرَ، فَوَضَعْتِ كَٱلأَرْضِ ظَهْرَكِ وَكَالزُّقَاقِ لِلْعَابِرِينَ».

إرميا 25: 17 و26 و28 وزكريا 12: 2 مزمور 66: 11 و12

وَأَضَعُهَا فِي يَدِ مُعَذِّبِيكِ قال المسيح «بالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم» ومن العدل أن يقاسي البابليون الآلام التي بها ألّموا اليهود نفسها فسقطت مدينتهم بواسطة كورش كما سقطت أورشليم بواسطة نبوخذنصر وأُهينوا كما أهانوا اليهود. وليس للمضايَق أن يجازي المضايِق على الشر بالشر ولا أن يطلب ضيق مضايقه بل أن يتكل على الرب الذي قال «لي النقمة أنا أجازي».

قَالُوا لِنَفْسِكِ «كَثِيرُونَ يَقُولُونَ لِنَفْسِي: لَيْسَ لَهُ خَلاَصٌ بِإِلٰهِهِ» (مزمور 3: 2) أي قالوا قول يؤثر في النفس وينشئ الحزن والخوف.

ٱنْحَنِي لِنَعْبُرَ علامة الذل والخضوع (يشوع 10: 24). وكان شعب الله كامرأة ضعيفة ومتروكة سلّمت نفسها للذل والإهانة والظلم لأن ليس لها أحد يعينها وفيما هي في هذه الحال تسمع صوت مخلصها قائلاً «ٱنْهَضِي! قُومِي يَا أُورُشَلِيمُ» (ع 17).

فوائد للوعاظ

انظروا إلى إبراهيم (ع 2)

النظر إلى الناس والاقتداء بهم أمر طبيعي عام للجميع ولا سيما الأحداث. ويجب النظر إلى الصالحين لأننا نصير مثل الذين ننظر إليهم. فننظر إلى إبراهيم لأمور:

  1. أولاً أنه آمن بالله وصدق ما لا يصدق لأن الله قادر على كل شيء.

  2. إنه أطاع الله في كل شيء وذهب وعمل كما قال له.

  3. إنه كان كريماً وكان مع غناه في الجسديات غنياً في كل الضيقات الروحية.

لأن شريعة من عندي تخرج وحقي أثبته نوراً للشعوب (ع 4)

  1. إن كتاب الله نور قصد الله فيه تنوير عقول الناس وقلوبهم ليعرفوا ويفهموا طريق الخلاص والإيمان المطلوب ليس الإيمان الجهلي.

  2. إن هذا النور يُظهر للناس خطاياهم.

  3. إن هذا النور يُظهر طريق الخلاص بغفران الخطية ورجوع الخاطئ إلى الله بتجديد قلبه.

  4. إن هذا النور يُظهر للمؤمن طريق القداسة والحياة في خدمة الله.

لا تخافوا من تعيير الناس (ع 7)

إننا لا نخاف من الناس لما يأتي:

  1. إنهم عرضة للغلط في أحكامهم فإن كثيرين يمدحون ويلومون حسب غايتهم وإذا كان الإنسان من حزبهم مدحوه مهما فعل وإذا كان من حزب آخر لاموه مهما فعل. وبعضهم يتبعون الصوت الأقوى فيقولون كما يقول غيرهم صواباً كان أم خطأ. وبعضهم يحكمون بلا معرفة ولا سيما معرفة الغاية ولا أحد يعرف القلب إلا الله وحده.

  2. إن أفكار الناس عرضة للتغيير كما قال أهل أورشليم للمسيح «أوصنا» وبعد خمسة أيام «اصلبه». وأحياناً يحكم معاصرو الإنسان عليه والجيل الثاني يعظمه.

  3. إن جميع الناس بشر يموتون ومدحهم ولومهم وقتيان فيجب أن نعتبر أولاً حكم الله ونطلب المدح والتبرير منه.

يهرب الحزن والتنهد (ع 11)

لا يكمل هذا الوعد في هذا العالم بل في ملكوت الله السماوي لما يأتي:

  1. إن ذلك الملكوت ليس فيه موت الجسد ولا هلاك النفس.

  2. إنه لا وجع فيه للجسد ولا للأفكار.

  3. إنه لا فراق فيه وهو سبب جانب كبير من الحزن والبكاء في هذا العالم.

  4. إنه لا خطية فيه لأن الخطايا السالفة مغفورة ولا يكون تجربة ولا ميل إلى الخطية ولا خطر من السقوط فيها.

وتفزع دائماً كل يوم (ع 13)

أي نخاف. وينتج الخوف أحياناً مما يأتي:

  1. الضعف الجسدي أو المزاج العصبي فيكون طبيعياً لا خطية غير أنه يجب على الإنسان أن يغلب طبيعته وأحواله.

  2. عدم الإيمان أو ضعفه فيكون هذا الخوف خطية. ويعالج الخوف بالنظر إلى الله والاتكال على مواعيده دون النظر إلى الذات أو إلى الناس فلماذا يخاف من يحبه المسيح وطهّره من خطاياه وجعله ابناً لله القدير. ويجب على الأقوياء أن يحتملوا أضعاف الضعفاء فلا يحتقروا من يختلف عنهم في مزاجه.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلْخَمْسُونَ إلى ع 12

مضمونه:

من ص 51: 17 - ص 52: 12 فصل واحد مضمونه التصريح بأن الرب يرد سبي شعبه وتحريضهم على النهوض والفرح بالرب والاستعداد للخروج. والحق الأساسي الانتقال من النظام القديم إلى النظام المسيحي فيتضمن تجديد حياة إسرائيل الروحية ومجيء المسيح.

1 «اِسْتَيْقِظِي ٱسْتَيْقِظِي! ٱلْبِسِي عِزَّكِ يَا صِهْيَوْنُ! ٱلْبِسِي ثِيَابَ جَمَالِكِ يَا أُورُشَلِيمُ، ٱلْمَدِينَةُ ٱلْمُقَدَّسَةُ، لأَنَّهُ لاَ يَعُودُ يَدْخُلُكِ فِي مَا بَعْدُ أَغْلَفُ وَلاَ نَجِسٌ».

ص 51: 9 و17 نحميا 11: 1 وص 48: 2 ومتّى 4: 5 ورؤيا 21: 2 ص 35: 8 و60: 21 وناحوم 1: 15 رؤيا 21: 27

ٱسْتَيْقِظِي (رومية 13: 11 و12) كانت صهيون في حال الذل فشبّه النبي هذه الحال بالليل والظلام وبشرها بإقبال الصبح فعليها أن تستيقظ وتقوم وتلبس ثيابها.

وفي الأصحاح السابق ع 9 قال النبي «استيقظي البسي قوة يا ذراع الرب» أراد أن الرب يعمل لأجل شعبه وهم يطلبون منه أن يعمل. وفي هذا الأصحاح قال النبي لأورشليم «استيقظي» لأن الرب لا يعمل لأجل شعبه فقط بل يعمل فيهم أيضاً إذ يجعل فيهم الإيمان والرجاء والنشاط وبلا عمل منهم لا يعمل لأجلهم. لما خلّص شعبه من مصر قال لهم أن يقوموا ويخرجوا ولما رد الرب سبيهم قاموا هم وتركوا أملاكهم واحتملوا مشقات السفر وأخطاره وبنوا أسوار أورشليم بأيديهم وبالتعب والخوف. وكذلك يعطي شعبه في كل عصر بركات عظيمة ولكنه يأمره بأن يطلبوها. ويقدم لهم الخلاص والحياة الأبدية مجاناً ولكن عليهم أن يجتهدوا أن يدخلوا من الباب الضيّق وأن يمسكوا بالحياة الأبدية.

عِزَّكِ ليس عز القوة الجسدية ولا عز المال لأن ليس لهم عز كهذا بل عز الثبات في إيمانهم بالكتاب المقدس وبالله وبصدق مواعيده وعزهم بالصلاة والسلوك بلا لوم.

ثِيَابَ جَمَالِكِ هذا إشارة إلى القداسة فعلى الذين يعملون مع الرب أن يكونوا قديسين لأنه قدوس وإلى الخلاص لأن ثياب العبيد لا توافق الأحرار في المسيح وإلى الفرح لأن الخلاص هو فرح لا حزن ولا خوف.

لاَ يَعُودُ يَدْخُلُكِ لم تتم هذه النبوءة حقيقة عند الرجوع من بابل لأن الأغلف والنجس دخلا كأنتيوخس أبيفانس والرومانيين فيكون التتميم الحقيقي عند خلاص شعب الله من الخطية وإقامة الكنيسة المجيدة التي لا دنس فيها (أفسس 5: 27) وإقامة الملكوت السماوي الذي لا يدخله شيء دنس.

2 «اِنْتَفِضِي مِنَ ٱلتُّرَابِ. قُومِي ٱجْلِسِي يَا أُورُشَلِيمُ. ٱنْحَلِّي مِنْ رُبُطِ عُنُقِكِ أَيَّتُهَا ٱلْمَسْبِيَّةُ ٱبْنَةُ صِهْيَوْنَ».

ص 3: 26 و51: 23 زكريا 2: 7

اِنْتَفِضِي... قُومِي وهذا الأمر عكس ما قيل لبابل (ص 47: 1) «اِنْزِلِي وَٱجْلِسِي عَلَى ٱلتُّرَابِ» فإن السيدة صارت أَمة والأَمة صارت سيدة.

ٱجْلِسِي أي على كرسي فلا ترجعي إلى الجلوس على الأرض. لا يجوز للكنيسة أن تفتخر أو تطلب لنفسها المجد من العالم وكذلك لا يجوز أن تحتقر نفسها أو تخاف من الناس لأنها ليست أَمة بل عروس المسيح ونور العالم وعمود الحق.

ٱنْحَلِّي مِنْ رُبُطِ عُنُقِكِ رُبُط بابل ورُبُط الخطية. ومن الرُبُط التي تربط الكنيسة في أيامنا ما يأتي:

  1. الحكم المطلق في ما تعتقده وما تعمله كحكم الباب والمجامع.

  2. حكم ملوك العالم في ما يختص بالعبادة والإيمان.

  3. حكم العالم على الكنيسة وتسلط محبة المال والمجد العالمي والعادات الرديئة والفتور والكسل والخوف. الرب هو الذي حلّ الرُبُط ومع ذلك على كل مؤمن أن يحل رُبُط نفسه كأن الرب فتح القفل ثم قال للأسير ارفع الرُبُط عن عنقك. كما قال المسيح لصاحب اليد اليابسة «مد يدك» وللمقعد «قم وامش» الخ أي الخلاص هو عمل الرب في الإنسان لا مجرد عمله خارجاً عنه.

3 «فَإِنَّهُ هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: مَجَّاناً بُعْتُمْ، وَبِلاَ فِضَّةٍ تُفَكُّونَ».

مزمور 44: 12 وص 45: 13 وإرميا 15: 13

مَجَّاناً بُعْتُمْ ينفك العبد بدفع المال الذي بيع به وبما أن بني إسرائيل بيعوا مجاناً ينفكون مجاناً أي لا شيء يمنع فكهم فإنهم ليسوا كأملاك أهل بابل التي تعبوا فيها كبيوتهم وأراضيهم بل هم شعب الله وكانوا في بابل كأمتعة مسروقة فيجوز لصاحبها أن يأخذها بلا ثمن. حين يبيع الخاطئ نفسه للخطية يعطي ما يفوق كل ثمن ولا يأخذ شيئاً ذا قيمة وحين يخلص بالمسيح يأخذ ما يفوق الثمن ولا يُعطي شيئاً.

4 «لأَنَّهُ هٰكَذَا قَالَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ: إِلَى مِصْرَ نَزَلَ شَعْبِي أَوَّلاً لِيَتَغَرَّبَ هُنَاكَ. ثُمَّ ظَلَمَهُ أَشُّورُ بِلاَ سَبَبٍ».

تكوين 46: 6 وأعمال 7: 14

إن بني إسرائيل سُبوا ثلاث مرات أولاً في مصر وثانياً في أشور وثالثاً في بابل فيكفيهم ما كانوا قد احتملوه من العبودية.

5، 6 «5 فَٱلآنَ مَاذَا لِي هُنَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ حَتَّى أُخِذَ شَعْبِي مَجَّاناً؟ ٱلْمُتَسَلِّطُونَ عَلَيْهِ يَصِيحُونَ يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَدَائِماً كُلَّ يَوْمٍ ٱسْمِي يُهَانُ. 6 لِذٰلِكَ يَعْرِفُ شَعْبِيَ ٱسْمِي. لِذٰلِكَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ ٱلْمُتَكَلِّمُ. هَئَنَذَا».

حزقيال 36: 20 و23 ورومية 2: 24

مَاذَا لِي هُنَا تكلم الرب كإنسان والمعنى أنه ليس راضياً بهذه الحالة بل قاصداً أن يقوم لخلاص شعبه. ومما يستدعي التفات الرب لشعبه ما يأتي:

  1. إنهم بيعوا مجاناً.

  2. إن البابليين عاملوهم بالقساوة.

  3. إن البابليين أهانوا اسم الرب.

أهان البابليون اسم الرب بعدم خوفهم منه لأنهم ظلموا شعبه كأنه ليس موجوداً ولا يقدر أن يخلّصهم. وشعب الله عرفوا اسم الرب لما ظهر لخلاصهم من ظالميهم وفي ذلك اليوم عرفوا أن الذي كلمهم ووعدهم بالخلاص هو الفاعل أيضاً والوافي بمواعيده. وليست معرفة الله الحقيقية المعرفة من مجرد أخبار الكتاب المقدس التاريخية ولا معرفة من شهادة غير الكتاب من الناس بل هي أيضاً المعرفة من الاختبار الشخصي وشعور المؤمن بأن الله يعرفه ويحبه ويدبر أمور حياته ويسمع صلاته ويستجيبها.

7 «مَا أَجْمَلَ عَلَى ٱلْجِبَالِ قَدَمَيِ ٱلْمُبَشِّرِ، ٱلْمُخْبِرِ بِٱلسَّلاَمِ، ٱلْمُبَشِّرِ بِٱلْخَيْرِ، ٱلْمُخْبِرِ بِٱلْخَلاَصِ، ٱلْقَائِلِ لِصِهْيَوْنَ: قَدْ مَلَكَ إِلٰهُكِ!».

ناحوم 1: 15 ورومية 10: 15 مزمور 93: 1 و96: 10 و97: 1

ٱلْجِبَالِ هي الجبال حول أورشليم والنبي يصور مبشراً آتياً من بابل إلى أورشليم ليخبر أهلها بخلاص المسبيين وإقامة ملك إلههم. وذكر «قدمي المبشر» لأنه يتوقف عليهما وصول الخبر فالساعي أتى بالسرعة. وبولس الرسول (رومية 10: 15) خصص هذا القول للمبشرين بالمسيح لأن الخلاص من الخطية وإقامة ملكوت المسيح الروحي على الأرض. وليس الجمال للمبشر بل للبشارة فلا يليق به أن يفتخر بل أن يوجه أفكار السامعين إلى البشارة.

قَدْ مَلَكَ إِلٰهُكِ تكفي هذه البشارة لأنه إذا ملك الله يكون بالنتيجة السلام والخلاص وكل خير.

8 «صَوْتُ مُرَاقِبِيكِ. يَرْفَعُونَ صَوْتَهُمْ. يَتَرَنَّمُونَ مَعاً، لأَنَّهُمْ يُبْصِرُونَ عَيْناً لِعَيْنٍ عِنْدَ رُجُوعِ ٱلرَّبِّ إِلَى صِهْيَوْنَ».

مُرَاقِبِيكِ ينادي المراقبون في أورشليم بقدوم المبشر ويترنمون أيضاً من فرحهم بالخلاص. والمراقبون هم الأنبياء أو المؤمنون من الشعب أو الملائكة أو مراقبون حقيقيون.

يُبْصِرُونَ عَيْناً لِعَيْنٍ (انظر عدد 14: 14) «أَنْتَ يَا رَبُّ قَدْ ظَهَرْتَ لَهُمْ عَيْناً لِعَيْنٍ» و(تثنية 34: 10) «مُوسَى ٱلَّذِي عَرَفَهُ ٱلرَّبُّ وَجْهاً لِوَجْهٍ» أي الرب سيرجع إلى صهيون ويقترب حتى يراه المراقبون عيناً لعين أو وجهاً لوجه فيكون هذا القول تأكيداً لرجوع الرب وحضوره بين شعبه وتكون سعادة المفديين التامة عندما ينظرون وجهه في السماء (رؤيا 22: 4).

9 «أَشِيدِي تَرَنَّمِي مَعاً يَا خِرَبَ أُورُشَلِيمَ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ عَزَّى شَعْبَهُ. فَدَى أُورُشَلِيمَ».

ص 51: 3 ص 48: 20

للخرَب فرح خصوصي لأنها ستُبني. وكانت مدينة أورشليم قد خربت كلها تقريباً فلم يبق منها إلا بيوت قليلة حقيرة.

10 «قَدْ شَمَّرَ ٱلرَّبُّ عَنْ ذِرَاعِ قُدْسِهِ أَمَامَ عُيُونِ كُلِّ ٱلأُمَمِ، فَتَرَى كُلُّ أَطْرَافِ ٱلأَرْضِ خَلاَصَ إِلٰهِنَا».

مزمور 98: 2 و3 لوقا 3: 6

شَمَّرَ ٱلرَّبُّ أي أظهر قوته.

ذِرَاعِ قُدْسِهِ يستعمل الرب قدرته غير المحدودة بالقداسة وليس كبني البشر بالظلم والشرور وبما أن الرب قدوس صارت عبارة «ذراع قدسه» بمعنى «ذراع الرب» (مزمور 98: 1).

أَمَامَ عُيُونِ كُلِّ ٱلأُمَمِ إن خلاص اليهود من بابل لم يُفعل في زاوية فإن محاربة الفرس وسقوط بابل ورجوع اليهود من الأمور المعروفة والمشهورة انظر مناداة كورش (عزرا 1: 1 - 3) فإنه أطلق نداء في كل مملكته وقال إن له جميع ممالك الأرض وإن الرب هو الذي دفعها له واعترف بأنه هو الإله وهو أوصاه أن يبني له بيتاً في أورشليم. ولا ترى أطراف الأرض خلاص اليهود فقط بل أيضاً خلاص الرب في ما بينهم فيخلصون هم أيضاً.

11 «اِعْتَزِلُوا. ٱعْتَزِلُوا. ٱخْرُجُوا مِنْ هُنَاكَ. لاَ تَمَسُّوا نَجِساً. ٱخْرُجُوا مِنْ وَسَطِهَا. تَطَهَّرُوا يَا حَامِلِي آنِيَةِ ٱلرَّبِّ».

ص 48: 20 وإرميا 50: 8 و51: 6 و45 وزكريا 2: 6 و7 و2كورنثوس 6: 17 ورؤيا 18: 5 لاويين 22: 2 الخ

ٱخْرُجُوا مِنْ هُنَاكَ من بابل لأن مركز النبي في الرؤيا في أورشليم. وربما البعض من المسبيين احتاجوا إلى أمر كهذا لأنهم استصعبوا السفر في القفر وترك أملاكهم في بابل. أما الذين بقوا في بابل وهم متحدون مع الأشرار فكانوا متحدين معهم في سقوط مدينتهم وخسارة كل شيء. وكل من يخاف من الأتعاب والأخطار فلا يدخل لخدمة المسيح سيقع في أتعاب وصعوبات أعظم.

لاَ تَمَسُّوا نَجِساً أي لا تأخذوا معكم شيئاً من أصنام بابل ولا تعاويذها.

آنِيَةِ ٱلرَّبِّ هي التي أخذها نبوخذنصر (2ملوك 25: 14 - 16) فرجعها كورش (عزرا 1: 7 - 11) وعلى حامليها أن يتطهروا حسب الشريعة (2أيام 29: 34). وها تنبيه لجميع الذين يخدمون الرب في التعليم والتبشير وغيرهما من الرتب الروحية فإنه لا موافقة لرتبة مقدسة مع شخص شرير ورسامة القسيس الحقيقية ليست مجرد وضع الأيدي من الكنيسة بل حلول الروح القدس عليه وشهادة السلوك الطاهر والمحبة للنفوس والغيرة في تخليصهم وهذه هي الأولى.

12 «لأَنَّكُمْ لاَ تَخْرُجُونَ بِٱلْعَجَلَةِ، وَلاَ تَذْهَبُونَ هَارِبِينَ. لأَنَّ ٱلرَّبَّ سَائِرٌ أَمَامَكُمْ، وَإِلٰهَ إِسْرَائِيلَ يَجْمَعُ سَاقَتَكُمْ».

خروج 12: 33 و39 ميخا 2: 13 خروج 14: 19 وعدد 10: 25 وص 58: 8

لاَ تَخْرُجُونَ بِٱلْعَجَلَةِ كما خرجوا من مصر ولا بالخوف كهاربين بل كغالبين لأن الرب معهم.

فوائد للوعاظ

ثياب جمالك (ع 1)

جمال الكنيسة يكون بما يأتي:

  1. في عبادتها. فإنها تقدم للرب أفضل ما عندها من جهة جمال المكان وترتيب الصلاة والتسبيح والتعليم وتقديم هذه العبادة من قلب طاهر وبالإيمان والمحبة.

  2. في سلوكها أي الصدق والطهارة والمحبة والأمانة.

  3. في خدمتها للمحتاجين وتبشيرها واقتدائها بالمسيح في عمل الخير.

ما أجمل على الجبال (ع 7) انظر

أولاً: المرسلين وهم عاملو الخير فيتبعهم السلام والفرح وأما المحاربون فيتبعهم سفك الدماء وخراب البيوت والأملاك واليتامى والأرامل والخوف والبكاء. والمرسلون هم من قبل الله.

ثانياً: مضمون الرسالة وهو

  1. السلام في قلب الإنسان وفي بيته وبين إنسان وإنسان وبين أمة وأمة.

  2. الخلاص وهو من الأعداء ومن الخطية ومن العذاب الأبدي.

  3. ملك الله فينا وحوالينا في هذا العالم وملاشاة كل إثم.

اخرجوا (ع 11) (2كورنثوس 6: 17)

الانفصال عن الأشرار واجب

  1. لعدم وجود وسائط النعمة عندهم (انظر لوط وعائلته في سدوم).

  2. لفساد الأخلاق الجيدة من المعاشرات الرديئة.

  3. لأجل الاعتراف بالحق والشهادة له.

  4. لأجل الاتحاد مع شعب الله في انتشار الإنجيل وعمل الخير.

تطهروا يا حاملي آنية الرب (ع 11)

وهذه الوصية موجهة:

  1. إلى كهنة العهد القديم. انظر الوصايا الكثيرة بالغسلات (خروج 40: 30 - 32). وغضب الله على عزّة (2صموئيل 6: 6 و7). وغضب الله على ابني هارون وابني عالي.

  2. إلى قسوس العهد الجديد (1تيموثاوس ص 3 وأعمال 20: 28 - 35).

  3. إلى جميع خدام الإنجيل فعليهم مسؤولية خصوصية والامتناع عن كل شر وشبه شر.

سياحة المسيحي (ع 11 و12)

مدينة بابل كناية عن العالم الشرير ومدينة أورشليم كناية عن السماء.

  1. الله يأمر كل إنسان أن يقوم من بابل ويسير نحو أورشليم والعقل يصدق هذا الأمر لأنه بالحقيقة خير للإنسان.

  2. لا ينبغي القيام والسير في هذه الطريق بالعجلة أي بلا فكر وبلا استعداد بل على كل إنسان أن يستخبر ويتعلم ويتأمل ويحسب النفقة لئلا يندم ويرجع.

  3. يُطلب من السائرين في الطريق المقدس أن يكونوا مقدسين فيتطهروا من كل طمع ونجاسة وكبرياء ويسيرون بالسهر والصلاة.

  4. الرب مع السائرين فيحفظهم من المخاطر التي أمامهم ومن التي وراءهم أي من كل خطر باختلاف أنواعه.

الأصحاح الثاني والخمسون من ع 13 والأصحاح الثالث والخمسون

هذا الفصل هو الرابع والأخير من الفصول المختصة بعبد الرب (ص 42: 1 - 4 و49: 1 - 6 و50: 4 - 9 و51: 13 - 53: 12) ولا شك في أن عبد الرب هنا هو المسيح. وهكذا فسره اليهود إلى القرن الثاني عشر فاضطروا مع جدالهم مع المسيحيين أن يفتشوا عن تفسير آخر فقال بعضهم إن «عبد الرب» هو شعب اليهود وبعضهم أنه إرميا وبعضهم أنه يوشيا الخ. غير أن كثيرين من اليهود قد آمنوا بالمسيح بواسطة مطالعتهم هذا الفصل ومقابلته بالعهد الجديد. وأسقط اليهود في أيامنا هذا الأصحاح من الأصحاحات المنتخبة للقراءة الأسبوعية لكثرة ما فيه من تعليم الفداء بالمسيح.

ومما يمتاز به هذا الفصل:

ذكر آلام المسيح فإن موضوع النبوءات السابقة هو مجده وامتداد ملكوته وأمثلة ذلك «تَكُونُ ٱلرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى ٱسْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلٰهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ ٱلسَّلاَمِ» (ص 9: 6 و7). «وَيَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ ٱلرَّبِّ، رُوحُ ٱلْحِكْمَةِ وَٱلْفَهْمِ، رُوحُ ٱلْمَشُورَةِ وَٱلْقُوَّةِ» (ص 11: 2). «وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ ٱلْحَقَّ لِلأُمَمِ» (ص 42: 1). «وَتَنْتَظِرُ ٱلْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ» (ص 42: 4) وأما هذا الفصل فيذكر أنه محتقر ومخذول من الناس رجل أوجاع ومختبر الحزن ومجروح ومسحوق ومظلوم وكنعجة صامتة أمام جازيها.

ذكر أن المسيح احتمل الآلام لأجل شعبه «أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا... مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا،... تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا... ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي».

ذكر أن المسيح احتمل هذه الآلام ليخلص شعبه من خطاياهم «جعل نفسه ذبيحة إثم».

إن آلام المسيح وموته أثرت نوعاً ولم تزل تؤثر في قلوب الناس وهي أعظم واسطة لإنشاء التوبة عن الخطية والمحبة له والغيرة وإنكار الذات في خدمته.

وتُعد هذه النبوءة من أهم نبوءات العهد القديم ونسبتها إلى غيرها من النبوءات كنسبة قدس الأقداس إلى القدس لأننا بها نقترب إلى الله وننظر إلى سر الفداء ونرى محبته للخطأة الفائقة المعرفة.

13 - 15 «13 هُوَذَا عَبْدِي يَعْقِلُ، يَتَعَالَى وَيَرْتَقِي وَيَتَسَامَى جِدّاً. 14 كَمَا ٱنْدَهَشَ مِنْكَ كَثِيرُونَ. كَانَ مَنْظَرُهُ كَذَا مُفْسَداً أَكْثَرَ مِنَ ٱلرَّجُلِ، وَصُورَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ بَنِي آدَمَ. 15 هٰكَذَا يَنْضِحُ أُمَماً كَثِيرِينَ. مِنْ أَجْلِهِ يَسُدُّ مُلُوكٌ أَفْوَاهَهُمْ، لأَنَّهُمْ قَدْ أَبْصَرُوا مَا لَمْ يُخْبَرُوا بِهِ، وَمَا لَمْ يَسْمَعُوهُ فَهِمُوهُ».

ص 42: 1 و53: 10 وإرميا 23: 5 فيلبي 2: 9 مزمور 22: 6 و7 وص 53: 2 و3 حزقيال 36: 25 وأعمال 2: 33 وعبرانيين 9: 13 و14 ص 49: 7 و23 ص 55: 5 ورومية 15: 21 و16: 25 و26 وأفسس 3: 5 و9

مضمون هذه الآيات ارتفاع المسيح (ع 13) واتضاعه (ع 14) والفوائد الناتجة منهما للعالم أجمع (ع 15).

يَعْقِلُ الكلمة العبرانية الأصلية تفيد الحكمة والعمل بالحكمة وأظهر المسيح هذه الحكمة بكل كلامه وكل أعماله فلم يقدر أحد من أعدائه أن يبكته على خطية ولا على أدنى غلط. فبالحكمة أطاع الناموس مع أنه حر منه وبالحكمة عاشر الناس وهو مثلهم في كل شيء ما عدا الخطية. وبالحكمة اختار الرسل وهم فقراء وبسطاء ليظهر أن نجاحهم بقوة الله. وبالحكمة خضع للسلاطين ليظهر أن مملكته ليست من هذا العالم. ونتيجة هذا العمل بالحكمة أن المؤمنين به كثروا والكنيسة امتدت وبعد مرور 19 قرناً لا يزال تعليمه يوافق عقول العلماء وقلوب الجميع من كل أجناس البشر.

يَتَعَالَى وَيَرْتَقِي (فيلبي 2: 9 - 11) وهذه الصفات عينها منسوبة إلى الله في (ص 6: 1 و57: 15).

الجملة الثانية في ع 14 إيضاح الجملة الأولى وبيان لسبب اندهاش الكثيرين. ومتعلق كلمة «كما» في ع 14 تأتي في ع 15 أي «كَمَا ٱنْدَهَشَ مِنْكَ كَثِيرُونَ... هٰكَذَا يَنْضِحُ» الخ فيكون معنى الآيتين أن ارتفاع المسيح يكون بمقدار اتضاعه. اندهش اليهود من يسوع لأنهم انتظروا مسيحاً مجيداً لا مسيحاً متألماً. واندهش جميع الناس من علامات غير المعتاد من الآلام والأحزان الظاهرة في منظره. قال بيلاطس لليهود تهكماً «هوذا ملككم». والنبي يصف منظر المسيح كأنه واقف عند الصليب وناظر إلى يسوع يرى في جسده علامات الضربات والجلدات ورأسه مجروح من الشوك يسيل منه الدم وعلى وجهه علامات الأوجاع والأحزان.

يَنْضِحُ (لاوين 16: 14) كان رئيس الكهنة يأخذ يوم الكفارة من دم الثور وينضح على وجه الغطاء دلالة على التطهير. وهكذا المسيح ينضح دمه على جميع المؤمنين به وهم من أمم كثيرة. وملايين من الناس اليوم ينسبون إلى يسوع كل ما عندهم من الطهارة وكل ما يرجونه من جهة الخلاص.

يَسُدُّ مُلُوكٌ أَفْوَاهَهُمْ إمارة على الاعتبار له.

قَدْ أَبْصَرُوا مَا لَمْ يُخْبَرُوا بِهِ أبصروا مجداً أعظم من كل مجد في العالم وفهموا كلام أعلى من حكمة البشر.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلْخَمْسُونَ

1 «مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ ٱسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ ٱلرَّبِّ؟».

يوحنا 12: 38 ورومية 10: 16 ص 51: 9 ورومية 1: 16 و1كورنثوس 1: 18

النبي هو المتكلم وللفظة «خبر» تفسيران:

  1. الخبر الذي سمعه النبي ومضمونه آلام المسيح فيقول النبي بالنيابة عن شعب اليهود إنهم لم يصدقوا الخبر وقوله هذا على سبيل الاعتراف بالخطية.

  2. الخبر الذي أخبر الناس به وهم لا يصدقونه فالقول يطابق ما قاله الرب على شعب اليهود في ما سبق (ص 6: 9) إنهم لم يؤمنوا. وزادت خطية اليهود على خطايا الأمم لأن الأمم لم يسمعوا الخبر (ص 52: 15) وأما اليهود فسمعوا ولم يؤمنوا. وعدم الإيمان من أسباب مختلفة فإن اليهود لم يصدقوا أن المسيح الموعود به يتألم لأنهم انتظروا ملكاً ظافراً له قوة جسدية كملوك الأرض. وبعض العلماء في عصرنا هذا يقولون إنهم لا يقدرون أن يصدقوا ما يفوق عقولهم كاتحاد اللاهوت والناسوت في المسيح وولادته من عذراء وعجائبه وقيامته. والواقع أن الناس لا يريدون أن يؤمنوا لأنهم يحبون الخطية ولا يريدون أن يخلصوا منها ولا أن يقبلوا المسيح معلماً وسيداً لهم. وذراع الرب قوته وظهرت قوة الرب في المسيح بانتصاره على الخطية والموت ولكن «ذراع الرب» لا تُرى إلا بعين الإيمان والإيمان لقليلين لأن أكثر الناس عندما يرون حوادث عصرهم ويقرأون في التواريخ خبر الحوادث الماضية لا يرون فيها يد الرب وقليلون من معاصري المسيح آمنوا به فكانوا كأنهم لم يبصروا.

2 «نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْقٍ مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيهِ».

ص 11: 1 ص 52: 14 ومرقس 9: 12

نَبَتَ قُدَّامَهُ نبت المسيح قدام الرب (انظر لوقا 2: 40) «وَكَانَ ٱلصَّبِيُّ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِٱلرُّوحِ، مُمْتَلِئاً حِكْمَةً، وَكَانَتْ نِعْمَةُ ٱللّٰهِ عَلَيْهِ». وصيغة الماضي تدل على ما تم بمقاصد الله الأزلية (أعمال 2: 23).

كَفَرْخٍ (انظر ص 11: 1) «وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى».

أَرْضٍ يَابِسَةٍ هي الطبيعة البشرية التي أخذها يسوع لنفسه بالتجسد وأمة اليهود والجيل الذي وُلد فيه والقرية التي تربى فيها ووالداه الفقيران.

لاَ صُورَةَ لَهُ الأرجح أن النبي لا يشير إلى جسد المسيح كأنه بلا جمال أو منظر حسن بل إلى أحواله فإنه كان فقيراً ومظلوماً وليس كالملك المجيد المنتظر من اليهود. والعين كالقلب فإن الذي نحبه نراه جميلاً والذي نبغضه نراه قبيحاً. ولا شك أنه كان في وجه يسوع جمال المحبة والشفقة والتواضع وانعكاس مجد الآب الذي كان ينظر إليه على الدوام فكان للمؤمنين به أجمل من كل بني البشر. ولكن أعداءه لم يروا إلا رجلاً محتقراً ومكروهاً عندهم لأنه وبخهم على خطاياهم.

3 «مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ ٱلنَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ ٱلْحُزْنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ».

مزمور 22: 6 وص 49: 7 عبرانيين 4: 15 يوحنا 1: 10 و11

مُحْتَقَرٌ احتقروه بقلة اعتبارهم لتعليمه وأهانوه لما وقف أمام قيافا وبيلاطس ولما صُلب.

مَخْذُولٌ قال أيوب (أيوب 19: 14) «أقاربي خذلوني» لما كان يسوع طفلاً طلب الملك هيرودس أن يقتله ولما صار معلماً اعتزله الرؤساء والفريسيون وكان المؤمنون به في مدة حياته على الأرض قليلين. وكثيرون من تلاميذه عثروا من كلامه ورجعوا إلى الوراء ولم يمشوا معه بعد (يوحنا 6: 66). والبعض لم يأتوا إليه إلا ليلاً. وفي آخر حياته رفضه الشعب قائلين «ليس هذا بل باراباس» و«ليس لنا ملك إلا قيصر» و«صرخوا قائلين اصلبه». وفي الليلة الأخيرة تركه الجميع حتى االرسل. ولم يخذلوه لسبب حقيقي لأن كل ما عمله وتكلم به كان موافقاً للنبوءات المقبولة عند اليهود وكانت المعجزات التي عملها تشهد له ولم يعمل خطية حتى أن أعداءه لم يقدروا أن يجدوا فيه علة.

يقول البعض في أيامنا لو شاهدنا المسيح بأعيننا لآمنّا به ولكنهم ينسون أن الإيمان بالمسيح وهو بالجسد أصعب من الإيمان به وهو في المجد وأكثر معاصري المسيح لم يؤمنوا به ليس لأنهم لم يبصروه بل لأنهم أبصروه ولم يجدوه كما أرادوا.

رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ ٱلْحُزْنِ كانت الأوجاع والأحزان أوجاع وأحزان غيره. قال متّى (متّى 8: 17) «لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ ٱلنَّبِيِّ هُوَ أَخَذَ أَسْقَامَنَا وَحَمَلَ أَمْرَاضَنَا» أي يسوع خدم الناس بالشفاء والتعزية وكانت في هذه الخدمة أتعاب وآلام وخسارة لنفسه. وحزننا على المصابين هو على قدر محبتنا لهم فإننا نحزن على مصيبة أولادنا أو إخوتنا أكثر مما على الغريب والبعيد. فما أعظم حزن المسيح على المصابين لأنه يحب كل واحد منهم أكثر من محبة الأم لابنها وما أعظم مجموع الأوجاع والأحزان التي حملها.

اللص الغير التائب مات على الصليب كما مات يسوع وتألم في الجسد كما تألم يسوع ولكن بين آلام يسوع وآلام اللص بُعدٌ لا يُقاس لأن نفس يسوع قابلة الآلام أكثر من نفس اللص وتشعر بشر الخطية أكثر منه وكان عليه خطايا العالم واحتمل وقتياً حجب وجه الآب الذي قال فيه «انا والآب واحد».

وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا يتكلم النبي بالنيابة عن شعب اليهود ويعتبر نفسه واحداً منهم ومسؤولاً في خطيتهم وكان المسيح هكذا محتقراً عند الناس حتى اعتبروه كأبرص فستروا وجوههم عنه. واعتقاد اليهود أن المصائب علامة غضب الله على المصاب بها وهكذا قال أصحاب أيوب «مَنْ هَلَكَ وَهُوَ بَرِيءٌ، وَأَيْنَ أُبِيدَ ٱلْمُسْتَقِيمُونَ» (أيوب 4: 7). وانظر سؤال التلاميذ «مَنْ أَخْطَأَ: هٰذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى» (يوحنا 9: 2). فلما رأوا آلام يسوع وموته على الصليب حسبوه مصاباً من الله أي مصاباً لأجل خطاياه ولم يفهموا أنه مصاب لأجل خطايا غيره وهو نفسه بريء من كل خطية. ولم يعترف في وقت الصلب إلا واحد فقط وهو من الأمم بأن يسوع بار (لوقا 23: 47).

وفي هذا الأصحاح اثنتا عشرة جملة تفيد أن المسيح تألم لأجلنا. وهذا التعليم هو في العهد القديم كله غير أن المتضمن في هذا الأصحاح واضح جداً. ومن الأقوال الكثيرة في هذا الموضوع «وَإِذَا أَخْطَأَ أَحَدٌ وَسَمِعَ صَوْتَ حَلْفٍ وَهُوَ شَاهِدٌ يُبْصِرُ أَوْ يَعْرِفُ، فَإِنْ لَمْ يُخْبِرْ بِهِ حَمَلَ ذَنْبَهُ» (لاويين 5: 1). «قَالَ ٱلرَّبُّ لِهَارُونَ: أَنْتَ وَبَنُوكَ وَبَيْتُ أَبِيكَ مَعَكَ تَحْمِلُونَ ذَنْبَ ٱلْمَقْدِسِ» (عدد 18: 1) وقيل في العازار وإيثامار إنهما يحملان إثم الجماعة تكفيراً عنهم أمام الرب أي يمكن أن واحداً يحمل خطية غيره. والذبائح كلها كانت ترمز إلى المسيح المزمع أن يموت عن الشعب ويحمل خطاياهم. ومن أقوال العهد الجديد «لِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (متّى 20: 28). وقول قيافا «إِنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ ٱلشَّعْبِ» (يوحنا 11: 50 انظر رومية 3: 25 و5: 6 و2كورنثوس 5: 18 - 21 وغلاطية 3: 13 وأفسس 1: 7 و1بطرس 2: 24).

4 - 6 «4 لٰكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَاباً مَضْرُوباً مِنَ ٱللّٰهِ وَمَذْلُولاً. 5 وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. 6 كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَٱلرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا».

متّى 8: 17 وعبرانيين 9: 28 و1بطرس 2: 24 رومية 4: 25 و1كورنثوس 15: 3 و1بطرس 3: 18 مزمور 38: 5 و1بطرس 2: 24 مزمور 119: 176 و1بطرس 2: 25

أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا اقتبس متّى هذا القول بالنظر إلى شفاء الأمراض الجسدية (متّى 8: 17) وهو من الفوائد الثانوية الناتجة عن مجيء المسيح وأما الاعتبار الأول هو لخلاص النفوس وهبة الحياة الأبدية ورفع الخطية التي منها جميع الأحزان والأوجاع.

وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَاباً لم يفهم اليهود أن المسيح حمل خطاياهم بل حسبوه مصاباً بمعصيته.

تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ التأديب الذي غايته ونتيجته السلام.

بِحُبُرِهِ شُفِينَا ضُرب يسوع بالكف (متّى 26: 67) وبالقصبة (متّى 27: 30) وبالسوط (متّى 27: 26) و«الخبر» هي آثار هذه الضربات. ومن الأمور الغريبة أن «الشفاء» يكون بواسطة ضربات وأن شفاء الواحد يكون بواسطة ضربات احتملها غيره. كان بنو إسرائيل قد تألموا بسبب خطاياهم وعلى طرق كثيرة. ومن ذلك سبى بابل ولكن قول النبي هو أنهم لم يُشفوا بآلامهم بل بآلام المسيح لأن التأديب ينبه الخاطئ ويحذره ويأتي به إلى التوبة ولكنه لا يكفر الخطية.

مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ يتكلم النبي بالنيابة عن شعب إسرائيل وعن كل بني البشر لأن الجميع ضلوا وجوهر كل خطية أن الإنسان يسلك في طريقه وليس في طريق الرب فينتج من ذلك أننا نبعد بعضنا عن بعض ونبعد عن الله. وطريق كل واحد يمشي كما يريد هو بدون اعتبار مشيئة الرب تؤدي إلى الشقاء والهلاك.

وَضَعَ عَلَيْهِ الآب وضع على الابن إثم الجميع وكان ذلك بإرادة الابن. فقال يسوع في جثسيماني «ليس كما أريد بل كما تريد أنت» (انظر أيضاً يوحنا 10: 17 و18).

إِثْمَ جَمِيعِنَا الجميع ضلوا والهلاك عام وكذلك الخلاص للجميع لأن دم المسيح كافٍ لتكفير خطايا العالم كله غير أن الإنسان يقدر أن يرفض هذا الخلاص فيهلك بعدم الإيمان.

7 «ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ، كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى ٱلذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ».

متّى 26: 63 و27: 12 و14 ومرقس 14: 61 و15: 5 و1بطرس 2: 23 أعمال 8: 32

بعدما أبان النبي سبب آلام المسيح أخذ يصف صبره في احتمالها.

ظُلِمَ أشار بهذا إلى ضعفه وإلى احتماله آلاماً لم يستحقها وإلى قساوة الذين حكموا عليه كبيلاطس وهيرودس وقيافا وكانت محاكمته كلها ظلماً فإن الشهود كانوا شهود زور ورئيس الكهنة أجبره أن يشهد على نفسه وتغير الشكوى لأنه كان أولاً أنه جدف ثم أنه جعل نفسه ملكاً عوضاً عن قيصر وكان الحكم بسرعة غير لائقة وغلب صراخ الجمع على رأي الحاكم ومع ذلك كله تذلل أي سلّم نفسه للظلم.

لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ سكت يسوع أمام قيافا وأمام بيلاطس الوالي «ولم يجبه ولا عن كلمة واحدة».

كَشَاةٍ تُسَاقُ ربما كانت هذه النبوءة في بال يوحنا المعمدان لما شهد ليسوع (يوحنا 1: 29) ولم ينتج سكوته عن العجز ولا عن قلة المعرفة بل سكت لأنه بإرادته سلّم نفسه للموت وسكت لأنه عرف ظالميه القساة وعزمهم على قتله كيف كان. وكثيراً ما يكون السكوت علامة الاتكال على الله ومسامحة المعتدين فيكون من الواجبات المسيحية ومما يدل على القوة الروحية والحكم على الذات. وسلوك الإنسان وأعماله تتكلم بصوت أقوى من صوت لسانه.

8 «مِنَ ٱلضُّغْطَةِ وَمِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ ٱلأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟».

دانيال 9: 26

مِنَ ٱلضُّغْطَةِ الشدة والضيق والمشقة وكانت هذه حالة المسيح إلى آخر حياته ولم يتبرر ولم تتحسن حالته بل أُخذ وهو فيها أي من الضغظة أُخذ إلى الصلب والموت.

مِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ من دينونة قيافا ومن دينونة بيلاطس الظالمة أُخذ إلى الموت.

وَفِي جِيلِهِ الخ أهل عصره لم يفهموا أنه قُطع من أرض الأحياء من أجل ذنب شعبه بل ظنوا أن موته كان مصيبته أو بسبب خطيته.

شَعْبِي اليهود وهم شعب النبي لأنه تكلم بالنيابة عنهم وليس من أجل اليهود فقط لأن محبة الله للعالم وبذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به.

9 «وَجُعِلَ مَعَ ٱلأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْماً، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ».

متّى 27: 57 و58 و60 و1بطرس 2: 22 ويوحنا 3: 5

كان المصلوبون يُطرحون بلا دفن وإذا دُفنوا كان الدفن في مقبرة مختصة بالمذنبين ولما حكم بيلاطس على يسوع بالصلب بنفس هذا الحكم جعل قبره مع الأشرار وأما حكم الله فليس كحكم الناس وبعنايته تعالى طلب يوسف وهو رجل غنيّ من الرامة جسد يسوع ودفنه في قبره (متّى 27: 57 - 60).

عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْماً العهد الجديد كله يشهد للمسيح بأنه بلا خطية وبما أنه لا يوجد غيره بلا خطية يثبت بالضرورة أن «عبد الرب» المذكور في هذا الأصحاح هو المسيح.

10 «أَمَّا ٱلرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِٱلْحُزْنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ ٱلرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ».

2كورنثوس 5: 21 و1بطرس 2: 24 رومية 6: 9 أفسس 1: 5 و2تسالونيكي 1: 11

إن آلام المسيح وإن كانت عن يد الناس كانت بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق. والرب «سحقه» أي الله بذل ابنه وأما الابن فبذل نفسه أيضاً والآب سر بطاعته وبعمل الفداء وخلاص الإنسان.

إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ المسيح جعل نفسه ونفسه هي حياته.

ذَبِيحَةَ إِثْمٍ المسيح هو الذبيحة الوحيدة والمشار إليها في كل ذبائح العهد القديم. قيل في عبرانيين 1: 4 «لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا» فإن الذبائح كلها كانت رموزاً إلى المسيح والأتقياء في العهد القديم قدموها إطاعة لأمر الرب وعلامة لإيمانهم بالمسيح المزمع أن يأتي.

يَرَى نَسْلاً شعب الله المؤمنون هم نسل المسيح الروحي. قال بولس لأهل غلاطية المؤمنين «يَا أَوْلاَدِي ٱلَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ» (غلاطية 4: 19).

تَطُولُ أَيَّامُهُ الضمير في «أيامه» يرجع إلى كلمة «نسل» والمعنى أن الكنيسة ستبقى إلى الأبد وملكوت المسيح لا يزول كما تزول ممالك العالم (مزمور 89: 36 و37). المسيح جعل نفسه ذبيحة فأُثبت بنسله الروحي ودوام عمل الفداء ونجاح ذلك العمل.

مَسَرَّةُ ٱلرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ مسرّة الرب هي بخلاص الناس وتمّ هذا الخلاص بواسطة المسيح. ومضمون الآية كلها:

  1. مصدر آلام المسيح وهو مسرة الرب.

  2. غاية الآلام وهي تكفير خطايا شعبه.

  3. نتيجة الآلام الحياة الأبدية.

11 «مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي ٱلْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا».

ص 42: 1 و49: 3 و1يوحنا 2: 1 ويوحنا 17: 3 و2بطرس 1: 3 رومية 5: 18 و19 ع 4 و5

مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى يرى أجر تعبه وهو خلاص النفوس. كان التعب قبل الأجر والصليب قبل الإكليل ولا يجوز لتلاميذ المسيح أن ينتظروا أجراً بلا تعب ولا إكليلاً بلا صليب.

وَيَشْبَعُ من كثرة المؤمنين. وهم جمع كثير لم يستطع أحد أن يعده.

بِمَعْرِفَتِهِ كثيرون يتبررون بمعرفة المسيح معرفة حقيقية قلبية ينتج منها الإيمان والطاعة. وقال بعضهم إن المعرفة المشار إليها هي المعرفة التي للمسيح فإنه عرف الآب فعرف الناس به ليؤمنوا ويخلصوا فالعبارة تشير إلى وظيفة المسيح بالنظر إلى كونه نبياً ومعلماً.

يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ ليس المعنى هنا التقديس بل التبرير كما يظهر من الجملة التابعة «وآثامهم هو يحملها» أي بر المسيح محسوب لهم وآثامهم محسوبة للمسيح. والمسيح قدم نفسه مرة واحدة ذبيحة عن الخطية ولكنه قام وصعد إلى السماء وهو الآن جالس عن يمين الآب يشفع في شعبه. وشفاعته هي على الدوام فنصلي له ونطلب منه كل يوم غفران خطايانا وهو كل يوم يغفر لنا بناء على تلك الذبيحة الواحدة.

12 «لِذٰلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ ٱلأَعِزَّاءِ وَمَعَ ٱلْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي ٱلْمُذْنِبِينَ».

مزمور 2: 8 وفيلبي 2: 9 كولوسي 2: 15 مرقس 15: 28 ولوقا 22: 37 لوقا 23: 34 ورومية 8: 34 وعبرانيين 7: 25 و9: 24 و1يوحنا 2: 1

أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ ٱلأَعِزَّاءِ الأعزاء ملوك الأرض الأقوياء كملوك أشور وبابل الذين قهروا ممالك وأخضعوا الأرض كلها لهم. وهكذا أعطى الله المسيح أن يكون ملكاً يخضع الناس لنفسه غير أن ملكوت المسيح أعظم جداً من ممالك العالم لكونه ملكوتاً روحياً وعاماً وأبدياً.

سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ أي كانت آلامه بإرادته وكانت هذه الآلام شديدة جداً حتى الموت.

وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ (مرقس 15: 28) غير أنه لم يحصَ مع اللصين فقط بل مع كل الأثمة أيضاً.

وَشَفَعَ فِي ٱلْمُذْنِبِينَ قال لما صُلب «اغفر لهم» وهو الآن عن يمين الآب يشفع فينا.

ويتضح من مراجعة الأصحاح كله أن آلام المسيح وموته ضروريان بمعنى أنه بدونهما لا يمكن خلاص البشر.

فوائد للوعاظ

لا صورة له ولا جمال (ع 2)

المكروه والمقبول في صورة المسيح:

  1. المكروه. إنه كان من عائلة فقيرة ومن أمة محتقرة وتربى في قرية صيتها رديء ولم يتعلم علوم الفريسيين والكتبة ولم يأت بالمجد والقوة الجسدية ولم يراع شهوات الناس وأميالهم.

  2. المقبول. إنه كان كاملاً بجميع صفاته كالصبر واللطف والمحبة والنعمة والحنو والسلوك الطاهر وإنه في تعليمه قدم للناس غفران الخطايا وراحة الضمير وحياة مفيدة على الأرض والحياة الأبدية.

رجل أوجاع (ع 3)

لا أحد من بني البشر تألم كما تألم يسوع وليس ذلك من نفس الآلام لأن كثيرين ضُربوا وظُلموا والبعض صُلبوا ولكن آلامه أعظم من آلامهم لأن طبيعته أعلى من طبيعتهم وله شعور بالآلام أكثر مما لهم.

ومن أوجاع يسوع ما عدا أوجاعه الجسدية ما يأتي:

  1. انفراده. لأن الناس لم يعرفوه حق المعرفة حتى أن تلاميذه لم يفهموا تماماً أفكاره وغاياته.

  2. مقاومة أعدائه.

  3. ضعف إيمان تلاميذه وخيانة يهوذا وإنكار بطرس.

  4. رفض أمة اليهود إياه.

  5. مشاهدة أحزان الناس وخطاياهم.

ومن تعزية يسوع نذكر ما يأتي:

  1. اتحاده بالآب.

  2. محبة بعض تلاميذه إياه.

  3. شكر بعض الذين شفوا من أمراضهم له.

  4. ضميره الصالح.

  5. تيقنه الانتصار على الخطية والموت وإقامة ملكوته وخلاص الخطاة.

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلْخَمْسُونَ

بعد النبوءة بآلام المسيح النيابية وارتفاعه ونمو ملكوته أخذ النبي يذكر الكنيسة المتضمنة يهوداً وأمماً واتساعها ومحبة الرب لها ومجدها.

1 «تَرَنَّمِي أَيَّتُهَا ٱلْعَاقِرُ ٱلَّتِي لَمْ تَلِدْ. أَشِيدِي بِٱلتَّرَنُّمِ أَيَّتُهَا ٱلَّتِي لَمْ تَمْخَضْ، لأَنَّ بَنِي ٱلْمُسْتَوْحِشَةِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي ذَاتِ ٱلْبَعْلِ، قَالَ ٱلرَّبُّ».

صفنيا 3: 14 وغلاطية 4: 27 و1صموئيل 2: 5

شبّه النبي شعب الله المسبيين بامرأة عاقر لأنهم لم يزدادوا بل قلوا عدداً فما أبعد أورشليم في زمان السبي عن أورشليم في زمان سليمان. والوعد هو أن المستوحشة أي أورشليم في حالة الذل تصير أحسن من ذات البعل أي أورشليم في حالتها الأولى. الذين رجعوا من السبي كانوا قليلين أي نحو 42000 (عزرا 2: 64) ولكن ببركة الرب صاروا في زمان المسيح نحو ثلاثة ملايين. وتم الوعد روحياً أيضاً لأن الكنيسة المسيحية المرموز إليها بأورشليم ازدادت وامتدت في كل الأرض. والنبي يدعو شعب الله وهم في حالة الذل إلى أن يترنموا ويفرحوا بمواعيده ويقبلوها بالإيمان قبلما ينالونها.

2 «أَوْسِعِي مَكَانَ خَيْمَتِكِ، وَلْتُبْسَطْ شُقَقُ مَسَاكِنِكِ. لاَ تُمْسِكِي. أَطِيلِي أَطْنَابَكِ وَشَدِّدِي أَوْتَادَكِ».

ص 49: 19 و20

سكن بنو إسرائيل الخيام في أول تاريخهم وبقي هذا الاسم بعدما بنوا بيوتاً وسكنوها فيكون لفظة خيمة بمعنى مسكن.

أَوْسِعِي مَكَانَ خَيْمَتِكِ المراد بهذا التحريض على الإيمان بمواعيد الله والاستعداد لقبولها قال المسيح «كَمَا آمَنْتَ لِيَكُنْ لَكَ» (متّى 8: 13) والأرملة في أيام أليشع عدت آنية للزيت فامتلأ الكل وكان أليشع قال لها «لا تقللي» ولو أعدت أكثر من ذلك لأخذت أكثر مما حصلت عليه من الزيت (2ملوك 4: 1 - 7).

وعلى الكنيسة أن تنتظر النمو لما يأتي:

  1. لأنها في وسط المحتاجين والهالكين وهي كحارث مسكنه في برية واسعة حوله أرض غير مفلوحة وبلا سكان يقدر أن يمتلك منها مقدار ما يريده.

  2. لأن لها كل ما تحتاج إليه من وسائط النمو كالكتاب المقدس والتفويض من ربها.

  3. لأن لها مواعيد بأن تعبها ليس باطلاً في الرب. ولا يجوز للكنيسة أن تطلب اتساع دائرة عملها إن لم يدعها الرب وإذا دعاها الرب لم يجز لها أن تتأخر للخوف أو الكسل أو عدم الإيمان.

3 «لأَنَّكِ تَمْتَدِّينَ إِلَى ٱلْيَمِينِ وَإِلَى ٱلْيَسَارِ، وَيَرِثُ نَسْلُكِ أُمَماً، وَيُعَمِّرُ مُدُناً خَرِبَةً».

ص 55: 5 و61: 9

إِلَى ٱلْيَمِينِ وَإِلَى ٱلْيَسَارِ أي إلى كل الجهات. وهذا نبوءة بامتداد الكنيسة فالأمم تصير لها وخرب الأرض تعمر بواسطتها. ونسل الكنيسة اليهودية الكنيسة المسيحية وانضمام الأمم إلى الكنيسة هو امتداد أورشليم الروحية. «والمدن الخربة» مدن يهوذا وإسرائيل التي عمرت عند الرجوع من السبي ثم مدن العالم الخربة بالخطية تعمر بتجديدها الروحي.

4 «لاَ تَخَافِي لأَنَّكِ لاَ تَخْزَيْنَ، وَلاَ تَخْجَلِي لأَنَّكِ لاَ تَسْتَحِينَ. فَإِنَّكِ تَنْسَيْنَ خِزْيَ صِبَاكِ، وَعَارُ تَرَمُّلِكِ لاَ تَذْكُرِينَهُ بَعْدُ».

لاَ تَخَافِي من أن لا يُنجز الوعد.

خِزْيَ صِبَاكِ كان صبا إسرائيل قبل العهد في جبل سيناء ولما قُطع العهد صار إسرائيل شعب الله وصار هو إلههم. وشُبه إسرائيل بامرأة والرب ببعلها. وخزي صبا إسرائيل عبودية مصر وعار ترمله سبي بابل فصار كامرأة مهجورة أو مطلقة لسبب خطيتها. والوعد هو أنهم سينسون الخزي والعار بفرحهم وقت الرجوع من السبي ولا سيما ابتهاج الكنيسة في أيام الإنجيل باتساعها ومجدها.

5 «لأَنَّ بَعْلَكِ هُوَ صَانِعُكِ، رَبُّ ٱلْجُنُودِ ٱسْمُهُ، وَوَلِيُّكِ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ. إِلٰهَ كُلِّ ٱلأَرْضِ يُدْعَى».

إرميا 3: 14 لوقا 1: 32 زكريا 14: 9 ورومية 3: 29

شبّه الكنيسة بامرأة والرب ببعلها والمعنى أن الكنيسة له واسمه عليها فهو يعتني بها ويثبتها ويحامي عنها ويحبها. والكنيسة للرب أولاً لأنه صانعها وثانياً لأنه وليها أي مخلصها من عبودية الخطية وإذا تركت الكنيسة محبتها الأولى وسارت وراء العالم والمعلمين الكذبة تكون خطيتها كخطية زانية وورد كثيراً هذا التشبيه في الكتاب المقدس.

ومواعيد الله ثابتة:

  1. لأن الكنيسة له فلا يخيّبها.

  2. لأنه صانع الكون ورب الجنود.

  3. لأنه قدوس فلا يغير قوله. والله إله كل الأرض طبيعياً لأنه خلقها وسيكون إله كل الأرض روحياً حين يعرفه ويسجد له جميع سكان الأرض. ومحبة الله للعالم ومحبته الخاصة للكنيسة معروفة من الكتاب المقدس فقط وما لها نظير في الأديان الوثنية.

وَوَلِيُّكِ للنسيب الأقرب حق أن يفك الميراث المرهون. وللرب حق أن يفدي شعبه وهو يتكفل بخلاصهم.

6 «لأَنَّهُ كَٱمْرَأَةٍ مَهْجُورَةٍ وَمَحْزُونَةِ ٱلرُّوحِ دَعَاكِ ٱلرَّبُّ، وَكَزَوْجَةِ ٱلصِّبَا إِذَا رُذِلَتْ قَالَ إِلٰهُكِ».

ص 62: 4

كان الرب قد أخذها ثم رفضها بسبب خطاياهم ثم دعاها أيضاً.

زَوْجَةِ ٱلصِّبَا أي التي أحبها قديماً وأحبها دون غيرها فلا يقدر أن ينساها ولو رُذلت فما أعظم هذه التعزية للكنيسة فإنها مهجورة ومحزونة ومرذولة وفي مدة سبيها افتكرت كثيراً في حالتها الأولى «عَلَى أَنْهَارِ بَابِلَ هُنَاكَ جَلَسْنَا. بَكَيْنَا أَيْضاً عِنْدَ مَا تَذَكَّرْنَا صِهْيَوْنَ» (مزمور 137: 1). وفيما هي على هذه الحال دعاها الرب أيضاً وقال لها «إلهك» أي ليست مرذولة بل مقبولة وخطاياها مغفورة.

7، 8 «لُحَيْظَةً تَرَكْتُكِ، وَبِمَرَاحِمَ عَظِيمَةٍ سَأَجْمَعُكِ. 8 بِفَيَضَانِ ٱلْغَضَبِ حَجَبْتُ وَجْهِي عَنْكِ لَحْظَةً، وَبِإِحْسَانٍ أَبَدِيٍّ أَرْحَمُكِ، قَالَ وَلِيُّكِ ٱلرَّبُّ».

مزمور 30: 5 وص 26: 2 و60: 10 و2كورنثوس 4: 17 ص 55: 3 وإرميا 31: 3

التأديب على مدة محدودة وأما المراحم فأبدية فتكون مدة التأديب لُحيظة بالنسبة إلى الأبدية.

فَيَضَانِ ٱلْغَضَبِ الغضب كغيمة سوداء تحجب عنا الشمس وتخرج منها البروق والرعود والمطر والبرد المهلك ولكن الغيمة تزول وتظهر الشمس أيضاً والغيمة أي الغضب وقتي وأما الشمس أي رحمة الله فإلى الأبد.

9، 10 «9 لأَنَّهُ كَمِيَاهِ نُوحٍ هٰذِهِ لِي. كَمَا حَلَفْتُ أَنْ لاَ تَعْبُرَ بَعْدُ مِيَاهُ نُوحٍ عَلَى ٱلأَرْضِ، هٰكَذَا حَلَفْتُ أَنْ لاَ أَغْضَبَ عَلَيْكِ وَلاَ أَزْجُرَكِ. 10 فَإِنَّ ٱلْجِبَالَ تَزُولُ وَٱلآكَامَ تَتَزَعْزَعُ، أَمَّا إِحْسَانِي فَلاَ يَزُولُ عَنْكِ وَعَهْدُ سَلاَمِي لاَ يَتَزَعْزَعُ، قَالَ رَاحِمُكِ ٱلرَّبُّ».

تكوين 8: 21 و9: 11 وص 55: 11 وإرميا 31: 35 و36 مزمور 46: 2 وص 51: 6 ومتّى 5: 18 مزمور 89: 33 و34

هٰذِهِ أي ضيقات شعبه. وهي كمياه نوح لأنها كثيرة وعظيمة غرق الشعب فيها كما غرق العالم القديم في مياه الطوفان. وغاية الله من السبي تطهير شعبه كما كانت غايته في الطوفان تطهير العالم. خلصت من الطوفان أسرة بارة ورجعت من السبي بقية بارة وكما تعهد الله نوحاً بأنه لا يُهلك العالم ثانية بطوفان هكذا تعهد شعبه بأنه لا يكون سبي ثان مثل سبي بابل. وخراب أورشليم من الرومانيين لم ينسخ هذا العهد لأنه تحول إلى الكنيسة المسيحية التي نمت وامتدت بعد سقوط المدينة ولم تزل تنمو وتمتد.

ٱلْجِبَالَ تَزُولُ أي يمكن أن تزول الجبال ولا يزول إحسان الرب أي فإحسانه لا يزول أبداً.

عَهْدُ سَلاَمِي عهدي الذي للسلام لأن الناس يتغيرون ويزولون وأما الرب فسرمدي وغير متغير وهكذا علم المسيح في مثل الابن الضال فإن محبة الآب لابنه لم تزل وإن كان قد ابتعد عنه بل رآه من بعيد راجعاً وتائباً وتحنن وركض ووقع على عنقه وقبّله وقَبِله أيضاً في بيته ابناً.

11، 12 «11 أَيَّتُهَا ٱلذَّلِيلَةُ ٱلْمُضْطَرِبَةُ غَيْرُ ٱلْمُتَعَزِّيَةِ، هَئَنَذَا أَبْنِي بِٱلأُثْمُدِ حِجَارَتَكِ، وَبِٱلْيَاقُوتِ ٱلأَزْرَقِ أُؤَسِّسُكِ، 12 وَأَجْعَلُ شُرَفَكِ يَاقُوتاً وَأَبْوَابَكِ حِجَارَةً بَهْرَمَانِيَّةً، وَكُلَّ تُخُومِكِ حِجَارَةً كَرِيمَةً»

1أيام 29: 2 ورؤيا 21: 18 الخ

كانت الكنيسة الذليلة مشبهة بامرأة مطلقة ثم رجعت إلى زوجها وهنا شُبهت بمدينة عمّرت ثانية. وفي سفر الرؤيا شُبهت الكنيسة بمدينة أورشليم السماوية (رؤيا 21: 16 - 21).

بِٱلأُثْمُدِ حجر يكتحل به (2ملوك 9: 30) سريع التفتت وإذا تفتّت كان لفتاته لمعان. والمدينة مبنية من حجارة كريمة والإثمد مكان الطين فالحجارة الكريمة تكون مثل عيون النساء المكحلة.

ٱلْيَاقُوتِ ٱلأَزْرَقِ لون الأزرق علامة الطهارة والقداسة (خروج 24: 10) والياقوت حجر صلب رزين صاف شفاف مختلف الألوان أحمر وأصفر وأخضر وأزرق. والبهرمانية حجارة لامعة مثل الماس.

تُخُومِكِ أي أسوارك ومعنى هذه التشبيهات كلها الجمال والمجد والقوة والطهارة.

13 «وَكُلَّ بَنِيكِ تَلاَمِيذَ ٱلرَّبِّ، وَسَلاَمَ بَنِيكِ كَثِيراً».

ص 11: 9 وإرميا 31: 34 ويوحنا 6: 45 و1كورنثوس 2: 10 و1تسالونيكي 4: 9 و1يوحنا 2: 20 مزمور 119: 165

البركة الموعود بها هي السلام وهو أعظم من الغنى والمجد والسلطة واللذات وهو يشمل جميع البركات. وإذ كان سلام الإنسان الحقيقي ليس بالأحوال الخارجية بل بالحال الروحية (فيلبي 4: 7) لزم أولاً تجديد القلب والتعليم من الله. ويمتاز تلاميذ الرب بأن معلمهم يعرف كل شيء ويعرف حاجة كل واحد من تلاميذه. ومحبته لهم وصبره عليهم بلا حد وهو موجود في كل مكان وزمان ومع تلاميذه كل الأيام إلى انقضاء الدهر. ومن واجبات تلاميذ معلم كهذا أن يسمعوه ويطيعوه ويمجدوه بسلوكهم بموجب تعليمهم. والتعليم هو تعليم الروح القدس (1يوحنا 2: 20 و27).

14 «بِٱلْبِرِّ تُثَبَّتِينَ بَعِيدَةً عَنِ ٱلظُّلْمِ فَلاَ تَخَافِينَ، وَعَنِ ٱلارْتِعَابِ فَلاَ يَدْنُو مِنْكِ».

معنى «البر» هنا:

(1) برّ الله أو أمانته فبمواعيده الثمينة يثبت شعبه.

(2) برّ الشعب أو قداستهم وسلوكهم في حفظ وصايا الرب فبهذا السلوك يثبتون.

بَعِيدَةً عَنِ ٱلظُّلْمِ لا أحد يظلمهم.

15 - 17 «15 هَا إِنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ ٱجْتِمَاعاً لَيْسَ مِنْ عِنْدِي. مَنِ ٱجْتَمَعَ عَلَيْكِ فَإِلَيْكِ يَسْقُطُ. 16 هَئَنَذَا قَدْ خَلَقْتُ ٱلْحَدَّادَ ٱلَّذِي يَنْفُخُ ٱلْفَحْمَ فِي ٱلنَّارِ وَيُخْرِجُ آلَةً لِعَمَلِهِ، وَأَنَا خَلَقْتُ ٱلْمُهْلِكَ لِيَخْرِبَ. 17 كُلُّ آلَةٍ صُوِّرَتْ ضِدَّكِ لاَ تَنْجَحُ، وَكُلُّ لِسَانٍ يَقُومُ عَلَيْكِ فِي ٱلْقَضَاءِ تَحْكُمِينَ عَلَيْهِ. هٰذَا هُوَ مِيرَاثُ عَبِيدِ ٱلرَّبِّ وَبِرُّهُمْ مِنْ عِنْدِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ».

ص 45: 24 و25

ٱجْتِمَاعاً لَيْسَ مِنْ عِنْدِي فإن أشور جمع جيشه بعلم الرب وبإذنه وعاقب الرب شعبه به كقضيب وملك بابل أخذ أورشليم بإذن الرب. ولا يصير شيء من ذلك فيما بعد.

فَإِلَيْكِ يَسْقُطُ (1أيام 12: 1 و20) سيخضع أعداؤهم لهم وينضمون إليهم ويجب أن تكون الغاية في كل جدال ديني أن المقاومين يقتنعون ويصيرون هم أيضاً يحامون عن الحق فأعداء الكنيسة ينضمون إليها والله يقدر أن يتمم هذه المواعيد لأن كل الناس حتى أعداءه في يده.

هٰذَا هُوَ مِيرَاثُ هذا الميراث هو كل البركات المذكورة كالسلام والبر والأمان والابتعاد عن الظلم.

عَبِيدِ ٱلرَّبِّ موضوع الأصحاح السابق «عبد الرب» أي المسيح «وعبيد الرب» هم جميع الذين يتمثلون بعبده ويحفظون كلامه.

كُلُّ لِسَانٍ يَقُومُ عَلَيْكِ (مزمور 52: 1 - 5) أحياناً يُخاف من اللسان أكثر من الضرب باليد.

وَبِرُّهُمْ مِنْ عِنْدِي الأمان الموعود به هو الأمان الناتج عن برهم والله هو الذي بررهم لما غفر لهم خطاياهم وجعل روحه في قلوبهم. وبرنا من عند الرب أولاً بمعنى التبرير لأن بر المسيح محسوب لنا وليس لنا بر من أنفسنا. وثانياً بمعنى التقديس لأن الروح القدس يقدسنا ولا نقدر أن نعمل شيئاً من الأعمال الصالحة بقوتنا أو حكمتنا.

فوائد للوعاظ

لُحيظة تركتك وبمراحم أبدية سأجمعك (ع 7)

نرى لطف الله وصرامته ولكن لطفه أعظم من صرامته. وهذا يظهر مما يأتي:

  1. في الطبيعة فإنه يوجد آلام وأحزان وأوبئة وزلازل ومجاعات ويوجد أيضاً مناظر جميلة وأهوية لطيفة وأثمار مفيدة وأزمنة مثمرة وهذه أكثر جداً من تلك.

  2. في الكنيسة فإن لها أوقات اضطهاد وانشقاق وفتور ولها أيضاً أوقات نمو واتحاد وفرح وهذه أكثر من تلك.

  3. في حياة كل إنسان فإننا إذا راجعنا تاريخ حياتنا نرى أن أيام الفرح والراحة والسلام أكثر جداً من أيام الحزن والخوف والضيق ولولا الخطية كانت كل أيامنا أيام فرح.

كل آلة صورت ضدك لا تنجح (ع 17)

أعداء الكنيسة في أيامنا ليسوا كأعداء شعب الله في القديم كالأشوريين والبابليين. ومن أعدائها اليوم:

  1. تجارب النجاح في الجسديات. فإن كثيرين يغلبهم حب المال والمجد العالمي والكبرياء وينسون الله والأبدية.

  2. تجارب عدم النجاح والفقر والضيق وكثيرون ينكرون الله ويتمردون في ضيقاتهم.

  3. تجارب الوحدة والابتعاد عن الكنيسة واجتماعاتها والأصدقاء الأنقياء كما يحدث في وقت السفر والتغرّب.

  4. تجارب المعاشرات الرديئة كمعاشرة الكفار والأشرار وقد يعجز الإنسان مراراً عن أن يخلص من هذه المعاشرات ولو أراد ذلك.

والوعد من الله هو أن لا آلة صُوّرت ضد أتقيائه تنجح وهو موجود في كل بلاد وبكل الأحوال وسامع الصلاة ونعمته تكفي جميع المتكلين عليه.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلْخَمْسُونَ

في الأصحاح السابق مواعيد للكنيسة وفي هذا الأصحاح عموم الدعوة إلى الاشتراك في الخيرات الموعود بها. ويمتاز هذا الأصحاح عن غيره في إشعياء وفي العهد القديم كله لما فيه من الوضوح في عظمة فوائد الخلاص ومناسبته لاحتياجات كل إنسان ودعوة الجميع إلى التوبة ونيل الغفران. والخلاص المشار إليه من أمرين الأول من سبي بابل والثاني من الخطية والخلاص الأول رمز عن الثاني وكما يزول الرمز عند ظهور المرموز إليه هكذا الرجوع من السبي شيء لا يُذكر بالنسبة إلى خلاص البشر من الخطية بواسطة الفادي.

1 «أَيُّهَا ٱلْعِطَاشُ جَمِيعاً هَلُمُّوا إِلَى ٱلْمِيَاهِ، وَٱلَّذِي لَيْسَ لَهُ فِضَّةٌ تَعَالَوْا ٱشْتَرُوا وَكُلُوا. هَلُمُّوا ٱشْتَرُوا بِلاَ فِضَّةٍ وَبِلاَ ثَمَنٍ خَمْراً وَلَبَناً».

يوحنا 4: 14 و7: 37 ورؤيا 21: 6 و22: 17 متّى 13: 44 و46 ورؤيا 3: 18

ليست دعوة خصوصية كدعوة صديق إلى وليمة بل دعوة عامة والمتكلم كبائع واقف في شارع مدينة يعلّي صوته ويطلب من جميع الناس أن يشتروا منه. والعطاش فريقان الأول المسبيون في بابل المعيون والقانطون والثاني جميع البشر. والعطش كناية عن أشد أشواق الإنسان كما يعرف كل من انقطع عنه الماء مدة أيام كما يحدث أحياناً في السفَر في القفار والبحار وهنا يشير إلى أشواق الناس الروحية. فإن الإنسان مخلوق على صورة الله وله نفس من الله لا يمكنها الراحة ما دامت بعيدة عنه ولا يمكن النفس أن تشبع مما للجسد كالمأكولات والملبوسات بل تشبع إذا غُفرت خطاياها ورجعت إلى الله وتناولت محبته الفائقة والحياة الأبدية. وكثيرون لا يعرفون أنهم عطاش أو إذا شعروا بالعطش لا يعرفون ما يروي ظمأهم وهم عطاش إلى إله مجهول عندهم. ودعوة النبي موجهة التوجيه الأكثر إلى الذين يجوعون ويعطشون إلى البر (متّى 5: 6). والماء موافق ليكنى به عن فوائد الخلاص لأنه كثير الوجود ومنتشر كثيراً ويُنال مجاناً وهو مناسب مما يحتاج إليه كل حي.

وَٱلَّذِي لَيْسَ لَهُ فِضَّةٌ الخلاص مقدم للفقراء لا الفقراء بالمال فقط بل للفقراء بالأعمال الصالحة أيضاً لأنه مقدم للناس ليس لأنهم مستحقون بل لأنهم محتاجون.

ٱشْتَرُوا بِلاَ فِضَّةٍ هذه العبارة تفيد:

  1. إن بركات الخلاص فائقة الثمن.

  2. إن الله ليس بمحتاج إلى أن يبيعنا الخلاص ويأخذ منا بدلاً.

  3. إن المسيح اشترى لنا هذه البركات ودفع عنا ثمنها الكامل.

  4. إننا نشتري هذه البركات بمعنى أننا نطلبها ونأخذها ونخصهها لأنفسنا. ولا بد من إنكار الذات والامتناع عن الشهوات وترك محبة المال والمجد العالمي ولكننا لا نقدم لله ما يساوي بركات الخلاص قيمة لنقول أننا نستحقها.

خَمْراً وَلَبَناً الخمر واللبن يشتملان على أفضل الخيرات الجسدية فيكنى بهما عن بركات الخلاص كغفران الخطايا والشركة مع الله والحياة الأبدية.

2، 3 «2 لِمَاذَا تَزِنُونَ فِضَّةً لِغَيْرِ خُبْزٍ، وَتَعَبَكُمْ لِغَيْرِ شَبَعٍ؟ ٱسْتَمِعُوا لِي ٱسْتِمَاعاً وَكُلُوا ٱلطَّيِّبَ، وَلْتَتَلَذَّذْ بِٱلدَّسَمِ أَنْفُسُكُمْ. 3 أَمِيلُوا آذَانَكُمْ وَهَلُمُّوا إِلَيَّ. ٱسْمَعُوا فَتَحْيَا أَنْفُسُكُمْ. وَأَقْطَعَ لَكُمْ عَهْداً أَبَدِيّاً، مَرَاحِمَ دَاوُدَ ٱلصَّادِقَةَ».

متّى 11: 28 ص 54: 8 و61: 8 وإرميا 32: 40 و2صموئيل 7: 8 الخ ومزمور 89: 28 وأعمال 13: 34

لِمَاذَا تَزِنُونَ فِضَّةً كانت النقود في عصر إشعياء موزونة والنقود المسكوكة من زمان عزرا.

لِغَيْرِ خُبْزٍ إن الوثنيين وغيرهم من أهل الأديان الفاسدة يتعبون وينفقون كثيراً على تماثيلهم وفرائضهم وزياراتهم إلى الأماكن المقدسة وغايتهم خلاص نفوسهم غير أنهم لا ينالون شيئاً من الرجاء والراحة وراحة الضمير والأثمار الروحية (رومية 6: 21) وأهل العالم كذلك يتبعون المال والمجد العالي والأفراح الجسدية فلا ينالون شيئاً يشبع النفس. إن المؤمنين يأخذون ولا ينفقون إذ لهم خبز ولبن بلا ثمن وأما غير المؤمنين فينفقون ولا يأخذون. وربما كان في الكلام إشارة إلى الذين بنوا بيوتاً واقتنوا أملاكاً في بابل فلم يريدوا أن يتركوها. وأما تلك الأملاك فهي «غير خبز» ولا تقاس بالخلاص من العبودية والرجوع إلى مدينتهم المقدسة وإلى حالتهم القديمة وهي كونهم شعب الله.

ٱسْتَمِعُوا لِي ٱسْتِمَاعاً... أَمِيلُوا آذَانَكُمْ وَهَلُمُّوا إِلَيَّ. ٱسْمَعُوا الخ أكثر النبي ألفاظ الدعوة إلحاحاً على السامعين لأن كلامه حق ومواعيده ببركات ثمينة والناس مع ذلك لا ينتبهون. وأصعب شيء على المبشر هو أن يجتذب الناس إليه ليسمعوا كلامه. والله يدعو الناس لأنهم عقلاء مريدون ومكلفون فيقدرون أن يقبلوا وأن لا يقبلوا كما يختارون وليسوا كبهائم يسوقها صاحبها كما يشاء.

وَكُلُوا ٱلطَّيِّبَ بركات الخلاص الروحية ألذ من جميع خيرات العالم «يَرْوُونَ مِنْ دَسَمِ بَيْتِكَ وَمِنْ نَهْرِ نِعَمِكَ تَسْقِيهِمْ» (مزمور 36: 8). والدعوة إلى نيل البركات مما يثبّت وجودها لأنه من المستحيل أن الله يدعو الناس إلى ما ليس له وجود أو إنه يدعو جميع الناس إلى ما لا يكفي الجميع.

عَهْداً أَبَدِيّاً كان اليهود قد نكثوا العهد الأبدي (ص 24: 5) انظر قول هوشع «وَلَكِنَّهُمْ كَآدَمَ تَعَدَّوُا ٱلْعَهْدَ» (هوشع 6: 7). والعهد الجديد هو عهد النعمة بدم المسيح وتجديد الروح القدس (عبرانيين 9: 15). وهذا العهد الجديد مذكور مرات كثيرة في القسم الأخير من إشعياء وفي إرميا وحزقيال.

مَرَاحِمَ دَاوُدَ أي البركات الموعود بها داود (2صموئيل 7: 8 - 16) وجوهر هذه البركات دوام مملكته إلى الأبد وهذا الوعد تم في المسيح ولا يمكن أن يتم في غيره لأنه منتهى سلسلة الملوك المتسلسلين من داود. وهذه المراحم صادقة لأن وفاءها مؤكد والنبي يقول «عهداً» لأن العهد يضع واجبات على الاثنين أي على الله أن يفي بالوعد وعلى الناس أن يسمعوا ويقبلوا. وهذه البركات الفائقة الثمن مقدمة مجاناً.

4 «هُوَذَا قَدْ جَعَلْتُهُ شَارِعاً لِلشُّعُوبِ، رَئِيساً وَمُوصِياً لِلشُّعُوبِ».

يوحنا 18: 37 ورؤيا 1: 5 إرميا 30: 9 وحزقيال 34: 23 ودانيال 9: 25 وهوشع 3: 5

داود المشار إليه هنا ليس داود بن يسى بل المسيح:

  1. لأن داود كان رئيساً وموصياً لشعب إسرائيل وليس لشعوب.

  2. بولس الرسول نسب القول إلى المسيح (أعمال 13: 34).

  3. المسيح سُمي «داود» لكونه من نسل داود حسب الجسد بدليل قول النبي «بَلْ يَخْدِمُونَ ٱلرَّبَّ إِلٰهَهُمْ وَدَاوُدَ مَلِكَهُمُ» (انظر إرميا 30: 9). وقول الآخر «أُقِيمُ عَلَيْهَا رَاعِياً وَاحِداً فَيَرْعَاهَا عَبْدِي دَاوُدُ» (حزقيال 34: 23). والأمر واضح أن هذه النبوءات كلها تختص بالمسيح.

5 «هَا أُمَّةٌ لاَ تَعْرِفُهَا تَدْعُوهَا، وَأُمَّةٌ لَمْ تَعْرِفْكَ تَرْكُضُ إِلَيْكَ، مِنْ أَجْلِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ وَقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ قَدْ مَجَّدَكَ».

ص 52: 15 وأفسس 2: 11 و12 ص 60: 5 ص 60: 9 وأعمال 3: 13

المخاطب هنا المسيح والأمة التي لا يعرفها أمة غير اليهود لم يعرفها المسيح باعتبار أنها شعبه وهي لا تعرفه فالمسيح يدعوها وهي تسمع وتركض إليه وهذا كله من الرب الذي مجد المسيح لما أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه (أعمال 2: 32 - 35 و3: 13 - 15).

6 «اُطْلُبُوا ٱلرَّبَّ مَا دَامَ يُوجَدُ. ٱدْعُوهُ وَهُوَ قَرِيبٌ».

مزمور 32: 6 ومتّى 5: 25 و25: 11 ويوحنا 7: 34 و8: 21 و2كورنثوس 6: 1 و2 وعبرانيين 3: 13

على الإنسان:

  1. أن يطلب الرب بالتوبة والإيمان والطاعة.

  2. أن يعمل ذلك في الوقت الحاضر. والرب موجود وقريب لأنه في الوقت الحاضر يسمع ويستجيب ويقبل التوبة وأما الذين يؤَخرون فيحزنون الروح القدس وتتقسى قلوبهم فلا يميلون إلى التوبة والإيمان وليس بعد الموت من فرصة للتوبة. ولا يفيد القول «ما دام يوجد» إن الرب لا يوجد في كل وقت ولكن أن الرب موجود على نوع خاص في أوقات المرض أو الحزن أو الضيق وفي الاجتماعات الدينية وفي مطالعة الكتاب المقدس وفي يومه للراحة وأوقات الصلاة الانفرادية والانفعالات الروحية وهذه الأوقات مناسبة للتوبة والرجوع إلى الرب على أنه لا يجوز للإنسان أن يؤخر التوبة ويعتذر بقوله إنه منتظر فرصة أنسب من الوقت الحاضر.

7 «لِيَتْرُكِ ٱلشِّرِّيرُ طَرِيقَهُ وَرَجُلُ ٱلإِثْمِ أَفْكَارَهُ، وَلْيَتُبْ إِلَى ٱلرَّبِّ فَيَرْحَمَهُ وَإِلَى إِلٰهِنَا لأَنَّهُ يُكْثِرُ ٱلْغُفْرَانَ».

ص 1: 16 زكريا 8: 17 مزمور 130: 7 وإرميا 3: 12

التوبة الحقيقية هي ترك الخطية بالفعل أولاً «ليترك الشرير طريقه» وترك الأفكار الردية ثانياً لأن الله ينظر إلى القلب لا إلى الأعمال فقط. وأصل كل خطية من القلب فيحتاج الإنسان إلى إصلاح حالته القلبية لا مجرد إصلاح أعماله. وما يحرّض الإنسان على التوبة أمران:

الأول: الوعد بأن الرب يرحمه فيرجع إلى الرب برجاء.

الثاني: التصريح بأن الرب كثير الرحمة فيغفر لجميع التائبين ويغفر جميع الخطايا.

8، 9 «8 لأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ أَفْكَارَكُمْ، وَلاَ طُرُقُكُمْ طُرُقِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ. 9 لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ عَنِ ٱلأَرْضِ هٰكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ».

2صموئيل 7: 19 مزمور 103: 11

من هنا إلى آخر الأصحاح بيان مقاصد الله في رجوع شعبه من سبي بابل وإن كان ذلك أمراً مستحيلاً حسب أفكار الناس وهكذا خلاص البشر وهو السر المكتوم منذ الدهور في الله.

الإنسان مخلوق على صورة الله وله شركة مع الله ولكن قوى الإنسان محدودة فليست أفكاره أفكار الله. وأفكار الرب ليست أفكار الناس:

  1. لأن الرب يغفر أعظم الخطايا ويقدم للناس أعظم البركات بلا ثمن.

  2. لأن هذه المواعيد للأمم أيضاً فلذلك ليس كأفكار اليهود.

  3. لأن الرب لا يغير أفكاره بل هو أمين في مواعيده ومعصوم عن الخطإ في أحكامه وأما الإنسان فيغير أفكاره وطرقه.

  4. لأن أفكار الرب كلها قداسة وحق وأما أفكار الإنسان ففيها خطية وخطأ فيجب على الإنسان أن يترك طرقه حين يرجع إلى الرب. وطرق الرب هي إما الطرق التي يسلك هو فيها وأما الطرق التي يدعو الإنسان إلى أن يسلك فيها.

10، 11 «10 لأَنَّهُ كَمَا يَنْزِلُ ٱلْمَطَرُ وَٱلثَّلْجُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ وَلاَ يَرْجِعَانِ إِلَى هُنَاكَ، بَلْ يُرْوِيَانِ ٱلأَرْضَ وَيَجْعَلاَنِهَا تَلِدُ وَتُنْبِتُ وَتُعْطِي زَرْعاً لِلزَّارِعِ وَخُبْزاً لِلآكِلِ، 11 هٰكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي ٱلَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لاَ تَرْجِعُ إِلَيَّ فَارِغَةً، بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ».

تثنية 32: 2 ص 54: 9

معنى كلمة الرب على الخصوص ووعده برجوع شعبه من سبي بابل وعلى العموم جميع كلام الرب الذي في الكتاب المقدس. وكلمة الرب كالمطر في ثلاثة أمور:

  1. إنها من فوق.

  2. إنها تجعل في الناس كل الأثمار الروحية.

  3. إنها فعّالة فإن المطر لا يرجع إلى السماء إلا بعدما يُروي الأرض فيرجع بخاراً. وكلمة الرب لا ترجع فارغة. كأن إنسان أرسل مكتوباً عن يد مرسل أمين فلا يرجع المرسل حتى يكون قد وجد صاحب المكتوب وسلمه له. والكلمة ترجع إلى الرب في رجوع الناس إليه إذا كان قد قبلوا الكلمة في قلوبهم. ولكل كلمة تخرج من فم الله قوة فعالة. في البدء قال ليكن فكان. ويسوع بكلمة شفى الأمراض وأخرج الشياطين وأقام الأموات وسكّن البحر والريح. ولكل كلمة من كلام الله غاية ولا بد من إدراك الغاية. وكلام الله في الكتاب المقدس.

ولنا من العلوم الطبيعية:

  1. إن العناصر تغيّر هيئتها كالمطر الذي يدخل النباتات والأثمار وأجسام الحيوانات. والفحم الذي تصير منه الحرارة فيحرّك الآلات التجارية. وهكذا كلام الله يدخل قلوب الناس ويصير منه أثمار روحية كالإيمان والمحبة والقداسة.

  2. إن المادة لا تتلاشى فإن الماء المهراق على الأرض ينزل إلى مخازن الينابيع تحت الأرض أو يصعد بخاراً فينزل ثانية مطراً. والحطب المحرق بالنار يتحول إلى دخان ورماد وغازات. وهكذا كلام الله المبشر به فإنه لا بد من أن يكون له نتيجة صالحة وإن كانت النتيجة لا تظهر في الزمان الحاضر.

12 «لأَنَّكُمْ بِفَرَحٍ تَخْرُجُونَ وَبِسَلاَمٍ تُحْضَرُونَ. ٱلْجِبَالُ وَٱلآكَامُ تُشِيدُ أَمَامَكُمْ تَرَنُّماً، وَكُلُّ شَجَرِ ٱلْحَقْلِ تُصَفِّقُ بِٱلأَيَادِي».

ص 35: 1 و65: 13 و14 مزمور 96: 12 و98: 8 وص 14: 8 و35: 1 و2 و42: 11 و1أيام 16: 33

تَخْرُجُونَ أي من عبودية بابل كما خرج بنو إسرائيل من مصر ورنموا للرب عند بحر سوف غير أن الخروج من مصر كان بالعجلة والخوف وأما الخروج من بابل فسيكون بالسلام والفرح (ص 51: 11).

13 «عِوَضاً عَنِ ٱلشَّوْكِ يَنْبُتُ سَرْوٌ، وَعِوَضاً عَنِ ٱلْقَرِيسِ يَطْلَعُ آسٌ. وَيَكُونُ لِلرَّبِّ ٱسْماً، عَلاَمَةً أَبَدِيَّةً لاَ تَنْقَطِعُ».

ص 41: 19 ميخا 7: 4 إرميا 13: 11

الأشجار غير النافعة تبدل بأشجار نافعة وهذه التشبيهات تمت في رجوع الناس إلى الله بفرح وبدلهم سلوكهم غير النافع بما يمجد الله (أعمال 13: 48).

وَيَكُونُ لِلرَّبِّ ٱسْماً أي الرجوع من السبي مع جميع البركات المقترنة به يكون لمجد الرب أمام أعين جميع الناس ويكون علامة قوته غير المحدودة وأمانته غير المتغيرة وهكذا يتمجد الرب بعمل الفداء وخلاص المؤمنين من كل البشر.

فوائد للوعاظ

غير خبز (ع 2)

قيل إن في أوستراليا نباتاً يُصنع من بزره نوع من الخبز ولكنه يُشبع الآكل منه وقتياً ولا يغذي فيموت الآكل جوعاً وهكذا من يظن أن الخيرات الجسدية تشبع النفس.

قيل إن الأمبراطور كلغولا جهز أسطولاً عظيماً وأرسله إلى بلاد اليونان فظن العالم أن الأمبراطور قصد محاربة تلك البلاد ولكنه أمر جنوده أن يجمعوا مقداراً من الصدف والحصى ويرجعون. وهكذا كل من يستعمل قواه ويقضي أيامه بجمع المال أو باللذات الجسدية ولا يستعد للحياة الأبدية.

ونذكر من الذين يزنون فضة لغير خبز الناس الآتين:

  1. الأشرار كاللصوص والكذبة والقتلة فإن تعبهم بأعمالهم الردية أكثر من تعبهم بما لو مارسوا أعمال جائزة ونافعة.

  2. الدارسون للكتاب المقدس لغايات علمية أو لغوية أو جدلية دون غاية معرفة الحق وطريق الخلاص. كالفريسيين والكتبة.

  3. الذين يخدمون التعليم والتبشير قصد الربح أو المجد لأنفسهم دون الغيرة في خلاص النفوس وبنيان كنيسة المسيح.

  4. الذين يقضون حياتهم في طلب المال أو المجد العالمي أو اللذات الجسدية.

وهؤلاء جميعهم لا ينتفعون شيئاً بل يزنون فضة لغير خبز.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ وَٱلْخَمْسُونَ

مضمونه:

في الأصحاح السابق مواعيد الخلاص وبمجيء الرب القريب وهنا (ع 1 - 8) يقول الرب إنه على الذين لهم هذه المواعيد وينتظرون هذا الخلاص أن يحفظوا الناموس ولا سيما تقديس السبت وعمل البر. وللخصيان وللغرباء تعزية ورجاء بوعد الرب أنه يعطيهم في بيته نصيباً فيكون بيته بيت الصلاة لكل الشعوب.

1، 2 «1 هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: ٱحْفَظُوا ٱلْحَقَّ وَأَجْرُوا ٱلْعَدْلَ. لأَنَّهُ قَرِيبٌ مَجِيءُ خَلاَصِي وَٱسْتِعْلاَنُ بِرِّي. 2 طُوبَى لِلإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَعْمَلُ هٰذَا، وَلابْنِ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَتَمَسَّكُ بِهِ، ٱلْحَافِظِ ٱلسَّبْتَ لِئَلاَّ يُنَجِّسَهُ، وَٱلْحَافِظِ يَدَهُ مِنْ كُلِّ عَمَلِ شَرٍّ».

ص 46: 13 ومتّى 3: 2 و4: 17 ورومية 13: 11 و12 ص 58: 13

الخلاص المشار إليه هو الخلاص من سبي بابل. واستعلان برّ الرب هو خلاص شعبه لأن برّه يظهر في إتمام مواعيده وإنقاذ المؤمنين به ومجازاة الظالمين. ويقول الرب للمسبيين إنه يجب عليهم أن يستنظروا هذا الخلاص ويكونوا مستعدين له. والاستعداد المطلوب هو حفظ الحق وإجراء العدل. فاذكر قول الرب في شأن الشعب عند مجيئه في جبل سيناء «قَدِّسْهُمُ ٱلْيَوْمَ وَغَداً، وَلْيَغْسِلُوا ثِيَابَهُمْ» (خروج 19: 10). فانظر قوله لهم قبل عبورهم الأردن (يشوع 3: 5) وقبلما أخذوا أريحا (يشوع 5: 7) ولما قاموا للرجوع إلى أورشليم (عزرا 8: 21 - 23) وعند مجيء المسيح بالجسد (متّى 3: 2 و4: 17). والتوبة مقترنة بالإيمان (أعمال 20: 21) وإصلاح السلوك من شروط الاقتراب إلى الله في العبادة والصلاة (مزمور 15 و66: 18 ومتّى 5: 8 وعبرانيين 12: 4 و1تيموثاوس 2: 8).

طُوبَى لِلإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَعْمَلُ هٰذَا، وَلابْنِ ٱلإِنْسَانِ الكلام موجه لجميع الناس والمواعيد لكل من يحفظ هذه الشروط. وكلمة «هذا» تشير إلى ما يأتي ذكره أي حفظ السبت والامتناع عن كل شرّ. ومن كل الفرائض والوصايا الرب خصص حفظ السبت لما يأتي:

  1. لأن عبادة الله وحفظ الوصايا كلها متعلقة بحفظ السبت والذين يتركونه يتركون الدين كله.

  2. لأن السبت تذكاراً للخليقة (خروج 20: 11) ولتعيين إسرائيل كشعب الله (حزقيال 31: 13) وللخلاص من مصر (تثنية 5: 15).

  3. لأنه بعد خراب أورشليم عن يد نبوخذناصر لم تكن ممارسة كل الرسوم المعروفة بالطقوس وأما حفظ السبت فلم يزل مطلوباً وكان من أحسن العلامات لحافظي عهد الرب (نحميا 13: 15 - 31 وإرميا 17: 19 - 27 وحزقيال 20: 11 - 21).

3 - 8 «3 فَلاَ يَتَكَلَّمِ ٱبْنُ ٱلْغَرِيبِ ٱلَّذِي ٱقْتَرَنَ بِٱلرَّبِّ قَائِلاً: إِفْرَازاً أَفْرَزَنِي ٱلرَّبُّ مِنْ شَعْبِهِ. وَلاَ يَقُلِ ٱلْخَصِيُّ: هَا أَنَا شَجَرَةٌ يَابِسَةٌ. 4 لأَنَّهُ هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ لِلْخِصْيَانِ ٱلَّذِينَ يَحْفَظُونَ سُبُوتِي، وَيَخْتَارُونَ مَا يَسُرُّنِي، وَيَتَمَسَّكُونَ بِعَهْدِي: 5 إِنِّي أُعْطِيهِمْ فِي بَيْتِي وَفِي أَسْوَارِي نُصُباً وَٱسْماً أَفْضَلَ مِنَ ٱلْبَنِينَ وَٱلْبَنَاتِ. أُعْطِيهِمِ ٱسْماً أَبَدِيّاً لاَ يَنْقَطِعُ. 6 وَأَبْنَاءُ ٱلْغَرِيبِ ٱلَّذِينَ يَقْتَرِنُونَ بِٱلرَّبِّ لِيَخْدِمُوهُ وَلِيُحِبُّوا ٱسْمَ ٱلرَّبِّ لِيَكُونُوا لَهُ عَبِيداً، كُلُّ ٱلَّذِينَ يَحْفَظُونَ ٱلسَّبْتَ لِئَلاَّ يُنَجِّسُوهُ، وَيَتَمَسَّكُونَ بِعَهْدِي، 7 آتِي بِهِمْ إِلَى جَبَلِ قُدْسِي، وَأُفَرِّحُهُمْ فِي بَيْتِ صَلاَتِي، وَتَكُونُ مُحْرَقَاتُهُمْ وَذَبَائِحُهُمْ مَقْبُولَةً عَلَى مَذْبَحِي، لأَنَّ بَيْتِي بَيْتَ ٱلصَّلاَةِ يُدْعَى لِكُلِّ ٱلشُّعُوبِ. 8 يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ جَامِعُ مَنْفِيِّي إِسْرَائِيلَ: أَجْمَعُ بَعْدُ إِلَيْهِ، إِلَى مَجْمُوعِيهِ».

تثنية 23: 1 و2 و3 وص 14: 3 وأعمال 8: 27 و10: 1 و2 و34 و17: 4 و18: 7 و1بطرس 1: 1 و1تيموثاوس 3: 15 يوحنا 1: 12 و1يوحنا 3: 1 ص 2: 2 و1بطرس 1: 1 و2 رومية 12: 1 وعبرانيين 13: 15 و1بطرس 2: 5 متّى 11: 13 ومرقس 11: 17 ولوقا 19: 46 ملاخي 1: 11 مزمور 147: 2 وص 11: 12 يوحنا 10: 16 وأفسس 1: 10 و2: 14 و15 و16

(انظر تثنية 23: 1 - 8) الخصي لا يدخل في جماعة الرب والعموني والموآبي لا يدخلان أبداً وغيرهم من الغرباء في الجيل الثالث يدخلون. وأما هنا فيقول الرب إنه ألغى هذا القانون فيكون لهم مكاناً في بيته وتكون ذبائحهم مقبولة ويدعى بيته بيت الصلاة لكل الشعوب. ونتعلم هنا التمييز بين العرضي والجوهري في الدين فإن الفرائض الجسدية عرضية ووقتية وأمثلة ذلك التمييز بين الطاهر والنجس وحصر العبادة في أمة واحدة أو مدينة واحدة أو بيت واحد والذبائح والأعياد. ومن أمثلة الأمور الجوهرية والدائمة حفظ السبت أو حفظ الأحد بعده وبقية الوصايا العشر التي خلاصتها محبة الله والقريب. قال الرب (ص 1: 13) إنه لم يرض بحفظ السبت كما حفظه اليهود بل يجب أن يكون حفظه من القلب بعبادة روحية وحقيقية لا بالأمور الجسدية والطقسية فقط. كان إشعياء قد تنبأ بأنه يكون من نسل حزقيا خصيان في قصر ملك بابل (2ملوك 20: 18) وهكذا كان دانيال ورفقاؤه.

مَا يَسُرُّنِي قال إرميا (إرميا 9: 24) إن ما يسر الرب رحمة وقضاء وعدلاً. وقال هوشع (هوشع 6: 6) إن الرب يريد رحمة لا ذبيحة ومعرفة الله أكثر من المحرقات.

وَيَتَمَسَّكُونَ بِعَهْدِي (ع 4) أي بالطاعة والإيمان.

فِي بَيْتِي وَفِي أَسْوَارِي (ع 5) (انظر أفسس 2: 19) «فَلَسْتُمْ إِذاً بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ ٱلْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ ٱللّٰهِ».

ٱسْماً أَفْضَلَ مِنَ ٱلْبَنِينَ كدانيال والوزير الحبشي وبولس الرسول الذي بإرادته امتنع عن الزواج. فإنهم أتوا بالناس إلى المسيح وبواسطتهم وُلد الناس من فوق ولادة ثانية روحية وهكذا صار لهم اسم أفضل من بنين وبنات متناسلين منهم تناسلاً جسدياً.

بَيْتِي بَيْتَ ٱلصَّلاَةِ يُدْعَى (ع 7) كان الهيكل بيت صلاة (1ملوك 8: 29) غير أنه مكان ذبائح أيضاً. وللذبائح ذكر في العهد القديم أكثر مما للصلاة وقول النبي هنا يشير إلى الأيام الأخيرة أي زمان الإنجيل حيث تكون الذبائح قد تمت وزالت وبيت الرب صار بيت الصلاة على نوع خاص. وهنا الأهمية للقول «لكل الشعوب» لأن الهيكل كان بيت الصلاة لليهود فقط ولكن في أيام الإنجيل صار بيت الرب أي الكنيسة بيت الصلاة لليهود والأمم أجمعين.

أَجْمَعُ بَعْدُ إِلَيْهِ (ع 8) الله يجمع منفيي إسرائيل وفوق ذلك يجمع الأمم أيضاً ويضمهم إليه.

9 - 12 «9 يَا جَمِيعَ وُحُوشِ ٱلْبَرِّ تَعَالَيْ لِلأَكْلِ. يَا جَمِيعَ ٱلْوُحُوشِ ٱلَّتِي فِي ٱلْوَعْرِ. 10 مُرَاقِبُوهُ عُمْيٌ كُلُّهُمْ. لاَ يَعْرِفُونَ. كُلُّهُمْ كِلاَبٌ بُكْمٌ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَنْبَحَ. حَالِمُونَ مُضْطَجِعُونَ، مُحِبُّو ٱلنَّوْمِ. 11 وَٱلْكِلاَبُ شَرِهَةٌ لاَ تَعْرِفُ ٱلشَّبَعَ. وَهُمْ رُعَاةٌ لاَ يَعْرِفُونَ ٱلْفَهْمَ. ٱلْتَفَتُوا جَمِيعاً إِلَى طُرُقِهِمْ، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى ٱلرِّبْحِ عَنْ أَقْصَى. 12 هَلُمُّوا آخُذُ خَمْراً وَلْنَشْتَفَّ مُسْكِراً، وَيَكُونُ ٱلْغَدُ كَهٰذَا ٱلْيَوْمِ عَظِيماً بَلْ أَزْيَدَ جِدّاً».

إرميا 12: 9 متّى 15: 14 و23: 16 فيلبي 3: 2 ميخا 3: 11 حزقيال 34: 2 و3 مزمور 10: 6 وأمثال 23: 35 وص 22: 13 ولوقا 12: 19 و1كورنثوس 15: 32

اعتاد إشعياء أن ينتقل بغتة من الزمان الحاضر إلى المستقبل البعيد وهنا انتقل من المستقبل البعيد إلى المستقبل القريب فإنه كان قد ذكر مواعيد الله بالخلاص مجاناً لكل من يطلبه وإلغاء الفرائض الجسدية وبيت الله كبيت الصلاة لكل الشعوب فكان كأنه نظر إلى قمة جبل بعيد ثم وقع نظره على ما بينه وبين ذلك الجبل فذكر أنه يكون قبل الوصول إلى البركات الموعود بها ضيقات وحروب كخراب أورشليم عن يد نبوخذناصر.

يَا جَمِيعَ وُحُوشِ (ع 9) أعداء إسرائيل خاطبهم النبي حسب اصطلاح الشعر ومعناه أنهم يأتون بعلم الرب وإذنه تأديباً لشعبه.

مُرَاقِبُوهُ (ع 10) هم الأنبياء والكهنة والرؤساء وهم عمي لما فيهم من الجهل والكسل فلا يرون شيئاً ولا يعرفون شيئاً. وهذا العمى الروحي خطية لأنه بإرادتهم فإنهم أحبوا الظلمة أكثر من النور وخطية عظيمة لأنهم ادعوا أنهم قادة في الروحيات. وعماهم ناتج أولاً عن إهمال مطالعة الكتب المقدسة ومن المحتمل أنهم كانوا متقنين علم اللاهوت وغيره من علوم البشر مع جهلهم كتاب الله وثانياً عن إهمال الخدمة وعدم المحبة والغيرة والاهتمام بخلاص النفوس فكانوا كأطباء دجالين لا يعرفون المرض ولا الدواء.

كِلاَبٌ بُكْمٌ لا ينبهون الشعب على واجباتهم أو الخطر المقبل عليهم. والسكوت خطية في الذين يُطلب منهم التكلم كالرقيب عند قدوم العدو (حزقيال 3: 17 - 21) وهكذا الوالدون والمعلمون والمبشرون. و«الحالمون» هم الناظرون إلى ما ليس له حقيقة والمتكاسلون في ما هو حقيقي وهكذا الرؤساء في القديم والفريسيون في زمان المسيح وبعض المبشرين في أيامنا ممن يهتمون بالمال والمجد لأنفسهم ولا يهتمون بحالة المحتاجين والهالكين حولهم.

وَٱلْكِلاَبُ شَرِهَةٌ (ع 11) أي الرؤساء الطماعون ومحبو الرشوة والظلم. وهنا ذكر خطية أخرى فإن النبي قال أولاً إن الرؤساء «عمي وكلاب بكم» أي أنهم تاركون واجباتهم وقال هنا إنهم مخطئون أيضاً بالفعل. كان الأنبياء قديماً يأخذون هدايا وهكذا بلعام (عدد 22: 7) وصموئيل (1صموئيل 9: 7) وأخيا (1ملوك 14: 3) ولكن غيرهم لم يستحسنوا أن يأخذوا هدية كأليشع (2ملوك 5: 16 انظر حزقيال 13: 19 وميخا 3: 3 ومتّى 10: 8). وأما المسيح وهو الراعي الصالح فافتقر لأجلنا وهو غني لكي نستغني بفقره وبذل نفسه عن الخراف وهكذا كل راع فيه روح المسيح لا يطلب لنفسه المال أو المجد أو الراحة ببذل نفسه في تخليص رعيته.

وَهُمْ رُعَاةٌ شبّه الرؤساء أحياناً بالرعاة وأحياناً بكلاب الرعاة ولعل النبي لمح بذلك إلى أن هؤلاء الرعاة ككلابهم لا فرق.

ٱلْتَفَتُوا جَمِيعاً إِلَى طُرُقِهِمْ لم يسأل أحد عن واجباته للشعب ولا عن مسؤوليته لله بل كل واحد طلب مصلحة نفسه فقط.

عَنْ أَقْصَى بلا استثناء وإلى أقصى درجة.

هَلُمُّوا (ع 12) هكذا يقول بعض الرؤساء لبعض. وهنا ذكر خطية ثالثة وهي خطية السكر وهي خطية فظيعة ولا سيما في رؤساء الدين (ص 28: 7).

ٱلْغَدُ يقصدون السكر والخلاعة ويستعدون لها. وهكذا قضى الرؤساء أيامهم على أنهم مراقبون ورعاة ومن شأنهما أن يعرفوا الخطر من بعيد ويحذروا الشعب منه.

فوائد للوعاظ

من الخطايا المذكورة تعرف الواجبات المطلوبة من الرعاة (ع 9 - 12) ومنها:

  1. المعرفة. فإنه يجب على كل راع أن يمتاز بمعرفته الكتاب المقدس ثم يحكم بقدر الإمكان العلوم العالمية فلا يكون كمراقب أعمى.

  2. الكلام. فلا يجوز أن يتعلم لنفسه فقط بل يجب أن يستعمل كل علومه لبنيان رعيته فلا يكون ككلاب بكم.

  3. القناعة والسخاء. فيكون قدوة لرعيته باتكاله على الله واهتمامه بالروحيات أكثر من الجسديات فلا يكون ككلاب شرهة.

  4. الصحو وعياف المسكر والاعتدال في استعمال الخيرات الجائزة والامتناع عن كل ما يضر الصحة الجسدية والعقلية.

  5. المسيح هو الراعي الصالح ومثال لجميع الرعاة فإنه لم يقتصر على القيام بهذه الواجبات بل أتى فوق ذلك أنه أحب الرعية وبذل نفسه عنها.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلْخَمْسُونَ

لهذا الأصحاح والأصحاح السابق من ع 9 موضوع واحد وهو ذكر خطايا اليهود في زمان النبي إلى تاريخ السبي قيل (2أيام 28: 1 - 4) إن آحاز ملك يهوذا أوقد في وادي ابن هنوم وذبح وأوقد على المرتفعات وعلى التلال وتحت كل شجرة خضراء وابنه حزقيا أزال المرتفعات وأقام مذبح للبعل وسجد لكل جند السماء وعبدها وسفك دماً كثيراً حتى ملأ أورشليم من الجانب إلى الجانب.

1، 2 «1 بَادَ ٱلصِّدِّيقُ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ ذٰلِكَ فِي قَلْبِهِ. وَرِجَالُ ٱلإِحْسَانِ يُضَمُّونَ، وَلَيْسَ مَنْ يَفْطِنُ بِأَنَّهُ مِنْ وَجْهِ ٱلشَّرِّ يُضَمُّ ٱلصِّدِّيقُ. 2 يَدْخُلُ ٱلسَّلاَمَ. يَسْتَرِيحُونَ فِي مَضَاجِعِهِمِ. ٱلسَّالِكُ بِٱلاسْتِقَامَةِ».

مزمور 12: 1 وميخا 7: 2 و1ملوك 14: 13 و2ملوك 22: 20 لوقا 2: 29 و2أيام 16: 14

بَادَ ٱلصِّدِّيقُ اللام في الصديق للجنس فالمعنى باد الصديقون يشير إلى اضطهاد الأتقياء كما حدث في زمان منسى وقتلهم بالكثرة حتى يقال باد الصديقون أي لم يبق منهم أحد. إن الصديق وُعد بعمر طويل على الغالب ولكن هنا بالعكس لأن موته خير من هذه الحياة نظراً إلى الشرور والضيقات القادمة على البلاد. وهكذا كان موت يوشيا (2ملوك 22: 20).

وَلَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ ذٰلِكَ فِي قَلْبِهِ قال أحد المفسرين إذا استرجع الله سفيره من العالم فعلى العالم أن يفهم أن الله مستعد للدينونة إشارة إلى عادة الملوك فإن الملك إذا قصد محاربة مملكة فأول كل شيء يسترجع سفيره من تلك المملكة. انظر قول داود (مزمور 12: 1) «خَلِّصْ يَا رَبُّ لأَنَّهُ قَدِ ٱنْقَرَضَ ٱلتَّقِيُّ». وأمثلة ذلك دخول نوح إلى الفلك قبل الطوفان وخروج لوط من سدوم قبل انقلابها. ولكن الأشرار فرحوا بقطع الصديقين ولم يفهموا أنه رحمة الله لهم وعلامة غضبه على مضطهديهم.

يَدْخُلُ ٱلسَّلاَمَ النفس تدخل السلام في السماء والجسد يستريح في القبر إلى القيامة.

3، 4 «3 أَمَّا أَنْتُمْ فَتَقَدَّمُوا إِلَى هُنَا يَا بَنِي ٱلسَّاحِرَةِ، نَسْلَ ٱلْفَاسِقِ وَٱلزَّانِيَةِ. 4 بِمَنْ تَسْخَرُونَ، وَعَلَى مَنْ تَفْغَرُونَ ٱلْفَمَ وَتَدْلَعُونَ ٱللِّسَانَ؟ أَمَا أَنْتُمْ أَوْلاَدُ ٱلْمَعْصِيَةِ، نَسْلُ ٱلْكَذِبِ؟».

متّى 16: 4

الله باعتبار أنه حاكم طلب المذنبين حتى يصرح بذنوبهم وقصاصهم.

نَسْلَ ٱلْفَاسِقِ وَٱلزَّانِيَةِ حسب العادة في الشرق الذي يقصد أعظم إهانة لأحد يعيره بأبيه وأمه. ويجوز أن يكون الكلام هنا حقيقة فإنه ربما كان المخاطبون نسل الفاسق والزانية وهم فاسقون وزناة أيضاً. ويجوز أن يكون مجازاً فيكون المعنى أنهم تاركون الله وساجدون للأصنام فإن عبادة الأصنام كثيراً ما شبهت بالزنى.

وَعَلَى مَنْ جواب هذا السؤال غير مذكور ولكنه مفهوم أي على الصديق وليس عليه فقط بل على الله أيضاً.

ومن أَنْتُمْ والجواب أنتم أولاد المعصية ونسل الكذب أي عبدة الأوثان فلا يليق بهم وهم أشرار أن يزدروا بالذين هم أفضل منهم. وعبدة الأوثان نسل الكذب لأن الاتكال على الأوثان باطل ومواعيدها كذب. هزأ سنبلّط باليهود (نحميا 4: 1 - 4) والهزء دائماً يكون من الجهلاء بالعلماء ومن الأدنياء بالشرفاء ومن الأشرار بالأتقياء ولكن الفهماء لا يستهزئون بالجهلاء والأتقياء لا يستهزئون بالأشرار.

5 «ٱلْمُتَوَقِّدُونَ إِلَى ٱلأَصْنَامِ تَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ، ٱلْقَاتِلُونَ ٱلأَوْلاَدَ فِي ٱلأَوْدِيَةِ تَحْتَ شُقُوقِ ٱلْمَعَاقِلِ».

ص 1: 29 و2ملوك 16: 4 و17: 10 وإرميا 2: 20 لاويين 18: 21 و20: 2 و2ملوك 16: 3 و23: 10 وإرميا 7: 31 وحزقيال 16: 20 و20: 26

ٱلْمُتَوَقِّدُونَ إِلَى ٱلأَصْنَامِ أي الذين قدموا لها المحرقات.

تَحْتَ كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ حسبوا بعض الأشجار مقدسة فلا يجوز أن يقطعوها أو يحتطبوا منها أو يوقدوا منها شيئاً ولا مما وقع على الأرض. واحترموا هذه الأشجار لكونها على التلال مرتفعة عن العالم ومنظورة من كل الجهات أو لكونها مفردة أي شجرة واحدة في بلاد بلا أشجار فتجذب النظر أو لكونها تستر الأعمال القبيحة التي جرت في ظلها (هوشع 4: 13). وقوله «كل شجرة» يشير إلى عموم عبادة الأصنام وكثرتها.

ٱلْقَاتِلُونَ ٱلأَوْلاَدَ كان للموآبيين وللعمونيين إله سماه الموآبيون كموش أو بعل فغور وسماه العمونيون مولك أو ملكوم وصنعوا لهذا الإله تمثالاً من نحاس جالساً على عرش من نحاس وكان له رأس عجل عليه إكليل وكان العرش والصنم مجوفين وكانوا يوقدون في جوفيهما ناراً حامية جداً ويضعون أطفالاً على الذراعين فيحترقون سريعاً. ومارسوا هذه العبادة في وادي ابن هنوم قرب أورشليم (انظر ص 30: 33 ومولك في قاموس الكتاب المقدس). واعتقد ممارسو هذه العبادة أن تقديم أولادهم يكفر عن خطاياهم (ميخا 6: 7) ويُرضي إلههم فيعينهم (2ملوك 3: 26 و27) والأماكن الموحشة كشقوق المعاقل ناسبت هذه العبادة القبيحة.

6 «فِي حِجَارَةِ ٱلْوَادِي ٱلْمُلْسِ نَصِيبُكِ. تِلْكَ هِيَ قُرْعَتُكِ. لِتِلْكَ سَكَبْتِ سَكِيباً وَأَصْعَدْتِ تَقْدِمَةً. أَعَنْ هٰذِهِ أَتَعَزَّى؟».

قال داود (مزمور 73: 26) «نصيبي الله» وأما المذكورون هنا فنصيبهم الأصنام. كانوا يأخذون حجارة من الوادي ملُست بجريان الماء عليها ويقيمونها أصناماً ويسكبون عليها زيتاً. انظر ما فعله يعقوب للرب (تكوين 28: 11 - 18) ولكنه فعل ذلك لله وأما هم فلأصنامهم. والتأنيث يشير إلى أمة إسرائيل.

أَعَنْ هٰذِهِ أَتَعَزَّى يتعزى الإنسان إذا سكت وسلّم ورضي والمعنى هنا أن الرب لا يرضى بل ينتقم من هؤلاء الأشرار.

7 «عَلَى جَبَلٍ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ وَضَعْتِ مَضْجَعَكِ، وَإِلَى هُنَاكَ صَعِدْتِ لِتَذْبَحِي ذَبِيحَةً».

حزقيال 16: 16 و25 حزقيال 23: 41

كانوا يختارون الجبال العالية لعبادتهم كالمزارات اليوم.

مَضْجَعَكِ تشبّه عبادة الأصنام بالزنى. وهم زنوا بالمرتفعات زناء حقيقياً أيضاً (عدد 25: 1 - 3).

8 «وَرَاءَ ٱلْبَابِ وَٱلْقَائِمَةِ وَضَعْتِ تِذْكَارَكِ، لأَنَّكِ لِغَيْرِي كَشَفْتِ وَصَعِدْتِ. أَوْسَعْتِ مَضْجَعَكِ وَقَطَعْتِ لِنَفْسِكِ عَهْداً مَعَهُمْ. أَحْبَبْتِ مَضْجَعَهُمْ. نَظَرْتِ فُرْصَةً».

حزقيال 16: 26 و28 و23: 2 إلى 20

كان التذكار علامة العبادة الوثنية (حزقيال 16: 17) وكانت هذه العلامة وراء الباب لأنها كانت لإله يختص بالبيت كقديس حامٍ فكان على كل من يدخل البيت أن يسجد له عند دخوله.

أَوْسَعْتِ مَضْجَعَكِ اي إن الإسرائيليين أفرطوا في عبادة الأصنام (2أيام 36: 14) إذ سجدوا للبعل ولعشتروت من فينيقية ولمولك من موآب وعمون ولملكة السماء وأخذوا العبادة بالمرتفعات عن الكنعانيين وعبادة الحجارة عن أهل ما بين النهرين.

قَطَعْتِ لِنَفْسِكِ لم يعملوا بموجب أمر الرب بل حسب استحسانهم. وكانت معاهدتهم أولاً للأصنام فسجدوا لها وقدموا لها هدايا رجاء أنها تحفظهم وتعطيهم جميع البركات المرغوب فيها. وثانياً للشعوب الوثنية وظنوا أن الاتحاد بتلك الشعوب سياسياً وأدبياً أمر ضروري وهكذا بنى سليمان معابد لجميع نسائه الغريبات.

نَظَرْتِ فُرْصَةً يشبّه عبدة الأصنام بامرأة زانية فكانوا قاصدين هذه العبادة وطالبيها ومستعدين لها واستغنموا فرصة لتتميم مقاصدهم.

9 «وَسِرْتِ إِلَى ٱلْمَلِكِ بِٱلدُّهْنِ، وَأَكْثَرْتِ أَطْيَابَكِ، وَأَرْسَلْتِ رُسُلَكِ إِلَى بُعْدٍ وَنَزَلْتِ حَتَّى إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ».

ص 30: 6 وحزقيال 16: 33 و23: 16 وهوشع 7: 11 و12: 1

وَسِرْتِ إِلَى ٱلْمَلِكِ يشير إلى المعاهدات السياسية كالتي قُطعت بين آحاز وملك أشور ومعاهدة ملك بابل الذي أرسل رسائل إلى حزقيا وكانت هذه المعاهدات محظورة على بني إسرائيل. و«السير إلى الملك» كمحبة امرأة زاينة لغير زوجها. قال بعضهم إن الكلمة الأصلية المترجمة «ملك» تحتمل أيضاً معنى «مولك» أي إله العمونيين فساورا إليه أي تركوا الرب إلههم الساكن بينهم وبيته في مدينتهم أورشليم وطلبوا إلهاً أجنبياً لا يخلّص ولا يُهلك.

بِٱلدُّهْنِ شبّه شعب إسرائيل هنا بزانية تزين نفسها لتغوي الناس.

إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ وضعت نفسها إلى آخر درجة من الدناءة. وأنباء هذا العالم يحتقرون الكتاب المقدس ويزدرون بعبادة الله كأنه أمر بسيط يناسب الأطفال ويسيرون إلى العظماء والفلاسفة ويظنون أنهم مرتفعون والأمر بالعكس لأن الإنسان يرتفع بالسجود للرب وينحط جسداً وعقلاً وروحاً عند سيره إلى الحكمة البشرية. ومن المحتمل أن القول «إلى الهاوية» يشير إلى العرافة أي سؤال الموتى لأجل الأحياء.

10 «بِطُولِ أَسْفَارِكِ أَعْيَيْتِ وَلَمْ تَقُولِي: يَئِسْتُ. شَهْوَتَكِ وَجَدْتِ، لِذٰلِكَ لَمْ تَضْعُفِي».

إرميا 2: 25

بِطُولِ أَسْفَارِكِ أسفارها من هنا وهناك وهي مسوقة من شهواتها. والمعنى أن بني إسرائيل أتعبوا أنفسهم في طلبهم معاهدة الملوك وسياستهم المخالفة لأوامر الرب. وأعيوا أيضاً في عبادة الأصنام وخسروا ولم ينتفعوا منها.

لَمْ تَضْعُفِي هم ضعفوا ولكنهم لم يعرفوا أنهم ضعفوا كسكير يظن أن المسكر يقويه والواقع أنه هو الذي أهلكه.

11 «وَمِمَّنْ خَشِيتِ وَخِفْتِ حَتَّى خُنْتِ، وَإِيَّايَ لَمْ تَذْكُرِي، وَلاَ وَضَعْتِ فِي قَلْبِكِ؟ أَمَّا أَنَا سَاكِتٌ، وَذَلِكَ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ، فَإِيَّايَ لَمْ تَخَافِي».

ص 51: 12 و13 مزمور 50: 21

وَمِمَّنْ خَشِيتِ الملوك بشر وبيد الرب فلا يجب أن يخافوا منهم.

حَتَّى خُنْتِ معاهدة الملوك الوثنية وعبادة أوثانهم هي خيانة للرب ملكهم وإلههم.

أَمَّا أَنَا سَاكِتٌ لم يقاص الرب شعبه حالاً فقسوا قلوبهم ولم يخافوه.

12 «أَنَا أُخْبِرُ بِبِرِّكِ وَبِأَعْمَالِكِ فَلاَ تُفِيدُكِ».

أنَا أُخْبِرُ بِبِرِّكِ يُظهر الرب برّهم أنه ناقص وأنه برٌّ بمجرد الاسم لا بالحقيقة ويُظهر أعمالهم في تركهم الرب وأن عبادة الأصنام لا تنقذهم.

13، 14 «13 إِذْ تَصْرُخِينَ فَلْيُنْقِذْكِ جُمُوعُكِ. وَلَكِنِ ٱلرِّيحُ تَحْمِلُهُمْ كُلَّهُمْ. تَأْخُذُهُمْ نَفَخَةٌ. أَمَّا ٱلْمُتَوَكِّلُ عَلَيَّ فَيَمْلِكُ ٱلأَرْضَ وَيَرِثُ جَبَلَ قُدْسِي 14 وَيَقُولُ: أَعِدُّوا. أَعِدُّوا. هَيِّئُوا ٱلطَّرِيقَ. ٱرْفَعُوا ٱلْمَعْثَرَةَ مِنْ طَرِيقِ شَعْبِي».

ص 40: 3 و62: 10

جُمُوعُكِ جموع الملوك والأصنام وكل ما اتكلوا عليه.

فَلْيُنْقِذْكِ تهكّم فإنهم لا يقدرون أن ينقذوا بل هم لا شيء كالعصافة التي تذريها الريح.

أَمَّا ٱلْمُتَوَكِّلُ عَلَيَّ كان الرب قد خاطب الأشرار بين الشعب وهم المراقبون العمي والبكم والشرهون وبنو الساحرة وأولاد المعصية (ص 56: 9 - 57: 13) وهنا وجّه كلامه إلى الأتقياء بينهم فعزاهم بمواعيده.

فَيَمْلِكُ ٱلأَرْضَ أرض اليهود وجبل قدس الرب هو أورشليم.

وَيَقُولُ الرب هو القائل وربما الملائكة هم المخاطبون فيقول لهم أن يعدوا الطريق ويرفعوا المعثرة. والمعثرة هي إما بالأمور العالمية كصعوبات الطريق والأخطار وموانع الحكام وأما بالأمور الروحية كضعف إيمان الإسرائيليين أو كسلهم أو طمعهم أو عدم محبتهم الأخوية.

15، 16 «15 لأَنَّهُ هٰكَذَا قَالَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْمُرْتَفِعُ، سَاكِنُ ٱلأَبَدِ، ٱلْقُدُّوسُ ٱسْمُهُ: فِي ٱلْمَوْضِعِ ٱلْمُرْتَفِعِ ٱلْمُقَدَّسِ أَسْكُنُ، وَمَعَ ٱلْمُنْسَحِقِ وَٱلْمُتَوَاضِعِ ٱلرُّوحِ، لأُحْيِيَ رُوحَ ٱلْمُتَوَاضِعِينَ وَلأُحْيِيَ قَلْبَ ٱلْمُنْسَحِقِينَ. 16 لأَنِّي لاَ أُخَاصِمُ إِلَى ٱلأَبَدِ وَلاَ أَغْضَبُ إِلَى ٱلدَّهْرِ. لأَنَّ ٱلرُّوحَ يُغْشَى عَلَيْهَا أَمَامِي وَٱلنَّسَمَاتُ ٱلَّتِي صَنَعْتُهَا».

أيوب 6: 10 ولوقا 1: 49 مزمور 68: 4 وزكريا 2: 13 مزمور 34: 18 و51: 17 و138: 6 وص 66: 2 مزمور 147: 3 وص 61: 1 مزمور 85: 5 و103: 9 وميخا 7: 18 عدد 16: 22 وأيوب 34: 14 عبرانيين 12: 9

المواعيد بالخلاص مبنية على قدرة الله ورحمته كلتيهما.

ٱلْعَلِيُّ ٱلْمُرْتَفِعُ الله عليٌّ بنفسه وهو مرتفع بالنسبة إلى خلائقه لأنه فوق الكل والسيد على الكل.

سَاكِنُ ٱلأَبَدِ ليس كملوك العالم الذين يموتون وتزول ممالكهم أيضاً. وليس له مسكن كمساكن البشر المحدودة بالمكان والزمان بل هو ساكن في السماء وهو منذ الأزل وإلى الأبد ملك الدهور الذي لا يفنى.

ٱلْمَوْضِعِ ٱلْمُرْتَفِعِ ٱلْمُقَدَّسِ ارتفاع الله مقترن بقداسته فهو مرتفع لأنه قدوس. وكلما تقدس الإنسان ارتفع وارتفاعه على قدر قداسته.

وَمَعَ ٱلْمُنْسَحِقِ الكتاب المقدس يذكر غالباً ارتفاع الرب وتنازله معاً (مزمور 68: 4 و5) والقلب المنسحق قد يكون نتيجة التأديب كالمرض والحزن أو الشعور بالخطية بعد التوبيخ وفعل الروح في القلب. والرب يحب القلب المنسحق لأنه يكره الخطية ويطلب الغفران والرجوع إلى الله ويسمع صوته ويسلم نفسه له ليعمل فيه وبه كما يريد. لا يقول الرب إنه يأتي فقط إلى القلب المنسحق بل أنه يسكن معه أيضاً.

لأُحْيِيَ رُوحَ ٱلْمُتَوَاضِعِينَ هنا نرى محبة الله الأبوية وشفقته على خلائقه لأنه إله حياة وخلاص وتعزية ويحب الضعفاء كالفقراء والمظلومين والأرامل واليتامى خصوصاً. كما يرق قلب الوالد على الصغير أو الضعيف بين أولاده كذلك. السماء وسماء السموات لا تسعه والروح المنسحق والمتواضع لا يضيّقه. فإن الرب لا يكتفي بالحكم على شعبه من عرشه في السماء بل يطلب لنفسه أيضاً عرشاً في قلوبهم فيحييهم ويميلهم إليه بقوة المحبة. وإذا غضب عليهم بسبب خطاياهم ذكر ضعفهم أيضاً وإنهم نسمات صنعها هو. ولا يريد الرب أن يهلك الإنسان الذي خلقه فيُبطل عمل يديه.

17 «مِنْ أَجْلِ إِثْمِ مَكْسَبِهِ غَضِبْتُ وَضَرَبْتُهُ. اَسْتَتَرْتُ وَغَضِبْتُ، فَذَهَبَ عَاصِياً فِي طَرِيقِ قَلْبِهِ».

إرميا 6: 13 ص 8: 17 و45: 15 ص 9: 13

إِثْمِ مَكْسَبِهِ المكسب غير الجائز. فإن خطية الطمع ذُكرت مراراً كثيرة في الأنبياء وذُكرت هنا كخطية مشهورة تتضمن كل الخطايا.

وَضَرَبْتُهُ بواسطة سرجون وسنحاريب ونخو ملك مصر والآراميين والموآبيين والعمونيين وغاية الله في الضربات تحذيرهم من خطاياهم.

اَسْتَتَرْتُ في العالم الطبيعي الشمس مصدر الحياة لأن منها النور والحرارة فإذا استترت الشمس كما في المنطقة المتجمدة في فصل الشتاء وقف كل نمو وكل حركة من النباتات والحيوانات وهكذا الله مصدر الحياة لكل خلائقه به تحيا وتتحرك وتوجد فستر وجهه أعظم الضربات. ومع ذلك إسرائيل لم ينتبه بل ذهب عاصياً في الطريق الذي اختاره قلبه الشرير.

18 «رَأَيْتُ طُرُقَهُ وَسَأَشْفِيهِ وَأَقُودُهُ، وَأَرُدُّ تَعْزِيَاتٍ لَهُ وَلِنَائِحِيهِ».

إرميا 3: 22 ص 61: 2

الطرق المذكورة هي طرق الخطية والطرق التي ذهب الشعب عاصياً فيها. فالرب رأى هذه الطرق كما ينظر الطبيب إلى مرض عسر الشفاء فاتخذ لشفائه وسائط جديدة مؤثرة كما سكب الروح القدس يوم الخمسين على الذين كانوا قد صلبوا بيسوع فآمنوا به.

لَهُ وَلِنَائِحِيهِ أي الشعب كله ولا سيما الحزانى منه.

19 «خَالِقاً ثَمَرَ ٱلشَّفَتَيْنِ. سَلاَمٌ سَلاَمٌ لِلْبَعِيدِ وَلِلْقَرِيبِ قَالَ ٱلرَّبُّ، وَسَأَشْفِيهِ».

عبرانيين 13: 15 أعمال 2: 39 وأفسس 2: 17

خَالِقاً ثَمَرَ ٱلشَّفَتَيْنِ «فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ لِلّٰهِ ذَبِيحَةَ ٱلتَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِٱسْمِهِ» (عبرانيين 13: 15). وهذه الكلمات تابعة الآية السابقة والمعنى أن الرب سيشفق على شعبه ويشفيه من مرض الطمع والعصيان ويقوده بروحه القدوس ويعزي الحزانى ويجعلهم يسبحونه.

سَلاَمٌ سَلاَمٌ أي السلام الكامل كما في (ص 26: 3). كان الأنبياء الكذبة يقولون سلام سلام وأما هذا الوعد فهو من الله وهو وعد صادق.

لِلْبَعِيدِ وَلِلْقَرِيبِ أي الأمم واليهود (أفسس 2: 17).

20، 21 «20 أَمَّا ٱلأَشْرَارُ فَكَٱلْبَحْرِ ٱلْمُضْطَرِبِ لأَنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَهْدَأَ، وَتَقْذِفُ مِيَاهُهُ حَمْأَةً وَطِيناً. 21 لَيْسَ سَلاَمٌ قَالَ إِلٰهِي لِلأَشْرَارِ».

أيوب 15: 20 الخ وأمثال 4: 16 ص 48: 22

تنبيه للأشرار فلا يظنون أن الرب ساكت عن خطاياهم ولا عن مطاليب ناموسه فإنه ليس سلام إلا السلام الناتج عن الإيمان بالمسيح والمقترن بالقداسة.

أَمَّا ٱلأَشْرَارُ فَكَٱلْبَحْرِ ٱلْمُضْطَرِبِ يفيد هذا القول:

  1. إن الأشرار لا يقبلون حكم الله في قلوبهم وكما تهيج الرياح أمواج البحر تهيج الشهوات الجسدية وتجارب العالم وجميع المصائب والضيقات الأشرار فلا يقدرون أن يضبطوا أنفسهم ولا يسمحوا للرب أن يضبطهم وأما الذين سلموا أنفسهم للمسيح فهم كالبيت المؤسس على الصخر الذي ينزل عليه المطر وتصدمه الرياح فلا يسقط أي أنهم لا يضطربون ولو أصابتهم أعظم الضيقات.

  2. إن البحر المضطرب يقذف حمأة وطيناً والأشرار في وقت الضيقات والتجارب يُظهرون أقذار قلوبهم.

  3. لا عذاب أعظم من العذاب الناتج عن عدم الراحة كعدم النوم لمرض جسدي أو عقلي أو لشر الضمير فمن يقدر أن يحتمل الأبدية بلا شيء من الراحة (انظر ص 48: 22).

فوائد للوعاظ

بطول أسفارك أعييت (ع 10)

ميّز بين الإعياء الجائز كالإعياء الجسدي والعقلي التابع العمل وبين الإعياء غير الجائز الناتج عن الخطية. ومن أسباب الإعياء ما يأتي:

  1. عدم إتمام مقاصدنا كطلب المال أو المجد أو عدم تدبير عيالنا. فإن كثيرين يتعبون كل أيام حياتهم ولا يحصدون شيئاً من غير ثمر تعبهم. ولا راحة إلا بإجراء مقاصد الله وتسليمنا لإرادته.

  2. عدم النجاح في مقاومة التجارب. انظر قول بولس «وَيْحِي أَنَا ٱلإِنْسَانُ ٱلشَّقِيُّ» (رومية 7: 24). والإنسان لا يقدر أن يخلص من الخطية بقوته.

  3. عدم الإيمان. المسيح هو الطريق والحق والحياة وكل من يفتش عن الراحة بلا إيمان بالمسيح لا يجد شيئا منها.

  4. عدم الرفقة. بدون المسيح لا محبة في العالم بل كل واحد يطلب ما لنفسه فقط.

  5. الابتعاد عن الله. كل خاطئ كمسافر أعيا فليس له راحة إلا في بيته ولكنه متوجه إلى غير جهة فيبعد عن البيت أكثر فأكثر ويزيد إعياء.

تنازل الله (ع 15)

  1. تأمل في عظمته. العليّ مرتفع والساكن الأبد.

  2. يظهر تنازل الله في العناية فإنه يعتني بجميع خلائقه من النباتات والبهائم والناس كباراً وصغاراً (مزمور 104).

  3. يظهر تنازل الله الخاص في معاملته الإنسان لأنه يكلّمه ويظهر له مقاصده ويسمع الصلاة ويستجيبها ويأذن للإنسان أن يُقبل إليه ولا يقتصر على هذا فإنه يأتي هو إلى الإنسان ولا يكتفي بهذا فيسكن أيضاً في قلبه (يوحنا 14: 23).

  4. يظهر تنازل الله الأعظم في تجسد المسيح إذ صار إنساناً ولم يزل إلهاً وإنساناً إلى الأبد.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ وَٱلْخَمْسُونَ

في هذا الأصحاح أمر الرب النبي أن يوبخ الشعب على الرياء واتكالهم على مجرد حفظهم الرسوم الخارجية كالصوم وبيّن لهم أن الصوم الذي اختاره الرب هو فعل الرحمة والحق ووعدهم بأنه إذا عملوا هذه الواجبات يرضى عنهم ويشبعهم ويبنيهم. ووعدهم بهذه البركات أيضاً إذا حفظوا السبت كما يجب. ومضمون هذا الأصحاح يشبه مضمون الأصحاح الأول وهنا أتى كما أتاه في الأصحاح السابق من أنه ينظر بالأكثر إلى أهل عصره لا إلى المستقبل البعيد فإن من وظيفة النبي أن يوبخ ويرشد ويظهر إرادة الرب لا أن يقتصر على إعلان بعض أمور المستقبل.

1 «نَادِ بِصَوْتٍ عَالٍ. لاَ تُمْسِكْ. اِرْفَعْ صَوْتَكَ كَبُوقٍ وَأَخْبِرْ شَعْبِي بِتَعَدِّيهِمْ وَبَيْتَ يَعْقُوبَ بِخَطَايَاهُمْ».

يدل الصوت العالي:

  1. على كلام مسموع لأن الشعب كانوا غير منتبهين.

  2. على خطاب لجميع الناس.

  3. على غضب الله الشديد على خطاياهم.

لاَ تُمْسِكْ فلا يجوز للنبي أن يقول ما يستحسنه هو بل ما يأمره الرب بالتكلم به ولا أن يقول بعض كلام الرب فقط ويترك الآخر ولا أن يخاف من الشعب إذا وبخهم ولا أن يستعفي من التكلم بحجة أنهم لا يسمعون منه.

كَبُوقٍ يغلب استعمال البوق في الحرب وللتحذير. وهكذا غاية النبي هي تحذير الشعب من غضب الله لسبب خطاياهم.

2 «وَإِيَّايَ يَطْلُبُونَ يَوْماً فَيَوْماً، وَيُسَرُّونَ بِمَعْرِفَةِ طُرُقِي كَأُمَّةٍ عَمِلَتْ بِرّاً وَلَمْ تَتْرُكْ قَضَاءَ إِلٰهِهَا. يَسْأَلُونَنِي عَنْ أَحْكَامِ ٱلْبِرِّ. يُسَرُّونَ بِٱلتَّقَرُّبِ إِلَى ٱللّٰهِ».

خطيتهم العظيمة الرياء فإنهم كانوا يصلُّون ويصومون ويجتعمون ويسمعون المواعظ كأنهم أتقياء. وكان برهم في الفرائض الجسدية فقط كتقديم الذبائح وحفظ الأعياد والتمييز بين الطاهر والنجس الخ ولكن البر المطلوب منهم هو فعل الرحمة والعدل.

يَسْأَلُونَنِي عَنْ أَحْكَامِ ٱلْبِرِّ أي يتظاهرون بالرغبة في استماع كلام الله والسؤال عن المطلوب منهم حتى يكونوا أبراراً عند الرب.

3، 4 «3 يَقُولُونَ: لِمَاذَا صُمْنَا وَلَمْ تَنْظُرْ، ذَلَّلْنَا أَنْفُسَنَا وَلَمْ تُلاَحِظْ؟ هَا إِنَّكُمْ فِي يَوْمِ صَوْمِكُمْ تُوجِدُونَ مَسَرَّةً، وَبِكُلِّ أَشْغَالِكُمْ تُسَخِّرُونَ. 4 هَا إِنَّكُمْ لِلْخُصُومَةِ وَٱلنِّزَاعِ تَصُومُونَ، وَلِتَضْرِبُوا بِلَكْمَةِ ٱلشَّرِّ. لَسْتُمْ تَصُومُونَ كَمَا ٱلْيَوْمَ لِتَسْمِيعِ صَوْتِكُمْ فِي ٱلْعَلاَءِ».

ملاخي 3: 14 لاويين 16: 29 و36 و23: 27 و1ملوك 21: 9 و12 و13

لِمَاذَا صُمْنَا الصوم المشار إليه هو المختص بيوم الكفارة (لاويين 16: 29 - 31) فإنه لا يوجد في العهد القديم وصية أخرى بصوم رسمي في أوقات معلومة وهذه الوصية لا تقول «صوموا» بل «ذللوا نفوسكم».

وَلَمْ تَنْظُرْ حسبوا أن صومهم يجبر الرب على أن ينظر إليهم ويخلصهم.

تُوجِدُونَ مَسَرَّةً أي مسرتكم. وكانت مسرتهم بالخطية فهي ليست كمسرة الرب وهم كأناس في أيامنا يصومون عن بعض المأكولات وفي النهار نفسه يسكرون ويلعنون ونتيجة صومهم هذا الخصومة والنزاع. والفرق الجوهري بين عبدة الرب الحقيقيين وغيرهم هو أن عبدة الرب يسألون عن مسرته فيعملونها وأما غيرهم فلا يعملون إلا ما يسر أنفسهم.

تُسَخِّرُونَ قيل في يوم الكفارة «وَكُلَّ عَمَلٍ لاَ تَعْمَلُونَ: ٱلْوَطَنِيُّ وَٱلْغَرِيبُ» (لاويين 16: 29). والظاهر أن خطية اليهود كانت في أمرين الأول أنهم سخّروا الفقير والغريب بلا رحمة. والثاني أنهم سخّروهم يوم الكفارة فكانوا يفتخرون بحفظهم الوصية ولكنهم أجبروا خدامهم أن يخالفوها.

لِلْخُصُومَةِ وَٱلنِّزَاعِ تَصُومُونَ «مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ» (متّى 7: 20) الذين صاموا كما ذُكر عملوا هذه الأعمال الردية فيستنتج أن صومهم لم يكن صوماً حقيقياً ومن شوائب صومهم:

  1. الاتكال على الأمور الجسدية كأن الأكل أو عدم الأكل يغني عن التوبة والتجديد الروحي وجميع المتكلين على الفرائض الجسدية يتكاسلون في الروحيات والأدبيات.

  2. الافتخار والكبرياء كأنهم خلصوا أنفسهم واستحقوا أجراً من الله مع أن الخلاص بالمسيح وبالنعمة.

لِتَسْمِيعِ صَوْتِكُمْ فِي ٱلْعَلاَءِ أي في السماء عند الرب.

ونستنتج من هذا القول:

  1. إن الله لا يسمع صلاة غير التائبين مع أنه يسمع صلاة الخطأة الطالبين الخلاص من خطاياهم.

  2. إنه على كل من يصلي أن يعمل الأعمال التابعة الصلاة. فإن من يطلب الخلاص من الخطية عليه أن يتركها ومن يطلب الجعالة عليه أن يسعى نحوها ومن يطلب خلاص النفوس عليه أن يجتهد في تخليصها الخ.

5، 6 «5 أَمِثْلُ هٰذَا يَكُونُ صَوْمٌ أَخْتَارُهُ؟ يَوْماً يُذَلِّلُ ٱلإِنْسَانُ فِيهِ نَفْسَهُ، يُحْنِي كَٱلأَسَلَةِ رَأْسَهُ، وَيَفْرِشُ تَحْتَهُ مِسْحاً وَرَمَاداً. هَلْ تُسَمِّي هٰذَا صَوْماً وَيَوْماً مَقْبُولاً لِلرَّبِّ؟ 6 أَلَيْسَ هٰذَا صَوْماً أَخْتَارُهُ: حَلَّ قُيُودِ ٱلشَّرِّ. فَكَّ عُقَدِ ٱلنِّيرِ، وَإِطْلاَقَ ٱلْمَسْحُوقِينَ أَحْرَاراً، وَقَطْعَ كُلِّ نِيرٍ».

زكريا 7: 5 لاويين 16: 29 أستير 4: 3 وأيوب 2: 8 ودانيال 9: 3 ويونان 3: 6 نحميا 5: 10 و11 و12 إرميا 34: 9

أَمِثْلُ هٰذَا أي الرب لا يطلب من الإنسان أن يذلل نفسه ويحني رأسه ويتظاهر بالحزن وهو باق في الخطية. والصائمون كما ذُكر يهينون الرب لأنهم يقولون بفعلهم أن الرب لا يعرف القلوب والنيات ولا يسأل عن أعمال الساجدين له ولا يهمه ظلم الضعفاء وتسخير الفقراء.

قُيُودِ ٱلشَّرِّ القيود التي قيّد بها الأشرار الضعفاء والمساكين.

فَكَّ عُقَدِ ٱلنِّيرِ أي ترك مطالبة الدين (نحميا 1: 31) ورد الرهن (حزقيال 18: 7). ونستفيد من هذا:

  1. إن من يطلب غفران خطاياه عليه أن يغفر للمخطئين إليه ومن يطلب الرحمة من الله عليه أن يرحم رفقاءه بين البشر.

  2. إن إنكار الذات في خدمة المحتاجين أفضل من تذليل النفس بلا رحمة.

7 «أَلَيْسَ أَنْ تَكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ، وَأَنْ تُدْخِلَ ٱلْمَسَاكِينَ ٱلتَّائِهِينَ إِلَى بَيْتِكَ؟ إِذَا رَأَيْتَ عُرْيَاناً أَنْ تَكْسُوهُ، وَأَنْ لاَ تَتَغَاضَى عَنْ لَحْمِكَ».

حزقيال 18: 7 و16 ومتّى 25: 35 أيوب 31: 19 تكوين 29: 14 ونحميا 5: 5

الصدقة مقترنة بالصوم وقيل أن الصدقة والصوم جناحا الصلاة. ومن يعطي خبزه للجائع أفضل من الذي يمتنع عن أكل خبزه أي الصائم. وربما القول «خبزك» يشير إلى أفكار الطماع والبخيل الذي يقول الخبز خبزي والبيت بيتي فلماذا أعطيهما لغيري. وكثيرون يعطون خبزاً لفقير عند الباب أو صدقة لفقير على الطريق ولكن قليلون يستحسنون أن يدخلوا المساكين والتائهين إلى بيوتهم.

وَلاَ تَتَغَاضَى عَنْ لَحْمِكَ أي أقربائك. قال لابان ليعقوب «أَنْتَ وَلَحْمِي» (تكوين 29: 14). واليهود كلهم أقرباء بعضهم لبعض لأنهم من أصل واحد والمسيح علّم في مثَل السامري الصالح أن كل محتاج يأتينا بعناية الله فهو قريبنا.

8 «حِينَئِذٍ يَنْفَجِرُ مِثْلَ ٱلصُّبْحِ نُورُكَ وَتَنْبُتُ صِحَّتُكَ سَرِيعاً، وَيَسِيرُ بِرُّكَ أَمَامَكَ، وَمَجْدُ ٱلرَّبِّ يَجْمَعُ سَاقَتَكَ».

أيوب 11: 17 خروج 14: 19 وص 52: 12

تتضمن هذه الآية جواب سؤالهم في الآية الثالثة أي إذا عملوا العدل والرحمة ينظر الرب إليهم.

يَنْفَجِرُ مِثْلَ ٱلصُّبْحِ نُورُكَ النور كناية عن الفرح والنجاح والمجد والليل كناية عن الضيق والحزن.

صِحَّتُكَ شبّه الضيق بمرض والخلاص بالصحة.

يَسِيرُ بِرُّكَ أَمَامَكَ برّهم هو تتميم الواجبات المذكورة سابقاً أي حل قيود الشر وفك عُقد النير الخ وهذا البر يسبق إظهار مجد الرب (انظر في ص 1: 1 - 20) قول الرب إنه لا يُسر بذبائحهم ولا يسمع صلواتهم لأن أيديهم ملآنة دماً فعليهم أولاً أن يغتسلوا ويتنقوا ويعزلوا شر أفعالهم ويتعلموا فعل الخير. ثم يقول الرب إنه يغفر لهم خطاياهم فيأكلون خير الأرض (انظر أيضاً ص 52: 11 و12). وأما برّهم هذا فهو من الرب لأنه يدعوهم إلى التوبة ويجدد قلوبهم ويمنحهم نعمة بها يعملون الأعمال الصالحة وذلك كله يكون إكراماً للمسيح. فيصح أيضاً قول إرميا (إرميا 23: 6) «الرب برّنا». وقال بعضهم إن البر هنا هو برّ الرب أي صدقه في مواعيده الذي يظهر في خلاص شعبه.

وَمَجْدُ ٱلرَّبِّ يَجْمَعُ سَاقَتَكَ الرب أمامهم لأن برّهم منه وهو يعمل فيه بنعمته وهو وراءهم أيضاً بقوته المجيدة فيعتني بهم.

9، 10 «9 حِينَئِذٍ تَدْعُو فَيُجِيبُ ٱلرَّبُّ. تَسْتَغِيثُ فَيَقُولُ: هَئَنَذَا. إِنْ نَزَعْتَ مِنْ وَسَطِكَ ٱلنِّيرَ وَٱلإِيمَاءَ بِٱلإِصْبِعِ وَكَلاَمَ ٱلإِثْمِ 10 وَأَنْفَقْتَ نَفْسَكَ لِلْجَائِعِ وَأَشْبَعْتَ ٱلنَّفْسَ ٱلذَّلِيلَةَ، يُشْرِقُ فِي ٱلظُّلْمَةِ نُورُكَ وَيَكُونُ ظَلاَمُكَ ٱلدَّامِسُ مِثْلَ ٱلظُّهْرِ».

مزمور 12: 2

«الإيماء بالأصبع» هو إشارة معناها الاحتقار (أمثال 6: 13) . و«كلام الإثم» هو المؤامرات الشريرة.

وَأَنْفَقْتَ نَفْسَكَ لِلْجَائِعِ أي إنفاق النفس لا إنفاق المال فقط فلا يكفي الفقراء أن نعطيهم من مالنا لأنهم محتاجون أيضاً إلى التعزية والإرشاد والمحبة.

يُشْرِقُ فِي ٱلظُّلْمَةِ (مزمور 112: 4) يزول الضيق والحزن فيأتيهم الفرج والفرح. وقيل «نورك» أي الرب يكون نوراً لهم. والوعد ليس بمجرد تحسين أحوالهم بل بالتغيير الكلي كالانتقال من الظلام الدامس إلى ضوء الظهر.

11، 12 «11 وَيَقُودُكَ ٱلرَّبُّ عَلَى ٱلدَّوَامِ، وَيُشْبِعُ فِي ٱلْجَدُوبِ نَفْسَكَ، وَيُنَشِّطُ عِظَامَكَ فَتَصِيرُ كَجَنَّةٍ رَيَّا وَكَنَبْعِ مِيَاهٍ لاَ تَنْقَطِعُ مِيَاهُهُ. 12 وَمِنْكَ تُبْنَى ٱلْخِرَبُ ٱلْقَدِيمَةُ. تُقِيمُ أَسَاسَاتِ دَوْرٍ فَدَوْرٍ، فَيُسَمُّونَكَ مُرَمِّمَ ٱلثُّغْرَةِ، مُرْجِعَ ٱلْمَسَالِكِ لِلسُّكْنَى».

ص 61: 4

وَيَقُودُكَ ٱلرَّبُّ عَلَى ٱلدَّوَامِ قيادة الرب من أعظم البركات فيقود شعبه كمرشد يعرف كل شيء والمستقبل كالحاضر ويقودهم كقائد قدير به يظفرون في كل حين ويقودهم المسيح كسابق تألم ومات وقام وفتح لشعبه طريق الحياة الأبدية. وقيادة الرب على الدوام أي في كل شيء وكل الأيام. والمطلوب من شعبه أن يتبعوه ويتكلوا عليه كل الاتكال. ويقودهم بواسطة كتابه المقدس وروحه في قلوبهم وعنايته بهم.

فِي ٱلْجَدُوبِ أي في أوقات اليأس والضيق.

كَجَنَّةٍ رَيَّا يشير:

  1. إلى الجمال والبهاء.

  2. إلى الخصب أي الأعمال الصالحة.

  3. إلى الإقبال في كل حين.

وَمِنْكَ تُبْنَى ٱلْخِرَبُ أي من عندك يخرج أناس يبنون الخرب لا مجرد المدن والقرى الخربة بل الأدب والدين والهيئة الاجتماعية الخربة أيضاً. ولعل القول يشير إلى إرسال مبشرين إلى الأمم.

تُقِيمُ أَسَاسَاتِ دَوْرٍ فَدَوْرٍ أي الخرب القديمة والمعنى أنه سيقيم إسرائيل المتجدد أساسات المدن التي كانت خربة منذ دور فدرو.

مُرْجِعَ ٱلْمَسَالِكِ لِلسُّكْنَى أي إصلاح المساكن فتُسكن الأرض.

13، 14 «13 إِنْ رَدَدْتَ عَنِ ٱلسَّبْتِ رِجْلَكَ، عَنْ عَمَلِ مَسَرَّتِكَ يَوْمَ قُدْسِي، وَدَعَوْتَ ٱلسَّبْتَ لَذَّةً، وَمُقَدَّسَ ٱلرَّبِّ مُكَرَّماً، وَأَكْرَمْتَهُ عَنْ عَمَلِ طُرُقِكَ وَعَنْ إِيجَادِ مَسَرَّتِكَ وَٱلتَّكَلُّمِ بِكَلاَمِكَ، 14 فَإِنَّكَ حِينَئِذٍ تَتَلَذَّذُ بِٱلرَّبِّ، وَأُرَكِّبُكَ عَلَى مُرْتَفَعَاتِ ٱلأَرْضِ، وَأُطْعِمُكَ مِيرَاثَ يَعْقُوبَ أَبِيكَ، لأَنَّ فَمَ ٱلرَّبِّ تَكَلَّمَ».

ص 56: 2 أيوب 22: 26 تثنية 32: 13 و33: 29 ص 1: 20 و40: 5 وميخا 4: 4

إِنْ رَدَدْتَ عَنِ ٱلسَّبْتِ رِجْلَكَ أي عن دوسه برجلك انظر قول الرب لموسى «ٱخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لأَنَّ ٱلْمَوْضِعَ ٱلَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ» (خروج 3: 5). فإن تدنيس السبت بأعمالنا العالمية كالدوس بالأحذية على أرض مقدسة.

مَسَرَّتِكَ أي مسرّة الإنسان وهو في حال الخطية والعصيان فيعمل في يوم الرب المقدس كما يريد هو وليس كما يريد الرب (ص 56: 2 و6). وحفظ السبت ما دام الإنسان على هذه الحالة ثقيل لأنه لا يلذ له كلام الله وعبادته. وأما البار فمسرته في ناموس الرب وهو يشتاق إلى بيت الله وعبادته. والرب ينظر إلى عواطف قلوبنا ويطلب منا حفظ السبت بلذة ومن لا يحفظ السبت لا يحب الرب. يظهر من (إرميا 17: 19 - 27) أن اليهود كانوا قد تغافلوا عن حفظ السبت.

أَكْرَمْتَهُ عَنْ عَمَلِ طُرُقِكَ الناس يدنسون السبت إذا عملوا العالميات أو صرفوا النهار بالكسل أو التنزهات أو تكلموا أو افتكروا فيها. وبما إننا لا نقدر أن نقعد بلا عمل وبلا كلام فعلينا أن نجد أعمالاً جائزة وكلاماً لائقاً يشغل أفكارنا وأفكار الذين تحت إدارتنا. ويجب أن يكون التعليم والعبادة على سبيل يناسب جميع المشتركين فيهما كباراً وصغاراً.

حِينَئِذٍ تَتَلَذَّذُ كثيراً ما يحفظ الإنسان السبت أو غيره من وصايا الله ليس لأنه يلتذ بحفظ الوصية بل لأنه يرى ذلك واجب ولكن إذا حفظها وثبت فيها وجد في آخر الأمر لذة.

أُرَكِّبُكَ كملك ظافر.

مُرْتَفَعَاتِ ٱلأَرْضِ يعطيه الرب مقام مرتفع بين الشعوب ولم تتم النبوة حرفياً لأن اليهود وإن رجعوا إلى بلادهم بعد السبي لم يصيروا شعباً عظيماً سياسياً ولكنهم ارتفعوا فوق جميع الشعوب بما أن المسيح أتى منهم ومملكته عظمت جداً وستملأ الأرض كلها.

وَأُطْعِمُكَ أعطيك فتلتذ بما أعطيك وهو.

مِيرَاثَ يَعْقُوبَ (تكوين 28: 13 - 15) أي الأرض ونسلاً كثيراً وإن يكون بركة لجميع قبائل الأرض ورضى الله وحفظه إياه على الدوام. واليهود لم يقتنوا هذا الميراث لعدم إيمانهم ولكن مواعيد الرب ثابتة وقد تمت للكنيسة وستتم لليهود أيضاً عند رجوعهم إلى الرب وإيمانهم بالمسيح.

فوائد للوعاظ

أليس هذا صوماً اختاره (ع 6)

  1. ذكر الكتاب المقدس الصوم ولكن ما فيه من أمر به فنصوم كما يرشدنا ضميرنا ولكننا لا نأمر غيرنا بأن يصوموا.

  2. الأكل أو عدم الأكل لا يقربنا إلى الله لأن ليس ملكوت الله أكلاً وشرباً. والفرائض الجسدية تعبر عن الانفعالات القلبية فلها قيمة ولكن ليس لها قيمة بذاتها. والرب يطلب من الإنسان القلب النقي والأعمال الصالحة.

  3. لا يلزم الإنسان أن يؤدب نفسه بواسطة الصوم أو غيره من الآلام والأتعاب الجسدية بل يكفيه أن يقبل بالصبر تأديب الرب وذلك بواسطة أمراض أو فقر أو خدمة أو غيرها كما يحسن الرب.

  4. الخلاص بواسطة المسيح وحده. ودمه يكفر كل خطية. فلا نقدر أن نتكل على أعمالنا الصالحة أو آلامنا كأنها تكفر الخطية.

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلْخَمْسُونَ

1، 2 «1 هَا إِنَّ يَدَ ٱلرَّبِّ لَمْ تَقْصُرْ عَنْ أَنْ تُخَلِّصَ، وَلَمْ تَثْقَلْ أُذُنُهُ عَنْ أَنْ تَسْمَعَ. 2 بَلْ آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلٰهِكُمْ، وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ».

عدد 11: 23 وص 50: 2

في هاتين الآيتين موضوع الأصحاح كله. «لم تقصر يد الرب» فهو يقدر أن يعمل كل ما وعد شعبه به في الكلام السابق. «ولم تثقل أذنه» فهو يسمع ويستجيب الصلاة ولكن خطايا إسرائيل هي المانع لهم من الخلاص وهي كالغيم الفاصل بين الأرض والشمس لأن الفاصل هو من الأرض ومن تحت لا من فوق ووجه الرب كالشمس لا يتغير لكنه يضيء بوجهه على الناس أو يستر وجهه عنهم حسب أحوالهم الروحية كما تضيء الشمس في أيام الصحو ولا تضيء في أيام الغيم ولكن الشمس لا تتغير. وشعب الله في كل عصر يضطربون ويخافون لأنهم ينسوا أن الرب يقدر أن يخلّص ويريد أن يخلّص ولا صعوبة في نيل الخلاص ولا مانع منه إلا عدم إيمانهم وعدم طاعتهم. الخطية تحرم الناس كل خير لأن مصدره هو الله. وزوال الخطية يكون منا بالتوبة وترك الخطية ومن الله بأنه يغفر لنا ويطهّرنا بدم المسيح.

3 «لأَنَّ أَيْدِيكُمْ قَدْ تَنَجَّسَتْ بِٱلدَّمِ، وَأَصَابِعَكُمْ بِٱلإِثْمِ. شِفَاهُكُمْ تَكَلَّمَتْ بِٱلْكَذِبِ وَلِسَانُكُمْ يَلْهَجُ بِٱلشَّرِّ».

ص 1: 15

يذكر النبي بعض أعضاء الجسد كاليدين والأصابع والشفتين واللسان ولكل منها عمل خاص لمجد الله ولكنها صارت آلات للخطية.

تَنَجَّسَتْ بِٱلدَّمِ دم أولادهم الذين كانوا قد ذبحوهم لمولك ودم الأنبياء والأتقياء الذين كانوا قد قتلوهم حتى امتلأت أورشليم دماً بريئاً ودم الفقراء والضعفاء الذين قتلوهم ظلماً.

4 «لَيْسَ مَنْ يَدْعُو بِٱلْعَدْلِ، وَلَيْسَ مَنْ يُحَاكِمُ بِٱلْحَقِّ. يَتَّكِلُونَ عَلَى ٱلْبَاطِلِ وَيَتَكَلَّمُونَ بِٱلْكَذِبِ. قَدْ حَبِلُوا بِتَعَبٍ وَوَلَدُوا إِثْماً».

أيوب 15: 35 ومزمور 7: 14

ليس أحد يريد العدل بل كل من رفع دعوى إلى الحكومة حاول أن يثبتها بشهادة زور ورشوة وغايته الظلم والانتقام. والحاكم أيضاً لم يسأل عن الحق بل عن الربح لنفسه فقط.

يَتَّكِلُونَ عَلَى ٱلْبَاطِلِ على الكذب وشهود زور وذكائهم واتحادهم وسطوتهم على المساكين.

حَبِلُوا بِتَعَبٍ وَوَلَدُوا إِثْماً استعدوا لما يُتعب الناس وفعلوه.

5، 6 «5 فَقَسُوا بَيْضَ أَفْعَى، وَنَسَجُوا خُيُوطَ ٱلْعَنْكَبُوتِ. ٱلآكِلُ مِنْ بَيْضِهِمْ يَمُوتُ، وَٱلَّتِي تُكْسَرُ تُخْرِجُ أَفْعَى. 6 خُيُوطُهُمْ لاَ تَصِيرُ ثَوْباً وَلاَ يَكْتَسُونَ بِأَعْمَالِهِمْ. أَعْمَالُهُمْ أَعْمَالُ إِثْمٍ، وَفِعْلُ ٱلظُّلْمِ فِي أَيْدِيهِمْ».

أيوب 8: 14 و15

بَيْضَ أَفْعَى مقاصدهم مضرّة كبيض الأفعى. والأفعى أحياناً تفقس بيضها في بطنها وتلدها وأحياناً تبيض فتنقف البيض كغيرها من أجناس الحيات.

خُيُوطَ ٱلْعَنْكَبُوتِ أراد بها حيَل الأشرار.

ٱلآكِلُ مِنْ بَيْضِهِمْ الذي يشترك معهم في أعمالهم الشريرة يموت أدباً وروحاً ولو انتفع وقتياً انتفاعاً جسدياً.

وَٱلَّتِي تُكْسَرُ ما دام الإنسان عازماً على فعل الشر لا شيء يمنعه عنه بل إن كان لا يقدر أن يعمله على طريقة يجد طريقة أخرى فيكسر البيض أي لا يتم الشر كما قصد ولكنها تُخرج أفعى أي الروح الشرير باقٍ.

خُيُوطُهُمْ لاَ تَصِيرُ ثَوْباً ثوب واهي الخيوط رقيق لا ينفع لابسه وأعمال باطلة لا تنفع عاملها.

أَعْمَالُ إِثْمٍ وهي الخراب فلا تبني ولا تنفع بل تخرب الناس جسداً ونفساً. وجوهر الخطية هو محبة الذات فلا يسأل الخاطئ عن مصلحة غيره ولا يهمه خسارة غيره بل يطلب ما لنفسه فقط.

7 «أَرْجُلُهُمْ إِلَى ٱلشَّرِّ تَجْرِي وَتُسْرِعُ إِلَى سَفْكِ ٱلدَّمِ ٱلزَّكِيِّ. أَفْكَارُهُمْ أَفْكَارُ إِثْمٍ. فِي طُرُقِهِمِ ٱغْتِصَابٌ وَسَحْقٌ».

أمثال 1: 16 ورومية 3: 15

أَرْجُلُهُمْ جميع أعضاء الجسد آلات للشر أي الأيدي والأصابع والشفاه والألسنة (ع 3) والأرجل. فالجسد الذي خلقه الله يتمجد به صار عبداً للشيطان. ولعل المراد بذلك تسلط العادات الردية على الجسد. فإنه إذا اعتاد الإنسان المشي في طريق ما مشى فيه بلا فكر وترك الأمر إلى رجليه. وربما الكلام كله يشير إلى كثرة ذبح الأتقياء كما حدث في زمان منسى.

أَفْكَارُهُمْ أي مصدر شرورهم وهي قلوبهم الشريرة وفي هذا إشارة إلى أن الله يعرف أفكارهم كما يعرف أعمالهم وكلامهم. واغتصاب وسحق في طرقهم كما في طريق الوباء وفي طرق الحرب المهلك فاغتصبوا حيثما ذهبوا وسحقوا الضعفاء والفقراء ولم يتركوا لهم شيئاً.

تُسْرِعُ إِلَى سَفْكِ ٱلدَّمِ هذا دليل على رغبتهم ونشاطهم في الشر وكثيراً ما يطلب الضعيف في عمل الخير الشهرة باقتداره بفعل الشر لأن الخراب أهون من البناء وسفك الدم أهون من تخليص الحياة.

8 «طَرِيقُ ٱلسَّلاَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ، وَلَيْسَ فِي مَسَالِكِهِمْ عَدْلٌ. جَعَلُوا لأَنْفُسِهِمْ سُبُلاً مُعَوَّجَةً. كُلُّ مَنْ يَسِيرُ فِيهَا لاَ يَعْرِفُ سَلاَماً».

مزمور 125: 5 وأمثال 2: 15

طَرِيقُ ٱلسَّلاَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ فهم لا يسلكون فيه مطلقاً. لا يسالمون الناس ولا يجدون سلاماً لأنفسهم وهذا كله ناتج عن أعمالهم الردية كالكذب والظلم وسفك الدم.

سُبُلاً مُعَوَّجَةً قال داود (مزمور 27: 11) «عَلِّمْنِي يَا رَبُّ طَرِيقَكَ، وَٱهْدِنِي فِي سَبِيلٍ مُسْتَقِيمٍ» أي طريق الصدق والعدل وأما طريق الأشرار فمعوجة لأنهم لا ينظرون إلى الله ولا يقصدون مجده بالإخلاص بل ينظرون إلى الأحوال ويميلون تارة إلى هنا وأخرى إلى هناك كما يظنون أنه موافق لمصلحتهم.

9 «مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ ٱبْتَعَدَ ٱلْحَقُّ عَنَّا وَلَمْ يُدْرِكْنَا ٱلْعَدْلُ. نَنْتَظِرُ نُوراً فَإِذَا ظَلاَمٌ. ضِيَاءً فَنَسِيرُ فِي ظَلاَمٍ دَامِسٍ».

إرميا 8: 15

مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ ٱبْتَعَدَ ٱلْحَقُّ عَنَّا نظر النبي إلى أعداء إسرائيل من الخارج واستعمل كلمة «الحق» هنا بمعنى الخلاص من هؤلاء الأعداء لأن الخلاص منهم يكون إظهار الحق. و«ابتعد الحق» أي الرب لم يخلّص شعبه من ظالميهم من أجل شرورهم كما ذُكر في الكلام السابق. والنبي تكلم بالنيابة عن المنتبهين والتائبين من الشعب. فإنهم أقروا بأن عدم إظهار العدل في خلاصهم من أعدائهم هو على سبيل القصاص من الرب وتأسفوا على أمرين أولهما وجود الشرور بينهم وثانياً ابتعاد الرب عنهم بسبب هذه الخطايا فصاروا كعمي لأن الرب هو النور.

10 «نَتَلَمَّسُ ٱلْحَائِطَ كَعُمْيٍ، وَكَٱلَّذِي بِلاَ أَعْيُنٍ نَتَجَسَّسُ. قَدْ عَثَرْنَا فِي ٱلظُّهْرِ كَمَا فِي ٱلْعَتَمَةِ، فِي ٱلضَّبَابِ كَمَوْتَى».

تثنية 28: 29 وأيوب 5: 14 وعاموس 8: 9

كَعُمْيٍ كما تنبأ موسى (تثنية 28: 29) وهم كعمي لأن السبب منهم وليس من الرب فعثروا في الظهر والنور محيط بهم.

فِي ٱلضَّبَابِ كَمَوْتَى أي كانوا كموتى أو كأناس ماشين في ضباب لأنهم لم يبصروا. وكثيراً ما شبّه الكتاب غير المؤمنين بالأموات والمؤمنين بالأحياء والانتقال من حال الخطية إلى حال الخلاص بولادة ثانية.

11 «نَزْأَرُ كُلُّنَا كَدُبَّةٍ، وَكَحَمَامٍ هَدْراً نَهْدِرُ. نَنْتَظِرُ عَدْلاً وَلَيْسَ هُوَ، وَخَلاَصاً فَيَبْتَعِدُ عَنَّا».

ص 38: 14 وحزقيال 7: 16

صوت الدبّة وصوت الحمام كصوت الموجوع والمحزون وسبب حزنهم ابتعاد الخلاص عنهم.

نَنْتَظِرُ عَدْلاً العدل هنا عدل الله في خلاص شعبه من ظالميهم فيكون معنى الكلمة هنا كمعنى كلمة «خلاص» التي تتبعها.

12 «لأَنَّ مَعَاصِيَنَا كَثُرَتْ أَمَامَكَ، وَخَطَايَانَا تَشْهَدُ عَلَيْنَا، لأَنَّ مَعَاصِيَنَا مَعَنَا وَآثَامَنَا نَعْرِفُهَا».

أَمَامَكَ معاصيهم أمام الرب لأنه رآها وعرفها ولم يقدروا أن يخفوا عنه شيئاً وهي أمامه أيضاً كحاكم لينظرها ويحكم عليها.

تَشْهَدُ عَلَيْنَا لا يلزم شاهد لأن الله رأى كل ما فعلوه وهم أيضاً لم يقدروا أن ينكروا فهم كسارق أمسك وهو يسرق فعلاً.

مَعَاصِيَنَا مَعَنَا فلم يقدروا أن ينسوها ولو تركوها وعملوا كل واجباتهم. قال إبراهيم للغني في المثل «يا ابني اذكر». ومن أشد آلام الهالكين في الآخرة ذكر الخطايا التي ارتكبوها بالفعل وبترك الواجبات. وما أعظم رحمة بالله للتائبين في قوله «قد محوت كغيم ذنوبك». وقول الرسول «دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية».

13 - 15 «13 تَعَدَّيْنَا وَكَذِبْنَا عَلَى ٱلرَّبِّ، وَحِدْنَا مِنْ وَرَاءِ إِلٰهِنَا. تَكَلَّمْنَا بِٱلظُّلْمِ وَٱلْمَعْصِيَةِ. حَبِلْنَا وَلَهَجْنَا مِنَ ٱلْقَلْبِ بِكَلاَمِ ٱلْكَذِبِ. 14 وَقَدِ ٱرْتَدَّ ٱلْحَقُّ إِلَى ٱلْوَرَاءِ، وَٱلْعَدْلُ يَقِفُ بَعِيداً. لأَنَّ ٱلصِّدْقَ سَقَطَ فِي ٱلشَّارِعِ، وَٱلاِسْتِقَامَةَ لاَ تَسْتَطِيعُ ٱلدُّخُولَ. 15 وَصَارَ ٱلصِّدْقُ مَعْدُوماً، وَٱلْحَائِدُ عَنِ ٱلشَّرِّ يُسْلَبُ. فَرَأَى ٱلرَّبُّ وَسَاءَ فِي عَيْنَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَدْلٌ».

متّى 12: 34

الاعتراف بالخطايا. ومما يفيدنا ما يأتي:

  1. إنهم اعترفوا بجميع الخطايا كالتعدي أي الخطية بالفعل والكذب على الرب والحيدان ومن ورائه أي تركهم الواجبات المطلوبة منهم والخطايا بالكلام والخطايا أفراداً والخطايا إجمالاً.

  2. إنهم اعترفوا بخطايا لا يذكرها ولا يعترف بها أكثر الناس كخطية الكذب. قال أحد القسوس إنه سمع كثيرين يعترفون بخطاياهم ولكنه لم يسمع أحد يعترف بخطية الكذب ولكن النبي ذكر بالنيابة عن الشعب خطية الكذب مراراً.

  3. إنهم لا يخففون خطاياهم ولا يعتذرون.

  4. إنهم يعترفون ولهم رجاء فإنهم يقولون «إلهنا» فرجاؤهم هو أنه لم يتركهم بل سيغفر لهم خطاياهم ويقبلهم أيضاً شعباً له.

لأَنَّ ٱلصِّدْقَ سَقَطَ فِي ٱلشَّارِعِ في القديم كان الحكام يجلسون في أماكن الاجتماع كباب المدينة أو الساحة أو الشارع.

وَصَارَ ٱلصِّدْقُ مَعْدُوماً النبي يذكر خطية الكذب أكثر من غيرها لأن الصدق جوهر جميع الفضائل وأساس الهيئة الاجتماعية فبلا الصدق لا تصلح حكومة ولا تجارة ولا اتحاد في عمل ما ويكون الناس في حال التوحش التام.

وَٱلْحَائِدُ عَنِ ٱلشَّرِّ يُسْلَبُ لأن جميع الناس اعتصموا بالكذب والغش والظلم. فالصادق والمستقيم والعادل لم يقدر أن يسلك معهم وهم سلبوه.

16، 17 «16 فَرَأَى أَنَّهُ لَيْسَ إِنْسَانٌ، وَتَحَيَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ شَفِيعٌ. فَخَلَّصَتْ ذِرَاعُهُ لِنَفْسِهِ، وَبِرُّهُ هُوَ عَضَدَهُ. 17 فَلَبِسَ ٱلْبِرَّ كَدِرْعٍ، وَخُوذَةَ ٱلْخَلاَصِ عَلَى رَأْسِهِ. وَلَبِسَ ثِيَابَ ٱلانْتِقَامِ كَلِبَاسٍ، وَٱكْتَسَى بِٱلْغَيْرَةِ كَرِدَاءٍ».

حزقيال 22: 30 مرقس 6: 6 مزمور 98: 1 وص 63: 5 أفسس 6: 14 و17 و1تسالونيكي 5: 8

فَرَأَى أي الرب فإنه رأى وعرف كل شيء منذ الأزل ولكنه أظهر قوته إجابة لصلاة الأتقياء واعترافهم.

تَحَيَّرَ الرب لا يتحير لأنه يعرف كل شيء وهو القادر على كل شيء ولكننا نضطر أحياناً أن نعبر عن المعاني الإلهية باللغة البشرية والمعنى أن الشعب وصلوا إلى درجة من الخطية والشقاء لا يقدر أحد من بني البشر أن يخلّصهم منها وهذا أمر عجيب من شأنه أنه يوجب الحيرة. ولم يوجد بينهم مخلّص كموسى أو جدعون وهذا أيضاً أمر عجيب فأظهر الرب قوته وصار هو وحده المخلّص والشفيع الوحيد فخلّص شعبه. ومن صفات المخلّص المذكورة هنا:

  1. البر «بره هو عضده».

  2. الشفقة «خوذة الخلاص».

  3. الغيرة «لبس ثياب الانتقام».

  4. التكريس لهذا العمل «واكتسى بالغيرة كرداء». والكلام كله نبوءة بما سيكون وصيغة الماضي لتأكيد الوقوع وهو كثير في اللغات وكلام النبوءة.

18 «حَسَبَ ٱلأَعْمَالِ هٰكَذَا يُجَازِي مُبْغِضِيهِ سَخَطاً وَأَعْدَاءَهُ عِقَاباً. جَزَاءً يُجَازِي ٱلْجَزَائِرَ».

ص 63: 6

مبغضو الرب هم الأشرار من الإسرائيليين المشار إليهم في (ص 57 و58 وفي هذا الأصحاح). وأعداؤه هم الأمم الذين اضطهدوا وظلموا الإسرائيليين فالرب يجازي الجميع حسب أعمالهم الشريرة المتنوعة.

يُجَازِي ٱلْجَزَائِرَ أي الأمم المضطهدين في جهات البحر وهم تحت رئاسة أشور وبابل.

19 «فَيَخَافُونَ مِنَ ٱلْمَغْرِبِ ٱسْمَ ٱلرَّبِّ وَمِنْ مَشْرِقِ ٱلشَّمْسِ مَجْدَهُ. عِنْدَمَا يَأْتِي ٱلْعَدُوُّ كَنَهْرٍ فَنَفْخَةُ ٱلرَّبِّ تَدْفَعُهُ!».

مزمور 113: 3 وملاخي 1: 11 رؤيا 12: 15

حين يظهر الرب قوته في خلاص شعبه أمام جميع الشعوب يخافون فيخضعون له بعضهم خضوع الإيمان فينضمون إلى شعب الله والبعض خضوع الخوف فيتركون المقاومة. وهكذا يثرون لما سمع من موسى الخبر بما صنعه الرب لإسرائيل الذي أنقذه من أيدي المصريين (خروج 18: 9). وبالاق لما رأى جميع ما فعل إسرائيل بالأموريين (عدد 22: 2) والكنعانيون لما سمعوا الرب قد يبّس مياه الأردن (يشوع 5: 1). والعدو هو كل من يقاوم الله كأشور وبابل والعدو الأخير (رؤيا 19: 19).

كَنَهْرٍ لعله أراد نهر الفرات (ص 8: 7) لأنه كناية عن ملك أشور وكل قوة مهلكة. وأما نفخة الرب فكنهر أيضاً (ص 30: 28) ويبيد جميع أعدائه (2تسالونيكي 2: 8).

20 «وَيَأْتِي ٱلْفَادِي إِلَى صِهْيَوْنَ وَإِلَى ٱلتَّائِبِينَ عَنِ ٱلْمَعْصِيَةِ فِي يَعْقُوبَ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ».

رومية 11: 26

يَأْتِي ٱلْفَادِي إِلَى صِهْيَوْنَ لاحظ ترتيب المواعيد أولاً للذين من الغرب ومن الشرق (ع 19) ثم لصهيون وهذا يطابق تعليم الرسول (رومية 11: 25 و26) قال بولس «سيخرج من صهيون» فيشير إلى ناسوت المسيح فإنه من نسل داود حسب الجسد ومن جنس اليهود.

21 «أَمَّا أَنَا فَهٰذَا عَهْدِي مَعَهُمْ قَالَ ٱلرَّبُّ: رُوحِي ٱلَّذِي عَلَيْكَ، وَكَلاَمِي ٱلَّذِي وَضَعْتُهُ فِي فَمِكَ لاَ يَزُولُ مِنْ فَمِكَ وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِكَ وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِ نَسْلِكَ قَالَ ٱلرَّبُّ مِنَ ٱلآنَ وَإِلَى ٱلأَبَدِ».

عبرانيين 8: 1 و10: 16

أَمَّا أَنَا الرب هو المتكلم.

مَعَهُمْ أي مع التائبين المذكورين وجميع التائبين أمماً ويهوداً. ومواعيد الله ليست إلا للتائبين أكانت للأمم أم كانت لليهود.

كَلاَمِي هو كلامه الذي في الكتاب المقدس.

رُوحِي ٱلَّذِي عَلَيْكَ أي الروح القدس.

فِي فَمِكَ لا يقول في أذنك لأن شعب الله يكونون مبشرين بالكلمة لا سامعين فقط. وجوهر هذا الوعد الثمين هو أن الروح القدس سيمكث مع شعب الله إلى الأبد وهو يطهرهم ويرشدهم ويثبتهم فلا يكون ارتداد عما كما كان في القديم بل الكنيسة تبقى إلى الأبد.

فوائد للوعاظ

تباطؤ الرب (ع 1)

الناس يحسبون تباطؤ الرب علامة عدم الانتباه أو عدم المحبة مع أنه قادر على كل شيء ويعتني بجميع خلائقه. ومن أسباب تباطؤ الرب ما يأتي:

  1. إشعار الناس بضعفهم وبوجوب الاتكال عليه.

  2. ليعلّمهم أن يسهروا ويصلوا.

  3. زيادة قيمة البركات المنتظرة

خيوطهم لا تصير ثوباً (ع 6) نتعلم

  1. إن النفس تحتاج إلى ما يكفّر خطاياها كما يحتاج الجسد إلى ما يستر عورته.

  2. من الخيوط التي لا تصير ثوباً. (1) العضوية في الكنيسة. (2) الفرائض كالمعمودية والعشاء الرباني. (3) السلوك الحسن وحفظ الوصايا. فإن هذه كلها واجبة ولكنها لا تكفّر الخطية.

  3. لا ثوب يسد احتياجات النفس إلا ثوب بر المسيح (متّى 22: 11 ورومية 5: 1 و8: 1 وفيلبي 3: 7 - 9).

أفكارهم أفكار إثم (ع 7) الخطايا بالأفكار

نلاحظ في ذلك ما يأتي:

  1. أهمية الأفكار لأن الإنسان يخطئ بالفكر قبلما يخطئ بالفعل والأعمال الصالحة أيضاً تكون أولاً بالفكر والله يعرف الأفكار ويحكم على الناس بموجب النية.

  2. إن الأفكار تحت حكم الإنسان فعليه أولاً أن لا يفتكر إلا في ما يوافق ولا يقبل في قلبه الأفكار الردية. وثانياً أن يجبر نفسه على التأمل في الأمور الصالحة ويمنع نفسه عن التأمل في الشرور.

فهذا عهدي معهم (ع 21)

الكنيسة مجموعة من أناس ضعفاء وخطأة فتكون عرضة للسقوط نظراً إلى نفسها ولكنها لا تسقط ويظهر ذلك مما يأتي:

  1. إن الله بالأنبياء صرّح أنه يقيم على الأرض ملكوتاً أبدياً (2صموئيل 7: 12 و13 ومزمور 48: 8 وإشعياء 9: 6 و7).

  2. إن الله في العهد الجديد خصّ الكنيسة بهذه المواعيد (متّى 16: 18 و28: 19 و20 و1كورنثوس 11: 26).

اَلأَصْحَاحُ ٱلسِّتُّونَ

موضوع هذا الأصحاح أورشليم الجديدة المجيدة. قال النبي في الأصحاح السابق إنه يأتي الفادي إلى صهيون وإن العاملين في العالم هما روح الله وكلامه (ص 59: 20 و21). وقال أيضاً إن هذا العمل سينجح في تقدم صهيون وثباتها إلى الأبد. وفي هذا الأصحاح يدعو النبي الكنيسة إلى أن تقوم وتستنير وترى المجد الذي أشرق عليها.

1 - 3 «1 قُومِي ٱسْتَنِيرِي لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نُورُكِ وَمَجْدُ ٱلرَّبِّ أَشْرَقَ عَلَيْكِ. 2 لأَنَّهُ هَا هِيَ ٱلظُّلْمَةُ تُغَطِّي ٱلأَرْضَ وَٱلظَّلاَمُ ٱلدَّامِسُ ٱلأُمَمَ. أَمَّا عَلَيْكِ فَيُشْرِقُ ٱلرَّبُّ، وَمَجْدُهُ عَلَيْكِ يُرَى. 3 فَتَسِيرُ ٱلأُمَمُ فِي نُورِكِ، وَٱلْمُلُوكُ فِي ضِيَاءِ إِشْرَاقِكِ».

أفسس 5: 14 ملاخي 4: 2 ص 49: 6 و23 ورؤيا 21: 24

الخطاب هنا لأورشليم كما يظهر من قوله في (ع 14) «مَدِينَةَ ٱلرَّبِّ، صِهْيَوْنَ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ» والنبي رأى في الرؤيا المدينة في حالة الذل والخراب وأهلها مسبيين في بابل ورأى أيضاً مجيء نورها وقيام أسوارها ورجوع شعبها وانضمام كثيرين إليها وخدمة الأمم لها فدعاها إلى المسرّة والمجد ولكن أورشليم الأرضية لم تحصل على المجد الموعود به وواضح أن بعض الكلام مجاز كالكلام في كثرة الجمال من مديان وكباش نبايوت وسفن ترشيش وإن الشمس لا تغيب والقمر لا ينقص. فيتضح أن أورشليم هنا كناية عن الكنيسة على الأرض وأورشليم السماوية. والكنيسة مشبهة بامرأة حزينة متعبة مضطعجة على الأرض في العتمة.

قَدْ جَاءَ نُورُكِ الرب النور المختصّ بها بدليل قوله «نورك» وذلك إشارة إلى محبته غير المتغيرة وعنايته الخاصة بشعبه فحين يجيء الرب يزول الحزن والذل كما يزول الظلام عند إشراق الشمس. والنبوءة تمّت بتجسد المسيح.

ٱسْتَنِيرِي ليس للكنيسة نور بذاتها بل المسيح نورها وهو نور العالم وبعد ما تستنير منه تصير هي نور العالم. والأمر «قومي استنيري» يشير إلى تكليف الكنيسة لأنها تقدر أن تقوم أو لا تقوم وتقدر أن تقبل النور أو ترفضه كما تختار.

ٱلظُّلْمَةُ تُغَطِّي ٱلأَرْضَ تشير الظلمة إلى حالة العالم قبل التجسد لأن كل بني البشر كانوا بلا معرفة وبلا رجاء وبلا حياة روحية وكان الظلم والخطايا الفظيعة متسلطة عليهم وأما النور فأشرق على العالم حين وُلد يسوع وظهر أول لمعانه في اليهودية ومنها امتد إلى كل الأرض.

فَتَسِيرُ ٱلأُمَمُ فِي نُورِكِ كلمة «تسير» تدل على السلوك والعمل لا مجرد المعرفة فما أعظم الكنيسة التي كانت في بداءتها ضعيفة فإن الأمم انضموا إليها وملوك كثيرون خضغوا لرأسها المسيح.

4 «اِرْفَعِي عَيْنَيْكِ حَوَالَيْكِ وَٱنْظُرِي. قَدِ ٱجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ. جَاءُوا إِلَيْكِ. يَأْتِي بَنُوكِ مِنْ بَعِيدٍ وَتُحْمَلُ بَنَاتُكِ عَلَى ٱلأَيْدِي».

ص 49: 18 ص 49: 20 و21 و22 و66: 12

اِرْفَعِي عَيْنَيْكِ أي انظري إلى البعيد فعلى الكنيسة أن ترفع نظرها إلى المستقبل وترى بالإيمان تتميم مواعيد الله. والبنون والبنات هم الذين قبلوا المسيح بواسطة تعليم الكنيسة وتبشيرها من اليهود ومن الأمم لا اليهود فقط وهم بنون وبنات في الإيمان.

تُحْمَلُ بَنَاتُكِ أي الأمم يخدمون أولاد الكنيسة ويسهلون لهم طرق التعليم والعبادة والحياة الروحية ونرى في أيامنا أن بعض الدول العظمى صارت تساعد الكنيسة المسيحية بنظامها وحياتها.

5 «حِينَئِذٍ تَنْظُرِينَ وَتُنِيرِينَ وَيَخْفُقُ قَلْبُكِ وَيَتَّسِعُ، لأَنَّهُ تَتَحَوَّلُ إِلَيْكِ ثَرْوَةُ ٱلْبَحْرِ، وَيَأْتِي إِلَيْكِ غِنَى ٱلأُمَمِ».

رومية 11: 25 ع 11 وص 61: 6

تَنْظُرِينَ وَتُنِيرِينَ أي تفرحين لأن الفرح كالنور على الإنسان.

وَيَخْفُقُ قَلْبُكِ من الفرح فإن هذه البركات والمجد أكثر مما كانوا ينتظرونه.

يَتَّسِعُ قلبها يتسع بزيادة عدد الذين يحبونها ويصلّون لأجلها وبزيادة إيمانها بالله الذي عمل لها فوق كل ما تصورت أو طلبت.

ثَرْوَةُ ٱلْبَحْرِ يشير إلى كثرة الذين يأتون إلى الكنيسة من البلاد المجاورة البحر أو عبر البحر ويشير أيضاً إلى مال العالم الموقوف للرب ولكنيسته فإننا نرى في أيامنا كل سنة ألوفاً من الوثنيين يتركون أصنامهم وينضمون إلى الكنيسة وملايين من الليرات تأتي إلى صندوق الرب.

6، 7 «6 تُغَطِّيكِ كَثْرَةُ ٱلْجِمَالِ، بُكْرَانُ مِدْيَانَ وَعِيفَةَ كُلُّهَا تَأْتِي مِنْ شَبَا. تَحْمِلُ ذَهَباً وَلُبَاناً، وَتُبَشِّرُ بِتَسَابِيحِ ٱلرَّبِّ. 7 كُلُّ غَنَمِ قِيدَارَ تَجْتَمِعُ إِلَيْكِ. كِبَاشُ نَبَايُوتَ تَخْدِمُكِ. تَصْعَدُ مَقْبُولَةً عَلَى مَذْبَحِي، وَأُزَيِّنُ بَيْتَ جَمَالِي».

تكوين 25: 4 مزمور 72: 10 ص 61: 6 ومتّى 2: 11 تكوين 25: 13 حجي 2: 7 و9

بُكْرَانُ أولاد الجمال.

مِدْيَانَ في بلاد العرب «وعيفة» قبيلة من قبائل مديان و«شبا» أيضاً في بلاد العرب وهم من نسل إبراهيم من قطورة و«قيدار» و«نبايوت» أولاد إسماعيل. والنبي يعبّر عن مجد الكنيسة بعبارات مستعارة من أهل عصره. وفي أيامنا نقول بدلاً من ديان وعيفة الخ الهند والصين ويابان الخ ونذكر بدلاً من الجمال والغنم الجمعيات التبشيرية والمرسلين من قبلها. وبدلاً من الذبائح التقدمات للرب من المال والخدمة.

تَصْعَدُ مَقْبُولَةً الرب يقبل كل تقدمة من الغنم أو الدراهم إذا كانت مقدمة بالإيمان والمحبة فإنه لا ينظر إلى مقدار العطية بل إلى قلب المعطي.

أُزَيِّنُ بَيْتَ جَمَالِي يشير إلى الزينة الخارجية كالبناء الجميل والنظام المتقن وخصوصاً الزينة الروحية فإننا إذا نظرنا إلى جماعة من الناس متصفة بالإيمان والمحبة والغيرة في عمل الخير نقول إن هذا المنظر أجمل وأمجد من أحسن بناء في العالم وكما كانت جنة عدن مكان سعادة وجمال وقبلما دخلت الخطية لأن الرب فيها وكما كان هيكل سليمان مجيداً لأن الرب جلس على الكروبيم هكذا يكون الهيكل الثاني بحضور يسوع فيه فالكنيسة جميلة ومجيدة بحلول الروح القدس فيها.

8، 9 «8 مَنْ هٰؤُلاَءِ ٱلطَّائِرُونَ كَسَحَابٍ وَكَالْحَمَامِ إِلَى بُيُوتِهَا؟ 9 إِنَّ ٱلْجَزَائِرَ تَنْتَظِرُنِي، وَسُفُنَ تَرْشِيشَ فِي ٱلأَوَّلِ، لِتَأْتِيَ بِبَنِيكِ مِنْ بَعِيدٍ وَفِضَّتُهُمْ وَذَهَبُهُمْ مَعَهُمْ، لاسْمِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكِ وَقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ قَدْ مَجَّدَكِ».

مزمور 72: 1 وص 42: 4 و51: 5 غلاطية 4: 26 مزمور 68: 30 وزكريا 14: 14 إرميا 3: 17 ص 55: 5

ٱلطَّائِرُونَ كَسَحَابٍ كناية ثانية عن انضمام الأمم إلى الكنيسة التي يرى في الرؤيا سفن ترشيش فيشبه قلوعها بسحابة لكونها بيضاء وكثيرة بحمام طائر لكونها آتية من بلاد بعيدة إلى البيت أي بيت الرب وكانت سفن ترشيش أكبر سفن العالم فيليق أنها تكون الأولى في الخضوع للرب.

ٱلْجَزَائِرَ هي البلاد التي في جهة الغرب المجاورة البحر أو عبر البحر وهذه البلاد الوثنية تنتظر الرب لأنها في حال الذل واليأس ولم تجد الخلاص في أديانها الكاذبة وليس لها رجاء إلا بالمسيح فتنتظر حتى تسمع التبشير به. وهو مخلّص لهم كما هو مخلّص لليهود غير أن بعض الوثنيين لا يعرفون أنهم محتاجون ولا يطلبون المسيح ومن عمل المبشر أن يريهم شفاءهم ثم يريهم المخلص.

فِضَّتُهُمْ وَذَهَبُهُمْ مَعَهُمْ أي يجب على الإنسان أن يقف نفسه وماله أيضاً لخدمة الرب.

لأَنَّهُ قَدْ مَجَّدَكِ فيكون مجدها كله من الرب ومن نعمته من استحقاقها والرب مجدها إذ جعلها عمود الحق وقاعدته وسلّمها خدمة التبشير ووكل إليها تخليص الأنفس ونشر الإنجيل.

10 «وَبَنُو ٱلْغَرِيبِ يَبْنُونَ أَسْوَارَكِ، وَمُلُوكُهُمْ يَخْدِمُونَكِ. لأَنِّي بِغَضَبِي ضَرَبْتُكِ، وَبِرِضْوَانِي رَحِمْتُكِ».

زكريا 6: 15 ص 49: 23 ورؤيا 21: 24 ص 57: 17 ص 54: 7 و8

وَبَنُو ٱلْغَرِيبِ هكذا كورش (عزرا 1: 4) وأرتحشستا (نحميا 2: 8) أمرا بترميم أسوار أورشليم وكثيرون من الأمم دخلوا الكنيسة المسيحية وخدموا بنشر الإنجيل في العالم وكثيرون من الملوك في أيامنا يخدمون الكنيسة باشتراكهم في سرّيها وعطاياهم لها وبمحاماتهم عنها وسلوكها سلوكاً مسيحياً ليُقتدى بهم.

بِغَضَبِي أي غضبه وقتياً فإنه بعد الغضب رحمهم ورضي عنهم.

11 «وَتَنْفَتِحُ أَبْوَابُكِ دَائِماً. نَهَاراً وَلَيْلاً لاَ تُغْلَقُ. لِيُؤْتَى إِلَيْكِ بِغِنَى ٱلأُمَمِ وَتُقَادَ مُلُوكُهُمْ».

رؤيا 21: 25 ع 5

وَتَنْفَتِحُ أَبْوَابُكِ (رؤيا 21: 25) «أَبْوَابُهَا لَنْ تُغْلَقَ نَهَاراً، لأَنَّ لَيْلاً لاَ يَكُونُ هُنَاكَ». لا ينقطع دخول الناس إلى الكنيسة ولا يكون حرب أو خوف فتُغلق الأبواب. والأبواب المغلقة توافق النظام اليهودي الذي منع اليهود من مخالطة الأمم خوفاً من أن يتمثلوا بهم. والأبواب المفتوحة توافق الكنيسة التي تقدم الإنجيل لجميع الناس وتُرحب بهم.

تُقَادَ مُلُوكُهُمْ بعضهم بإرادتهم يقبلون الديانة المسيحية وبعضهم يقادون أي يقبلونها لغاية سياسية ويمتنعون عن المقاومة لعجزهم.

12 «لأَنَّ ٱلأُمَّةَ وَٱلْمَمْلَكَةَ ٱلَّتِي لاَ تَخْدِمُكِ تَبِيدُ، وَخَرَاباً تُخْرَبُ ٱلأُمَمُ».

زكريا 14: 17 و19 ومتّى 21: 44

نرى في أيامنا أن جميع الممالك غير المسيحية في حال الانحطاط ولا يؤمل إصلاحها إلا بامتداد الديانة المسيحية فيها.

13 «مَجْدُ لُبْنَانَ إِلَيْكِ يَأْتِي. ٱلسَّرْوُ وَٱلسِّنْدِيَانُ وَٱلشَّرْبِينُ مَعاً لِزِينَةِ مَكَانِ مَقْدِسِي، وَأُمَجِّدُ مَوْضِعَ رِجْلَيَّ».

ص 35: 2 و41: 19 و1أيام 28: 2 ومزمور 132: 7

شُبهت الكنيسة هنا بهيكل أورشليم فإن سليمان أخذ أحسن أنواع الخشب كالسرو والسنديان والشربين وهذه الأشجار مجد لبنان وبها بنى الأقداس موضع رجلي الرب (1أيام 28: 2). وأما الكنيسة المسيحية فهي الآن موضع قدمي الرب وهي المرموز إليها بهيكل سليمان وكما استخدم سليمان مجد لبنان أي أشجاره في بناء الهيكل تستخدم الكنيسة أحسن كنوز العالم وأشرف رجاله.

14 «وَبَنُو ٱلَّذِينَ قَهَرُوكِ يَسِيرُونَ إِلَيْكِ خَاضِعِينَ، وَكُلُّ ٱلَّذِينَ أَهَانُوكِ يَسْجُدُونَ لَدَى بَاطِنِ قَدَمَيْكِ، وَيَدْعُونَكِ مَدِينَةَ ٱلرَّبِّ، صِهْيَوْنَ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ».

ص 49: 23 ورؤيا 3: 9 عبرانيين 12: 22 ورؤيا 14: 1

الذين كانوا قد قهروا وأهانوا شعب الله يقرون أن إلههم هو الإله الحق الذي لا إله غيره. غير أنهم لا يسجدون للكنيسة بل لله الساكن فيها (ص 45: 14). يوم الخمسين انضم إلى الكنيسة نحو ثلاث آلاف ولا شك في أنه كان بينهم بعض الذين صرخوا «اصلبه» قال مبشر إنه رأى في جزيرة بورنيو بين الإخوة المسيحيين أبناء الذي كانوا قد اضطهدوا الكنيسة وقتلوا كثيرين من المسيحيين.

15 «عِوَضاً عَنْ كَوْنِكِ مَهْجُورَةً وَمُبْغَضَةً بِلاَ عَابِرٍ بِكِ، أَجْعَلُكِ فَخْراً أَبَدِيّاً فَرَحَ دَوْرٍ فَدَوْرٍ».

أورشليم تشبه أحياناً بامرأة متروكة من رجلها «مهجورة ومبغضة» وأحياناً بمدينة خربة «بلا عابر» والمعنى واحد. والنبي قابل حالة أورشليم الخربة كما كانت في مدة السبي بحالة الكنيسة الممجدة فكان مجد أورشليم مجداً وقتياً وجسدياً وأما مجد الكنيسة فيكون روحياً وأبدياً.

16 «وَتَرْضَعِينَ لَبَنَ ٱلأُمَمِ، وَتَرْضَعِينَ ثُدِيَّ مُلُوكٍ، وَتَعْرِفِينَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ مُخَلِّصُكِ وَوَلِيُّكِ عَزِيزُ يَعْقُوبَ».

ص 49: 23 و61: 6 و66: 11 و12 ص 43: 3

من المعلوم أن هذا الكلام مجاز لأن حقيقته مستحيلة هنا فالمعنى هو وقف الغنى والقوة الجسدية للكنيسة المسيحية فتعرف الكنيسة من هو الرب وأنه قادر على كل شيء وأمين في مواعيده ومحب لشعبه وأنه إله الكنيسة ومخلّصها وهي شعبه الخاص.

17 «عِوَضاً عَنِ ٱلنُّحَاسِ آتِي بِٱلذَّهَبِ، وَعِوَضاً عَنِ ٱلْحَدِيدِ آتِي بِٱلْفِضَّةِ، وَعِوَضاً عَنِ ٱلْخَشَبِ بِٱلنُّحَاسِ، وَعِوَضاً عَنِ ٱلْحِجَارَةِ بِٱلْحَدِيدِ، وَأَجْعَلُ وُكَلاَءَكِ سَلاَماً وَوُلاَتَكِ بِرّاً».

وهذا الكلام مجاز أيضاً والمعنى هو التحسين في كل شيء فكل ما كانوا قد اختبروه من الخير والمجد في العصور الماضية يكون بالنسبة إلى العصور الآتية كنسبة النحاس إلى الذهب والحديد إلى الفضة الخ.

وَأَجْعَلُ وُكَلاَءَكِ سَلاَماً أي أن الوكلاء والولاة سيجرون تمام الإجراء السلام والبر دائماً ويكون البر منسلطاً على ضمير الحاكم فيجوز القول إن البر هو الحاكم على الشعب.

18 «لاَ يُسْمَعُ بَعْدُ ظُلْمٌ فِي أَرْضِكِ، وَلاَ خَرَابٌ أَوْ سَحْقٌ فِي تُخُومِكِ، بَلْ تُسَمِّينَ أَسْوَارَكِ «خَلاَصاً» وَأَبْوَابَكِ تَسْبِيحاً».

ص 26: 1

لاَ يُسْمَعُ بَعْدُ ظُلْمٌ فِي أَرْضِكِ (ص 2: 4 و11: 6 - 9 و25: 9) فإن الأيام الأخيرة تمتاز أحسن امتياز بانقطاع الحروب.

أَسْوَارَكِ خَلاَصاً لا يحتاجون إلى أسوار لأن الرب يخلّصهم من كل أعدائهم.

وَأَبْوَابَكِ تَسْبِيحاً كانت أبواب المدينة مكان اجتماع الشعب وجلوس الحكام وحدث في الأبواب أحياناً ظلم وخداع وغيرهما من الأعمال القبيحة (2صموئيل 15: 2 و1ملوك 22: 10) ولكن كل ما يحدث من الحكم والتدبير في الكنيسة المجيدة يكون للمدح والتسبيح لأن المسيح يكون رأسها.

19 «لاَ تَكُونُ لَكِ بَعْدُ ٱلشَّمْسُ نُوراً فِي ٱلنَّهَارِ، وَلاَ ٱلْقَمَرُ يُنِيرُ لَكِ مُضِيئاً، بَلِ ٱلرَّبُّ يَكُونُ لَكِ نُوراً أَبَدِيّاً وَإِلٰهُكِ زِينَتَكِ».

رؤيا 21: 23 و22: 5 زكريا 2: 5

المعنى أن نور الشمس يكون كلا شيء بالنسبة إلى نور الرب.

ٱلرَّبُّ يَكُونُ لَكِ نُوراً النور كناية عن جميع الخيرات ومنها المعرفة والقداسة والسلام والفرح وهذه البركات كلها من الرب ومتّى كان الرب مع شعبه لم يعوزهم شيء بل كان فرحهم كاملاً وأبدياً.

وَإِلٰهُكِ زِينَتَكِ كان في هيكل سليمان حجارة كريمة وكان مزيناً بالأرز والذهب ولكن جماله لم يكمل حتى ملأ مجد الرب البيت والكنيسة تتزين بمجد الرب ومجدها هذا لا يزول كما زال مجد هيكل سليمان.

20 «لاَ تَغِيبُ بَعْدُ شَمْسُكِ، وَقَمَرُكِ لاَ يَنْقُصُ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ يَكُونُ لَكِ نُوراً أَبَدِيّاً، وَتُكْمَلُ أَيَّامُ نَوْحِكِ».

عاموس 8: 9

قيل في (ع 19) «لا تكون لك شمس» وقيل هنا «لا تغيب شمس» أي الرب يكون نوراً أبدياً للكنيسة فلا تحتاج إلى شمس وهذه الشمس أي نور الرب لا تغيب أي نوره لا يفارق الكنيسة أبداً.

وَتُكْمَلُ أَيَّامُ نَوْحِكِ وهذا الوعد يتم في السماء لأن للكنيسة على الأرض أيام نوح وذلك لسبب خطاياها وضعف إيمانها ووجود الخطية في العالم.

21 «وَشَعْبُكِ كُلُّهُمْ أَبْرَارٌ. إِلَى ٱلأَبَدِ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ، غُصْنُ غَرْسِي عَمَلُ يَدَيَّ لأَتَمَجَّدَ».

ص 52: 1 ورؤيا 21: 27 مزمور 37: 11 و22 ومتّى 5: 5 ص 61: 3 ومتّى 15: 13 ويوحنا 15: 2 ص 29: 23 و45: 11 وأفسس 2: 10

وَشَعْبُكِ كُلُّهُمْ أَبْرَارٌ وهذا جوهر الأمر كله لأن الحزن والتعب والخوف كلها ناتجة عن الخطية.

يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ الأرض كلها أرض فلسطين وحدها (ص 49: 8).

غَرْسِي عَمَلُ يَدَيَّ برهم المذكور من الرب (أفسس 2: 10).

22 «اَلصَّغِيرُ يَصِيرُ أَلْفاً وَٱلْحَقِيرُ أُمَّةً قَوِيَّةً. أَنَا ٱلرَّبُّ فِي وَقْتِهِ أُسْرِعُ بِهِ».

متّى 13: 31 و32

اَلصَّغِيرُ يَصِيرُ أَلْفاً كانت أمة اليهود صغيرة بالنسبة إلى ممالك الأمم والكنيسة صغيرة بالنسبة إلى عدد الوثنيين في العالم ولكنها ستنمو وتزداد حتى تملأ الأرض.

فِي وَقْتِهِ أُسْرِعُ بِهِ أتى المسيح في ملء الأزمنة ويكون مجد الكنيسة الكامل في الزمان المعين من الله وهو لا ينسى كنيسته ولا يتأخر يوماً عن إنجاز هذه المواعيد وعندما نسمع هذه المواعيد الثمينة وننظر بالإيمان إلى مجد الكنيسة العظيمة نشتاق إلى إنجاز المواعيد إنجازاً كاملاً ونطلب سرعة مجيء الرب.

فوائد للوعاظ

عزيز يعقوب (ع 16)

اختار الرب لنفسه هنا هذا الاسم دون ذكر إبراهيم وإسحاق وإسرائيل ولعل السبب أنه كان ليعقوب بعض صفات ضعيفة فقاومها وبنعمة الله خلص منها. فعزيز يعقوب هو الله الذي يخلّصنا من أنفسنا فيكون موضوعنا مقاومة أنفسنا فنقول:

  1. إن هذه المقاومة سرّية ولكل مسيحي في قلبه حروب روحية لا يعرفها العالم.

  2. إنه لا ترجى النجاة في هذه الحروب الداخلية السرّية.

  3. إن لنا من يأتي إلينا وينصرنا وهو الإنسان يسوع المسيح الذي كان مجرباً مثلنا بكل شيء ما عدا الخطية فيقدر أن يعين المجرّبين.

لا تغيب بعد شمسك (ع 20)

الشمس كناية عن كل خير. وفي هذا ما يأتي:

  1. إن شمس هذا العالم تغيب. كما أن الليل يلي النهار هكذا المرض يلي الصحة والموت يلي الحياة ويُفنى المال ويفارقنا الأحباء وكما أننا لا نعرف هل يأتي الغد بصحو أو بمطر هكذا لا نعرف متى تزول خيراتنا الجسدية ومن المحتمل أن تزول في أي يوم كان.

  2. إنه كثيراً ما تغيب شمس هذا العالم في نفس الإنسان ومن المحتمل أن يكون حوله أصدقاء وجميع الخيرات ولكنه لا يقدر أن يفرح بها لما في نفسه من الغم والخيبة.

  3. شمس السماء لكل من المفديين ولا يكون بينهم أعمى ولا حزين.

  4. شمس السماء لطيفة فوق أنها مجيدة. وشبّه نورها بنور القمر أيضاً بقوله «وقمرك لا ينقص». وتلك الشمس لا تضرب أحداً ولا يقع على المفديين شيء من الحر. ولله محبة أبوية وشفقة عظيمة كما له عدل وقوة غير محدودة.

  5. إن شمس السماء الأبدية لا تغيب لأنه لا مرض ولا موت ولا خطية هناك ولا شيء يقدر أن يفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلسِّتُّونَ

موضوعه بشارة صهيون. قال بعضهم إن المتكلم هو النبي فيقول إن الرب أعطاه روحه ومسحه وأرسله ليبشر اليهود بالإطلاق من العبودية والرجوع إلى بلادهم وإقامة مدنهم الخربة. والأرجح أن المتكلم هو المسيح (1) لأنه خصصه لنفسه (لوقا 4: 16 - 21) (2) لأن مضمون الكلام كله لا يناسب غير المسيح (ص 42: 1 - 7 و49: 1 - 9).

1 - 3 «1 رُوحُ ٱلسَّيِّدِ ٱلرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ ٱلْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي ٱلْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِٱلْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِٱلإِطْلاَقِ. 2 لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ، وَبِيَوْمِ ٱنْتِقَامٍ لإِلٰهِنَا. لأُعَزِّيَ كُلَّ ٱلنَّائِحِينَ. 3 لأَجْعَلَ لِنَائِحِي صِهْيَوْنَ، لأُعْطِيَهُمْ جَمَالاً عِوَضاً عَنِ ٱلرَّمَادِ، وَدُهْنَ فَرَحٍ عِوَضاً عَنِ ٱلنَّوْحِ، وَرِدَاءَ تَسْبِيحٍ عِوَضاً عَنِ ٱلرُّوحِ ٱلْيَائِسَةِ، فَيُدْعَوْنَ أَشْجَارَ ٱلْبِرِّ، غَرْسَ ٱلرَّبِّ لِلتَّمْجِيدِ».

ص 11: 2 ولوقا 4: 18 ويوحنا 1: 32 و3: 34 مزمور 45: 7 مزمور 147: 3 وص 57: 15 ص 42: 7 وإرميا 34: 8 لاويين 25: 9 ص 34: 8 و63: 4 و66: 14 وملاخي 4: 1 و3 و2تسالونيكي 1: 7 و8 و9 ص 57: 18 ومتّى 5: 4 مزمور 30: 11 ص 60: 21 يوحنا 15: 8

رُوحُ ٱلسَّيِّدِ ٱلرَّبِّ عَلَيَّ قيل إن يسوع حُبل به من الروح القدس والروح نزل عليه حين اعتمد وأُصعد إلى البرية من الروح. وقيل فيه إن الله ليس بكيل يعطي الروح. ولما كان الروح القدس يحل عليه ويرشده ويعزيه ويقويه غير أن المسيح هو إله تام أيضاً ومساوٍ للآب والروح في القدرة والمجد وهو وهما جوهر واحد.

مَسَحَنِي المسح للكهنة (لاويين 8: 12) وللملوك (1صموئيل 1: 1) ولا خبر بمسح الأنبياء غير ما ورد في (1ملوك 19: 16) في مسح أليشع ولعل المراد من مسحه مجرد تعيينه لوظيفة النبي إشعياء بل يوافق المسيح الذي كان نبياً وكان كاهناً وملكاً أيضاً. فالمسيح تعيّن من الله لهذه الوظائف الثلاث وأخذ منه المواهب الروحية اللازمة لكماله.

لأُبَشِّرَ «لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلّص به العالم» ومن فمه خرجت كلمات النعمة (لوقا 4: 22) وبشر الناس بغفران الخطايا والخلاص من الدينونة والرجوع إلى الله والحياة الأبدية.

ٱلْمَسَاكِينَ المسيح خدم الناس في الجسديات وأما الغبطة الخاصة فهي للمساكين بالروح.

لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي ٱلْقَلْبِ جميع الحزانى ولا سيما الذين يحزنون على خطاياهم. و«منكسري القلب» في كل أمة والمسيح يعزيهم ويعصب جروحهم بأن يُظهر لهم رحمة الله ومحبته وطريق الخلاص بموته لأجلهم على الصليب و«المسبيون» و«المأسورون» هم المظلومون من الناس والمسبيون بالخطايا والعادات الرديئة والجهل والتعليم الفاسد وعبيد الشيطان. والمسيح يطلقهم (1) لأنه يعين المجربين. (2) لأنه يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس ويعتق أولئك الذين خوفاً من الموت كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبودية.

سَنَةٍ مَقْبُولَةٍ (لاويين 25: 9 و10). وعتق المأسورين في سنة اليوبيل كان رمزاً إلى الخلاص الذي نادى به المسيح والسنة المقبولة سنة الغفران والخلاص والصلوات المقبولة وهذه السنة ابتدأت في المسيح ولم تنته إلى الآن والسنة المقبولة تكون لكل إنسان مدة حياته على الأرض لأن هذه الحياة هي استعداد للآخرة (انظر تفسير ص 49: 8).

يَوْمِ ٱنْتِقَامٍ أي يكون يوم انتقام لأن الله عادل وقدوس غير أن الانتقام يكون في الآخرة بعد ما تنتهي السنة المقبولة. الانتقام يوم وأما الوقت المقبول فسنة (ص 34: 8). والانتقام يكون (1) من شعب اليهود الذين رفضوا المسيح فرفضهم الله وسلمهم إلى الرومانيين وسلم مدينتهم إلى الخراب (2) من جميع أعداء الله الذين سيقفون أمام كرسيه في اليوم الآخير فيدينهم حسب أعمالهم فيُطرح في بحيرة النار كل من لم يوجد مكتوباً في سفر الحياة.

لأَجْعَلَ لِنَائِحِي صِهْيَوْنَ، لأُعْطِيَهُمْ جَمَالاً النائحون هم الذين يحزنون حسب مشيئة الله (2كورنثوس 7: 9 - 11) أي يحزنون على خطاياهم مع التوبة والرجوع إلى الله. وتحتمل الكلمة العبراينة المترجمة «جمالاً» معنى «عمامة» أيضاً (خروج 39: 28) «عمامة هارون» و(ع 10) في هذا الأصحاح «عمامة العريس». والنبي يبتدئ بكلمة «أجعل» ثم يبدلها بكلمة «أعطي» فيكمل الجملة لأن كلمة «أجعل» توافق كلمة «جمالاً» أو «عمامة» وكلمة «أعطي» توافق الباقي من الجملة.

ٱلرَّمَادِ الرماد على الرأس علامة الحزن (2صموئيل 3: 19) والوعد هو أن الرب سيجعل جمالاً أو عمامة وهو علامة الفرح على الرأس عوضاً عن الرماد.

دُهْنَ فَرَحٍ كان الدهن لأوقات الفرح كالولائم (مزمور 23: 5) وعدم الدهن علامة الحزن (2صموئيل 14: 2) والدهن على الرأس أو المسحة علامة حلول الروح القدس (1يوحنا 2: 20) الذي أرسله المسيح لتلاميذه بعد قيامته وهذه العطية العظمى تشتمل على التجديد والتقديس والتعزية والقوة والفرح.

رِدَاءَ تَسْبِيحٍ اللباس يدل على حالة لابسه الداخلية فإنه يوجد ما يعبر عن الحزن وما يعبر عن الفرح والتسبيح.

أَشْجَارَ ٱلْبِرِّ شبّه برّهم بالأشجار لأنه ثابت ومتين كشجرة ولأنه ينمو ويتسع كشجرة ولأنه مغروس فيهم غير أنه غرس الرب أي أصله منه وليس من الإنسان. وبرهم هذا سيظهر للناس لمجد الله فإنهم يُدعون «أشجار البر».

4 «وَيَبْنُونَ ٱلْخِرَبَ ٱلْقَدِيمَةَ. يُقِيمُونَ ٱلْمُوحِشَاتِ ٱلأُوَلَ. وَيُجَدِّدُونَ ٱلْمُدُنَ ٱلْخَرِبَةَ، مُوحِشَاتِ دَوْرٍ فَدَوْرٍ».

ص 49: 8 و58: 12 وحزقيال 36: 33 إلى 36

(انظر ص 58: 12) والنبوءة تشير أولاً إلى الرجوع من السبي وترميم أسوار أورشليم ومدن يهوذا الخربة.

دَوْرٍ فَدَوْرٍ أي منذ سبعين سنة محسوبة من أول مجيء ملك بابل إلى أمر كورش. ثم إلى وظيفة الكنيسة في إصلاح خرب الخطية في العالم.

5، 6 «5 وَيَقِفُ ٱلأَجَانِبُ وَيَرْعَوْنَ غَنَمَكُمْ، وَيَكُونُ بَنُو ٱلْغَرِيبِ حَرَّاثِيكُمْ وَكَرَّامِيكُمْ. 6 أَمَّا أَنْتُمْ فَتُدْعَوْنَ كَهَنَةَ ٱلرَّبِّ، تُسَمَّوْنَ خُدَّامَ إِلٰهِنَا. تَأْكُلُونَ ثَرْوَةَ ٱلأُمَمِ، وَعَلَى مَجْدِهِمْ تَتَأَمَّرُونَ».

أفسس 2: 12 خروج 19: 6 وص 60: 17 و66: 21 و1بطرس 2: 5 و9 ورؤيا 1: 6 و5: 10 ص 60: 5 و11 و16

(انظر 1بطرس 2: 9) في العهد القديم كان الكهنوت محصوراً في أسرة هارون وأما في العهد الجديد فالكل كهنة لأن الجميع يدخلون إلى قدس الأقداس أي يتقدمون إلى الله بلا وسيط من بني البشر والجميع بصلواتهم يشفعون في الناس والجميع يقدمون ذبائح الشكر. والبعض يفهمون مما قيل في الأجانب إنه يكون لليهود في الكنيسة نوع من التقدم والرياسة على الذين يدخلون الكنيسة من الأمم ويسندون على ما في (رومية 11: 23 - 29 ورؤيا 7: 4 - 9 و14: 1). ولكننا نفهم أن شعب الله كلهم يكونون كهنة أكانوا أصلاً من اليهود أم كانوا من الأمم وقال بولس للأمم «لَسْتُمْ إِذاً بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ ٱلْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ ٱللّٰهِ» (أفسس 2: 19). وقال إشعياء أيضاً «وَأَتَّخِذُ أَيْضاً مِنْهُمْ (أي من الأمم) كَهَنَةً» (إشعياء 66: 21). فلا نستنتج أن مقام الأمم في الكنيسة يكون أوطأ من مقام اليهود (غلاطية 3: 26 - 29) والأجانب المذكورون هم الخارجون عن الكنيسة لا الخارجون عن جنس اليهود والوعد هو أنه سيكون للكنيسة مقام واعتبار عند العالم وتنتفع الكنيسة من العالم في الجسديات والكنيسة مكلفة بأن تنفع بالروحيات الذين تنتفع منهم بالجسديات.

7 «عِوَضاً عَنْ خِزْيِكُمْ ضِعْفَانِ، وَعِوَضاً عَنِ ٱلْخَجَلِ يَبْتَهِجُونَ بِنَصِيبِهِمْ. لِذٰلِكَ يَرِثُونَ فِي أَرْضِهِمْ ضِعْفَيْنِ. بَهْجَةٌ أَبَدِيَّةٌ تَكُونُ لَهُمْ».

ص 40: 2 وزكريا 9: 12

ضِعْفَانِ الخيرات الموعود بها تزيد خزيهم وخجلهم وخسارتهم ضعفان. قال حجي النبي في الهيكل الثاني «مَجْدُ هٰذَا ٱلْبَيْتِ ٱلأَخِيرِ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ مَجْدِ ٱلأَوَّلِ» (حجي 2: 9) وذلك لأن المسيح أتى إليه.

فِي أَرْضِهِمْ الوعد أولاً لليهود أنهم يرثون في أرضهم أي أنهم سيرجعون إلى أرضهم وهناك يتمتعون بالبركات المذكورة وثانياً الوعد للكنيسة في كل عصر أنها تتمتع بجميع الخيرات وهي باقية في اعتقادها وفي خدمتها. فالوعد يطابق قول المسيح إن الذين يطلبون أولاً ملكوت الله وبرّه يُزاد لهم هذه كلها.

8 «لأَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ مُحِبُّ ٱلْعَدْلِ، مُبْغِضُ ٱلْمُخْتَلِسِ بِٱلظُّلْمِ. وَأَجْعَلُ أُجْرَتَهُمْ أَمِينَةً، وَأَقْطَعُ لَهُمْ عَهْداً أَبَدِيّاً».

مزمور 11: 7 ص 1: 11 و13 ص 55: 3

ٱلْعَدْلِ قيل (2تسالونيكي 1: 6) «إِذْ هُوَ عَادِلٌ عِنْدَ ٱللّٰهِ أَنَّ ٱلَّذِينَ يُضَايِقُونَكُمْ يُجَازِيهِمْ ضِيقاً» والبابليون هم الذين سبوا شعب الله بالظلم وأكلوا أموالهم.

وَأَجْعَلُ أُجْرَتَهُمْ أَمِينَةً أي أجرة إسرائيل فلا يكون فيما بعد من يسخرهم أو يختلس أجرتهم.

9 «وَيُعْرَفُ بَيْنَ ٱلأُمَمِ نَسْلُهُمْ، وَذُرِّيَّتُهُمْ فِي وَسَطِ ٱلشُّعُوبِ. كُلُّ ٱلَّذِينَ يَرَوْنَهُمْ يَعْرِفُونَهُمْ أَنَّهُمْ نَسْلٌ بَارَكَهُ ٱلرَّبُّ».

ص 65: 23

كان اليهود مظلومين ومحتقرين في بابل وكانوا قد فقدوا اسمهم بين ممالك العالم وكذلك المؤمنون بالمسيح كانوا قليلي العدد ومحتقرين في الأول وأما الوعد فهو أنهم يرتقون فيصير لهم اسم بين الأمم وينظر إليهم جميع الناس ويحترمونهم.

نَسْلُهُمْ وَذُرِّيَّتُهُمْ العهد الأبدي المذكور سابقاً يتم للبنين وبني البنين إلى انقضاء الدهر.

10 «فَرَحاً أَفْرَحُ بِٱلرَّبِّ. تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلٰهِي، لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ ٱلْخَلاَصِ. كَسَانِي رِدَاءَ ٱلْبِرِّ، مِثْلَ عَرِيسٍ يَتَزَيَّنُ بِعِمَامَةٍ، وَمِثْلَ عَرُوسٍ تَتَزَيَّنُ بِحُلِيِّهَا».

حبقوق 3: 18 مزمور 132: 9 و16 ص 49: 18 ورؤيا 21: 2

رأى بعضهم أن المتكلم هنا المسيح كما في أول الأصحاح ورأى آخر أن الكنيسة هي المتكلمة فتعبر عن فرحها بالمواعيد المذكورة وشكرها للرب (حبقوق 3: 18). ومن أسباب فرحها الرجوع من السبي وغفران خطاياها وانضمام الأمم إليها وكهنوتها وثياب الخلاص ورداء البر ودهن الفرح والعهد الأبدي. والكنيسة مبتهجة بثياب الخلاص ولكن الرب هو الذي لبسها هذه الثياب.

11 «لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلأَرْضَ تُخْرِجُ نَبَاتَهَا، وَكَمَا أَنَّ ٱلْجَنَّةَ تُنْبِتُ مَزْرُوعَاتِهَا، هٰكَذَا ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ يُنْبِتُ بِرّاً وَتَسْبِيحاً أَمَامَ كُلِّ ٱلأُمَمِ».

مزمور 72: 3 و85: 11 ص 60: 18 و62: 7

شبّه الكنيسة بالأرض وأعمالها الحسنة وتسبيحاتها بالنباتات والمزروعات التي تخرج من الأرض وتكسوها. إذا نظرنا إلى الأرض في آخر الصيف وهي يابسة لا خضرة عليها ثم نظرنا إلى تلك الأرض في أيام الربيع وهي مكتسية بالمزروعات والأزهار تسبيح الله الذي عمل هذا كله أفليس بالأحرى أن نسبح من يحيي الكنيسة ويلبسها ثياب الخلاص والبر.

فوائد للوعاظ

ويبنون الخرب القديمة (ع 4)

  1. ما هي الخرب الروحية. الله خلق الإنسان على صورته فما أبعد الإنسان كما هو عما خُلق عليه. ولا يكون الخراب في الجسد فقط بل يكون أيضاً في الصفات الروحية.

  2. ما هو سبب الخراب. وليس الحظ ولا نقص محبة الله وعنايته بل الخراب هو من الإنسان لأنه أهلك نفسه بخطاياه.

  3. بماذا يُصلح الخراب. إنه يُصلح بالمسيح وحده فإنه يفدي من الخطية ويعلم طريق الحياة ويعطي النعمة.

  4. كل من يبني الخرب القديمة يتبع خطوات المسيح الذي بشر المساكين.

ويُعرف بين الأمم نسلكم (ع 9)

جميع الوالدين يريدون أن يكون أولادهم ممن يُفتخر بهم لأن لا افتخار كالافتخار بالأولاد. ولنا من هنا ما يأتي:

  1. إنه من واجبات الوالدين أن يخافوا الله لكي يخاف أولادهم منهم وأن يحفظوا وصايا الله لكي يحفظ أولادهم وصاياهم وأن يكونوا مقدسين لكي يقتدي أولادهم بهم. والحكم على الأولاد لا يكون بالقوة بل بالصفات الأدبية والروحية في الوالدين.

  2. على الوالدين أن يطلبوا لأولادهم أفضل الخيرات فلا يكتفون بالصحة وبالزواج والمال بل يجب أن يطلبوا لهم فوق كل شيء أن يكونوا أتقياء.

  3. إن المملكة مجموعة من البيوت والمملكة الصالحة من البيوت الصالحة.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلسِّتُّونَ

موضوعه الصلاة لأجل خلاص صهيون والنبوءة باستعلان مجدها.

1 «مِنْ أَجْلِ صِهْيَوْنَ لاَ أَسْكُتُ وَمِنْ أَجْلِ أُورُشَلِيمَ لاَ أَهْدَأُ، حَتَّى يَخْرُجَ بِرُّهَا كَضِيَاءٍ وَخَلاَصُهَا كَمِصْبَاحٍ يَتَّقِدُ».

الأرجح أن المتكلم هنا والمتكلم في العدد العاشر من الأصحاح السابق هو الكنيسة لكن ذهب بعضهم إلى أنه المسيح. وإذا قلنا إن المتكلم الكنيسة أو النبي بالنيابة عنها يكون المعنى أن الكنيسة تصلي بلجاجة لأجل الخلاص انظر قول داود (مزمور 122: 6) «اسألوا سلامة أورشليم». والقول (مزمور 137: 6) «لِيَلْتَصِقْ لِسَانِي بِحَنَكِي إِنْ لَمْ أَذْكُرْكِ! إِنْ لَمْ أُفَضِّلْ أُورُشَلِيمَ عَلَى أَعْظَمِ فَرَحِي» والصلاة لأجل الكنيسة باللجاجة ما يدل على المحبة للكنيسة وللمسيح رأسها والإيمان بالصلاة. ومن يصلي لأجل الكنيسة يخدمها أيضاً. ولفظة «صهيون» ولفظة «أورشليم» بمعنى واحد أي أورشليم الحقيقية في الأول ثم الكنيسة. اليهود أحبوا الأماكن المقدسة كبيت إيل والأردن ولا سيما أورشليم والأتقياء بينهم أحبوا هذه الأماكن لعلاقتها بعبادة الله واستعلان مجده وأما الأتقياء في هذه الأيام الإنجيلية فيحبون عبادة الله وخدمته بلا التفات إلى الأماكن.

حَتَّى يَخْرُجَ بِرُّهَا لفظة «برّ» هنا بمعنى الخلاص فيتبرر الشعب عندما يخرجون من بابل كما يتبرر المذنب عندما يمضي الزمان المحكوم عليه ويخرج من سجنه والشعب لا يكفون عن الصلاة حتى ينالوا الخلاص التام ولهم أن يثقوا بأن الرب يقدر أن يستجيب لهم وأنه راض أيضاً غير أنه هكذا رسم أن الخلاص يكون متوقفاً على أمانة الكنيسة في الصلاة باللجاجة وفي انتشار الإنجيل في العالم.

كَضِيَاءٍ أي ضياء الصبح بعد ليلة الذل والحزن.

كَمِصْبَاحٍ يَتَّقِدُ يطلبون أن خلاص صهيون يكون خلاصاً ظاهراً أمام الأمم كمصباح.

2 «فَتَرَى ٱلأُمَمُ بِرَّكِ، وَكُلُّ ٱلْمُلُوكِ مَجْدَكِ، وَتُسَمَّيْنَ بِٱسْمٍ جَدِيدٍ يُعَيِّنُهُ فَمُ ٱلرَّبِّ».

ص 60: 3 ع 4 و12 وص 65: 15

لا نعرف ما هذا الاسم. والاسم الجديد يدل:

  1. على حالة جديدة كما إذا دخل أحد الديانة المسيحية من ديانة وثنية وعليه اسم أحد الأصنام أو أحد المعلمين الكذبة فيبدل اسمه باسم يوافق إيمانه الجديد.

  2. على نسبة جديدة كما أن العروس تأخذ اسم عريسها لأنها صارت له فهو يعتني بها أو يحامي عنها. وكون هذا الاسم الجديد معيّن من الرب يؤكد أنه يكون اسماً حقيقياً فتكون صهيون كاسمها (رؤيا 2: 17 و3: 12).

3 «وَتَكُونِينَ إِكْلِيلَ جَمَالٍ بِيَدِ ٱلرَّبِّ، وَتَاجاً مَلَكِيّاً بِكَفِّ إِلٰهِكِ».

زكريا 9: 16

شُبهت الكنيسة بإكليل لأنها أجمل وأمجد شيء من خلائق الله وكون هذا الإكليل بيد الرب يفيد (1) إن الكنيسة له لأن المسيح اشتراها بدمه. (2) إن الرب يحفظها على الدوام فلا يخطفها أحد من يده.

4 «لاَ يُقَالُ بَعْدُ لَكِ «مَهْجُورَةٌ» وَلاَ يُقَالُ بَعْدُ لأَرْضِكِ «مُوحَشَةٌ» بَلْ تُدْعَيْنَ «حَفْصِيبَةَ» وَأَرْضُكِ تُدْعَى «بَعُولَةَ». لأَنَّ ٱلرَّبَّ يُسَرُّ بِكِ، وَأَرْضُكِ تَصِيرُ ذَاتِ بَعْلٍ».

هوشع 1: 10 و1بطرس 2: 10 ص 49: 14 و54: 6 و7 ص 54: 1 و2ملوك 21: 1

مَهْجُورَةٌ كان الرب قد ترك شعبه لُحيظة (ص 54: 7) وربما سماهم أعداؤهم احتقاراً لهم «مهجورة». وكانت الأرض موحشة زمان السبي والمدن خربة والأرض بلا ساكن.

حَفْصِيبَةَ أي مسرتي بها. وهذا اسم امرأة حزقيا (2ملوك 21: 1).

بَعُولَةَ أي ذات بعل أو متزوجة والأرض المتزوجة هي أرض مخصبة ومسكونة. والرب بعل شعبه لأنه يحميهم ويعتني بهم ويكرمهم ولا يتركهم إلى الأبد.

5 «لأَنَّهُ كَمَا يَتَزَوَّجُ ٱلشَّابُّ عَذْرَاءَ يَتَزَوَّجُكِ بَنُوكِ. وَكَفَرَحِ ٱلْعَرِيسِ بِٱلْعَرُوسِ يَفْرَحُ بِكِ إِلٰهُكِ».

ص 65: 19

كَمَا يَتَزَوَّجُ ٱلشَّابُّ عَذْرَاءَ يأخذها ويحامي عنها ولا يتركها ولا يريد أن يتركها لأنه يحبها. ويقدر أن يحامي عنها لأنه شاب.

يَتَزَوَّجُكِ بَنُوكِ الزوج هو البعل أو المالك والمعنى هنا أن البنين لا الغرباء يمتلكون الأرض.

يَفْرَحُ بِكِ إِلٰهُكِ بما أن الكلام كله مجاز فالقول إن الرب يفرح شعبه كفرح العريس بالعروس لا ينفي القول الأول إن بنيها يتزوجونها وهذا التشبيه يفيد أن صهيون للرب. وليس كالمُلك لصاحبه ولا كالعبدة لسيدها بل كعروس لعريسها يحبها ويكرمها ويعتني بها ويفرح بها فرحاً قلبياً.

6، 7 «6 عَلَى أَسْوَارِكِ يَا أُورُشَلِيمُ أَقَمْتُ حُرَّاساً لاَ يَسْكُتُونَ كُلَّ ٱلنَّهَارِ وَكُلَّ ٱللَّيْلِ عَلَى ٱلدَّوَامِ. يَا ذَاكِرِي ٱلرَّبِّ لاَ تَسْكُتُوا 7 وَلاَ تَدَعُوهُ يَسْكُتُ، حَتَّى يُثَبِّتَ وَيَجْعَلَ أُورُشَلِيمَ تَسْبِيحَةً فِي ٱلأَرْضِ».

حزقيال 3: 17 و33: 7 ص 61: 11 وصفنيا 3: 20

الرب المتكلم والحراس (ص 52: 8) هم الأنبياء أو الكهنة أو الأتقياء بين الشعب ويقول المفسرون من اليهود وغيرهم إنهم الملائكة (دانيال 4: 13 و17 و23) وإذا قلنا إن الحراس هم الأنبياء والكهنة في العهد القديم وإنهم المبشرون في العهد الجديد نفهم أن النبي يخاطبهم ويطلب منهم أن يصلوا بلجاجة لأجل أورشليم لتكون تسبيحة في الأرض. الرب لا ينسى شيئاً وهو قاصد خلاص شعبه ولكنه عيّن أن الخلاص يكون استجابة للصلاة وهو يجب أن يذكره شعبه علامة لمحبتهم له واتكالهم عليه. ونستفيد من هذا:

  1. إن أهمية الصلاة لأجل الكنيسة ليست أقل من أهمية الكلام والخدمة.

  2. إنه يجب أن تكون الصلاة بلجاجة كصلاة من يشعر بشقاء العالم وبشر الخطية والدينونة المخيفة ويشعر أيضاً بأن الله وحده يقدر أن يخلّص العالم وإنه يستجيب الصلاة (لوقا 11: 5 - 8 و18: 1 - 8).

8, 9 «8 حَلَفَ ٱلرَّبُّ بِيَمِينِهِ وَبِذِرَاعِ عِزَّتِهِ قَائِلاً: إِنِّي لاَ أَدْفَعُ بَعْدُ قَمْحَكِ مَأْكَلاً لأَعْدَائِكِ، وَلاَ يَشْرَبُ بَنُو ٱلْغُرَبَاءِ خَمْرَكِ ٱلَّتِي تَعِبْتِ فِيهَا. 9 بَلْ يَأْكُلُهُ ٱلَّذِينَ جَنَوْهُ وَيُسَبِّحُونَ ٱلرَّبَّ، وَيَشْرَبُهُ جَامِعُوهُ فِي دِيَارِ قُدْسِي».

تثنية 28: 31 الخ وإرميا 5: 17 تثنية 12: 12 و14: 23 و26 و16: 11 و14

اليمين والذراع يدلان على القوة فالرب يحلف بقوته غير المحدودة إنه لا يترك شعبه بعد للأعداء. وليس آية أخرى في الكتاب المقدس تذكر أن الرب حلف بيمينه وذراعه. في مدة السبي وقبل السبي أيضاً كان الإسرائيليون قد تعبوا وأعداؤهم أكلوا أثمار أتعابهم فوعدهم الرب بأنهم سيخلصون من ذلك الظلم. قال الجامعة (جامعة 1: 2) في خدمة العالم «بَاطِلُ ٱلأَبَاطِيلِ ٱلْكُلُّ بَاطِلٌ» وأما بولس الرسول فقال في خدمة الرب (1كورنثوس 15: 58) «تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي ٱلرَّبِّ». فانتقال الإنسان من خدمة العالم أي الخطية إلى خدمة الرب يكون كخلاص فلاحين مظلومين من ظالميهم وحصولهم على الحرية التامة فيأكلون من تعب أيديهم.

فِي دِيَارِ قُدْسِي (تثنية 14: 23) وعدهم الرب بأنهم يستريحون من الظلم والسلب ويأكلون خيرات أرضهم بالشكر لله. وهذه الألفاظ مستعارة من أحوال اليهود في العهد القديم وهي تصف مستقبل الكنيسة بمعنى أنها تستريح من أعدائها وتنال كل خير وبركة بالشكر والتسبيح.

10 «اُعْبُرُوا ٱعْبُرُوا بِٱلأَبْوَابِ. هَيِّئُوا طَرِيقَ ٱلشَّعْبِ. أَعِدُّوا أَعِدُّوا ٱلسَّبِيلَ. نَقُّوهُ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ. ٱرْفَعُوا ٱلرَّايَةَ لِلشَّعْبِ».

ص 40: 3 و57: 14 ص 11: 12

أمر النبي للمسبيين في بابل أن يخرجوا منها كما في (ص 48: 20 و52: 11). وهو يأمر بعضهم أن يسبقوا إخوتهم ويعدّوا الطريق ويرفعوا الراية.

11 «هُوَذَا ٱلرَّبُّ قَدْ أَخْبَرَ إِلَى أَقْصَى ٱلأَرْضِ، قُولُوا لابْنَةِ صِهْيَوْنَ: هُوَذَا مُخَلِّصُكِ آتٍ. هَا أُجْرَتُهُ مَعَهُ وَجِزَاؤُهُ أَمَامَهُ».

زكريا 9: 9 ومتّى 21: 5 ويوحنا 12: 15 ص 40: 10 ورؤيا 22: 12

ٱلرَّبُّ قَدْ أَخْبَرَ (انظر ص 48: 20) ففيه أنه يُطلب من الشعب أن يخبروا إلى أقصى الأرض وهنا قيل إن الرب يخبر فإنه يجعل الناس كالأنبياء وغيرهم في أن يشيعوا الخبر إلى أقصى الأرض. وأهمية الخبر قائمة بما يأتي:

  1. إنه خبر خلاص لا خراب.

  2. إنه خبز خلاص شعب الله.

  3. إنه خبر فعل الرب. والنبي يصور الأمم آتين ليقولوا لابنة صهيون «هوذا مخلصك» أي ليهنئوها ويظهروا اشتراكهم في فرحها.

أُجْرَتُهُ مَعَهُ أي أجرة المخلص الذي خلصهم بأتعابه وآلامه وهم أجرته فإنه بذل نفسه حباً لهم وإذ نجح عمله حُسب ذلك النجاح أجرة كافية (انظر تفسير ص 40: 10).

12 «وَيُسَمُّونَهُمْ شَعْباً مُقَدَّساً، مَفْدِيِّي ٱلرَّبّ. وَأَنْتِ تُسَمَّيْنَ ٱلْمَطْلُوبَةَ، ٱلْمَدِينَةَ غَيْرَ ٱلْمَهْجُورَةِ».

ع 4

وَيُسَمُّونَهُمْ أي أناس يسمون هؤلاء المفديين من الأمم شعباً مقدساً.

وَأَنْتِ أولاً صهيون ثم الكنيسة.

ٱلْمَطْلُوبَةَ بانضمام الأمم إليها وإتيان مخلصها. وكل مسيحي يجب أن يكون مطلوباً من بابل وترميم أسوار أورشليم نرى أن النبوءات لم تتم كل التمام بتلك الحوادث ولا بدخول المسيح إلى أورشليم المذكور في الإنجيل فنفهم أن تتميمها الكامل يكون بالمستقبل. وإذا رأينا في أيامنا شيئاً من هذه البركات العظيمة ننتظر بركات أعظم في المستقبل وفي ذلك الوقت لا تقول الكنيسة إن النبوءات حملتها على أن تنتظر أكثر مما حدث بل بالعكس أن الله أعطاها أكثر جداً مما كانت تنتظر أو تفتكر.

فوائد للوعاظ

أهمية الأسماء (ع 2 و4 و12)

لاحظ ما يأتي:

  1. أسماء الله كيهوه والرب والآب. وأسماء يسوع كالمسيح والفادي وابن الإنسان وابن الله. وأسماء الروح القدس كالمعزي والمرشد الخ فإن كلا من هذه الأسماء يعلّمنا شيئاً مما يتعلق بصفات الله ونسبته إلى بني البشر.

  2. أسماء الناس فإنها في القديم كانت ذات معنى فكانت تدل على صفات أصحابها كإبراهيم ويشوع وإشعياء.

  3. أسماء الأماكن فإنها للدلالة في المسميات كبيت إيل وبيت آون وأورشليم وأرائيل وحفصيبة الخ.

  4. إنه كان تغيير الاسم يدل على تغيير في الشخص أو في أحواله كأبرام وإبراهيم ويعقوب وإسرائيل وشاول وبولس والاسم الجديد للمؤمنين (رؤيا 2: 17 و3: 12).

نقوه من الحجارة (ع 1)

صعوبات في طريق التبشير ورفعها

ومن الصعوبات:

  1. الصعوبات الخارجية كالكفر والأديان الفاسدة.

  2. الصعوبات الداخلية كفتور المسيحيين وخطاياهم.

رفع الصعوبات يكون:

  1. بالصلاة باللجاجة.

  2. بامتحان النفس.

  3. بالصبر والاجتهاد في العمل المطلوب من كل واحد.

غير المهجورة (ع 12)

الكنيسة تظن أنها مهجورة:

  1. حين تنظر إلى خطاياها وتظن من كثرتها وعظمتها أنها لا تُغفر.

  2. حين تنظر إلى قوّة المقاومين من الخارج وقّوة التجارب من الداخل.

  3. حين تتأمل في قلة النمو وعدم نجاح العمل.

والكنيسة تتيقن أنها غير مهجورة:

  1. حين تنظر إلى مواعيد الله كالوعد في الموضوع وغيره.

  2. حين تنظر إلى الرب يسوع الذي تجسد واشتراها بدمه وهو الرأس وهي الجسد وهو العريس وهي العروس وهو الراعي الصالح وشعبه خرافه.

  3. حين تتأمل في أقوال المسيح إذ سمى تلاميذه أحباءه وإخوته.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلسِّتُّونَ

1 - 6 «1 مَنْ ذَا ٱلآتِي مِنْ أَدُومَ، بِثِيَابٍ حُمْرٍ مِنْ بُصْرَةَ؟ هٰذَا ٱلْبَهِيُّ بِمَلاَبِسِهِ. ٱلْمُتَعَظِّمُ بِكَثْرَةِ قُوَّتِهِ. أَنَا ٱلْمُتَكَلِّمُ بِٱلْبِرِّ، ٱلْعَظِيمُ لِلْخَلاَصِ. 2 مَا بَالُ لِبَاسِكَ مُحَمَّرٌ، وَثِيَابُكَ كَدَائِسِ ٱلْمِعْصَرَةِ؟ 3 قَدْ دُسْتُ ٱلْمِعْصَرَةَ وَحْدِي، وَمِنَ ٱلشُّعُوبِ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ. فَدُسْتُهُمْ بِغَضَبِي، وَوَطِئْتُهُمْ بِغَيْظِي. فَرُشَّ عَصِيرُهُمْ عَلَى ثِيَابِي، فَلَطَخْتُ كُلَّ مَلاَبِسِي. 4 لأَنَّ يَوْمَ ٱلنَّقْمَةِ فِي قَلْبِي، وَسَنَةَ مَفْدِيِّيَّ قَدْ أَتَتْ. 5 فَنَظَرْتُ وَلَمْ يَكُنْ مُعِينٌ، وَتَحَيَّرْتُ إِذْ لَمْ يَكُنْ عَاضِدٌ فَخَلَّصَتْ لِي ذِرَاعِي، وَغَيْظِي عَضَدَنِي. 6 فَدُسْتُ شُعُوباً بِغَضَبِي وَأَسْكَرْتُهُمْ بِغَيْظِي، وَأَجْرَيْتُ عَلَى ٱلأَرْضِ عَصِيرَهُمْ».

رؤيا 19: 13 مراثي 1: 15 ورؤيا 4: 19 و20 و19: 15 ص 34: 8 و61: 2 ص 41: 28 و59: 16 يوحنا 16: 22 مزمور 98: 1 وص 59: 16 رؤيا 16: 6

ليس لهذا الفصل علاقة بما قبله ولا بما بعده. وموضوعه يوم النقمة لأدوم (انظر ما قيل في أدوم في تفسير ص 34: 6). ومن خطايا أدوم العظمى الكبرياء (عوبديا 3) والبغض (حزقيال 35: 5) والحسد (حزقيال 35: 11) والظلم للإسرائيليين (يوئيل 3: 19). والله جازاهم حسب أعمالهم «كَمَا فَعَلْتَ يُفْعَلُ بِكَ» (عوبديا 15).

وفي تاريخ نبوءة ملاخي كانت جباله خراباً وميراثه لذئاب البرية ولم تزل على هذه الحالة إلى اليوم. ولكن النبي لم يقصد الالتفات إلى أدوم وخطاياها وعقابها بل يجتذب النظر إلى الآتي من أدوم البطل الظافر البهي بملابسه والمتعظم بكثرة قوته. ولما رآه في الرؤيا سأل «من ذا الآتي» فأجاب ذلك البطل أنا المتكلم بالبر العظيم للخلاص فلا شك أنه الرب نفسه إله إسرائيل ومخلصه. ثم سأله النبي «ما بال لباسك محمر» فقال له الرب إنه يوم نقمة لأعدائه وخلاص لشعبه. وتلك الدينونة المخيفة وذلك الخلاص العظيم كلاهما فعل الرب وحده. ولم نجد هنا إشارة إلى آلام المسيح لأن الرب قال إنه لطخ ملابسه بدم أعدائه لا بدم نفسه. والإشارة هنا أولاً إلى خلاص إسرائيل من الأدوميين وغيرهم من أعدائهم ثم إلى الدينونة الأخيرة وإلى المسيح وهو متسربل بثوب مغموس بدم وهو يدوس معصرة خمر وسخط وغضب الله (رؤيا 19: 11 - 21).

ثِيَابٍ حُمْرٍ من دم أعدائه.

مِنْ بُصْرَة عاصمة أدوم إلى جهة الشمال من سالع أي بترا.

ٱلْبَهِيُّ بِمَلاَبِسِهِ افتخر الظافر بثيابه الملطخة بدم أعدائه (ناحوم 2: 3).

ٱلْمُتَكَلِّمُ بِٱلْبِرِّ ومعنى البرّ هنا الصدق والأمانة فالرب وعد ووفى بوعده.

ٱلْعَظِيمُ لِلْخَلاَصِ عظيم في إهلاك أعدائه وفي خلاص شعبه. ولكن الاسم الذي يحبه والذي يتميز به هو «العظيم للخلاص».

وَحْدِي وَمِنَ ٱلشُّعُوبِ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ الشعوب هم الأمم أي كل الشعوب ما عدا شعب الله فالمعنى أن لا أحد من الشعوب قام لإجراء مقاصد الله في منع أدوم عن تعدياتهم على اليهود المذكورة في عوبديا وفي حزقيال (ص 35). فأجرى الله هذا الهلاك أخيراً على جميع الشعوب لا على أدوم فقط فكانت جميع الشعوب في المعصرة تحت قدميه. والتواريخ تذكر أن نبوخذنصّر انتصر على أدوم والنبايوتيين وهم قبيلة في بلاد العرب من نسل إسماعيل أخذوا بترا عاصمة أدوم (كانت بصرة عاصمتها القديمة) سنة 300 قبل الميلاد والمكابيين أخذوا القسم الجنوبي من أدوم والرومانيين أخذوها سنة المئة قبل الميلاد. فيُشاهد اليوم خرَب ثلاثين مدينة من مدنهم الممتدة من البحر الأحمر إلى مسيرة ثلاثة أيام وفي تلك الخرَب أعظم شاهد على ما كانت عليه من العظمة سابقاً وما صارت إليه من تمام الدمار الآن. وبما أن أدوم كناية عن أعداء الله يكون خراب أدوم كناية عن غضب الله على أعدائه في انقضاء الدهر (رؤيا 14: 19 و20). وكلمة «وحدي» تفيد أيضاً أن المسيح قام وحده بعمل الخلاص وإن ليس لشعبه قوة ولا قداسة حتى يشتركوا معه في ذلك التعليم في أماكن أخرى من الكتاب المقدس بل أنه غلب على أعدائه وحده ومن أعدائه الأشداء خطايانا فيدوسها المسيح (ميخا 7: 19).

يَوْمَ ٱلنَّقْمَةِ أي يكفي يوم للنقمة وأما الفداء فله سنة «وسنة مفدييَّ» كالسنة المقبولة في (ص 61: 2).

لأَنَّ يَوْمَ ٱلنَّقْمَةِ فِي قَلْبِي هذا القول لا ينفي محبة الله لكل بني البشر بل يبين لنا باصطلاحات بشرية أنه كامل في كل صفاته كالعدل والحق لا في المحبة والرحمة فقط فالرب لكونه عادلاً والخالق والديان ينتقم ويجازي غير أنه لا يجوز لنا أن ننتقم لأنفسنا أو نجازي عن شرّ بشرّ.

وَتَحَيَّرْتُ الرب لا يتحيّر لأنه سبق فعرف كل ما يحدث وعيّنه أيضاً. فالقول «تحيّرت» يفيد فقط أن ما حدث هو غير ما كان يجب أن يحدث وغير منتظر فيحمل على الحيرة حسب أفكار الناس (ص 5: 2 و41: 28 و59: 16).

في (ع 7 - 9) ذكر النبي مراحم الرب لشعبه ثم في (ع 10 - 14) ذكر خطاياهم ثم في (ع 15 إلى آخر ص 64) يصلي إلى الرب ويطلب الغفران والخلاص.

7 «إِحْسَانَاتِ ٱلرَّبِّ أَذْكُرُ. تَسَابِيحَ ٱلرَّبِّ. حَسَبَ كُلِّ مَا كَافَأَنَا بِهِ ٱلرَّبُّ، وَٱلْخَيْرَ ٱلْعَظِيمَ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ ٱلَّذِي كَافَأَهُمْ بِهِ حَسَبَ مَرَاحِمِهِ، وَحَسَبَ كَثْرَةِ إِحْسَانَاتِهِ».

إِحْسَانَاتِ الجمع يشير إلى الكثرة. وغلب في العهد القديم أن تُذكر في الصلوات مراحم الرب (مزمور 77: 10 - 15 و78: 1 - 4 ونحميا 9: 5 الخ).

8 «وَقَدْ قَالَ حَقّاً: إِنَّهُمْ شَعْبِي، بَنُونَ لاَ يَخُونُونَ. فَصَارَ لَهُمْ مُخَلِّصاً».

إِنَّهُمْ شَعْبِي تسمّى إسرائيل شعباً أولاً من فرعون (خروج 1: 9) والرب سماهم شعبه أولاً لما ظهر لموسى بالعليقة (خروج 3: 7).

بَنُونَ لاَ يَخُونُونَ قال الرب عن بني إسرائيل «إِنَّهُمْ جِيلٌ مُتَقَلِّبٌ، أَوْلاَدٌ لاَ أَمَانَةَ فِيهِمْ» (تثنية 32: 20) فلا نفهم من القول هنا في إشعياء أن الرب خُدع في شعبه أو استنظر غير الواقع بل أنه يريد أنهم يكونون بنين لا يخونون وهذا يجب عليهم نوعاً بعد ما سماهم شعبه.

فَصَارَ لَهُمْ مُخَلِّصاً ابتدأ في تخليصهم لما كانوا عبيداً في مصر فكان لهم مخلصاً في كل تاريخهم.

9 «فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ خَلَّصَهُمْ. بِمَحَبَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ هُوَ فَكَّهُمْ، وَرَفَعَهُمْ وَحَمَلَهُمْ كُلَّ ٱلأَيَّامِ ٱلْقَدِيمَةِ».

قضاة 10: 16 وزكريا 2: 8 وأعمال 9: 4 خروج 14: 19 و23: 20 و21 و33: 14 وملاخي 3: 1 وأعمال 12: 11 تثنية 7: 7 و8 خروج 19: 4 وتثنية 1: 31 و32: 11 و12 وص 46: 3 و4

فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ لا يتضايق الله ولكن شبّه محبته بمحبة إنسان شفوق لرفيقه إفهاماً للبشر. وضيق الإسرائيليين ابتدأ في مصر (خروج 2: 23 و24 و3: 7) وليس في العهد القديم عبارات أشد من هذه في الدلالة على شفقة الرب ومشاركته لشعبه في ضيقاتهم. وهذه المحبة ظهرت بتمامها في الإنسان يسوع المسيح.

وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ ليس هذا ملاكاً مخلوقاً بل الرب نفسه (خروج 23: 20 - 23 و33: 2) والملاك الذي ظهر ليعقوب (تكوين 28: 13) ولموسى (خروج 3: 2) وليشوع (يشوع 5: 14). وملاك حضرة الله هو المرسل من قبله والمتكلم عنه والذي يظهر الله به فلا تصح هذه الأقوال إلا في الرب يسوع المسيح وهو الكلمة والمرسل من الآب وبهاء مجده ورسم جوهره. وهو الذي فكهم من عبودية مصر ورفعهم من ذلهم وحملهم كل الأيام القديمة في القفر حتى وصلوا إلى أرض كنعان (تثنية 32: 10).

10، 11 «10 وَلَكِنَّهُمْ تَمَرَّدُوا وَأَحْزَنُوا رُوحَ قُدْسِهِ، فَتَحَوَّلَ لَهُمْ عَدُوّاً، وَهُوَ حَارَبَهُمْ. 11 ثُمَّ ذَكَرَ ٱلأَيَّامَ ٱلْقَدِيمَةَ: مُوسَى وَشَعْبَهُ. أَيْنَ ٱلَّذِي أَصْعَدَهُمْ مِنَ ٱلْبَحْرِ مَعَ رَاعِي غَنَمِهِ؟ أَيْنَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي وَسَطِهِمْ رُوحَ قُدْسِهِ».

خروج 15: 24 وعدد 14: 11 ومزمور 78: 56 و95: 9 مزمور 78: 40 وأعمال 7: 51 وأفسس 4: 30 خروج 23: 21 خروج 14: 30 و32: 11 و12 وعدد 14: 13 و14 الخ وإرميا 2: 6 مزمور 77: 20 عدد 11: 17 و25 ونحميا 9: 20 ودانيال 4: 8 وحجي 2: 5

تَمَرَّدُوا في جبل سيناء لما صنعوا لهم عجلاً مسبوكاً وسجدوا له وعند ماء مريبة وفي وسطهم حيث زنوا مع بنات موآب في زمان القضاة إذ عبدوا البعليم وفي طلبهم ملكاً وفي عصيانهم على رحبعام وإقامة العجلين في دان وبيت إيل وفي زمان الملوك حتى أن جميع رؤساء الكهنة مع الشعب أكثروا الخيانة حسب كل رجاسات الأمم ونجسوا بيت الرب الذي قدسه في أورشليم.

وَأَحْزَنُوا رُوحَ قُدْسِهِ لم تُنسب لفظة «قدس» إلى «روح الله» في العهد القديم إلا هنا وفي (ع 11 وفي مزمور 51: 11). «فروح قدسه» هو الروح القدس الأقنوم الثالث وكان الروح القدس في وسط الشعب بالإجمال وحل نوعاً على موسى وهو كليم الله. والشعب أحزنوا الروح لما تمردوا عليه ورفضوا إرشاده وعملوا أعمالاً قبيحة لا يقدر الروح أن يطيقها لكونه قدوساً.

فَتَحَوَّلَ لَهُمْ عَدُوّاً الذي تضايق في ضيقهم وفكهم بمحبته ورأفته صار عدواً وحاربهم أي سلّمهم لأعدائهم. فالله لا يتغير وأما هم فتغيروا وتحولوا من الطاعة إلى العصيان فصاروا أعداء الله.

ثُمَّ ذَكَرَ أي إسرائيل ذكر الأيام القديمة وفي أيام ضيقهم وعرفوا قيمة امتيازاتهم التي خسروها بسبب خطاياهم. ولكن في أيام إرميا (إرميا 2: 6) لم يقولوا أين هو الرب الذي أصعدنا من أرض مصر.

أَيْنَ ٱلَّذِي أَصْعَدَهُمْ قول الشعب أو قول النبي بالنيابة عن الشعب.

رَاعِي غَنَمِهِ موسى هو الراعي والشعب غنم الله والبحر هو البحر الأحمر.

12 «ٱلَّذِي سَيَّرَ لِيَمِينِ مُوسَى ذِرَاعَ مَجْدِهِ، ٱلَّذِي شَقَّ ٱلْمِيَاهَ قُدَّامَهُمْ لِيَصْنَعَ لِنَفْسِهِ ٱسْماً أَبَدِيّاً».

خروج 15: 6 خروج 14: 21 ويشوع 3: 16

سَيَّرَ لِيَمِينِ مُوسَى ذِرَاعَ مَجْدِهِ كإنسان يمشي بجانب ابنه الصغير مستعداً أن يمسكه بيمينه إذا عثر أو تاه.

شَقَّ ٱلْمِيَاهَ مياه البحر الأحمر لما عبر بنو إسرائيل.

لِيَصْنَعَ لِنَفْسِهِ ٱسْماً وهذه غاية كل أعماله وعجائبه في مصر والقفر (خروج 15: 11 - 16) ولا يجوز للإنسان أن يعمل أعماله لمجد نفسه ولا يليق بالرب أن يعمل لغاية أخرى لأن مجد الله هو الغاية العظمى.

13، 14 «13 ٱلَّذِي سَيَّرَهُمْ فِي ٱللُّجَجِ، كَفَرَسٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ فَلَمْ يَعْثُرُوا؟ 14 كَبَهَائِمَ تَنْزِلُ إِلَى وَطَاءٍ، رُوحُ ٱلرَّبِّ أَرَاحَهُمْ. هٰكَذَا قُدْتَ شَعْبَكَ لِتَصْنَعَ لِنَفْسِكَ ٱسْمَ مَجْدٍ».

مزمور 106: 9 و2صموئيل 7: 23

كَفَرَسٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ لا يعثر لأن صاحبه معه ويقوده وهكذا كان الإسرائيليون يسيرون في وسط البحر كأنهم سائرون في البرية.

كَبَهَائِمَ تَنْزِلُ إِلَى وَطَاءٍ لتشرب وتستريح وهذه التشبيهات كلها تدل على عناية الله بشعبه إذ أتى بهم إلى أرض الميعاد.

15 - 19 «15 تَطَلَّعْ مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱنْظُرْ مِنْ مَسْكَنِ قُدْسِكَ وَمَجْدِكَ. أَيْنَ غَيْرَتُكَ وَجَبَرُوتُكَ؟ زَفِيرُ أَحْشَائِكَ وَمَرَاحِمُكَ نَحْوِي ٱمْتَنَعَتْ. 16 فَإِنَّكَ أَنْتَ أَبُونَا وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْنَا إِبْرَاهِيمُ، وَإِنْ لَمْ يَدْرِنَا إِسْرَائِيلُ. أَنْتَ يَا رَبُّ أَبُونَا، وَلِيُّنَا مُنْذُ ٱلأَبَدِ ٱسْمُكَ. 17 لِمَاذَا أَضْلَلْتَنَا يَا رَبُّ عَنْ طُرُقِكَ، قَسَّيْتَ قُلُوبَنَا عَنْ مَخَافَتِكَ؟ ٱرْجِعْ مِنْ أَجْلِ عَبِيدِكَ أَسْبَاطِ مِيرَاثِكَ. 18 إِلَى قَلِيلٍ ٱمْتَلَكَ شَعْبُ قُدْسِكَ. مُضَايِقُونَا دَاسُوا مَقْدِسَكَ. 19 قَدْ كُنَّا مُنْذُ زَمَانٍ كَٱلَّذِينَ لَمْ تَحْكُمْ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُدْعَ عَلَيْهِمْ بِٱسْمِكَ».

تثنية 26: 15 ومزمور 80: 14 مزمور 33: 14 إرميا 31: 20 وهوشع 11: 8 تثنية 32: 6 و1أيام 29: 10 وص 64: 8 أيوب 14: 21 وجامعة 9: 5 مزمور 119: 10 ص 6: 10 ويوحنا 12: 40 ورومية 9: 18 عدد 10: 36 مزمور 90: 13 تثنية 7: 6 و26: 19 وص 62: 12 ودانيال 8: 24 مزمور 74: 7 ص 65: 1

بعد الشكر والاعتراف يطلب الشعب من الرب أن يرحمهم ويعترف بأنهم شعبه ويخلّصهم من خطاياهم ومن أعدائهم وهذه الصلاة تحتوي على الباقي من هذا الأصحاح والأصحاح 64 أيضاً وهي ممتازة بجمال ألفاظها وذكر رحمة الله غير المحدودة ونسبة أبوة الله إلى شعبه.

تَطَلَّعْ مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ كأن الله ترك الأرض وشعبه وبما أن الهيكل كان قد خرب وجهوا أفكارهم وصلواتهم إلى السماء.

زَفِيرُ أَحْشَائِكَ أي شفقتك.

نَحْوِي النبي يتكلم بالنيابة عن الشعب.

أَبُونَا صلاتهم مبنية على نسبتهم إلى الله نسبة البنوة وهذه النسبة معروفة في العهد القديم غير أن اليهود لم يشعروا بها إلا نادراً (تثنية 32: 6) ولم يفهموا نسبة أبوّة الله لكل مؤمن بمفرده.

وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْنَا إِبْرَاهِيمُ اليهود افتخروا بنسبتهم إلى إبراهيم لأن مواعيد الله كانت له ولنسله ولكنهم أقروا بهذه الصلاة أن نسبتهم إلى الآب السماوي أهم من نسبتهم إلى إبراهيم حتى ولو زال اتكالهم على إبراهيم لا يزول اتكالهم على الله. وقولهم هذا يدل على أنهم شعروا بأن شعب الله وإن كان بالأول محصوراً ضمن الأمة اليهودية هو شعب روحي ومجموع من كل الأمم بغض النظر عن التسلسل الجسدي. ولا يوجد صلاة أخرى في العهد القديم تخاطب الله باسم أبٍ. ولنا من هذا برهان على أن إشعياء كتب هذه الألفاظ بإرشاد الروح القدس فإنه استعمل ألفاظاً لا تطابق أفكار اليهود ولا عادتهم بل يوافق تماماً الكنيسة المسيحية وشعب الله من كل أمة وفي كل عصر.

وَلِيُّنَا مُنْذُ ٱلأَبَدِ ٱسْمُكَ أي اسمك منذ الأبد هو وليّنا (ص 54: 5).

لِمَاذَا أَضْلَلْتَنَا يقول الشعب في هذه الصلاة (ص 64) «سَخَطْتَ إِذْ أَخْطَأْنَا... وَآثَامُنَا كَرِيحٍ تَحْمِلُنَا... حَجَبْتَ وَجْهَكَ عَنَّا وَأَذَبْتَنَا بِسَبَبِ آثَامِنَا» فلا نفهم من قولنا هنا «أضللتنا» أنهم ينسبون الشر إلى الله فإن الله أعطى الناس الحرية ويريد أن خدمتهم له تكون اختيارية لا إجبارية ومما ينتج من الحرية إمكانية الضلال.

والقول «أضللتنا» الخ هو إقرارهم:

  1. بأنهم لا يقدرون أن يعملوا شيئاً صالحاً إلا بنعمة الله وإذا كان يحجز نعمته عنهم يكون كأنه أضلّهم.

  2. بأنهم يحبون أن يسلكوا في طرق الرب ومخافته ويطلبوا من الرب أن يرجع إليهم. وقولهم هذا يثبت أنهم بالحقيقة شعب الله وأنهم يحبونه وإلا لم يفتكروا فيه أو حزنوا من ابتعاده عنهم. وأما الأشرار فيحبون لو أمكن أن ينسوا الله وأنه هو ينساهم ويبتعد عنهم.

إِلَى قَلِيلٍ أي على مدة قليلة امتلكوا مقدس الرب أي الهيكل ثم مضايقوهم داسوه وكانت المدة من بناء الهيكل إلى السبي نحو 400 سنة ومع ذلك يقولون «قليل».

شَعْبُ قُدْسِك أي شعبك المقدس وهو الشعب المختار لعبادة الله.

قَدْ كُنَّا مُنْذُ زَمَانٍ مدة الضيقات الحاضرة تظهر أنها طويلة كما أن مدة الخيرات الماضية تظهر أنها قليلة.

كَٱلَّذِينَ لَمْ تَحْكُمْ عَلَيْهِمْ كانوا كأن الرب لم يميّز بينهم وبين الأمم. في وقت الراحة في بلادهم رفضوا حكم الرب واشتهوا أن يكونوا كالأمم وبعدما صاروا كالأمم عرفوا قيمة امتيازاتهم القديمة واشتاقوا إلى حكم الرب.

فوائد للوعاظ

الخلاص في العهد القديم والخلاص في العهد الجديد (ع 1 - 6) يتميز الواحد عن الآخر:

  1. بالعظمة الجسدية. «المتعظم». ظهرت قوة الرب المخيفة في البحر الأحمر وجبل سيناء وظهر مجده في الهيكل وأما المسيح فكان بالجسد كخادم (متّى 20: 28) وكملك وديع (متّى 21: 5).

  2. بسفك الدماء. «دائس المعصرة». وأما المسيح فقال لبطرس «اجعل سيفك في الغمد» وأمر تلاميذه بالصبر والتسليم.

  3. بالغيظ. «يوم النقمة في قلبي». وأما المسيح فقال (يوحنا 3: 17) «لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ ٱللّٰهُ ٱبْنَهُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيَدِينَ ٱلْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ ٱلْعَالَمُ».

ويتفق الواحد مع الآخر في ما يأتي:

  1. في أن العمل هو للخلاص وعظمة المسيح التي ظهرت في الغلبة على الشيطان والموت وفي الخلاص من الخطية ليست أقل من العظمة التي ظهرت في القديم.

  2. في أن الرب بارّ وقدوس وصادق في كل مواعيده.

  3. في أن الخلاص كامل.

  4. في أن المسيح عمل وحده لأنه المخلّص الوحيد وإنه خلصنا بالنعمة لا بأعمالنا.

في كل ضيقهم تضايق (ع 9)

  1. تضايق الرب لما تضايق شعبه من الأشرار كما في مصر (خروج 2: 23 و24 و3: 7) وفي أيام القضاة (قضاة 10: 9 و16) وفي زمان السبي (إشعياء 42: 22 - 25).

  2. تضايق الرب لما تضايق الشعب من يده تأديباً لخطاياهم (2أيام 36: 14 - 16) كما يتألم الأب الحنون عندما يقاصّ ابنه (هوشع 11: 8).

وهذا يدل على أن الرب كامل بكل صفاته وعنده شفقة ومحبة غير محدودة كما له قدرة ومجد وعدل.

أحزنوا روح قدسه (ع 10)

من تشبيهات الروح القدس الواردة في الكتاب المقدس الماء والنار والريح والزيت والمطر والحمامة والصوت والختم.

ومما يُحزن الروح:

  1. الخطايا القلبية لأنه يريد أن يسكن في قلب الإنسان ولكنه قدوس فلا يقدر أن يسكن في مكان نجس.

  2. التمرد والعصيان لأنه المرشد يريد أن يسمع الجميع صوته ويطيعوه.

  3. الكسل لأنه روح الحياة والعمل ويريد أن يعمل في الناس وبواسطة الناس.

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلسِّتُّونَ

يجب أن لا يُفصل هذا الأصحاح عن السابق لأنه تكملة الصلاة لأجل غفران الخطايا بناء على مراحم الله ونسبته الأبوية إلى شعبه.

1 «لَيْتَكَ تَشُقُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَتَنْزِلُ! مِنْ حَضْرَتِكَ تَتَزَلْزَلُ ٱلْجِبَالُ».

مزمور 144: 5 قضاة 5: 5 وميخا 1: 4

لَيْتَكَ تَشُقُّ ٱلسَّمَاوَاتِ كان الرب حجب وجهه عن شعبه بسحاب. «ٱلرَّبُّ يَسْكُنُ فِي ٱلضَّبَابِ» (2أيام 6: 1) «ٱلسَّحَابُ سِتْرٌ لَهُ فَلاَ يُرَى» (أيوب 22: 14). وفني إيمان كثيرين وقت الضيقات لأنهم لم يقدروا أن يفهموا جميع طرقه. وأما هذه الصلاة فتسير إلى إيمان الذين قدموها بأن الله موجود وإن لم يُظهر نفسه وآمنوا أيضاً أن له قدرة وعدل ومحبة لشعبه وإذا نزل يقدر أن يصلح كل شيء غير أنهم لم يفهموا أن الله لم يترك العالم وإنه يعمل في العالم على الدوام بوسائط طبيعية وأنه طويل الروح وكثير الرحمة ليس لإسرائيل فقط بل لكل بني البشر أيضاً.

وَتَنْزِلُ قال (ص 63: 15) «تَطَلَّعْ مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ» ولكن شعب الله ما اكتفى بنظره تعالى فطلب حضوره حتى يروه أعداءه مع أعماله العجيبة فيخافون.

تَتَزَلْزَلُ ٱلْجِبَالُ كما ارتجف جبل سيناء (خروج 19: 18) وكما انشقت الجبال وانكسرت الصخور أمام الرب لما كلم إيليا (1ملوك 19: 11). الجبال أثبت ما يكون في العالم وإذا كانت هي ترتجف وتذوب من عظمة الرب فمن يقدر أن يقف أمامه.

2 «كَمَا تُشْعِلُ ٱلنَّارُ ٱلْهَشِيمَ، وَتَجْعَلُ ٱلنَّارُ ٱلْمِيَاهَ تَغْلِي، لِتُعَرِّفَ أَعْدَاءَكَ ٱسْمَكَ، لِتَرْتَعِدَ ٱلأُمَمُ مِنْ حَضْرَتِكَ».

ٱلْهَشِيمَ هو النبت اليابس المكسر الذي يشعل بسهولة فتكون الجبال العظيمة والثابتة كالهشيم عندما ينزل عليها الرب وهكذا يكون أعداء الرب والقلوب الحجرية.

3، 4 «3 حِينَ صَنَعْتَ مَخَاوِفَ لَمْ نَنْتَظِرْهَا، نَزَلْتَ. تَزَلْزَلَتِ ٱلْجِبَالُ مِنْ حَضْرَتِكَ. 4 وَمُنْذُ ٱلأَزَلِ لَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يُصْغُوا. لَمْ تَرَ عَيْنٌ إِلٰهاً غَيْرَكَ يَصْنَعُ لِمَنْ يَنْتَظِرُهُ».

خروج 34: 10 وقضاة 5: 4 و5 ومزمور 28: 8 وحبقوق 3: 3 و6 مزمور 31: 19 و1كورنثوس 2: 9

يذكرون أعمال الله القديمة وأنه لم يصنع مثلها إله غيره و لا سيما خلاص شعبه من مصر وبناء على ذلك يطلبون منه أن يعمل أيضاً لأجل شعبه.

لِمَنْ يَنْتَظِرُهُ ننتظر الله بصلواتنا باللجاجة وننتظره بالإيمان والصبر وأما بعض الناس فإن لم يأخذوا مطلوبهم من الرب أسرعوا إلى الاستنتاج أنه لا يسمع أو لا يريد أو لا يقدر فيضعف إيمانهم أو يلتجأون إلى إله آخر.

5 «تُلاَقِي ٱلْفَرِحَ ٱلصَّانِعَ ٱلْبِرَّ. ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَكَ فِي طُرُقِكَ. هَا أَنْتَ سَخَطْتَ إِذْ أَخْطَأْنَا. هِيَ إِلَى ٱلأَبَدِ فَنَخْلُصُ».

أعمال 10: 35 ص 29: 8 ملاخي 3: 6

تُلاَقِي لم يقل أن الرب يقبل الذين يصنعون البر ويذكرونه فقط بل أنه يلاقيهم كالأب الذي خرج من البيت ليلاقي ابنه الضال فأظهر فرحه برجوعه واستعداده لقبوله. ليست أعمالنا الصالحة علة خلاصنا ومع ذلك ينظر الله إليها ويسرّ بكل ما نعمله له وبكل ما نفتكر فيه من الخير فيقبله وإن كان كفلسَي الأرملة.

ٱلْفَرِحَ أي الذي يفرح في خدمة الرب فإن الفرح يدل على التسليم لإرادته والمحبة والرجاء والخدمة القلبية الاختيارية. وكون الرب يلاقي من يصنع البر يستلزم أنه إذا سخط على شعبه كانت علة سخطه خطاياهم فيقولون «سخطت إذ أخطأنا».

هِيَ إِلَى ٱلأَبَدِ أي طرق الرب. سقطت مدينة أورشليم واحترق الهيكل وزالت الرسوم الموسوية ولكن طرق الرب إلى الأبد أي طرق العبادة والخدمة من جهة الإنسان وطرق الرحمة والخلاص من جهة الله.

فَنَخْلُصُ لأن طرق الرب أي رحمته وصدقه ومحبته وعدله إلى الأبد.

6 «وَقَدْ صِرْنَا كُلُّنَا كَنَجِسٍ، وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا، وَقَدْ ذَبُلْنَا كَوَرَقَةٍ، وَآثَامُنَا كَرِيحٍ تَحْمِلُنَا».

فيلبي 3: 9 مزمور 90: 5 و6

كَنَجِسٍ أي كأبرص (لاويين 13: 45 و46).

كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا حتى أعمالنا الصالحة غير كاملة وغير مقبولة ومختلطة بالخطية وهي كأعمال الابن الضال قبلما توجه إلى أبيه فإن الأشرار أحياناً يعملون أعمالاً صالحة ولكنها غير مقبولة ما داموا يعصون الله.

قَدْ ذَبُلْنَا كَوَرَقَةٍ الأبرار كشجرة مغروسة عند مجاري المياه وورقها لا يذبل وكل ما يصنعه ينجح. ويعترف شعب الله هنا بأنهم عملوا بالعكس لأنهم تركوا الله وهو ينبوع المياه الحية فذبل ورقهم ولم ينجحوا.

وَآثَامُنَا كَرِيحٍ تَحْمِلُنَا وتُبعدنا عن الرب.

7 «وَلَيْسَ مَنْ يَدْعُو بِٱسْمِكَ أَوْ يَنْتَبِهُ لِيَتَمَسَّكَ بِكَ، لأَنَّكَ حَجَبْتَ وَجْهَكَ عَنَّا وَأَذَبْتَنَا بِسَبَبِ آثَامِنَا».

هوشع 7: 7 أيوب 8: 4

لَيْسَ مَنْ يَدْعُو بِٱسْمِكَ لا يصلي كما يجب ولا يتكل على الله فيقولون هذا القول من شدة حزنهم وخجلهم لكن كان بينهم أتقياء يدعون باسم الرب.

لِيَتَمَسَّكَ بِكَ وهذا القول يشير إلى صلاة غير معتادة كصلاة يعقوب لما قال «لا أطلقك إن لم تباركني».

لأَنَّكَ حَجَبْتَ وَجْهَكَ عَنَّا أي لا يقدرون أن يصلّوا صلوات مقبولة إن لم يعطهم الرب النعمة لأن الخلاص منه والصلوات المُجابة التي بها طلبوا الخلاص هي منه أيضاً.

8 «وَٱلآنَ يَا رَبُّ أَنْتَ أَبُونَا. نَحْنُ ٱلطِّينُ وَأَنْتَ جَابِلُنَا، وَكُلُّنَا عَمَلُ يَدَيْكَ».

ص 63: 16 ص 29: 16 و45: 9 وإرميا 18: 6 ورومية 9: 20 و21 أفسس 2: 10

كان من عادات اليهود أن الأولاد بيد أبيهم فيعمل بهم كما يشاء (خروج 21: 7) وكانوا كالطين والرب كجابله فالشعب يقبلون ذلك ويسلّمون أنفسهم لله كالطين بيده. وأما الآب فيختلف عن جابل الطين لأنه يحب أولاده وهم يحبونه وعمله فيهم ليس عملاً وقتياً بل للحياة الأبدية ويختلف الناس عن الطين لأنهم ذوو عقل وضمير ومسؤولون. والفخاري يطلب أن يكون عمل يديه حسناً فكم بالحري الرب يطلب خلاص شعبه الذي اختاره واعتنى به ألف سنة.

9 - 12 «9 لاَ تَسْخَطْ كُلَّ ٱلسَّخَطِ يَا رَبُّ وَلاَ تَذْكُرِ ٱلإِثْمَ إِلَى ٱلأَبَدِ. هَا ٱنْظُرْ. شَعْبُكَ كُلُّنَا. 10 مُدُنُ قُدْسِكَ صَارَتْ بَرِّيَّةً. صِهْيَوْنُ صَارَتْ بَرِّيَّةً وَأُورُشَلِيمُ مُوحَشَةً. 11 بَيْتُ قُدْسِنَا وَجَمَالِنَا حَيْثُ سَبَّحَكَ آبَاؤُنَا قَدْ صَارَ حَرِيقَ نَارٍ، وَكُلُّ مُشْتَهَيَاتِنَا صَارَتْ خَرَاباً. 12 أَلأَجْلِ هٰذِهِ تَتَجَلَّدُ يَا رَبُّ؟ أَتَسْكُتُ وَتُذِلُّنَا كُلَّ ٱلذُّلِّ؟».

مزمور 74: 1 و 2 و79: 8 مزمور 79: 13 مزمور 79: 1 و2ملوك 25: 9 و2أيام 36: 19 ومزمور 74: 7 حزقيال 24: 21 و25 ص 42: 14 مزمور 83: 1

في (ص 53) نظر النبي إلى أيام المسيح فرآه في الرؤيا ووصف آلامه بالتفصيل كأنها قد مضت فقال «كَانَ مَنْظَرُهُ كَذَا مُفْسَداً... أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا... تَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ... مِنَ ٱلضُّغْطَةِ وَمِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ أُخِذَ... جُعِلَ مَعَ ٱلأَشْرَارِ قَبْرُهُ الخ» وفي الأصحاحات الأخيرة من نبوءته ينظر إلى أيام السبي ويتكلم عليها كأنها حاضرة ويتكلم على خراب الأرض المقدسة وإحراق الهيكل كأنه قد مضى فيقول «مُدُنُ قُدْسِكَ صَارَتْ بَرِّيَّةً. صِهْيَوْنُ صَارَتْ بَرِّيَّةً... بَيْتُ قُدْسِنَا... قَدْ صَارَ حَرِيقَاً الخ».

وَلاَ تَذْكُرِ ٱلإِثْمَ إِلَى ٱلأَبَدِ صلوا بكل ثقة البنين في تكلمهم مع أبيهم وتمسكوا بالوعد في (ص 43: 25) وهو قوله «أَنَا أَنَا هُوَ ٱلْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا» فيطلبون من الرب أن لا يذكر خطاياهم بل أن يذكر:

  1. إنهم شعبه لا باعتبار الأفراد فقط بل باعتبار الأمة أيضاً.

  2. إن «مدن قدسك» اي مدن الأرض المقدسة برية والهيكل صار حريق نار «ومشتهياتنا» أي الدور والأبنية المختصة بالهيكل صارت خراباً.

  3. إن آباءهم سبّحوا الرب في «بيت قدسنا».

  4. إنهم ذلوا عن قريب يفنون إن لم يرحمهم الرب.

وهذه الصلاة توافق حالة شعب الله في كل عصر فإن الكنيسة للآن قليلة وضعيفة بالنسبة إلى ما يجب غير أن فيها أتقياء يصلون لله ووجود هؤلاء الأتقياء في كل عصر برهان على أن الله لم يترك كنيسته ولن يتركنا بل يخلصها ويمجدها.

فوائد للوعاظ

قد ذبلنا كورقة (ع 6)

لنا كتابان منهما نعرف الله وهما الكتاب المقدس وكتاب الطبيعة. ومن الورقة نتعلم:

  1. إن الشجرة تنفع الأوراق والأوراق تنفع الشجرة وإذا انتثرت الأوراق لا تسقط الشجرة بل تذخر في نفسها ما كانت قد أخذته من الورقة. وإذا مات الصالح بقي للهيئة الاجتماعية فوائد حياته.

  2. إن للورقة الذابلة نوعاً من الجمال. وفي حياة الإنسان في هذا العالم بعض الأفراح فأكثر الناس يحبون أن يبقوا في الجسد.

  3. إنه لا بد من انتثار الأوراق ولا بد من موت الجسد ولكن الإنسان الصالح يختلف عن الورقة في أن حياته الروحية تزداد يوماً فيوماً وعند موت جسده تنتقل نفسه إلى الحياة الأبدية.

  4. إن للأوراق أوقاتاً معروفة وأما الإنسان فلا يعرف يوم موته. ولكن الإنسان كالورقة لأن له أحياناً تنبيهات على انحلال الجسد كالأمراض والشيبة والضعف في الحواس.

ينتبه ليتمسك بك (ع 7) (انظر ص 27: 5)

نتمسك بالرب لأسباب:

  1. إن لنا فيه كل ما نحتاج إليه كالحكمة والقوة والنعمة فنتمسك به كما يتمسك الولد الصغير بيد أبيه. البحري عندما يقترب إلى اليابسة يتمسك بها بواسطة حبل أو عصاً ويشد كأنه يسحب البرّ إليه غير أن البرّ لا يأتي إليه بل هو يأتي إلى البر وهكذا من يتمسك بالله.

  2. إننا إن لم نتمسك به نقصر عن بركات كثيرة لا يعطيها الرب إلا الذين يسألونه إياها بالصلاة باللجاجة.

  3. إن النمو في الحياة الروحية لا يكون إلا بالاجتهاد. يجتهد الناس في تحصيل الغنى والعلوم فكم بالحري يجب الاجتهاد في خلاص النفس ومجدها الأبدي.

طلب الرحمة (ع 8) بناء على ما يأتي:

  1. كون الله خالقنا. من يبني بيتاً أو يغرس كرماً أو يصنع شيئاً لا يخربه بل يحفظه ويفتخر به ويعتني به وهكذا الرب وخلائقه.

  2. كونه أبانا. الآباء من بني البشر يربون أولادهم وينفقون مالاً لأجلهم ويترأفون عليهم وهكذا الله وبنوه.

  3. كونه ملكنا. كان الرب ملك إسرائيل جسدياً وروحياً وهو ملك روحي لشعبه في كل زمان فلا يليق به وهو ملك مجيد وقدير أن تخرب مملكته.

ونزيد على ما قيل في الموضوع تعليم العهد الجديد وهو أن شعب الله يطلبون الرحمة بناء على تجسد المسيح وموته فدية للمؤمنين به.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلسِّتُّونَ

موضوعه جواب الرب لصلاة المنفيين المذكورة في الأصحاحين السابقين فيتضمن وعيداً للمتمردين ووعداً للمطيعين.

1، 2 «1 أَصْغَيْتُ إِلَى ٱلَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا. وُجِدْتُ مِنَ ٱلَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي. قُلْتُ: هَئَنَذَا هَئَنَذَا لأُمَّةٍ لَمْ تُسَمَّ بِٱسْمِي. 2 بَسَطْتُ يَدَيَّ طُولَ ٱلنَّهَارِ إِلَى شَعْبٍ مُتَمَرِّدٍ سَائِرٍ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ صَالِحٍ وَرَاءَ أَفْكَارِهِ».

رومية 9: 24 و25 و26 و30 و10: 20 وأفسس 2: 12 و13 ص 63: 19 رومية 10: 21

ذكر بولس الرسول (رومية ص 9 - 11) رفض اليهود الوقتي لعدم إيمانهم ودعوة الأمم واستشهد بهذه الآية من إشعياء (رومية 10: 20 و21) فيظهر مما قاله أن الذين لم يسألوا الرب ولا طلبوه ولا تسموا باسمه هم الأمم. و«الشعب المتمرد» (ع 2) هم اليهود غير المؤمنين. و«عبيد الرب» (ع 8) هم اليهود المؤمنون. فالوعد هو للأمم الذين سيؤمنون فينضمون إلى شعب الله ولليهود المؤمنين والوعيد هو لغير المؤمنين.

أَصْغَيْتُ إِلَى ٱلَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا الله يحب الناس قبلما يحبونه ويختارهم قبلما يختارونه أو يطلبوه أو يعملون شيئاً من الأعمال الصالحة. وهو أولاً يُميل قلوب الأمم إليه ليطلبوه ويصغوا إلى كلامه.

لأُمَّةٍ لَمْ تُسَمَّ بِٱسْمِي أي جميع الأمم ما عدا اليهود الذين كانوا شعب الله بالاسم.

بَسَطْتُ يَدَيَّ علامة الدعوة باللجاجة والمحبة فما أعظم تنازل الرب فإنه يطلب من الناس أن يصالحوه (انظر ص 1: 16 - 18).

طُولَ ٱلنَّهَارِ من زمان بلا انقطاع فإن الله طويل الروح وكثير الرحمة وكل النهار يدعو وأما هم فلا يقبلون. فأرسل الرب إليهم عن يد رسوله مبكراً ومرسلاً لأنه شفق على شعبه (2أيام 36: 15).

وَرَاءَ أَفْكَارِهِ وجوهر كل خطية هو العصيان وسير الإنسان وراء أفكاره وليس وراء أفكار الرب.

3 «شَعْبٍ يُغِيظُنِي بِوَجْهِي. دَائِماً يَذْبَحُ فِي ٱلْجَنَّاتِ وَيُبَخِّرُ عَلَى ٱلآجُرِّ».

تثنية 32: 21 لاويين 17: 5 وص 1: 29 و66: 17

يُغِيظُنِي بِوَجْهِي بوقاحة وبلا حياء فإن الكلام القبيح في وجه الإنسان والتعدي عليه وهو حاضر يدل على الإهانة والاحتقار. لنظر القول «أمامي» في الوصية الأولى. والأرجح أن النبي ذكر هنا الخطايا التي في عصره (2أيام 28: 1 - 4 و33: 1 - 9 وإشعياء 2: 6 - 9) و التي ستكون بعد أيامه أيضاً (إرميا 7: 17 و18 و31 وحزقيال 5 - 18). ولعله يشير أيضاً إلى خطايا اليهود في أيام المسيح لأنه وإن كانوا قد تركوا عبادة الأصنام لم يزالوا يميلون إلى جوهر هذه العبادة.

يَذْبَحُ فِي ٱلْجَنَّاتِ الموقوفة لعبادة الأصنام فإنهم استخدموا الأماكن الجميلة واللذات الجسدية لترغيب الناس في عبادة الأصنام.

عَلَى ٱلآجُرِّ ربما يشير إلى مذابح مبنية من الأجرّ والأرجح أنه يشير إلى سطوح من الأجرّ كانت عليها مذابح لعبادة الأجرام السماوية (2ملوك 23: 12 وإرميا 19: 13 و32: 29 وصفنيا 1: 5) وكانت المذابح من التراب (خروج 2: 24) أو من خشب مغشى بنحاس (خروج 27: 1 و2) أو بذهب (خروج 30: 1 - 3) وكانت مذابح الأشوريين والكلدانيين من الحجارة أو من المعدن ولا خبر بمذابح معمولة من الأجرّ.

4 «يَجْلِسُ فِي ٱلْقُبُورِ وَيَبِيتُ فِي ٱلْمَدَافِنِ. يَأْكُلُ لَحْمَ ٱلْخِنْزِيرِ، وَفِي آنِيَتِهِ مَرَقُ لُحُومٍ نَجِسَةٍ».

تثنية 18: 11 لاويين 11: 7 وص 66: 17

يَجْلِسُ فِي ٱلْقُبُورِ لأجل سؤال الموتى (ص 8: 19) ولكنهم لم يسألوا عن شريعة الرب القائلة «مَنْ مَسَّ... قَبْراً يَكُونُ نَجِساً» (عدد 19: 16) وكان القبور مسكن الأرواح النجسة (مرقس 5: 3).

وَيَبِيتُ فِي ٱلْمَدَافِنِ ظنوا أن أرواح الموتى تظهر لهم في الليل أو بواسطة أحلام.

يَأْكُلُ لَحْمَ ٱلْخِنْزِيرِ كانت الخنازير محرّمة على اليهود حسب الناموس ولا سيما الخنازير المذبوحة لبعض الأصنام (ص 66: 17) وأكل لحمها علامة الإيمان بالأصنام والاتحاد بها.

وَفِي آنِيَتِهِ آنية الشعب المستعملة في العبادة واللحوم النجسة هي لحم خنزير أو غيره من الحيوانات النجسة أو الحيوانات المذبوحة للأصنام من أي جنس كان.

5 «يَقُولُ: قِفْ عِنْدَكَ. لاَ تَدْنُ مِنِّي لأَنِّي أَقْدَسُ مِنْكَ. هٰؤُلاَءِ دُخَانٌ فِي أَنْفِي. نَارٌ مُتَّقِدَةٌ كُلَّ ٱلنَّهَارِ».

متّى 9: 11 ولوقا 5: 30 و18: 11 ويهوذا 19

قِفْ عِنْدَكَ هذه الخطايا الفظيعة لم يكتفوا بأن يرتكبوها بل افتخروا بها أيضاً واحتقروا غيرهم. وكثيراً ما يدعي أنجس الناس القداسة وينسبون النجاسة إلى من سواهم كالفريسيين في أيام المسيح (لوقا 18: 9 - 14) وكثيرون يحبون أن تقوم الديانة بالرسوم (المعروفة بالطقوس) والفرائض دون طهارة السلوك والأعمال الصالحة لأن ممارسة الرسوم:

  1. تُشغل قسماً من وقتهم وتترك لهم الحرية بالخطية في سائر الوقت.

  2. لأن هذه الرسوم ليست سوى أمور خارجية فلا تمس القلب.

  3. لأنهم يقدرون أن يكمّلوها تماماً ويزيدون على المطلوب منهم فيكون لهم فخر.

دُخَانٌ فِي أَنْفِي الذين يعملون هذه الأعمال مكروهون عند الرب وهو يلاحظهم ويغتاظ منهم.

نَارٌ مُتَّقِدَةٌ كُلَّ ٱلنَّهَارِ نفهم أولاً أن هؤلاء الأشرار يغيظون الرب كل النهار ودائماً وهم كدخان في أنفه من نار متقدة أي نار لا تُطفأ ودخانها لا ينقطع وهم لا يكفون عن شرورهم. وثانياً أنهم أضرموا بأعمالهم نار غضب الله عليهم. انظر قول إرميا (إرميا 17: 4) «قَدْ أَضْرَمْتُمْ نَاراً بِغَضَبِي تَتَّقِدُ إِلَى ٱلأَبَدِ» فتكون هذه النار لهلاكهم فسبب هلاكهم من أنفسهم.

6 «هَا قَدْ كُتِبَ أَمَامِي. لاَ أَسْكُتُ بَلْ أُجَازِي. أُجَازِي فِي حِضْنِهِمْ».

تثنية 32: 34 وملاخي 3: 16 مزمور 50: 2 مزمور 79: 12 وإرميا 16: 18 وحزقيال 11: 21

هَا قَدْ كُتِبَ أَمَامِي الخطايا المذكورة قد كُتبت في سفر الرب. يقيّد الناس بعض الأمور في دفاترهم لئلا ينسوها وللرب سفر تذكرة بمعنى أنه لا ينسى شيئاً ولا يغض النظر عن شيء.

أُجَازِي فِي حِضْنِهِمْ يفيد (1) الكثرة كما أعطى بوعز راعوث لأن الحضن يسع أكثر من الكف.

(2) إن أثمار أعمال الشرير ترجع عليه.

7 «آثَامَكُمْ وَآثَامَ آبَائِكُمْ مَعاً قَالَ ٱلرَّبُّ، ٱلَّذِينَ بَخَّرُوا عَلَى ٱلْجِبَالِ، وَعَيَّرُونِي عَلَى ٱلآكَامِ، فَأَكِيلُ عَمَلَهُمُ ٱلأَوَّلَ فِي حِضْنِهِمْ».

خروج 20: 5 حزقيال 18: 6 حزقيال 20: 27 و28

آثَامَكُمْ وَآثَامَ آبَائِكُمْ كانت آثام إسرائيل تتجمع من عصر إلى آخر كديون مقيّدة في دفتر فلم يكن سبي بابل بسبب خطايا ذلك الجيل فقط بل خطايا الأجيال السابقة أيضاً (2ملوك 24: 1 - 3) وهكذا خراب أورشليم عن يد الرومانيين (متّى 23: 35 و36) إذ قال يسوع «كُلُّ دَمٍ زَكِيٍّ سُفِكَ عَلَى ٱلأَرْضِ... يَأْتِي عَلَى هٰذَا ٱلْجِيلِ». ومن جهة عدل الله نقول:

  1. إنه مهما أتى على جيل من المصائب لا يكون أكثر مما استحق ذلك الجيل بغض النظر عن الأجيال السابقة.

  2. إنه من المحتمل وإن كان نادراً أن أولاد صالحين يخسرون بسبب آثام آبائهم ولكن هذه الخسارة تكون في الزمنيات فقط ولا تكون خسارة النفس.

  3. إنه لا يمكننا أن نفهم كل شيء ولا يليق بنا الحكم في أعمال الله. وعلينا أن نخاف من نتائج خطايانا لأنها ليست على أنفسنا فقط بل على أولادنا أيضاً.

عَلَى ٱلْجِبَالِ يشير إلى عبادة الأصنام على المرتفعات وكانت تلك الخطية من أعظم وأشهر خطايا إسرائيل من أول تاريخهم إلى السبي وتعلموها من أهل البلاد الأولين أي الكنعانيين كأن تلك العبادة الفاسدة التصقت بالجبال والتلال فأغوت جميع الذين سكنوا في البلاد في كل عصورهم.

عَمَلَهُمُ ٱلأَوَّلَ الله يكيل عمل الجيل السابق في حضن الجيل الثاني.

8 - 10 «8 هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: كَمَا أَنَّ ٱلسُّلاَفَ يُوجَدُ فِي ٱلْعُنْقُودِ، فَيَقُولُ قَائِلٌ: لاَ تُهْلِكْهُ لأَنَّ فِيهِ بَرَكَةً. هٰكَذَا أَعْمَلُ لأَجْلِ عَبِيدِي حَتَّى لاَ أُهْلِكَ ٱلْكُلَّ. 9 بَلْ أُخْرِجُ مِنْ يَعْقُوبَ نَسْلاً وَمِنْ يَهُوذَا وَارِثاً لِجِبَالِي، فَيَرِثُهَا مُخْتَارِيَّ، وَتَسْكُنُ عَبِيدِي هُنَاكَ. 10 فَيَكُونُ شَارُونُ مَرْعَى غَنَمٍ وَوَادِي عَخُورَ مَرْبِضَ بَقَرٍ، لِشَعْبِي ٱلَّذِينَ طَلَبُونِي».

يوئيل 2: 14 ع 15 و22 ومتّى 24: 22 ورومية 11: 5 و7 ص 33: 9 و35: 2 هوشع 2: 15 ويشوع 7: 24 و26

النبي إشعياء غالباً يقرن الوعيد بالوعد فلا يفشل الشعب ولا ييأسون من الخلاص.

فَيَقُولُ قَائِلٌ إذا وجد الكرام في العنقود بعض حبوب جيدة لا يطرح العنقود بل يحفظه لأجل البركة أي الحبوب الجيدة التي فيه وهكذا الله لا يهلك شعبه كله بل يحفظ البعض منهم لأجل البقية حسب اختيار النعمة. والنسل والوارث والمختارون والعبيد بمعنى واحد أي المؤمنين (غلاطية 3: 29).

لِجِبَالِي أرض فلسطين التي أكثرها جبال ولعل القول يشير إلى عبادة الأصنام بالمرتفعات (ع 7) ويفيد أن هذه الجبال ليست لبعل أو عشتروث بل للرب. وهذه النبوءة تفيدنا على الأقل أن الديانة المسيحية ستمتد في بلاد فلسطين التي سكنها اليهود في القديم وكثيرون يعتقدون أيضاً أن الرب سيجمع أولاد إبراهيم حسب الجسد في هذه البلاد ولكننا لا نقدر أن نحكم حكماً نهائياً من جهة النبوءات التي لم تتم بعد.

شَارُونُ النبي يذكر «شارون» و«عخور» كأمثلة الأرض كلها. كان شارون مشهوراً للخصب ووادي عخور للتعب الذي وقع على إسرائيل بسبب عخان وربما ذكر النبي المكانين نيابة عن الأرض كلها لأن شارون كان على الحد الغربي وعخور على الحد الشرقي ورعاية المواشي مذكورة مثالاً للأعمال كلها.

11 «أَمَّا أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ تَرَكُوا ٱلرَّبَّ وَنَسَوْا جَبَلَ قُدْسِي، وَرَتَّبُوا لِلسَّعْدِ ٱلأَكْبَرِ مَائِدَةً وَمَلَأُوا لِلسَّعْدِ ٱلأَصْغَرِ خَمْراً مَمْزُوجَةً».

ص 56: 7 و57: 13 وع 25 حزقيال 23: 41 و1كورنثوس 10: 21

النبي يذكر هنا عبادة السيارات. و«السعد الأكبر» هو المشتري وهو أكبر إله عند الوثنيين و«السعد الأصغر» هو اسم للزهرة. والمذكورون في هذه الآية كانوا يقدمون ذبائح ويسكبون خمراً ثم يجلسون ويأكلون اللحم ويشربون الخمر إكراماً للإلهين المذكورين. وبعض الناس في أيامنا يعتبرون السعد أو التوفيق كأنه يوجد في الكون قوة غير قوة الله أو تدبير غير تدبيره فعلينا أن نتذكر ما يأتي:

  1. إن الله وحده يدبر كل أمورنا.

  2. إن الله يدبّر الكون بمقتضى نواميس طبيعية وروحية نظمها هو فالصحة ليست توفيق بل هي لمن يحفظ قوانينها والغنى لمن يجتهد والمجد لمن يخدم بالأمانة الخ.

  3. إنه يوجد خيرات أفضل من الخيرات الجسدية كمحبة الله وغفران الخطايا وتعزية الروح القدس والحياة الأبدية.

  4. إن الله أحياناً يحجز عنا خيرات جسدية حتى يعطينا خيرات روحية كما يظهر من مثل لعازر والغني.

وَنَسَوْا جَبَلَ قُدْسِي أي أورشليم والهيكل وهو مركز عبادة الرب ونسيان هذا الجبل هو نسيان الرب. وغالباً ترك عبادة الرب لا يكون بالقصد بل من عدم الفكر والاجتهاد والغيرة فيها. ونلاحظ أن الذين يتركون الرب يصيرون عبيداً لخرافات لا يقدر العقل السليم أن يصدقها مطلقاً.

12 «فَإِنِّي أُعَيِّنُكُمْ لِلسَّيْفِ، وَتَجْثُونَ كُلُّكُمْ لِلذَّبْحِ، لأَنِّي دَعَوْتُ فَلَمْ تُجِيبُوا، تَكَلَّمْتُ فَلَمْ تَسْمَعُوا، بَلْ عَمِلْتُمُ ٱلشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ، وَٱخْتَرْتُمْ مَا لَمْ أُسَرَّ بِهِ».

2أيام 36: 15 و16 وأمثال 1: 24 الخ ص 66: 4 وإرميا 7: 13 وزكريا 7: 7 ومتّى 21: 34 إلى 43

فَإِنِّي أُعَيِّنُكُمْ لِلسَّيْفِ كانوا متكلين على السعد أي الحظ والرب يذكرهم هنا أن التعيين بيده فهو يعيّنهم للسيف لأنهم تركوه. وبما أنهم جثوا للأصنام سيجثون للذبح ويكون هلاكهم من أنفسهم لأن الرب دعا فلم يجيبوا وتكلم فلم يسمعوا واختاروا ما لا يسره وتمّ هذا الوعيد لما سقطت أورشليم عن يد نبوخذنصر ولما سقطت عن يد الرومانيين وفي نزول مصائب اليهود في كل جيل.

13، 14 «13 لِذٰلِكَ هٰكَذَا قَالَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ: هُوَذَا عَبِيدِي يَأْكُلُونَ وَأَنْتُمْ تَجُوعُونَ. هُوَذَا عَبِيدِي يَشْرَبُونَ وَأَنْتُمْ تَعْطَشُونَ. هُوَذَا عَبِيدِي يَفْرَحُونَ وَأَنْتُمْ تَخْزَوْنَ. 14 هُوَذَا عَبِيدِي يَتَرَنَّمُونَ مِنْ طِيبَةِ ٱلْقَلْبِ وَأَنْتُمْ تَصْرُخُونَ مِنْ كآبَةِ ٱلْقَلْبِ، وَمِنِ ٱنْكِسَارِ ٱلرُّوحِ تُوَلْوِلُونَ».

متّى 8: 12 ولوقا 13: 28

كان شعب إسرائيل قسمين وهما المؤمنون وغير المؤمنين والقول هنا هو أن الرب سيفصل بينهما فلا يخلّص غير المؤمنين وإن كانوا من نسل إسرائيل حسب الجسد.

عَبِيدِي يَأْكُلُونَ خيرات جسدية. والأكل الجسدي يشير أيضاً إلى قبول كل بركات الخلاص وبالإجمال ليس من عوز لمتقي الرب فغالباً يشبعون من الخيرات الجسدية ودائماً يشبعون من نعمة الله وتعزية روحه القدوس.

15، 16 «15 وَتُخْلِفُونَ ٱسْمَكُمْ لَعْنَةً لِمُخْتَارِيَّ، فَيُمِيتُكَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ وَيُسَمِّي عَبِيدَهُ ٱسْماً آخَرَ. 16 فَٱلَّذِي يَتَبَرَّكُ فِي ٱلأَرْضِ يَتَبَرَّكُ بِإِلٰهِ ٱلْحَقِّ، وَٱلَّذِي يَحْلِفُ فِي ٱلأَرْضِ يَحْلِفُ بِإِلٰهِ ٱلْحَقِّ، لأَنَّ ٱلضِّيقَاتِ ٱلأُولَى قَدْ نُسِيَتْ، وَلأَنَّهَا ٱسْتَتَرَتْ عَنْ عَيْنَيَّ».

إرميا 29: 22 وزكريا 8: 13 ع 9 و22 ص 62: 2 وأعمال 11: 26 مزمور 72: 17 وإرميا 4: 2 تثنية 6: 13 ومزمور 63: 11 وص 19: 18 و45: 23 وصفنيا 1: 5

وَتُخْلِفُونَ ٱسْمَكُمْ (إرميا 29: 22) يدعو أحد الناس على آخر بقوله يجعلك الرب مثل فلان.

وَيُسَمِّي عَبِيدَهُ ٱسْماً آخَرَ (انظر ص 62: 2) فلا يسمى بعد عبيد الرب بأسماء تشير إلى أنهم مرفوضون بل بأسماء تشير إلى أنهم مباركو الرب وسيفتخرون بأنهم له وهو لهم وهم مسمون باسمه كشعب الله وأبنائه وهذه الأسماء الجديدة التي تدل على نسبتهم إلى الله كمسيحيين تكون أفضل جداً من الاسم القديم الذي كان يدل على نسبتهم إلى إسرائيل. ولفظة «شعب الله» تطلق على معنى جديد في العهد الجديد.

ٱلضِّيقَاتِ ٱلأُولَى قَدْ نُسِيَت لأنها كلا شيء بالنسبة إلى البركات الموعود بها. وخطايا شعب الله قد نُسيت لأن الله غفرها تماماً (رؤيا 21: 4 وهوشع 13: 14).

ع17 - 25 هذه الأعداد هي جواب الصلاة في ص 64 فإن شعب الله كانوا قد ذكروا حالتهم المحزنة وقالوا «أضللتنا عن طرقك قسيت قلوبنا عن مخافتك... مضايقونا داسوا مقدسك... مدن قدسك صارت برية... بيت قدسك قد صار حريقاً». وهنا الرب يعدهم ليس فقط بالإصلاح بل بتجديد كل شيء فإن الأرض الأولى التي فيها الخطية تزول ويصير أرضاً جديدة لا يكون فيها بكاء ولا صراخ ولا عمر مقطوع قبل كماله ولا ظلم ولا تعب بلا ثمر ولا خصام ولا حروب وهذه المواعيد الثمينة تشبه المواعيد في آخر سفر الرؤيا (رؤيا ص 21 و22) غير أن مواعيد سفر الرؤيا أوضح وأوسع فتتضمن عدم وجود الخطية وعدم الموت وسكنى الله مع الناس.

قيل أن الكتاب يذكر ثلاثة أحوال للإنسان فالحالة الأولى هي حالة الخطية مع شيء من التعزية والفرح وهذه حالتنا في الوقت الحاضر. والثانية حالة العالم في مدة الألف السنة (رؤيا ص 20) إذ يكون الشيطان مقيداً ولعل هذه هي المدة المشار إليها في هذه النبوءة في إشعياء. والحالة الثالثة هي حالة المفديين في السماء المذكورة في (رؤيا ص 21 و22) حين يكون إبليس قد طُرح في بحيرة النار وتكون الخطية والموت والحزن قد زالت ويكون الإنسان قد ثبت في القداسة. ولنا في العهد الجديد تعليم أوضح من جهة نسبة حالة الإنسان الجسدية إلى حالته الروحية فإن التجديد يكون أولاً في الإنسان نفسه كما قال بولس «إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. ٱلأَشْيَاءُ ٱلْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا ٱلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً» (2كورنثوس 5: 17) أي حين يتجدد الإنسان يتجدد له كل شيء فعلى الإنسان أن يطلب أولاً الخلاص من الخطية وبالنتيجة يخلص من كل البلايا الجسدية. وأفراح السماء لا تكون أولاً بالخلاص من الجوع والعطش والأمراض والموت بل بالخلاص من الخطية وبوجود الله. وكل مكان يوجد الله فيه ولا يوجد فيه الخطية فهو السماء وعالمنا هذا يصير كالسماء بزوال كل خطية.

17 «لأَنِّي هَئَنَذَا خَالِقٌ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، فَلاَ تُذْكَرُ ٱلأُولَى وَلاَ تَخْطُرُ عَلَى بَالٍ».

ص 51: 16 و66: 22 و2بطرس 3: 13 ورؤيا 21: 1

فَلاَ تُذْكَرُ ٱلأُولَى لا تُذكر الخطية التي كانت في الأرض الأولى لأنها قد غُفرت ولا التعب لأنه قد زال ولا أمجاد العالم لأنها كنور السراج بعد ما تشرق الشمس.

18 «بَلِ ٱفْرَحُوا وَٱبْتَهِجُوا إِلَى ٱلأَبَدِ فِي مَا أَنَا خَالِقٌ، لأَنِّي هَئَنَذَا خَالِقٌ أُورُشَلِيمَ بَهْجَةً وَشَعْبَهَا فَرَحاً».

خَالِقٌ أُورُشَلِيمَ يشير إلى قوة الله فإنه يقدر أن يخلق من لا شيء ويشير أيضاً إلى مجد أورشليم الجديدة وكمالها فإنه لا يبقى فيها شيء من الأشياء العتيقة. والأمر واضح أن تتميم هذه النبوءة لا يكمل في تجديد مدينة أورشليم القديمة بل أورشليم المشار إليها هي مسكن الله في الأرض الجديدة وبما أن ملكوت الله سيمتد في كل العالم يكون الله مع شعبه في كل مكان وتكون الأرض المتجددة كلها كأورشليم.

19 «فَأَبْتَهِجُ بِأُورُشَلِيمَ وَأَفْرَحُ بِشَعْبِي، وَلاَ يُسْمَعُ بَعْدُ فِيهَا صَوْتُ بُكَاءٍ وَلاَ صَوْتُ صُرَاخٍ».

ص 62: 5 ص 35: 10 و51: 11 ورؤيا 7: 17 و21: 4

يشير إلى محبة الله لشعبه كفرح الآب الحنون براحة أولاده فلا يغض النظر عنهم ولا يمنع عنهم شيئاً من الخير.

20 «لاَ يَكُونُ بَعْدُ هُنَاكَ طِفْلُ أَيَّامٍ وَلاَ شَيْخٌ لَمْ يُكْمِلْ أَيَّامَهُ. لأَنَّ ٱلصَّبِيَّ يَمُوتُ ٱبْنَ مِئَةِ سَنَةٍ، وَٱلْخَاطِئَ يُلْعَنُ ٱبْنَ مِئَةِ سَنَةٍ».

جامعة 8: 12

طِفْلُ أَيَّامٍ لا يموت طفل عمره أيام فقط وابن مئة سنة يحسب صبياً والذي يموت ابن مئة يحسب أنه مات قبل وقته بسبب خطاياه. ومن جهة تتميم الوعد نقول:

  1. إن الكلام هنا شعري لا يُفسر حرفياً وبما أن العمر الطويل كان محسوباً من أعظم البركات وعلامة رضا الله نفهم من هذا الكلام أن الله يعطي شعبه أفضل الخيرات بدون تعيين عمر الإنسان تماماً.

  2. إن العمر طويل أو قصير ليس باعتبار عدد السنين فقط بل أيضاً باعتبار نفعه فنحسب أن الذي عمل خيراً كثيراً ولو عاش سنين قليلة كان عمره طويلاً.

  3. قال بولس «لِيَ ٱشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ ٱلْمَسِيحِ» (فيلبي 1: 23). والعمر الطويل الذي يطلبه كل مسيحي هو الحياة الأبدية مع المسيح.

21 - 23 «21 وَيَبْنُونَ بُيُوتاً وَيَسْكُنُونَ فِيهَا، وَيَغْرِسُونَ كُرُوماً وَيَأْكُلُونَ أَثْمَارَهَا. 22 لاَ يَبْنُونَ وَآخَرُ يَسْكُنُ، وَلاَ يَغْرِسُونَ وَآخَرُ يَأْكُلُ. لأَنَّهُ كَأَيَّامِ شَجَرَةٍ أَيَّامُ شَعْبِي، وَيَسْتَعْمِلُ مُخْتَارِيَّ عَمَلَ أَيْدِيهِمْ. 23 لاَ يَتْعَبُونَ بَاطِلاً وَلاَ يَلِدُونَ لِلرُّعْبِ، لأَنَّهُمْ نَسْلُ مُبَارَكِي ٱلرَّبِّ وَذُرِّيَّتُهُمْ مَعَهُمْ».

لاويين 26: 16 وتثنية 28: 30 وص 62: 8 وعاموس 9: 14 مزمور 92: 12 ع 9 و15 تثنية 28: 41 وهوشع 9: 12 ص 61: 9

كَأَيَّامِ شَجَرَةٍ تعيش بعض الأشجار سنين كثيرة كالأرز والبلوط.

وَلاَ يَلِدُونَ لِلرُّعْبِ الوالدون ينتظرون الراحة والفرح بأولادهم فيفرحون بنجاحهم ويفتخرون بكرامتهم وفي الشيخوخة يستندون عليهم ومن اللعنات على تاركي الرب أنهم يلدون بنين وبنات ولا يكونون لهم لأنهم إلى السبي يذهبون (تثنية 28: 41) وإنهم يربون أولاداً فالرب يثكلهم (هوشع 9: 12).

24 «وَيَكُونُ أَنِّي قَبْلَمَا يَدْعُونَ أَنَا أُجِيبُ، وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بَعْدُ أَنَا أَسْمَعُ».

مزمور 32: 5 ودانيال 9: 21

انظر قول المسيح «أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه». وقوله «مهما سألتم باسمي فذلك أفعله».

25 «ٱلذِّئْبُ وَٱلْحَمَلُ يَرْعَيَانِ مَعاً، وَٱلأَسَدُ يَأْكُلُ ٱلتِّبْنَ كَٱلْبَقَرِ. أَمَّا ٱلْحَيَّةُ فَٱلتُّرَابُ طَعَامُهَا. لاَ يُؤْذُونَ وَلاَ يُهْلِكُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي قَالَ ٱلرَّبُّ».

ص 11: 6 و7 و9 تكوين 3: 14

(انظر ص 11: 6 - 9). يشير إلى الاتفاق والسلام بين بني البشر فلا يكون ظالمون وشرسون والذئاب والأسود والبهائم أيضاً ستحصل على نوع من الراحة والرحمة بسب امتداد التقوى في العالم.

أَمَّا ٱلْحَيَّةُ فَٱلتُّرَابُ طَعَامُهَا أي لا تلدغ الناس.

جَبَلِ قُدْسِي أورشليم وفي الوقت المشار إليه يكون العالم كله للرب فيصير كأورشليم.

وإذا قابلنا هذه المواعيد بما أتى في تثنية (ص 28) نرى (1) إن هذه المواعيد أعظم وأوسع. (2) إن المواعيد في تثنية تحت شروط «إن سمعت سمعاً إلى صوت الرب» الخ فيتبع المواعيد الوعيد. «إن لم تسمع لصوت الرب الخ» وأما هذه المواعيد فبلا شروط لأنها تشير إلى وقت يكون الإنسان قد ثبت في القداسة ومدة الامتحان والتجارب تكون قد مضت.

فوائد للوعاظ

عبيد الرب يمتازون عن تاركيه (ع 13 - 15) بما يأتي:

  1. إنهم يشبعون لأنهم يأكلون ويشربون بالشكر والقناعة ولهم خبز الحياة والماء الحي. وأما تاركو الرب فلا يشبعون فإن كثيرين منهم يحتاجون إلى الخبز للجسد لأن الفقر كثيراً ما ينتج عن الخطية والذين منهم لهم خبز للجسد لا يشبعون منه لأنهم عديمو الشكر والخبز الجسدي لا يقدر أن يُشبع النفس التي تشتاق إلى الغفران والسلام مع الله.

  2. إنهم يفرحون ويترنمون ولا يهتمون بشيء بل يلقون همومهم على الرب ولا يتألمون من وجود الحسد والبغض في قلوبهم ولا يخافون من الموت لأن خطاياهم مغفورة ولهم رجاء بالحياة الأبدية. وأما تاركو الرب يصرخون من كآبة قلب.

  3. إنهم بركة للعالم في خدمتهم وقدوتهم وصلواتهم وأما تاركو الرب فللعنة لأنهم يعيشون لأنفسهم ولا ينفعون أحداً ويسببون الخصومات والأحزان.

أفراح هذا العالم كسيل يملأ طريقه بمياهه العكرة وبضجيج ولكنه حالاً يمضي ويترك الأرض عطشة كما كانت وخربة أكثر مما كانت.

فليرجع إلى الرب كل من كان تركه فيقبله ويغفر له ويجعله أحد عبيده.

قبلما يدعون أستجيب (ع 24).

لا يمكن الإنسان أن يستجيب هكذا لأنه لا يفهم المطلوب إلا بعد الفحص والتأمل وليس له محبة كمحبة الله فلا يشعر كما يجب وليس له قدرة أن يعطي ويخلّص تماماً وأما الله فهو غير محدود بكل صفاته. فنتعلم ما يأتي:

  1. إن الله سبق فأعد للإنسان ما يحتاج إليه فإنه من البدء ذخر في الارض كنوزاً من الفحم والزيت والمعادن الثمينة وهو يرسل المطر ويشرق الشمس بلا طلب من خلائقه وأعد للإنسان وسائط بها يعرف الروحيات كالكتاب المقدس.

  2. إنه سبق فأعد للإنسان ما يطلبه منه بالصلاة قبلما يطلبه وكثيراً ما يعطي المطلوب حالاً مع أنه يلزم لتدبيره زمان طويل.

  3. إنه يشفق حالاً على المصابين وكثيراً ما يشعرون بقلوبهم بأن الله استجاب لهم قبلما تنتهي صلواتهم. وهو يغفر حالاً للتائب كما خرج الأب ليلاقي ابنه الضال فقبّله قبلما كمّل كلامه لأبيه.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ وَٱلسِّتُّونَ

موضوعه سعادة الإسرائيليين الحقيقيين وعقاب المرتدين. في القسم الثاني من نبوءته (ص 40 - 66) نظر النبي إلى السبي والرجوع منه والسبي الروحي أي عبودية الخطية والخلاص بالمسيح ومستقبل الكنيسة وامتداد الإنجيل في العالم. والأرجح أنه في هذا الأصحاح الأخير نظر إلى العهد الجديد وزوال خدمة الهيكل وانضمام كثيرين إلى الكنيسة ومقاومة اليهود غير المؤمنين وإلى المستقبل البعيد ومجد الكنيسة وغلبتها وتمام انتصارها على كل أعدائها.

1 «هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: ٱلسَّمَاوَاتُ كُرْسِيِّي وَٱلأَرْضُ مَوْطِئُ قَدَمَيَّ. أَيْنَ ٱلْبَيْتُ ٱلَّذِي تَبْنُونَ لِي، وَأَيْنَ مَكَانُ رَاحَتِي؟».

1ملوك 8: 27 و2أيام 6: 18 ومتّى 5: 34 و35 وأعمال 7: 48 و49 و17: 24

أَيْنَ ٱلْبَيْتُ ليس المقصود بهذا السؤال توبيخ اليهود لكونهم لم يبنوا بيتاً للرب لأنهم بنوا له الهيكل قبل السبي وبعد الرجوع من السبي جددوا البيت. ولا يشير هذا السؤال إلى أن الرب لا يطلب منهم أن يبنوا له بيتاً مطلقاً لأن سليمان بنى الهيكل بأمر الرب وجدده اليهود بعد السبي بأمره. فالأرجح أن القول يشير إلى أيام العهد الجديد والوقت الذي أشار إليه المسيح بقوله «تَأْتِي سَاعَةٌ، لاَ فِي هٰذَا ٱلْجَبَلِ، وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ... ٱلسَّاجِدُونَ ٱلْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِٱلرُّوحِ وَٱلْحَقِّ» (يوحنا 4: 21 - 23). وأما اليهود في زمان المسيح وبعده فكانوا يعتبرون الهيكل اعتباراً زائداً وتعليم المسيح ورسله هو أنه يجب أن يرفعوا أفكارهم عن هذه الرموز الجسدية وينظروا إلى رب الهيكل ويقدموا له عبادة روحية حقيقية. انظر خطاب استفانوس (أعمال 7: 48) وخطاب بولس في أثينا (أعمال 17: 24) فكل منهما استنتج من هذا القول في إشعياء زوال الهيكل وخدمته . فلا نعتبر الكنائس التي نجتمع ونسجد فيها كأنها هياكل مثل الهيكل في أورشليم لأنها كثيرة وهي في أماكن كثيرة وغايتها اتحاد شعب الله في تقديم الصلوات والتسبيحات وتلاوة الكتاب المقدس مع تفسيره وليست لتقديم الذبائح والبخور والتقدمات مع أنه يجب أن هذه الكنائس تكون في بنائها وخدمتها كما يليق بعبادة الرب.

2 «وَكُلُّ هٰذِهِ صَنَعَتْهَا يَدِي، فَكَانَتْ كُلُّ هٰذِهِ يَقُولُ ٱلرَّبُّ. وَإِلَى هٰذَا أَنْظُرُ: إِلَى ٱلْمِسْكِينِ وَٱلْمُنْسَحِقِ ٱلرُّوحِ وَٱلْمُرْتَعِدِ مِنْ كَلاَمِي».

ص 57: 15 و61: 1 مزمور 34: 18 و51: 17 عزرا 9: 4 و10: 3 وأمثال 28: 14 وع 5

وَكُلُّ هٰذِهِ أي السموات والأرض.

فَكَانَتْ كُلُّ هٰذِهِ يشير إلى الخلق في البدء. قال الله ليكن فكان. والمعنى:

(1) إن الهيكل المصنوع بأيدي الناس كلا شيء بالنسبة إلى السموات والأرض التي صنعها الله.

(2) إن السموات والأرض أقل اعتباراً عنده من الروح المنسحق لأن الخلائق الروحية تزيد قيمة الخلائق المادية مهما كانت عظيمة وجميلة كما أن للأولاد قيمة عند والديهم أكثر من البيوت والحقول.

ٱلْمِسْكِينِ وَٱلْمُنْسَحِقِ (ص 57: 15) وانظر قول بولس (1كورنثوس 3: 16) «إِنَّكُمْ هَيْكَلُ ٱللّٰهِ، وَرُوحُ ٱللّٰهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ» ومعنى القول هنا أنه في العهد الجديد يحل روح الله على كل من المؤمنين في كل مكان ويسكن فيه فلا يحتاج إلى هيكل كهيكل أورشليم ليقدم السجود فيه.

3 «مَنْ يَذْبَحُ ثَوْراً فَهُوَ قَاتِلُ إِنْسَانٍ. مَنْ يَذْبَحُ شَاةً فَهُوَ نَاحِرُ كَلْبٍ. مَنْ يُصْعِدُ تَقْدِمَةً يُصْعِدُ دَمَ خِنْزِيرٍ. مَنْ أَحْرَقَ لُبَاناً فَهُوَ مُبَارِكٌ وَثَناً. بَلْ هُمُ ٱخْتَارُوا طُرُقَهُمْ، وَبِمَكْرُهَاتِهِمْ سُرَّتْ أَنْفُسُهُمْ».

ص 1: 11 تثنية 23: 18 لاويين 2: 2

مَنْ يَذْبَحُ ثَوْراً أشار إلى ذبائح وتقدمات غير مقبولة وهي أولاً المقدمة بلا إيمان ولا طاعة (انظر ص 1: 11 - 16). وربما أشار النبي أيضاً إلى أيام العهد الجديد (انظر متّى 27: 1) «تَشَاوَرَ جَمِيعُ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَشُيُوخُ ٱلشَّعْبِ عَلَى يَسُوعَ حَتَّى يَقْتُلُوهُ» و(يوحنا 18: 28) «لَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ ٱلْوِلاَيَةِ لِكَيْ لاَ يَتَنَجَّسُوا، فَيَأْكُلُونَ ٱلْفِصْحَ». وربما أشار أيضاً إلى الذين قدموا ذبائح بعدما أتى المسيح فاحتقروه كأن كفارته ليست كافية.

بَلْ هُمُ ٱخْتَارُوا طُرُقَهُمْ المتجدد في قلبه بفعل روح الله لا يختار الخطية ولا يسر بها غير أنه يسقط أحياناً لعدم الانتباه وبلا قصد فيحزن ويتوب ويرجع إلى الله وأما المذكورون هنا فيختارون الخطية ويسرون بها وهكذا كان البعض في أيام النبي فيذكرهم في (ص 57 و59 و65) وأشار إلى غير المؤمنين في العهد الجديد وفي كل جيل.

4 «فَأَنَا أَيْضاً أَخْتَارُ مَصَائِبَهُمْ، وَمَخَاوِفَهُمْ أَجْلِبُهَا عَلَيْهِمْ. مِنْ أَجْلِ أَنِّي دَعَوْتُ فَلَمْ يَكُنْ مُجِيبٌ. تَكَلَّمْتُ فَلَمْ يَسْمَعُوا. بَلْ عَمِلُوا ٱلْقَبِيحَ فِي عَيْنَيَّ، وَٱخْتَارُوا مَا لَمْ أُسَرَّ بِهِ».

أمثال 1: 24 وص 65: 12 وإرميا 7: 13

فَأَنَا أَيْضاً أَخْتَارُ مَصَائِبَهُمْ يقدر الإنسان أن يختار طرقه في التمرد على الرب والافتراء والظلم ولكنه لا يقدر أن يختار مصائبه فتأتيه الأمراض والأحزان والفقر والضيق كما يريد الرب. يقول الرب للمؤمنين «لا تخافوا» ويقول لغير المؤمنين «مخاوفكم اجلبها عليكم» بأمر المؤمنين أن يسألوا ما أراداو فيعطيهم وينبئ غير المؤمنين بأنه سيدعونه فلا يسمع ويطلبون منه فلا يستجيب وكما فعلوا به يفعل بهم. وهذه المصائب أصابت اليهود على أنواع كثيرة ولا سيما في خراب أورشليم بيد الرومانيين.

5 «اِسْمَعُوا كَلاَمَ ٱلرَّبِّ أَيُّهَا ٱلْمُرْتَعِدُونَ مِنْ كَلاَمِهِ. قَالَ إِخْوَتُكُمُ ٱلَّذِينَ أَبْغَضُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ مِنْ أَجْلِ ٱسْمِي: لِيَتَمَجَّدِ ٱلرَّبُّ. فَيَظْهَرُ لِفَرَحِكُمْ، وَأَمَّا هُمْ فَيَخْزَوْنَ».

ع2 ص 5: 19 و2تسالونيكي 1: 10 وتيطس 2: 13

الكلام هنا للأتقياء من اليهود وإخوتهم الذين أبغضوهم هم الأشرار وغير المؤمنين من اليهود. (انظر أعمال 22: 1) حيث بولس خاطب اليهود المضطهدين كإخوة.

ٱلَّذِينَ أَبْغَضُوكُمْ قال المسيح (يوحنا 15: 18) «ٱلْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ».

مبغضين لأَجْلِ ٱسْمِي (متّى 24: 9).

لِيَتَمَجَّدِ ٱلرَّبُّ قول المضطهدين تهكماً كالقول ليخلّصكم الرب فنرى ونصدق أنه معكم.

وَأَمَّا هُمْ فَيَخْزَوْنَ يخزون عندما يرون نجاة إسرائيل من سبي بابل ويخزى أعداء الكنيسة في أيام العهد الجديد عندما يرون نجاحها فيظهر أن مقاومتهم للرب لا لجماعة من الفقراء والضعفاء فقط كما ظنوا.

6 «صَوْتُ ضَجِيجٍ مِنَ ٱلْمَدِينَةِ. صَوْتٌ مِنَ ٱلْهَيْكَلِ. صَوْتُ ٱلرَّبِّ مُجَازِياً أَعْدَاءَهُ».

كانت أورشليم مدينة الرب والهيكل مكان راحته فالنبي رآه في الرؤيا قائماً مثل جبار بضجيج وصوت لينتقم من أعدائه (عاموس 1: 2 ويوئيل 3: 16 وص 33: 14) وأعداء الرب هم اليهود غير المؤمنين المذكورين في (ع 5). ولعل الخراب المشار إليه هو خراب أورشليم بيد الرومانيين الذي كان مخيفاً ومهما جداً لأنه علامة إلغاء النظام القديم الرمزي.

7، 8 «7 قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا ٱلطَّلْقُ وَلَدَتْ. قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهَا ٱلْمَخَاضُ وَلَدَتْ ذَكَراً. 8 مَنْ سَمِعَ مِثْلَ هٰذَا؟ مَنْ رَأَى مِثْلَ هٰذِهِ؟ هَلْ تَمْخَضُ بِلاَدٌ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، أَوْ تُولَدُ أُمَّةٌ دَفْعَةً وَاحِدَةً؟ فَقَدْ مَخَضَتْ صِهْيَوْنُ، بَلْ وَلَدَتْ بَنِيهَا!».

الخراب المشار إليه في (ع 6) هو للمدينة والهيكل واليهود غير المؤمنين ولكنه لا يكون خراب شعب الله الحقيقيين.

قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا ٱلطَّلْقُ أورشليم أولاً وفي العهد الجديد شُبهت الكنيسة بوالدة ولكنها ليست كوالدة بما أن الازدياد يكون بغتة كأنه في يوم واحد أو دفعة واحدة. وهكذا كان الرجوع من السبي فإن نحو 42000 من رجال شعب إسرائيل أتوا إلى أورشليم في وقت واحد (عزرا 2: 64) ويوم الخمسين انضم إلى الكنيسة نحو 3000 في يوم واحد ومن يوم الخمسين وصاعداً نمت الكنيسة وامتدت بسرعة عجيبة. كالنمو في الجزائر في أيامنا فإنه عمّد قسيس واحد 13000 في مدة حياته منهم 5000 في سنة واحدة وفي بعض الجزائر انتقل الشعب كله من الظلمة الوثنية إلى نور الإنجيل حتى لا يوجد واحد منهم يسجد للأصنام وذلك كله في مدة خمسين سنة.

وَلَدَتْ ذَكَراً ربما يشير إلى الفرح الكامل لأنه كان للأولاد الذكور اعتبار خاص عند اليهود. ويظن البعض أن الذكر يشير إلى القوة.

مَنْ سَمِعَ مِثْلَ هٰذَا أي هذا الأمر وهو نمو الكنيسة العجيب.

مَنْ رَأَى مِثْلَ هٰذِهِ أي هذه الأمور كلها وهي تجديد بعض اليهود وانضمام الأمم وامتداد الإنجيل في كل المسكونة الخ.

9 «هَلْ أَنَا أُمْخَضُ وَلاَ أُوَلِّدُ يَقُولُ ٱلرَّبُّ، أَوْ أَنَا ٱلْمُوَلِّدُ هَلْ أُغْلِقُ ٱلرَّحِمَ، قَالَ إِلٰهُكِ؟».

الأمر المذكور في العدد السابق هو أمر عجيب نظراً إلى القوة البشرية ولكنه ليس عجيباً نظراً إلى قوة الله وأمانته. وكان أمراً عجيباً لو ابتدأ الرب في عمل ولم يكمله فإنه اختار إسرائيل وخلّصهم من عبودية مصر ومن سبي بابل وأرسل إليهم أنبياء ورسلاً وأخيراً بذل ابنه فمن الضرورة يكون نجاح الكنيسة كما يليق بمن فداها واعتنى بها.

10، 11 «10 ٱفْرَحُوا مَعَ أُورُشَلِيمَ وَٱبْتَهِجُوا مَعَهَا يَا جَمِيعَ مُحِبِّيهَا. اِفْرَحُوا مَعَهَا فَرَحاً يَا جَمِيعَ ٱلنَّائِحِينَ عَلَيْهَا 11 لِتَرْضَعُوا وَتَشْبَعُوا مِنْ ثَدْيِ تَعْزِيَاتِهَا. لِتَعْصِرُوا وَتَتَلَذَّذُوا مِنْ دِرَّةِ مَجْدِهَا».

أورشليم أو الكنيسة المشبهة بوالدة والذين يحبونها والذين ينوحون عليها في مدة ضيقها مشبهون بأولادها فيشتركون معها بتعزيتها وحياتها الروحية. وكان لداود وجميع الأتقياء في العهد القديم محبة عظيمة لأورشليم والهيكل (مزمور 27: 4 و42: 1 - 4 و63: 1 و2 و65: 4 و84 و122). ومن الضرورة أن كل من يحب المسيح يحب كنيسته فيفرح بنجاحها ويحزن بضيقاتها ويصلي لأجلها ويحضر اجتماعاتها ويساعدها بالمال والخدمة ويغير لها.

لِتَرْضَعُوا انظر قول بطرس (1بطرس 2: 2) «كَأَطْفَالٍ مَوْلُودِينَ ٱلآنَ ٱشْتَهُوا ٱللَّبَنَ ٱلْعَقْلِيَّ ٱلْعَدِيمَ ٱلْغِشِّ لِكَيْ تَنْمُوا بِهِ». واللبن العقلي هو تعليم الكنيسة أي الكتب المقدسة.

تَعْزِيَاتِهَا من تعزيات الكنيسة المواعظ من المنبر وزيارة الرعاة للمرضى والحزانى وشركة الإخوة والصلوات والخدمة المتبادلة.

مِنْ دِرَّةِ مَجْدِهَا كل عضو في الكنيسة مشترك في مجدها ومهما عملت الكنيسة من الأعمال الحسنة نقول «عملنا» فالشهداء والوعاظ والأفاضل في كل الأجيال صاروا رفقاءنا.

12 «لأَنَّهُ هٰكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: هَئَنَذَا أُدِيرُ عَلَيْهَا سَلاَماً كَنَهْرٍ، وَمَجْدَ ٱلأُمَمِ كَسَيْلٍ جَارِفٍ، فَتَرْضَعُونَ، وَعَلَى ٱلأَيْدِي تُحْمَلُونَ وَعَلَى ٱلرُّكْبَتَيْنِ تُدَلَّلُونَ».

ص 48: 18 و60: 5 ص60: 16 ص 49: 22 و60: 4

أُدِيرُ عَلَيْهَا سَلاَماً السلام من الرب وهو يدبره على الكنيسة كما يسقي الإنسان حقله. وكان الرب مستعداً أن يعطيها هذا السلام في القديم لو أصغت لوصاياه (ص 48: 18). و«السل الجارف» يشير إلى قوة أشور المهلكة (ص 8: 7) فهذه القوة العالمية التي كانت للهلاك تكون لإغناء الكنيسة ومجدها. وهذا السلام كنهر لأنه كثير ومفيد ولا ينقطع.

فَتَرْضَعُونَ جميع المؤمنين هم أبناء الكنيسة من اليهود كانوا أم من الأمم فيتمتعون بمحبتها وتربيتها كأطفال من والدتهم.

13 «كَإِنْسَانٍ تُعَزِّيهِ أُمُّهُ هٰكَذَا أُعَزِّيكُمْ أَنَا، وَفِي أُورُشَلِيمَ تُعَزَّوْنَ».

أُعَزِّيكُمْ وإن كانت الكنيسة كوالدة تعزيتها ومحبتها ليست منها أصلاً بل من الرب. ومحبة الرب لشعبه تشتمل على كل أنواع المحبة فتكون كمحبة الأب ومحبة الأم أيضاً ومحبة الأم لطفلها ومحبتها لابنها البالغ ومحبة الأم تمتاز عن غيرها بما أن الأم تعرف أولادها أحسن من غيرها فتناسب تعزيتها لكل منهم كما يحتاج. والأم تبذل نفسها في خدمة أولادها وتحتمل لأجلهم آلام وخسارة أكثر من غيرها. وهكذا محبة الله لأولاده.

فِي أُورُشَلِيمَ هذا الوعد يتضمن ما يأتي:

  1. إنهم سيرجعون إلى وطنهم فيكونون في أورشليم.

  2. إن أورشليم مسكن الرب ومصدر التعزية وعلى كل من يطلب التعزية أن ينظر إليها وهكذا في العهد الجديد على كل من يطلب التعزية أن يعتبر الكنيسة كمسكن الرب والمكان الذي يظهر نفسه فيه أحسن ظهور.

14 «فَتَرَوْنَ وَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ وَتَزْهُو عِظَامُكُمْ كَٱلْعُشْبِ وَتُعْرَفُ يَدُ ٱلرَّبِّ عِنْدَ عَبِيدِهِ، وَيَحْنَقُ عَلَى أَعْدَائِهِ».

حزقيال 37: 1 الخ

وَتَزْهُو عِظَامُكُمْ كَٱلْعُشْبِ العظام مركز قوة الجسد وشُبهت العظام الصحيحة بالعشب لأن مخها طريءٌ.

وَتُعْرَفُ يَدُ ٱلرَّبِّ سيعرفون أن هذه البركات هي من الرب وإن هلاك أعدائهم كذلك.

15، 16 «15 لأَنَّهُ هُوَذَا ٱلرَّبُّ بِٱلنَّارِ يَأْتِي، وَمَرْكَبَاتُهُ كَزَوْبَعَةٍ لِيَرُدَّ بِحُمُوٍّ غَضَبَهُ، وَزَجْرَهُ بِلَهِيبِ نَارٍ. 16 لأَنَّ ٱلرَّبَّ بِٱلنَّارِ يُعَاقِبُ وَبِسَيْفِهِ عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، وَيَكْثُرُ قَتْلَى ٱلرَّبِّ».

ص 9: 5 و2تسالونيكي 1: 8 ص 27: 1

شُبّه انتقام الرب من أعدائه بقائد جيش كجيش أشور المعروف عند اليهود في عصر إشعياء ومركباته كزوبعة بالسرعة والقوة. وربما أشار السيف إلى الحروب والنار إلى الدمار بقوات طبيعية.

لِيَرُدَّ بِحُمُوٍّ غَضَبَهُ لا يسكّن غضبه بل يشبعه ويظهره بإهلاك أعدائه. والأرجح أن هذه النبوءة المخيفة تمت في خراب أورشليم بيد الرومانيين الذي فيه عملت النار والسيف فكان قتلى كثيرين. يكون أولاً الانتقام من الأعداء وتكون بعده إقامة ملكوت المجد والسلام (انظر ص 34) في ذكر انتقام الرب من أدوم والأصحاح الذي بعده الذي يذكر بركات ملكوت المسيح (وانظر رؤيا 19 و20) فإنهما يذكران ملاك الشيطان وجميع أتباعه. و(انظر ص 21) الذي يذكر سعادة المؤمنين في أورشليم السماوية لأن ليس في السماء مكان للخطية أو المقاومي الرب.

17 «ٱلَّذِينَ يُقَدِّسُونَ وَيُطَهِّرُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي ٱلْجَنَّاتِ وَرَاءَ وَاحِدٍ فِي ٱلْوَسَطِ، آكِلِينَ لَحْمَ ٱلْخِنْزِيرِ وَٱلرِّجْسَ وَٱلْجُرَذَ، يَفْنَوْنَ مَعاً، يَقُولُ ٱلرَّبُّ».

ص 65: 3 و4

وَرَاءَ وَاحِدٍ فِي ٱلْوَسَطِ يشير إلى عبادة منظمة أي إلى عبّاد مجتمعين ولهم كاهن ورئيس. وكان في عصر إشعياء عبادة وثنية كالمذكورة هنا وأما في زمان المسيح فلم توجد. ولكن لما خرب الرومانيون أورشليم جازى الرب ذلك الجيل بآثام آبائهم (ص 65: 7 ومتّى 23: 31). وقال المسيح «إن الفريسيين أبناء قتلة الأنبياء» أي خطاياهم وخطايا آبائهم هي جوهر واحد وإن كانت مختلفة في الصور الخارجية. والنبي يصف خطايا الأجيال القادمة باستعمال ألفاظ مأخوذة من الخطايا المعروفة في أيامه. والمظنون أن الجُرذ كالخنزير كان يقدم للأصنام في العبادة وأكل العبّاد إياه كان علامة الاتحاد بين الصنم وعبّاده.

18 «وَأَنَا أُجَازِي أَعْمَالَهُمْ وَأَفْكَارَهُمْ. حَدَثَ لِجَمْعِ كُلِّ ٱلأُمَمِ وَٱلأَلْسِنَةِ، فَيَأْتُونَ وَيَرَوْنَ مَجْدِي».

أَعْمَالَهُمْ وَأَفْكَارَهُمْ الرب يعرف الأفكار فيجازي عليها كما يجازي على الأعمال.

حَدَثَ أي حدث الوقت لجميع كل الأمم كقول حزقيال (حزقيال 7: 7 و12) «بلغ الوقت».

يَرَوْنَ مَجْدِي أي مجد الرب في الخلاص وفي المجازاة والذين يأتون ويرون هم الأمم الذين ينضمون إلى الكنيسة عوضاً عن اليهود غير المؤمنين.

19 «وَأَجْعَلُ فِيهِمْ آيَةً، وَأُرْسِلُ مِنْهُمْ نَاجِينَ إِلَى ٱلأُمَمِ، إِلَى تَرْشِيشَ وَفُولَ وَلُودَ ٱلنَّازِعِينَ فِي ٱلْقَوْسِ. إِلَى تُوبَالَ وَيَاوَانَ، إِلَى ٱلْجَزَائِرِ ٱلْبَعِيدَةِ ٱلَّتِي لَمْ تَسْمَعْ خَبَرِي وَلاَ رَأَتْ مَجْدِي، فَيُخْبِرُونَ بِمَجْدِي بَيْنَ ٱلأُمَمِ».

لوقا 2: 34 ملاخي 1: 11

وَأَجْعَلُ فِيهِمْ آيَةً الآيات والعجائب التي بها شهد الله مع الرسل (عبرانيين 2: 4 ومرقس 16: 17 وأعمال 2: 43) والبعض فهموا أن المسيح نفسه هو الآية (لوقا 2: 34).

وَأُرْسِلُ مِنْهُمْ نَاجِينَ إِلَى ٱلأُمَمِ أي اليهود المؤمنين الذين نجوا من المجازاة المذكورة انظر قول بطرس (أعمال 2: 40) «ٱخْلُصُوا مِنْ هٰذَا ٱلْجِيلِ ٱلْمُلْتَوِي». وأرسلهم الرب إلى كل العالم ليبشروا الوثنيين بالمسيح فيخبروا بمجد الله. «ترشيش» في أسبانيا و«فول» (أو فوط حزقيال 27: 10) و«لود» قبيلتان في إفريقية إلى جهة الجنوب من مصر. كان اللوديون مشهورين باستعمال القوس كما يظهر من الكتابات القديمة. «توبال» قبيلة مسكنها بين البحر الأسود وبحر قزوين. و«ياوان» هم سكان بلاد اليونان.

ٱلْجَزَائِرِ ٱلْبَعِيدَةِ النبي ميّز بين القبائل القريبة التي كانت قد سمعت ورأت مجد الرب والجزائر البعيدة التي لم تسمع ولا رأت. وهذه القبائل البعيدة مذكورة بالنيابة عن كل الأمم فإن ترشيش كانت في أقصى الغرب وفوط ولود في أقصى الجنوب وتوبال في أقصى الشمال.

20 «وَيُحْضِرُونَ كُلَّ إِخْوَتِكُمْ مِنْ كُلِّ ٱلأُمَمِ تَقْدِمَةً لِلرَّبِّ عَلَى خَيْلٍ وَبِمَرْكَبَاتٍ وَبِهَوَادِجَ وَبِغَالٍ وَهُجُنٍ إِلَى جَبَلِ قُدْسِي أُورُشَلِيمَ قَالَ ٱلرَّبُّ، كَمَا يُحْضِرُ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَقْدِمَةً فِي إِنَاءٍ طَاهِرٍ إِلَى بَيْتِ ٱلرَّبِّ».

رومية 15: 16

وَيُحْضِرُونَ البعض يفهمون أن المؤمنين من الأمم سيحضرون اليهود المشتتين كما في (ص 14: 2 و49: 22 و60: 9) فيقدمون هؤلاء اليهود تقدمة للرب. وأما البعض فيفهمون إن المرسلين المشار إليهم في (ع 19) «وَأُرْسِلُ مِنْهُمْ نَاجِينَ إِلَى ٱلأُمَمِ» سيحضرون مؤمنين من الأمم إلى أورشليم أي إلى الكنيسة وهؤلاء المؤمنين سموا إخوة اليهود أي إخوتهم بالإيمان لا بالجسد وهم تقدمة للرب كما قال بولس الرسول (رومية 15: 16) «حَتَّى أَكُونَ خَادِماً لِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ لأَجْلِ ٱلأُمَمِ، مُبَاشِراً لإِنْجِيلِ ٱللّٰهِ كَكَاهِنٍ، لِيَكُونَ قُرْبَانُ ٱلأُمَمِ مَقْبُولاً مُقَدَّساً».

عَلَى خَيْلٍ ذكر النبي أحسن وسائط السفر المعروفة في يومه. ولا نفهم حقيقة أنهم يحضرون إلى أورشليم بل إنهم يدخلون الكنيسة وإن الرب يدبر أحسن الوسائط لانتشار الإنجيل وفي عصرنا الوسائط هي المدارس وتوزيع الكتاب المقدس والمستشفيات وما أشبه ذلك ويسافر المبشرون اليوم على سكك حديدية أو على مراكب بخارية. والتقدمة تكون مقبولة كتقدمة بني إسرائيل في إناء طاهر إلى بيت الرب.

21 «وَأَتَّخِذُ أَيْضاً مِنْهُمْ كَهَنَةً وَلاَوِيِّينَ قَالَ ٱلرَّبُّ».

خروج 19: 6 وص 61: 6 و1بطرس 2: 9 ورؤيا 1: 6

مِنْهُمْ من مؤمني الأمم.

كَهَنَةً كل المؤمنين كهنة من جهة الصلاة والتسبيح ولكن المعنى هنا هو أن الرب يتخد من الأمم أناساً يكونون متوظفين في الكنيسة قسوساً ومعلمين.

22 «لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلسَّمَاوَاتِ ٱلْجَدِيدَةَ وَٱلأَرْضَ ٱلْجَدِيدَةَ ٱلَّتِي أَنَا صَانِعٌ تَثْبُتُ أَمَامِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ، هٰكَذَا يَثْبُتُ نَسْلُكُمْ وَٱسْمُكُمْ».

ص 65: 17 و2بطرس 3: 13 ورؤيا 21: 1

يَثْبُتُ نَسْلُكُمْ وَٱسْمُكُمْ اليهود يفهمون أن هذا الوعد لهم كنسل إبراهيم بالجسد والأرجح أن الوعد للكنيسة المشتملة على جميع المؤمنين يهوداً وأمماً. قال الرب (ص 65: 15) إنه يسمي عبيده «اسماً آخر» وهنا يقول «يثبت اسمكم». أي بالنظام اليهودي أشياء ثبتت وأشياء بطلت والأمر كأمر الإنسان وثيابه فإن الإنسان يثبت وأما ثيابه فتبلى والنسل الذي يثبت هو النسل الروحي لا النسل الجسدي والاسم الذي يثبت هو اسم شعب الله لا اسم شعب إسرائيل فليس لليهود المؤمنين في عصر إشعياء عندما يسمعون هذه النبوءات أن يحزنوا على زوال نسلهم واسمهم لأن نسل المؤمنين لا ينقطع واسم شعب الله لا يبطل.

23، 24 «23 وَيَكُونُ مِنْ هِلاَلٍ إِلَى هِلاَلٍ وَمِنْ سَبْتٍ إِلَى سَبْتٍ، أَنَّ كُلَّ ذِي جَسَدٍ يَأْتِي لِيَسْجُدَ أَمَامِي قَالَ ٱلرَّبُّ. 24 وَيَخْرُجُونَ وَيَرَوْنَ جُثَثَ ٱلنَّاسِ ٱلَّذِينَ عَصَوْا عَلَيَّ، لأَنَّ دُودَهُمْ لاَ يَمُوتُ وَنَارَهُمْ لاَ تُطْفَأُ، وَيَكُونُونَ رَذَالَةً لِكُلِّ ذِي جَسَدٍ».

زكريا 14: 16 مزمور 65: 2 ع 16 مرقس 9: 44 و46 و48

هذا لا يتم حقيقة فإنه لا يمكن أن كل ذي جسد يحضر إلى أورشليم في السبوت والأعياد. وهكذا من جهة الجثث والدود والنار. وخاتمة هذه النبوءة كخاتمة الكتاب المقدس كله (رؤيا 21: 8) أي في اليوم الأخير يكون انفصال وتقوم المدينة المقدسة أي أورشليم الجديدة وضمنها شعب الله المجموع من كل أمة يقدم عبادة دائمة وخارج المدينة يكون الخائفون وغير المؤمنين والرجسة والقتلة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني.

فوائد للوعاظ

إلى هذا انظر إلى المسكين والمنسحق الروح (ع 2)

نتعلم من هذا:

  1. لا يكتفي اعتبار الرب للهيكل وأماكن الصلاة. لأنها ظرف للجوهر والجوهر هو السجود القلبي.

  2. اعتبار الرب للقلب المنسحق. السماء لا تسعه ولكنه يسكن مع المنسحق (ص 57: 15) وذلك لأسباب:

    أولاً: أن لنفس الإنسان قيمة أكثر من جميع الماديات.

    ثانياً: إن القلب المنسحق هو القلب التائب عن الخطية والخالي من الكبرياء فيكون موافقاً لحلول الله فيه.

  3. ينتج من سكنى الرب في القلب ما يأتي:

    أولاً: الجواب للصلاة «قبلما يدعون أنا أجيب».

    ثانياً: التعزية كتعزية الأم.

    ثالثاً: الأثمار الجيدة «الذي ثبت فيّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير».

    رابعاً: الفرح الكامل.

العذاب الأبدي والسعادة الأبدية (ع 22 و23)

نتعلم من هذا:

  1. إن الكتاب المقدس جعل قدامنا الحياة والموت (تثنية 30: 19) وأما الإنسان فيريد لو أمكن أن ينكر وجود العذاب الأبدي فيسكن خوفه بقوله إن الله لا يهلك أحداً مهما كانت خطاياه فإن الله جمع الخطية والموت ولا يقدر الإنسان أن يفصل بينهما.

  2. لا يلزم ضرورة اعتقاد أن السعادة والعقاب هما في الأمور المادية فالنهر والأشجار والحجارة الكريمة هي أمثلة أفراح روحية وكذلك النار والكبريت أمثلة عذاب روحي ولا شك في أن أعظم فرح يكون بالاقتراب إلى الله ورضاه وأعظم عذاب يكون بالابتعاد عنه وبغضبه.

  3. لا تكون سعادة المفديين جميعهم سواء لأن للبعض استعداداً أكثر من البعض وكذلك عذاب الهالكين (لوقا 12: 47 و48 و19: 17 و19).

  4. الله محبة والله عادل ولا نقدر أن نفهم جميع طرقه ولكننا سنفهم ما لا نفهمه الآن.


Call of Hope 
P.O.Box 10 08 27 
D - 70007
Stuttgart
Germany