العودة الى الصفحة السابقة
شرح سفر أيوب

شرح سفر أيوب

السّنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

للقس . وليم مارش


Table of Contents

Bibliography
مقدمة
مقدمة سفر أيوب
اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْعَاشِرُ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ عَشَرَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلْعِشْرُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلأَرْبَعُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلأَرْبَعُونَ
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلأَرْبَعُونَ

Bibliography

السّنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم: شرح سفر أيوب. للقس . وليم مارش . Copyright © 2009 All rights reserved Call of Hope. . صدر عن مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بيروت 1973. . English title: . German title: . Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 D - 70007 Stuttgart Germany http: //www.call-of-hope.com .

مقدمة

تفتقر خزانة الأدب المسيحي إلى مجموعة كاملة من التفاسير لكتب العهدين القديم والجديد. ومن المؤسف حقاً أنه لا توجد حالياً في أية مكتبة مسيحية في شرقنا العربي مجموعة تفسير كاملة لأجزاء الكتاب المقدس. وبالرغم من أن دور النشر المسيحية المختلفة قد أضافت لخزانة الأدب المسيحي عدداً لا بأس به من المؤلفات الدينية التي تمتاز بعمق البحث والاستقصاء والدراسة، إلا أن أياً من هذه الدور لم تقدم مجموعة كاملة من التفاسير، الأمر الذي دفع مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بالإسراع لإعادة طبع كتب المجموعة المعروفة باسم: «كتاب السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم» للقس وليم مارش، والمجموعة المعروفة باسم «الكنز الجليل في تفسير الإنجيل» وهي مجموعة تفاسير كتب العهد الجديد للعلامة الدكتور وليم إدي.

ورغم اقتناعنا بأن هاتين المجموعتين كتبتا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلا أن جودة المادة ودقة البحث واتساع الفكر والآراء السديدة المتضمنة فيهما كانت من أكبر الدوافع المقنعة لإعادة طبعهما.

هذا وقد تكرّم سينودس سوريا ولبنان الإنجيلي مشكوراً - وهو صاحب حقوق الطبع - بالسماح لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى بإعادة طبع هاتين المجموعتين حتى يكون تفسير الكتاب في متناول يد كل باحث ودارس.

ورب الكنيسة نسأل أن يجعل من هاتين المجموعتين نوراً ونبراساً يهدي الطريق إلى معرفة ذاك الذي قال: «أنا هو الطريق والحق والحياة».

القس ألبرت استيرو

الأمين العام

لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى

مقدمة سفر أيوب

يقسم هذا السفر إلى ثلاثة أقسام:

  1. مقدمة.

  2. خُطب أيوب وأصحابه وكلام الله وجواب أيوب لله.

  3. خاتمة.

إن المقدمة والخاتمة مؤلفتان من نثر تاريخي والخطب مؤلفة من شعر أنيق فصيح ليس له مثل في جميع المؤلفات القديمة.

ومحاورة أيوب وأصحابه مرتبة أحسن ترتيب. فيتكلم كل من الأصحاحات الثلاثة ثلاث مرات ما عدا صوفر فإنه تكلم مرتين فقط. وجاوب أيوب عن كل من الخطب. وخلاصة كلام الأصحاحات أن الله عادل وإنه لا يتألم إلا من أخطأ إليه فاستنتجوا أن أيوب قد أخطأ خطايا عظيمة وإلا لم تصبه تلك البلايا العظيمة وأما أيوب فرفض هذه النتيجة وصرّح أنه لم يقترف الخطايا المنسوبة إليه وبعد ما وصف آلامه الشديدة وحيرة أفكاره صرّح باشتياقه إلى الله وقال «مَنْ يُعْطِينِي أَنْ أَجِدَهُ فَآتِيَ إِلَى كُرْسِيِّهِ! لأَنَّهُ يَعْرِفُ طَرِيقِي. إِذَا جَرَّبَنِي أَخْرُجُ كَٱلذَّهَبِ» (23: 3 و10). وبعد كلام الأصحاب الثلاثة تقدم أليهو ومع تكرار بعض الكلام السابق بيّن أن الآلام قد تكون تأديباً غايتها خير المؤدب بها. وأما الشكل فلم يُحل لا بكلام أصحاب أيوب ولا بكلام الرب ولم يزل بلا حلّ إلى أيامنا هذه لأن الإنسان لا يقدر أن يفهم كل طرق الرب فإننا نعرف من الجهة الواحدة إن الله عادل وقادر على كل شيء ويحب الإنسان ونعرف من الجهة الأخرى أن الخطيئة في العالم وشعب الله يتألمون ويُضطهدون ويُظلمون ولا نقدر أن نوفق بين الأمرين فعلى الإنسان أن يصدق أن الله يدبر كل شيء حسناً فيتكل عليه ويسلم لإرادته. ووجد أيوب الراحة لنفسه لما اقترب الله إليه واقترب هو إلى الله بالتوبة والإيمان.

ومن فوائد هذا السفر نذكر:

  1. إن الأبرار كثيراً ما يتألمون.

  2. إن الآلام لا تدل على أن المتألم بها قد فاق غيره في الخطاء.

  3. إن البار الحقيقي لا يتقي الله طمعاً في أجر بل يطيعه ويتكل عليه على رغم المصائب.

  4. إن الإنسان لا يقدر أن يفهم جميع طرق الرب.

  5. إن أحسن حل للمشاكل هو الإيمان بأن الله موجود وإنه يدبر كل أمور العالم وأمور الناس أفراداً ويديرها بغاية القدرة والحكمة.

ومما نتعلم من العهد الجديد زيادة على ما في العهد القديم:

  1. إن يسوع تألم مع أنه بلا خطيئة فلا عجب إذا تألم المؤمنون به.

  2. إن يسوع أعلن لنا خيرات أفضل من المال والصحة أي الفضائل الروحية كالمحبة والصبر والصدق والطهارة ولم يطوّب المسيح الأغنياء والأقوياء بل طوّب المساكين بالروح والحزانى والمطرودين لأجل البر.

  3. إن يسوع علمنا أن الله أب وليس قاضياً فقط فيؤدب أبناءه المحبوبين لأجل خيرهم.

  4. إن يسوع أنار لنا القيامة والحياة الأبدية ولا ينتهي أمرنا عند موت الجسد. و «خِفَّةَ ضِيقَتِنَا ٱلْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيّاً فَإِذاً، ٱلَّذِينَ يَتَأَلَّمُونَ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ ٱللّٰهِ فَلْيَسْتَوْدِعُوا أَنْفُسَهُمْ كَمَا لِخَالِقٍ أَمِينٍ فِي عَمَلِ ٱلْخَيْرِ» (2كورنثوس 4: 17 و1بطرس 4: 19).

إن في سفر أيوب ما يدل على أنه تاريخ حقيقي كذكر أسماء أيوب وأصحابه واسم بلادهم والإشارات الكثيرة إلى الزمان والمكان. وتقليد اليهود يؤيد ذلك وعلاوة على هذا قد ذُكر أيوب وما أصابه في بعض الأسفار المقدسة (حزقيال 14: 14 و16 و20 ويعقوب 5: 11).

ومما يدل على أن هذا السفر رواية تاريخية (1) إنه ذُكر فيه ما صار في السماء بين الرب والشيطان (1: 6 - 12 و2: 1 - 7) ذُكر الاتفاق العجيب في وقوع المصائب بالتتابع وكلها حصلت في يوم واحد (1: 13 - 19) (3) ذُكرت الأعداد الكاملة كسبعة بنين وثلاث بنات وسبعة آلاف من الغنم وثلاثة آلاف جمل وخمس مئة فدان بقر وخمس مئة أتان (1: 2 و3) (4) إن الله في آخرة أيوب عوّضه مما خسره مضاعفاً تماماً أي أربعة عشر ألفاً من الغنم وستة آلاف من الإبل وألف فدان من البقر وألف أتان ومن البنين والبنات كما كان له تماماً وهذا معناه ضعف أيضاً وذلك لأن نفوس بنيه الأولين تُعتبر خالدة وفي هذا بيان لحقيقة الخلود (5) ترتيب الخطب وفصاحة الكلام فإنه ليس من المنتظر أن يكون الحوار كله بين أيوب وأصحابه شعراً منظماً بليغاً متقناً وهو معتبر حتى اليوم من أحسن الشعر.

قال لوثيروس إن أساس سفر أيوب حادثة حقيقية أي أنه كان رجل اسمه أيوب وهو رجل صالح وأصابته مصائب كما ذُكر واحتملها بصبر فصار مثالاً لجميع المصابين. ثم قام شاعر لا نعرف اسمه ولا زمانه ونظم من هذه الحادثة الحقيقية رواية شعرية مرتبة حسب قوانين الشعر والروايات. وتلك الرواية نعتبرها الآن كأحد الأسفار المقدسة القانونية وإن كنا لا نعرف اسم المؤلف.

والظاهر أن حادثة أيوب قديمة وأما زمان تأليف السفر فيظن بعضهم أنه كان قبل نظام الشرائع والقواعد الموسوية لأنه لم يرد فيه ذكر المعبد والكهنوت وإنما ذكر محرقات أصعدها أيوب عن أولاده كأنه كان كاهناً على بيته كما فعل إبراهيم وإسحاق ويعقوب في زمانهم. ويظن أكثر المفسرين المحدثين أن تأليف السفر كان بعد أيام سليمان وقبل سبي بابل وذلك بناء على ما يُذكر وما لا يُذكر في السفر كذكر مشيرين وقضاة وملوك وانقلاب ممالك (12: 17 - 21). ولعل الإشارة بهذا الانقلاب إلى سقوط مملكة الأشوريين. وذكر أنواع كثيرة من الأشجار والحيوانات إنما يشير إلى معرفة العلوم الطبيعية التي نالت اهتماماً خاصاً في زمان سليمان (1ملوك 4: 33). وعدم ذكر سبي بابل وخراب أورشليم والهيكل وعدم استعمال الاسم يهوه إلا نادراً كل هذا مما يشير إلى تأليف السفر كان قبل السبي.

وفي سفر أيوب آيات كثيرة تشبه آيات وردت في سفر الأمثال وسفر المزامير وسفر إشعياء فيستنتج بعض المفسرين من ذلك أن مؤلف سفر أيوب كان في تلك العصور. وموضوع السفر يوافق أحوال شعب الله في زمان ملوك يهوذا الأشرار فإن الأتقياء في ذلك الزمان كانوا مصابين بمصائب كثيرة ومرتابين بجودة الله وعنايته بهم. وما ذكر ليس سوى استنتاج وظن وليس براهين قاطعة تثبت زمان تأليف هذا السفر.

وفي تأليف هذا الكتاب استعملنا بعض تفاسير إنكليزية ولا سيما التفسير المسمّى:

Cambridge Bible for Schools and Colleges, by A.B. Davidson and H.C.O. Lanchester.

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ

1 «كَانَ رَجُلٌ فِي أَرْضِ عُوصَ ٱسْمُهُ أَيُّوبُ. وَكَانَ هٰذَا ٱلرَّجُلُ كَامِلاً وَمُسْتَقِيماً يَتَّقِي ٱللّٰهَ وَيَحِيدُ عَنِ ٱلشَّرِّ».

إرميا 25: 20 ومراثي إرميا 4: 21 حزقيال 14: 14 و20 ويعقوب 5: 11 تكوين 6: 9 و17: 1 وتثنية 18: 13 تكوين 22: 12 و42: 18 وخروج 18: 21 ص 28: 28

عُوصَ مما يدل على موقعها (1) القول إن أيوب كان أعظم كل بني المشرق (2) ذكر السبئيين (1: 15) وهم قبيلة سكنوا بلاد العرب (3) ذكر الكلدانيين (1: 17) الذين كانت أرضهم في الشرق بين سوريا ونهر الفرات (4) ذكر أليفاز التيماني (2: 11) وكانت تيمان قسماً من أرض أدوم (5) ذكر قوافل تيماء (6: 19) وكان تيماء قسماً من أدوم (6) قول إرميا (مراثي 4: 21) «اِطْرَبِي وَٱفْرَحِي يَا بِنْتَ أَدُومَ يَا سَاكِنَةَ عُوصٍ» أي كانت عوص على حدود أدوم. فنستدل من هذه الشواهد أن عوص كانت شمالي أدوم وشرقي سوريا والأرجح أنها الجوف الحالية التي تبعد عن معان نحو 210 أميال شرقاً وهي أرض واسعة مخصبة فيها ينابيع كثيرة وعدد سكانها نحو أربعين ألفاً.

أَيُّوبُ ليس غيره بهذا الاسم في الكتاب المقدس. ويعتقد بعضهم أن الاسم مشتق من آب يؤُب أوباً وإباباً بمعنى رجع وتاب.

كَامِلاً شهد الله له بأنه كامل (1: 8) وشهدت له امرأته (2: 9) وشهد أيوب لنفسه (27: 5) ولم يقدر الشيطان أن ينكر ذلك. وهذا يوافق قصد الكاتب فإنه يبين أن الله يؤدب الأبرار لكي يُظهر برّهم ويمتحنهم ليتمجد فيهم. وليس المراد بهذا الكلام أن أيوب كان بلا خطيئة مطلقاً وأيوب نفسه قال (42: 6) «أَنْدَمُ فِي ٱلتُّرَابِ وَٱلرَّمَادِ» ولكنه سجد لله وليس لسواه (31: 26 و28) وإنما لم يرتكب الخطايا الجسيمة التي نسبها أصحابه له.

يَتَّقِي ٱللّٰهَ وَيَحِيدُ عَنِ ٱلشَّرِّ إن هذين الأمرين مرتبطان أحدهما بالآخر فإن الأفكار الطاهرة والأعمال الصالحة جميعها من الله والحياة المفيدة هي المؤسسة على التقوى والإيمان بالله.

2، 3 «وَوُلِدَ لَهُ سَبْعَةُ بَنِينَ وَثَلاَثُ بَنَاتٍ. 3 وَكَانَتْ مَوَاشِيهِ سَبْعَةَ آلاَفٍ مِنَ ٱلْغَنَمِ وَثَلاَثَةَ آلاَفِ جَمَلٍ وَخَمْسَ مِئَةِ زَوْجِ بَقَرٍ وَخَمْسَ مِئَةِ أَتَانٍ، وَخَدَمُهُ كَثِيرِينَ جِدّاً. فَكَانَ هٰذَا ٱلرَّجُلُ أَعْظَمَ كُلِّ بَنِي ٱلْمَشْرِقِ».

ص 42: 13 ص 42: 12 ص 29: 25 و31: 37

من مبادئ أصحاب أيوب وغيرهم من القدماء إن الغنى والراحة والسرور هي للأبرار وليست للأشرار فمن الموافقة أن يكون أيوب وهو رجل كامل وتقي غنياً ومباركاً. ولكن هذا السفر يعلّم أن لهذه المبادئ استثناء فيتألم البار حسب مشيئة الله. والعهد الجديد يعلن بأكثر وضوح خيرات للأتقياء أفضل من الخيرات الجسدية وهذه الخيرات الفضلى كثيراً ما تأتي الإنسان بواسطة الخسارة والآلام.

إن الأرقام سبع وثلاث وخمس كانت تعتبر أعداداً كاملة واستعمالها هنا دليل على أن هذا السفر ليس تاريخاً مدققاً بل رواية مبنية على تاريخ حقيقي. وعدد البنين يزيد عدد البنات لأن للبنين اعتباراً أكثر من البنات حسب أفكار القدماء.

أَعْظَمَ كُلِّ بَنِي ٱلْمَشْرِقِ ولم تكن عظمته من غناه فقط بل أيضاً من صلاحه وحكمته (ص 29).

4، 5 «4 وَكَانَ بَنُوهُ يَذْهَبُونَ وَيَعْمَلُونَ وَلِيمَةً فِي بَيْتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي يَوْمِهِ، وَيُرْسِلُونَ وَيَسْتَدْعُونَ أَخَوَاتِهِمِ ٱلثَّلاَثَ لِيَأْكُلْنَ وَيَشْرَبْنَ مَعَهُمْ. 5 وَكَانَ لَمَّا دَارَتْ أَيَّامُ ٱلْوَلِيمَةِ أَنَّ أَيُّوبَ أَرْسَلَ فَقَدَّسَهُمْ، وَبَكَّرَ فِي ٱلْغَدِ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ عَلَى عَدَدِهِمْ كُلِّهِمْ، لأَنَّ أَيُّوبَ قَالَ: رُبَّمَا أَخْطَأَ بَنِيَّ وَجَدَّفُوا عَلَى ٱللّٰهِ فِي قُلُوبِهِمْ. هٰكَذَا كَانَ أَيُّوبُ يَفْعَلُ كُلَّ ٱلأَيَّامِ».

ص 42: 8 ص 8: 4

كان لكل من البنين بيت خاص والبنات كنّ في بيت أبيهن. وكان وليمة كل يوم في بيوت البنين بالمناوبة على مدة سبعة أيام حسب عدد البنين يجتمع البنون فيها ويدعون شقيقاتهم إليها وفي آخر الأيام السبعة استدعاهم أيوب وقدسهم والتقديس غسل الثياب وما أشبه ذلك استعداداً لإصعاد المحرقات (تكوين 35: 2 وخروج 19: 10) وكان الأب كاهناً لبيته كما كانت الحال قبل وضع الكهنوت اليهودي.

جَدَّفُوا عَلَى ٱللّٰهِ يترجم بعضهم الفعل جدف بأنكر أي «أنكروا الله» فعل أيوب هذا لئلا ينسى أولاده من أعطاهم خيراتهم الكثيرة. لأن الأغنياء عرضة لهذه الخطيئة.

6 «وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو ٱللّٰهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ ٱلرَّبِّ، وَجَاءَ ٱلشَّيْطَانُ أَيْضاً فِي وَسَطِهِمْ».

إن كثيرين من الشعراء ولا سيما هوميروس الشاعر اليوناني حاولوا أن يصوروا الله وما يحدث في السماء ولكنهم ظنوا الآلهة كالناس لا يخلون من العيوب والضعف وأما كاتب سفر أيوب فلم يصف الله إلا بما يليق به.

بَنُو ٱللّٰهِ أي الملائكة وهم ليسوا بني الله كالمسيح الابن الوحيد ولا كالمؤمنين الذين يُدعون أولاد الله بناء على اتحادهم بالمسيح بل هم بنو الله لكونهم مخلوقات الله وأعظم كل خلائقه.

ٱلشَّيْطَانُ (انظر 1ملوك 22: 19 - 23) والمعنى الأصلي للفظة شيطان المقاوم (عدد 22: 12). إن الشيطان تحت أمر الله وليس المعنى أن الشيطان لا يقدر أن يعمل شيئاً إن لم يسمح له الله به كما سمح له أن يغوي أخآب لأن أخآب قد ترك الله واضطهد الأنبياء وأحبّ الكذب أكثر من الحق وسمح الله للشيطان أن يجرّب أيوب ليظهر إيمانه وصبره.

7 - 12 «7 فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ فَأَجَابَ ٱلشَّيْطَانُ: مِنْ ٱلْجَوَلاَنِ فِي ٱلأَرْضِ وَمِنَ ٱلتَّمَشِّي فِيهَا. 8 فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي ٱلأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ يَتَّقِي ٱللّٰهَ وَيَحِيدُ عَنِ ٱلشَّرِّ. 9 فَأَجَابَ ٱلشَّيْطَانُ: هَلْ مَجَّاناً يَتَّقِي أَيُّوبُ ٱللّٰهَ؟ 10 أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟ بَارَكْتَ أَعْمَالَ يَدَيْهِ فَٱنْتَشَرَتْ مَوَاشِيهِ فِي ٱلأَرْضِ! 11 وَلٰكِنِ ٱبْسِطْ يَدَكَ ٱلآنَ وَمَسَّ كُلَّ مَا لَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ. 12 فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيْهِ لاَ تَمُدَّ يَدَكَ. ثُمَّ خَرَجَ ٱلشَّيْطَانُ مِنْ أَمَامِ وَجْهِ ٱلرَّبِّ».

1بطرس 5: 8 عدد 12: 7 ويشوع 1: 2 و7 وص 42: 7 و8 ع 1 ص 29: 2 - 6 ص 31: 25 ع 3 وص 31: 25 ص 2: 5 ص 19: 21

هَلْ مَجَّاناً (ع 9) صرّح الشيطان أن مطمح أيوب الخيرات الجسدية وإن تقواه وسيلة فقط لنيل هذه الغاية وسمح الله للشيطان أن ينزع من أيوب هذه الخيرات ليبرهن أن أيوب لم يعمل الصالحات لينال الأجر بل فعلها لأنها واجبات وكان لا بد أن يعملها ولو خسر. فاذكر من هذا القبيل الأنبياء والرسل الذين أطاعوا الرب وتبعوا المسيح حتى الموت. وفي قول الشيطان إهانة للرب كأن الرب لا يعرف قلوب الناس وغاياتهم السرّية. بما أن الأشرار لا يعرفون خلوص المحبة للرب ينكرون وجود هذه المحبة ويظنون أن جميع الأتقياء مراؤون.

13 - 22 «13 وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَأَبْنَاؤُهُ وَبَنَاتُهُ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ خَمْراً فِي بَيْتِ أَخِيهِمِ ٱلأَكْبَرِ 14 أَنَّ رَسُولاً جَاءَ إِلَى أَيُّوبَ وَقَالَ: ٱلْبَقَرُ كَانَتْ تَحْرُثُ وَٱلأُتُنُ تَرْعَى بِجَانِبِهَا، 15 فَسَقَطَ عَلَيْهَا ٱلسَّبَئِيُّونَ وَأَخَذُوهَا، وَضَرَبُوا ٱلْغِلْمَانَ بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ، وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ. 16 وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذْ جَاءَ آخَرُ وَقَالَ: نَارُ ٱللّٰهِ سَقَطَتْ مِنَ ٱلسَّمَاءِ فَأَحْرَقَتِ ٱلْغَنَمَ وَٱلْغِلْمَانَ وَأَكَلَتْهُمْ، وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ. 17 وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذْ جَاءَ آخَرُ وَقَالَ: ٱلْكِلْدَانِيُّونَ عَيَّنُوا ثَلاَثَ فِرَقٍ فَهَجَمُوا عَلَى ٱلْجِمَالِ وَأَخَذُوهَا، وَضَرَبُوا ٱلْغِلْمَانَ بِحَدِّ ٱلسَّيْفِ، وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ. 18 وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذْ جَاءَ آخَرُ وَقَالَ: بَنُوكَ وَبَنَاتُكَ كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ خَمْراً فِي بَيْتِ أَخِيهِمِ ٱلأَكْبَرِ، 19 وَإِذَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ جَاءَتْ مِنْ عَبْرِ ٱلْقَفْرِ وَصَدَمَتْ زَوَايَا ٱلْبَيْتِ ٱلأَرْبَعَ، فَسَقَطَ عَلَى ٱلْغِلْمَانِ فَمَاتُوا، وَنَجَوْتُ أَنَا وَحْدِي لأُخْبِرَكَ. 20 فَقَامَ أَيُّوبُ وَمَزَّقَ جُبَّتَهُ وَجَزَّ شَعْرَ رَأْسِهِ وَخَرَّ عَلَى ٱلأَرْضِ وَسَجَدَ 21 وَقَالَ: عُرْيَاناً خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي وَعُرْيَاناً أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ. ٱلرَّبُّ أَعْطَى وَٱلرَّبُّ أَخَذَ فَلْيَكُنِ ٱسْمُ ٱلرَّبِّ مُبَارَكاً. 22 فِي كُلِّ هٰذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ وَلَمْ يَنْسِبْ لِلّٰهِ جَهَالَةً».

ص 6: 19 تكوين 19: 24 ولاويين 10: 2 وعدد 11: 1 - 3 تكوين 11: 28 و31 تكوين 37: 29 و34 ويشوع 7: 6 جامعة 5: 15 ص 2: 10 و1صموئيل 2: 7 و8 ص 2: 10

إن هذه المصائب العظيمة وقعت كلها في يوم وليمة الأخ الأكبر (ع 12) واليوم الذي في صباحه كان أيوب أرسل وقدس أبناءه وأصعد محرقات على عددهم كلهم (ع 5) وتوالت عليه الضربات الواحدة بعد الأخرى بلا انقطاع حتى خسر كل ما له من المال والأولاد.

ٱلسَّبَئِيُّونَ (ع 15) قبيلة كانت ساكنة في شمالي العرب وكانوا غزاة وأما الذين كانوا ساكنين في جنوبي بلاد العرب فكانوا تجاراً (6: 19).

ٱلْغِلْمَانَ الفلاحون والرعاة وهؤلاء ربما دافعوا عن أملاك سيدهم فقُتلوا.

وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إن الشيطان بحكمته الشيطانية لم يترك لأيوب فرصة ليستريح ويتعزى عن المصيبة الأولى حتى أصابته الثانية.

نَارُ ٱللّٰهِ (ع 16) (انظر 1ملوك 18: 38 و2ملوك 1: 10 و12) وظهر لأيوب أن هذه الضربة من الله لا من الناس وإنها وقعت على الغنم التي منها كان أصعد محرقات.

ٱلْكِلْدَانِيُّونَ (ع 17) قبائل كانوا يتجولون في الأرض بين شرقي الأردن والفرات وذلك قبلما استولوا على بابل.

ثَلاَثَ فِرَقٍ هجموا على غلمان أيوب من ثلاث جهات في وقت واحد.

رِيحٌ شَدِيدَةٌ زوبعة وهي ريح تدور في سيرها فصدمت زوايا البيت الأربع. فما أعظم هذه الضربة وهي موت جميع أولاد أيوب دفعة واحدة. ونرى أنه لم يكن أيوب المصاب وحده بل أيضاً أولاده العشرة وغلمانه ولا شك في أن الغلمان كانوا كثيرين لأن أملاك أيوب كانت متسعة كأملاك قبيلة. ولا نقدر أن نفهم كل ما يعمله الله ولكننا نعلم أنه عادل في كل أعماله.

مَزَّقَ جُبَّتَهُ (ع 20) علامة الحزن الشديد والحزن في المصائب ولا سيما الثكل أمر طبيعي. فإن يعقوب بكى على يوسف وداود بكى أبشالوم وبكى يسوع على لعازر وعلى أورشليم غير أن الحزن يجب أن يكون مع التسليم لمشيئة الله وليس كحزن الذي لا رجاء لهم.

جَزَّ شَعْرَ رَأْسِهِ علامة أخرى للحزن (إرميا 7: 29).

خَرَّ عَلَى ٱلأَرْضِ إشارة إلى الاتضاع والسجود (يشوع 7: 6) وكان الشيطان قد انتظر أن أيوب يقف ويجدف على الله بوجهه (1: 11).

أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ (ع 21) لا يمكن ذلك حقيقة والمعنى أنه سيموت ولا يأخذ معه شيئاً كما وُلد وليس له شيء ويقول بعضهم إن الإشارة في هذا أنه سيعود إلى الأرض التي كُوّن منها آدم الأول فهي كأم لكل حي (1تيموثاوس 6: 7 وجامعة 12: 7).

ٱلرَّبُّ أَعْطَى لم يكن أيوب ككثيرين من الأغنياء الذين يفتخرون بأموالهم كأنهم حصلوها بقوتهم وحكمتهم وينسون الله.

ٱلرَّبُّ أَخَذَ ليس السبئيون ولا الكلدانيون ولا الشيطان بل الرب الذي له حق أن يأخذ ما يشاء حين يشاء لأنه هو أعطى.

فوائد

  1. إن الإيمان الحقيقي لا يتزعزع بزوال الخيرات الزمنية لأنه ليس مؤسساً عليها.

  2. إن المصائب لا تحدث اتفاقاً فهي وإن كانت من الناس أو القوة الطبيعية فيد الله فيها.

  3. إنه يجب علينا أن نعتبر أموالنا وديعة من الله فهي ليست لنا وله حق أن يأخذها متى شاء.

  4. إنه لا يمكننا أن نفهم كل ما يعمله الله بنا ولكننا نؤمن بأن «كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله».

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي

1، 2 «1 وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو ٱللّٰهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ ٱلرَّبِّ، وَجَاءَ ٱلشَّيْطَانُ أَيْضاً فِي وَسَطِهِمْ لِيَمْثُلَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ. 2 فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ فَأَجَابَ ٱلشَّيْطَانُ: مِنَ ٱلْجَوَلاَنِ فِي ٱلأَرْضِ وَمِنَ ٱلتَّمَشِّي فِيهَا».

ص 1: 6 - 8

كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ لا نعرف كم من الوقت مضى بين مثول الشيطان أمام الرب أول مرة ومثوله ثاني مرة. ولكن الترجوم (اسم عام للنسخ الكلدانية أو بالحري الآرامية من الكتب العبرانية المقدسة وشروحها) يعيّن المدة سنة (1: 6 - 8).

3 «فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ، لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي ٱلأَرْضِ! رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ يَتَّقِي ٱللّٰهَ وَيَحِيدُ عَنِ ٱلشَّرِّ. وَإِلَى ٱلآنَ هُوَ مُتَمَسِّكٌ بِكَمَالِهِ، وَقَدْ هَيَّجْتَنِي عَلَيْهِ لأَبْتَلِعَهُ بِلاَ سَبَبٍ».

عَبْدِي أَيُّوبَ لم يزل أيوب عبد الرب ولم يزل الرب يسأل عنه ويعتني به.

وَقَدْ هَيَّجْتَنِي عَلَيْهِ إن الشاعر صوّر مجلساً في السماء شبيهاً بمجلس على الأرض وكلاماً بين الرب والشيطان ككلام يحصل بين ملك وأحد خدامه.

بِلاَ سَبَبٍ لأنه قد ظهر الامتحان إن أيوب لم يتق الرب طمعاً في أجر كما ظن الشيطان.

4 - 6 «4 فَأَجَابَ ٱلشَّيْطَانُ: جِلْدٌ بِجِلْدٍ، وَكُلُّ مَا لِلإِنْسَانِ يُعْطِيهِ لأَجْلِ نَفْسِهِ. 5 وَلٰكِنِ ٱبْسِطِ ٱلآنَ يَدَكَ وَمَسَّ عَظْمَهُ وَلَحْمَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ. 6 فَقَالَ ٱلرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: هَا هُوَ فِي يَدِكَ وَلٰكِنِ ٱحْفَظْ نَفْسَهُ».

ص 1: 11

جِلْدٌ بِجِلْدٍ والمعنى كما يأتي أي «كل ما للإنسان يمكن أن يعطيه لأجل نفسه» ولكن المعنى المستنتج من المثل مبهم. في اللغة الألمانية مثل ترجمته «القميص أقرب من الجبة» أي ما يمس الإنسان نفسه أهم عنده مما يمس أمواله فقط فيعطي الإنسان كل ماله لأجل حفظ حياته. ولعل لفظة «جلد» تحمل معنيين أي الأموال وهي كجبة أو جلد خارجي والإنسان نفسه وهو كقميص أو جلد داخلي حقيقي. ولكن الشرير لكونه شريراً لا يقدر أن يفهم (1) إن أيوب لعله يريد لو أمكن أن يموت هو فيبقى أولاده أحياء (2) إن أيوب كان يفضل الموت على أن ينكر الله. غير أننا نعرف بالاختبار العلاقة بين الصحة الجسدية والإيمان بالله وكثيراً ما يضعف الإيمان إذا ضعف الجسد.

وَلٰكِنِ ٱحْفَظْ نَفْسَهُ (أي حياته) لم يزل الشيطان مقيداً وإن كان الرب قد أطال سلسلة القيد فكانت حياة أيوب بيد الرب لا بيد الشيطان.

7 - 10 «7 فَخَرَجَ ٱلشَّيْطَانُ مِنْ حَضْرَةِ ٱلرَّبِّ وَضَرَبَ أَيُّوبَ بِقُرْحٍ رَدِيءٍ مِنْ بَاطِنِ قَدَمِهِ إِلَى هَامَتِهِ. 8 فَأَخَذَ لِنَفْسِهِ شَقْفَةً لِيَحْتَكَّ بِهَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي وَسَطِ ٱلرَّمَادِ. 9 فَقَالَتْ لَهُ ٱمْرَأَتُهُ: أَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بَعْدُ بِكَمَالِكَ! جَدِّفْ عَلَى ٱللّٰهِ وَمُتْ! 10 فَقَالَ لَهَا: تَتَكَلَّمِينَ كَلاَماً كَإِحْدَى ٱلْجَاهِلاَتِ! أَٱلْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ ٱللّٰهِ وَٱلشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟ فِي كُلِّ هٰذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ بِشَفَتَيْهِ».

ص 7: 5 و13: 28 و30: 17 و18 و30 وتثنية 28: 35 ص 42: 6 وإرميا 6: 26 ويونان 3: 6 ص 1: 21 ص 1: 22

قُرْحٍ رَدِيءٍ على الأرجح أن المرض المشار إليه هو الجذام وقيل في هذا المرض «تحدث عُجَرٌ» في الوجه غالباً ويتمّط شعر الأجفان وينتهي إلى تآكل الأعضاء وسقوطها من شدة التقرّح. ويقال لهذه العلة أيضاً داء الأسد لهجمها على صاحبها كما يهجم الأسد على الفريسة ويقال لها أيضاً داء الفيل لأن رِجلي المصاب الوارمتين تشبهان قوائم الفيل.

ومن أعراض مرض أيوب ما يأتي: الحكة (2: 8) إن هيئة وجهه تغيرت (2: 12) إن لحمه دوّد ولكن القروح أحياناً يلصق بها مدر التراب وأحياناً تنشق ويخرج منها القيح (7: 5) أحلام مريعة (7: 14) إنه لا يقدر أن يتنفس (7: 15) إنه لا يقدر أن يمشي كعادته (13: 27) فضحك الأولاد عليه (19: 18) رائحة كريهة (19: 17) الحرارة في عظامه (30: 30).

جَالِسٌ فِي وَسَطِ ٱلرَّمَادِ جالس في المزبلة حسب الترجمة السبعينية أي خارج القرية حيث يُطرح الرماد والزبل والنفاية.

ٱمْرَأَتُهُ لا نعرف عنها إلا المذكور هنا. يقول الترجوم إن اسمها دينة والترجمة السبعينية تزيد كثيراً على كلامها المذكور هنا. قال القديس أوغستينوس إنها معينة الشيطان وبعضهم يشبهونها بحواء لأنها جرّبت رجلها. وقال أيوب في جوابه لها تتكلمين كإحدى الجاهلات. فمن أعظم مصائب أيوب عدم وجود من يشعر معه ويلتصق به في زمان أرزائه كصديق حقيقي.

جَدِّفْ عَلَى ٱللّٰهِ (بارك الله) الكلمة العبرانية «برك» ومعنى هذه الكلمة الأصلي «جثا» وبما أن الناس يجثون أمام الله في الصلاة ففي «برك» معنى الدعاء. وأحياناً يكون الدعاء للخير فيطلب الجاثون لأنفسهم ولغيرهم بركات من الله وأحياناً يكون للشر فيطلبون من الله اللعنة على الأعداء. وأحياناً يكون الدعاء في وقت الفراق فيطلبون من الله بركته على المسافرين كالقول «مع السلامة» (تكوين 47: 10 و1ملوك 8: 66) وأحياناً يأتي بمعنى الترك والنفور فيقول المرء «مع السلامة» لمن يقصد طرده من بيته. والأرجح أن هذا المعنى الأخير هو المقصود هنا وفي (1: 5 و11 و2: 5) أي «انكر الله ومُت» وهذا معناه في الترجمة الإنكليزية وغيرها. وفي الترجمة اليسوعية العربية «جدّف على الله».

وَٱلشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ اعتقد أيوب أن الله أدبه ولم يظلمه وكما أن الولد يقبل من أبيه الخيرات كالمأكولات والملبوسات ويقبل منه أيضاً الخدمة المتعبة والتأديب الموجع هكذا يجب على الإنسان أن يقبل تأديب الرب وليس الخيرات فقط.

لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ بِشَفَتَيْهِ فلم ينكر الله كما ظنّ الشيطان.

11 - 13 «11 فَلَمَّا سَمِعَ أَصْحَابُ أَيُّوبَ ٱلثَّلاَثَةُ بِكُلِّ ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي أَتَى عَلَيْهِ، جَاءُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَكَانِهِ: أَلِيفَازُ ٱلتَّيْمَانِيُّ وَبِلْدَدُ ٱلشُّوحِيُّ وَصُوفَرُ ٱلنَّعْمَاتِيُّ، وَتَوَاعَدُوا أَنْ يَأْتُوا لِيَرْثُوا لَهُ وَيُعَزُّوهُ. 12 وَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ مِنْ بَعِيدٍ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَبَكَوْا، وَمَزَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ جُبَّتَهُ وَذَرُّوا تُرَاباً فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ، 13 وَقَعَدُوا مَعَهُ عَلَى ٱلأَرْضِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَ لَيَالٍ، وَلَمْ يُكَلِّمْهُ أَحَدٌ بِكَلِمَةٍ لأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ كَآبَتَهُ كَانَتْ عَظِيمَةً جِدّاً».

ص 6: 19 ص 1: 20 يشوع 7: 6 ومراثي 2: 10 حزقيال 3: 15

مضى زمان بين الحوادث المذكورة وزيارة أصحاب أيوب لأنهم أتوا من بلاد بعيدة ووصول خبر مصائب أيوب إليهم يفتقر إلى وقت وسفرهم يحتاج إلى وقت أيضاً.

أَلِيفَازُ ٱلتَّيْمَانِيُّ كان لعيسو ابن اسمه أليفاز وابن أليفاز تيمان (تكوين 36: 10 و11) وتسمت بلاد سكناه باسمه تيمان وكانت شرقي أدوم واشتهر أهلها بالحكمة (إرميا 49: 7).

بِلْدَدُ ٱلشُّوحِيُّ كان لإبراهيم ابن من قطورة اسمه شوح سكن هو ونسله في بلاد العرب في الشمال الشرقي منها.

صُوفَرُ ٱلنَّعْمَاتِيُّ مكانه مجهول.

تَوَاعَدُوا أي اتفقوا على أن يذهبوا معاً فسافروا نحو 200 ميل في قفر موحش ومخطر وكان ذلك دليلاً على اعتبارهم ومحبتهم لأيوب.

لَمْ يَعْرِفُوهُ لم يصدقوا أن المجذوم الجالس على المزبلة هو صاحبهم أيوب الذي كان عند قومه كملك بالغنى والمجد (إشعياء 52: 14).

وَقَعَدُوا مَعَهُ وكل من يقصد تعزية غيره فعليه أولاً أن يجعل نفسه في مكان المصاب كأنه مصاب معه.

لَمْ يُكَلِّمْهُ أَحَدٌ مجرّد وجود الصديق كثيراً ما يعزي أكثر من كلامه.

فوائد

  1. إن الشيطان لا يتركنا فلا نخلص من التجربة الواحدة حتى يأتينا أخرى فعلينا أن نسهر ونصلي كل حين.

  2. إن غاية الشيطان في كل تجربة أن يبعدنا عن الله.

  3. إنه من أكاذيب الشيطان أن الموت نهاية كل شيء ومن قتل نفسه يستريح (ع 9).

  4. إن يسوع صديقنا الحقيقي لأنه أتى من السماء وأخلى نفسه وتجرب مثلنا في كل شيء وهو معنا في كل ضيقاتنا.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ

1 - 10 «1 بَعْدَ هٰذَا فَتَحَ أَيُّوبُ فَاهُ وَسَبَّ يَوْمَهُ 2 وَأَخَذَ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ: 3 لَيْتَهُ هَلَكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي وُلِدْتُ فِيهِ، وَٱللَّيْلُ ٱلَّذِي قَالَ قَدْ حُبِلَ بِرَجُلٍ! 4 لِيَكُنْ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمُ ظَلاَماً. لاَ يَعْتَنِ بِهِ ٱللّٰهُ مِنْ فَوْقُ وَلاَ يُشْرِقْ عَلَيْهِ نَهَارٌ. 5 لِيَمْلِكْهُ ٱلظَّلاَمُ وَظِلُّ ٱلْمَوْتِ. لِيَحُلَّ عَلَيْهِ سَحَابٌ. لِتُرْعِبْهُ كاسفات (ظُلُمَاتُ) ٱلنَّهَارِ. 6 أَمَّا ذٰلِكَ ٱللَّيْلُ فَلْيُمْسِكْهُ ٱلدُّجَى، وَلاَ يَفْرَحْ بَيْنَ أَيَّامِ ٱلسَّنَةِ، وَلاَ يَدْخُلَنَّ فِي عَدَدِ ٱلشُّهُورِ. 7 هُوَذَا ذٰلِكَ ٱللَّيْلُ لِيَكُنْ عَاقِراً! لاَ يُسْمَعْ فِيهِ هُتَافٌ. 8 لِيَلْعَنْهُ لاَعِنُو ٱلْيَوْمِ ٱلْمُسْتَعِدُّونَ لإِيقَاظِ ٱلتِّنِّينِ. 9 لِتُظْلِمْ نُجُومُ عِشَائِهِ. لِيَنْتَظِرِ ٱلنُّورَ وَلاَ يَكُنْ، وَلاَ يَرَ هُدْبَ ٱلصُّبْحِ، 10 لأَنَّهُ لَمْ يُغْلِقْ أَبْوَابَ بَطْنِ أُمِّي وَلَمْ يَسْتُرِ ٱلشَّقَاوَةَ عَنْ عَيْنَيَّ».

إرميا 20: 14 - 18 ص 41: 25 ص 41: 18

لا نبرّر أيوب في كل أقواله ولكنه معذور فيها لأنه لم يشعر بأنه قد عمل ما يستوجب مصائبه العظيمة وحسب أن كل أفراح حياته السابقة لا توازن الآلام الحاضرة.

ومن هنا إلى خاتمة السفر في (ص 42) الكلام كله شعر والمظنون أن مضمونه هو من أيوب وأصحابه وأما النظم فمن كاتب السفر. والشعر العبراني يختلف عن الشعر في غير لغات فإنه ليس له قافية ولا وزن بل كل بيتين أو ثلاثة منه تتشابه بالمعنى فيظهر جماله بالترجمة بخلاف ما له قافية ووزن (اطلب «شعر» في قاموس الكتاب).

لَيْتَهُ هَلَكَ ٱلْيَوْمُ (ع 3) الشاعر صوّر اليوم كأنه شخص يأتي ويذهب مرة كل سنة أو مرة كل شهر كزائر ولما قال ليته هلك اليوم طلب ان ذلك اليوم لا يُعدّ بين أيام السنة أو أيام الشهر (ع 6) ولا يكون له وجود كأنه مات كما يموت الإنسان وهكذا قوله عن الليل.

كاسفات (ظُلُمَاتُ) ٱلنَّهَارِ (ع 5) كسوف الشمس (انظر ع 8).

لِيَكُنْ عَاقِراً (ع 7) صوّر الليل شخصاً وطلب له العُقر وعدم الفرح بمولود فيعدم ذلك الليل ولا يعقبه ليل مثله.

لِيَلْعَنْهُ لاَعِنُو ٱلْيَوْمِ (ع 8) إشارة إلى السحرة الذين ادّعوا السلطة على الأرواح والقوات الطبيعية ومعرفة الأمور المستقبلة فإذا قالوا عن يوم أنه مشؤوم أي لعنوه لا يجوز العمل فيه. وبما أن القدماء لم يعرفوا علة الكسوف والخسوف ظنوا أن تنيناً أي حيواناً وهمياً كان يبلع الشمس أو القمر أو أنه كان يغطيه بالتفافه عليه كحية عظيمة وإن للسحرة سلطة على التنين فيوقظونه أو يسكنونه حينما يشاءون.

وَلاَ يَرَ هُدْبَ ٱلصُّبْحِ (ع 9) الهدب شعر أشفار العينين وهدب الصبح السحب التي تخرج من بينها أشعة الشمس صباحاً.

11 - 19 «11 لِمَ لَمْ أَمُتْ مِنَ ٱلرَّحِمِ؟ عِنْدَمَا خَرَجْتُ مِنَ ٱلْبَطْنِ لِمَ لَمْ أُسْلِمِ ٱلرُّوحَ؟ 12 لِمَاذَا أَعَانَتْنِي ٱلرُّكَبُ، وَلِمَ ٱلثُّدِيُّ حَتَّى أَرْضَعَ؟ 13 لأَنِّي قَدْ كُنْتُ ٱلآنَ مُضْطَجِعاً سَاكِناً. حِينَئِذٍ كُنْتُ نِمْتُ مُسْتَرِيحاً 14 مَعَ مُلُوكٍ وَمُشِيرِي ٱلأَرْضِ ٱلَّذِينَ بَنَوْا أَهْرَاماً لأَنْفُسِهِمْ، 15 أَوْ مَعَ رُؤَسَاءَ لَهُمْ ذَهَبٌ ٱلْمَالِئِينَ بُيُوتَهُمْ فِضَّةً، 16 أَوْ كَسِقْطٍ مَطْمُورٍ فَلَمْ أَكُنْ، كَأَجِنَّةٍ لَمْ يَرَوْا نُوراً. 17 هُنَاكَ يَكُفُّ ٱلْمُنَافِقُونَ عَنِ ٱلشَّغَبِ وَهُنَاكَ يَسْتَرِيحُ ٱلْمُتْعَبُون. 18 ٱلأَسْرَى يَطْمَئِنُّونَ جَمِيعاً. لاَ يَسْمَعُونَ صَوْتَ ٱلْمُسَخِّرِ. 19 ٱلصَّغِيرُ كَمَا ٱلْكَبِيرُ هُنَاكَ، وَٱلْعَبْدُ حُرٌّ مِنْ سَيِّدِهِ».

ص 10: 18 و19 ع 13 - 19 وص 7: 8 - 10 و21 وص 10: 21 و22 و14: 10 - 15 و20 - 22 و16: 22 و17: 13 - 16 و19: 25 - 27 و21: 13 و23 - 26 و24: 19 و20 و26: 5 و6 و34: 22 ص 12: 18 ص 12: 17 ص 15: 28 وإشعياء 58: 12 ص 12: 21 ص 27: 16 و17 ص 17: 16

أَعَانَتْنِي ٱلرُّكَبُ (ع 12) (تكوين 50: 23 وإشعياء 66: 12) وضع المولود الجديد على ركبتي أبيه دليل على مسؤوليته به.

كُنْتُ نِمْتُ مُسْتَرِيحاً (ع 13) الكتاب المقدس يشبه موت المؤمنين بالنوم (دانيال 12: 2 ويوحنا 11: 11 أعمال 7: 60) لأنهم عند الموت يستريحون من أتعابهم ثم يستيقظون لحياة أفضل. أما القدماء فلم يعرفوا حالة الإنسان بعد الموت ما أُعلنت في العهد الجديد بل ظنوا أن أهل الهاوية أخيلة بلا أجساد وبلا أفراح الحياة (انظر مزمور 88: 3 الخ) «حَيَاتِي إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ دَنَتْ حُسِبْتُ مِثْلَ ٱلْمُنْحَدِرِينَ إِلَى ٱلْجُبِّ... ٱلَّذِينَ لاَ تَذْكُرُهُمْ بَعْدُ، وَهُمْ مِنْ يَدِكَ ٱنْقَطَعُوا. وَضَعْتَنِي فِي ٱلْجُبِّ ٱلأَسْفَلِ، فِي ظُلُمَاتٍ، فِي أَعْمَاقٍ... أَفَلَعَلَّكَ لِلأَمْوَاتِ تَصْنَعُ عَجَائِبَ، أَمِ ٱلأَخِيلَةُ تَقُومُ تُمَجِّدُكَ». انظر أيضاً كلام إشعياء في ملك بابل (14: 10 الخ) وكلام حزقيا الملك الصالح (إشعياء 38: 9 - 20) وأما أيوب وإن كانت أفكاره بالآخرة كأفكار غيره من القدماء فقد فضل الموت على الحياة وحسب أن الهاوية راحة بالنسبة إلى ما كان عليه من التعب في هذا العالم (10: 21 و22).

أَهْرَاماً (ع 14) لعله أشار إلى أهرام مصر وهي قبور ملوك. إن علو الهرم الكبير 419 قدماً وساحة قاعدته 13 فداناً وحجارته لو بُني منها حائط علوه قامة لكفى لتحويط مملكة فرنسا وهذا الهرم العظيم قبر رجل واحد فقط أو أسرة واحدة والهرم يدل على كبرياء بانيه ومحبته لنفسه.

وخلاصة كلام أيوب أنه في القبر لا فرق بين الناس بل الأغنياء والفقراء والعلماء والأطفال والظالمون والمظلومون والصغير والكبير والسيد والمسود جميعاً بحالة واحدة. ومن أيام أيوب إلى أيامنا هذه تعزّى كثيرون من المتعبين والحزانى بهذه الألفاظ الجميلة لأنهم يشتهون الخلاص من أتعابهم كما يشتهي المتعب الراحة بالنوم. ولكن الموت عند المسيحي ليس الراحة من التعب فقط بل هو فرح وحياة جديدة. وهذه الحياة ليست إلا لشعب الله (عبرانيين 4: 9) فالأشرار لا يخلصون من عواقب شرورهم بالموت (رؤيا 22: 14 و15).

20 - 26 «20 لِمَ يُعْطَى لِشَقِيٍّ نُورٌ، وَحَيَاةٌ لِمُرِّي ٱلنَّفْسِ؟ 21 ٱلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ ٱلْمَوْتَ وَلَيْسَ هُوَ وَيَحْفُرُونَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنَ ٱلْكُنُوزِ، 22 ٱلْمَسْرُورِينَ إِلَى أَنْ يَبْتَهِجُوا، ٱلْفَرِحِينَ عِنْدَمَا َجِدُونَ قَبْراً. 23 لِرَجُلٍ قَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ طَرِيقُهُ وَقَدْ سَيَّجَ ٱللّٰهُ حَوْلَهُ. 24 لأَنَّهُ مِثْلَ خُبْزِي يَأْتِي أَنِينِي وَمِثْلَ ٱلْمِيَاهِ تَنْسَكِبُ زَفْرَتِي، 25 لأَنِّي ٱرْتِعَاباً ٱرْتَعَبْتُ فَأَتَانِي، وَٱلَّذِي فَزِعْتُ مِنْهُ جَاءَ عَلَيَّ. 26 لَمْ أَطْمَئِنَّ وَلَمْ أَسْكُنْ وَلَمْ أَسْتَرِحْ وَقَدْ جَاءَ ٱلْغَضَبُ».

ص 19: 6 و8 و12 ص 19: 8 ومزمور 88: 8 ص 6: 7 و33: 20 ص 3: 16 ومزمور 42: 4 ص 9: 28 و30: 15 ص 7: 13 و14

خلاصة كلامه إن عدم الوجود أفضل من حياة كلها مشقات وفي كلامه مبالغة لأن حياته لم تكن كلها مشقات بل كان له خيرات كثيرة في أثناء زمان طويل فلو نظر إلى حياته كلها ونظر أيضاً إلى مراحم الله السابقة وآمن بعدله في ذلك الوقت لم يقل كان خير له لو لم يولد قط.

يَحْفُرُونَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنَ ٱلْكُنُوزِ (ع 20) قال يسوع في المثل (متّى 13: 44) إن الإنسان الذي وجد كنزاً في حقل باع كل ما كان له واشترى ذلك الحقل. وقال أيوب إن المتعبين يطلبون الموت بحماسة كما طلب ذلك الإنسان الكنز فلماذا تُعطى الحياة للذين يشتهون الموت.

خَفِيَ عَلَيْهِ طَرِيقُهُ (ع 23) أي أصابته مصائب لا يقدر أن يفهمها.

سَيَّجَ ٱللّٰهُ حَوْلَهُ أي لا يقدر أن يعمل كما يريد فصار مثل سجين ولا يقدر أن يجد حلاً لمشاكله ولا جواباً لسؤالاته.

مِثْلَ خُبْزِي (ع 24) كما كان يأكل كل يوم صباحاً وظهراً ومساء هكذا كان أنينه بلا انقطاع.

وَٱلَّذِي فَزِعْتُ مِنْهُ الخ (ع 25 و26) لعله أشار إلى ما كان في قلبه من الخوف في أيام راحته لأنه من النوادر أن تكون الحياة كلها أفراحاً. ولكن في 29: 18 قال «إِنِّي فِي وَكْرِي أُسَلِّمُ ٱلرُّوحَ، وَمِثْلَ ٱلسَّمَنْدَلِ أُكَثِّرُ أَيَّاماً» أي لم ينتظر شيئاً مما أصابه. وبعضهم يترجمون الأفعال بصيغة المضارع أي «ارتعب... افزع... اطمئن ... اسكن... استريح... يأتي».

وأيوب بكلامه هذا أظهر قلة الصبر وعدم التسليم لتدبير الله والاعتراض على عدله فبسط أمام أصحابه موضوعاً يشغل الباقي من السفر في البحث.

فوائد

  1. إنه مما يدل على أن الكتاب المقدس هو كتاب الله إنه يذكر ضعفات المؤمنين. ولس كامل إلا المسيح.

  2. إن «من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط».ولو كنا في مكان أيوب لكنا أخطأنا في الكلام أكثر منه.

  3. إن ذكر المصائب على سبيل التشكي يزيدها ولا يخّفضها فالصبر والسكوت أفضل وأولى.

  4. إن ليس لأحد أن يقول ليتني لم أُولد فإن الحياة الأبدية وجميع خيراتها معدة للمولودين لكل من يقبلها بالإيمان بالمسيح (انظر متّى 22: 4).

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ

في ص 4 و5 خطاب أليفاز الأول وخلاصته (1) تعجبه من كلام أيوب لأنه كان انتظر منه الصبر والمعرفة بأعمال الله العادلة (ع 1 - 11) (2) بعبارات فصيحة ولطيفة حذّر أيوب من التذمر على الله وهو الخالق والقدوس والعادل ومن يقاومه غبي يقتله غيظه (ص 5: 2 - 7) إنه لو كان في مكان أيوب لكان يطلب إلى الله ولا يرفض تأديب القدير فينجيه (ص 5: 8 - 27).

1، 2 «1 فَأَجَابَ أَلِيفَازُ ٱلتَّيْمَانِيُّ: 2 إِنِ ٱمْتَحَنَ أَحَدٌ كَلِمَةً مَعَكَ فَهَلْ تَسْتَاءُ؟ وَلٰكِنْ مَنْ يَسْتَطِيعُ ٱلٱمْتِنَاعَ عَنِ ٱلْكَلاَمِ!»:

ص 32: 18 - 20

لعل أليفاز كان أكبر عمراً من بلدد وصوفر فتكلم أولاً وأظهر في خطابه الرقة والحكمة فلم يوبخ أيوب علانية بل لمح إلى خطيئته بطريقة لطيفة وكان فضل لو أمكن أن يسكت فلا يكدّر صديقه.

3، 4 «3 هَا أَنْتَ قَدْ أَرْشَدْتَ كَثِيرِينَ وَشَدَّدْتَ أَيَادِيَ مُرْتَخِيَةً. 4 قَدْ أَقَامَ كَلاَمُكَ ٱلْعَاثِرَ وَثَبَّتَّ ٱلرُّكَبَ ٱلْمُرْتَعِشَةَ».

ع 3 و4 وص 29: 15 و16 و21 و25

هذا الكلام شهادة حسنة لسلوك أيوب في ما مضى من حياته فإنه كان أرشد كثيرين وشددهم وثبتهم ولم يعش لنفسه ولا اكتفى بالإحسان من ماله كعادة الأغنياء بل قدّم نفسه بخدمة روحية للمحتاجين. والأيادي المرتخية والركب المرتعشة تشير إلى الضعفاء بالإيمان والعزم. وأما غاية أليفاز فليست مدح أيوب بل توبيخه لأن أيوب بعدما كان شدد غيره ارتخى وبعدما كان ثبّت غيره ارتعش.

5 «وَٱلآنَ إِذْ جَاءَ عَلَيْكَ ضَجِرْتَ! إِذْ مَسَّكَ ٱرْتَعْتَ».

ص 6: 14 ص 19: 21

جَاءَ عَلَيْكَ الفاعل مجهول فأشير به إلى جميع مصائب أيوب التي لم يرد أليفاز ذكرها بالتفصيل.

6 - 11 «6 أَلَيْسَتْ تَقْوَاكَ هِيَ مُعْتَمَدَكَ وَرَجَاؤُكَ كَمَالَ طُرُقِكَ؟ 7 اُذْكُرْ مَنْ هَلَكَ وَهُوَ بَرِيءٌ، وَأَيْنَ أُبِيدَ ٱلْمُسْتَقِيمُونَ؟ 8 كَمَا قَدْ رَأَيْتَ أَنَّ ٱلْحَارِثِينَ إِثْماً وَٱلزَّارِعِينَ شَقَاوَةً يَحْصُدُونَهُمَا. 9 بِنَسَمَةِ ٱللّٰهِ يَبِيدُونَ وَبِرِيحِ أَنْفِهِ يَفْنَوْنَ. 10 زَمْجَرَةُ ٱلأَسَدِ وَصَوْتُ ٱلزَّئِيرِ وَأَنْيَابُ ٱلأَشْبَالِ تَكَسَّرَتْ. 11 اَللَّيْثُ هَالِكٌ لِعَدَمِ ٱلْفَرِيسَةِ وَأَشْبَالُ ٱللَّبْوَةِ تَبَدَّدَتْ».

ص 1: 1 ص 8: 20 و36: 6 و7 ومزمور 37: 25 ص 15: 31 و35 وأمثال 22: 8 وهوشع 1: 13 وغلاطية 6: 7 ص 15: 30 وإشعياء 11: 4 و30: 33 و2تسالونيكي 2: 8 ص 40: 11 - 13 ص 5: 15 ومزمور 58: 6 ص 29: 17 ص 5: 4 و20: 10 و27: 14

أَلَيْسَتْ تَقْوَاكَ هِيَ مُعْتَمَدَكَ لا يُنكر أن أيوب كان تقياً وطرقه كاملة ولكنه كامل بالنسبة إلى غيره من الناس لا بالنسبة إلى الله (ع 17).

مَنْ هَلَكَ وَهُوَ بَرِيءٌ (ع 7) أي إن مصائب أيوب دليل على أنه لم يكن بريئاً كل البرء ولا طرقه كاملة أمام الله. وغاية أليفاز أن يحثه على التوبة والتسليم لتأديب الله ليغفر له خطاياه وينجيه من شدائده. وظهرت هذه الغاية في آخر خطابه (ص 5: 17 الخ).

ٱلْحَارِثِينَ إِثْماً (ع 8) قسم الناس قسمين. والقسم الأول هم الذين يخطئون ويتوبون ويستفيدون من تأديب الله ويرجعون إليه ويخلصون. والقسم الثاني هم الذين يتركون الله ولا يتوبون وهم الحارثون إثماً والزارعون شقاوة فيحصدونها وهم المشار إليهم بكلام أليفاز الآتي في الأسود ورجاؤه أن أيوب يكون من القسم الأول أي الذين يتوبون ويخلصون ولكنه إذا أصرّ على التمرد ومقاومة تدبير الله يكون من الهالكين.

وهنا (ع 10 و11) خمسة أسماء وما يلازمها للأسد وهي الأسد والزئير والأشبال والليث واللبوة وتكرار الألفاظ بمعنى واحد وهذا من اصطلاحات الشعر العبراني. وشبه أليفاز الأشرار بأسود أتاهم أناس قتلوا بعضهم وبددوا البعض الآخر والأشرار يشبهون الأسود في قوتهم وشراستهم وهلاكهم.

12 - 21 «12 ثُمَّ إِلَيَّ تَسَلَّلَتْ كَلِمَةٌ فَقَبِلَتْ أُذُنِي مِنْهَا ركزاً (هَمْساً). 13 فِي ٱلْهَوَاجِسِ مِنْ رُؤَى ٱللَّيْلِ عِنْدَ وُقُوعِ سُبَاتٍ عَلَى ٱلنَّاسِ 14 أَصَابَنِي رُعْبٌ وَرَعْدَةٌ، فَرَجَفَتْ كُلُّ عِظَامِي. 15 فَمَرَّتْ رُوحٌ عَلَى وَجْهِي. ٱقْشَعَرَّ شَعْرُ جَسَدِي. 16 وَقَفَتْ وَلٰكِنِّي لَمْ أَعْرِفْ مَنْظَرَهَا. شِبْهٌ قُدَّامَ عَيْنَيَّ. سَمِعْتُ صَوْتاً مُنْخَفِضاً: 17 أَٱلإِنْسَانُ أَبَرُّ مِنَ ٱللّٰهِ، أَمِ ٱلرَّجُلُ أَطْهَرُ مِنْ خَالِقِهِ؟ 18 هُوَذَا عَبِيدُهُ لاَ يَأْتَمِنُهُمْ وَإِلَى مَلاَئِكَتِهِ يَنْسِبُ حَمَاقَةً. 19 فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ سُكَّانُ بُيُوتٍ مِنْ طِينٍ ٱلَّذِينَ أَسَاسُهُمْ فِي ٱلتُّرَابِ وَيُسْحَقُونَ مِثْلَ ٱلْعُثِّ؟ 20 بَيْنَ ٱلصَّبَاحِ وَٱلْمَسَاءِ يُحَطَّمُونَ. بِدُونِ مُنْتَبِهٍ إِلَيْهِمْ إِلَى ٱلأَبَدِ يَبِيدُونَ. 21 أَمَا ٱنْتُزِعَتْ حِبَالُ طنبهم (خِيَامِهِمْ)؟ يَمُوتُونَ بِلاَ حِكْمَةٍ».

ع 12 - 17 وص 33: 15 - 18 ص 26: 14 ص 9: 2 و25: 4 ص 31: 15 و32: 22 و35: 10 و36: 3 ص 15: 15 ص 10: 9 و33: 6 ص 22: 16 وتكوين 2: 7 و3: 19 ص 14: 2 ص 14: 20 و20: 7 ص 8: 22 ص 18: 21 و36: 12

تقدم أليفاز إلى فصل جديد من خطابه (ص 12: 5 - 7) وفيه يحذّر أيوب من التذمر على الله وصوّر له أن الكلام أتاه برؤيا فله اعتبار عند أيوب وغيره من السامعين أكثر مما لو كان من عنديات أليفاز.

ركزاً (هَمْساً) الصوت الخفي.

هَوَاجِسِ ما يحدث الإنسان نفسه به في صدره مثل الوسواس والليل وقت ملائم للتأمل والرؤى.

فَمَرَّتْ رُوحٌ (ع 15) الكلمة الأصلية تفيد النفس كنفس الإنسان أو نسمة ولعل أليفاز شعر بشيء غير منظور كنفس إنسان أو نسمة مرّت على وجهه ثم رأى شبحاً قدام عينيه كأنه خيال وسمع صوتاً منخفضاً. ولا شك قد اقشعر السامعون منه.

أَٱلإِنْسَانُ أَبَرُّ مِنَ ٱللّٰهِ (ع 17) استفهام إنكاري فليس الإنسان أبرّ من الله لذلك لا يجوز له أن يحكم على الله ولا أن يتذمر من عنايته. يظن بعضهم أن الكلام الذي سمعه أليفاز قد انتهى هنا. والأرجح أنه ينتهي بنهاية الأصحاح.

عَبِيدُهُ (ع 18) أي الملائكة كما في البيت الأخير من البيتين. ومع أنهم أطهار وأعظم خلائق الله فبالنسبة إلى الله تحسب معرفتهم حماقة فكم بالحري معرفة بني آدم.

بُيُوتٍ مِنْ طِينٍ (ع 19) تمييزاً لها عن بيوت الأغنياء المبنية من حجارة منحوتة. والبيوت من طين هي أجساد الناس الفانية. البيوت التي هي من طين وأساسها في التراب دليل على ضعف الإنسان الجسدي وسرعة زواله وتحديد معرفته.

بَيْنَ ٱلصَّبَاحِ وَٱلْمَسَاءِ (ع 20) يشير إلى قصر حياة الإنسان كأنها نهار فقط.

بِدُونِ مُنْتَبِهٍ إِلَيْهِمْ يبيدون كما يبيد العث. وغاية أليفاز أن يعظم البعد بين الله وبين خلائقه فلا يتكبر الإنسان ولا يعترض على خالقه. ولكن الله يحافظ على الإنسان لأنه خلقه على صورته وبذل ابنه لأجل خلاصه ويسمع الصلاة ويعتني بكل فرد من بني البشر.

حِبَالُ طنبهم (خِيَامِهِمْ) (ع 21) الإنسان مشبّه بخيمة وموته يمثّل بنزع طنبها وانتقالها. وإذا انتزعت طنبهم منهم أصبحوا بلا خيمة (انظر 2كورنثوس 5: 1) «إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا ٱلأَرْضِيُّ الخ».

ٍبِلاَ حِكْمَة لقلة أيام الإنسان على الأرض لا يقدر أن يتقدم كثيراً في الحكمة. والعهد الجديد يعلن لنا أن أيام الإنسان في هذا العالم بداية حياته فقط وفي العالم المقبل يتقدم بالمعرفة والحكمة بلا نهاية.

فوائد

  1. إن إنذارنا غيرنا أهون من إنذارنا أنفسنا.

  2. إن التذمر هو الحكم على الله.

  3. إن لنا في الكتاب المقدس كلاماً من الله أثبت من رؤى الليل.

  4. إن الإنسان يتّضع عندما ينظر إلى ضعفاته الجسدية ويرتفع عندما ينظر إلى نعمة الله العاملة فيه ولأجله.

  5. إن لنا بيتاً أبدياً غير مصنوع بيد.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ

تكملة خطاب أليفاز

1 - 7 «1 اُدْعُ ٱلآنَ. فَهَلْ لَكَ مِنْ مُجِيبٍ! وَإِلَى أَيِّ ٱلْقِدِّيسِينَ تَلْتَفِتُ؟ 2 لأَنَّ ٱلْغَيْظَ يَقْتُلُ ٱلْغَبِيَّ وَٱلْغَيْرَةَ تُمِيتُ ٱلأَحْمَقَ. 3 إِنِّي رَأَيْتُ ٱلْغَبِيَّ يَتَأَصَّلُ وَبَغْتَةً لَعَنْتُ مَرْبِضَهُ. 4 بَنُوهُ بَعِيدُونَ عَنِ ٱلأَمْنِ، وَقَدْ تَحَطَّمُوا فِي ٱلْبَابِ وَلاَ مُنْقِذَ. 5 ٱلَّذِينَ يَأْكُلُ ٱلْجَوْعَانُ حَصِيدَهُمْ وَيَأْخُذُهُ حَتَّى مِنَ ٱلشَّوْكِ، وَيَشْتَفُّ ٱلظَّمْآنُ ثَرْوَتَهُمْ. 6 إِنَّ ٱلْبَلِيَّةَ لاَ تَخْرُجُ مِنَ ٱلتُّرَابِ وَٱلشَّقَاوَةَ لاَ تَنْبُتُ مِنَ ٱلأَرْضِ، 7 وَلٰكِنَّ ٱلإِنْسَانَ مَوْلُودٌ لِلْمَشَقَّةِ كَمَا أَنَّ ٱلْجَوَارِحَ لٱرْتِفَاعِ ٱلْجَنَاحِ».

ص 15: 15 أمثال 12: 16 و27: 3 إرميا 12: 2 ص 24: 18 و31: 30 ص 4: 11 ص 18: 8 - 10 و22: 10 ص 15: 35 ص 14: 1

اُدْعُ ٱلآنَ كان أيوب لعن اليوم الذي وُلد فيه فكان كلامه كاعتراض على الله الذي أعطاه الحياة. والقديسون أي الملائكة يخدمون الناس بأمر الله ولكنهم عبيده القديسون فلا يسمعون اعتراضاً على سيدهم القدوس.

ٱلْغَيْظَ (ع 2) هو غيظ الله والغيرة غيرته ومن يشتكي على الله لا ينتفع شيئاً بل يجلب على نفسه غيظاً يقتله وغيرة تميته. والغبي هو من يحتقر الحكمة والأدب (أمثال 1: 7) ومن يظهر غضبه (أمثال 12: 16) وأعظم غباوة هي الخطيئة والغبي بالكتاب المقدس هو الخاطئ. وأليفاز من لطفه لا يدعو أيوب غبياً بل يذكر غبياً وما أصابه ليحتذره أيوب.

لَعَنْتُ مَرْبِضَهُ (ع 3) نجح الغبي نجاحاً وقتياً وبغتة سقط ولما رأى أليفاز مربضه قال فيه إنه ملعون أي لم يلعنه فسقط بل سقط فلعنه.

بَنُوهُ (ع 4) في (خروج 20: 5) «أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ ٱلآبَاءِ فِي ٱلأَبْنَاءِ» وفي (حزقيال 18: 20) «اَلٱبْنُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ ٱلأَبِ» فيظهر من هاتين الآيتين أن خطايا الأب تؤثر في الأبناء في أمورهم الزمنية كالصحة والصيت والمال ولكن لا تهلك نفوسهم إلا بسبب خطاياهم.

تَحَطَّمُوا فِي ٱلْبَابِ (ع 4) في المدن القديمة كان الباب مكان المرور والجلوس والاجتماع والمحاكمة (انظر 29: 7 مزمور 127: 5) وتحطموا ظُلموا لأنهم ضعفاء وكما قال أيوب (22: 8) «أَمَّا صَاحِبُ ٱلْقُوَّةِ فَلَهُ ٱلأَرْضُ» (انظر عاموس 5: 12).

مِنَ ٱلشَّوْكِ (ع 5) أي السياج والمعنى أن السياج لا يمنع دخول كل من أراد أن يقطف الثمر ويأكل وذلك من ضعف صاحب الحقل. والظمآن أي كل من يشتهي ثروتهم يشتفّها أي يأخذها كلها.

لاَ تَخْرُجُ... مِنَ ٱلأَرْضِ (ع 6) أي لا تأتي بلا سبب وليس كالشوك والشعب اللذين يخرجان من الأرض بلا زارع.

مَوْلُودٌ لِلْمَشَقَّةِ فلا بد منها ويجب على الإنسان أن لا يتعجب من حدوثها. وأشار أيضاً إلى طبيعة الإنسان الفاسدة فإنه يخطئ من صغره فيعرض نفسه للمشقة. فثبت أليفاز بخطابه أن الله عادل وإن البلية من الخطيئة ولمّح إلى أن أيوب كان قد أخطأ فأتاه ما أتاه.

8 - 16 «8 لٰكِنْ كُنْتُ أَطْلُبُ إِلَى ٱللّٰهِ وَعَلَى ٱللّٰهِ أَجْعَلُ أَمْرِي. 9 ٱلْفَاعِلِ عَظَائِمَ لاَ تُفْحَصُ وَعَجَائِبَ لاَ تُعَدُّ. 10 ٱلْمُنْزِلِ مَطَراً عَلَى وَجْهِ ٱلأَرْضِ وَٱلْمُرْسِلِ ٱلْمِيَاهَ عَلَى ٱلْبَرَارِيِّ. 11 ٱلْجَاعِلِ ٱلْمُتَوَاضِعِينَ فِي ٱلْعُلَى فَيَرْتَفِعُ ٱلْمَحْزُونُونَ إِلَى أَمْنٍ. 12 ٱلْمُبْطِلِ أَفْكَارَ ٱلْمُحْتَالِينَ فَلاَ تُجْرِي أَيْدِيهِمْ قَصْداً. 13 ٱلآخِذِ ٱلْحُكَمَاءَ بِحِيلَتِهِمْ فَتَتَهَوَّرُ مَشُورَةُ ٱلْمَاكِرِينَ. 14 فِي ٱلنَّهَارِ يَصْدِمُونَ ظَلاَماً، وَيَتَلَمَّسُونَ فِي ٱلظَّهِيرَةِ كَمَا فِي ٱللَّيْلِ. 15 ٱلْمُنَجِّيَ ٱلْبَائِسَ مِنَ ٱلسَّيْفِ، مِنْ فَمِهِمْ وَمِنْ يَدِ ٱلْقَوِيِّ. 16 فَيَكُونُ لِلذَّلِيلِ رَجَاءٌ وَتَسُدُّ ٱلْخَطِيَّةُ فَاهَا».

ص 13: 2 و3 ص 9: 10 و37: 14 و16 و42: 3 ص 36: 27 - 29 و37: 6 - 11 و38: 26 ص 22: 29 و36: 7 مزمور 33: 10 ص 37: 24 و1كورنثوس 3: 19 ص 12: 25 و15: 30 و18: 18 و20: 26 و24: 13 ص 4: 10 و11 ومزمور 35: 1 ص 29: 17 و34: 28 و36: 6 و15 و38: 15 مزمور 107: 42

فصل آخر من خطاب أليفاز. قال إنه لو كان في مكان أيوب لكان يطلب إلى الله وهو العظيم في أعماله والمُحسن إلى جميع خلائقه ومنصف المظلومين فإذا رجع أيوب إلى الله بالتوبة يباركه الرب.

فَلاَ تُجْرِي أَيْدِيهِمْ قَصْداً (ع 12) «لا تُتمم أيديهم حيلهم» (التي قصدوها).

فِي ٱلنَّهَارِ يَصْدِمُونَ (ع 14) يصدمون مع وجود النور. كناية عن عمه قلوبهم فإن الله يعطي الناس وسائل كافية ليعرفوه (رومية 1: 20 - 22) ولكنهم يحبون الظلمة أكثر من النور كما قال يسوع لليهود «لاَ تُرِيدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيَّ لِتَكُونَ لَكُمْ حَيَاةٌ» (يوحنا 5: 40).

مِنْ فَمِهِمْ (ع 15) من فم الأشرار الأقوياء. والفم كناية إما عن الكلام الموجع والكاذب أو عن شراسة الظالمين كأنهم يبلعون المساكين.

17 - 27 «17 هُوَذَا طُوبَى لِرَجُلٍ يُؤَدِّبُهُ ٱللّٰهُ. فَلاَ تَرْفُضْ تَأْدِيبَ ٱلْقَدِيرِ. 18 لأَنَّهُ هُوَ يَجْرَحُ وَيَعْصِبُ. يَسْحَقُ وَيَدَاهُ تَشْفِيَانِ. 19 فِي سِتِّ شَدَائِدَ يُنَجِّيكَ وَفِي سَبْعٍ لاَ يَمَسُّكَ سُوءٌ. 20 فِي ٱلْجُوعِ يَفْدِيكَ مِنَ ٱلْمَوْتِ وَفِي ٱلْحَرْبِ مِنْ حَدِّ ٱلسَّيْفِ. 21 مِنْ سَوْطِ ٱللِّسَانِ تُخْتَبَأُ فَلاَ تَخَافُ مِنَ ٱلْخَرَابِ إِذَا جَاءَ. 22 تَضْحَكُ عَلَى ٱلْخَرَابِ وَٱلْمَجَاعَةِ وَلاَ تَخْشَى وُحُوشَ ٱلأَرْضِ. 23 لأَنَّهُ مَعَ حِجَارَةِ ٱلْحَقْلِ عَهْدُكَ وَوُحُوشُ ٱلْبَرِّيَّةِ تُسَالِمُكَ. 24 فَتَعْلَمُ أَنَّ خَيْمَتَكَ آمِنَةٌ وَتَتَعَهَّدُ مَرْبِضَكَ وَلاَ تَفْقِدُ شَيْئاً. 25 وَتَعْلَمُ أَنَّ زَرْعَكَ كَثِيرٌ وَذُرِّيَّتَكَ كَعُشْبِ ٱلأَرْضِ. 26 تَدْخُلُ ٱلْمَدْفَنَ فِي شَيْخُوخَةٍ كَرَفْعِ ٱلْكُدْسِ فِي أَوَانِهِ. 27 هَا إِنَّ ذَا قَدْ بَحَثْنَا عَنْهُ. كَذَا هُوَ. فَٱسْمَعْهُ وَٱعْلَمْ أَنْتَ لِنَفْسِكَ».

مزمور 94: 12 ص 36: 15 و16 وأمثال 3: 11 وعبرانيين 12: 5 - 11 تثنية 32: 39 و1صموئيل 2: 6 وإشعياء 30: 26 وهوشع 6: 1 مزمور 33: 19 و37: 19 مزمور 144: 10 ع 15 ومزمور 31: 20 مزمور 91: 5 و6 ص 8: 21 مزمور 91: 13 وحزقيال 34: 25 وهوشع 2: 18 إشعياء 11: 6 - 9 و65: 25 ص 8: 6 مزمور 112: 2 إشعياء 44: 3 و4 و48: 19 ص 42: 17

طُوبَى لِرَجُلٍ يُؤَدِّبُهُ ٱللّٰهُ هذا كتعليم العهد الجديد (عبرانيين 12: 5 - 13) (انظر أيضاً مزمور 94: 12 وأمثال 3: 11). قال أحد المفسرين إن هذا الفصل أجمل ما في خطب أصحاب أيوب.

يَجْرَحُ وَيَعْصِبُ (ع 18) كجرّاح يجرح وغايته الشفاء (هوشع 6: 1).

سِتِّ... وَسَبْعٍ (ع 19) المقصود التأكيد (أمثال 6: 16) بعدما قال (ع 20) «يَفْدِيكَ مِنَ ٱلْمَوْتِ وَفِي ٱلْحَرْبِ مِنْ حَدِّ ٱلسَّيْفِ» ذكر (ع 21) «سوط اللسان» لأن لسان الأشرار كسيف ماضٍ (مزمور 57: 4) انظر قول مقاومي إرميا (18: 18) «هلّم فنضربه باللسان». وجروح اللسان أي الكذب والشتم والنميمة شر من جروح السيف.

مَعَ حِجَارَةِ ٱلْحَقْلِ عَهْدُكَ (ع 23) (رومية 8: 19 - 22) الحجارة لا تعوقه عن الفلاحة والوحوش لا تؤذيه وفي الكلام مبالغة جائزة في الشعر.

فَتَعْلَمُ (ع 24) دليل على راحة الأفكار من جهة مسكنه وأسرته لأنه يرجعه من سفر أو من شغله في الحقل ولا يفقد شيئاً وهذا الأمر ليس بقليل في البلاد التي سكنها أيوب (1صموئيل 30: 1 - 5) من أعظم البركات (ع 25) كثرة الأولاد وطول الحياة (ع 25 و26).

قَدْ بَحَثْنَا (ع 27) أليفاز وجميع العلماء فلا يجوز لأيوب أن يعترض على حكمهم.

إن كلام أليفاز فصيح ولطيف ولكن المتكلم لم يشعر كما يجب مع أيوب وحكمه «إن من أصابه كثير من البلايا يكون قد ارتكب كثيراً من الخطايا» غلط.

فوائد

  1. لا تأتي البلايا اتفاقاً (ع 6 و7) وليست من أحوال الإنسان الخارجية كالأرض وحالة الهواء والحصاد بل هي من الإنسان نفسه فالإصلاح المطلوب هو إصلاح الإنسان أولاً ثم إصلاح أحواله.

  2. إن الشكر والتسليم للرب مما ينفع الإنسان في صحته وفي أعماله كما ان التذمر مما يضرّه في جسده وفي أحواله (17 - 27).

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ

مضمونه جواب أليفاز (1) إن عظمة مصائبه تستلزم الشكوى (1 - 13) (2) خيبة رجائه في أصدقائه الذين كان يرجو منهم التعزية (14 - 30) (3) إعادة شكواه من مصائبه وهي أشد من شكواه الأولى (ص 7).

1 - 7 «1 فَأَجَابَ أَيُّوبُ: 2 لَيْتَ كَرْبِي وُزِنَ وَمُصِيبَتِي رُفِعَتْ فِي ٱلْمَوَازِينِ جَمِيعَهَا. 3 لأَنَّهَا ٱلآنَ أَثْقَلُ مِنْ رَمْلِ ٱلْبَحْرِ. مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ لَغَا كَلاَمِي. 4 لأَنَّ سِهَامَ ٱلْقَدِيرِ فِيَّ، تَشْرَبُ رُوحِي سُمَّهَا. أَهْوَالُ ٱللّٰهِ مُصْطَفَّةٌ ضِدِّي. 5 هَلْ يَنْهَقُ ٱلْفَرَاءُ عَلَى ٱلْعُشْبِ أَوْ يَخُورُ ٱلثَّوْرُ عَلَى عَلَفِهِ؟ 6 هَلْ يُؤْكَلُ ٱلْمَسِيخُ بِلاَ مِلْحٍ، أَوْ يُوجَدُ طَعْمٌ فِي مَرَقِ ٱلْبَقْلَةِ؟ 7 عَافَتْ نَفْسِي أَنْ تَمَسَّهَا، فَصَارَتْ خُبْزِيَ ٱلْكَرِيهِ!».

ص 31: 6 ص 23: 2 ص 16: 13 ومزمور 38: 2 ص 20: 16 و21: 20 ص 30: 15 ص 39: 5 - 8 ص 3: 24 و33: 20

لَغَا كَلاَمِي (ع 3) كان أليفاز قال لأيوب «ضجرت» (4: 5) وقال له أيضاً «ٱلْغَيْظَ يَقْتُلُ ٱلْغَبِيَّ وَٱلْغَيْرَةَ تُمِيتُ ٱلأَحْمَقَ» (5: 2) ولمّح إلى أن أيوب هو غبي وأحمق فأثر كلامه في أيوب جداً فتحير أيوب ومن اضطراب أفكاره لغا كلامه أي خطأ وقال قولاً باطلاً بالمبالغة والشدة وبلا ترتيب. أثقل من رمل البحر (ع 3) كناية عن ما لا يُعد (تكوين 32: 12) وما لا يوزن (أمثال 27: 3) وما لا يُحصى (إرميا 33: 22).

سِهَامَ ٱلْقَدِيرِ (ع 4) وهي الأوجاع والأحزان والضيقات التي بها يؤدب الله الناس وأعظم شيء في مصائب أيوب أنها من الله وعلامة غضبه كما ظن. انظر قول يسوع وهو على الصليب «إلهي إلهي لماذا تركتني». وفي السهام حمة كحمة عقارب وهذه السهام شاربة روحه كوحش يشرب دم حيوان قد افترسه.

مُصْطَفَّةٌ ضِدِّي شبّه مصائبه بجيوش الأعداء المصطفة لأجل القتال. الفرا (ع 5) لا ينهق والثور لا يخور بلا سبب كالجوع أو العطش أو الوحدة وقول أيوب إنه لولا سبب كاف لما تشكّى. ومصائبه كالمسيخ (ع 6) ومرق البقلة وغيرهما مما عافت نفسه فصارت له خبزه اليومي وليس له إلا هذا الطعام الكريه. ويظن بعضهم أن أيوب شبّه كلام أليفاز بالمسيخ ومرقة البقلة أي كلام بلا فائدة.

8 - 13 «8 يَا لَيْتَ طِلْبَتِي تَأْتِي وَيُعْطِينِيَ ٱللّٰهُ رَجَائِي! 9 أَنْ يَرْضَى ٱللّٰهُ بِأَنْ يَسْحَقَنِي وَيُطْلِقَ يَدَهُ فَيَقْطَعَنِي. 10 فَلاَ تَزَالُ تَعْزِيَتِي وَٱبْتِهَاجِي فِي عَذَابٍ لاَ يُشْفِقُ أَنِّي لَمْ أَجْحَدْ كَلاَمَ ٱلْقُدُّوسِ. 11 مَا هِيَ قُوَّتِي حَتَّى أَنْتَظِرَ، وَمَا هِيَ نِهَايَتِي حَتَّى أُصَبِّرَ نَفْسِي؟ 12 هَلْ قُوَّتِي قُوَّةُ ٱلْحِجَارَةِ؟ هَلْ لَحْمِي نُحَاسٌ؟ 13 أَلاَ إِنَّهُ لَيْسَتْ فِيَّ مَعُونَتِي، وَٱلْمُسَاعَدَةُ مَطْرُودَةٌ عَنِّي!».

ص 7: 16 و9: 21 و1: 1 وعدد 11: 15 و1ملوك 9: 14 ص 22: 22 و23: 11 و12 ص 21: 4 ص 26: 2 ص 26: 3

كانت طلبة أيوب ورجاؤه أن يموت فيستريح من آلامه.

وَيُطْلِقَ يَدَهُ (ع 9) كان الله بالأول أمسك يد الشيطان ولم يسمح له أن يقتله (2: 6) والآن طلب أيوب من الله أن يُطلق يد الشيطان ويسمح لأيوب أن يموت. ولم يفتكر أيوب بالانتحار بل سلّم أمره لله.

فَيَقْطَعَنِي شبّه الله بحائك وحياة الإنسان بالنسيج وشبّه قطع النسيح ورفعه من النور بموت الإنسان.

وطلب الموت لأنه شعر بأنه مستعد له إذ لم يجحد كلام القدوس أي تعزيته في الموت هي أنه لم يجحد الله. وفهم بعضهم أن تعزية أيوب هي الموت والقول «إِنِّي لَمْ أَجْحَدْ كَلاَمَ ٱلْقُدُّوسِ» جملة معترضة. إن إيليا طلب الموت (1ملوك 19: 4) وكذلك يونان (4: 3 و8) وأما الله فلم يستجب لهما لأن الموت لا يكون إلا في الوقت الذي عند الله وبعد نهاية الفرصة التي أعطاها الخالق للإنسان لتكملة واجباته والاستعداد للموت.

مَا هِيَ نِهَايَتِي حَتَّى أُصَبِّرَ نَفْسِي (ع 11) لم يعرف أيوب قوة الله ليشفيه من مرضه ويرد له أمواله ويقيم له نسلاً جديداً وكأنه نسي أن الله معه في الضيق وإن منه المعونة والمساعدة (مزمور 46: 1).

14 - 23 «14 حَقُّ ٱلْمَحْزُونِ مَعْرُوفٌ مِنْ صَاحِبِهِ وَإِنْ تَرَكَ خَشْيَةَ ٱلْقَدِيرِ. 15 أَمَّا إِخْوَانِي فَقَدْ غَدَرُوا مِثْلَ ٱلْغَدِيرِ. مِثْلَ سَاقِيَةِ ٱلْوِدْيَانِ يَعْبُرُونَ. 16 ٱلَّتِي هِيَ عَكِرَةٌ مِنَ ٱلْبَرَدِ وَيَخْتَفِي فِيهَا ٱلْجَلِيدُ. 17 إِذَا جَرَتِ ٱنْقَطَعَتْ. إِذَا حَمِيَتْ جَفَّتْ مِنْ مَكَانِهَا. 18 تَحِيدُ ٱلْقَوَافِلُ عَنْ طَرِيقِهَا، تَدْخُلُ ٱلتِّيهَ فَتَهْلِكُ. 19 نَظَرَتْ قَوَافِلُ تَيْمَاءَ. مَوَاكِبُ سَبَإٍ رَجَوْهَا. 20 خَزُوا فِي مَا كَانُوا مُطْمَئِنِّينَ. جَاءُوا إِلَيْهَا فَخَجِلُوا. 21 فَٱلآنَ قَدْ صِرْتُمْ مِثْلَهَا. رَأَيْتُمْ ضَرْبَةً فَفَزِعْتُمْ. 22 هَلْ قُلْتُ: أَعْطُونِي شَيْئاً، أَوْ مِنْ مَالِكُمُ ٱرْشُوا مِنْ أَجْلِي، 23 أَوْ نَجُّونِي مِنْ يَدِ ٱلْخَصْمِ، أَوْ مِنْ يَدِ ٱلْعُتَاةِ ٱفْدُونِي؟».

ص 4: 5 ص 1: 5 و15: 4 إرميا 15: 18 ص 24: 19 تكوين 25: 15 وإشعياء 21: 14 وإرميا 25: 23 ص 1: 15 إرميا 14: 3

خيبة رجاء أيوب في أصدقائه الذين كان ينتظر منهم التعزية.

وَإِنْ تَرَكَ (ع 14) كان أليفاز قد لمّح إلى أن أيوب ترك الله وإلا لما أصابته هذه المصائب العظيمة. وقال أيوب هنا إنه وإن سلّم أنه قد ترك الله كان على أصحابه أن يبينوا له محبتهم واهتمامهم به لعلهم يردونه إلى الحق لأن «اَلصَّدِيقُ يُحِبُّ فِي كُلِّ وَقْتٍ، أَمَّا ٱلأَخُ فَلِلشِّدَّةِ يُولَدُ» (أمثال 17: 17).

ٱلْغَدِيرِ (ع 15) هو نهر شتوي ينزل من الجبال ويجري في أيام المطر ويجف من مكانه في أيام الصيف وهو يغدر بالناس لأنهم يأتونه صيفاً راجين أن يشربوا منه فلا يجدون ماء. وقوافل تيماء وسبا في بلاد العرب حادوا عن طريقهم وقصدوه للارتواء لمعرفتهم بمكان كانوا وجدوا فيه ماء في أسفارهم السابقة ولكنهم لم يجدوا الآن فيه ماء فلم تبق لهم ولجمالهم قوة ليرجعوا إلى طريقهم العمومية فهلكوا من العطش. وهكذا أيوب التفت إلى أصحابه منتظراً منهم تعزية كعادته فلم يجد.

رَأَيْتُمْ ضَرْبَةً فَفَزِعْتُمْ (ع 21) كما يبعد الناس عن الأبرص (لاويين 13: 45 و46) والأبرص «يُنَادِي: نَجِسٌ نَجِسٌ... يُقِيمُ وَحْدَهُ. خَارِجَ ٱلْمَحَلَّةِ يَكُونُ مَقَامُهُ» هكذا أصحاب أيوب اعتبروه مصاباً من الله واعتقدوا أن الله يغضب على الذين يعودونه.

هَلْ قُلْتُ أَعْطُونِي شَيْئاً (ع 22) لم يثقل على أصحابه بطلب المال منهم أو الرشوة أو الفدية من أجله بل طلب التعزية فقط. والعتاة لصوص يأسرون إنساناً ولا يُطلقونه إلا بدفع فدية.

24 - 30 «24 عَلِّمُونِي فَأَنَا أَسْكُتُ، وَفَهِّمُونِي فِي أَيِّ شَيْءٍ ضَلَلْتُ. 25 مَا أَشَدَّ ٱلْكَلاَمَ ٱلْمُسْتَقِيمَ، وَأَمَّا ٱلتَّوْبِيخُ مِنْكُمْ فَعَلَى مَاذَا يُبَرْهِنُ؟ 26 هَلْ تَحْسِبُونَ أَنْ تُوَبِّخُوا كَلِمَاتٍ، وَكَلاَمُ ٱلْيَائِسِ لِلرِّيحِ! 27 بَلْ تُلْقُونَ عَلَى ٱلْيَتِيمِ وَتَحْفُرُونَ حُفْرَةً لِصَاحِبِكُمْ! 28 وَٱلآنَ تَفَرَّسُوا فِيَّ، فَإِنِّي عَلَى وُجُوهِكُمْ لاَ أَكْذِبُ. 29 اِرْجِعُوا. لاَ يَكُونَنَّ ظُلْمٌ. اِرْجِعُوا أَيْضاً. فِيهِ حَقِّي. 30 هَلْ فِي لِسَانِي ظُلْمٌ أَمْ حَنَكِي لاَ يُمَيِّزُ فَسَاداً؟».

ص 8: 2 و15: 2 و16: 3 يوئيل 3: 3 وناحوم 3: 10 ص 22: 9 و24: 3 و9 و2بطرس 2: 3 ص 27: 4 و33: 3 و36: 4 ص 13: 18 و19: 6 و23: 10 و27: 5 و6 و34: 5 و42: 1 - 6 ص 12: 11

عَلِّمُونِي (ع 24) بكتوني على خطيئة فأقتنع وأسكت.

التوبيخ من صديق مخلص مقبول (مزمور 141: 5) ولكن أصحاب أيوب نظروا إلى ألفاظه ونددوا على كلامه ونسوا أن المتضايق قد يتكلم بشدة ومبالغة ويكون كلامه ككلام اليائس للريح (ع 26) أي لا يجوز الحكم عليه بدقة بل يستدعي الشفقة وغض النظر.

تُلْقُونَ عَلَى ٱلْيَتِيمِ (ع 27) كان الدائنون إذا مات المدين يلقون قرعة على ابنه اليتيم ليروا لمن منهم يكون عبداً فيقضي دين أبيه وحفر حفرة للصديق دليل على دناءة وخيانة. وشبّه أيوب أصحابه لأنهم قساة القلوب وعادمو الشفقة والأمانة.

تَفَرَّسُوا فِيَّ (ع 28) وهو أيضاً يتفرّس فيهم. ليس هذا قول كذب لأن الكذاب لا يقدر أن يتفرّس في الذين يكذب عليهم.

اِرْجِعُوا (ع 29) يطلب منهم أن لا يثابروا على التنديد والحكم عليه كمذنب بل أن يرجعوا كما يرجع التائه إلى الطريق وحيئنذ يبحثون في الموضوع بحثاً حقيقياً.

فِيهِ حَقِّي اعتقد أن مصائبه ليست عقاب خطايا فظيعة كما ظن أصحابه ولقلة معرفته بأعمال الله ظن أن الله ظلمه. فثبت في اعتقاده على رغم كلام أصحابه. وطلب مراجعة دعواه ليروا حقه أي أن الحق معه في الدعوى.

حَنَكِي يُمَيِّزُ فَسَاداً (ع 30) ليست الحكمة محصورة في أصحابه بل هو أيضاً يقدر أن يميّز بين الحق والفساد.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ

تكملة جواب أيوب لأليفاز وهي شكوى شديدة من مصائبه.

1 - 10 «1 أَلَيْسَتْ حَيَاةُ ٱلإِنْسَانِ جِهَاداً عَلَى ٱلأَرْضِ، وَكَأَيَّامِ ٱلأَجِيرِ أَيَّامُهُ؟ 2 كَمَا يَتَشَوَّقُ ٱلْعَبْدُ إِلَى ٱلظِّلِّ، وَكَمَا يَتَرَجَّى ٱلأَجِيرُ أُجْرَتَهُ، 3 هٰكَذَا تَعَيَّنَ لِي أَشْهُرُ سُوءٍ، وَلَيَالِي شَقَاءٍ قُسِمَتْ لِي. 4 إِذَا ٱضْطَجَعْتُ أَقُولُ مَتَى أَقُومُ. ٱللَّيْلُ يَطُولُ وَأَشْبَعُ قَلَقاً حَتَّى ٱلصُّبْحِ. 5 لَبِسَ لَحْمِيَ ٱلدُّودُ مَعَ ٱلطِّينِ. جِلْدِي تَشَقَّقَ وَتَقَيَّحَ. 6 أَيَّامِي أَسْرَعُ مِنَ ٱلْمَكُّوكِ، وَتَنْتَهِي بِغَيْرِ رَجَاءٍ. 7 اُذْكُرْ أَنَّ حَيَاتِي إِنَّمَا هِيَ رِيحٌ وَعَيْنِي لاَ تَعُودُ تَرَى خَيْراً. 8 لاَ تَرَانِي عَيْنُ نَاظِرِي. عَيْنَاكَ عَلَيَّ وَلَسْتُ أَنَا! 9 ٱلسَّحَابُ يَضْمَحِلُّ وَيَزُولُ. هٰكَذَا ٱلَّذِي يَنْزِلُ إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ لاَ يَصْعَدُ. 10 لاَ يَرْجِعُ بَعْدُ إِلَى بَيْتِهِ وَلاَ يَعْرِفُهُ مَكَانُهُ بَعْدُ».

ص 5: 7 و10: 17 و14: 1 و14 ص 14: 6 ص 16: 7 ع 13 و14 وتثنية 28: 67 ص 2: 7 ص 9: 25 ص 13: 15 و14: 19 و17: 15 و16 و19: 10 ع 16 ص 9: 25 ص 8: 18 و20: 9 ع 21 ص 30: 10 انظر ص 3: 13 - 19 ص 11: 8 و14: 13 و17: 13 و16 ص 8: 18 و20: 9 و27: 21 و23

ذكر مشقات الناس عموماً. والجهاد هو جهاد جندي. وبالإجمال أن كل خدمة شاقة كما في (14: 14 وإشعياء 40: 2) وأيام الأجير هي أيام تعب والأجير كالجندي تحت حكم مطلق وخدمته خدمة إجبارية. والأجير يتشوق إلى الظل أي إلى غروب الشمس إذ تنتهي أتعاب النهار. وكحياة الأجير والجندي هكذا حياة الإنسان إذ ليس فيها كبير فرح أو راحة وأعظم أمانيه أن هذه الأيام تمضي سريعاً فيستريح في القبر. ولنذكر أن الكلام هنا شعر من خصائصه المبالغة ولنذكر أيضاً أن أيوب كان في زمان العهد القديم وقبل أن أنار يسوع الحياة والخلود.

تَعَيَّنَ لِي (ع 3) كان تحت الأمر كجندي أو عبد وليست حياته كما اختار لنفسه. وقوله «أشهر سوء» يشير إلى طول مرضه مدة أشهر وليس مدة أيام فقط. وليالي شقاء يشير بها إلى أن آلامه اشتدت في الليل.

قَلَقاً حَتَّى ٱلصُّبْحِ (ع 4) في (تثنية 28: 67) «فِي ٱلصَّبَاحِ تَقُولُ: يَا لَيْتَهُ ٱلْمَسَاءُ! وَفِي ٱلْمَسَاءِ تَقُولُ: يَا لَيْتَهُ ٱلصَّبَاحُ». وفي (ع 5) ذكر بعض أعراض مرضه. ومن عدم الخدمة والوسائل الطبية فسدت قروحه وولدت دوداً وقشرة الجروح صارت كمدر التراب وساخ القيح وسال.

وفي (ع 6 إلى 10) يشكو من قصر حياته وشبهها بوشيعة الحائك والريح والسحاب ومطلوبه حياة سعيدة كما كانت حياته في الأول. وأما حياته الحاضرة فالموت أفضل منها (6: 8 و9) والإنسان يشكو من أمرين وهما حياة سعيدة وقصيرة وحياة تاعسة وطويلة. وفي قوله «اذكر» (ع 7) يكلم الله و «عين ناظري» (ع 8) عين الله.

ٱلْهَاوِيَةِ (ع 9) (انظر 3: 13 وتفسيره و10: 21 و22).

لاَ يَصْعَدُ لا يرجع إلى الحياة على الأرض.

11 - 21 «11 أَنَا أَيْضاً لاَ أَمْنَعُ فَمِي. أَتَكَلَّمُ بِضِيقِ رُوحِي. أَشْكُو بِمَرَارَةِ نَفْسِي. 12 أَبَحْرٌ أَنَا أَمْ تِنِّينٌ حَتَّى جَعَلْتَ عَلَيَّ حَارِساً؟ 13 إِنْ قُلْتُ: فِرَاشِي يُعَزِّينِي، مَضْجَعِي يَنْزِعُ كُرْبَتِي 14 تُرِيعُنِي بِٱلأَحْلاَمِ وَتُرْهِبُنِي بِرُؤًى، 15 فَٱخْتَارَتْ نَفْسِي ٱلْخَنْقَ وَٱلْمَوْتَ عَلَى عِظَامِي هٰذِهِ. 16 قَدْ ذُبْتُ. لاَ إِلَى ٱلأَبَدِ أَحْيَا. كُفَّ عَنِّي لأَنَّ أَيَّامِي نَفْخَةٌ! 17 مَا هُوَ ٱلإِنْسَانُ حَتَّى تَعْتَبِرَهُ وَحَتَّى تَضَعَ عَلَيْهِ قَلْبَكَ، 18 وَتَتَعَهَّدَهُ كُلَّ صَبَاحٍ، وَكُلَّ لَحْظَةٍ تَمْتَحِنُهُ! 19 حَتَّى مَتَى لاَ تَلْتَفِتُ عَنِّي وَلاَ تُرْخِينِي رَيْثَمَا أَبْلَعُ رِيقِي؟ 20 أَأَخْطَأْتُ؟ مَاذَا أَفْعَلُ لَكَ يَا رَقِيبَ ٱلنَّاسِ! لِمَاذَا جَعَلْتَنِي هَدَفاً لَكَ حَتَّى أَكُونَ عَلَى نَفْسِي حِمْلاً! 21 وَلِمَاذَا لاَ تَغْفِرُ ذَنْبِي وَلاَ تُزِيلُ إِثْمِي لأَنِّي ٱلآنَ أَضْطَجِعُ فِي ٱلتُّرَابِ؟ تَطْلُبُنِي فَلاَ أَكُونُ!».

ص 10: 1 و21: 4 و23: 2 حزقيال 32: 2 و3 ع 4 ومزمور 6: 6 ص 6: 9 و9: 21 و10: 1 ع 7 ص 22: 2 ومزمور 8: 4 و144: 3 وعبرانيين 2: 6 ص 14: 3 ص 9: 18 و10: 20 و14: 6 ص 35: 3 و6 ص 10: 14 و14: 12 ص 9: 28 و10: 14 ص 10: 9 ع 8

ليس جيداً للإنسان أن يتأمل كثيراً في مصائبه أو يتحدث عنها لأنها بهذا تكثر وتزداد. ونرى أن أيوب بكلامه هذا هيّج نفسه حتى تجاسر وتكلم على الله بقلة احترام. ونرى أيضاً أن الشيطان في أول مصارعته لأيوب تقوّى عليه ولكن أيوب انتصر عليه في الآخر وقال «قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ» (19: 25).

صوّر القدماء البحر (ع 12) كتنين عظيم يحيط باليابسة ويريد أن يبتلعها فجعل الله له حداً لا يتعداه وأقام له مغاليق ومصاريع وقال إلى هنا تأتي ولا تتعدى وهنا تخم كبرياء لججك (38: 8 وإرميا 5: 22) وصوروا أيضاً تنيناً آخر في الجو يريد أن يبتلع الأجرام السماوية. ومعنى قول أيوب هل تعتبرني كتنين البحر أو تنين الجوّ لتجعل عليّ حارساً لئلا أبتلع الأرض أو الشمس والقمر فلماذا تتنازل لتقاومني هكذا.

ثم وصف أعراض مرضه وهو كما يُظن البرص.

عِظَامِي هٰذِهِ (ع 15) من ضعف جسمه لم يبق إلا العظام والجلد ولما نظر إلى نفسه وهو بهذه الحالة قال إن نفسه اختارت الخنق أي الموت على أن تكون عظامه هكذا في حالة يُرثى لها وفي الترجمة اليسوعية «حتى تؤثر نفسي الخنق وعظامي الموت».

لاَ إِلَى ٱلأَبَدِ أَحْيَا (ع 16) قال في (ع 15) «اختارت نفسي... الموت» وطلب الموت سريعاً وقال (6: 11 و12) «مَا هِيَ قُوَّتِي حَتَّى أَنْتَظِرَ، وَمَا هِيَ نِهَايَتِي حَتَّى أُصَبِّرَ نَفْسِي؟ هَلْ قُوَّتِي قُوَّةُ ٱلْحِجَارَةِ». انظر قول بولس الرسول (فيلبي 1: 23 و24) «لِيَ ٱشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ ٱلْمَسِيحِ. ذَاكَ أَفْضَلُ جِدّاً. وَلٰكِنْ أَنْ أَبْقَى فِي ٱلْجَسَدِ أَلْزَمُ مِنْ أَجْلِكُمْ».

كُفَّ عَنِّي كلّم الله وطلب منه أن يكف عن تأديبه حتى يقضي الأيام القليلة الباقية له بالسلام.

مَا هُوَ ٱلإِنْسَانُ (ع 17) قال داود (مزمور 8: 4) «فَمَنْ هُوَ ٱلإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ» أي لا يستحق الإنسان المجد الذي كلله الله به. وأما أيوب فمعنى قوله (ع 17 و18) إنه لا يليق بالله أن يتنازل ليعذّب إنساناً ضعيفاً تعذيباً مدققاً متواصلاً.

رَيْثَمَا أَبْلَعُ رِيقِي (ع 19) أي قليلاً من الزمان.

أَأَخْطَأْتُ (ع 20) لم يسلّم أنه قد أخطأ ولكن على فرض أنه أخطأ فهل خطيئته تضر الله أي أن الإنسان الضعيف لا يقدر أن يضرّ الله بشيء خيراً كان أم شراً.

يَا رَقِيبَ ٱلنَّاسِ الرقيب قد يراقب للخير كالقول (إشعياء 27: 3) «أَنَا ٱلرَّبُّ حَارِسُهَا. أَسْقِيهَا كُلَّ لَحْظَةٍ. لِئَلاَّ يُوقَعَ بِهَا» والكلمة العبرانية المترجمة «بحارس» هي نفس الكلمة المترجمة «برقيب» هنا. ولكن أيوب ظن أن الله راقبه للشر وفتش عن عيوبه ليحكم عليه.

حَتَّى أَكُونَ عَلَى نَفْسِي حِمْلاً كان عليه حمل الحزن بفقد أولاده وأمواله وعليه حمل الآلام الشديدة وعليه حمل الشك في جودة الله ومحبته وحكمته وعليه حمل الوحدة لأن أصحابه لم يفهموا أمره بل حكموا عليه كأنه خاطئ. والصحيح الجسم يقدر أن يمشي ويحمل أحمالاً ثقيلة وأما أيوب فبالجهد حَمَل حِمل نفسه.

تَطْلُبُنِي فَلاَ أَكُونُ (ع 21) هذه جملة مؤثرة فإن أيوب تذكر الأيام القديمة التي فيها أصعد لله محرقات وباركه الله. وشبّه الله بإنسان غاب زماناً ثم رجع وطلب صديقاً له ولم يجده لأنه قد توفي.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ

مضمونه خطاب بلدد. وبه ثبّت برّ الله في مجازاة الصالحين ومعاقبة الأشرار واستشهد بأقوال الحكماء القدماء. وفي كلامه خشونة وقساوة أكثر مما أتى في كلام أليفاز.

1 - 7 «1 فَأَجَابَ بِلْدَدُ ٱلشُّوحِيُّ: 2 إِلَى مَتَى تَقُولُ هٰذَا وَتَكُونُ أَقْوَالُكَ رِيحاً شَدِيدَةً! 3 هَلِ ٱللّٰهُ يُعَوِّجُ ٱلْقَضَاءَ أَوِ ٱلْقَدِيرُ يَعْكِسُ ٱلْحَقَّ؟ 4 إِذْ أَخْطَأَ إِلَيْهِ بَنُوكَ دَفَعَهُمْ إِلَى يَدِ مَعْصِيَتِهِمْ. 5 فَإِنْ بَكَّرْتَ أَنْتَ إِلَى ٱللّٰهِ وَتَضَرَّعْتَ إِلَى ٱلْقَدِيرِ 6 إِنْ كُنْتَ أَنْتَ زَكِيّاً مُسْتَقِيماً، فَإِنَّهُ ٱلآنَ يَتَنَبَّهُ لَكَ وَيُسْلِمُ مَسْكَنَ بِرِّكَ. 7 وَإِنْ تَكُنْ أُولاَكَ صَغِيرَةً فَآخِرَتُكَ تَكْثُرُ جِدّاً».

ص 6: 26 ص 34: 10 و12 و36: 23 و37: 23 وتكوين 18: 25 وتثنية 32: 4 و2أيام 19: 7 ورومية 3: 5 ص 1: 5 و18 و19 ص 5: 17 - 27 ص 22: 27 و34: 28 ومزمور 7: 6 ص 5: 24 ص 42: 12

شبّه كلام أيوب (ع 2) بريح شديدة لأنه قيل بحدة ولأنه كلام فارغ (انظر 6: 26).

هَلِ ٱللّٰهُ يُعَوِّجُ (ع 3) لمّح بلدد إلى أن أيوب كان نسب إلى الله تعويج القضاء وقلب الحق (انظر 6: 29 و7: 1 و2 و12 - 21).

إِذْ أَخْطَأَ إِلَيْهِ بَنُوكَ (ع 4) بالخشونة أشار إلى أن أبناء أيوب كانوا أخطأوا فدفعهم الله إلى يد معصيتهم أي إلى العقاب الذي استوجبته معصيتهم ولعله لم يعرف شيئاً عن أبناء أيوب بل استنتج من مصيبتهم أنهم قد أخطأوا. وبيّن يسوع بكلامه في (لوقا 13: 1 - 5 ويوحنا 9: 2 و3) إن المصائب لا تثبّت أن المصابين قد ارتكبوا خطايا غير اعتيادية بل إن غاية المصائب أن تظهر اعمال الله في المصابين.

فَإِنْ بَكَّرْتَ أَنْتَ (ع 5 - 7) وجّه كلامه إلى أيوب لأن أولاده كانوا ماتوا فليس رجاء من جهتهم وحرّضه على التوبة والرجوع إلى الله والزكوة والاستقامة لينتبه الله إليه. وبقوله «يُسلم مسكن برك» أشار إلى أن مسكن أيوب كان بالأول مسكن معصية ولكن يُسلمه الله إذا رجع إليه وعمل مسكنه مسكن بر.

فَآخِرَتُكَ (ع 7) وأولاه وإن كانت حسنة فهي قليلة بالنسبة إلى آخرته.

8 - 10 «8 اِسْأَلِ ٱلْقُرُونَ ٱلأُولَى وَتَأَكَّدْ مَبَاحِثَ آبَائِهِمْ. 9 لأَنَّنَا نَحْنُ مِنْ أَمْسٍ وَلاَ نَعْلَمُ، لأَنَّ أَيَّامَنَا عَلَى ٱلأَرْضِ ظِلٌّ. 10 فَهَلاَّ يُعْلِمُونَكَ. يَقُولُونَ لَكَ وَمِنْ قُلُوبِهِمْ يُخْرِجُونَ أَقْوَالاً قَائِلِينَ».

ص 15: 18 و20: 4 وتثنية 4: 32 و22: 7 ص 14: 2

ٱلْقُرُونَ ٱلأُولَى بعد الطوفان قصرت أعمار الناس تدريجاً حتى نزول بني إسرائيل إلى مصر فصارت كما هي اليوم. وقول بلدد إنه بما أن القدماء عاشوا أكثر من معاصري أيوب وأصحابه كانت معرفتهم واختبارهم أكثر.

ظِلٌّ (ع 9) ما يزول سريعاً أو ما ليس له وجود حقيقي (14: 2 ومزمور 102: 11 و144: 4 وجامعة 6: 12 و8: 13).

مِنْ قُلُوبِهِمْ (ع 10) وليس على الفور وبلا تأمل.

11 - 13 «11 هَلْ يَنْمُو ٱلْبَرْدِيُّ فِي غَيْرِ ٱلْمُسْتَنْقَعِ، أَوْ تَنْبُتُ ٱلْحَلْفَاءُ بِلاَ مَاءٍ؟ 12 وَهُوَ بَعْدُ فِي نَضَارَتِهِ لَمْ يُقْطَعْ يَيْبَسُ قَبْلَ كُلِّ ٱلْعُشْبِ. 13 هٰكَذَا سُبُلُ كُلِّ ٱلنَّاسِينَ ٱللّٰهَ، وَرَجَاءُ ٱلْفَاجِرِ يَخِيبُ».

مزمور 9: 17 ص 11: 20 و13: 16 و15: 24 و20: 5 و27: 8

لعل الكلام المتضمن في (ع 11 - 19) مقتبس من أقوال القدماء. أسند أليفاز كلامه على رؤيا وأما بلدد فعلى اختبار الآباء. ولعل القدماء المشار إليهم كانوا في مصر.

ٱلْبَرْدِيُّ نبات ينمو في وادي النيل ويُسمى بابيروس وكانوا يعملون منه ورقاً وسلالاً وقوارب خفيفة (خروج 2: 3 وإشعياء 18: 2) والحلفاء نبات ينمو في مستنقعات النيل.

لَمْ يُقْطَعْ أي إذا انقطع الماء عنه يبس حالاً وإن كان بعد في نضارته وغير مقطوع.

هٰكَذَا (ع 13) الإنسان كالبردي الذي حياته من الماء والذين ينسون الله كالبردي الذي إذا انقطع عنه الماء يبس حالاً. ونعمة الله للإنسان كالماء للبردي فإنه إذا قُطع عنه يهلك سريعاً.

14، 15 «14 فَيَنْقَطِعُ ٱعْتِمَادُهُ، وَمُتَّكَلُهُ بَيْتُ ٱلْعَنْكَبُوتِ! 15 يَسْتَنِدُ إِلَى بَيْتِهِ فَلاَ يَثْبُتُ. يَتَمَسَّكُ بِهِ فَلاَ يَقُومُ».

إشعياء 59: 5 و6 ع 22 وص 27: 18 ومزمور 49: 11

تشبيه آخر إن بيت الفاجر وإن كان من حجارة متينة ولصاحبه رجاء بأنه هو ونسله يسكنون فيه إلى الأبد فهو عند الله كبيت العنكبوت.

16 - 19 «16 هُوَ رَطْبٌ تُجَاهَ ٱلشَّمْسِ وَعَلَى جَنَّتِهِ تَنْبُتُ أَغْصَانُهُ. 17 وَأُصُولُهُ مُشْتَبِكَةٌ فِي ٱلرُّجْمَةِ فَتَرَى مَحَلَّ ٱلْحِجَارَةِ. 18 إِنِ ٱقْتَلَعَهُ مِنْ مَكَانِهِ يَجْحَدُهُ قَائِلاً: مَا رَأَيْتُكَ. 19 هٰذَا هُوَ فَرَحُ طَرِيقِهِ وَمِنَ ٱلتُّرَابِ يَنْبُتُ آخَرُ».

مزمور 37: 35 وإرميا 11: 16 مزمور 80: 11 ص 7: 10 انظر 7: 8 ص 2: 5

والفاجر يشبه أيضاً بيقطينة يونان في مكان معرّض للشمس وبجنة فيها ماء وأصولها مشتبكة في الرجمة أي ممكنة وحسب الظاهر لا تُقلع ومع ذلك يقلعها الله فتيبس ولا يبقى لها أثر.

هٰذَا هُوَ فَرَحُ (ع 19) أي فرح حياته فرح يوم فقط. وكذلك الفاجر فإنه يعيش أياماً قليلة ثم يموت ويقوم غيره في مكانه.

20 - 22 «20 هُوَذَا ٱللّٰهُ لاَ يَرْفُضُ ٱلْكَامِلَ وَلاَ يَأْخُذُ بِيَدِ فَاعِلِي ٱلشَّرِّ. 21 عِنْدَمَا يَمْلأُ فَمَكَ ضَحِكاً وَشَفَتَيْكَ هُتَافاً، 22 يَلْبِسُ مُبْغِضُوكَ خِزْياً. أَمَّا خَيْمَةُ ٱلأَشْرَارِ فَلاَ تَكُونُ».

ص 4: 7 ص 21: 30 ص 5: 22 ومزمور 126: 1 و2 مزمور 132: 16 مزمور 132: 18 ع 15 وص 15: 34 و18: 14 و21: 28

قال بلدد في الختام إن خلاصة تعليم القدماء أن الله لا يرفض الكامل ولا يأخذ بيد الأشرار أي لا يساعدهم (إشعياء 41: 13 و42: 6) فعلى أيوب الرجوع إلى الله فيغدق عليه أسباب السرور والضحك والهتاف عوضاً عن الحزن والتذمر ويخزي مبغضوه عندما يرون رجوعه إلى حالته الأولى. وأما الأشرار أي الذين يصرّون على شرورهم فيهلكون. وإنه يجب اعتبار حكمة القدماء فيرث الأولاد حكمة من آبائهم كما يرثون المال ويجب أيضاً اعتبار التعليم الجديد لكي يزيد الأولاد على ما ورثوه ويحسنوه ويصلحوه.

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ

في الأصحاح التاسع والأصحاح العاشر جواب أيوب لبلدد وفيه أيضاً ما يشير إلى خطاب أليفاز. وخلاصة كلام أيوب أن الله هو القدير والمخوف ولا يمكن الإنسان أن يحاجه (ص 9) وإن أحكام الله بعيدة عن الفحص وإن أيوب يئس من إدراك معاملة الله (ص 10).

1 - 10 «1 فَقَالَ أَيُّوبُ: 2 صَحِيحٌ. قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ كَذَا. فَكَيْفَ يَتَبَرَّرُ ٱلإِنْسَانُ عِنْدَ ٱللّٰهِ؟ 3 إِنْ شَاءَ أَنْ يُحَاجَّهُ لاَ يُجِيبُهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ أَلْفٍ. 4 هُوَ حَكِيمُ ٱلْقَلْبِ وَشَدِيدُ ٱلْقُوَّةِ. مَنْ تَصَلَّبَ عَلَيْهِ فَسَلِمَ؟ 5 ٱلْمُزَحْزِحُ ٱلْجِبَالَ وَلاَ تَعْلَمُ. ٱلَّذِي يَقْلِبُهَا فِي غَضَبِهِ، 6 ٱلْمُزَعْزِعُ ٱلأَرْضَ مِنْ مَقَرِّهَا فَتَتَزَلْزَلُ أَعْمِدَتُهَا، 7 ٱلآمِرُ ٱلشَّمْسَ فَلاَ تُشْرِقُ وَيَخْتِمُ عَلَى ٱلنُّجُومِ. 8 ٱلْبَاسِطُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَحْدَهُ وَٱلْمَاشِي عَلَى أَعَالِي ٱلْبَحْرِ. 9 صَانِعُ ٱلنَّعْشِ وَٱلْجَبَّارِ وَٱلثُّرَيَّا وَمَخَادِعِ ٱلْجَنُوبِ. 10 فَاعِلُ عَظَائِمَ لاَ تُفْحَصُ وَعَجَائِبَ لاَ تُعَدُّ».

ص 4: 17 و25: 4 ص 10: 2 و13: 19 و23: 6 و40: 2 ع 15 و32 ص 11: 6 و12: 13 و28: 23 و38: 36 و37 ع 19 وص 23: 6 و2أيام 13: 12 وأمثال 29: 1 ع 5 - 10 وص 26: 6 - 14 و41: 11 إشعياء 2: 19 و21 و13: 13 وحجي 2: 6 مزمور 75: 3 إشعياء 13: 10 وحزقيال 32: 7 و8 ص 37: 18 وتكوين 1: 1 ومزمور 104: 2 وإشعياء 40: 22 ص 38: 16 ومزمور 77: 19 ص 38: 31 و32 وعاموس 5: 8 ص 37: 9 ص 5: 9

صَحِيحٌ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ كَذَا (ع 2) ربما أشار أيوب إلى قول أليفاز «أَٱلإِنْسَانُ أَبَرُّ مِنَ ٱللّٰهِ» (4: 17) وسلّم أن الإنسان ليس أبر من الله ولكنه سأل «كيف يتبرر الإنسان أمام الله» ويظهر من سياق الكلام أن أيوب قصد بسؤاله البيان أن الإنسان لا يقدر أن يتبرر عند الله لأن الله حكيم القلب فلا يمكن الإنسان أن يحاجه بالكلام وشديد القوة فلا يمكن أن يقاومه واعتقد أيوب أيضاً أن الإنسان وإن كان باراً لا يقدر أن يجاوب ويثبت بره أمام الله.

وَاحِدٍ مِنْ أَلْفٍ (ع 3) لا يقدر الإنسان أن يجيب الله عن سؤال واحد من ألف. دليلاً على حكمة الله غير المحدودة.

مَنْ تَصَلَّبَ عَلَيْهِ (ع 4) كثور جامح لا يسلم لأن الله أقوى منه.

وَلاَ تَعْلَمُ (ع 5) الجبال لا تعلم أي تزحزحت بغتة (مزمور 35: 8 وإرميا 50: 24).

أَعْمِدَتُهَا (ع 6) الأرض مشبهة ببيت تسنده أعمدته.

فَلاَ تُشْرِقُ (ع 7) أشار إلى حجب الغيم للشمس (أعمال 27: 20) أو إلى الكسوف ولعله أشار أيضاً إلى أن الشمس تشرق وتغيب والنجوم تسير بأمر الله.

وَيَخْتِمُ عَلَى ٱلنُّجُومِ في (إشعياء 40: 26) «يخرج بعدد جندها» كأن النجوم موضوعة في خزانة فيخرجها مساء ويردها صباحاً ويختم عليها فلا يقدر غيره أن يخرجها.

أَعَالِي ٱلْبَحْرِ (ع 8) أمواجه العظيمة.

ذكر بروج الفلك (ع 9) كان أكثر الشرقيين القدماء رعاة وكانوا يحرسون رعيتهم في الليل فصار لهم فرصة أن يرصدوا الأجرام الفلكية ويتأملوا فيها (مزمور 8 و19 وغيرهما) وبما أنهم لم يعرفوا النواميس الطبيعية نسبوا جميع الظواهر إلى عمل الله بلا وسائل طبيعية.

مَخَادِعِ ٱلْجَنُوبِ في نصف الكرة الجنوبي بروج ونجوم لا تُرى في الشمال كالصليب الجنوبي ولعل أيوب أشار إليها «بمخادع الجنوب» وتظهر عظمة الله من أعماله ولا سيما من الأجرام السماوية كما قال أليفاز (5: 9) ولكن أيوب استنتج من عظمته ابتعاده عن البشر.

11 - 20 «11 هُوَذَا يَمُرُّ عَلَيَّ وَلاَ أَرَاهُ، وَيَجْتَازُ فَلاَ أَشْعُرُ بِهِ. 12 إِذَا خَطَفَ فَمَنْ يَرُدُّهُ، وَمَنْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟ 13 ٱللّٰهُ لاَ يَرُدُّ غَضَبَهُ. يَنْحَنِي تَحْتَهُ أَعْوَانُ رَهَبَ. 14 كَمْ بِٱلأَقَلِّ أَنَا أُجَاوِبُهُ وَأَخْتَارُ كَلاَمِي مَعَهُ. 15 لأَنِّي وَإِنْ تَبَرَّرْتُ لاَ أُجَاوِبُ، بَلْ أَسْتَرْحِمُ دَيَّانِي. 16 لَوْ دَعَوْتُ فَٱسْتَجَابَ لِي لَمَا آمَنْتُ بِأَنَّهُ سَمِعَ صَوْتِي. 17 ذَاكَ ٱلَّذِي يَسْحَقُنِي بِٱلْعَاصِفَةِ وَيُكْثِرُ جُرُوحِي بِلاَ سَبَبٍ. 18 لاَ يَدَعُنِي آخُذُ نَفَسِي، وَلٰكِنْ يُشْبِعُنِي مَرَائِرَ. 19 إِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ قُوَّةِ ٱلْقَوِيِّ يَقُولُ: هَئَنَذَا. وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ ٱلْقَضَاءِ يَقُولُ: مَنْ يُحَاكِمُنِي؟ 20 إِنْ تَبَرَّرْتُ يَحْكُمُ عَلَيَّ فَمِي؟ وَإِنْ كُنْتُ كَامِلاً يَسْتَذْنِبُنِي».

ص 23: 8 و9 و35: 14 ص 10: 7 و11: 10 إشعياء 45: 9 ص 26: 12 ومزمور 89: 10 وإشعياء 30: 7 و51: 9 ع 3 و32 ع 20 و21 وص 10: 15 ص 8: 5 ص 16: 12 و14 و30: 22 ص 7: 19 و10: 20 ص 13: 26 و27: 2 انظر ع 4 ع 15 ع 29 وص 15: 6

إن أيوب بعد كلامه في خلائق الله غير الناطقة تقدم إلى ذكر أعماله مع الإنسان فقال إن الإنسان لا يراه ولا يشعر به ولكن الله يعمل ولا يقاوم ويفعل ولا يُحاسب.

أَعْوَانُ رَهَبَ (ع 13) معنى الكلمة الأصلية كبرياء وبما أن الكبرياء منسوبة إلى مصر صارت كلمة رهيبة في بعض الأبيات بمعنى مصر (مزمور 87: 4 و89: 1 وإشعياء 30: 7) وفي (إشعياء 51: 9) «أَلَسْتِ أَنْتِ ٱلْقَاطِعَةَ رَهَبَ، ٱلطَّاعِنَةَ ٱلتِّنِّينَ» فرهب هي التنين ولعل الاسم أُطلق على مصر أولاً لكبريائها وثانياً لوجود التنين أو التمساح في النيل. وفي (مزمور 74: 13 و14) «أَنْتَ شَقَقْتَ ٱلْبَحْرَ بِقُوَّتِكَ. كَسَرْتَ رُؤُوسَ ٱلتَّنَانِينِ عَلَى ٱلْمِيَاهِ. أَنْتَ رَضَضْتَ رُؤُوسَ لَوِيَاثَانَ». والاسم رهب منسوب إلى البحر الهائج لكبريائه كما في (26: 12) «بِقُوَّتِهِ يُزْعِجُ ٱلْبَحْرَ وَبِفَهْمِهِ يَسْحَقُ رَهَبَ» وكل من نظر البحر الهائج من رياح شديدة تعج أمواجه وتعلو كأنها تهاجم الغيم الحائم فوقها يفهم صوابية تشبيه أعداء الله بالبحر.

وبعد التأمل في عظمة الله الظاهرة في الخليقة وسلطته على البحر وجميع القوى الطبيعية قال أيوب «كم بالأقل أنا أجاوبه» (ع 14) «وإن تبررت» (ع 15) أي وإن كان أيوب بلا خطيئة لا يقدر أن يجاوب الله ليثبت برّه بل يسترحمه كمذنب.

لَمَا آمَنْتُ بِأَنَّهُ سَمِعَ صَوْتِي (ع 16) اعتقد أيوب أن الله يحكم ويعمل كما يشاء دون التفات إلى كلامه وبذلك يكون الله حاكماً مطلقاً وليس قاضياً عادلاً.

بِلاَ سَبَبٍ (ع 17) هذا كلام يدل على عدم التسليم لله لأن أيوب لم يعترف بأنه قد عمل ما يستحق الجروح.

يَحْكُمُ عَلَيَّ فَمِي (ع 20) إذا تكلم أيوب بجد الله في كلامه ما يستذنبه به.

21 - 24 «21 كَامِلٌ أَنَا. لاَ أُبَالِي بِنَفْسِي. رَذَلْتُ حَيَاتِي. 22 هِيَ وَاحِدَةٌ. لِذٰلِكَ قُلْتُ إِنَّ ٱلْكَامِلَ وَٱلشِّرِّيرَ هُوَ يُفْنِيهِمَا. 23 إِذَا قَتَلَ ٱلسَّوْطُ بَغْتَةً يَسْتَهْزِئُ بِتَجْرِبَةِ ٱلأَبْرِيَاءِ. 24 ٱلأَرْضُ مُسَلَّمَةٌ لِيَدِ ٱلشِّرِّيرِ. يُغَشِّي وُجُوهَ قُضَاتِهَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ، فَإِذاً مَنْ؟»

ص 1: 1 و12: 4 و13: 18 ص 7: 16 ص 10: 7 و 8 ص 24: 12 ص 10: 3 و12: 6 و16: 11 ص 12: 17

تكلم كأنه وقف أمام الله وعارضه. استذنبه الله ومع ذلك أصرّ أيوب على قوله «كامل أنا» وقال «لا أبالي بنفسي» أي ليهلكني إذا أراد فإني «رذلت حياتي» سيّان عندي متُّ أو بقيت حياً.

لِذٰلِكَ قُلْتُ (ع 22) أشار إلى ما قاله في (7: 20) «مَاذَا أَفْعَلُ لَكَ يَا رَقِيبَ ٱلنَّاسِ» أي إن الله يستذنب الجميع أكانوا كاملين أم كانوا أشراراً وبقوله هذا عارض ما قاله بلدد (8: 20) «ٱللّٰهُ لاَ يَرْفُضُ ٱلْكَامِلَ وَلاَ يَأْخُذُ بِيَدِ فَاعِلِي ٱلشَّرِّ».

يَسْتَهْزِئُ (ع 23) الله يستهزئ لأنه يرى تجربة الأبرياء ولا يخلصهم منها.

ٱلأَرْضُ مُسَلَّمَةٌ لِيَدِ ٱلشِّرِّيرِ (ع 24) هكذا ظهر لأيوب وليوحنا (1يوحنا 5: 19) وهكذا يظهر في بعض الأماكن في أيامنا هذه ولكن إذا نظرنا إلى العالم كله وإذا قابلنا عالمنا هذا بالعالم القديم وإذا قابلناه بما كان عليه من مدة مئة سنة فقط نرى أن الظلم يقل تدريجاً والعدل والمحبة والسلام تزداد فإن الله يمد ملكوته ويخلص العالم رويداً رويداً. قال يسوع (لوقا 10: 18) «رَأَيْتُ ٱلشَّيْطَانَ سَاقِطاً مِثْلَ ٱلْبَرْقِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ» وقال في (يوحنا 16: 33) «ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ ٱلْعَالَمَ».

يُغَشِّي وُجُوهَ قُضَاتِهَا فيصيرون كعميان ولا يرون الحق. وأيوب نسب هذا العمل إلى الله. لأن الله هو الخالق والحاكم فلا يكون شيء إلا بعلمه.

25 - 35 «25 أَيَّامِي أَسْرَعُ مِنْ عَدَّاءٍ، تَفِرُّ وَلاَ تَرَى خَيْراً. 26 تَمُرُّ مَعَ سُفُنِ ٱلْبَرْدِيِّ. كَنَسْرٍ يَنْقَضُّ إِلَى صَيْدِهِ. 27 إِنْ قُلْتُ: أَنْسَى كُرْبَتِي. أُطْلِقُ وَجْهِي وَأَبْتَسِمُ 28 أَخَافُ مِنْ كُلِّ أَوْجَاعِي عَالِماً أَنَّكَ لاَ تُبَرِّئُنِي. 29 أَنَا مُسْتَذْنَبٌ، فَلِمَاذَا أَتْعَبُ عَبَثاً؟ 30 وَلَوِ ٱغْتَسَلْتُ فِي ٱلثَّلْجِ وَنَظَّفْتُ يَدَيَّ بِٱلأَشْنَانِ، 31 فَإِنَّكَ فِي ٱلنَّقْعِ تَغْمِسُنِي حَتَّى تَكْرَهَنِي ثِيَابِي. 32 لأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ إِنْسَاناً مِثْلِي فَأُجَاوِبَهُ فَنَأْتِي جَمِيعاً إِلَى ٱلْمُحَاكَمَةِ. 33 لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا! 34 لِيَرْفَعْ عَنِّي عَصَاهُ وَلاَ يَبْغَتْنِي رُعْبُهُ. 35 إِذاً أَتَكَلَّمُ وَلاَ أَخَافُهُ. لأَنِّي لَسْتُ هٰكَذَا عِنْدَ نَفْسِي».

ص 7: 6 ص 7: 7 إشعياء 18: 2 ص 39: 29 وحبقوق 1: 8 انظر ص 7: 11 ص 3: 25 ص 7: 21 و10: 14 ص 10: 2 ومزمور 37: 33 إرميا 2: 22 ص 31: 7 انظر ص 7: 17 ع 3 ع 19 و1صموئيل 2: 25 وإشعياء 1: 18 ص 13: 21 ص 13: 22

عَدَّاءٍ هو الساعي السريع كالذي يحمل البريد العام أو رسائل الملك (أستير 8: 10).

سُفُنِ ٱلْبَرْدِيِّ (ع 26) القوارب الخفيفة والسريعة المستعملة في نهر النيل (إشعياء 18: 2).

أُطْلِقُ وَجْهِي (ع 27) إطلاق الوجه من الحزن كإطلاق الأسير من السجن. ولكن أيوب إذا عزم على الابتهاج والبشاشة لا يقدر على إتمام هذا لعلمه أن الله لا يبرئه فيكون أيوب مذنباً مهما قال ومهما عمل فلماذا يتعب عبثاً.

بِٱلأَشْنَانِ (ع 30) القلي شيء يتخذ من حريق الحمض ويستعمل في الغسل والنقع والمستنقع هو الماء الراكد الوسخ ومنه تخرج رائحة كريهة وإذا اغتمس أحد فيه وطلع منه لا يقدر أن يلبس ثيابه لكثرة الأوساخ اللاصقة به وقصد أيوب بكلامه أنه ولو طهّر نفسه باجتهاد يحسبه الله مذنباً.

مُصَالِحٌ (ع 33) في الترجمة اليسوعية «ليس من حكم بيننا» أي من يحكم على الفريقين فيسلم لحكمه كل منهما. وقال أيوب «ليس مصالح» لأنه ليس من يحكم على الله ليدفع عنه عصاه فيتكلم أيوب ولا يخاف.

لأَنِّي لَسْتُ هٰكَذَا عِنْدَ نَفْسِي (ع 35) الترجمة اليسوعية «لا أجد مثل تلك التُهم في نفسي» أي لم يشعر بأنه مذنب ليخاف من المحاكمة.

ولم ينظر أيوب إلى يسوع المسيح وهو المصالح الحقيقي بين الله والإنسان ولكنه بقوله عبّر عن اشتياقه إلى مُصالح. وليس المسيح مصالحاً كما طلب أيوب ليثبت برّه عند الله لأنه يبكت الناس على خطاياهم ليعترفوا بأنهم يستحقون غضب الله والمسيح سفك دمه الكريم ليطهرهم من خطاياهم ليصيروا بر الله فيه (2كورنثوس 5: 20 و21) وهو الوسيط بين الله والإنسان وبه «نَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ ٱلنِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْناً فِي حِينِهِ» (عبرانيين 4: 16). ويسوع المسيح هو «ٱلْمُشْرَقُ مِنَ ٱلْعَلاَءِ. لِيُضِيءَ عَلَى ٱلْجَالِسِينَ فِي ٱلظُّلْمَةِ وَظِلاَلِ ٱلْمَوْتِ، لِكَيْ يَهْدِيَ أَقْدَامَنَا فِي طَرِيقِ ٱلسَّلاَمِ» (لوقا 1: 78 و79) وأما أيوب فلم يكن له هذا النور ولا هذا السلام وجرّبه الشيطان ليزعزع إيمانه بالله لو أمكن وكان بعض كلام أيوب بتحريك من الشيطان فكان كأن الشيطان قاوم الله بواسطة أيوب.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْعَاشِرُ

تكملة جواب أيوب لبلدد. وذكر أيوب الله أنه خالقه وكوّنته يداه وذكر عناية الله به كل أيامه إذ منحه حياة ورحمة وذكر ظنه أن الله لما خلقه قصد سراً عذابه وهلاكه ولكنه كتم ذلك في قلبه وبالختام كرّر كلامه الأول أنه كان خير له لو لم يولد.

1 - 7 «1 قَدْ كَرِهَتْ نَفْسِي حَيَاتِي. أُسَيِّبُ شَكْوَايَ. أَتَكَلَّمُ فِي مَرَارَةِ نَفْسِي 2 قَائِلاً لِلّٰهِ: لاَ تَسْتَذْنِبْنِي. فَهِّمْنِي لِمَاذَا تُخَاصِمُنِي! 3 أَحَسَنٌ عِنْدَكَ أَنْ تَظْلِمَ، أَنْ تَرْذُلَ عَمَلَ يَدَيْكَ، وَتُشْرِقَ عَلَى مَشُورَةِ ٱلأَشْرَارِ؟ 4 أَلَكَ عَيْنَا بَشَرٍ، أَمْ كَنَظَرِ ٱلإِنْسَانِ تَنْظُرُ؟ 5 أَأَيَّامُكَ كَأَيَّامِ ٱلإِنْسَانِ، أَمْ سِنُوكَ كَأَيَّامِ ٱلرَّجُلِ 6 حَتَّى تَبْحَثَ عَنْ إِثْمِي وَتُفَتِّشَ عَلَى خَطِيَّتِي؟ 7 فِي عِلْمِكَ أَنِّي لَسْتُ مُذْنِباً، وَلاَ مُنْقِذَ مِنْ يَدِكَ».

انظر ص 7: 16 انظر ص 7: 11 ص 9: 29 ص 9: 22 - 34 و16: 11 و19: 6 و28: 2 ع 8 وص 14: 15 ومزمور 138: 8 وإشعياء 64: 8 ص 21: 16 و22: 18 ص 28: 24 و34: 21 و1صموئيل 16: 7 ص 36: 26 ص 14: 16 ص 9: 21 و13: 18 ص 9: 12 و23: 13 و27: 22

لاَ تَسْتَذْنِبْنِي (ع 2) بمجرد الحكم المطلق فإن أيوب اعتقد أن المصائب نفسها هي حكم الله عليه وقد صدر هذا الحكم بلا بيان الخطايا التي استوجبته.

عَمَلَ يَدَيْكَ (ع 3) الأشرار عمل يدي الله وليس الأبرار فقط ولكن الأبرار أوانٍ للكرامة يعتني الله بهم ويحبهم والأشرار أوانٍ للهوان (2تيموثاوس 2: 20).

عَيْنَا بَشَرٍ (ع 4) هل ينظر الله كما ينظر الناس إلى المنظر الخارجي والجسدي فيغلط كما يغلط الناس (1صموئيل 16: 7).

أَيَّامِ ٱلإِنْسَانِ (ع 5) فعلى الإنسان السرعة في كل ما يعمله وأما الله فإلى الأبد ولا يلزمه أن يحكم بالسرعة على أيوب.

أَنِّي لَسْتُ مُذْنِباً (ع 7) فلماذا تخاصمني (ع 2) وليس منقذ من يدك فلماذا تحكم بالسرعة.

8 - 22 «8 يَدَاكَ كَوَّنَتَانِي وَصَنَعَتَانِي كُلِّي جَمِيعاً. أَفَتَبْتَلِعُنِي؟ 9 اُذْكُرْ أَنَّكَ جَبَلْتَنِي كَٱلطِّينِ. أَفَتُعِيدُنِي إِلَى ٱلتُّرَابِ؟ 10 أَلَمْ تَصُبَّنِي كَٱللَّبَنِ وَخَثَّرْتَنِي كَٱلْجُبْنِ؟ 11 كَسَوْتَنِي جِلْداً وَلَحْماً فَنَسَجْتَنِي بِعِظَامٍ وَعَصَبٍ. 12 مَنَحْتَنِي حَيَاةً وَرَحْمَةً وَحَفِظَتْ عِنَايَتُكَ رُوحِي. 13 لٰكِنَّكَ كَتَمْتَ هٰذِهِ فِي قَلْبِكَ. عَلِمْتُ أَنَّ هٰذَا عِنْدَكَ. 14 إِنْ أَخْطَأْتُ تُلاَحِظُنِي وَلاَ تُبْرِئُنِي مِنْ إِثْمِي. 15 إِنْ أَذْنَبْتُ فَوَيْلٌ لِي. وَإِنْ تَبَرَّرْتُ لاَ أَرْفَعُ رَأْسِي. إِنِّي شَبْعَانُ هَوَاناً وَنَاظِرٌ مَذَلَّتِي. 16 وَإِنِ ٱرْتَفَعَ رَأْسِي تَصْطَادُنِي كَأَسَدٍ، ثُمَّ تَعُودُ وَتَتَجَبَّرُ عَلَيَّ! 17 تُجَدِّدُ شُهُودَكَ تُجَاهِي وَتَزِيدُ غَضَبَكَ عَلَيَّ. مَصَائِبُ وَجَيْشٌ ضِدِّي. 18 فَلِمَاذَا أَخْرَجْتَنِي مِنَ ٱلرَّحِمِ؟ كُنْتُ قَدْ أَسْلَمْتُ ٱلرُّوحَ وَلَمْ تَرَنِي عَيْنٌ! 19 فَكُنْتُ كَأَنِّي لَمْ أَكُنْ فَأُقَادَ مِنَ ٱلرَّحِمِ إِلَى ٱلْقَبْرِ. 20 أَلَيْسَتْ أَيَّامِي قَلِيلَةً؟ ٱتْرُكْ! كُفَّ عَنِّي فَأَبْتَسِمُ قَلِيلاً 21 قَبْلَ أَنْ أَذْهَبَ وَلاَ أَعُودَ. إِلَى أَرْضِ ظُلْمَةٍ وَظِلِّ ٱلْمَوْتِ، 22 أَرْضِ ظَلاَمٍ مِثْلِ دُجَى ظِلِّ ٱلْمَوْتِ وَبِلاَ تَرْتِيبٍ، وَإِشْرَاقُهَا كَٱلدُّجَى».

انظر ع 3 ومزمور 119: 73 ص 9: 22 ص 4: 19 و33: 6 ص 7: 21 ص 33: 4 ص 23: 13 انظر ص 7: 20 ص 7: 21 و9: 28 ع 7 انظر ص 6: 29 إشعياء 38: 13 ومراثي 3: 10 وهوشع 13: 7 ص 5: 9 ص 16: 8 وراعوث 1: 21 انظر ص 7: 1 ص 3: 11 - 13 ص 14: 1 انظر ص 7: 19 انظر ص 3: 13 - 19 و16: 22 انظر ص 7: 19 انظر ص 3: 13 - 19 و16: 22 و2صموئيل 12: 23 ع 22 وص 34: 22 و38: 17

إن الله كوّنه وأتقن عمله فيه فمن العجب أنه يهلكه كأن الفخاري صنع إناء ليكسره.

ذكر تكوينه (ع 10 - 12) من حين حُبل به إلى سن البلوغ (مزمور 139: 13 - 16) وذكر عناية الله به ورحمته وأيام راحته وسروره ولا شك في أنه ذكرها بالشكر.

هٰذِهِ (ع 13) أي مصائب أيوب واعتقد أيوب أن الله كان قصدها منذ الأول وكتمها في قلبه. وكلمة «هذا» في الفقرة الثانية من (ع 13) تشير إلى قصد الله المكتوم كما ظن أيوب وفي (ع 14 - 17) إيضاح قوله «إن هذا عندك» أي إن قصد الله أن يلاحظ إذا أخطأ ولا يبرئه من إثمه الخ.

لاَ أَرْفَعُ رَأْسِي (ع 15) لأن الله لا يبرره.

وَإِنِ ٱرْتَفَعَ (ع 16) أي رأسه.

تُجَدِّدُ شُهُودَكَ (ع 17) شهود الله على أيوب هي مصائبه لأنها لم تصبه لولا خطاياه.

مَصَائِبُ (نُوَب) وَجَيْشٌ نُوَب متتابعة فيتجدد الجيش على الدوام والجيش الذي يحارب أيوب هو مصائبه المتتابعة المذكورة.

لِمَاذَا أَخْرَجْتَنِي مِنَ ٱلرَّحِمِ (ع 18 و19) (انظر 13: 11 - 26).

أَلَيْسَتْ أَيَّامِي قَلِيلَةً (ع 20) (انظر 7: 16 ومزمور 39: 13).

أَرْضِ ظُلْمَةٍ الخ (ع 21 و22) إن الهاوية عند القدماء مكان الأموات وهي قسمان. مكان الصالحين ومكان الأشرار ومن قلة معرفتهم كانت الهاوية عندهم أرض ظلام ودجى ظل الموت وبلا ترتيب وإشراقها نورها كالدجى فكان جميع الناس وإن كانوا أتقياء يخافون منها. واليهود اعتقدوا بالقيامة ونجاة الأتقياء من الهاوية ولكن معرفتهم قليلة بالنسبة إلى تعليم العهد الجديد. وترجح أيوب بين رأيين فإنه رأى في تكوين الإنسان وتكوين العالم ما يدل على قوة الله وحكمته وجودته وتذكر عناية الله به الخاصة من أول حياته ولكنه نظر أيضاً إلى آلامه وأحزانه مع أنه كان مجتهداً في إتمام كل واجباته الدينية والأدبية كل حياته واستنتج من ذلك أن الله يفرح بالشر وإنه خلق أيوب ليعذبه. وأخيراً ترجّح عنده الرأي الأول أي أن الله صالح وعادل (19: 25).

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي عَشَرَ

مضمونه خطاب صوفر (1) وبّخ صوفر أيوب على كثرة كلامه وصلفه وادعائه بالبر (ع 2 - 6) (2) وصف معرفة الله غير المحدودة وهو يبصر الإثم وينتبه إليه (7 - 12) (3) حرّض أيوب على أن يُبعد عنه الإثم ووعده ببركات عديدة إذا فعل هذا (13 - 20) وكان كلام أيوب الأخير (ص 10) أشد مما قبله إذ حاول أن يثبت برّه وكان كلام صوفر أيضاً أشد من كلام أليفاز وبلدد في إثبات خطيئة أيوب.

1 - 6 «1 فَأَجَابَ صُوفَرُ ٱلنَّعْمَاتِيُّ: 2 أَكَثْرَةُ ٱلْكَلاَمِ لاَ يُجَاوَبُ، أَمْ رَجُلٌ مِهْذَارٌ يَتَبَرَّرُ؟ 3 أَصَلَفُكَ يُفْحِمُ ٱلنَّاسَ، أَمْ تَلْغُو وَلَيْسَ مَنْ يُخْزِيكَ؟ 4 إِذْ تَقُولُ: تَعْلِيمِي زَكِيٌّ وَأَنَا بَارٌّ فِي عَيْنَيْكَ. 5 وَلٰكِنْ يَا لَيْتَ ٱللّٰهَ يَتَكَلَّمُ وَيَفْتَحُ شَفَتَيْهِ مَعَكَ 6 وَيُعْلِنُ لَكَ خَفِيَّاتِ ٱلْحِكْمَةِ! إِنَّهَا مُضَاعَفَةُ ٱلْفَهْمِ، فَتَعْلَمَ أَنَّ ٱللّٰهَ يُغَرِّمُكَ بِأَقَلَّ مِنْ إِثْمِكَ».

ص 8: 2 و15: 2 و18: 2 ص 17: 2 و21: 3 ص 6: 10 ص 10: 7 انظر ص 9: 4 ص 15: 5 و22: 5

لعل صوفر سكت قليلاً بعدما انتهى أيوب من كلامه ثم تكلم كأن كثرة كلام أيوب ألزمته هذا وبقوله في أيوب رجل مهذار أشار إلى أن كلام أيوب كان كلاماً فارغاً.

تَعْلِيمِي زَكِيٌّ (ع 4) هذا الحاصل من كلام أيوب.

وَأَنَا بَارٌّ (انظر 9: 21 و10: 7) اعترض صوفر على أيوب وقال وإن كانت المصائب تصيب الأبرار فلا تبرهن أن المصاب بها خاطئ أكثر من غيره.

كان أيوب طلب أن يحاجّ الله (9: 32) وقال صوفر يا ليت الله يتكلم (ع 5) وكان فكر صوفر أن الله إذا تكلم لا يبرر أيوب بل يحكم عليه.

خَفِيَّاتِ ٱلْحِكْمَةِ (ع 6) حكمة الله غير محدودة وخفياتها هي عرضها وطولها وعمقها البعيدة عن الاستقصاء.

مُضَاعَفَةُ ٱلْفَهْمِ أي لا يقدر الإنسان أن يفهمها ولا يصفها. وبالترجمة اليسوعية «لحوله مطاوي كثيرة» فيكون المعنى أن حكمة الله متنوعة لأن لله كل أنواع الحكمة.

أَقَلَّ مِنْ إِثْمِكَ وهذه أثقل كلمة تكلم أصحاب أيوب بها فإنهم كانوا تعجبوا من عظمة مصائبه وأما صوفر فقال هنا إن إثمه استوجب هذه المصائب وأكثر منها أيضاً.

7 - 12 «7 أَإِلَى عُمْقِ ٱللّٰهِ تَتَّصِلُ، أَمْ إِلَى نِهَايَةِ ٱلْقَدِيرِ تَنْتَهِي؟ 8 هُوَ أَعْلَى مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ، فَمَاذَا عَسَاكَ أَنْ تَفْعَلَ؟ أَعْمَقُ مِنَ ٱلْهَاوِيَةِ، فَمَاذَا تَدْرِي؟ 9 أَطْوَلُ مِنَ ٱلأَرْضِ طُولُهُ وَأَعْرَضُ مِنَ ٱلْبَحْرِ. 10 إِنْ بَطَشَ أَوْ أَغْلَقَ أَوْ جَمَّعَ، فَمَنْ يَرُدُّهُ؟ 11 لأَنَّهُ هُوَ يَعْلَمُ أُنَاسَ ٱلسُّوءِ وَيُبْصِرُ ٱلإِثْمَ، فَهَلْ لاَ يَنْتَبِهُ؟ 12 أَمَّا ٱلرَّجُلُ فَفَارِغٌ عَدِيمُ ٱلْفَهْمِ، وَكَجَحْشِ ٱلْفَرَا يُولَدُ ٱلإِنْسَانُ».

ص 33: 12 و13 و36: 26 و37: 5 و23 ص 22: 12 و35: 5 ص 26: 6 و38: 17 ص 9: 12 ص 34: 21 - 23 ص 24: 23 و28: 24 و31: 4 مزمور 39: 5 و11 و62: 9 و144: 4 وجامعة 1: 2 و11: 1 ص 39: 5

وصف صفات الله ولا سيما حكمته. وقصد صوفر أن يثبت قول أصحاب أيوب إنه لا بد من وجود خطايا لأيوب سببت مصائبه ولولا هذه الخطايا لم تأته المصائب.

بَطَشَ (ع 10) هجم على المذنب ليمسكه وأخذه بالعنف والسطوة.

أَغْلَقَ أغلق عليه بالسجن.

جَمَّعَ جمّع الناس ليسمعوا المحاكمة.

مَنْ يَرُدُّهُ لا أحد يقدر أن يقاومه في المحاكمة.

إنّ جَحْشِ ٱلْفَرَا (ع 12) عنيد وسريع الركض فيُكنى به عن الإنسان فإنه من صغره يميل إلى العصيان والابتعاد عن الله. وبالترجمة اليسوعية «بذلك يتعقل الجاهل وجحش الفرا يصير إنساناً» أي بالتسليم إلى الله يتعقل الجاهل وإن كان كجحش الفراء يصير إنساناً عاقلاً. ويظن بعضهم أنه كما أن الجحش لا يصير إنساناً هكذا من المستحيل أن الجاهل يتعقل.

13 - 20 «13 إِنْ أَعْدَدْتَ أَنْتَ قَلْبَكَ وَبَسَطْتَ إِلَيْهِ يَدَيْكَ. 14 إِنْ أَبْعَدْتَ ٱلإِثْمَ ٱلَّذِي فِي يَدِكَ وَلاَ يَسْكُنُ ٱلظُّلْمُ فِي خَيْمَتِكَ، 15 حِينَئِذٍ تَرْفَعُ وَجْهَكَ بِلاَ عَيْبٍ وَتَكُونُ ثَابِتاً وَلاَ تَخَافُ. 16 لأَنَّكَ تَنْسَى ٱلْمَشَقَّةَ. كَمِيَاهٍ عَبَرَتْ تَذْكُرُهَا. 17 وَفَوْقَ ٱلظَّهِيرَةِ يَقُومُ حَظُّكَ. ٱلظَّلاَمُ يَتَحَوَّلُ صَبَاحاً. 18 وَتَطْمَئِنُّ لأَنَّهُ يُوجَدُ رَجَاءٌ. تَتَجَسَّسُ حَوْلَكَ وَتَضْطَجِعُ آمِناً. 19 وَتَرْبِضُ وَلَيْسَ مَنْ يُزْعِجُ، وَيَتَضَرَّعُ إِلَى وَجْهِكَ كَثِيرُونَ. 20 أَمَّا عُيُونُ ٱلأَشْرَارِ فَتَتْلَفُ وَمَلْجَأُهُمْ يَبِيدُ، وَرَجَاؤُهُمْ تَسْلِيمُ ٱلنَّفْسِ».

ع 13 - 20 وص 5: 17 - 27 مزمور 78: 8 ص 22: 27 ومزمور 88: 9 و143: 6 ص 22: 23 ص 22: 26 مزمور 27: 3 و46: 2 إشعياء 65: 16 ص 22: 11 ص 22: 26 لاويين 26: 6 وإشعياء 17: 2 وصفنيا 3: 13 وميخا 4: 4 إشعياء 45: 14 ص 17: 5 وتثنية 28: 65 ص 27: 22 و34: 22 انظر ص 8: 13 ص 6: 9

حّض صوفر أيوب على التوبة ووعده ببركات.

إِنْ أَعْدَدْتَ أَنْتَ تمييزاً على الرجل الفارغ والعادم الفهم (ع 12) ولكن أيوب في جوابه غضب لأن صوفر دعاه عادم الفهم وقال «لي فهم مثله» (12: 3) وعلى كل إنسان أن يُعد قلبه ويبسط يديه بالصلاة ويُصلح سلوكه ويرجع إلى الله.

ٱلإِثْمَ ٱلَّذِي فِي يَدِكَ (ع 14) أظهر اقتناعه بأن أيوب أخطأ هو وأولاده فالإصلاح يجب أن يكون أولاً فيه ثم في أهل بيته.

حِينَئِذٍ تَرْفَعُ وَجْهَكَ (ع 15) أشار إلى قول أيوب (10: 15) «لاَ أَرْفَعُ رَأْسِي. إِنِّي شَبْعَانُ هَوَاناً».

وَتَكُونُ ثَابِتاً لم يكن أيوب ثابتاً في آرائه (9: 27 و28) «أخاف... إنك لا تبرئني».

تَتَجَسَّسُ حَوْلَكَ (ع 18) إشارة إلى قلة الأمان في الشرق قديماً فإن الإنسان يتجسس قبلما يضطجع لعله يجد عدواً كامناً له.

أَمَّا عُيُونُ ٱلأَشْرَارِ (ع 20) يشتهون خيراً ولا يكون لهم ويرجون معونة فيخيب رجاؤهم ولا يبقى لهم إلا الموت.

رَجَاؤُهُمْ تَسْلِيمُ ٱلنَّفْسِ من كثرة ضيقاتهم يرجون الموت كما كان أيوب يرجوه ولعل صوفر قصد توبيخه على ذلك.

إن المشكلة التي بحث أيوب وأصدقائه فيها هي التوفيق بين أحكام ضمير الإنسان وأحكام الله فإن ضمير أيوب حكم أنه لم يخطئ وأما حُكم الله فهو كما ظنوا أن أيوب خاطئ. وغلط أيوب وأصدقاؤه (1) لأن أحكام الله ليست كلها عقاباً للخطيئة بل بعضها لفائدة الإنسان الروحية. «ٱلضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْراً، وَٱلصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَٱلتَّزْكِيَةُ رَجَاءً، وَٱلرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ ٱللّٰهِ قَدِ ٱنْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا» (رومية 5: 3 - 5 انظر أيضاً رومية 8: 31 - 39 و2كورنثوس 1: 3 - 11 و4: 7 - 18 وعبرانيين 11: 32 - 12: 13) (2) لأن ضمير الإنسان لا يصيب في جميع أحكامه فإن أيوب قال إنه بلا خطيئة لأنه لم يشعر بخطيئة ولكن الله لا ينظر كما ينظر الإنسان بل ينظر إلى القلب والأفكار والنيات ويطلب الكمال (3) لأن بعض مصائب الناس ناتجة من جهلهم للنواميس الطبيعية أو لعدم الانتباه لها فإن بعض الأمراض تحصل من غفلة أصحابها الخ. وهذه النواميس صالحة ولازمة نظمها الله لأجل سلامة الإنسان وثبات الكون. وتقدّم العالم العجيب بالأمور المادية هو من كشف الناس هذه النواميس واستعمالهم إياها للخير.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي عَشَرَ

الأصحاحات 12 - 14 تتضمن جواب أيوب لصوفر. وقد أثر كلام صوفر في أيوب تأثيراً شديداً وأغضبه لما فيه من سوء الفهم وعدم المعرفة في ما لله وكان صوفر ادعى الفضل وسمو المعرفة حاسباً أن مصائب أيوب جعلته مذنباً محتاجاً إلى التوبيخ والإنذار فقال أيوب تهكماً «صَحِيحٌ إِنَّكُمْ أَنْتُمْ شَعْبٌ وَمَعَكُمْ تَمُوتُ ٱلْحِكْمَةُ» (12: 2) و «لَيْتَكُمْ تَصْمُتُونَ صَمْتاً. يَكُونُ ذٰلِكَ لَكُمْ حِكْمَةً» و «خُطَبُكُمْ أَمْثَالُ رَمَادٍ، وَحُصُونُكُمْ حُصُونٌ مِنْ طِينٍ» (13: 12).

ولكلام أيوب ثلاثة أقسام (1) رفضه ادعاء أصحابه الفضل من جهة المعرفة في أحكام الله (ص 12) (2) رفع دعواه إلى الله (ص 13) (3) اليأس لأن الله لم يستجب له وفي يأسه لمحة نور إذ قال «تَدْعُو فَأَنَا أُجِيبُكَ. تَشْتَاقُ إِلَى عَمَلِ يَدِكَ» (14: 15).

1 - 6 «1 فَقَالَ أَيُّوبُ: 2 صَحِيحٌ إِنَّكُمْ أَنْتُمْ شَعْبٌ وَمَعَكُمْ تَمُوتُ ٱلْحِكْمَةُ! 3 غَيْرَ أَنَّهُ لِي فَهْمٌ مِثْلَكُمْ. لَسْتُ أَنَا دُونَكُمْ. وَمَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مِثْلُ هٰذِهِ؟ 4 رَجُلاً أُضْحُوكَةٌ لِصَاحِبِهِ صِرْتُ. دَعَا ٱللّٰهَ فَٱسْتَجَابَهُ. أُضْحُوكَةٌ هُوَ ٱلصِّدِّيقُ ٱلْكَامِلُ. 5 لِلْمُبْتَلِي هَوَانٌ فِي أَفْكَارِ ٱلْمُطْمَئِنِّ، مُهَيَّأٌ لِمَنْ زَلَّتْ قَدَمُهُ. 6 خِيَامُ ٱلْمُخَرِّبِينَ مُسْتَرِيحَةٌ، وَٱلَّذِينَ يُغِيظُونَ ٱللّٰهَ مُطْمَئِنُّونَ، ٱلَّذِينَ يَأْتُونَ بِإِلٰهِهِمْ فِي يَدِهِمْ!».

ع 2 و3 وص 16: 1 و2 و17: 10 ص 13: 2 ص 17: 6 و30: 1 و9 و10 و34: 7 انظر ص 6: 29 ص 9: 24 و21: 9 ص 24: 23 ص 22: 18

أَنْتُمْ شَعْبٌ تهكّم أيوب على أصحابه لأنهم تكلموا كأن كلامهم معروف ومصدق عند جميع الناس وتكلموا بالنيابة عن الشعب.

مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مِثْلُ هٰذِهِ (ع 3) أشار إلى كلام صوفر في (11: 7 - 12) «أإلى عمق الله تتصل الخ» أي إن كلامه كله صحيح ولكن كله معروف ومفهوم عند أيوب وعند جميع الناس.

دَعَا ٱللّٰهَ فَٱسْتَجَابَهُ (ع 4) أيوب هو الذي كان دعا الله فاستجابه وهو الصدّيق الكامل الذي صار سخرة لأصحابه فإنهم بكلامهم الركيك وإنذارهم جعلوه رجلاً عادم المعرفة وبلا اعتبار.

لِلْمُبْتَلِي هَوَانٌ (ع 5) رأى أيوب أن النجاح هو المقياس الوحيد يُقاس الناس عليه فالهوان للمبتلي وإن كان باراً والاطمئنان للمخربين والذين يغيظون الله. ورأى أيوب بذلك مناقضة أي إن الله يقي الذي يغيظونه.

إِلٰهِهِمْ فِي يَدِهِمْ (ع 6) اتكالهم على يدهم القوية أو على ما بيدهم كسيف أو آلة (حبقوق 1: 11 و16).

7 - 12 «7 فَٱسْأَلِ ٱلْبَهَائِمَ فَتُعَلِّمَكَ وَطُيُورَ ٱلسَّمَاءِ فَتُخْبِرَكَ. 8 أَوْ كَلِّمِ ٱلأَرْضَ فَتُعَلِّمَكَ وَيُحَدِّثَكَ سَمَكُ ٱلْبَحْرِ. 9 مَنْ لاَ يَعْلَمُ مِنْ كُلِّ هٰؤُلاَءِ أَنَّ يَدَ ٱلرَّبِّ صَنَعَتْ هٰذَا! 10 ٱلَّذِي بِيَدِهِ نَفَسُ كُلِّ حَيٍّ وَرُوحُ كُلِّ ٱلْبَشَرِ. 11 أَفَلَيْسَتِ ٱلأُذُنُ تَمْتَحِنُ ٱلأَقْوَالَ كَمَا أَنَّ ٱلْحَنَكَ يَسْتَطْعِمُ طَعَامَهُ؟ 12 عِنْدَ ٱلشَّيْبِ حِكْمَةٌ، وَطُولُ ٱلأَيَّامِ فَهْمٌ».

إشعياء 41: 20 أعمال 17: 28 ص 27: 3 و33: 4 ص 34: 3 ص 15: 10 و32: 7

بعد كلامه في معاملة الله للناس وتفوّق الأقوياء على الضعفاء ذكر أن معاملة الله لخلائقه غير الناطقة كمعاملته للناس لأن في يده نفس كل حي ومنه كل ما يجري من الخير والشر ومن الحياة والموت والبنيان والخراب وافتراس الأقوياء للضعفاء والطغيان والقيظ الخ.

يَدَ ٱلرَّبِّ (ع 9) لم يأت الاسم «الرب» في سفر أيوب إلا هنا وفي (28: 28) ولذلك يظن بعضهم أن أحد الكتّاب أو النساخ قد أدخله سهواً.

بعد ما ذكر ما يتعلمه الناس بالنظر إلى الخليقة ذكر ما يتعلمونه بواسطة الأذن من أقوال الحكماء (ع 11 و12) وما نتعلمه بالأذن أوسع مما نتعلمه بالنظر لأن اختبار كثيرين في أجيال كثيرة أوسع من اختبار واحد فقط. وكما أن للإنسان حنكاً يميّز به الطعام المفيد هكذا له ذوق أو فهم في الأمور الأدبية والروحية ليميّز الحق عن البطل.

13 - 25 «13 عِنْدَهُ ٱلْحِكْمَةُ وَٱلْقُدْرَةُ. لَهُ ٱلْمَشُورَةُ وَٱلْفِطْنَةُ. 14 هُوَذَا يَهْدِمُ فَلاَ يُبْنَى. يُغْلِقُ عَلَى إِنْسَانٍ فَلاَ يُفْتَحُ. 15 يَمْنَعُ ٱلْمِيَاهَ فَتَيْبَسُ. يُطْلِقُهَا فَتَقْلِبُ ٱلأَرْضَ. 16 عِنْدَهُ ٱلْعِزُّ وَٱلْفَهْمُ. لَهُ ٱلْمُضِلُّ وَٱلْمُضَلُّ. 17 يَذْهَبُ بِٱلْمُشِيرِينَ أَسْرَى وَيُحَمِّقُ ٱلْقُضَاةَ. 18 يَحُلُّ مَنَاطِقَ ٱلْمُلُوكِ وَيَشُدُّ أَحْقَاءَهُمْ بِوِثَاقٍ. 19 يَذْهَبُ بِٱلْكَهَنَةِ أَسْرَى وَيَقْلِبُ ٱلأَقْوِيَاءَ. 20 يَقْطَعُ كَلاَمَ ٱلأُمَنَاءِ وَيَنْزِعُ ذَوْقَ ٱلشُّيُوخِ. 21 يُلْقِي هَوَاناً عَلَى ٱلشُّرَفَاءِ وَيُرْخِي مِنْطَقَةَ ٱلأَشِدَّاءِ. 22 يَكْشِفُ ٱلْعَمَائِقَ مِنَ ٱلظَّلاَمِ، وَيُخْرِجُ ظِلَّ ٱلْمَوْتِ إِلَى ٱلنُّورِ. 23 يُكَثِّرُ ٱلأُمَمَ ثُمَّ يُبِيدُهَا. يُوَسِّعُ لِلأُمَمِ ثُمَّ يُشَتِّتُها. 24 يَنْزِعُ عُقُولَ رُؤَسَاءِ شَعْبِ ٱلأَرْضِ وَيُضِلُّهُمْ فِي تِيهٍ بِلاَ طَرِيقٍ. 25 يَتَلَمَّسُونَ فِي ٱلظَّلاَمِ وَلَيْسَ نُورٌ وَيُرَنِّحُهُمْ مِثْلَ ٱلسَّكْرَانِ».

انظر ص 9: 4 انظر ص 9: 4 ص 11: 6 و26: 12 و32: 8 و36: 5 و38: 36 ص 19: 10 وإشعياء 25: 2 ص 37: 7 تثنية 11: 17 و1ملوك 8: 35 و17: 1 تكوين 7: 11 - 24 ص 13: 7 و9 ص 3: 14 ص 19: 9 ص 9: 24 مزمور 116: 16 ص 21: 7 و22: 8 و24: 22 و34: 24 - 28 و35: 9 ص 17: 4 و32: 9 ص 34: 19 ومزمور 107: 40 ع 18 دانيال 2: 22 و1كورنثوس 4: 5 إشعياء 9: 3 و26: 15 ع 20 انظر ص 5: 14 إشعياء 24: 20

عِنْدَهُ ٱلْحِكْمَةُ أي عند الله. قال «طول الأيام فهم» (ع 12) فكم بالحري الله الذي ليس له بداءة ولا نهاية.

يَهْدِمُ (ع 14) المدن المحصنة.

يُغْلِقُ عَلَى إِنْسَانٍ في السجن (إرميا 22: 24 - 30).

يَمْنَعُ ٱلْمِيَاهَ (ع 15) المطر كما في أيام إيليا (1ملوك 17: 1).

ٱلْمُضِلُّ (ع 16) هو الحاكم الظالم والمضل هو المظلوم والناس يميزون الواحد عن الآخر فيخافون الواحد ويحتقرون الآخر ولكن كلاهما بيد الله (أمثال 22: 2).

مَنَاطِقَ ٱلْمُلُوكِ (ع 18) المنطقة المشدودة علامة القوة. والله يحل مناطق الملوك أي ينزع قوتهم ويشد أحقاءهم بوثاق أي وثاق السجن أو العبودية.

كان للكهنة في القديم (ع 19) اعتبار كما للملوك كملكي صادق ويثرون وعالي ويهوياداع.

يَنْزِعُ ذَوْقَ ٱلشُّيُوخِ (ع 20) كأخيتوفل (2صموئيل 15: 31).

يَكْشِفُ ٱلْعَمَائِقَ (ع 22) أفكار الناس ومقاصدهم السرّية (إشعياء 29: 15) والعمائق أيضاً أمور الله الفائقة عقول الناس (رومية 16: 25 - 27).

ثُمَّ يُشَتِّتُها (يُجليها) (ع 23) يوسع للأمم تخومهم ثم يجليها أي يضيّقها فيعمل بهم كما يشاء. ويظهر من كلام أيوب معرفته الواسعة بتاريخ العالم.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ عَشَرَ

مضمونه (1) قول أيوب إن معرفته ليست دون معرفة أصدقائه (2) إنهم حابوا وجه الله وتكلموا بغش بشأنه (3) عزمه على أن يكلّم الله وإن قتله فيزكي طرقه قدامه (4) طلب أيوب من الله أن يُعلمه خطيئته (5) يأسه لأن الله حجب وجهه عنه.

1 - 12 «1 هٰذَا كُلُّهُ رَأَتْهُ عَيْنِي. سَمِعَتْهُ أُذُنِي وَفَطِنَتْ بِهِ. 2 مَا تَعْرِفُونَهُ عَرَفْتُهُ أَنَا أَيْضاً. لَسْتُ دُونَكُمْ. 3 وَلٰكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُكَلِّمَ ٱلْقَدِيرَ وَأَنْ أُحَاكَمَ إِلَى ٱللّٰهِ. 4 أَمَّا أَنْتُمْ فَمُلَفِّقُو كَذِبٍ. أَطِبَّاءُ بَطَّالُونَ كُلُّكُمْ. 5 لَيْتَكُمْ تَصْمُتُونَ صَمْتاً. يَكُونُ ذٰلِكَ لَكُمْ حِكْمَةً. 6 اِسْمَعُوا ٱلآنَ حُجَّتِي وَٱصْغُوا إِلَى دَعَاوِي شَفَتَيَّ. 7 أَتَقُولُونَ لأَجْلِ ٱللّٰهِ ظُلْماً وَتَتَكَلَّمُونَ بِغِشٍّ لأَجْلِهِ؟ 8 أَتُحَابُونَ وَجْهَهُ، أَمْ عَنِ ٱللّٰهِ تُخَاصِمُونَ؟ 9 أَخَيْرٌ لَكُمْ أَنْ يَفْحَصَكُمْ، أَمْ تُخَاتِلُونَهُ كَمَا يُخَاتَلُ ٱلإِنْسَانُ؟ 10 تَوْبِيخاً يُوَبِّخُكُمْ إِنْ حَابَيْتُمُ ٱلْوُجُوهَ خُفْيَةً. 11 فَهَلاَّ يُرْهِبُكُمْ جَلاَلُهُ وَيَسْقُطُ عَلَيْكُمْ رُعْبُهُ! 12 خُطَبُكُمْ أَمْثَالُ رَمَادٍ، وَحُصُونُكُمْ حُصُونٌ مِنْ طِينٍ!»

ص 12: 9 ص 12: 3 ع 22 وص 23: 4 ع 15 مزمور 119: 69 إرميا 23: 32 ع 13 وص 21: 5 ص 27: 4 انظر لاويين 19: 15 ص 12: 16 ع 8 وص 32: 21 و34: 19 ص 31: 23 ص 27: 1 و29: 1

وَلٰكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُكَلِّمَ ٱلْقَدِيرَ (ع 3) رأى أيوب كل ما رآه أصحابه وسمع كل ما سمعوه من أقوال القدماء وفطن به وفهمه تماماً ولكنه لم يكتف بذلك لأن مشكله لم يُحل بعد (9: 32 - 35) وليس المراد هنا التكلم مع الله في الصلاة كعادة الأتقياء بل بصوت مسموع كما صار في الآخر (38: 1 الخ) غير أن بعضهم يظنون أن الكلام مجازي وشعري (11: 5) وكان لأيوب ثقة بأن الله يعرف أمره تماماً ويكون حكمه بالعدل وله حنو أبوي.

مُلَفِّقُو كَذِبٍ (ع 4) أقوالهم أغاليط وحججهم مبنية على الغلط فإنهم حكموا أن مصائب أيوب الثقيلة دليل على خطاياه وبما أن أيوب أنكرها أعتبروه مرائياً.

أَطِبَّاءُ بَطَّالُونَ أتوا ليعزوا أيوب ولكنهم لم يفهموا أمره وكلامهم لم يوافقه فكانوا كأطباء لا يعرفون تشخيص مرض المريض ويكون علاتهم كله غلط.

لَيْتَكُمْ تَصْمُتُونَ (ع 5) أولاً لأن ليس عندهم ما يتكلمون به (بل الأحمق إذا سكت يُحسب حكيماً أمثال 17: 28). وثانياً ليسمعوا كلام أيوب.

الذين يحابون وجه الله (ع 8) هم الذين يقدمون حججاً ضعيفة في المحاماة عن الدين فإذا سقطت الحجج سقط الدين فيكونون قد أسقطوا ما قصدوا إثباته. وأمثلة ذلك الخرافات الكنسيّة ومقاومة العلوم الطبيعية إذا لم توافق تفسير الكنيسة. ومن واجبات خدام الدين أن يفحصوا بالتدقيق البينات التي تثبت الدين ويفحصوا أيضاً الاعتراضات عليه ليكون حكمهم عادلاً ومقنعاً.

كَمَا يُخَاتَلُ ٱلإِنْسَانُ (ع 9) لعل الناس يصدقونهم وأما الله فيفحص كل شيء. ويجب على خدّام الدين أن لا يعلموا العلماء تعليماً والجهال تعليماً آخر بل عليهم أن يعلموا الحق غير مهتمين بما يوافق فقط. ونرى مناقضة في كلام أيوب لأنه كان نسب إلى الله الظلم (10: 13 - 17) وقال هنا إن الله يحب الحق ويكره الظلم. ولا شك أن قوله هنا هو اعتقاده الحقيقي.

أَمْثَالُ رَمَادٍ (ع 12) أقوال القدماء التي ذكرها بلدد (8: 8) هي بلا لذة ولا فائدة كرماد لمن يطلب الطعام. وحججهم كحصون من طين أي بلا قوة (إشعياء 41: 21 - 24).

13 - 19 «13 اُسْكُتُوا عَنِّي فَأَتَكَلَّمَ، أَنَا وَلْيُصِبْنِي مَهْمَا أَصَابَ. 14 لِمَاذَا آخُذُ لَحْمِي بِأَسْنَانِي وَأَضَعُ نَفْسِي فِي كَفِّي؟ 15 هُوَذَا يَقْتُلُنِي. لاَ أَنْتَظِرُ شَيْئاً. فَقَطْ أُزَكِّي طَرِيقِي قُدَّامَهُ. 16 فَهٰذَا يَعُودُ إِلَى خَلاَصِي أَنَّ ٱلْفَاجِرَ لاَ يَأْتِي قُدَّامَهُ. 17 سَمْعاً ٱسْمَعُوا أَقْوَالِي وَتَصْرِيحِي بِمَسَامِعِكُمْ. 18 هَئَنَذَا قَدْ أَحْسَنْتُ ٱلدَّعْوَى. أَعْلَمُ أَنِّي أَتَبَرَّرُ. 19 مَنْ هُوَ ٱلَّذِي يُخَاصِمُنِي حَتَّى أَصْمُتَ ٱلآنَ وَأُسْلِمَ ٱلرُّوحَ؟».

ع 5 انظر ص 7: 6 ص 27: 5 ص 23: 7 ص 34: 21 - 23 ص 6: 29 و23: 4 ص 9: 21 و10: 7 و12: 4 ص 7: 21 و10: 8

ترك الكلام مع أصحابه ووجّه كلامه إلى الله.

وَلْيُصِبْنِي مَهْمَا أَصَابَ كقول أستير لما دخلت على الملك بخلاف السنة «إذا هلكت هلكت» (أستير 4: 16).

(ع 14) معنى الجملة الثانية واضح وهو لماذا أخاطر بنفسي (1صموئيل 19: 5) وضع داود نفسه بيده لما واجه الفلسطيني والأرجح أن معنى الجملة الأولى كالثانية أي إن لحمه أو حياته في الخطر كفريسة في أسنان وحش مفترس.

لاَ أَنْتَظِرُ شَيْئاً (ع 15) ليس له أمل بحياته لأنه تأكد أن الله يقتله إذا كلّمه ولكنه أصرّ على أن يزكي طريقه قدامه. ويقول بعضهم إن أيوب قصد بقوله «هوذا يقتلني» إن مرضه بلا شفاء فلا يتجاسر أن يتقدم إلى الله لأنه لا بد من موته على أي وجه كان.

(ع 16) تيقن بأن بره سيظهر عند المحاكمة لأنه لو كان فاجراً لما واجه الله في المحاكمة. وكلم أصحابه كأن أمره قد انتهى وقد ربح دعواه (قد أحسنت الدعوى ع 18) وقال أيضاً أنه مستعد أن يصمت ويموت إذا كان أحد يقدر أن يخاصمه. وثقته هذه تشبه ثقة المؤمن بالمسيح «مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي ٱللّٰهِ؟» (رومية 8: 33).

20 - 28 «20 إِنَّمَا أَمْرَيْنِ لاَ تَفْعَلْ بِي فَحِينَئِذٍ لاَ أَخْتَفِي مِنْ حَضْرَتِكَ. 21 أَبْعِدْ يَدَيْكَ عَنِّي وَلاَ تَدَعْ هَيْبَتَكَ تُرْعِبُنِي 22 ثُمَّ ٱدْعُ فَأَنَا أُجِيبُ أَوْ أَتَكَلَّمُ فَتُجَاوِبُنِي. 23 كَمْ لِي مِنَ ٱلآثَامِ وَٱلْخَطَايَا. أَعْلِمْنِي ذَنْبِي وَخَطِيَّتِي. 24 لِمَاذَا تَحْجُبُ وَجْهَكَ وَتَحْسِبُنِي عَدُوّاً لَكَ؟ 25 أَتُرْعِبُ وَرَقَةً مُنْدَفَعَةً وَتُطَارِدُ قَشّاً يَابِساً! 26 لأَنَّكَ كَتَبْتَ عَلَيَّ أُمُوراً مُرَّةً وَوَرَّثْتَنِي آثَامَ صِبَايَ، 27 فَجَعَلْتَ رِجْلَيَّ فِي ٱلْمِقْطَرَةِ وَلاَحَظْتَ جَمِيعَ مَسَالِكِي، وَعَلَى أُصُولِ رِجْلَيَّ نَبَشْتَ. 28 وَأَنَا كَمُتَسَوِّسٍ يَبْلَى، كَثَوْبٍ أَكَلَهُ ٱلْعُثُّ».

ص 9: 34 ومزمور 39: 10 ص 9: 16 و14: 15 ص 7: 21 مزمور 13: 1 و44: 24 و88: 14 ص 19: 11 و33: 10 لاويين 26: 36 ص 21: 18 ص 9: 18 ص 33: 11 انظر ص 2: 7

أَمْرَيْنِ (ع 20) هما الأول إن الله يبعد يده عنه أي يرفع عنه آلامه والثاني إنه لا يدع هيبة الله ترعبه فيقدم دعواه بلا خوف (9: 34 و35).

(ع 22) قال إنه مستعد أن يجيب كمدّعى عليه أو أن يتكلم كمدّع.

كَمْ لِي مِنَ ٱلآثَامِ (ع 23) في حجته طلب أولاً أن يعرف ذنبه. ولم ينكر أنه خاطي (ع 26 «آثام صباي») ولكنه احتج بأن خطاياه ليست كما ظن أصحابه واستنتجوا من عظمة مصائبه.

لِمَاذَا تَحْجُبُ وَجْهَكَ (ع 24) أشار إلى مصائبه التي كانت دليلاً على أن الله حجب وجهه عنه أي نزع عنه رضاه.

(ع 25) شبه نفسه بورقة وبهشيم وحسب أنه لا يليق بالقدير أن يطارد إنساناً ضعيفاً.

كَتَبْتَ عَلَيَّ (ع 26) على سبيل حكم في المحمكة.

وَرَّثْتَنِي آثَامَ صِبَايَ لا يذكر آثام رجوليته بل آثام صباه لأنها صدرت عن جهل كعادة الشباب وكانت من زمان طويل ولكن الله حسبها عليه فورثها كا يُحسب دين الآب على أولاده.

(ع 27) شبّه نفسه بمذنب في المِقطرة وتحت المراقبة (إرميا 20: 2 وأعمال 16: 24).

وَعَلَى أُصُولِ رِجْلَيَّ نَبَشْتَ وبالترجمة اليسوعية «تخط حول باطن قدمي» أي إن الله نبش أو علّم علامة على الأرض حوله وهو واقف ونهاه عن الخروج من الدائرة المرسومة. وذكر غضب الله عليه بالتدريج (1) حجب وجهه عنه (2) حسبه عدواً (3) كتب عليه أموراً مرّة (4) ورّثه آثام صباه (5) سجنه سجناً قاسياً.

(ع 28) أشار إلى ضعفه الجسدي كما في (ع 25).

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ عَشَرَ

تكملة خطاب أيوب

1 - 6 «1 اَلإِنْسَانُ مَوْلُودُ ٱلْمَرْأَةِ قَلِيلُ ٱلأَيَّامِ وَشَبْعَانُ تَعَباً. 2 يَخْرُجُ كَٱلزَّهْرِ ثُمَّ يَذْوِي، وَيَبْرَحُ كَٱلظِّلِّ وَلاَ يَقِفُ. 3 فَعَلَى مِثْلِ هٰذَا حَدَّقْتَ عَيْنَيْكَ، وَإِيَّايَ أَحْضَرْتَ إِلَى ٱلْمُحَاكَمَةِ مَعَكَ. 4 مَنْ يُخْرِجُ ٱلطَّاهِرَ مِنَ ٱلنَّجِسِ؟ لاَ أَحَدٌ! 5 إِنْ كَانَتْ أَيَّامُهُ مَحْدُودَةً وَعَدَدُ أَشْهُرِهِ عِنْدَكَ وَقَدْ عَيَّنْتَ أَجَلَهُ فَلاَ يَتَجَاوَزُهُ، 6 فَأَقْصِرْ عَنْهُ لِيَسْتَرِيحَ، إِلَى أَنْ يُسَرَّ كَٱلأَجِيرِ بِٱنْتِهَاءِ يَوْمِهِ».

انظر ص 5: 7 مزمور 90: 5 و6 و103: 15 وإشعياء 40: 6 و7 ص 8: 9 مزمور 8: 4 و144: 3 ص 15: 14 و25: 4 ص 21: 21 انظر ص 7: 19

مَوْلُودُ ٱلْمَرْأَةِ (تكوين 3: 16) «تَكْثِيراً أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ. بِٱلْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَداً» فبالنتيجة يكون أولادها ضعفاء وكثيري الأتعاب.

حَدَّقْتَ عَيْنَيْكَ (ع 3) ليجد فيه ذنباً وإن كان صغيراً فيقاصّه ولا يليق بالقدير أن يُحضر إلى المحاكمة إنساناً ضعيفاً.

مَنْ يُخْرِجُ ٱلطَّاهِرَ مِنَ ٱلنَّجِسِ (ع 4) الجنس كله نجس ولا يمكن أن يخرج طاهر منه فليس من العدل أن الله يطلب منه الكمال.

كَٱلأَجِيرِ (ع 6) إن حياة الإنسان قصيرة كيوم واحد ومتعبة كيوم أجير وليس فيها إلا قليل من السرور وأكثر سرور الأجير في انتهاء يومه فيطلب أيوب من الله أن يقصر عن الإنسان ولا يمنعه عن هذا السرور القليل.

7 - 12 «7 لأَنَّ لِلشَّجَرَةِ رَجَاءً. إِنْ قُطِعَتْ تُخْلِفْ أَيْضاً وَلاَ تُعْدَمُ أَغْصَانُهَا. 8 وَلَوْ قَدُمَ فِي ٱلأَرْضِ أَصْلُهَا وَمَاتَ فِي ٱلتُّرَابِ جِذْعُهَا، 9 فَمِنْ رَائِحَةِ ٱلْمَاءِ تُفْرِخُ وَتُنْبِتُ فُرُوعاً كَٱلْغَرْسِ. 10 أَمَّا ٱلرَّجُلُ فَيَمُوتُ وَيَبْلَى. ٱلإِنْسَانُ يُسْلِمُ ٱلرُّوحَ، فَأَيْنَ هُوَ! 11 قَدْ تَنْفَدُ ٱلْمِيَاهُ مِنَ ٱلْبَحْرِ، وَٱلنَّهْرُ يَنْشَفُ وَيَجِفُّ، 12 وَٱلإِنْسَانُ يَضْطَجِعُ وَلاَ يَقُومُ. لاَ يَسْتَيْقِظُونَ حَتَّى لاَ تَبْقَى ٱلسَّمَاوَاتُ وَلاَ يَنْتَبِهُونَ مِنْ نَوْمِهِمْ».

ع 10 - 15 وانظر ص 3: 13 ص 13: 19 إشعياء 19: 5 ص 3: 13

ٱلْبَحْرِ (ع 11) مجموع ماء فصل الشتاء لأجل سقي الأرض أو البهائم في فصل الصيف فيقلّ هذا الماء رويداً رويداً حتى ينفذ تماماً وهكذا حياة الإنسان.

حَتَّى لاَ تَبْقَى ٱلسَّمَاوَاتُ (ع 12) أي لا يستيقظون أبداً.

13 - 17 «13 لَيْتَكَ تُوارِينِي فِي ٱلْهَاوِيَةِ وَتُخْفِينِي إِلَى أَنْ يَنْصَرِفَ غَضَبُكَ، وَتُعَيِّنُ لِي أَجَلاً فَتَذْكُرَنِي. 14 إِنْ مَاتَ رَجُلٌ أَفَيَحْيَا؟ كُلَّ أَيَّامِ جِهَادِي أَصْبِرُ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ بَدَلِي. 15 تَدْعُو فَأَنَا أُجِيبُكَ. تَشْتَاقُ إِلَى عَمَلِ يَدِكَ. 16 أَمَّا ٱلآنَ فَتُحْصِي خُطُوَاتِي! أَلاَ تُحَافِظُ عَلَى خَطِيَّتِي. 17 مَعْصِيَتِي مَخْتُومٌ عَلَيْهَا فِي صُرَّةٍ، وَتُلَفِّقُ عَلَيَّ فَوْقَ إِثْمِي».

انظر ص 3: 13 إشعياء 26: 20 انظر ص 10: 3 ص 31: 4 و34: 21 ص 10: 6 تثنية 32: 32 - 34

إِلَى أَنْ يَنْصَرِفَ غَضَبُكَ حسب اعتقاد العبرانيين لا يتلاشى الإنسان عند الموت بل تنزل نفسه إلى الهاوية ولكن بقاؤها هذا ليس حياة حقيقية لأن ليس لها شركة مع الأحياء على الأرض ولا مع الله (إشعياء 38: 18) ولكن من طبيعة الإنسان أن يشتاق إلى البقاء وإلى الله وتصوّر أيوب رجوع الله إليه بعد انصراف غضبه فيذكره الله إذ ذاك ويدعوه فيجيبه ويشتاق إلى عمل يديه كما يشتاق الإنسان إلى خالقه وذلك من تصورات أيوب ولكنه بعدما تأمل رأى ان هذا أمر مستحيل فقال «إن مات رجل أفيحيا» (ع 14) ولكن بالآخر غلب إيمانه على شكوكه وقال «أما أنا فقط علمت إن وليي حي» (19: 25 - 27).

إننا نرى في بعض المزامير (16: 10 و49: 15 و73: 24) وفي (إشعياء 26: 19) إن الأتقياء كانوا يرجون أن شركتهم مع الله لا تنقطع عند الموت وأما أيوب فظن أن شركته مع الله مقطوعة لأنه اعتبر مصائبه كعلامة غضب الله عليه بعدما كان مضى عليه زمان في الهاوية وبناء على هذا الرجاء قال «اصبر إلى أن يأتي بدلي» (ع 14) أي حتى تُبدل حالته الحاضرة بما هو أحسن منها فينتهي جهاده كما تنتهي نوب الحارس عندما يأتي بدله.

تُلَفِّقُ عَلَيَّ (ع 17) شبّه نفسه بصرّة وإثمه الدراهم فيها والله ختم على الصرّة ولفقها أيضاً أي إنه حاسبه على كل شيء ولم يترك شيئاً من مطاليبه.

18 - 22 «18 إِنَّ ٱلْجَبَلَ ٱلسَّاقِطَ يَنْتَثِرُ، وَٱلصَّخْرَ يُزَحْزَحُ مِنْ مَكَانِهِ. 19 ٱلْحِجَارَةُ تَبْلِيهَا ٱلْمِيَاهُ، وَتَجْرُفُ سُيُولُهَا تُرَابَ ٱلأَرْضِ. وَكَذٰلِكَ أَنْتَ تُبِيدُ رَجَاءَ ٱلإِنْسَانِ. 20 تَتَجَبَّرُ عَلَيْهِ أَبَداً فَيَذْهَبُ. تغيّر (تُشَوِّهُ) وَجْهَهُ وَتَطْرُدُهُ. 21 يُكْرَمُ بَنُوهُ وَلاَ يَعْلَمُ، أَوْ يَصْغِرُونَ وَلاَ يَفْهَمُ بِهِمْ. 22 إِنَّمَا عَلَى ذَاتِهِ يَتَوَجَّعُ لَحْمُهُ وَعَلَى ذَاتِهَا تَنُوحُ نَفْسُهُ».

انظر ص 7: 6 ص 4: 20 و20: 7

الجبال والصخور أثبت ما يكون في الكون ومع ذلك تبليها المياه بفعلها الدائم على زمان طويل فكم بالحري الإنسان يبلى بضربات الله المتواصلة. واللفظة ينتثر يغلب استعمالها لأوراق الأشجار والمعنى هنا أن الجبل ينحل ويسقط ترابه كسقوط الأوراق من الأشجار. وسقوط الجبل يختلف عن سقوط الأوراق بما أنه لا يقوم أيضاً وكذلك الإنسان فليس له رجاء. إن بعض المخلوقات كالأشجار تفرخ إذا قُطعت وبهذا يلمح على حياة للإنسان بعد الموت وبالحجارة التي تبليها المياه يلمح إلى عدم الحياة بعد الموت وإثبات الحياة بعد الموت لا يمكن إلا بإعلان الله في الكتاب المقدس.

تَتَجَبَّرُ عَلَيْهِ أَبَداً (ع 20) لا يمكن الإنسان أن يقاوم حكم الله عليه بالموت.

تغيّر (تُشَوِّهُ) وَجْهَهُ إشارة إلى تغيّر وجه الإنسان حين المرض والموت.

يُكْرَمُ بَنُوهُ (جامعة 9: 5 و6) بكرامة الأولاد نوع من الخلود للوالدين ولكن ليس في ذلك تعزية للإنسان لأن الميت لا يعلم ما يحدث للأحياء وهم لا يعلمون ما يحدث له فيتوجع هو على ذاته وينوح. ومضمون هذا القول (1) إن الجسد في القبر يشعر بأوجاع الفساد (إشعياء 66: 24) والنفس تشعر بالوحدة (2) إن الجسد وإن كان في القبر فهو لا يزال متحداً مع النفس والنفس هي الإنسان ذاته فلا يقال إن الجسد النفس هي الإنسان ذاته فلا يقال أن الجسد وحده في القبر بل الإنسان ذاته في القبر. وذلك حسب أفكار القدماء. ونرى أن القدماء لقلة معرفتهم بالمسيح كانوا عرضة للقنوط واليأس والتردد في أمر خلاصهم.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ عَشَرَ

من ص 15 إلى ص 21 الدور الثاني من الخطب أي خطاب كل من أصحاب أيوب وجوابه لكل منهم. وفي الخطب الأولى كانوا ذكروا صفات الله وحرضوا أيوب على الاعتراف بخطيئته والخضوع لله. وأما أيوب فأصرّ على قوله ببراءته واستأنف دعواه إلى الله نفسه واتهم أصحابه أنهم ظلموه وحابوا وجه الله فالتزموا ان يغيروا أسلوب الكلام ولم يتكلموا كثيراً في الله بل في الإنسان ولا سيما الشرير وفي تعليم التاريخ والاختبار من جهة مجازاة الله. وكان أيوب في الأول يرجو أن أصحابه يقتنعون من كلامه ويعترفون ببرائته ولما فهم من خطبه أنهم لم يصدقوه صرخ بمرارة نفس «قَدْ أَبْعَدَ عَنِّي إِخْوَتِي» (19: 13) وفي خطابه الأخير ردّ على حججهم (ص 21).

1 - 6 «1 فَأَجَابَ أَلِيفَازُ ٱلتَّيْمَانِيُّ: 2 أَلَعَلَّ ٱلْحَكِيمَ يُجِيبُ عَنْ مَعْرِفَةٍ بَاطِلَةٍ وَيَمْلأُ بَطْنَهُ مِنْ رِيحٍ شَرْقِيَّةٍ، 3 فَيَحْتَجَّ بِكَلاَمٍ لاَ يُفِيدُ وَبِأَحَادِيثَ لاَ يَنْتَفِعُ بِهَا! 4 أَمَّا أَنْتَ فَتُنَافِي ٱلْمَخَافَةَ وَتُنَاقِضُ ٱلتَّقْوَى لَدَى ٱللّٰهِ. 5 لأَنَّ فَمَكَ يُذِيعُ إِثْمَكَ وَتَخْتَارُ لِسَانَ ٱلْمُحْتَالِينَ. 6 إِنَّ فَمَكَ يَسْتَذْنِبُكَ، لاَ أَنَا، وَشَفَتَاكَ تَشْهَدَانِ عَلَيْكَ».

انظر ص 6: 26 ص 22: 5 ص 5: 12 و13 ص 18: 7

تكلم أليفاز أولاً وفي بداءة كلامه وبخ أيوب على كلامه الباطل والمناقض للتقوى لدى الله وشبه كلام أيوب بالريح الشرقية لأنه شديد وبلا نفع ومما لا يليق بحكيم أن يتكلم به. ولعل أليفاز قد عتب على أيوب لأنه لم يقدم له الاعتبار الواجب لسنه ومقامه.

تُنَافِي ٱلْمَخَافَةَ (ع 4) أي مخافة الله بقوله (12: 6) «خِيَامُ ٱلْمُخَرِّبِينَ مُسْتَرِيحَةٌ، وَٱلَّذِينَ يُغِيظُونَ ٱللّٰهَ مُطْمَئِنُّونَ» فإذا كان الأمر كذلك لا شيء يمنع الناس من الشرور ولا شيء يحملهم على التقوى فكأن أيوب بكلامه هذا استذنب نفسه وليس من حاجة لمن يشهد عليه.

7 - 11 «7 أَصُوِّرْتَ أَوَّلَ ٱلنَّاسِ أَمْ أُبْدِئْتَ قَبْلَ ٱلتِّلاَلِ! 8 هَلْ أَصْغَيْتَ فِي مَجْلِسِ ٱللّٰهِ، أَوْ قَصَرْتَ ٱلْحِكْمَةَ عَلَى نَفْسِكَ! 9 مَاذَا تَعْرِفُهُ وَلاَ نَعْرِفُهُ نَحْنُ، وَمَاذَا تَفْهَمُ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَنَا؟ 10 عِنْدَنَا ٱلشَّيْخُ وَٱلأَشْيَبُ، أَكْبَرُ أَيَّاماً مِنْ أَبِيكَ. 11 أَقَلِيلَةٌ عِنْدَكَ تَعْزِيَاتُ ٱللّٰهِ وَٱلْكَلاَمُ مَعَكَ بِٱلرِّفْقِ!».

ص 38: 4 و21 ص 29: 4 ورومية 11: 34 ص 12: 3 و13: 2 ص 12: 12 و32: 6 و7 ص 5: 17 - 19 و36: 15 و16 ص 6: 10 و23: 12

أَصُوِّرْتَ أَوَّلَ ٱلنَّاسِ حسبوا أن الإنسان الأول كان أفضل خلائق الله لأنه خليقة جديدة وحكمته من الله لا من تعليم الناس. وربما أشار أليفاز إلى الحكم الإلهية التي قناها الرب «أَوَّلَ طَرِيقِهِ، مِنْ قَبْلِ أَعْمَالِهِ، مُنْذُ ٱلْقِدَمِ... مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقَرَّرَتِ ٱلْجِبَالُ، قَبْلَ ٱلتِّلاَلِ أُبْدِئْتُ» (أمثال 8: 22 - 25) كأن أليفاز قال لأيوب تهكماً أأنت حكمة الله.

هَلْ أَصْغَيْتَ فِي مَجْلِسِ ٱللّٰهِ (ع 8) أي هل كنت أنت سامعاً في ذلك المجلس حتى عرفت أكثر مما يعرفه كل بني البشر.

عِنْدَنَا ٱلشَّيْخُ (ع 10) أشار إلى نفسه والظاهر أن أليفاز كان أكبر سناً من أيوب ولعل قوله «أكبر من أبيك» مبالغة.

أَقَلِيلَةٌ عِنْدَكَ (ع 11) قول أليفاز أنه هو ورفيقه قدموا لأيوب تعزيات الله وتكلموا معه بالرفق وهو لم يقبل.

12 - 16 «12 لِمَاذَا يَأْخُذُكَ قَلْبُكَ، وَلِمَاذَا تَخْتَلِجُ عَيْنَاكَ 13 حَتَّى تَرُدَّ عَلَى ٱللّٰهِ وَتُخْرِجَ مِنْ فَمِكَ أَقْوَالاً؟ 14 مَنْ هُوَ ٱلإِنْسَانُ حَتَّى يَزْكُو أَوْ مَوْلُودُ ٱلْمَرْأَةِ حَتَّى يَتَبَرَّرَ؟ 15 هُوَذَا قِدِّيسُوهُ لاَ يَأْتَمِنُهُمْ، وَٱلسَّمَاوَاتُ غَيْرُ طَاهِرَةٍ بِعَيْنَيْهِ 16 فَبِٱلْحَرِيِّ مَكْرُوهٌ وَفَاسِدٌ ٱلإِنْسَانُ ٱلشَّارِبُ ٱلإِثْمَ كَٱلْمَاءِ!».

ص 11: 13 و36: 13 ص 14: 4 ص 25: 4 ص 5: 1 ص 25: 5 مزمور 14: 1 ص 34: 7

يَأْخُذُكَ قَلْبُكَ يجعلك قلبك الهائج على ما لا يجوز أن تقوله.

تَخْتَلِجُ عَيْنَاكَ علامة الاضطراب والغضب.

مَنْ هُوَ ٱلإِنْسَانُ (ع 14) أشار إلى كلامه السابق (4: 17).

قِدِّيسُوهُ (ع 15) الملائكة وهم أطهار ولكن ليس بالنسبة إلى قداسة الله.

وَٱلسَّمَاوَاتُ السموات المنظورة أي الفلك (خروج 24: 10 حزقيال 1: 22).

ٱلشَّارِبُ ٱلإِثْمَ كَٱلْمَاءِ (ع 16) قوله عن جنس الإنسان وليس عن أيوب فقط أي أن الإنسان يميل إلى الخطيئة كالعطشان إلى شرب الماء.

17 - 35 «17 أُبَيِّنُ لَكَ. ٱسْمَعْ لِي فَأُحَدِّثَ بِمَا رَأَيْتُهُ. 18 مَا أَخْبَرَ بِهِ حُكَمَاءُ عَنْ آبَائِهِمْ فَلَمْ يَكْتُمُوهُ. 19 ٱلَّذِينَ لَهُمْ وَحْدَهُمْ أُعْطِيَتِ ٱلأَرْضُ وَلَمْ يَعْبُرْ بَيْنَهُمْ غَرِيبٌ. 20 ٱلشِّرِّيرُ هُوَ يَتَلَوَّى كُلَّ أَيَّامِهِ وَكُلَّ عَدَدِ ٱلسِّنِينَ ٱلْمَعْدُودَةِ لِلْعَاتِي. 21 صَوْتُ رُعُوبٍ فِي أُذُنَيْهِ. فِي سَاعَةِ سَلاَمٍ يَأْتِيهِ ٱلْمُخَرِّبُ. 22 لاَ يَأْمُلُ ٱلرُّجُوعَ مِنَ ٱلظُّلْمَةِ وَهُوَ مُرْتَقَبٌ لِلسَّيْفِ. 23 تَائِهٌ هُوَ لأَجْلِ ٱلْخُبْزِ حَيْثُمَا يَجِدُهُ، وَيَعْلَمُ أَنَّ يَوْمَ ٱلظُّلْمَةِ مُهَيَّأٌ بَيْنَ يَدَيْهِ. 24 يُرْهِبُهُ ٱلضُّرُّ وَٱلضِّيقُ. يَتَجَبَّرَانِ عَلَيْهِ كَمَلِكٍ مُسْتَعِدٍّ لِلْوَغَى. 25 لأَنَّهُ مَدَّ عَلَى ٱللّٰهِ يَدَهُ، وَعَلَى ٱلْقَدِيرِ تَجَبَّرَ 26 هَاجِماً عَلَيْهِ، مُتَصَلِّبُ ٱلْعُنُقِ بِتُرُوسِهِ ٱلْغَلِيظَةِ. 27 لأَنَّهُ قَدْ كَسَا وَجْهَهُ سَمْناً وَرَبَّى شَحْماً عَلَى كُلْيَتَيْهِ 28 فَيَسْكُنُ مُدُناً خَرِبَةً، بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ عَتِيدَةً أَنْ تَصِيرَ رُجَماً. 29 لاَ يَسْتَغْنِي وَلاَ تَثْبُتُ ثَرْوَتُهُ وَلاَ يَمْتَدُّ فِي ٱلأَرْضِ مُقْتَنَاهُ. 30 لاَ تَزُولُ عَنْهُ ٱلظُّلْمَةُ. أَغْصَانُهُ تُيَبِّسُهَا ٱلسُّمُومُ، وَبِنَفْخَةِ فَمِهِ يَزُولُ. 31 لاَ يَتَّكِلْ عَلَى ٱلسُّوءِ. يَضِلُّ. لأَنَّ ٱلسُّوءَ يَكُونُ أُجْرَتَهُ. 32 قَبْلَ يَوْمِهِ يُتَوَفَّى، وَسَعَفُهُ لاَ يَخْضَرُّ. 33 يُسَاقِطُ كَٱلْكَرْمَةِ حِصْرِمَهُ، وَيَنْثُرُ كَٱلزَّيْتُونِ زَهْرُهُ. 34 لأَنَّ جَمَاعَةَ ٱلْفُجَّارِ عَاقِرٌ، وَٱلنَّارُ تَأْكُلُ خِيَامَ ٱلرَّشْوَةِ. 35 حَبِلَ شَقَاوَةً وَوَلَدَ إِثْماً، وَبَطْنُهُ أَنْشَأَ غِشّاً».

ص 8: 8 و20: 4 ص 24: 1 و27: 13 ع 24 وص 8: 11 و20: 25 و24: 17 و27: 20 ص 20: 21 و1تسالونيكي 5: 3 ع 30 ص 19: 29 و27: 14 و33: 18 و36: 12 ع 22 و30 ص 36: 9 مزمور 17: 10 و73: 7 و119: 70 ص 3: 14 وإشعياء 5: 8 و9 ص 27: 16 و17 ع 22 وانظر 5: 14 ع 34 وص 20: 26 و22: 20 و31: 12 ص 4: 9 ص 35: 13 وإشعياء 59: 4 ص 22: 16 وجامعة 7: 17 ص 18: 16 ص 14: 2 انظر ص 8: 13 انظر ص 8: 22 مزمور 7: 14 وإشعياء 59: 4

في الباقي من خطابه ذكر مبادئ أيوب التي تنافي مخافة الله وتناقض التقوى لدى الله (ع 4) ومن هذه المبادئ قول أيوب (9: 22) إن «ٱلْكَامِلَ وَٱلشِّرِّيرَ هُوَ يُفْنِيهِمَا الخ» و(12: 6) «خِيَامُ ٱلْمُخَرِّبِينَ مُسْتَرِيحَةٌ الخ».

أُبَيِّنُ لَكَ (اوحي إليك) تكلم كأنه أفضل من أيوب وفي منزلة معلم له.

(ع 18 و19) قيل إن العرب يفتخرون في ثلاثة أشياء لسانهم وسيفهم ونسبهم وأشار أليفاز إلى القدماء الشرفاء الذين لهم نسب ولم يختلطوا مع الغرباء وحسب رأيه كل تعليم جديد وكل ما يأتي من غريب هو تعليم فاسد.

يَتَلَوَّى (ع 20) بالأوجاع كالوالدة وأوجاع الشرير هي من ضميره ما عدا مصائب جسدية تصيبه عقاباً لخطاياه. وقول أليفاز هذا هو قول عقلي وعلمي وليس مبنياً على الاختبار لأن الأشرار كما قال أيوب (12: 6) أحياناً يستريحون ولا ينتبهون ولا يخافون.

ٱلظُّلْمَةِ (ع 22) هي البلايا فالشرير يتوقعها ولا يرجو الخلاص منها.

تَائِهٌ (ع 23) تصور الشرير أنه يخسر كل أملاكه ويوم الظلمة مهيأ له وهو قريب منه وفي وقت غير منتظر يأتيه.

بِتُرُوسِهِ ٱلْغَلِيظَةِ (بأوقاف مجانهِ) (ع 26) أوقاف المجان ما يستدير بحافة الترس من قرن أو حديد وشبهه والمجان جمع مجن وهو الترس والمجان هنا هي مجان الشرير التي بها يقاوم الله.

سَمْناً (ع 27) منسوب للأشرار (تثنية 32: 15 ومزمور 73: 7) ويشير بهذا إلى الذين ينالون خيرات الله بالكثرة بلا شكر وتتسلط عليهم الشهوات الحيوانية.

مُدُناً خَرِبَةً (ع 28) لعله أشار إلى مدن محرمة كأريحا (يشوع 6: 26 و1ملوك 16: 34) وإن من يبنيها ويسكنها يزدري بالله.

ٱلظُّلْمَةُ (ع 30) هي البلايا كما في (ع 23) والسموم الريح الحارة ونفخة فمه نفخة فم الله كما في (4: 9) وقصد أليفاز أن يبين أن الشرير وإن استغنى وسمن وتقوّى لا ينجو من عقاب شروره.

ٱلسُّوءِ (ع 31) معنى السوء في الجملة الأولى الإثم وفي الجملة الثانية البلايا أي البلايا أجرة الإثم. قال في خطابه الأول (4: 8) الزارعون شقاوة يحصدونها والسوء أي الإثم يضل الإنسان فليس للشرير أن يظن أنه ينجح بواسطة أعماله الشريرة.

قَبْلَ يَوْمِهِ يُتَوَفَّى (ع 32) (22: 16 ومزمور 55: 23) لا يكمل الأجل الطبيعي. المعين لحياة الإنسان.

عَاقِرٌ (ع 34) من جهة كل خير وبركة فلم يلد إلا الشقاوة والإثم. والرشوة كناية عن كل أنواع الظلم. وغاية أليفاز بكلامه عن الشرير أن يحذّر أيوب من عواقب خطاياه ليتركها ويرجع إلى الطاعة والخضوع الله.

فوائد

  1. إن المحاجة بالكلام الذي لا يفيد تضّر المتكلم والحق.

  2. إن الجفاء في المحاجة دليل على وهن الحجة.

  3. يجب أن لا نحسد الشرير لأنه يتعذب من توبيخ ضميره ويخاف عقاب أعماله ويفقد الحياة الروحية وجميع أفراحها.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ عَشَرَ

مضمون هذا الأصحاح والأصحاح السابع عشر جواب أيوب لأليفاز.

كان أيوب أصرّ على براءته وطلب من الله أن يعلمه ذنبه إذا وجد فيه ذنباً وأما الله فحجب وجهه عنه وحسب أليفاز أن عدم جواب الله برهان على خطيئة أيوب وإن استئناف أيوب لدعواه إلى الله حيلة «تَخْتَارُ لِسَانَ ٱلْمُحْتَالِينَ» (15: 5) فرأى أيوب أن الله والناس قد تركوه فاستصعب هذا الأمر جداً نظراً لما كان له من المحبة والاعتبار فلم يبقَ له إلا التمسك ببراءته وبما أنه انقطع رجاؤه بالبراءة في حياته طلب من الأرض أن لا تغطي دمه (ع 18) ومن الله أن يكون ضامنه (17: 3) لكي تظهر براءته بعد موته.

1 - 5 «1 فَقَالَ أَيُّوبُ: 2 قَدْ سَمِعْتُ كَثِيراً مِثْلَ هٰذَا. مُعَزُّونَ مُتْعِبُونَ كُلُّكُمْ! 3 هَلْ مِنْ نِهَايَةٍ لِكَلاَمٍ فَارِغٍ. أَوْ مَاذَا يُهَيِّجُكَ حَتَّى تُجَاوِبَ؟ 4 أَنَا أَيْضاً أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَكَلَّمَ مِثْلَكُمْ لَوْ كَانَتْ أَنْفُسُكُمْ مَكَانَ نَفْسِي، وَأَنْ أَسْرُدَ عَلَيْكُمْ أَقْوَالاً وَأَهُزَّ رَأْسِي إِلَيْكُمْ. 5 بَلْ كُنْتُ أُشَدِّدُكُمْ بِفَمِي، وَتَعْزِيَةُ شَفَتَيَّ تُمْسِكُكُمْ».

ص 13: 4 و21: 34 ص 6: 26 مزمور 22: 7 و109: 25 وصفنيا 2: 15 ومتّى 27: 39

قال أيوب أنه ملّ من كلام أصدقائه الفارغ وكانوا معزين متعبين لأنهم بكلامهم زادوا على أتعابه أتعاباً وطلب منهم أن يصمتوا (13: 5) ولكنهم استمروا يتكلمون بنفس الكلام. وقال أيوب أنه يقدر أن يتكلم عليهم لو كانوا في حالته ويعزيهم ما عزوه بكلام فارغ أي كلام الفم والشفتين وليس من القلب. غير أن بعضهم يعتقدون أن معنى أيوب أنه لو كانوا في حالته كان عزاهم تعزية حقيقية ترضيهم وكان «رفق بهم» (الترجمة اليسوعية).

أَسْرُدَ عَلَيْكُمْ أَقْوَالاً (ع 4) أي أُجيد سياقها.

6 - 17 «6 إِنْ تَكَلَّمْتُ لَمْ تَمْتَنِعْ كَآبَتِي. وَإِنْ سَكَتُّ فَمَاذَا يَذْهَبُ عَنِّي؟ 7 إِنَّهُ ٱلآنَ ضَجَّرَنِي. خَرَّبْتَ كُلَّ جَمَاعَتِي. 8 قَبَضْتَ عَلَيَّ. وُجِدَ شَاهِدٌ. قَامَ عَلَيَّ هُزَالِي يُجَاوِبُ فِي وَجْهِي. 9 غَضَبُهُ ٱفْتَرَسَنِي وَٱضْطَهَدَنِي. حَرَّقَ عَلَيَّ أَسْنَانَهُ. عَدُوِّي يُحَدِّدُ عَيْنَيْهِ عَلَيَّ. 10 فَغَرُوا عَلَيَّ أَفْوَاهَهُمْ. لَطَمُونِي عَلَى فَكِّي تَعْيِيراً. تَعَاوَنُوا عَلَيَّ جَمِيعاً. 11 دَفَعَنِيَ ٱللّٰهُ إِلَى ٱلظَّالِمِ، وَفِي أَيْدِي ٱلأَشْرَارِ طَرَحَنِي. 12 كُنْتُ مُسْتَرِيحاً فَزَعْزَعَنِي، وَأَمْسَكَ بِقَفَايَ فَحَطَّمَنِي، وَنَصَبَنِي لَهُ هَدَفاً. 13 أَحَاطَتْ بِي رُمَاةُ سِهَامِهِ. شَقَّ كُلْيَتَيَّ وَلَمْ يُشْفِقْ. سَفَكَ مَرَارَتِي عَلَى ٱلأَرْضِ. 14 يَقْتَحِمُنِي ٱقْتِحَاماً عَلَى ٱقْتِحَامٍ. يَهْجِمُ عَلَيَّ كَجَبَّارٍ. 15 خِطْتُ مِسْحاً عَلَى جِلْدِي وَدَسَسْتُ فِي ٱلتُّرَابِ قَرْنِي. 16 اِحْمَرَّ وَجْهِي مِنَ ٱلْبُكَاءِ، وَعَلَى هُدْبِي ظِلُّ ٱلْمَوْتِ. 17 مَعَ أَنَّهُ لاَ ظُلْمَ فِي يَدِي وَصَلاَتِي خَالِصَةٌ».

ص 9: 27 و28 ص 7: 3 ع 20 وص 19: 13 - 15 ص 10: 17 ص 19: 20 ومزمور 109: 24 ص 19: 11 وهوشع 6: 1 مزمور 35: 16 ومراثي 2: 16 وأعمال 7: 54 ص 13: 24 و33: 10 مزمور 22: 13 إشعياء 50: 6 ومراثي 3: 30 وأعمال 23: 2 ص 30: 12 ومزمور 35: 15 انظر ص 9: 17 ص 7: 20 ومراثي 3: 12 ص 6: 4 و19: 12 و25: 3 ص 2: 25 ص 9: 17 يوئيل 2: 7 ص 2: 8 وتكوين 37: 34 ومزمور 69: 11 الخ ص 19: 9 ومراثي 2: 3 ع 20 ص 24: 17 إشعياء 59: 6 ويونان 3: 8 ص 27: 4

وجد أيوب أن أصحابه لم يقنعهم كلامه ولا تأثروا من سكوته والكلام الآتي هو كخطاب لنفسه.

ضَجَّرَنِي (ع 7) أي الله ضجّره.

خَرَّبْتَ يخاطب الله.

جَمَاعَتِي أصدقاؤه الثلاثة وجميع أصحابه وأقاربه (19: 13 الخ).

قَبَضْتَ عَلَيَّ الله قبض عليه بمصائبه ومرضه هو الشاهد عليه وهزاله جاوب في وجهه أنه خاطئ ورفضه الله.

غَضَبُهُ ٱفْتَرَسَنِي (ع 9) شبه غضب الله بوحش مفترس (10: 16) فنرى في كلام أيوب تأثير الشيطان الذي قصد أن يحمله على التجديف على الله (2: 5) فشبه إله المحبة بعدوّ والقدوس بوحش مفترس. وغرق أيوب وقتياً في بالوعة اليأس.

فَغَرُوا عَلَيَّ أَفْوَاهَهُمْ (ع 10) ذكر جميع مقاوميه وليس أصحابه الثلاثة فقط.

إن الأوباش عيروه وأهانوه وفرحوا بسقوطه لأنهم أحبوا أن يكون كواحد منهم فلا يُخجلهم بعد بسلوكه الكامل. والله هو الذي كان دفعه لأيديهم.

أَمْسَكَ بِقَفَايَ (ع 12) على غير انتظار أتته مصائبه.

رُمَاةُ سِهَامِهِ (ع 13) رماة الله وهم الذين أجروا مقاصده كالسبئيين والكلدانيين. والكليتان والمرارة من أعضاء الجسد الداخلية فكأن سهام الرماة خرقت ووصلت إلى مركز الحياة.

يَقْتَحِمُنِي (ع 14) كهجوم على قلعة أو مدينة محصنة اقتحاماً على اقتحام حتى تسقط.

خِطْتُ مِسْحاً (ع 15) المِسح كساء من شعر أسود وهو علامة الحزن وأيوب خاطه على جلده لأنه صار له لباسه الدائم.

قَرْنِي القرن علامة الرفعة (مزمور 75: 4 و5) ودسّ القرن في التراب علامة الذل والانحطاط.

ٱلْبُكَاءِ (ع 16) انظر قوله في (17: 7) «كَلَّتْ عَيْنِي مِنَ ٱلْحُزْنِ».

ظِلُّ ٱلْمَوْتِ كلال العينين من البكاء ومن ضعف جسمه العمومي دلالة على الانحلال.

لاَ ظُلْمَ فِي يَدِي (ع 17) لم يخطئ أيوب كما ظن أصدقاؤه في الطمع وظلم الفقراء. وصلاته خالصة لأنه اقترب إلى الله بنية مُخلصة ويدين طاهرتين.

18 - 22 «18 يَا أَرْضُ لاَ تُغَطِّي دَمِي، وَلاَ يَكُنْ مَكَانٌ لِصُرَاخِي. 19 أَيْضاً ٱلآنَ هُوَذَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ شَهِيدِي وَشَاهِدِي فِي ٱلأَعَالِي. 20 ٱلْمُسْتَهْزِئُونَ بِي هُمْ أَصْحَابِي. لِلّٰهِ تَقْطُرُ عَيْنِي 21 لِكَيْ يُحَاكِمَ ٱلإِنْسَانَ عِنْدَ ٱللّٰهِ كَٱبْنِ آدَمَ لَدَى صَاحِبِهِ. 22 إِذَا مَضَتْ سِنُونَ قَلِيلَةٌ أَسْلُكُ فِي طَرِيقٍ لاَ أَعُودُ مِنْهَا».

ص 19: 25 - 27 وتكوين 31: 50 وفيلبي 1: 8 ص 31: 2 انظر ع 7 ص 17: 7 انظر ص 3: 13

كان أيوب في ص 10 قابل جودة الله له في أول حياته بغضبه عليه في الزمان الحاضر وظن أن جودة الله السابقة كانت بالظاهر فقط وإن الله كتم في قلبه هلاكه (10: 13) ثم خطر في باله فكر آخر (14: 13 الخ) وهو إن غضب الله ينصر فيشتاق إلى عمل يده ويدعوه فيجيبه. ورأى أيوب إن شفاء مرضه مستحيل وإن لا بد من موته ولكن الموت على هذا النوع يكون دليلاً على أن الله قد رفضه فيحتقره الناس ويشمئزون منه فكَرِهَ ذلك كل الكراهة ولم يسلّم أن الله يعامل عبده البريء هكذا ولا يبرئه إلى الأبد فرجاؤه أن تبرئته تكون بعد موته.

دَمِي هذا كلام مجازي وليس من سفك دم حقيقي كدم هابيل. واستدعى الأرض لتطلب من الله تبرئته كي لا يكون موته كموت مذنب (إشعياء 26: 21 وحزقيال 24: 7 و8) إن الدم غير المغطى يصرخ إلى الله ويطلب النقمة.

وَلاَ يَكُنْ مَكَانٌ لِصُرَاخِي مكان ليستريح فيه أي لا ينتهي الصراخ حتى ينظر الله إليه.

شَهِيدِي وَشَاهِدِي (ع 19) الكلمة الأصلية المترجمة بشهيدي كلمة عبرانية والمترجمة بشاهدي كلمة آرامية (تكوين 31: 47) وباللغة العربية الشهيد هو الشاهد الأمين في شهادته ومن يؤثر القتل على ترك إيمانه. وقال أيوب إن الله شهيده أي إنه يعرف برائته وسيشهد له ويثبت براءته. وطلب من الرب أن يبرره سريعاً لأن السنين الباقية له في هذا العالم قليلة.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ عَشَرَ

تكملة جواب أيوب لأليفاز.

1 - 9 «1 رُوحِي تَلِفَتْ. أَيَّامِي ٱنْطَفَأَتْ. إِنَّمَا ٱلْقُبُورُ لِي. 2 لَوْلاَ ٱلْمُخَاتِلُونَ عِنْدِي وَعَيْنِي تَبِيتُ عَلَى مُشَاجَرَاتِهِمْ. 3 كُنْ ضَامِنِي عِنْدَ نَفْسِكَ. مَنْ هُوَ ٱلَّذِي يُصَفِّقُ يَدِي؟ 4 لأَنَّكَ مَنَعْتَ قَلْبَهُمْ عَنِ ٱلْفِطْنَةِ. لأَجْلِ ذٰلِكَ لاَ تَرْفَعُهُمُ. 5 ٱلَّذِي يُسَلِّمُ ٱلأَصْحَابَ لِلسَّلْبِ تَتْلَفُ عُيُونُ بَنِيهِ. 6 أَوْقَفَنِي مَثَلاً لِلشُّعُوبِ وَصِرْتُ لِلْبَصْقِ فِي ٱلْوَجْهِ. 7 كَلَّتْ عَيْنِي مِنَ ٱلْحُزْنِ وَأَعْضَائِي كُلُّهَا كَٱلظِّلِّ. 8 يَتَعَجَّبُ ٱلْمُسْتَقِيمُونَ مِنْ هٰذَا وَٱلْبَرِيءُ يَقُومُ عَلَى ٱلْفَاجِرِ. 9 أَمَّا ٱلصِّدِّيقُ فَيَسْتَمْسِكُ بِطَرِيقِهِ وَٱلطَّاهِرُ ٱلْيَدَيْنِ يَزْدَادُ قُوَّةً».

ع 6 وص 12: 4 ومزمور 88: 3 و4 مزمور 119: 122 وإشعياء 38: 14 انظر ص 12: 20 لاويين 19: 13 و16 ص 11: 20 ع 2 ص 3: 10 ص 16: 16 ص 16: 8 ص 22: 19 أمثال 4: 18 ص 22: 30 و31: 7

رُوحِي حياته الجسدية. والجمع «قبور» بمعنى مكان القبور أي المقبرة.

لَوْلاَ ٱلْمُخَاتِلُونَ عِنْدِي (ع 2) جملة غير كاملة ولعل المعنى لولا المخاتلون عندي كانت عيني تبيت مستريحة وأما الآن فعلى مشاجراتكم. وإن أصحاب أيوب مخاتلين لأنهم وعدوه بطول حياته والرجوع إلى الله إذا تاب واعترف بخطيئته. ومشاجراتهم هي مقاومتهم لأيوب وللحق.

كُنْ ضَامِنِي (ع 3) طلب أيوب من الله أن يبرره في المستقبل ويكون ضامنه بذلك في الزمان الحاضر. وهنا تلميح إلى الأقنوم الثاني في اللاهوت لأن أيوب طلب من الله أن يكون ضامنه عند الله (عبرانيين 7: 22) «صَارَ يَسُوعُ ضَامِناً لِعَهْدٍ أَفْضَلَ».

يُصَفِّقُ يَدِي يكون ضامني ما في الجملة السابقة (أمثال 6: 1) «يَا ٱبْنِي، إِنْ ضَمِنْتَ صَاحِبَكَ، إِنْ صَفَّقْتَ كَفَّكَ لِغَرِيبٍ».

لأَنَّكَ مَنَعْتَ (ع 4) هذا جواب سؤال أيوب أي أن أصحابه لا يضمنونه لأن الله منعهم عن الفطنة «ولكنه يعطيها لكل من يطلبها بنية مخلصة» (يعقوب 1: 5).

لاَ تَرْفَعُهُمُ لا تقبلهم (42: 7 و8).

ٱلَّذِي يُسَلِّمُ ٱلأَصْحَابَ (ع 5) ملحوظة عمومية وأشار بها خصوصاً إلى أصدقائه الذين سلموا صاحبهم أيوب للتعيير والاحتقار كأنهم سلبوا صيته.

أَوْقَفَنِي (ع 6) الله أوقفه.

مَثَلاً لِلشُّعُوبِ ذاع خبر مصائبه بين جميع الناس ففهموا منها إن الله رفضه بسبب خطاياه.

كَٱلظِّلِّ (ع 7) من الهزال.

ٱلْمُسْتَقِيمُونَ (ع 8) كان يرجو أنهم يتحزبون له عندما يسمعون خبره وينتهض البريء على الفاجر.

أَمَّا ٱلصِّدِّيقُ (ع 9) يتمسك بطريقه وإن كان الأشرار ينجحون والأبرار يتعبون وإن كان لا يفهم معاملة الله له ويزداد أيضاً قوة بواسطة امتحان إيمانه. وليس في أقوال أيوب قول واضح وأعلى من هذا يشير إلى إيمانه الثابت بالله وهو ظهور الشمس لحظة من الزمان في يوم غائم وماطر.

10 - 16 «10 وَلٰكِنِ ٱرْجِعُوا كُلُّكُمْ وَتَعَالَوْا فَلاَ أَجِدُ فِيكُمْ حَكِيماً. 11 أَيَّامِي قَدْ عَبَرَتْ. مَقَاصِدِي، إِرْثُ قَلْبِي قَدِ ٱنْتَزَعَتْ. 12 يَجْعَلُونَ ٱللَّيْلَ نَهَاراً، نُوراً قَرِيباً لِلظُّلْمَةِ. 13 إِذَا رَجَوْتُ ٱلْهَاوِيَةَ بَيْتاً لِي وَفِي ٱلظَّلاَمِ مَهَّدْتُ فِرَاشِي، 14 وَقُلْتُ لِلْقَبْرِ: أَنْتَ أَبِي وَلِلدُّودِ: أَنْتَ أُمِّي وَأُخْتِي 15 فَأَيْنَ إِذاً آمَالِي؟ آمَالِي مَنْ يُعَايِنُهَا! 16 تَهْبِطُ إِلَى مَغَالِيقِ ٱلْهَاوِيَةِ إِذْ تَرْتَاحُ مَعاً فِي ٱلتُّرَابِ».

ص 12: 2 انظر 7: 6 انظر ص 3: 13 ص 7: 5 و13: 28 و30: 18 و30 ص 21: 26 و25: 6 انظر ص 7: 6 ص 3: 17 و21: 33

ٱرْجِعُوا كُلُّكُمْ لم يرجُ أن أصحابه يفيدونه بشيء وإن رجعوا إلى الكلام.

أَيَّامِي قَدْ عَبَرَتْ (ع 11) انقطع رجاؤه في الحياة وانتزعت مقاصده وهي إرث قلبه أي مقاصد خارجة من قلبه وهي عزيزة كأملاك موروثة من الآباء.

يَجْعَلُونَ ٱللَّيْلَ نَهَاراً (ع 12) حاول أصحابه أن يجعلوا ليل الضيقات نهار فرح وبأقوالهم الكاذبة وعدوهُ بأن النور قريب للظلمة التي هو فيها أي إن الفرج يأتيه عن قريب.

فَأَيْنَ إِذاً آمَالِي (ع 15) كرّر لفظة آمالي للتشديد فإن آمال أيوب ليست كآمال أصحابه فإن آمالهم أنه يرجع إلى الله بالتوبة فيرجع الله إليه ويشفيه ويرد له الخيرات التي خسرها وأما آمال أيوب فليست إلا الهاوية والظلام.

مَنْ يُعَايِنُهَا من يعاين الخيرات التي وعده أصحابه بها أي إن هذه المواعيد لا تنجز أبداً.

تَهْبِطُ إِلَى مَغَالِيقِ ٱلْهَاوِيَةِ (ع 16) مغاليق أبواب الهاوية التي منها يدخل كل بشر ولا يرجع أحدٌ منها فآمال أصحاب أيوب الكاذبة تكون للعدم كإنسان نزل إلى الهاوية ولا يمكن أن يصعد.

تَرْتَاحُ مَعاً في الترجمة السبعينية ما معناه «تنزل معي إلى التراب».

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ عَشَرَ

مضمونه خطاب بلدد الثاني وبه يعترض أولاً على أيوب لكثرة كلامه المضل ولكبريائه وعدم اعتباره لأصحابه ثم يصور بألفاظ لاذعة نكبات الشرير ويلمح إلى أن أيوب هو الشرير الذي يستحق هذه النكبات الهائلة. وفي كلامه لا شيء من الرحمة والشفقة كأنه سرّ بمصائب غيره. ونرى في كلام أيوب تقدماً من الظلمة نحو النور وأما في خُطب أصحابه فنرى فيها زيادة القساوة والغيظ.

1 - 4 «1 فَأَجَابَ بِلْدَدُ ٱلشُّوحِيُّ: 2 إِلَى مَتَى تَضَعُونَ أَشْرَاكاً لِلْكَلاَمِ؟ تَعَقَّلُوا وَبَعْدُ نَتَكَلَّمُ. 3 لِمَاذَا حُسِبْنَا كَٱلْبَهِيمَةِ وَتَنَجَّسْنَا فِي عُيُونِكُمْ؟ 4 يَا أَيُّهَا ٱلْمُفْتَرِسُ نَفْسَهُ فِي غَيْظِهِ، هَلْ لأَجْلِكَ تُخْلَى ٱلأَرْضُ، أَوْ يُزَحْزَحُ ٱلصَّخْرُ مِنْ مَكَانِهِ؟».

مزمور 73: 22

أَشْرَاكاً لِلْكَلاَمِ نسب إلى أيوب الحيل والإبهام وإنه كان يقصد بها أن يضل السامعين ولعل أصحاب أيوب لم يفهموا كلامه كله لأن أفكاره كانت فائقة اختبارهم وعقولهم.

تَعَقَّلُوا طلب من أيوب أن يضبط نفسه وذكر الأمر بصيغة الجمع «تعقلوا» ولعله أشار بهذا إلى قول أيوب (17: 8) لأن أيوب كان ادّعى أن جميع المستقيمين من حزبه فطلب بلدد منه ومنهم أن يتعقلوا.

كَٱلْبَهِيمَةِ (ع 3) أشار إلى قول أيوب «مَنَعْتَ قَلْبَهُمْ عَنِ ٱلْفِطْنَةِ» (17: 4) وقوله «ٱلطَّاهِرُ ٱلْيَدَيْنِ» (17: 9) كأن أصحابه كانوا نجسين.

ٱلْمُفْتَرِسُ نَفْسَهُ (ع 4) أيوب افترس نفسه بغيظه وعدم تسليمه لله ولم يفترسه الله كما قال (16: 9).

هَلْ لأَجْلِكَ تُخْلَى ٱلأَرْضُ (انظر إشعياء 45: 18) «لَمْ يَخْلُقْهَا بَاطِلاً. لِلسَّكَنِ صَوَّرَهَا» فلا تخلى لأجل أيوب.

أَوْ يُزَحْزَحُ ٱلصَّخْرُ كناية عن أمر مستحيل أي إلغاء نواميس الكون وأشار إلى قول أيوب «يَا أَرْضُ لاَ تُغَطِّي دَمِي» (16: 18).

5 - 11 «5 نَعَمْ! نُورُ ٱلأَشْرَارِ يَنْطَفِئُ وَلاَ يُضِيءُ لَهِيبُ نَارِهِ. 6 ٱلنُّورُ يُظْلِمُ فِي خَيْمَتِهِ، وَسِرَاجُهُ فَوْقَهُ يَنْطَفِئُ. 7 تَقْصُرُ خَطَوَاتُ قُوَّتِهِ وَتَصْرَعُهُ مَشُورَتُهُ. 8 لأَنَّ رِجْلَيْهِ تَدْفَعَانِهِ فِي ٱلْفَخِّ فَيَمْشِي إِلَى شَبَكَةٍ. 9 يُمْسِكُ ٱلْفَخُّ بِعَقِبِهِ وَتَتَمَكَّنُ مِنْهُ ٱلشَّرَكُ. 10 حَبْلٌ مَطْمُورٌ لَهُ فِي ٱلأَرْضِ، وَمِصْيَدَتُهُ فِي ٱلسَّبِيلِ. 11 تُرْهِبُهُ أَهْوَالٌ مِنْ حَوْلِهِ وَتَذْعَرُهُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ».

ص 21: 17 وأمثال 13: 9 و20: 20 و24: 20 ص 12: 25 ص 15: 6 ص 22: 10 ومزمور 9: 15 و35: 8 وإشعياء 24: 17 و18 انظر ص 15: 21 ع 18 وص 20: 8

نَعَمْ على رغم أقوال أيوب بقيت نواميس الكون وينطفي النور في بيت الأشرار وتهمد النار في موقدهم أي يخرب بيتهم.

وَسِرَاجُهُ فَوْقَهُ (ع 6) سراج معلق أو موضوع في مكان عال في الخيمة (29: 3).

تَقْصُرُ خَطَوَاتُ (ع 7) الحزين والضعيف يقصر خطواته كما أن القوي والفرحان يوسعها والمشورة التي تمسك الشرير بها تصرعه أو تضايقه والقول «رِجْلَيْهِ تَدْفَعَانِهِ فِي ٱلْفَخِّ الخ» (ع 8) يفيد نفس المعنى أي أنه من جهله وشروره يتقدم إلى ما يضر نفسه.

تُرْهِبُهُ (ع 11) لم ينتبه إلى حالته في الأول ولكنه ينتبه بعدما يكون قد أُمسك.

تَذْعَرُهُ عِنْدَ رِجْلَيْه تلحقه الأهوال عند رجليه وهو هارب منها.

12 - 15 «12 تَكُونُ قُوَّتُهُ جَائِعَةً وَٱلْبَوَارُ مُهَيَّأٌ بِجَانِبِهِ. 13 يَأْكُلُ أَعْضَاءَ جَسَدِهِ. يَأْكُلُ أَعْضَاءَهُ بِكْرُ ٱلْمَوْتِ. 14 يَنْقَطِعُ عَنْ خَيْمَتِهِ، عَنِ ٱعْتِمَادِهِ، وَيُسَاقُ إِلَى مَلِكِ ٱلأَهْوَالِ. 15 يَسْكُنُ فِي خَيْمَتِهِ مَنْ لَيْسَ لَهُ. يُذَرُّ عَلَى مَرْبِضِهِ كِبْرِيتٌ».

إشعياء 8: 21 زكريا 14: 12 ع 6 انظر ص 8: 22 و27: 18 انظر ص 15: 21 مزمور 11: 6

قُوَّتُهُ جَائِعَةً تضعف قوته كما يضعف إنسان من عدم الطعام.

بِكْرُ ٱلْمَوْتِ (ع 13) البكر من الأولاد هو أقواهم ورئيسهم والذي وُلد أولاً وله نصيب اثنين في الميراث ويخلف أباه (تكوين 49: 3 وتثنية 21: 17) وفي (إشعياء 14: 30) أبكار المساكين هم أشدهم فقراً وبكر الموت هنا أقوى الأمراض المميتة.

يَنْقَطِعُ عَنْ خَيْمَتِهِ الخ (ع 14) يؤخذ بعنف من مسكنه الذي كان عليه اعتماده أي كان رجاؤه أنه يسكن فيه مطمئناً كل أيامه ويُساق كمذنب إلى الحاكم. وملك الأهوال هو الموت لأن الموت أعظم الأهوال (عبرانيين 2: 15) «ٱلَّذِينَ خَوْفاً مِنَ ٱلْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ ٱلْعُبُودِيَّةِ».

مَنْ لَيْسَ لَهُ (ع 15) لا يكون له بنون يسكنون في خيمته بعد موته. وإذا لم تكن خيمته للغرباء يُذر عليها كبريت كما حصل لسدوم وعمورة فعلى كل الأحوال ينقطع عنها.

16 - 21 «16 مِنْ تَحْتُ تَيْبَسُ أُصُولُهُ وَمِنْ فَوْقُ يُقْطَعُ فَرْعُهُ. 17 ذِكْرُهُ يَبِيدُ مِنَ ٱلأَرْضِ، وَلاَ ٱسْمَ لَهُ عَلَى وَجْهِ ٱلْبَرِّ. 18 يُدْفَعُ مِنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلْمَةِ، وَمِنَ ٱلْمَسْكُونَةِ يُطْرَدُ. 19 لاَ نَسْلَ وَلاَ ذُرِّيَّةَ لَهُ بَيْنَ شَعْبِهِ، وَلاَ بَاقٍ فِي مَنَازِلِهِ. 20 يَتَعَجَّبُ مِنْ يَوْمِهِ ٱلْمُتَأَخِّرُونَ وَيَقْشَعِرُّ ٱلأَقْدَمُونَ. 21 إِنَّمَا تِلْكَ مَسَاكِنُ فَاعِلِي ٱلشَّرِّ، وَهٰذَا مَقَامُ مَنْ لاَ يَعْرِفُ ٱللّٰهَ».

إشعياء 5: 24 وهوشع 9: 16 وعاموس 2: 9 وملاخي 4: 1 ص 15: 30 و32 ص 24: 20 ومزمور 34: 16 وأمثال 10: 7 إشعياء 8: 21 و15: 30 و20: 8 انظر ص 5: 14 ص 27: 21 - 23 ص 27: 14 و15 وإشعياء 14: 22 مزمور 37: 13 وإرميا 50: 27 وعوبديا 12 ص 21: 28

مِنْ تَحْتُ تَيْبَسُ أُصُولُهُ البيت مشبه بشجرة لها فروع من فوق وأصول من تحت أي من فوق رئيس البيت وأولاده وأحفاده وأصهاره ونساؤه ومن تحت كل ما استندوا عليه كالأملاك والصحة والأمان فينقطع الكل من فوق ومن تحت (8: 11 الخ).

مِنَ ٱلنُّورِ (ع 18) من نور الحياة إلى ظلمة الموت.

يُطْرَدُ إشارة إلى نوع موته فلا ينتقل بسلام بل يُطرد كمذنب ويُقتل لأجل خطاياه ويُدفن بلا كرامة.

يَتَعَجَّبُ مِنْ يَوْمِهِ (ع 20) يوم سقوطه.

ٱلْمُتَأَخِّرُونَ... ٱلأَقْدَمُونَ المتأخرون هم الذين يكونون بعد أيام الشرير المذكور في المستقبل البعيد والأقدمون هم الذين يكونون في المستقبل القريب أي جميع الناس في كل الأجيال القادمة. وفي الترجمة اليسوعية «فتندهش من يومه المغارب وتقشعر المشارق» وهذا ما عنته الترجمة السبعينية ومفسرون كثيرون.

وَهٰذَا مَقَامُ مَنْ لاَ يَعْرِفُ ٱللّٰهَ (ع 21) لمّح إلى أيوب وإلى قول أيوب «أَوْقَفَنِي مَثَلاً لِلشُّعُوبِ» (17: 6). وقول بلدد القاسي لأيوب «صح قولك لأنك صرت مثلاً للشعوب».

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ عَشَرَ

مضمونه جواب أيوب لبلدد.

صوّر بلدد في خطابه الشرير وعاقبة شروره وجعل كلامه على هيئة توافق أيوب ولم يقل صريحاً إن أيوب هو الشرير (انظر قوله في 18: 13) «يَأْكُلُ أَعْضَاءَ جَسَدِهِ» أي مرض البرص. والكبريت (18: 15) هو نار الله التي سقطت وأحرقت الغنم. وقع الشجرة من تحت ومن فوق إشارة إلى موت أولاده وخراب بيته. واقشعرار الأقدمين (18: 20) عبارة عن ما أصاب أيوب من الكراهة من جميع الناس.

وأيوب في أول خطابه في الأصحاح التاسع عشر رفض كلام بلدد وذكر ضجره من كلام أصحابه وبعدئذ (ع 7) وجه أفكاره إلى الله الذي كان غضب عليه وتركه وأبعد عنه إخوته ومعارفه ثم (ع 23) نظر إلى المستقبل وطلب كتابة كلامه وذكر أيضاً رجاءه اليقيني بأن الله يبرره وفي الختام حذّر أصحابه من عقاب كلامهم.

1 - 6 «1 فَقَالَ أَيُّوبُ 2 حَتَّى مَتَى تُعَذِّبُونَ نَفْسِي وَتَسْحَقُونَنِي بِٱلْكَلاَمِ. 3 هٰذِهِ عَشَرَ مَرَّاتٍ أَخْزَيْتُمُونِي. لَمْ تَخْجَلُوا مِنْ أَنْ تُعَنِّفُونِي. 4 وَهَبْنِي ضَلَلْتُ حَقّاً. عَلَيَّ تَسْتَقِرُّ ضَلاَلَتِي! 5 إِنْ كُنْتُمْ بِٱلْحَقِّ تَسْتَكْبِرُونَ عَلَيَّ، فَثَبِّتُوا عَلَيَّ عَارِي. 6 فَٱعْلَمُوا إِذاً أَنَّ ٱللّٰهَ قَدْ عَوَّجَنِي وَلَفَّ عَلَيَّ أُحْبُولَتَهُ».

مزمور 35: 26 و38: 16 ص 16: 11 و27: 2 ص 18: 8 - 10 ومزمور 66: 11 ومراثي 1: 13

تَسْحَقُونَنِي أشار إلى كثرة كلامهم وشدته وتأثيره فيه.

عَشَرَ مَرَّاتٍ (ع 3) مرات كثيرة (تكوين 31: 7 وعدد 14: 22).

وَهَبْنِي ضَلَلْتُ (ع 4) ليس لأصحابه المداخلة في أمره (1) لأن ضلاله عليه إذا كان هنالك ضلال (2) لأنه بريء ولم يثبت عليه عار (ع 5). (3) لأن مصائبه من الله (ع 6) إنها ليست نتيجة خطاياه فإن الله لفّه بأحبولته أي شبكته ولم يمشٍ هو إلى الشبكة كما قال بلدد (18: 8).

7 - 12 «7 هَا إِنِّي أَصْرُخُ ظُلْماً فَلاَ أُسْتَجَابُ. أَدْعُو وَلَيْسَ حُكْمٌ. 8 قَدْ حَوَّطَ طَرِيقِي فَلاَ أَعْبُرُ، وَعَلَى سُبُلِي جَعَلَ ظَلاَماً. 9 أَزَالَ عَنِّي كَرَامَتِي وَنَزَعَ تَاجَ رَأْسِي. 10 هَدَمَنِي مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فَذَهَبْتُ، وَقَلَعَ مِثْلَ شَجَرَةٍ رَجَائِي، 11 وَأَضْرَمَ عَلَيَّ غَضَبَهُ وَحَسِبَنِي كَأَعْدَائِهِ. 12 مَعاً جَاءَتْ غُزَاتُهُ وَأَعَدُّوا عَلَيَّ طَرِيقَهُمْ وَحَلُّوا حَوْلَ خَيْمَتِي».

ص 9: 24 و30: 20 و24 وحبقوق 1: 2 ص 3: 23 ومراثي 3: 7 و9 ص 30: 26 ص 12: 17 و19 ومزمور 89: 44 ص 16: 15 ومزمور 89: 39 ومراثي 5: 16 ص 12: 14 ص 24: 20 انظر 7: 6 ص 16: 9 ص 13: 24 و33: 10 ص 16: 13 ص 30: 12

بعد كلامه الوجيز لأصحابه وجّه كلامه إلى الله ورفع شكواه إليه خلاصتها (1) إنه قد صرخ إلى الله فلم يستجبه (حبقوق 1: 2) (2) حوّط الله طريقه (مراثي 3: 5 و6) (3) على سبله جعل ظلاماً (4) أزال عنه كرامته (5) نزع تاج رأسه أي تاج البر (29: 14) (6) هدمه كهدم بيت من كل جهة أي خدمه تماماً فذهب أي مات من مرضه وقوله «ذهبت» بالماضي لأنه قد انقطع رجاؤه بالحياة وانقلع كشجرة.

مَعاً جَاءَتْ غُزَاتُهُ (ع 12) شبّه نفسه وخيمته بمدينة محصورة ومصائبه بغزاة الله وهؤلاء الغزاة أي جيش الله حلوا حول خيمة أيوب الحقيرة كأنها مدينة محصنة.

13 - 20 «13 قَدْ أَبْعَدَ عَنِّي إِخْوَتِي. وَمَعَارِفِي زَاغُوا عَنِّي. 14 أَقَارِبِي قَدْ خَذَلُونِي وَٱلَّذِينَ عَرَفُونِي نَسَوْنِي. 15 نُزَلاَءُ بَيْتِي وَإِمَائِي يَحْسِبُونَنِي أَجْنَبِيّاً. صِرْتُ فِي أَعْيُنِهِمْ غَرِيباً. 16 عَبْدِي دَعَوْتُ فَلَمْ يُجِبْ. بِفَمِي تَضَرَّعْتُ إِلَيْهِ. 17 نَكْهَتِي مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ ٱمْرَأَتِي، وَمُنْتِنَةٌ عِنْدَ أَبْنَاءِ أَحْشَائِي. 18 اَلأَوْلاَدُ أَيْضاً قَدْ رَذَلُونِي. إِذَا قُمْتُ يَتَكَلَّمُونَ عَلَيَّ. 19 كَرِهَنِي كُلُّ رِجَالِي، وَٱلَّذِينَ أَحْبَبْتُهُمُ ٱنْقَلَبُوا عَلَيَّ. 20 عَظْمِي قَدْ لَصِقَ بِجِلْدِي وَلَحْمِي، وَنَجَوْتُ بِجِلْدِ أَسْنَانِي».

ص 16: 7 ومزمور 69: 8 ص 16: 20 ومزمور 89: 8 و18 ع 19 انظر ص 12: 4 مزمور 38: 11 و55: 13 ص 16: 8 و33: 21 ومزمور 102: 5 ومرقس 4: 8

قَدْ أَبْعَدَ عَنِّي كان يمكنه أن يحتمل الآلام الجسدية وخسارة الأملاك ولكن ابتعاد إخوته ومعارفه وأقاربه وجميع الناس عنه كان من أعظم مصائبه ولا سيما لأنه شعر ببراءته.

نُزَلاَءُ بَيْتِي (ع 15) الضيوف الذين نزلوا عليه وأكلوا من خيراته.

عَبْدِي دَعَوْتُ (ع 16) كانت عيون عبيده نحو يده (مزمور 123: 2) وهم منتظرون الأمر منه ولكنهم داروا الآن له قفاهم فالتزم أن يتضرع إليهم.

أَبْنَاءِ أَحْشَائِي (ع 17) كان أولاد أيوب قد ماتوا فيُظن أنه عنى «بأحشائي» أحشاء أمه وأبناء أحشائه هم إخوته.

إِذَا قُمْتُ (ع 18) من تأثير مرضه كان لا يقدر أن يقوم إلا بالصعوبة فكان الأولاد يرذلونه.

كُلُّ رِجَالِي (ع 19) وبالترجمة اليسوعية «أمناء سرّي» هؤلاء هم أصدقاؤه الأعزاء أي أصحابه الثلاثة الذين كرهوه لأنهم حكموا عليه كمذنب وتكلموا عليه بالقساوة (مزمور 55: 14) «ٱلَّذِي مَعَهُ كَانَتْ تَحْلُو لَنَا ٱلْعِشْرَةُ».

بِجِلْدِ أَسْنَانِي (ع 20) الظاهر أن القول مَثَلٌ معناه شيء زهيد جداً لأن الأسنان ليس لها جلد مطلقاً والمقصود أنه نجا ولكنه نجا بحياته فقط بعدما خسر كل شيء (عاموس 3: 12) يقول بعضهم إن جلد الأسنان هو اللِّثة وقول أيوب أن لثة أسنانه بقيت بعدما فقد أسنانه من المرض.

21، 22 «21 تَرَاءَفُوا! تَرَاءَفُوا أَنْتُمْ عَلَيَّ يَا أَصْحَابِي، لأَنَّ يَدَ ٱللّٰهِ قَدْ مَسَّتْنِي. 22 لِمَاذَا تُطَارِدُونَنِي كَمَا ٱللّٰهُ، وَلاَ تَشْبَعُونَ مِنْ لَحْمِي؟».

ص 1: 11 ومزمور 38: 2 ع 6 وص 13: 24 و25 ومزمور 16: 11 و69: 26

شعر بأنه مطرود من الله فعاد إلى الالتجاء إلى أصحابه لعلهم يترأفون عليه ومن لا يتأثر من كلام كهذا.

كَمَا ٱللّٰهُ (ع 22) كان الله طارده (9: 17) فقال لأصحابه لماذا تزيدون على ما كان الله عمله أو لماذا تجعلون أنفسكم في مكان الله إذ تحكمون عليّ.

وَلاَ تَشْبَعُونَ مِنْ لَحْمِي أكل لحم الإنسان مجاز معناه النميمة فإن النمام يُتلف صيت خصمه كوحش يفترس لحمه. وله معنى آخر أي انظروا إلى هزالي فإن لحمي فني. ألا يكفيكم ما احتملته من الآلام.

23، 24 «23 لَيْتَ كَلِمَاتِي ٱلآنَ تُكْتَبُ. يَا لَيْتَهَا رُسِمَتْ فِي سِفْرٍ 24 وَنُقِرَتْ إِلَى ٱلأَبَدِ فِي ٱلصَّخْرِ بِقَلَمِ حَدِيدٍ وَبِرَصَاصٍ».

إشعياء 30: 8 وإرميا 36: 2

لَيْتَ كَلِمَاتِي الكلمات التي أراد أن تُكتب هي إثبات براءته وأراد أنها تُكتب أملاً أن الأجيال القادمة يصدقونه ويبررونه. كانت الكتابات الأولى تنقش على الحجر أو القرميد. وربما كانوا يصبون رصاصاً مصهوراً على الحروف المنقوشة على الحجر أو يكتبون على ألواح الرصاص بقلم حديد واستعملوا أيضاً الرقوق وورق البردي للكتابة وطلب أيوب أن كلماته تنقش على الحجر أو الرصاص لكي تبقى إلى الأبد.

25 - 27 «25 أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ وَٱلآخِرَ عَلَى ٱلأَرْضِ يَقُومُ 26 وَبَعْدَ أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هٰذَا وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى ٱللّٰهَ. 27 ٱلَّذِي أَرَاهُ أَنَا لِنَفْسِي وَعَيْنَايَ تَنْظُرَانِ وَلَيْسَ آخَرُ. إِلَى ذٰلِكَ تَتُوقُ كُلْيَتَايَ فِي جَوْفِي».

ص 16: 19 ومزمور 78: 35 وأمثال 23: 11 وإشعياء 43: 14 وإرميا 50: 34 مزمور 17: 15 ومتّى 5: 8 و1كورنثوس 13: 12 و1يوحنا 3: 2 مزمور 73: 26

أَمَّا أَنَا أصحابه الثلاثة لم يبرروه ولم يصدقوا أن الله يبرره وأما أيوب فتمسك برجائه بالتبرير من الله ولو بعد موته وقال بالتشديد «أما أنا».

فَقَدْ عَلِمْتُ امتحنه الله بمصائب عظيمة حتى ظهر له أن الله قد تركه وأصحابه كانوا له معزين مُتعبين وليس له رجاء بالحياة ولا بِذكر طيب بعد الموت وليس أمامه إلا الظلام ومع ذلك ظل إيمانه ثابتاً بأن الله يحبه ولا يترك من قد خلقه واعتنى به والشركة التي كانت له مع الله عربون شركة أفضل تدوم إلى الأبد فقال بشدة «قد علمت» ولم يعلم إلا بالإيمان.

وَلِيِّي الولي هو النسيب الأقرب الذي له حق أن يأخذ بالثأر (ع 35: 19) وله حق أن يفك الميراث (راعوث 4: 1 الخ) والله ولي شعبه (إشعياء 54: 5) وهو ولي المؤمنين أفراداً (مزمور 19: 14) أي يعينهم وينتقم لهم كنائب عنهم ولا يشير الاسم «ولي» إلى من يخلص من الخطيئة كالاسم «فادي» في العهد الجديد. وقال أيوب إن وليه حي تمييزاً له عن نفسه فإنه سيموت عن قريب ولكنّ وليه حي سيبرره بعد موته وخصص هذا الولي لنفسه بقوله «وليي».

وَٱلآخِرَ لم يقم له وليٌ وهو حي ولكنه رجا كل الرجاء بولي يقوم له في الآخر أي بعد موته. بالأول اشتاق إلى مصالح بينه وبين الله (9: 32 - 35) ثم قال (16: 19) «هُوَذَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ شَهِيدِي» ثم طلب (17: 3) من الله أن يكون ضامنه وهنا نظر بإيمان يقيني إلى الله كوليه إنه سيقوم بالآخر ويبرّره.

عَلَى ٱلأَرْضِ يَقُومُ الأرض أو التراب الذي ضمّ جسد أيوب.

بِدُونِ جَسَدِي (ع 26) أي بعد موته فيكون جسده قد تلاشى.

أَرَى ٱللّٰهَ وذلك بعد موته وبدون جسده. ولا شك في أن معرفة أيوب بقيامة الجسد ورؤية الله في السماء كانت كمعرفة غيره من قديسي العهد القديم أي أن الجسد يُدفن في القبر والنفس تسكن الهاوية مع الأخيلة وفي الظلمة بلا جسد وبلا أفراح الحياة على الأرض. ولكن أيوب وإن كان بلا معرفة جليّة كان له إيمان بأنه سيرى الله مع أنه لم يفهم كيف يراه. وآمن أيضاً أنه هو نفسه يراه وعيناه تنظرانه وليس آخر وإن الله سيبرره ولا يكون تبريره في غيابه بل بحضوره. ورؤية الله تتضمن رضاه (2صموئيل 14: 24 و32 و33 ورؤيا 22: 4).

وبعض أتقياء العهد القديم شاركوا أيوب في إيمانه اليقيني (مزمور 16: 10 و49: 15 و73: 24 وإشعياء 26: 19 ودانيال 12: 2 و3).

إِلَى ذٰلِكَ تَتُوقُ كُلْيَتَايَ (ع 27) كانت الكليتان مركز العواطف عند القدماء والأحشاء كذلك والقلب. وتاق أيوب إلى رؤية الله ورضاه واشتد توقه عند تأمله في ذلك وآمن بأنه سينال مشتهاه.

28، 29 «28 فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ: لِمَاذَا نُطَارِدُهُ؟ وَٱلْكَلاَمُ ٱلأَصْلِيُّ يُوجَدُ عِنْدِي. 29 خَافُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ مِنَ ٱلسَّيْفِ لأَنَّ ٱلْغَيْظَ مِنْ آثَامِ ٱلسَّيْفِ. لِكَيْ تَعْلَمُوا مَا هُوَ ٱلْقَضَاءُ».

ع 22 انظر ص 15: 22 ص 22: 4 ومزمور 1: 5 و9: 7 وجامعة 12: 14

فَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ الخ (ع 28) قد تأكد أيوب أن الله سيبرّره وأصحابه سينظرون تبريره فيقولون لماذا نطارده أي يقتنعون بأن أيوب بريء مما كانوا قد اتهموه به. ويقول أيوب إن أصحابه سيجدون أن للكلام الأصلي أي الكلام الصحيح عنده فعليهم أن يخافوا من غضب الله عليهم. والغيظ أي غيظهم على أيوب هو من آثام السيف أي الآثام التي تستحق القتل بالسيف وعليهم أن يخافوا وينتهوا لكي يعلموا ما هو القضاء ولا يعملوا ما يستوجبه.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْعِشْرُونَ

مضمونه خطاب صوفر الثاني والأخير مع أن أليفاز وبلدد قدم كل منهما ثلاث خُطب. وفي خطابه هذا ذكر هيجانه (ع 2 و3) وسببه توبيخ أيوب لأصحابه وجهله أن نجاح الأشرار إلى حين فقط (ع 4 - 11) وذكر أيضاً عقوبة الخطيئة ومرارتها وإن كان لها لذة وقتية (ع 12 - 22) وذكر حمو غضب الله المخيف (ع 23 - 29).

1 - 3 «1 فَأَجَابَ صُوفَرُ ٱلنَّعْمَاتِيُّ: 2 مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ هَوَاجِسِي تُجِيبُنِي، وَلِهٰذَا هَيَجَانِي فِيَّ. 3 تَعْيِيرَ تَوْبِيخِي أَسْمَعُ. وَرُوحٌ مِنْ فَهْمِي يُجِيبُنِي».

ص 19: 3

مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ (ع 2) أشار إلى ما أتى في (ع 3) «تَعْيِيرَ تَوْبِيخِي أَسْمَعُ» فإن أيوب قال (19: 22) إن أصحابه طاردوه فاستأنف دعواه إلى الأجيال القادمة وهددهم بالسيف والغيظ (19: 29) وفوق ذلك كان أيوب في خطابه السابق نسب الظلم إلى الله إذ قال (19: 7 - 12) «هَا إِنِّي أَصْرُخُ ظُلْماً الخ» غير أنه بعد ذلك تشجع وتجدد رجاؤه (19: 25).

هَوَاجِسِي تُجِيبُنِي أي إن هواجسه خاطبته فميز نفسه عن هواجسه ولمّح إلى أن أيوب تكلم بلا فطنة وأما هو فبالفهم وجواب هواجسه وفهمه ما أتى في (ع 4 الخ).

4 - 7 «4 أَمَا عَلِمْتَ هٰذَا مِنَ ٱلْقَدِيمِ، مُنْذُ وُضِعَ ٱلإِنْسَانُ عَلَى ٱلأَرْضِ: 5 أَنَّ هُتَافَ ٱلأَشْرَارِ مِنْ قَرِيبٍ وَفَرَحَ ٱلْفَاجِرِ إِلَى لَحْظَةٍ! 6 وَلَوْ بَلَغَ ٱلسَّمَاوَاتِ طُولُهُ وَمَسَّ رَأْسُهُ ٱلسَّحَابَ 7 كَجُلَّتِهِ إِلَى ٱلأَبَدِ يَبِيدُ. ٱلَّذِينَ رَأَوْهُ يَقُولُونَ: أَيْنَ هُوَ؟».

ص 8: 8 ص 8: 12 و13 ومزمور 37: 35 و36 انظر ص 8: 13 إشعياء 14: 13 و14 وعوبديا 3 و4 ص 4: 20 و14: 20 ص 7: 10 و8: 18

من القديم يجب تقديم الاعتبار للقدماء ونيل الإرشاد والفائدة من اختبارهم لأن وجود الأشرار ليس بأمر جديد بل كان من أول ما خلق الإنسان على الأرض.

هُتَافَ ٱلأَشْرَارِ مِنْ قَرِيبٍ (ع 5) هنا خلاصة كلام صوفر أي إن فرح الأشرار لا يكون إلا إلى لحظة فقط.

كَجُلَّتِهِ الخ (ع 7) جلّة الإنسان خرؤه وهو أنجس شيء (حزقيال 4: 12 - 15) وسقوط الشرير عظيم يسقط من العلى إلى الحضيض ومن السموات إلى الجلّة (إشعياء 14: 12 - 21).

8 «كَٱلْحُلْمِ يَطِيرُ فَلاَ يُوجَدُ، وَيُطْرَدُ كَطَيْفِ ٱللَّيْلِ».

مزمور 73: 20 و90: 5 ص 18: 18 و27: 21 - 23

كَٱلْحُلْمِ يَطِيرُ (إشعياء 29: 7 و8) والطيف هو الخيال.

9، 10 «9 عَيْنٌ أَبْصَرَتْهُ لاَ تَعُودُ تَرَاهُ، وَمَكَانُهُ لَنْ يَرَاهُ بَعْدُ. 10 بَنُوهُ يَتَرَضَّوْنَ ٱلْفُقَرَاءَ، وَيَدَاهُ تَرُدَّانِ ثَرْوَتَهُ».

ص 7: 8 و8: 18 انظر ص 7: 10 ص 5: 4 و27: 14 ع 18 وص 27: 16 و17

بَنُوهُ الخ بعد موته.

يَتَرَضَّوْنَ ٱلْفُقَرَاءَ أي يكونون أفقر الفقراء أو أن أولاده سيسقطون من الذين أخذ أبوهم مالهم ظلماً.

وَيَدَاهُ الخ قبل موته يرد ثروته إلى أصحابها الأولين.

11 «عِظَامُهُ مَلآنَةٌ قُوَّةً، وَمَعَهُ فِي ٱلتُّرَابِ تَضْطَجِعُ».

ص 21: 23 و24

عِظَامُهُ مَلآنَةٌ قُوَّةً (شبيبة) ينزل إلى القبر وهو شاب قبل ما يكمل أيامه (21: 24 وأمثال 3: 8) وكان مخ العظام معتبراً قديماً كمركز القوة والصحة.

12 - 15 «12 إِنْ حَلاَ فِي فَمِهِ ٱلشَّرُّ، وَأَخْفَاهُ تَحْتَ لِسَانِهِ، 13 أَشْفَقَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتْرُكْهُ، بَلْ حَبَسَهُ وَسَطَ حَنَكِهِ، 14 فَخُبْزُهُ فِي أَمْعَائِهِ يَتَحَوَّلُ! مَرَارَةُ أَصْلاَلٍ فِي بَطْنِهِ. 15 قَدْ بَلَعَ ثَرْوَةً فَيَتَقَيَّأُهَا. ٱللّٰهُ يَطْرُدُهَا مِنْ بَطْنِهِ».

ص 15: 16 ع 23 وعدد 11: 20 و33 وع 10 و20 و21

أشار إلى لذة الخطيئة عند الخاطي وشبهها بلقمة طيبة يجب الآكل أن يبقيها في فيه ليتلذذ بها ولكن اللقمة اللذيذة تتحول مرارة في بطنه فيتقيأها لأن الله يأخذ منه ثروته. وكما ذاق اللذة في اقتناءها هكذا ذاق المرارة في خسارتها.

16 «سُمَّ ٱلأَصْلاَلِ يَرْضَعُ. يَقْتُلُهُ لِسَانُ ٱلأَفْعَى».

تثنية 32: 24 و33

ما رضعه أي ثروته تصير كسمّ الأصلال وتقتله.

17 «لاَ يَرَى ٱلْجَدَاوِلَ أَنْهَارَ سَوَاقِيَ عَسَلٍ وَلَبَنٍ».

ص 29: 6 وتثنية 32: 13 و14

لاَ يَرَى كان الخاطي يَعِدُ نفسه بخيرات ولذات فلا يأتيه (لوقا 12: 19 و20) «لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ، مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ... هٰذِهِ ٱللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ». والعسل واللبن كناية عن أفضل الخيرات.

18، 19 «18 يَرُدُّ تَعَبَهُ وَلاَ يَبْلَعُهُ. وَبِمَكْسَبِ تِجَارَتِهِ لاَ يَفْرَحُ. 19 لأَنَّهُ رَضَّضَ ٱلْمَسَاكِينَ وَتَرَكَهُمْ وَٱغْتَصَبَ بَيْتاً وَلَمْ يَبْنِهِ».

ع 10 و15 ص 24: 2 - 4 و35: 9

يأخذ الله ثروته قبلما يفرح بها.

بِمَكْسَبِ تِجَارَتِهِ (كمالٍ تحت رجعٍ) ليس كمُلك مسجل باسمه يتصرف فيه كما يريد ويتمتع به كل أيامه ويتركه لأولاده بل كأمانة ترجع لصاحبها عند الطلب.

وَتَرَكَهُمْ بعدما أخذ بيوتهم وأملاكهم اغتصاباً فافتقروا واحتاجوا وهو لم يهتم بهم.

لأَنَّهُ (ع 19) أي لم تأته تلك المصائب المخيفة بلا سبب والسبب هو خطاياه في ترضيض المساكين واغتصاب بيوتهم. وفي قول صوفر صواب وخطأ فالصواب أن الله يحب الحق ويكره الشر وهو الديان العادل ولا يحدث شيء إلا بعلمه وإرادته وهو يجازي كل إنسان حسب أعماله. والخطأ أن المجازاة الكاملة لا تكون في الأمور الجسدية فقط بل أيضاً في الابتعاد عن الله وفقد الحياة الروحية والأفراح الأبدية. فمن المحتمل أن الشرير يتمتع بهذه الخيرات الجسدية كل أيامه مع فقد الخيرات الأفضل ومن المحتمل أيضاً أن الصالح يخسر الخيرات الجسدية ويربح الخيرات الأفضل والباقية. وأخطأ صوفر كما أخطأ أليفاز وبلدد بظنه أن مصائب أيوب العظيمة كانت برهاناً على أنه ارتكب خطايا عظيمة.

وَٱغْتَصَبَ بَيْتاً (ع 19) (إشعياء 5: 8 و9).

20، 21 «20 لأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ فِي بَطْنِهِ قَنَاعَةً لاَ يَنْجُو بِمُشْتَهَاهُ. 21 لَيْسَتْ مِنْ أَكْلِهِ بَقِيَّةٌ، لأَجْلِ ذٰلِكَ لاَ يَدُومُ خَيْرُهُ».

جامعة 5: 13 - 15 ص 15: 29

لَمْ يَعْرِفْ فِي بَطْنِهِ قَنَاعَةً لم يشبع من الظلم مهما أخذ من مال المساكين لذلك تكون عقوبته بلا شفقة وبلا نهاية.

22 - 24 «22 مَعَ مِلْءِ رَغْدِهِ يَتَضَايَقُ. تَأْتِي عَلَيْهِ يَدُ كُلِّ شَقِيٍّ. 23 يَكُونُ عِنْدَمَا يَمْلأُ بَطْنَهُ أَنَّ ٱللّٰهَ يُرْسِلُ عَلَيْهِ حُمُوَّ غَضَبِهِ، وَيُمْطِرُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ طَعَامِهِ. 24 يَفِرُّ مِنْ سِلاَحِ حَدِيدٍ. تَخْرِقُهُ قَوْسُ نُحَاسٍ».

ص 15: 21 ص 5: 5 ع 13 و14 عدد 11: 20 و33 ومزمور 78: 30 و31

أشار إلى أيوب لأن أيوب كان بملء رغده أي عيشته الواسعة والطيبة حينما أتته يد الغزاة. ولكن أيوب لم يظلم الفقراء (انظر 29: 12 - 17 و31: 16 - 23).

يَدُ كُلِّ شَقِيٍّ الذين كان ظلمهم وكانوا سكتوا من الخوف ولكنهم سيقومون عليه إذا سقط.

عِنْدَمَا يَمْلأُ بَطْنَهُ (ع 23) لم يشبع من مال الظلم ولكنه شيسبع من حمو غضب الله.

سِلاَحِ حَدِيدٍ (ع 24) أي يفرّ من شرٍ ويقع في شر أعظم كما أن قوس النحاس أقوى من سلاح الحديد (مزمور 18: 34 وعاموس 5: 19).

25 «جَذَبَهُ فَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهِ، وَٱلْبَارِقُ مِنْ مَرَارَتِهِ مَرَقَ. عَلَيْهِ رُعُوبٌ».

ص 16: 13 ص 18: 11 و14

جَذَبَهُ أي السهم الذي دخل في بطنه وجذبه هذا هو للموت وليس للشفاء.

26 «كُلُّ ظُلْمَةٍ مُخْتَبَأَةٌ لِذَخَائِرِهِ. تَأْكُلُهُ نَارٌ لَمْ تُنْفَخْ. تَرْعَى ٱلْبَقِيَّةَ فِي خَيْمَتِهِ».

ص 18: 18 انظر ص 15: 30

ظُلْمَةٍ كناية عن كل بلية.

نَارٌ لَمْ تُنْفَخْ لم ينفخها إنسان بل فم الله أو نار شُعلت من نفسها (15: 34 و35) إشارة إلى أن هلاك الخاطئ من نفسه.

تَرْعَى ٱلْبَقِيَّةَ أي لا تبقى بقية لكنوزه.

27 «ٱلسَّمَاوَاتُ تُعْلِنُ إِثْمَهُ وَٱلأَرْضُ تَنْهَضُ عَلَيْهِ».

تثنية 31: 28

أشار إلى قول أيوب (16: 18) «يَا أَرْضُ لاَ تُغَطِّي دَمِي» و(16: 19) «فِي ٱلسَّمَاوَاتِ شَهِيدِي» وأما قول صوفر فهو أن شهادة السماوات والأرض تكون على الشرير أي على أيوب وليس عليه كما ظن أيوب وأشار إلى ما قيل في (1: 16) «نَارُ ٱللّٰهِ سَقَطَتْ مِنَ ٱلسَّمَاءِ».

28، 29 «28 تَزُولُ غَلَّةُ بَيْتِهِ. تُهْرَاقُ فِي يَوْمِ غَضَبِهِ. 29 هٰذَا نَصِيبُ ٱلإِنْسَانِ ٱلشِّرِّيرِ مِنْ عِنْدِ ٱللّٰهِ، وَمِيرَاثُ أَمْرِهِ مِنَ ٱلْقَدِيرِ».

تثنية 28: 31 ع 15 وص 21: 30 ص 27: 13 و31: 2 و3

ٱلإِنْسَانِ ٱلشِّرِّيرِ (ع 29) كل هذا الكلام موجه إلى أيوب وهو الشرير ومصائبه هي من غضب الله عليه.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرُونَ

مضمونه جواب أيوب لصوفر وموضوعه سر معاملة الله للأشرار وهو طلب من أصحابه الإصغاء إلى كلامه في هذا الموضوع (ع 2 - 5) ثم ذكر سلامة الأشرار هم وأولادهم وأملاكهم واستنتج أن معاملة الله للأشرار بلا قانون تمكننا أن ندركه. وبالختام وجّه كلامه إلى أصحابه. وقال إنه عرف نياتهم لأنهم أظهروا جهلهم في أمور هذا العالم وفي طرق الله أيضاً.

1 - 5 «1 فَقَالَ أَيُّوبُ: 2 اِسْمَعُوا قَوْلِي سَمْعاً، وَلْيَكُنْ هٰذَا تَعْزِيَتَكُمْ. 3 اِحْتَمِلُونِي وَأَنَا أَتَكَلَّمُ، وَبَعْدَ كَلاَمِي ٱسْتَهْزِئُوا! 4 أَمَّا أَنَا فَهَلْ شَكْوَايَ مِنْ إِنْسَانٍ. وَإِنْ كَانَتْ، فَلِمَاذَا لاَ تَضِيقُ رُوحِي؟ 5 تَفَرَّسُوا فِيَّ وَتَعَجَّبُوا وَضَعُوا ٱلْيَدَ عَلَى ٱلْفَمِ».

ص 11: 3 و17: 2 انظر ص 7: 11 ص 6: 11 ص 13: 5 و29: 9 و40: 4 وقضاة 18: 19

إذا قصدوا تعزيته فأحسن تعزية منهم هي الإصغاء إلى كلامه.

ٱسْتَهْزِئُوا (ع 3) جاء الفعل بالأصل بصيغة المفرد استهزئ فالظاهر أن أيوب وجّه قوله إلى صوفر.

أَمَّا أَنَا (ع 4) كانت شكوى أصحابه منه وأما أيوب فكانت شكواه من الله ولم يتعجب من ظلم الناس له ولكنه استصعب معاملة من الله تشبه الظلم فلم يقدر أن يدركها.

وَإِنْ كَانَتْ أي إن كانت الشكوى من الله فلماذا لا تضيق روحي فضاقت روحه لسبب كاف سيأتي ذكره. قال أصحابه إن الله يجازي الخير خيراً والشر شراً وذلك على الإطلاق بلا استثناء فعندهم الأمر بسيط جداً وأما أيوب فأنعم نظره في الأمر ورأى كثيرين من الأشرار بلا عقوبة وكثيرين من الصالحين متضايقين ولو تأمل أصحابه ما يجب لرأوا هم أيضاً ما في الأمر من العراقيل وسكتوا.

6 - 15 «6 عِنْدَمَا أَتَذَكَّرُ أَرْتَاعُ، وَأَخَذَتْ بَشَرِي رَعْدَةٌ. 7 لِمَاذَا تَحْيَا ٱلأَشْرَارُ وَيَشِيخُونَ، نَعَمْ وَيَتَجَبَّرُونَ قُوَّةً؟ 8 نَسْلُهُمْ قَائِمٌ أَمَامَهُمْ مَعَهُمْ، وَذُرِّيَّتُهُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ. 9 بُيُوتُهُمْ آمِنَةٌ مِنَ ٱلْخَوْفِ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ عَصَا ٱللّٰهِ. 10 ثَوْرُهُمْ يُلْقِحُ وَلاَ يُخْطِئُ. بَقَرَتُهُمْ تُنْتِجُ وَلاَ تُسْقِطُ. 11 يُسْرِحُونَ مِثْلَ ٱلْغَنَمِ رُضَّعَهُمْ، وَأَطْفَالُهُمْ تَرْقُصُ. 12 يَحْمِلُونَ ٱلدُّفَّ وَٱلْعُودَ وَيُطْرِبُونَ بِصَوْتِ ٱلْمِزْمَارِ. 13 يَقْضُونَ أَيَّامَهُمْ بِٱلْخَيْرِ. فِي لَحْظَةٍ يَهْبِطُونَ إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ. 14 فَيَقُولُونَ لِلّٰهِ: ٱبْعُدْ عَنَّا. وَبِمَعْرِفَةِ طُرُقِكَ لاَ نُسَرُّ. 15 مَنْ هُوَ ٱلْقَدِيرُ حَتَّى نَعْبُدَهُ وَمَاذَا نَنْتَفِعُ إِنِ ٱلْتَمَسْنَاهُ!».

مزمور 55: 5 ص 9: 24 ومزمور 73: 3 وإرميا 12: 1 وحبقوق 1: 13 انظر ص 12: 19 مزمور 17: 14 انظر ص 12: 6 ع 23 وص 36: 11 ص 22: 17 ص 22: 17 و34: 9

أَرْتَاعُ لأن شكواه ليست من إنسان بل من الله القدوس القدير.

لِمَاذَا تَحْيَا ٱلأَشْرَارُ (ع 7) تعجب من وجودهم فلا يحيون فقط بل أيضاً يشيخون ويتجبرون وتكثر ذنوبهم ولعل أيوب افتكر في أولاده فإن الله أمات نسل الكامل والبارّ وأما نسل الأشرار فهم قائمون أمامهم معهم.

عَصَا ٱللّٰهِ (ع 9) كانت على أيوب لا على الأشرار كأن الله لم ينتبه إلا إلى أيوب.

فِي لَحْظَةٍ (ع 13) ومن جملة خيراتهم أنهم يموتون بلا أوجاع (مزمور 73: 4) وهذا كله بخلاف ما صوّره أصحاب أيوب (15: 20) «ٱلشِّرِّيرُ هُوَ يَتَلَوَّى كُلَّ أَيَّامِهِ» و(20: 11) إنه يموت في شبيبته و(18: 19) «لاَ نَسْلَ وَلاَ ذُرِّيَّةَ لَهُ بَيْنَ شَعْبِهِ» و(20: 24) «تَخْرِقُهُ قَوْسُ نُحَاسٍ» أي هلاكه مخيف.

فَيَقُولُونَ لِلّٰهِ: ٱبْعُدْ عَنَّا (ع 14) وذلك لسان حالهم وإن لم يكن شفهياً وبإرادتهم كأن بينهم وبين الله هوّة عظيمة (لوقا 16: 26) والابتعاد عن الله أعظم ما يأتيه الإنسان وهو من عواقب شروره ويشملها كلها لأن الله هو مصدر كل خير.

مَاذَا نَنْتَفِعُ إِنِ ٱلْتَمَسْنَاهُ (ع 15) إن كثيرين في أيامنا أيضاً يجهلون حقيقة الصلاة وقوتها ولا يصدقون أن صلاة الإنسان تؤثر في الله الذي يعمل كل شيء حسب مشيئته ولكن الصلاة مذكورة في الكتاب المقدس من أوله إلى آخره كقوة حقيقية وجميع المؤمنين في كل جيل يشهدون لفعلها العجيب.

16 - 21 «16 هُوَذَا لَيْسَ فِي يَدِهِمْ خَيْرُهُمْ. لِتَبْعُدْ عَنِّي مَشُورَةُ ٱلأَشْرَارِ. 17 كَمْ يَنْطَفِئُ سِرَاجُ ٱلأَشْرَارِ، وَيَأْتِي عَلَيْهِمْ بَوَارُهُمْ، أَوْ يَقْسِمُ لَهُمْ أَوْجَاعاً فِي غَضَبِهِ، 18 أَوْ يَكُونُونَ كَٱلتِّبْنِ قُدَّامَ ٱلرِّيحِ وَكَالْعُصَافَةِ ٱلَّتِي تَسْرِقُهَا ٱلزَّوْبَعَةُ. 19 اَللّٰهُ يَخْزِنُ إِثْمَهُ لِبَنِيهِ. لِيُجَازِهِ نَفْسَهُ فَيَعْلَمَ. 20 لِتَنْظُرْ عَيْنَاهُ هَلاَكَهُ وَمِنْ حُمَةِ ٱلْقَدِيرِ يَشْرَبْ. 21 فَمَا هِيَ مَسَرَّتُهُ فِي بَيْتِهِ بَعْدَهُ، وَقَدْ تَعَيَّنَ عَدَدُ شُهُورِهِ».

ص 22: 18 ص 18: 5 و6 ص 31: 2 و3 ص 13: 25 ومزمور 83: 13 مزمور 1: 4 و35: 5 وإشعياء 17: 13 وهوشع 13: 3 خروج 20: 5 وإرميا 31: 29 وحزقيال 18: 2 عدد 14: 28 - 32 وإرميا 31: 30 وحزقيال 18: 4 مزمور 60: 3 وإشعياء 51: 17 وإرميا 25: 15 ورؤيا 14: 10

وما زاد في حيرة أيوب إن خير الأشرار هذا هو من الله وليس في يدهم أي ليس منهم ولا يدوم لهم دون إرادة الله غير أنه يقول أيضاً «لتبعد عني مشورة الأشرار» أي إنه لا يريد أن يسلك سلوكهم مهما كان نجاحهم.

قال بلدد (18: 6) «سِرَاجُهُ فَوْقَهُ يَنْطَفِئُ» و(18: 12) «وَٱلْبَوَارُ مُهَيَّأٌ بِجَانِبِهِ» وأما أيوب فاعترض على ذلك وقال (ع 17 و18) «كَمْ يَنْطَفِئُ سِرَاجُ ٱلأَشْرَارِ الخ» أي لا ينطفئ سراجهم ولا يأتيهم البوار. وقال أصحاب أيوب «اَللّٰهُ يَخْزِنُ إِثْمَهُ لِبَنِيهِ» (21: 19) أي لا بد من عقاب الأشرار فإن لم يكن في حياتهم فيكون لبنيهم. واعترض أيوب على قولهم قائلاً «لِيُجَازِهِ نَفْسَهُ... لِتَنْظُرْ عَيْنَاهُ هَلاَكَهُ» أي من العدل أن الشرير نفسه يتألم وليس أولاده.

فَمَا هِيَ مَسَرَّتُهُ (ع 21) بعد ما يكمل الشرير أيامه لا يعرف ولا يهتم بما سيصيب أولاده فلا يكون عقابهم عقابه.

22 - 26 «22 أَٱللّٰهُ يُعَلَّمُ مَعْرِفَةً، وَهُوَ يَقْضِي عَلَى ٱلْعَالِينَ؟ 23 هٰذَا يَمُوتُ فِي عَيْنِ كَمَالِهِ. كُلُّهُ مُطْمَئِنٌّ وَسَاكِنٌ. 24 أَحْوَاضُهُ مَلآنَةٌ لَبَناً، وَمُخُّ عِظَامِهِ طَرِيٌّ. 25 وَذٰلِكَ يَمُوتُ بِنَفْسٍ مُرَّةٍ وَلَمْ يَذُقْ خَيْراً. 26 كِلاَهُمَا يَضْطَجِعَانِ مَعاً فِي ٱلتُّرَابِ وَٱلدُّودُ يَغْشَاهُمَا».

ص 35: 11 و36: 22 وإشعياء 40: 14 ورومية 11: 34 ص 4: 18 و15: 15 ومزمور 82: 1 ع 13 وص 20: 11 أمثال 3: 8 انظر ص 3: 13 و20: 11 وجامعة 9: 2 ص 24: 20 وإشعياء 14: 11

لا يليق بالإنسان أن يعلّم الله ولا أن يضع له قوانين لا تطابق أعماله في الكون. و «العالمين» هم سكان السماء وإذا كان الله يقضي عليهم فكم بالحري يقضي على سكان الأرض.

هٰذَا في (ع 23) يشير إلى الشرير و «ذلك» في (ع 25) يشير إلى أيوب نفسه وهما أي الشرير وأيوب وإن اختلفا في حياتهما وسلوكهما اختلافاً عظيماً فلكلاهما حادثة واحدة تحدث أي الموت (جامعة 2: 14 الخ).

27 - 34 «27 هُوَذَا قَدْ عَلِمْتُ أَفْكَارَكُمْ وَٱلنِّيَّاتِ ٱلَّتِي بِهَا تَظْلِمُونَنِي. 28 لأَنَّكُمْ تَقُولُونَ: أَيْنَ بَيْتُ ٱلْعَاتِي وَأَيْنَ خَيْمَةُ مَسَاكِنِ ٱلأَشْرَارِ؟ 29 أَفَلَمْ تَسْأَلُوا عَابِرِي ٱلسَّبِيلِ وَلَمْ تَفْطَنُوا لِدَلاَئِلِهِمْ. 30 إِنَّهُ لِيَوْمِ ٱلْبَوَارِ يُمْسَكُ ٱلشِّرِّيرُ. لِيَوْمِ ٱلسَّخَطِ يُقَادُونَ. 31 مَنْ يُعْلِنُ طَرِيقَهُ لِوَجْهِهِ، وَمَنْ يُجَازِيهِ عَلَى مَا عَمِلَ؟ 32 هُوَ إِلَى ٱلْقُبُورِ يُقَادُ، وَعَلَى ٱلْمَدْفَنِ يُسْهَرُ. 33 حُلْوٌ لَهُ طِينُ ٱلْوَادِي. يَزْحَفُ كُلُّ إِنْسَانٍ وَرَاءَهُ، وَقُدَّامَهُ مَا لاَ عَدَدَ لَهُ. 34 فَكَيْفَ تُعَزُّونَنِي بَاطِلاً وَأَجْوِبَتُكُمْ بَقِيَتْ خِيَانَةً؟».

ص 1: 3 و31: 37 انظر ص 8: 22 و18: 21 ص 20: 29 وأمثال 16: 4 و2بطرس 2: 9 ع 17 و20 وص 40: 11 ص 3: 22 و17: 16 ص 3: 19 و24: 24 ص 16: 2

علم أيوب أفكار أصحابه وفهم أنهم أشاروا إليه بقولهم «العاتي» و «مساكن الأشرار» وقولهم إن بيت العاتي وخيمة الأشرار زالا. وأما أيوب فقال لهم أن يسألوا عابري السبيل أي المسافرين العارفين العالم أشراراً وصالحين فيشهدون إن بيت العاتي وخيمة الأشرار لا يزولان.

لِيَوْمِ ٱلْبَوَارِ يُمْسَكُ ٱلشِّرِّيرُ (ع 30) هذه الترجمة لا توافق القرينة وأكثر المفسرين يترجمون الفعل يُمسك بيحفظ «يُحفظ في يوم البوار» فإن مضمون ما سبقه وما تبعه هو أن الأشرار يتمتعون بجميع الخيرات في حياتهم وإنهم يموتون بالشيخوخة ويدفنون بالكرامة أي إنهم من الأول إلى الآخر محفوظون وإذا حدث يوم بوار يُحفظون فيه. ولم يُعلن جلياً لأيوب أو غيره من معاصريه حالة الإنسان بعد الموت ولو أُعلنت له كان وجد تعزية في أحزانه وحلا لمشاكله ورداً على أصحابه. وأما ما أتى في (19: 25 - 29) فلا يدل على معرفة أيوب بالآخرة بل على رجاءه واشتياقه.

مَنْ يُعْلِنُ طَرِيقَهُ لِوَجْهِهِ (ع 31) لاعتبار الناس للشرير المذكور وخوفهم منه لا يتجاسر أحد أن يوبخه أو يجازيه على ما عمل.

إِلَى ٱلْقُبُورِ يُقَادُ (ع 32) عند دفن الشرير يمشي الناس وراء النعش وقدامه. غير أن بعضهم يفهمون من القول «يزحف كل إنسان وراءه» إن كل الناس يتمثلون به ويعيشون كما عاش هو ويفهمون من القول «قدامه الخ» إنه كان قبله كثيرون مثله.

عَلَى ٱلْمَدْفَنِ يُسْهَرُ لئلا تُسرق كنوزه.

حُلْوٌ لَهُ طِينُ ٱلْوَادِي (ع 33) أي إنه يستريح بعد موته في قبره كما استراح في حياته. والنتيجة إن كلام أصحابه كله باطل وهم خائنون أيضاً لأنهم بالظاهر أصدقاء وبالحقيقة هم أعداء.

نلاحظ أن أيوب تطرّف لأنه بموجب كلامه إن الأشرار بالإجمال ينجون من العقاب كما تطرّف أصحابه باعتقادهم أن الشرير لا ينجو مطلقاً والصالح لا يُصاب مطلقاً.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلْعِشْرُونَ

في هذا الأصحاح ابتدأ الدور الثالث من الخطب. في الدور الأول كان الموضوع بالإجمال صفات الله كعدله وقدرته وحكمته وفي الدور الثاني عقاب الأشرار وفي الدور الثالث أوضح أصحاب أيوب ما كانوا ألمعوا إليه أي إن أيوب قد ارتكب خطايا فظيعة.

1 - 5 «1 فَأَجَابَ أَلِيفَازُ ٱلتَّيْمَانِيُّ: 2 هَلْ يَنْفَعُ ٱلإِنْسَانُ ٱللّٰهَ؟ بَلْ يَنْفَعُ نَفْسَهُ ٱلْفَطِنُ! 3 هَلْ مِنْ مَسَرَّةٍ لِلْقَدِيرِ إِذَا تَبَرَّرْتَ، أَوْ مِنْ فَائِدَةٍ إِذَا قَوَّمْتَ طُرُقَكَ؟ 4 هَلْ عَلَى تَقْوَاكَ يُوَبِّخُكَ أَوْ يَدْخُلُ مَعَكَ فِي ٱلْمُحَاكَمَةِ؟ 5 أَلَيْسَ شَرُّكَ عَظِيماً وَآثَامُكَ لاَ نِهَايَةَ لَهَا!».

ص 35: 7 ولوقا 17: 10 ص 14: 3 و19: 29 ص 11: 6 و15: 5

إن كلام أليفاز قياس منطقي. فالمقدمة الكبرى إن مشقات الإنسان منه وليست من الله لأنه الله لا يحتاج إلى شيء وأعمال الأشرار وأعمال الأتقياء على حد سوى لا تؤثر فيه (ع 2 و3). والمقدمة الصغرى إن مشقات الإنسان ليست من تقواه لأن الله لا يجازي الخير بالشر (ع 4) والنتيجة إن مشقات أيوب هي من خطاياه. وفي هذا القياس خطاءان: الأول جهله محبة الله الأبوية التي من شأنها الاشتياق إلى محبة الإنسان (هوشع 6: 8 ولوقا 13: 34 و19: 41) والخطأ الثاني جهله إن الأتقياء يحتملون مشقات على سبيل التأديب «لأَنَّ ٱلَّذِي يُحِبُّهُ ٱلرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ» (عبرانيين 12: 5 - 10).

هَلْ مِنْ مَسَرَّةٍ لِلْقَدِيرِ (ع 3) استفهام استنكاري جوابه حسب أفكار أليفاز أن القدير لا يُسر أي لا يستفيد من بر الناس كما يستفيد السيد من خدمة عبيده.

هَلْ عَلَى تَقْوَاكَ يُوَبِّخُكَ (ع 4) والجواب إنه لا يوبخ إنساناً على تقواه بل على شره فبالنتيجة إن مشقات أيوب العظيمة تثبت القول إن خطاياه عظيمة.

6، 7 «6 لأَنَّكَ ٱرْتَهَنْتَ أَخَاكَ بِلاَ سَبَبٍ، وَسَلَبْتَ ثِيَابَ ٱلْعُرَاةِ. 7 مَاءً لَمْ تَسْقِ ٱلْعَطْشَانَ، وَعَنِ ٱلْجَوْعَانِ مَنَعْتَ خُبْزاً».

ص 24: 3 و9 وخروج 22: 26 وتثنية 24: 6 وحزقيال 18: 16 ص 31: 19 و20 ص 31: 16 و17 ص 31: 31

إن الخطايا المذكورة هي خطايا الأغنياء والأقوياء كالطمع والظلم وعدم الشفقة (خروج 22: 26 وتثنية 24: 40) والعراة هم الفقراء الذين ليس لهم ثياب كافية. انظر جواب أيوب (31: 19) «إِنْ كُنْتُ رَأَيْتُ هَالِكاً لِعَدَمِ ٱللِّبْسِ أَوْ فَقِيراً بِلاَ كِسْوَةٍ الخ» و(31: 16 و17) «إِنْ كُنْتُ مَنَعْتُ ٱلْمَسَاكِينَ عَنْ مُرَادِهِمْ، أَوْ أَفْنَيْتُ عَيْنَيِ ٱلأَرْمَلَةِ، أَوْ أَكَلْتُ لُقْمَتِي وَحْدِي فَمَا أَكَلَ مِنْهَا ٱلْيَتِيمُ».

8 «أَمَّا صَاحِبُ ٱلْقُوَّةِ فَلَهُ ٱلأَرْضُ، وَٱلْمُتَرَفِّعُ ٱلْوَجْهِ سَاكِنٌ فِيهَا».

ص 12: 19 ص 9: 24 إشعياء 3: 3 و9: 15

حسب قول أليفاز كان أيوب يحابي الغني ويظلم الفقير (يعقوب 2: 1 - 4) و «صاحب القوة» هو أيوب الذي قال فيه أليفاز إنه تكبّر كأن الأرض كلها له.

9 «ٱلأَرَامِلَ أَرْسَلْتَ خَالِيَاتٍ، وَذِرَاعُ ٱلْيَتَامَى ٱنْسَحَقَتْ».

ص 24: 3 و21 و29: 13 و31: 16 و18 انظر ص 6: 27

انظر قول أيوب (29: 13) «بَرَكَةُ ٱلْهَالِكِ حَلَّتْ عَلَيَّ، وَجَعَلْتُ قَلْبَ ٱلأَرْمَلَةِ يُسَرُّ» وذراع اليتامى هي حقوقهم.

10، 11 «10 لأَجْلِ ذٰلِكَ حَوَالَيْكَ فِخَاخٌ، وَيُرِيعُكَ رُعْبٌ بَغْتَةً 11 أَوْ ظُلْمَةٌ فَلاَ تَرَى، وَفَيْضُ ٱلْمِيَاهِ يُغَطِّيكَ».

انظر ص 18: 8 انظر ص 15: 21 انظر ص 5: 14 ص 38: 34 ومزمور 69: 2 و124: 5 ومراثي 3: 54

فَلاَ تَرَى من الظلمة الدامسة وأشار إلى مصائب أيوب الشديدة.

12 - 14 «12 هُوَذَا ٱللّٰهُ فِي عُلُوِّ ٱلسَّمَاوَاتِ. وَٱنْظُرْ رَأْسَ ٱلْكَوَاكِبِ مَا أَعْلاَهُ. 13 فَقُلْتَ: كَيْفَ يَعْلَمُ ٱللّٰهُ؟ هَلْ مِنْ وَرَاءِ ٱلضَّبَابِ يَقْضِي؟ 14 ٱلسَّحَابُ سِتْرٌ لَهُ فَلاَ يُرَى، وَعَلَى دَائِرَةِ ٱلسَّمَاوَاتِ يَتَمَشَّى».

ص 11: 7 - 9 مزمور 10: 11 و59: 7 و64: 5 و94: 7 وإشعياء 29: 15 وحزقيال 8: 12 ص 26: 9

زعم أليفاز إن أيوب قال في قلبه إن الله في علو السموات عند رأس الكواكب فلا يلاحظ ولا يهتم بما يحدث على الأرض فتشدد في شروره (مزمور 94: 6 و7) «يَقْتُلُونَ ٱلأَرْمَلَةَ وَٱلْغَرِيبَ وَيُمِيتُونَ ٱلْيَتِيمَ. وَيَقُولُونَ: ٱلرَّبُّ لاَ يُبْصِرُ» (وإشعياء 29: 15 وحزقيال 8: 12).

15، 16 «15 هَلْ تَحْفَظُ طَرِيقَ ٱلْقِدَمِ ٱلَّذِي دَاسَهُ رِجَالُ ٱلإِثْمِ، 16 ٱلَّذِينَ قُبِضَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ٱلْوَقْتِ؟ ٱلْغَمْرُ ٱنْصَبَّ عَلَى أَسَاسِهِمِ».

ص 34: 36 ص 15: 32 و21: 13 و18 ص 14: 19 ومزمور 90: 5 وإشعياء 28: 2 ومتّى 7: 26 و27

أشار إلى طوفان نوح وسأل أيوب هل تحفظ طريق القِدم أي هل تسلك كما سلك الأشرار قبل الطوفان فهلكوا.

قُبِضَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ٱلْوَقْتِ (ع 16) أي ماتوا فجأة وليس من موت طبيعي.

أَسَاسِهِمِ الأرض التي وقفوا عليها والتي ظنوها ثابتة إلى الأبد ويظن بعضهم أن الإشارة إلى انقلاب سدوم وعمورة.

17، 18 «17 ٱلْقَائِلِينَ لِلّٰهِ: ٱبْعُدْ عَنَّا. وَمَاذَا يَفْعَلُ ٱلْقَدِيرُ لَهُمْ. 18 وَهُوَ قَدْ مَلأَ بُيُوتَهُمْ خَيْراً. لِتَبْعُدْ عَنِّي مَشُورَةُ ٱلأَشْرَارِ».

ص 21: 14 و15 ص 12: 6 ص 21: 16

كان القدماء عادمي الشكر فرفض أليفاز مشورتهم كل الرفض (انظر 21: 14 - 16).

19، 20 «19 ٱلأَبْرَارُ يَنْظُرُونَ وَيَفْرَحُونَ، وَٱلْبَرِيءُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ قَائِلِينَ: 20 أَلَمْ يُبَدْ مُقَاوِمُونَا، وَبَقِيَّتُهُمْ قَدْ أَكَلَتْهَا ٱلنَّارُ؟».

مزمور 52: 6 و58: 10 و107: 42 انظر ص 15: 30

ٱلأَبْرَارُ يَنْظُرُونَ وَيَفْرَحُونَ بملاشاة كل تعليم فاسد وكل عواطف شريرة وكل مقاومة للحق ولكننا نطلب خلاص الأشرار ونحزن على هلاكهم (حزقيال 18: 23 و32 و2بطرس 3: 9).

قَدْ أَكَلَتْهَا ٱلنَّارُ أشار إلى انقلاب سدوم ومدن الدائرة وإلى ما أصاب (أيوب 1: 16).

21 «تَعَرَّفْ بِهِ وَٱسْلَمْ. بِذَلِكَ يَأْتِيكَ خَيْرٌ».

مزمور 34: 10

حرّض أليفاز أيوب على التوبة والرجوع إلى الله ليكون له سلام وخير. فكانت خاتمة خطاب أليفاز فصيحة ومؤثرة وأظهر بها صداقته الحقيقية لأيوب وإن كان بعض كلامه السابق قاسياً وغير صحيح.

22 «ٱقْبَلِ ٱلشَّرِيعَةَ مِنْ فَمِهِ، وَضَعْ كَلاَمَهُ فِي قَلْبِكَ».

ص 6: 10 و23: 12 وأمثال 2: 6

ٱلشَّرِيعَةَ هي كل ما يخرج من فم الله (تثنية 8: 3 ومزمور 138: 4 وأمثال 2: 6) ولا تشير إلى ناموس موسى ولا ترد الكلمة في سفر أيوب إلا هنا. (انظر جواب أيوب (23: 11 و12) «بِخَطَوَاتِهِ ٱسْتَمْسَكَتْ رِجْلِي. حَفِظْتُ طَرِيقَهُ وَلَمْ أَحِدْ».

23 «إِنْ رَجَعْتَ إِلَى ٱلْقَدِيرِ تُبْنَى. إِنْ أَبْعَدْتَ ظُلْماً مِنْ خَيْمَتِكَ».

ص 8: 5 و11: 13 وإشعياء 19: 22 و31: 6 وزكريا 1: 3 ص 11: 14

تُبْنَى أي ترجع إلى حالتك الأولى.

24 - 26 «24 وَأَلْقَيْتَ ٱلتِّبْرَ عَلَى ٱلتُّرَابِ وَذَهَبَ أُوفِيرَ بَيْنَ حَصَا ٱلأَوْدِيَةِ. 25 يَكُونُ ٱلْقَدِيرُ تِبْرَكَ وَفِضَّةَ أَتْعَابٍ لَكَ. 26 لأَنَّكَ حِينَئِذٍ تَتَلَذَّذُ بِٱلْقَدِيرِ وَتَرْفَعُ إِلَى ٱللّٰهِ وَجْهَكَ».

ص 31: 24 و25 ص 27: 10 ومزمور 37: 4 وإشعياء 58: 14

وَأَلْقَيْتَ ٱلتِّبْرَ الخ أي وزعت مالك وتركت الاتكال عليه وحسبته كلا شيء عندك. والتبر الذهب غير المضروب وأوفير في بلاد العرب على الأرجح وذهبها أحسن ما يكون (انظر متّى 6: 20 و19: 21).

يَكُونُ ٱلْقَدِيرُ تِبْرَكَ (ع 25) (انظر مزمور 16: 11) «أَمَامَكَ شَبَعُ سُرُورٍ. فِي يَمِينِكَ نِعَمٌ إِلَى ٱلأَبَدِ» (ومزمور 73: 25) «مَنْ لِي فِي ٱلسَّمَاءِ؟ وَمَعَكَ لاَ أُرِيدُ شَيْئاً فِي ٱلأَرْضِ».

27، 28 «27 تُصَلِّي لَهُ فَيَسْتَمِعُ لَكَ وَنُذُورُكَ تُوفِيهَا. 28 وَتَجْزِمُ أَمْراً فَيُثَبَّتُ لَكَ، وَعَلَى طُرُقِكَ يُضِيءُ نُورٌ».

ص 11: 13 و33: 26 وإشعياء 58: 9 ص 34: 28 ص 11: 17 ومزمور 112: 4

تُوفِيهَا لأن الله يكون قد أعطاه مطلوبه.

29، 30 «29 إِذَا وُضِعُوا تَقُولُ: رَفْعٌ. وَيُخَلِّصُ ٱلْمُنْخَفِضَ ٱلْعَيْنَيْنِ. 30 يُنَجِّي غَيْرَ ٱلْبَرِيءِ وَيُنْجَى بِطَهَارَةِ يَدَيْكَ».

ص 5: 11 و36: 7 ومتّى 23: 12 ويعقوب 4: 6 و1بطرس 5: 5 ص 42: 7 و8 ومزمور 18: 20 و24: 3 و4

إِذَا وُضِعُوا اي إذا سقطوا بمصائب يرفعهم أيوب. والمنخفض العينين هو الحزين والبائس حتى غير البريء يخلص بصلاة أيوب التي يقدمها لأجله بقلب نقي ويدين طاهرتين (أعمال 27: 24 ويعقوب 5: 16 و1يوحنا 5: 16). وبالآخر صلى أيوب من أجل أصحابه الثلاثة (42: 7 - 9).

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلْعِشْرُونَ

مضمون هذا الأصحاح وما يليه جواب أيوب الذي ذكر ما أصابه مع أنه اتقى الله (ص 23) وما يحدث في العالم إجمالاً مما يشير إلى عدم وجود نظام عادل (ص 24).

1، 2 «1 فَقَالَ أَيُّوبُ: 2 ٱلْيَوْمَ أَيْضاً شَكْوَايَ تَمَرُّدٌ. ضَرْبَتِي أَثْقَلُ مِنْ تَنَهُّدِي».

انظر ص 7: 11 ص 6: 2 و3 ومزمور 32: 4

تَمَرُّدٌ (ع 2) كان أليفاز حرّض أيوب على التوبة والرجوع إلى الله ليرجع الله إليه ويباركه (22: 21 - 30) وأما أيوب فقال إنه لا يزال يشكو معاملة الله له وشكواه تمرد على كلام أليفاز أي عدم التسليم لدعواه إن أيوب أخطأ خطايا فظيعة (22: 5 - 11) وقال «اليوم أيضاً» أي إنه الآن كما كان بالأول وكلام أصحابه لم يقنعه وقال إنه لم يبالغ في كلامه السابق لأن ضربته أثقل من تنهده.

3 - 7 «3 مَنْ يُعْطِينِي أَنْ أَجِدَهُ فَآتِيَ إِلَى كُرْسِيِّهِ! 4 أُحْسِنُ ٱلدَّعْوَى أَمَامَهُ وَأَمْلأُ فَمِي حُجَجاً. 5 فَأَعْرِفُ ٱلأَقْوَالَ ٱلَّتِي بِهَا يُجِيبُنِي وَأَفْهَمُ مَا يَقُولُهُ لِي. 6 أَبِكَثْرَةِ قُوَّةٍ يُخَاصِمُنِي؟ كَلاَّ! وَلٰكِنَّهُ كَانَ يَنْتَبِهُ إِلَيَّ. 7 هُنَالِكَ كَانَ يُحَاجُّهُ ٱلْمُسْتَقِيمُ، وَكُنْتُ أَنْجُو إِلَى ٱلأَبَدِ مِنْ قَاضِيَّ».

ص 3: 18 انظر ص 9: 4 ص 13: 3 ع 10 وص 13: 16

طلب أن يحضر أمام كرسي الله ليبسط دعواه أمامه تيقن إنه لا يخاصمه بقوته الإلهية بل ينتبه إليه وتيقن أيضاً إن المستقيم (ع 7) أي أيوب نفسه يحاجه فتظهر استقامته ويتبرر إلى الأبد أي لا يُطالب بعد.

مَنْ يُعْطِينِي أَنْ أَجِدَهُ (ع 3) هذا قول كل بني البشر فإنهم يطلبون النور لسبيلهم في هذا العالم ولا يحدث بعد الموت ليفهموا سرّ وجود الآلام والأحزان ويطلبون الخلاص من خطاياهم والراحة لضميرهم والحكم العادل على الظالمين ونجاة المظلومين.

8، 9 «8 هَئَنَذَا أَذْهَبُ شَرْقاً فَلَيْسَ هُوَ هُنَاكَ وَغَرْباً فَلاَ أَشْعُرُ بِهِ 9 شِمَالاً حَيْثُ عَمَلُهُ فَلاَ أَنْظُرُهُ. يَتَعَطَّفُ ٱلْجَنُوبَ فَلاَ أَرَاهُ».

ص 9: 11 و35: 14

فَلاَ أَنْظُرُهُ لماذا لا يراه (1) لأنه يُطلب من الإنسان الإيمان بأن الله موجود وإن كان لا يقدر أن يراه (2) لأن الإنسان لا يقدر أن يرى مجد الله كما أن العين لا تقدر أن تنظر إلى الشمس بلمعانها ولكننا نراه بيسوع المسيح. يذكر الجهات الأربع أي بعدما نظر إلى كل الجهات لم يجد الله لا في مكان العمل (الشمال) ولا في مكان الظلام (الجنوب) والله يتعطف الجنوب أي يلبسه كثوب ويتخبأ فيه والجنوب عند القدماء بلا ظلام لأن معرفتهم فيه قليلة وبالعكس الشمال بلاد عمل.

10 - 12 «10 لأَنَّهُ يَعْرِفُ طَرِيقِي. إِذَا جَرَّبَنِي أَخْرُجُ كَٱلذَّهَبِ. 11 بِخَطَوَاتِهِ ٱسْتَمْسَكَتْ رِجْلِي. حَفِظْتُ طَرِيقَهُ وَلَمْ أَحِدْ. 12 مِنْ وَصِيَّةِ شَفَتَيْهِ لَمْ أَبْرَحْ. أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَتِي ذَخَرْتُ كَلاَمَ فَمِهِ».

ص 7: 18 ومزمور 7: 9 و11: 5 و66: 10 وزكريا 13: 9 و1بطرس 1: 7 ص 31: 7 ومزمور 17: 5 و44: 18 ص 6: 10 و22: 22

لأَنَّهُ يَعْرِفُ طَرِيقِي لم يشك أيوب في براءته وثق بأن الله عرفها وسيظهرها.

إِذَا جَرَّبَنِي كانت مصائب أيوب كنار الممحص تنقي التبر فيخرج ذهباً صافياً أو بمعنى آخر كانت المصائب كحجر محك يُعرف بواسطته الذهب الحقيقي.

فَرِيضَتِي (ع 12) انظر قول أليفاز (22: 22) «ٱقْبَلِ ٱلشَّرِيعَةَ مِنْ فَمِهِ، وَضَعْ كَلاَمَهُ فِي قَلْبِكَ» وقول أيوب إنه كان فضّل فرائض الله على فريضته فلم يعمل حسب إرادته بل حسب إرادة الله.

13، 14 «13 أَمَّا هُوَ فَوَحْدَهُ، فَمَنْ يَرُدُّهُ؟ وَنَفْسُهُ تَشْتَهِي فَيَفْعَلُ. 14 لأَنَّهُ يُتَمِّمُ ٱلْمَفْرُوضَ عَلَيَّ، وَكَثِيرٌ مِثْلُ هٰذِهِ عِنْدَهُ».

وأما الله فيعمل كما يشاء ولا يحكم عليه أحدٌ. والمفروض على أيوب (ع 14) هو المصائب والله يتممها بموته.

وَكَثِيرٌ مِثْلُ هٰذِهِ عِنْدَهُ ليس مصائب أيوب فقط بل أحوال العالم بالإجمال فإن أناساً يتألمون وأناساً ينعمون وذلك كله بلا سبب وبلا عدل كما ظهر لأيوب.

15 - 17 «15 مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ أَرْتَاعُ قُدَّامَهُ. أَتَأَمَّلُ فَأَرْتَعِبُ مِنْهُ. 16 لأَنَّ ٱللّٰهَ قَدْ أَضْعَفَ قَلْبِي وَٱلْقَدِيرَ رَوَّعَنِي. 17 لأَنِّي لَمْ أُقْطَعْ قَبْلَ ٱلظَّلاَمِ وَمِنْ وَجْهِي لَمْ يُغَطِّ ٱلدُّجَى».

ص 27: 2 وتثنية 20: 3 وإرميا 51: 46 ص 10: 18 و19 ص 19: 8

التشديد على كلمة «الله» وكلمة «القدير» إن ما أرعب أيوب هو أن الله الذي أحبه وعبده لم يعدل. ومن مصائبه إنه لم يُقطع والدجى لم يُغطِّ وجهه قبلما أتاه ظلام المصائب كما قال في (3: 11) «لِمَ لَمْ أَمُتْ مِنَ ٱلرَّحِمِ؟».

فوائد

  1. لسنا بحاجة أن نُحسن الدعوى أمام الله لأن لنا رئيس كهنة عظيم (عبرانيين 4: 14 - 16).

  2. أحسن حجج نملأُ أفواهنا بها هي مواعيد الله (إشعياء 43: 26) «ذَكِّرْنِي فَنَتَحَاكَمَ مَعاً».

  3. لنا تعزية في الضيق لأن الله يعرف طريقنا وبعد التجربة يخرجنا كالذهب.

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ

تكملة الموضوع الذي ابتدأ البحث فيه في (ص 23) وفي هذا الأصحاح نظر أيوب إلى ما يحدث للناس إجمالاً فرأى فيهم كما رأى في نفسه ما يشير إلى عدم وجود نظام عادل.

1 - 8 «1 لِمَاذَا إِذْ لَمْ تَخْتَبِئِ ٱلأَزْمِنَةُ مِنَ ٱلْقَدِيرِ لاَ يَرَى عَارِفُوهُ يَوْمَهُ؟ 2 يَنْقُلُونَ ٱلتُّخُومَ. يَغْتَصِبُونَ قَطِيعاً وَيَرْعَوْنَهُ. 3 يَسْتَاقُونَ حِمَارَ ٱلْيَتَامَى وَيَرْتَهِنُونَ ثَوْرَ ٱلأَرْمَلَةِ. 4 يَصُدُّونَ ٱلْفُقَرَاءَ عَنِ ٱلطَّرِيقِ. مَسَاكِينُ ٱلأَرْضِ يَخْتَبِئُونَ جَمِيعاً. 5 هَا هُمْ كَٱلْفَرَاءِ فِي ٱلْقَفْرِ يَخْرُجُونَ إِلَى عَمَلِهِمْ يُبَكِّرُونَ لِلطَّعَامِ. ٱلْبَادِيَةُ لَهُمْ خُبْزٌ لأَوْلاَدِهِمْ. 6 فِي ٱلْحَقْلِ يَحْصُدُونَ عَلَفَهُمْ، وَيُعَلِّلُونَ كَرْمَ ٱلشِّرِّيرِ. 7 يَبِيتُونَ عُرَاةً بِلاَ لِبْسٍ وَلَيْسَ لَهُمْ كِسْوَةٌ فِي ٱلْبَرْدِ. 8 يَبْتَلُّونَ مِنْ مَطَرِ ٱلْجِبَالِ وَلِعَدَمِ ٱلْمَلْجَإِ يَعْتَنِقُونَ ٱلصَّخْرَ».

إشعياء 2: 12 وإرميا 46: 10 وعوبديا 15 وصفنيا 1: 7 تثنية 19: 14 و27: 17 انظر ص 6: 27 انظر ص 22: 9 ع 14 وص 29: 16 و30: 25 و31: 19 ص 29: 12 ومزمور 41: 1 وأمثال 14: 31 وعاموس 8: 4 ص 39: 5 - 8 مزمور 104: 23 مراثي 4: 5

ٱلأَزْمِنَةُ هي الأزمنة الكائنة في العالم وهي أزمنة ظلم وشرور كما رأى أيوب وهي لا تخفى على الله. ويومه أي يوم الله هو يوم معيّن للقضاء وعارفوه أي الأتقياء الذين يعرفون الله ينتظرون ذلك اليوم ويتوقعون القضاء على الأشرار وإنصاف المظلومين ولكنهم لا يرون هذا والعالم باقٍ كما هو بلا نظام وعدل.

ٱلتُّخُومَ (ع 2) حجارة منصوبة للفصل بين أرضين ونقل التخوم هو اغتصاب أرض بلا حق (تثنية 19: 14 وهوشع 5: 10).

يَرْعَوْنَهُ بلا حياء وأمام عيني صاحبه وهو لا يقدر أن يتكلم أو يعمل شيئاً لعدم وجود حاكم عادل.

حِمَارَ ٱلْيَتَامَى (ع 3) حمارهم الوحيد وثور الأرملة ثورها الوحيد بدونهما لا يقدرون أن يعيشوا.

يَصُدُّونَ ٱلْفُقَرَاءَ عَنِ ٱلطَّرِيقِ (ع 4) (عاموس 5: 12) «ٱلصَّادُّونَ ٱلْبَائِسِينَ فِي ٱلْبَابِ» أي يمنعونهم عن حقوقهم فلا يقدر الفقير أن يشتكي الغني ولا تُسمع دعواه. يختبئون إذ ليس لهم بيوت ومن الخوف ومن الأقوياء.

كَٱلْفَرَاءِ (ع 5) الفقراء المذكورون «كالفراء» لأن ليس لهم مسكن ويجولون يفتشون عن طعامهم في البرية.

عَلَفَهُمْ (ع 6) أي طعامهم الخشن وهو كعلف البهائم.

يُعَلِّلُونَ كَرْمَ ٱلشِّرِّيرِ يجنونه مرة بعد أخرى أو يجمعون فضلاته.

9 - 12 «9 يَخْطُفُونَ ٱلْيَتِيمَ عَنِ ٱلثُّدِيِّ وَمِنَ ٱلْمَسَاكِينِ يَرْتَهِنُونَ. 10 عُرَاةً يَذْهَبُونَ بِلاَ لِبْسٍ، وَجَائِعِينَ يَحْمِلُونَ حُزَماً. 11 يَعْصُرُونَ ٱلزَّيْتَ دَاخِلَ أَسْوَارِهِمْ. يَدُوسُونَ ٱلْمَعَاصِرَ وَيَعْطَشُونَ. 12 مِنَ ٱلْوَجَعِ أُنَاسٌ يَئِنُّونَ، وَنَفْسُ ٱلْجَرْحَى تَسْتَغِيثُ، وَٱللّٰهُ لاَ يَنْتَبِهُ إِلَى ٱلظُّلْمِ».

انظر ص 6: 27 ص 9: 23 و24

يَخْطُفُونَ ٱلْيَتِيمَ بعدما يأخذون كل أملاك الأرملة يخطفون حتى الولد من ثديها لكي يبيعوه أو يربوه ليكون عبداً لهم.

عُرَاةً يَذْهَبُونَ الخ (ع 10) ذكر الفقراء الذين يخدمون الأشرار فإنهم يحملون حزماً من الحنطة ولا يأكلون خبزاً ويدوسون المعاصر ولا يشربون خمراً وتعجب أيوب لأن الله لا ينتبه إلى الظالم.

13 - 17 «13 أُولَئِكَ يَكُونُونَ بَيْنَ ٱلْمُتَمَرِّدِينَ عَلَى ٱلنُّورِ. لاَ يَعْرِفُونَ طُرُقَهُ وَلاَ يَلْبَثُونَ فِي سُبُلِهِ. 14 مَعَ ٱلنُّورِ يَقُومُ ٱلْقَاتِلُ. يَقْتُلُ ٱلْمِسْكِينَ وَٱلْفَقِيرَ، وَفِي ٱللَّيْلِ يَكُونُ كَٱللِّصِّ. 15 وَعَيْنُ ٱلزَّانِي تُلاَحِظُ ٱلْعِشَاءَ. يَقُولُ: لاَ تُرَاقِبُنِي عَيْنٌ. فَيَجْعَلُ سِتْراً عَلَى وَجْهِهِ. 16 يَنْقُبُونَ ٱلْبُيُوتَ فِي ٱلظَّلاَمِ. فِي ٱلنَّهَارِ يُغْلِقُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. لاَ يَعْرِفُونَ ٱلنُّورَ. 17 لأَنَّهُ سَوَاءٌ عَلَيْهِمُ ٱلصَّبَاحُ وَظِلُّ ٱلْمَوْتِ. لأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَهْوَالَ ظِلِّ ٱلْمَوْتِ».

ميخا 2: 1 مزمور 10: 8 أمثال 7: 9 خروج 22: 2 ومتّى 6: 19 انظر ص 15: 21

المتمردون على النور هم الذين يعملون سيئاتهم في الليل كالقاتل واللص والزاني.

مَعَ ٱلنُّورِ (ع 14) أي باكراً قبل شروق الشمس ليكمن للمسافرين وفي الليل يدخل بيوتاً كلص ليسرق. وأهوال ظل الموت (ع 17) هي أهوال الليل ولا يخافونها كما يخاف غيرهم لأن الليل يوافق أعمالهم الشريرة وسواء عندهم النهار والليل.

في (ع 18 - 21) وصف عقاب الشرير وفي (22 - 24) وصف طمأنينة في حياته وموته فتظهر بين الفصلين مناقضة.

يظن بعضهم إن الكلام في (18 - 21) ليس كلام أيوب بل جزء من خطاب بلدد وهو منقول إلى هنا من (ص 25) بالغلط. وما يريد هذا اختصار خطاب بلدد كما يأتي في (ص 25). ويظن غيرهم إن أيوب ذكر أفكار أصحابه فقال «أنتم تقولون» إن الشرير خفيف على وجه المياه ونصيبه ملعون الخ وفي (ع 22 - 24) رد أيوب عليهم وأبان إن الأمر ليس كما قالوا.

18 - 21 «18 خَفِيفٌ هُوَ عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ. مَلْعُونٌ نَصِيبُهُمْ فِي ٱلأَرْضِ. لاَ يَتَوَجَّهُ إِلَى طَرِيقِ ٱلْكُرُومِ. 19 ٱلْقَحْطُ وَٱلْقَيْظُ يَذْهَبَانِ بِمِيَاهِ ٱلثَّلْجِ، كَذَا ٱلْهَاوِيَةُ بِٱلَّذِينَ أَخْطَأُوا. 20 تَنْسَاهُ ٱلرَّحِمُ، يَسْتَحْلِيهِ ٱلدُّودُ. لاَ يُذْكَرُ بَعْدُ، وَيَنْكَسِرُ ٱلأَثِيمُ كَشَجَرَةٍ. 21 يُسِيءُ إِلَى ٱلْعَاقِرِ ٱلَّتِي لَمْ تَلِدْ، وَلاَ يُحْسِنُ إِلَى ٱلأَرْمَلَةِ».

ص 22: 11 و16 و27: 20 ص 5: 3 ع 6 و11 ص 6: 16 و17 ص 21: 13 إشعياء 49: 15 ص 21: 26 ص 18: 17 ومزمور 34: 16 وأمثال 10: 7 ص 19: 10 ودانيال 4: 14 انظر ص 22: 9

خَفِيفٌ هُوَ عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ أي يبيد سريعاً (انظر هوشع 10: 7) «اَلسَّامِرَةُ مَلِكُهَا يَبِيدُ كَغُثَاءٍ عَلَى وَجْهِ ٱلْمَاءِ».

لاَ يَتَوَجَّهُ إِلَى طَرِيقِ ٱلْكُرُومِ القعود تحت الكرمة والتينة دليل على السلام والراحة (ميخا 4: 4) وبالعكس لا يتوجه الشرير إلى الكروم لعدم وجود الأمان والراحة. والشرير في أيام نجاحه كمياه الثلج المنعشة (ع 19) ولكنه سينزل إلى الهاوية وغناه ومجده يكونان كالثلج في وقت القحط والغيظ.

تَنْسَاهُ ٱلرَّحِمُ (ع 20) ينساه الجميع حتى أمه أيضاً فلا يبقى له ذكر ولا أحد يلذّ به إلا الدود في جثته.

كَشَجَرَةٍ كان الشرير في ملء رغده كشجرة ناضرة ولكنه يصير كشجرة منكسرة.

يُسِيءُ إِلَى ٱلْعَاقِرِ (ع 21) التي ليس لها ابن يحامي عنها.

22 - 25 «22 يُمْسِكُ ٱلأَعِزَّاءَ بِقُوَّتِهِ. يَقُومُ فَلاَ يَأْمَنُ أَحَدٌ بِحَيَاتِهِ. 23 يُعْطِيهِ طُمَأْنِينَةً فَيَتَوَكَّلُ، وَلٰكِنْ عَيْنَاهُ عَلَى طُرُقِهِمْ. 24 يَتَرَفَّعُونَ قَلِيلاً ثُمَّ لاَ يَكُونُونَ وَيُحَطُّونَ. كَٱلْكُلِّ يُجْمَعُونَ وَكَرَأْسِ ٱلسُّنْبُلَةِ يُقْطَعُونَ. 25 وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَا، فَمَنْ يُكَذِّبُنِي وَيَجْعَلُ كَلاَمِي لاَ شَيْئاً؟».

انظر ص 9: 4 ص 18: 20 انظر ص 12: 6 ص 10: 4 انظر 11: 11 مزمور 37: 10 ص 14: 21 ص 6: 28 و27: 4

في هذه الآيات يردّ أيوب على كلام أصحابه الذي ورد في (18: 21) ويقول إن الله يمسك الأعزاء الأشرار ويعطيهم القوة وتكلم أيوب بالنظر إلى الواقع لأنه رأى أن الأشرار أقوياء وقوتهم هذه من الله إذ ليس لهم ولا لغيرهم قوة إلا من الله.

يَقُومُ الخ إذا وقع الشرير في مرض لا يعتقد أحد بشفائه منه يقيمه الله. والله يعطي الشرير طمأنينة (ع 23) فيتوكل على الله وعينا الله عل طرقه أي يحفظه في طرقه وهذا من الأمور العجيبة التي لم يقدر أيوب أن يدركها (21: 6 و7) وهذه هي الشكوى التي تُحسب تمرداً (23: 2).

ووصف أيوب موت الأشرار (ع 24) إنه كموت كل بشر فإنهم يعيشون كما يعيش غيرهم أيام حياتهم القليلة ويموتون موتاً طبيعياً وكما تُقطع السنبلة في وقت الحصاد أي أنهم لا يُقطعون قبل الأوان بل يكملون أيامهم.

فَمَنْ يُكَذِّبُنِي (ع 25) تغلب أيوب على أصدقائه لأنه ثبت أن الله لا يجازي الناس حسب أعمالهم ولذلك لم تكن مصائبه دليلاً على أنه أخطأ خطايا فظيعة ولكنه خسر أكثر مما ربح لأن نتيجة كلامه إن الله ليس حاكماً عادلاً فأصبح أيوب بلا تعزية في مصائبه وبلا حل في مشكله.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلْعِشْرُونَ

مضمونه خطاب بلدد الثالث وهو آخر خِطب الأصحاب الثلاثة وهو مختصر إذ ليس لبلدد حجة يدفع بها ما ذكره أيوب من جهة مجازاة الله في هذا العالم ولكنه لم يقدر أن يترك البحث بلا اعتراض على ثقة أيوب ببره وطعنه في عدل الله ولم يذكر في خطابه إلا ما كان ذكره سابقاً والأصحاب الثلاثة عدلوا عن الكلام مع أنهم لم يعدلوا عن اعتقادهم من جهة أيوب.

1 - 6 «1 فَأَجَابَ بِلْدَدُ ٱلشُّوحِيُّ: 2 ٱلسُّلْطَانُ وَٱلْهَيْبَةُ عِنْدَهُ. هُوَ صَانِعُ ٱلسَّلاَمِ فِي أَعَالِيهِ. 3 هَلْ مِنْ عَدَدٍ لِجُنُودِهِ، وَعَلَى مَنْ لاَ يُشْرِقُ نُورُهُ؟ 4 فَكَيْفَ يَتَبَرَّرُ ٱلإِنْسَانُ عِنْدَ ٱللّٰهِ، وَكَيْفَ يَزْكُو مَوْلُودُ ٱلْمَرْأَةِ؟ 5 هُوَذَا نَفْسُ ٱلْقَمَرِ لاَ يُضِيءُ، وَٱلْكَوَاكِبُ غَيْرُ نَقِيَّةٍ فِي عَيْنَيْهِ. 6 فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ ٱلإِنْسَانُ ٱلرِّمَّةُ وَٱبْنُ آدَمَ ٱلدُّودُ».

ص 9: 4 و36: 5 و22 و37: 23 و42: 2 ص 16: 19 و31: 2 انظر ص 16: 13 ص 4: 17 و9: 2 ص 14: 4 ص 21: 26 ص 15: 15 انظر ص 7: 17 ص 17: 14

أَعَالِيهِ (ع 2) السماء هي مسكن الله. والله يصنع السلام في أعاليه إذ يسكن العواصف والرعود وهو ضابط الكل «ٱلنَّارُ وَٱلْبَرَدُ، ٱلثَّلْجُ وَٱلضَّبَابُ، ٱلرِّيحُ ٱلْعَاصِفَةُ ٱلصَّانِعَةُ كَلِمَتَهُ،» (مزمور 148: 8). ولعله أشار إلى سقوط الملائكة الذين لم يحفظوا رئاستهم (يهوذا 1: 6 ورؤيا 12: 7).

جُنُودِهِ (ع 3) (إشعياء 40: 26) النجوم أو الملائكة لأن القدماء تصوروا النجوم إنها ذات حياة وإنها كناية عن الملائكة (إشعياء 24: 21).

نُورُهُ نور الشمس (مزمور 19: 6) والمعنى إن عمل الله في كل مكان وكل إنسان.

فَكَيْفَ يَتَبَرَّرُ ٱلإِنْسَانُ (ع 4) (انظر 4: 17 و15: 14) وبكلامه هذا وبخ أيوب على قوله «بِخَطَوَاتِهِ ٱسْتَمْسَكَتْ رِجْلِي. حَفِظْتُ طَرِيقَهُ الخ» (23: 11).

ٱلرِّمَّةُ... ٱلدُّودُ (ع 6) الرمة العظم البالي وتشير إلى فساد طبيعة الإنسان والدود يشير إلى ضعف الإنسان وحقارته. والفائدة من هذا الأصحاح هي إن من ينظر إلى السموات وهي عمل الله يشعر بضعفه وعدم استحقاقه أمام الله فلا يليق بأيوب أن يحكم على الله بأنه لا ينتبه أو لا يعمل بالعدل.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ وَٱلْعِشْرُونَ

جواب أيوب لبلدد وشكره له تعزيته متهكماً وبعده كلام في عظمة الله الظاهرة في الهاوية وعلى الأرض وفي السموات.

1 - 4 «1 فَقَالَ أَيُّوبُ: 2 كَيْفَ أَعَنْتَ مَنْ لاَ قُوَّةَ لَهُ، وَخَلَّصْتَ ذِرَاعاً لاَ عِزَّ لَهَا؟ 3 كَيْفَ أَشَرْتَ عَلَى مَنْ لاَ حِكْمَةَ لَهُ، وَأَظْهَرْتَ ٱلْفَهْمَ بِكَثْرَةٍ؟ 4 لِمَنْ أَعْلَنْتَ أَقْوَالاً، وَنَسَمَةُ مَنْ خَرَجَتْ مِنْكَ؟».

ص 6: 11 و12 مزمور 71: 9

رأى أيوب أنه لا يقلّ عن بلدد معرفة وأنه ليس محتاجاً إلى التعليم والإنذار وأشار إلى ضعف كلام بلدد وعجزه عن حل المشكل الذي كان أيوب وقع فيه.

كَيْفَ أَعَنْتَ (ع 2) أي لم تُعِن وما خلّصت الخ وأظهر بلدد بكلامه أنه اعتبر أيوب كمن لا قوة له ولا عزّ ولا حكمة فتنازل ليعلّمه (12: 4).

وَأَظْهَرْتَ ٱلْفَهْمَ بِكَثْرَةٍ (ع 3) لعله أشار تهكماً إلى كلام بلدد المختصر.

نَسَمَةُ مَنْ خَرَجَتْ مِنْكَ (ع 4) أي بإلهام من تكلمت هل بإلهام الله وأشار تهكماً إلى ركاكة كلام بلدد.

ويرى بعضهم أن بقية الكلام في هذا الأصحاح يوافق كلام بلدد في (ص 25) ولا يوافق كلام أيوب فيظنون أن كلام بلدد هو (ص 25 و26) ما عدا الأعداد (1 - 4 في ص 26) التي كان مكانها الأصلي في أول (ص 27) مع غيرها من كلام أيوب. والآية الأولى من الأصحاح 28 زائدة يجب تركها.

5 - 8 «5 الأخيلة (اَلأَرْوَاحُ) تَرْتَعِدُ مِنْ تَحْتِ ٱلْمِيَاهِ وَسُكَّانِهَا. 6 ٱلْهَاوِيَةُ عُرْيَانَةٌ قُدَّامَهُ وَٱلْهَلاَكُ لَيْسَ لَهُ غِطَاءٌ. 7 يَمُدُّ ٱلشِّمَالَ عَلَى ٱلْخَلاَءِ، وَيُعَلِّقُ ٱلأَرْضَ عَلَى لاَ شَيْءٍ. 8 يَصُرُّ ٱلْمِيَاهَ فِي سُحُبِهِ فَلاَ يَتَمَزَّقُ ٱلْغَيْمُ تَحْتَهَا».

ص 3: 13 ومزمور 88: 10 ع 6 - 14 وص 9: 5 - 10 و38: 17 و41: 11 ص 28: 22 و31: 12 انظر ص 9: 8 ص 37: 11 وأمثال 3: 4

الأخيلة (اَلأَرْوَاحُ) الأموات (إشعياء 14: 9 و26: 14) ومسكن الأخيلة تحت مياه البحر وأبعد ما يكون في السماء مسكن الله ومع ذلك ترتعد منه الأخيلة لأن قوته ممتدة إليها.

ٱلْهَاوِيَةُ (ع 6) (انظر 3: 13 وتفسيره). والهاوية عريانة أي مكشوفة قدامه لأن الله في كل مكان ويرى كل شيء.

يَمُدُّ ٱلشِّمَالَ عَلَى ٱلْخَلاَءِ (ع 7) الأرجح أنه أشار لا إلى شمال الأرض بل إلى شمال السموات وهو المكان الذي تجتمع فيه أجمل النجوم وهذه النجوم راكزة في السماء على الخلاء لا شيء يسندها من تحت. وكان القدماء يتصورون الفلك قبة راكزة في كرة الأرض (إشعياء 40: 22) والكلام هنا شعري لا علمي.

وَيُعَلِّقُ ٱلأَرْضَ عَلَى لاَ شَيْءٍ أي إن الأرض ليست معلقة بالسماء. فتظهر عظمة الخالق لأن السماء من فوق لا تتعلق بشيء والأرض من تحت لا تستند على شيء. والقدماء لم يعرفوا إن الأرض والأجرام السماوية كلها كرات تدور وتسير في الخلاء بقوَّتي الجذب والدفع.

يَصُرُّ ٱلْمِيَاهَ (ع 8) (انظر 38: 37) يضع الناس الماء في أزقاق وأحياناً تتمزق هذه من كثرة الماء وأما الله فيصر مياه السماء والأمطار الغزيرة في سحبه التي هي كنسيج رفيع من الحرير ومع ذلك لا تتمزّق.

9 - 14 «9 يَحْجِبُ وَجْهَ كُرْسِيِّهِ بَاسِطاً عَلَيْهِ سَحَابَهُ. 10 رَسَمَ حَدّاً عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ عِنْدَ ٱتِّصَالِ ٱلنُّورِ بِٱلظُّلْمَةِ. 11 أَعْمِدَةُ ٱلسَّمَاوَاتِ تَرْتَعِدُ وَتَرْتَاعُ مِنْ زَجْرِهِ. 12 بِقُوَّتِهِ يُزْعِجُ ٱلْبَحْرَ وَبِفَهْمِهِ يَسْحَقُ رَهَبَ. 13 بِنَفْخَتِهِ ٱلسَّمَاوَاتُ مُشْرِقَةٌ، وَيَدَاهُ أَبْدَأَتَا ٱلْحَيَّةَ ٱلْهَارِبَةَ. 14 هَا هٰذِهِ أَطْرَافُ طُرُقِهِ، وَمَا أَخْفَضَ ٱلْكَلاَمَ ٱلَّذِي نَسْمَعُهُ مِنْهُ! وَأَمَّا رَعْدُ جَبَرُوتِهِ فَمَنْ يَفْهَمُ؟».

ص 22: 14 ومزمور 97: 2 و105: 39 ص 38: 8 - 11 وأمثال 8: 29 ص 38: 19 و20 و24 إشعياء 51: 15 وإرميا 31: 35 انظر ص 12: 13 ص 9: 13 ص 9: 8 إشعياء 27: 1 ص 4: 12 ص 36: 29 و37: 4 و5

وَجْهَ كُرْسِيِّهِ أي خارجه وما كان يظهر للناس لو رأوه (مزمور 97: 2).

رَسَمَ حَدّاً (ع 10) تصوّر القدماء أن مياه البحر تحيط بالأرض كلها كدائرة وضمن الدائرة نور الشمس وخارجها ظلمة ورسم الله الحد عند اتصال النور بالظلمة.

أَعْمِدَةُ ٱلسَّمَاوَاتِ (ع 11) الجبال العالية تصل رؤوسها إلى السماء حسب الظاهر فترتعد عند هزيم الرعود أو حدوث الزلازل وقبة الفلك راكزة على دائرة الأرض (ع 10) ولها أعمدة أيضاً.

يَسْحَقُ رَهَبَ (ع 12) (انظر 9: 13 وتفسيره) أي الله بقوته يهيج البحر وبقوّته يسكنه كأنه يسحق حيواناً هائجاً.

بِنَفْخَتِهِ (ع 13) الريح التي تطرد الغيم فتُسفر السموات.

ٱلْحَيَّةَ ٱلْهَارِبَةَ (انظر 3: 8 وتفسيره) والمعنى أن كل ما تراه في الطبيعة هو من الله فالنور منه والظلمة منه ويداه أبدأتا الحيّة أي إن الكسوف والخسوف منه إشارة إلى اعتقاد القدماء إن حية كبيرة تبلع الشمس عند الكسوف أو القمر عند الخسوف. والحيّة دُعيت هاربة نظراً سرعة حركاتها.

هَا هٰذِهِ أَطْرَافُ (ع 14) كل ما نراه من أعمال الله كأطراف طرقه فقط وكل ما نسمعه هو كلام منخفض أو وسوسة بالنسبة إلى الرعد.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ

مضمونه جواب أيوب على ما قاله أليفاز في (ص 22) في خطايا أيوب الفظيعة فتمسك أيوب ببره (1 - 7) ورأى بعضهم أن الكلام من ع 7 - 23 لا يوافق كلام أيوب السابق لأن مضمونه أن الشرير لا ينجو من دينونة الله العادلة وأن بنيه للسيف وذريته لا تشبع خبزاً ولبسه وفضته تكون لغيره والأهوال تدركه ويُلقي الله عليه ولا يشفق. وكان أيوب قال سابقاً «لِمَاذَا تَحْيَا ٱلأَشْرَارُ وَيَشِيخُونَ، نَعَمْ وَيَتَجَبَّرُونَ قُوَّةً... بُيُوتُهُمْ آمِنَةٌ... يَقْضُونَ أَيَّامَهُمْ بِٱلْخَيْرِ» (21: 7 و9 و13) ويرون أيضاً إن الكلام في هذا الفصل (7: 23) يوافق كلام صوفر (انظر ص 20) فيظنون أن الذين جمعوا سفر أيوب ورتبوه وضعوا في هذا الأصحاح خطاب صوفر الثالث. ويظن غيرهم أن الكلام هنا كله كلام أيوب واختلف كلامه هنا عن كلامه السابق لأنه في الآخر سلم أن أصحابه صدقوا في بعض أقوالهم وإنه هو تطرّف في بعض كلامه والحقيقة إن الأشرار غالباً يجازون حسب أعمالهم والذين ينجون من المجازاة هم شواذ عن القانون فلا يصح قول أصحابه إن الأشرار يجازون دائماً ولا يصح قول أيوب أنهم لا يجازون مطلقاً. في آخر (ع 12) التي لا أصل لها في العبراني دليلاً على أن الكلام التالي (13 - 23) هو كلام أصحاب أيوب فذكره هنا ليجاوب عليه في (ص 28).

1 - 6 «1 وَعَادَ أَيُّوبُ يَنْطِقُ بِمَثَلِهِ فَقَالَ: 2 حَيٌّ هُوَ ٱللّٰهُ ٱلَّذِي نَزَعَ حَقِّي وَٱلْقَدِيرُ ٱلَّذِي أَمَرَّ نَفْسِي، 3 إِنَّهُ مَا دَامَتْ نَسَمَتِي فِيَّ وَنَفْخَةُ ٱللّٰهِ فِي أَنْفِي، 4 لَنْ تَتَكَلَّمَ شَفَتَايَ إِثْماً وَلاَ يَلْفِظَ لِسَانِي بِغِشٍّ. 5 حَاشَا لِي أَنْ أُبَرِّرَكُمْ! حَتَّى أُسْلِمَ ٱلرُّوحَ لاَ أَعْزِلُ كَمَالِي عَنِّي. 6 تَمَسَّكْتُ بِبِرِّي وَلاَ أَرْخِيهِ. قَلْبِي لاَ يُعَيِّرُ يَوْماً مِنْ أَيَّامِي».

ص 13: 12 و29: 1 ص 16: 11 و34: 5 ص 9: 18 ص 32: 8 و33: 4 ص 6: 28 و33: 3 انظر ص 6: 29 ص 2: 3 و13: 18

حَيٌّ هُوَ ٱللّٰهُ (ع 2) لم يزل يتمسك باعتقاده بالله غير أنه نسب إليه الظلم لأنه نزع حقه وأمرّ نفسه.

لَنْ تَتَكَلَّمَ شَفَتَايَ (ع 4) أشار إلى ما سيذكره أي إنه لا يبرر أصحابه في ما كانوا قالوه عليه ولا يسلم بأنه أخطأ كما ادعوا.

لاَ يُعَيِّرُ يَوْماً مِنْ أَيَّامِي (ع 6) أي لا يوبخه ضميره على خطيئة فظيعة ارتكبها في أحد أيامه ولكنه لا يدعي العصمة.

7 - 10 «7 لِيَكُنْ عَدُوِّي كَٱلشِّرِّيرِ وَمُعَانِدِي كَفَاعِلِ ٱلشَّرِّ. 8 لأَنَّهُ مَا هُوَ رَجَاءُ ٱلْفَاجِرِ عِنْدَمَا يَقْطَعُهُ، عِنْدَمَا يَسْلِبُ ٱللّٰهُ نَفْسَهُ؟ 9 أَفَيَسْمَعُ ٱللّٰهُ صُرَاخَهُ إِذَا جَاءَ عَلَيْهِ ضِيقٌ؟ 10 أَمْ يَتَلَذَّذُ بِٱلْقَدِيرِ؟ هَلْ يَدْعُو ٱللّٰهَ فِي كُلِّ حِينٍ؟».

ص 8: 13 و11: 20 ص 12: 10 ص 35: 12 و13 ومزمور 18: 41 وأمثال 1: 28 وإشعياء 1: 15 وإرميا 14: 12 وميخا 3: 4 أمثال 1: 27 ص 22: 26 و27 ومزمور 37: 4 وإشعياء 58: 14

في هذه الآيات وصف نصيب الشرير وهو هائل جداً حتى لو أراد أحدهم أن يدعو أعظم دعوة على عدو له كان يقول ليكن كالشرير.

مَا هُوَ رَجَاءُ ٱلْفَاجِرِ (ع 8) ليس له رجاء في موته وفي الضيق لا يسمع الله صراخه وتنقطع كل آماله.

أَمْ يَتَلَذَّذُ بِٱلْقَدِيرِ (ع 10) تأتي كل إنسان أيام ضيق أو مرض أو حزن أو خوف ولا يجد تعزية في غناه ولا في أصدقائه فيطلبها من الله ولكن من ترك الله في أيام راحته لا يجده في أيام ضيقه (انظر أمثال 1: 24 - 32 ولوقا 13: 25) وأما أيوب فلم يسلم أنه كالفاجر الذي ليس له رجاء لا يسمع الله صلاته وهو لا يتلذذ بالقدير. ومصائب أيوب وإن كانت عظيمة فليست كمصائب الفاجر.

11 - 23 «11 إِنِّي أُعَلِّمُكُمْ بِيَدِ ٱللّٰهِ. لاَ أَكْتُمُ مَا هُوَ عِنْدَ ٱلْقَدِيرِ. 12 هَا أَنْتُمْ كُلُّكُمْ قَدْ رَأَيْتُمْ، فَلِمَاذَا تَتَبَطَّلُونَ تَبَطُّلاً قَائِلِينَ: 13 هٰذَا نَصِيبُ ٱلإِنْسَانِ ٱلشِّرِّيرِ مِنْ عِنْدِ ٱللّٰهِ، وَمِيرَاثُ ٱلْعُتَاةِ ٱلَّذِي يَنَالُونَهُ مِنَ ٱلْقَدِيرِ. 14 إِنْ كَثُرَ بَنُوهُ فَلِلسَّيْفِ، وَذُرِّيَّتُهُ لاَ تَشْبَعُ خُبْزاً. 15 بَقِيَّتُهُ تُدْفَنُ بِٱلْوَبَإِ، وَأَرَامِلُهُ لاَ تَبْكِي. 16 إِنْ كَنَزَ فِضَّةً كَٱلتُّرَابِ، وَأَعَدَّ مَلاَبِسَ كَٱلطِّينِ، 17 فَهُوَ يُعِدُّ وَٱلْبَارُّ يَلْبِسُهُ، وَٱلْبَرِيءُ يَقْسِمُ ٱلْفِضَّةَ. 18 يَبْنِي بَيْتَهُ كَٱلْعُثِّ أَوْ كَمِظَلَّةٍ صَنَعَهَا ٱلْحَارِسُ. 19 يَضْطَجِعُ غَنِيّاً وَلٰكِنَّهُ لاَ يُضَمُّ. يَفْتَحُ عَيْنَيْهِ وَلاَ يَكُونُ. 20 ٱلأَهْوَالُ تُدْرِكُهُ كَٱلْمِيَاهِ. لَيْلاً تَخْتَطِفُهُ ٱلزَّوْبَعَةُ 21 تَحْمِلُهُ ٱلشَّرْقِيَّةُ فَيَذْهَبُ وَتَجْرُفُهُ مِنْ مَكَانِهِ. 22 يُلْقِي ٱللّٰهُ عَلَيْهِ وَلاَ يُشْفِقُ. مِنْ يَدِهِ يَهْرُبُ هَرْباً. 23 يَصْفِقُونَ عَلَيْهِ بِأَيْدِيهِمْ وَيَصْفِرُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَكَانِهِ».

ع 13 ص 20: 29 ص 15: 20 ص 15: 22 و18: 19 ص 20: 10 مزمور 78: 64 ص 20: 18 - 21 ص 8: 15 و18: 14 ص 7: 8 و21 و20: 7 انظر ص 15: 21 ص 20: 8 و34: 20 ص 21: 18 انظر ص 7: 10 إرميا 13: 14 وحزقيال 5: 11 و24: 14 انظر ص 11: 20 ص 18: 18 و20: 8

بِيَدِ ٱللّٰهِ أي ما يعمله الله بيده وقصد أيوب أن يعلّم أصحابه بالكلام الآتي ما هي معاملة الله.

لاَ أَكْتُمُ مَا هُوَ عِنْدَ ٱلْقَدِيرِ بنفس المعنى ولا يشير إلى قضاء الله ومقاصده السرية.

تَتَبَطَّلُونَ تَبَطُّلاً (ع 12) أي تتكلمون كثيراً بأباطيل.

قَائِلِينَ ما يرد بعد هذه الكلمة إلى آخر الأصحاح هو ذكر أباطيل أصحابه وفي (ص 28) يرد الجواب عليها (انظر مقدمة هذا الأصحاح).

نَصِيبُ ٱلإِنْسَانِ ٱلشِّرِّيرِ (ع 13) من نصيب الشرير أن بنيه وإن كانوا كثيرين فللسيف أو للجوع أو للوباء. والموتان (ع 15) مرض يصيب المواشي. وبنو الشرير يُدفنون بالموتان أي يموتون بوباء كريه كوباء المواشي ويدفنون دفنهم فلا تُقام لهم صلاة ولا يبكيهم أحد. والجمع «أرامله» لا يثبت أنه تزوج أكثر من امرأة واحدة لأن الانتقال من الجمع إلى المفرد ومن المفرد إلى الجمع من اصطلاحات اللغة العبرانية.

فِضَّةً كَٱلتُّرَابِ (ع 16) إشارة إلى الكثرة وقلة القيمة (زكريا 9: 3) وكان الأغنياء في القديم يذخرون الملابس بالكثرة ويهدون منها هدايا كما فعل عبد إبراهيم لرفقة ويوسف لبنيامين ونعمان لأليشع.

بَيْتَهُ كَٱلْعُثِّ (ع 18) أو كالفليجة (الشرنقة) الخفيفة والضعيفة ومظلة الناطور وقتية (إشعياء 1: 8).

لاَ يُضَمُّ (ع 19) لا يضم إلى جماعة الأفاضل وإن كان غنياً حين موته. لا يأخذ معه شيئاً ولا ينفعه غناه بعد موته (تكوين 25: 8 و35: 29 و49: 29 وتثنية 32: 50).

يَفْتَحُ عَيْنَيْهِ يضطجع مساء وصباحاً حين اعتاد أن يفتح عينيه يكون ميتاً (2ملوك 19: 35).

تُدْرِكُهُ كَٱلْمِيَاهِ (ع 20) الأهوال مشبهة بمياه فائضة (مزمور 18: 16 وناحوم 1: 8) وكان أليفاز قال عن أيوب «فَيْضُ ٱلْمِيَاهِ يُغَطِّيكَ» (22: 11).

يُلْقِي ٱللّٰهُ عَلَيْهِ أي سهامه المهلكة.

يَصْفِقُونَ عَلَيْهِ (ع 23) إن الشرير مطرود من الناس وليس له مجد أو راحة لا في هذا العالم ولا في الآخرة. وتصفيق الأيادي علامة الفرح بسقوط الشرير (مراثي 2: 15) والصفير علامة الازدراء (إرميا 49: 18).

إلى هنا أفكار أصحاب أيوب كما ذكرها وكما كانوا ذكروها سابقاً وخلاصتها أن جميع الأشرار يعاقبون في هذا العالم وعند موتهم.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ وَٱلْعِشْرُونَ

موضوعه أن الإنسان من تلقاء نفسه لا يجد الحكمة فإنك لا تجدها في الأرض كما تجد المعادن والحجارة الكريمة ولا تجدها في أماكن التجارة فتبتاعها بثمن ولا تجدها في البحر ولا في مكان الأخيلة والله وحده يفهم طريقها ويعلم مكانها فمخافة الرب هي الحكمة. وقصد أيوب في كلامه هنا البيان أن الإنسان لا يقدر أن يفهم فهماً تاماً أعمال الله وحكمة الإنسان في أن يسلّم أموره لله الذي يدبر بالحكمة وإن كان الإنسان لا يقدر أن يفهمه. وبعض المفسرين المحدثين لا يرون علاقة بين كلام هذا الأصحاح والكلام السابق في (ص 27) ولا يرون علاقة بينه وبين الكلام التابع في (ص 29) فيظنون أن كلام هذا الأصحاح هو قصيدة منفردة ومستقلة أدرجها جامع السفر في هذا المكان.

1 - 3 «1 لأَنَّهُ يُوجَدُ لِلْفِضَّةِ مَعْدَنٌ، وَمَوْضِعٌ لِلذَّهَبِ حَيْثُ يُمَحِّصُونَهُ. 2 ٱلْحَدِيدُ يُسْتَخْرَجُ مِنَ ٱلتُّرَابِ وَٱلْحَجَرُ يَسْكُبُ نُحَاساً. 3 قَدْ جَعَلَ لِلظُّلْمَةِ نِهَايَةً وَإِلَى كُلِّ طَرَفٍ هُوَ يَفْحَصُ. حَجَرَ ٱلظُّلْمَةِ وَظِلَّ ٱلْمَوْت».

كان للمصريين معادن نحاس وفضة في شبه جزيرة سيناء في بلاد العرب وحتى اليوم تُرى أنفاقها وآلاتها ومسابكها وآثار أدوات العمال كأنها تركوها أمس وليس منذ نحو 4000 سنة.

ٱلْحَجَرُ يَسْكُبُ نُحَاساً كسروه وذوّبوه فسال منه نحاس مسبوك.

جَعَلَ لِلظُّلْمَةِ نِهَايَةً لأن الظلمة لم تمنعه عن الفحص تحت الأرض وكشف المعادن. وحجر الظلمة هو الحجر الموجود في مكان الظلمة. وظل الموت هو الظلمة الدامسة ليس فيها نور مطلقاً بخلاف ما هو على وجه الأرض.

4 - 6 «4 حَفَرَ مَنْجَماً بَعِيداً عَنِ ٱلسُّكَّانِ. بِلاَ مَوْطِئٍ لِلْقَدَمِ. مُتَدَلِّينَ بَعِيدِينَ مِنَ ٱلنَّاسِ يَتَدَلْدَلُونَ. 5 أَرْضٌ يَخْرُجُ مِنْهَا ٱلْخُبْزُ أَسْفَلُهَا يَنْقَلِبُ كَمَا بِٱلنَّارِ. 6 حِجَارَتُهَا هِيَ مَوْضِعُ ٱلْيَاقُوتِ ٱلأَزْرَقِ وَفِيهَا تُرَابُ ٱلذَّهَبِ».

بِلاَ مَوْطِئٍ لِلْقَدَمِ كانوا يحفرون حُفراً في الجبال متدلين بحبال من فوق في أماكن غير مسكونة. الحارث يحرث وجه الأرض ويزرع ويحصد ويخرج منها خبزه وأما الصانع في المعادن فيقلب الأرض من أسفلها وحصاده معادن ثمينة وبعدما يستخرج المعادن يترك الأرض مقلوبة كأنها احترقت بالنار. وتراب الذهب هو التراب الذي يُستخرج منه الذهب.

7 - 11 «7 سَبِيلٌ لَمْ يَعْرِفْهُ كَاسِرٌ، وَلَمْ تُبْصِرْهُ عَيْنُ بَاشِقٍ، 8 وَلَمْ تَدُسْهُ أَجْرَاءُ ٱلسَّبْعِ، وَلَمْ يَسْلُكْهُ ٱلأَسَدُ. 9 إِلَى ٱلصَّوَّانِ يَمُدُّ يَدَهُ. يَقْلِبُ ٱلْجِبَالَ مِنْ أُصُولِهَا. 10 يَنْقُرُ فِي ٱلصُّخُورِ سَرَباً، وَعَيْنُهُ تَرَى كُلَّ ثَمِينٍ. 11 يَمْنَعُ رَشْحَ ٱلأَنْهَارِ، وَأَبْرَزَ ٱلْخَفِيَّاتِ إِلَى ٱلنُّورِ».

سَبِيلٌ لَمْ يَعْرِفْهُ كَاسِرٌ (ع 7) أي سبيل المعادن لم تره الطيور وما داسته الوحوش. أو سبيل الحكمة. (انظر ع 21) «إِذْ أُخْفِيَتْ عَنْ عُيُونِ كُلِّ حَيٍّ وَسُتِرَتْ عَنْ طَيْرِ ٱلسَّمَاءِ» والقدماء ظنوا أن الطيور والوحوش تعرف بعض أمور لا يقدر الإنسان أن يعرفها.

إِلَى ٱلصَّوَّانِ يَمُدُّ يَدَهُ (ع 9) إشارة إلى الصعوبات التي يجدها الصانع في المعادن وإلى شجاعته وحذاقته في مقاومة هذه الصعوبات. والسرب (ع 10) هي الانفاق يحفرها الصناع للتفتيش عن المعادن الثمينة.

يَمْنَعُ رَشْحَ ٱلأَنْهَارِ (ع 11) لئلا تجتمع المياه في المعدن فتمنع العمل فيه.

12 - 19 «12 أَمَّا ٱلْحِكْمَةُ فَمِنْ أَيْنَ تُوجَدُ، وَأَيْنَ هُوَ مَكَانُ ٱلْفَهْمِ؟ 13 لاَ يَعْرِفُ ٱلإِنْسَانُ قِيمَتَهَا وَلاَ تُوجَدُ فِي أَرْضِ ٱلأَحْيَاءِ. 14 ٱلْغَمْرُ يَقُولُ: لَيْسَتْ هِيَ فِيَّ، وَٱلْبَحْرُ يَقُولُ: لَيْسَتْ هِيَ عِنْدِي. 15 لاَ يُعْطَى ذَهَبٌ خَالِصٌ بَدَلَهَا وَلاَ تُوزَنُ فِضَّةٌ ثَمَناً لَهَا. 16 لاَ تُوزَنُ بِذَهَبِ أُوفِيرَ أَوْ بِٱلْجَزْعِ ٱلْكَرِيمِ أَوِ ٱلْيَاقُوتِ ٱلأَزْرَقِ. 17 لاَ يُعَادِلُهَا ٱلذَّهَبُ وَلاَ ٱلزُّجَاجُ، وَلاَ تُبْدَلُ بِإِنَاءِ ذَهَبٍ إِبْرِيزٍ. 18 لاَ يُذْكَرُ ٱلْمَرْجَانُ أَوِ ٱلْبَلُّورُ، وَتَحْصِيلُ ٱلْحِكْمَةِ خَيْرٌ مِنَ ٱللآلِئِ. 19 لاَ يُعَادِلُهَا يَاقُوتُ كُوشَ ٱلأَصْفَرُ وَلاَ تُوزَنُ بِٱلذَّهَبِ ٱلْخَالِصِ».

ع 23 و28 أمثال 8: 10 و16: 16 أمثال 8: 11 أمثال 8: 19

ٱلْغَمْرُ (ع 14) هو البحر المحيط الذي أحاط الأرض حسب اعتقاد القدماء.

لاَ تُوزَنُ (ع 16) كان القدماء يتعاملون بالمعادن لعدم وجود نقود (انظر تكوين 23: 16).

أُوفِيرَ بلاد على شاطئ البحر الهندي في جنوبي البلاد العربية على الأرجح (22: 24). والزجاج (ع 17) لقلة وجوده كان ثميناً والإشارة إلى آنية منه. والمرجان (ع 18) مادة كلسية يفرزها نوع من الحيوانات البحرية تجعلها نظير هيكل لوقاية جسمها من عنف الأمواج والمرجان مختلف الألوان بعضه أحمر وبعضه له فروع كفروع النبات ويُصنع من بعض أنواعه خرز يُذكر مع اللآلئ والمعنى هنا كما يُستدل من القرينة أن الحكمة لا تُباع باللآلئ.

20 - 22 «20 فَمِنْ أَيْنَ تَأْتِي ٱلْحِكْمَةُ، وَأَيْنَ هُوَ مَكَانُ ٱلْفَهْمِ. 21 إِذْ أُخْفِيَتْ عَنْ عُيُونِ كُلِّ حَيٍّ وَسُتِرَتْ عَنْ طَيْرِ ٱلسَّمَاءِ؟ 22 اَلْهَلاَكُ وَٱلْمَوْتُ يَقُولاَنِ: بِآذَانِنَا قَدْ سَمِعْنَا خَبَرَهَا».

ع 23 و28 ص 26: 6 وأمثال 8: 22 - 36

في هذه الآيات ملخص الكلام السابق أي لا توجد الحكمة على الأرض في أماكن البيع ولا تحت الأرض في المعادن ولا في البحر ولا في الهاوية مكان الهلاك والموت فإنهما يقولان «قد سمعنا خبرها» أي خبرها فقط ولكنها ليست عندهما. والنتيجة أن الحكمة لله وحده فإنه خلق الكون ويعتني به.

23 - 28 «23 اَللّٰهُ يَفْهَمُ طَرِيقَهَا وَهُوَ عَالِمٌ بِمَكَانِهَا. 24 لأَنَّهُ هُوَ يَنْظُرُ إِلَى أَقَاصِي ٱلأَرْضِ. تَحْتَ كُلِّ ٱلسَّمَاوَاتِ يَرَى. 25 لِيَجْعَلَ لِلرِّيحِ وَزْناً وَيُعَايِرَ ٱلْمِيَاهَ بِمِقْيَاسٍ. 26 لَمَّا جَعَلَ لِلْمَطَرِ فَرِيضَةً وَسَبِيلاً لِلصَّوَاعِقِ 27 حِينَئِذٍ رَآهَا وَأَخْبَرَ بِهَا، هَيَّأَهَا وَأَيْضاً بَحَثَ عَنْهَا 28 وَقَالَ لِلإِنْسَانِ: هُوَذَا مَخَافَةُ ٱلرَّبِّ هِيَ ٱلْحِكْمَةُ، وَٱلْحَيَدَانُ عَنِ ٱلشَّرِّ هُوَ ٱلْفَهْمُ».

ص 9: 4 وأمثال 8: 22 - 36 مزمور 11: 4 و33: 13 و14 و66: 7 وأمثال 15: 3 مزمور 135: 7 ص 12: 15 و38: 8 - 11 ص 37: 6 و11 و12 و38: 26 - 28 ص 37: 3 و38: 25 مزمور 111: 10 وأمثال 1: 7 و9: 10

لِلرِّيحِ وَزْناً (ع 25) الله عيّن للريح مقدارها وقوتها «المياه» هي الأمطار التي يحكم الله عليها من جهة أوقاتها ومقدارها.

رَآهَا وَأَخْبَرَ (ع 27) إشارة إلى ما حدث في أفكار الله كما تصوّره المتكلم (تكوين 1: 31) «رَأَى ٱللّٰهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدّاً» (ومزمور 19: 1) «اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ ٱللّٰهِ، وَٱلْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ».

هَيَّأَهَا للكون نواميس نسميها نواميس طبيعية وليست هذه النواميس إلا أعمال الله قد نظمها أحسن نظام فيمكن الإنسان أن يستند عليها بكل ثقة. وحياته قائمة عليها كشروق الشمس وغيابها وترتيب المطر والفصول وفعل النار والكهرباء ونمو النباتات والحيوانات الخ. والفلسفة الطبيعية هي علم به يبحث الإنسان عن أعمال الله في الكون وبهذه الأعمال تظهر حكمة الله غير المحدودة. ويعمل الله أيضاً في الروحيات وعندنا نواميس روحية كما عندنا نواميس طبيعية فعامل الله الإنسان بالعدل والحق والمحبة وظهرت حكمته الفائقة ببذل ابنه ليخلص الإنسان من الخطيئة ويعطيه الحياة الأبدية. وحكمة الإنسان (ع 28) هي مخافة الرب أي أن يعرفه من أعماله في الطبيعة وبالفداء. وبما أن الإنسان لا يقدر أن يعرف الله تمام المعرفة عليه أن يؤمن بأنه كل أعماله بغاية الحكمة والعدل والمحبة وإن كان لا يقدر أن يفهم أعماله كلها. ومن حكمة الإنسان أيضاً أن يتقي الله ويطيعه ويسلك بموجب نواميسه المعلنة.

للعلوم قيمة والإنسان يبذل جهده في تحصيلها ولكن الإيمان بالله والاتكال عليه والمحبة والطاعة له أفضل من جميع العلوم. والقول مخافة الرب هي الحكمة لا ينفي قيمة العلوم الطبيعية والفلسفة ومعرفة التاريخ واللغات الخ بل يفيد أن مخافة الرب أفضل الكل وهي رأس الحكمة وبدءها (انظر تثنية 4: 6 ومزمور 111: 10).

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلْعِشْرُونَ

انتهت الخطب المتبادلة وفي (ص 29: 31) يتكلم أيوب وحده ففي (ص 29) تذكر أيامه السعيدة وما كان له من الاعتبار وذكر عدله وإحسانه للمحتاجين ورجاءه بالراحة والسلام إلى آخر حياته وفي (ص 30) ذكر حالته الحاضرة وهي تاعسة جداً بالنسبة إلى ما كان عليه وفي (ص 31) رفض تهمة أصحابه أنه أخطأ خطايا تستوجب ما أصابه واستأنف دعواه إلى الله.

1 - 6 «1 وَعَادَ أَيُّوبُ يَنْطِقُ بِمَثَلِهِ فَقَالَ: 2 يَا لَيْتَنِي كَمَا فِي ٱلشُّهُورِ ٱلسَّالِفَةِ وَكَالأَيَّامِ ٱلَّتِي حَفِظَنِي ٱللّٰهُ فِيهَا، 3 حِينَ أَضَاءَ سِرَاجَهُ عَلَى رَأْسِي وَبِنُورِهِ سَلَكْتُ ٱلظُّلْمَةَ. 4 كَمَا كُنْتُ فِي أَيَّامِ خَرِيفِي وَرِضَا ٱللّٰهِ عَلَى خَيْمَتِي، 5 وَٱلْقَدِيرُ بَعْدُ مَعِي وَحَوْلِي غِلْمَانِي، 6 إِذْ غَسَلْتُ خُطُوَاتِي بِٱللَّبَنِ، وَٱلصَّخْرُ سَكَبَ لِي جَدَاوِلَ زَيْتٍ».

ص 13: 12 و27: 1 وعدد 23: 7 و24: 3 إرميا 31: 28 ص 11: 17 ص 15: 8 ومزمور 25: 14 وأمثال 3: 32 ص 20: 17 وتثنية 32: 14 تثنية 32: 13

ٱلَّتِي حَفِظَنِي ٱللّٰهُ فِيهَا شعر بأن كل الخير الذي كان له هو من الله ومن رعايته المترفقة.

أَضَاءَ سِرَاجَهُ (ع 3) (إشعياء 42: 16) «أَجْعَلُ ٱلظُّلْمَةَ أَمَامَهُمْ نُوراً» وسراج الله كناية عن رضاه.

أَيَّامِ خَرِيفِي أيام نجاحه وأفراحه لأن الخريف وقت جني الأثمار وبالترجمة اليسوعية «عنفواني» أي عزّ قوتي.

وَحَوْلِي غِلْمَانِي (ع 5) كان فرحه أولاً برضا الله ثم بوجود أولاده معه وبكثرة خيراته فكان عنده اللبن بالكثرة كالماء الفائض على كل وجه الأرض والزيت كجداول ماء والصخر سكب له زيتاً أي نضرت أشجار الزيتون في التربة الحجرية. ويفسر بعضهم الصخر هنا بالمعصرة (انظر تثنية 32: 13).

7 - 17 «7 حِينَ كُنْتُ أَخْرُجُ إِلَى ٱلْبَابِ فِي ٱلْقَرْيَةِ وَأُهَيِّئُ فِي ٱلسَّاحَةِ مَجْلِسِي. 8 رَآنِي ٱلْغِلْمَانُ فَٱخْتَبَأُوا، وَٱلأَشْيَاخُ قَامُوا وَوَقَفُوا. 9 ٱلْعُظَمَاءُ أَمْسَكُوا عَنِ ٱلْكَلاَمِ وَوَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ. 10 صَوْتُ ٱلشُّرَفَاءِ ٱخْتَفَى وَلَصِقَتْ أَلْسِنَتُهُمْ بِأَحْنَاكِهِمْ. 11 لأَنَّ ٱلأُذُنَ سَمِعَتْ فَطَوَّبَتْنِي، وَٱلْعَيْنَ رَأَتْ فَشَهِدَتْ لِي. 12 لأَنِّي أَنْقَذْتُ ٱلْمِسْكِينَ ٱلْمُسْتَغِيثَ وَٱلْيَتِيمَ وَلاَ مُعِينَ لَهُ. 13 بَرَكَةُ ٱلْهَالِكِ حَلَّتْ عَلَيَّ، وَجَعَلْتُ قَلْبَ ٱلأَرْمَلَةِ يُسَرُّ. 14 لَبِسْتُ ٱلْبِرَّ فَكَسَانِي. كَجُبَّةٍ وَعَمَامَةٍ كَانَ عَدْلِي. 15 كُنْتُ عُيُوناً لِلْعُمْيِ وَأَرْجُلاً لِلْعُرْجِ. 16 أَبٌ أَنَا لِلْفُقَرَاءِ، وَدَعْوَى لَمْ أَعْرِفْهَا فَحَصْتُ عَنْهَا. 17 هَشَّمْتُ أَضْرَاسَ ٱلظَّالِمِ وَمِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ خَطَفْتُ ٱلْفَرِيسَةَ».

ص 31: 21 ع 21 ص 1: 52 ع 22 ص 4: 3 و4 ص 24: 4 و9 و34: 28 ص 31: 17 و21 ص 31: 19 انظر ص 22: 9 ص 27: 5 و6 ومزمور 132: 9 وإشعياء 59: 17 و61: 10 وأفسس 6: 14 انظر ص 24: 4 مزمور 3: 7

من أعظم أسباب فرحه اعتبار الناس إياه. كان باب القرية مكان الاجتماع (انظر راعوث 4: 1 و10) والظاهر من الكلام إن أيوب كان أحد شيوخ القرية وكبيرهم وكان بيته في القرية وكان يخرج منها إلى البرية ليرى أملاكه ومواشيه. اختبأ الغلمان (ع 8) لأنهم خجلوا منه كأنهم غير مستحقين أن يجالسوه والشيوخ قاموا له علامة الاعتبار. وتوقف الجميع عن الكلام الذي كانوا يتجاذبونه (ع 9) ليسمعوا كلامه ولم يقدر أحد أن يعترض على كلامه أو يزيد عليه. وطوبته الأذن (ع 11) لأن كلامه كان بالعدل والإنصاف والذين رأوا أعماله وسيرته شهدوا له.

لأَنِّي أَنْقَذْتُ الخ (ع 12) علة اعتبار الناس له هي عدله ورحمته للمحتاجين.

لَبِسْتُ ٱلْبِرَّ (ع 14) كما يفتخر الناس بلباسهم كالجبة والعمامة افتخر أيوب ببره وعدله (انظر إشعياء 11: 5 و59: 17) والكلمة الأصلية تفيد أيضاً أن البرّ لبس أيوب أي كان البر فيه كما في (قضاة 6: 34) «لَبِسَ رُوحُ ٱلرَّبِّ جِدْعُونَ» أي دخله روح الله وتكلم وعمل بواسطته.

عُيُوناً لِلْعُمْيِ (ع 15) كان يساعد بمعرفته الذين ليس لهم معرفة وهم كعمي نظراً لبساطتهم وكان يساعد الذين ليس لهم قوة وهم كعرج لضعفهم.

دَعْوَى لَمْ أَعْرِفْهَا (ع 16) لم يساعد القريبين منه فقط كأنسبائه وأتباعه بل ساعد أيضاً الغريب. وبمعنى آخر إنه لم يحكم في دعوى إلا بعد الفحص والمعرفة.

هَشَّمْتُ أَضْرَاسَ ٱلظَّالِمِ (ع 17) شبّه نفسه بشخص قوي غلب الظالم وكسر أسنانه وخلّص الفريسة من بين فكيه مشفقاً على الضعيف.

18 - 20 «18 فَقُلْتُ: إِنِّي فِي وَكْرِي أُسَلِّمُ ٱلرُّوحَ، وَمِثْلَ ٱلسَّمَنْدَلِ أُكَثِّرُ أَيَّاماً. 19 أَصْلِي كَانَ مُنْبَسِطاً إِلَى ٱلْمِيَاهِ، وَٱلطَّلُّ بَاتَ عَلَى أَغْصَانِي. 20 كَرَامَتِي بَقِيَتْ حَدِيثَةً عِنْدِي، وَقَوْسِي تَجَدَّدَتْ فِي يَدِي».

إرميا 17: 8 هوشع 14: 5 تكوين 49: 24 ومزمور 18: 34

فِي وَكْرِي في بيته وحوله أسرته وأملاكه وأصدقاؤه الكثيرون.

ٱلسَّمَنْدَلِ طائر وهمي بالهند كانوا يعتقدون أنه يأكل البيش وهو نبات فيه سم قاتل ويستلذ النار ولا يحترق بها وقيل إنه يعيش 500 سنة (أو ألف سنة) ثم يحرق نفسه وعشه ومن الرماد ينهض ويعيش ثانية 500 سنة ثم يحرق نفسه وهلم جراً.

أُكَثِّرُ أَيَّاماً وبالترجمة الإنكليزية «كالرمل» وهكذا الترجمة اليسوعية. وبالترجمة اللاتينية وبالترجمة العربية القديمة «كالنخل» والمعنى واحد أي يعيش حياة طويلة.

كَرَامَتِي بَقِيَتْ حَدِيثَةً (ع 20) أي لم تتدنس وما قلّت والقوس كناية عن القوة.

21 - 23 «21 لِي سَمِعُوا وَٱنْتَظَرُوا، وَنَصَتُوا عِنْدَ مَشُورَتِي. 22 بَعْدَ كَلاَمِي لَمْ يُثَنُّوا وَقَوْلِي قَطَرَ عَلَيْهِمْ. 23 وَٱنْتَظَرُونِي مِثْلَ ٱلْمَطَرِ، وَفَغَرُوا أَفْوَاهَهُمْ كَمَا لِلْمَطَرِ ٱلْمُتَأَخِّرِ».

ع 9 وص 4: 3 ع 10 تثنية 32: 2

رجع أيوب إلى موضوعه في (ع 7 - 11).

لَمْ يُثَنُّوا لم يروا نقصاً فيكمّلونه ولا غلطاً فيعترضون عليه وذلك كله بخلاف ما أتاه من أصحابه الثلاثة.

24، 25 «24 إِنْ ضَحِكْتُ عَلَيْهِمْ لَمْ يُصَدِّقُوا وَنُورَ وَجْهِي لَمْ يُعَبِّسُوا. 25 كُنْتُ أَخْتَارُ طَرِيقَهُمْ وَأَجْلِسُ رَأْساً وَأَسْكُنُ كَمَلِكٍ فِي جَيْشٍ كَمَنْ يُعَزِّي ٱلنَّائِحِينَ».

ص 1: 3 و31: 37 ص 4: 4 و16: 5

لَمْ يُصَدِّقُوا (ع 24) إن ذلك الشيخ الكبير يتنازل ويضحك ويصير كواحد منهم ويترجم بعضهم قوله بما يأتي «ضحكت عليهم حين لم يكن لهم رجاء» أي حينما كانوا متضايقين ومتحيرين وحملهم أيوب على الطمأنينة وشجعهم وضحك ليعلموا أنه لا سبب للخوف. ولم يعبسوا وجهه أي لم يكدّروه بعدم الاعتبار أو عدم الطاعة.

كُنْتُ أَخْتَارُ طَرِيقَهُمْ (ع 25) كانت تلذّ له معاشرتهم فيذهب إليهم أو كان يحكم في مشاكلهم ويقول لهم ما يجب أن يعملوه فكان لهم كقائد في جيشه.

كَمَنْ يُعَزِّي ٱلنَّائِحِينَ فلم يكن كملك قاس وظالم بل كصديق وخصص لخدمتهم كل ما كان عنده من الحكمة والاقتدار. إننا نرى في كلام أيوب شيئاً من المبالغة وذلك أولاً لأن الكلام كلام شعري والشاعر ليس مدققاً كالمؤرخ وثانياً لأن الخيرات الماضية كلما قدمت تزداد قيمتها.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّلاَثُونَ

إن هذا الأصحاح مخالف للأصحاح السابق فإن أيوب ذكر في الأول سعادته في الأيام الماضية وأعظم شيء منها اعتبار الناس له وفي هذا الأصحاح ذكر ذلّه وأعظم شيء فيه احتقار الناس له.

1 - 4 «1 وَأَمَّا ٱلآنَ فَقَدْ ضَحِكَ عَلَيَّ مَنْ يَصْغُرُنِي فِي ٱلأَيَّامِ، ٱلَّذِينَ كُنْتُ أَسْتَنْكِفُ مِنْ أَنْ أَجْعَلَ آبَاءَهُمْ مَعَ كِلاَبِ غَنَمِي. 2 قُوَّةُ أَيْدِيهِمْ أَيْضاً مَا هِيَ لِي. فِيهِمْ عَجِزَتِ ٱلشَّيْخُوخَةُ. 3 فِي ٱلْعَوَزِ وَٱلْمَجَاعَةِ مَهْزُولُونَ، عارقون (يَنْبِشُونَ) ٱلْيَابِسَةَ ٱلَّتِي هِيَ مُنْذُ أَمْسِ خَرَابٌ وَخَرِبَةٌ. 4 ٱلَّذِينَ يَقْطِفُونَ ٱلْمَلاَّحَ عِنْدَ ٱلشِّيحِ، وَأُصُولُ ٱلرَّتَمِ خُبْزُهُمْ».

ص 12: 4

ضَحِكَ عَلَيَّ كان أيوب ضحك عليهم (29: 24) على سبيل اللطف والمسايرة وأما الآن فضحك عليه أصاغره على سبيل الازدراء.

كِلاَبِ غَنَمِي حتى الكلاب أنفع منهم لضعفهم وعجزهم من الشيخوخة.

عارقون (يَنْبِشُونَ) ٱلْيَابِسَةَ (ع 3) كما يأكل الكلاب ما على العظم من اللحم. وهم المذكورون في (ص 24: 5 - 8). الملاّح (ع 4) نبات الحَمض قيل إنه القاقلي وأكله يدل على الفقر الشديد لأنه غير مفيد كطعام وكذلك أصول الرتم وهي مرّة جداً والشيح أنواع من نبات القفر.

5 - 8 «5 مِنَ ٱلْوَسَطِ يُطْرَدُونَ. يَصِيحُونَ عَلَيْهِمْ كَمَا عَلَى لِصٍّ. 6 لِلسَّكَنِ فِي أَوْدِيَةٍ مُرْعِبَةٍ وَثُقَبِ ٱلتُّرَابِ وَٱلصُّخُورِ. 7 بَيْنَ ٱلشِّيحِ يَنْهَقُونَ. تَحْتَ ٱلْعَوْسَجِ يَنْكَبُّونَ. 8 أَبْنَاءُ ٱلْحَمَاقَةِ، بَلْ أَبْنَاءُ أُنَاسٍ بِلاَ ٱسْمٍ، دُحِرُوا مِنَ ٱلأَرْضِ».

مِنَ ٱلْوَسَطِ أي من الاجتماع مع الناس وإذا اقتربوا إلى مساكن المتمدنين يُطردون كلص كالنَوَر في أيامنا.

يَنْهَقُونَ (ع 7) وفي (24: 5) هم مشبهون بالفراء في القفر.

9 - 11 «9 أَمَّا ٱلآنَ فَصِرْتُ أُغْنِيَتَهُمْ وَأَصْبَحْتُ لَهُمْ مَثَلاً! 10 يَكْرَهُونَنِي. يَبْتَعِدُونَ عَنِّي، وَأَمَامَ وَجْهِي لَمْ يُمْسِكُوا عَنِ ٱلْبَصْقِ. 11 لأَنَّهُ أَطْلَقَ ٱلْعَنَانَ وَقَهَرَنِي فَنَزَعُوا ٱلزِّمَامَ قُدَّامِي».

انظر ص 12: 4 ص 17: 6 وعدد 12: 14 وتثنية 25: 9 وإشعياء 50: 6 ومتّى 26: 67 راعوث 1: 21 ومزمور 88: 7 مزمور 32: 9

من أعظم مصائب أيوب احتقار الناس إياه فصار كأنه أدنى من المذكورين وهم أدنى الناس. في (ص 24) كان أيوب ذكرهم بالشفقة وأما هنا فذكرهم بالنفور لسبب تصرفهم معه ولا شك أن أيوب شفق عليهم وأحسن إليهم في أيام نجاحه ولكنهم لم يميزوا بينه وبين الأغنياء الظالمين ففرحوا بسقوطه.

يَبْتَعِدُونَ عَنِّي (ع 10) لسبب مرضه. والبصق أمام وجهه علامة الاحتقار.

لأَنَّهُ أَطْلَقَ ٱلْعَنَانَ (ع 11) أي الله أطلق والله قهره فاستنتجوا أنه يحل لهم أن يلقوا الحبل على الغارب أي أن يأخذوا حريتهم معه فيعيرونه بلا حياء وبلا خوف.

12 - 15 «12 عَنِ ٱلْيَمِينِ الفروخ (ٱلسَّفَلَةُ) يَقُومُونَ يُزِيحُونَ رِجْلِي، وَيُعِدُّونَ عَلَيَّ طُرُقَهُمْ لِلْبَوَارِ. 13 أَفْسَدُوا سُبُلِي. أَعَانُوا عَلَى سُقُوطِي. لاَ مُسَاعِدَ عَلَيْهِمْ. 14 يَأْتُونَ كَصَدْعٍ عَرِيضٍ. تَحْتَ ٱلْهَدَّةِ يَتَدَحْرَجُونَ. 15 اِنْقَلَبَتْ عَلَيَّ أَهْوَالٌ. طَرَدَتْ كَٱلرِّيحِ نِعْمَتِي، فَعَبَرَتْ كَٱلسَّحَابِ سَعَادَتِي».

مزمور 140: 4 و5 ص 19: 12 إشعياء 3: 12 ص 3: 25 و31: 23 ومزمور 55: 3 - 5 ص 7: 9 وهوشع 13: 3

الفروخ (ٱلسَّفَلَةُ) (ع 12) الأحداث الأدنياء وذكرهم كأنهم فروخ حيوانات وهم عن يمينه في المكان الذي كان الشرفاء فيه.

يُزِيحُونَ رِجْلِي (ع 12) طردوه من مكان إلى مكان.

طُرُقَهُمْ لِلْبَوَارِ شبههم بمحاصري مدينة يقيمون أبراجاً تجاه أسوارها ليرموا سهامهم منها.

أَفْسَدُوا سُبُلِي (ع 13) سدّوا سبله فلا يمكنه الخلاص منهم. ومعنى الاستعارة أنهم أفسدوا سبل حياته إذ وضعوا أمامه صعوبات وتجارب ليسقط فيها.

صَدْعٍ عَرِيضٍ في سور المدينة المحاصرة فيتدحرجون أي يدخلون بكثرة تحت الهدة في السور.

طَرَدَتْ كَٱلرِّيحِ نِعْمَتِي الأهوال طردت. وكانت سعادته السابقة كسحاب أي زالت سريعاً (7: 9) وليست الأهوال من هجوم البائسين فقط بل أيضاً من هجوم الآلام والأحزان ولا سيما الشكوك من جهة جودة الله وعدله.

16 - 19 «16 فَٱلآنَ ٱنْهَالَتْ نَفْسِي عَلَيَّ وَأَخَذَتْنِي أَيَّامُ ٱلْمَذَلَّةِ. 17 ٱللَّيْلَ يَنْخَرُ عِظَامِي فِيَّ، وَعَارِقِيَّ لاَ تَهْجَعُ. 18 بِكَثْرَةِ ٱلشِّدَّةِ تَنَكَّرَ لِبْسِي. مِثْلَ جَيْبِ قَمِيصِي حَزَمَتْنِي. 19 قَدْ طَرَحَنِي فِي ٱلْوَحْلِ فَأَشْبَهْتُ ٱلتُّرَابَ وَٱلرَّمَادَ».

ص3: 24 ومزمور 22: 14 و42: 4 وإشعياء 53: 12 ع 30 ص 2: 7 مزمور 69: 2 و14

وصف آلامه الناتجة من مرضه وهذه الآلام أشد بالليل.

عَارِقِيَّ (ع 17) بالترجمة اليسوعية «الذين يعرقونني لا يهجعون» والإشارة إلى أعدائه أو إلى أوجاعه إنها لا تتركه لا نهاراً ولا ليلاً. ويقول بعضهم إن العارقين هي الأضراس والإشارة إلى وجع الأضراس في الليل وهو من أعراض مرض البرص.

بِكَثْرَةِ ٱلشِّدَّةِ (ع 18) حزمته أوجاعه الشديدة كجيب القميص أي مسكته بشدة ولم تفارقه.

قَدْ طَرَحَنِي (ع 19) الله طرحه فإن مرضه كان من الله وغيّر الله منظره فصار كأنه مطروح بالوحل والرماد.

20 - 24 «20 إِلَيْكَ أَصْرُخُ فَمَا تَسْتَجِيبُ لِي. أَقُومُ فَمَا تَنْتَبِهُ إِلَيَّ. 21 تَحَوَّلْتَ إِلَى جَافٍ مِنْ نَحْوِي. بِقُدْرَةِ يَدِكَ تَضْطَهِدُنِي. 22 حَمَلْتَنِي، أَرْكَبْتَنِي ٱلرِّيحَ وَذَوَّبْتَنِي تَشَوُّهاً. 23 لأَنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ إِلَى ٱلْمَوْتِ تُعِيدُنِي، وَإِلَى بَيْتِ مِيعَادِ كُلِّ حَيٍّ. 24 وَلٰكِنْ فِي ٱلْخَرَابِ أَلاَ يَمُدُّ يَداً؟ فِي ٱلْبَلِيَّةِ أَلاَ يَسْتَغِيثُ عَلَيْهَا؟».

ص 19: 7 ص 10: 3 و16: 9 و14 و19: 6 و22 ص 9: 27 و27: 21 ص 9: 22 و10: 8 ص 3: 19 وجامعة 12: 5 ص 19: 7

إِلَيْكَ أَصْرُخُ لم يترك اتكاله على الله وإن كان لم يفهم معاملته إياه وكان الله له كعدوّ.

أَرْكَبْتَنِي ٱلرِّيحَ (ع 22) أفناه وأزاله الله وذوّب جسمه بمرضه القبيح.

أَلاَ يَمُدُّ يَداً (ع 24) ليس له رجاء بالحياة ومع ذلك صرخ إلى الله لأن ذلك أمر طبيعي وكل من في الخراب يمدّ يده أي يطلب النجاة وكل من يقع في البلية يستغيث عليها.

25 - 31 «25 أَلَمْ أَبْكِ لِمَنْ عَسَرَ يَوْمُهُ؟ أَلَمْ تَكْتَئِبْ نَفْسِي عَلَى ٱلْمِسْكِينِ؟ 26 حِينَمَا تَرَجَّيْتُ ٱلْخَيْرَ جَاءَ ٱلشَّرُّ، وَٱنْتَظَرْتُ ٱلنُّورَ فَجَاءَ ٱلدُّجَى. 27 أَمْعَائِي تَغْلِي وَلاَ تَكُفُّ. تَقَدَّمَتْنِي أَيَّامُ ٱلْمَذَلَّةِ. 28 اِسْوَدَدْتُ لٰكِنْ بِلاَ شَمْسٍ. قُمْتُ فِي ٱلْجَمَاعَةِ أَصْرُخُ. 29 صِرْتُ أَخاً لِلذِّئَابِ وَصَاحِباً لِلنَّعَامِ. 30 اِسْوَدَّ جِلْدِي عَلَيَّ وَعِظَامِي ٱحْتَرَقَتْ مِنَ ٱلْحُمَّى فِيَّ. 31 صَارَ عُودِي لِلنَّوْحِ وَمِزْمَارِي لِصَوْتِ ٱلْبَاكِينَ».

مزمور 35: 13 و14 ورومية 12: 15 انظر ص 24: 4 ص 3: 25 و26 وإرميا 8: 15 ص 19: 81 مراثي 2: 11 ع 30 ومزمور 38: 6 و42: 9 و43: 2 ص 19: 7 مزمور 44: 19 وميخا 1: 8 انظر ص 2: 7 مزمور 102: 3 إشعياء 24: 8

أَلَمْ أَبْكِ لم يشعر بأنه كان تأخر عن شيء من واجباته وكان يترجى الخير لأنه في أيام الخير كان يرثي للمسكين والمصابين كأنه مصاب معهم.

أَمْعَائِي (ع 27) عند القدماء كانت الأمعاء مركز العواطف (انظر إشعياء 16: 11 و63: 15).

تَقَدَّمَتْنِي أَيَّامُ ٱلْمَذَلَّةِ انتظر أيام الراحة والسرور ولكن أيام المذلة سبقتها وأتته.

اِسْوَدَدْتُ (ع 28) أسودّ من مرضه وليس من الشمس. ومن شدة الآلام لم يقدر أن يضبط نفسه بل صرخ حتى في الجماعة وكان صوته كصوت الذئاب ورئال النعام.

اِسْوَدَّ جِلْدِي عَلَيَّ (ع 30) ذكر بعض أعراض مرضه وهي خشونة الجلد.

عُودِي (ع 31) الذي كان للفرح صار للنوح والبكاء.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلثَّلاَثُونَ

هذا الأصحاح خاتمة كلام أيوب وفيه برّر نفسه من كل الخطايا التي نسبها إليه أصحابه.

1 - 4 «1 عَهْداً قَطَعْتُ لِعَيْنَيَّ، فَكَيْفَ أَتَطَلَّعُ فِي عَذْرَاءَ! 2 وَمَا هِيَ قِسْمَةُ ٱللّٰهِ مِنْ فَوْقُ وَنَصِيبُ ٱلْقَدِيرِ مِنَ ٱلأَعَالِي؟ 3 أَلَيْسَ ٱلْبَوَارُ لِعَامِلِ ٱلشَّرِّ وَٱلنُّكْرُ لِفَاعِلِي ٱلإِثْمِ! 4 أَلَيْسَ هُوَ يَنْظُرُ طُرُقِي وَيُحْصِي جَمِيعَ خُطُوَاتِي».

متّى 5: 28 ص 20: 29 ص 18: 12 و21: 30 ص 34: 22 ص 24: 23 و28: 24 و34: 21 و36: 7 و2أيام 16: 9 وأمثال 5: 21 و15: 3 ع 37 وص 14: 16

عَهْداً قَطَعْتُ أعضاء الجسد تحت أمر الإنسان فبأمره تنظر العين وتسمع الأذن وتعمل اليد وتمشي الرجل الخ. ويخاطب أيوب عينيه كما يخاطب شخصاً ووعدهما وعداً ثابتاً إنه لا يرفعهما إلى ما لا يليق.

لِعَيْنَيَّ بواسطة العينين يدخل إلى القلب ما يضرم الشهوات (انظر تكوين 3: 6 و39: 7 و2صموئيل 11: 2 و2بطرس 2: 14) فعلى كل من يقصد الامتناع عن الخطايا المشار إليها أن يحفظ أولاً عينيه من النظر إلى ما يهيج الشهوات.

فَكَيْفَ أَتَطَلَّعُ (رومية 6: 2) «نَحْنُ ٱلَّذِينَ مُتْنَا عَنِ ٱلْخَطِيَّةِ، كَيْفَ نَعِيشُ بَعْدُ فِيهَا».

مَا هِيَ قِسْمَةُ ٱللّٰهِ (ع 2) والجواب في (ع 3) البوار العامل الشر والله ينظر طُرُق الإنسان (ع 4) حتى كل خطوة من خطواته ويرى الأمور الزهيدة حتى لمحة العين ويجازي كل إنسان حسب أعماله.

5 - 8 «5 إِنْ كُنْتُ قَدْ سَلَكْتُ مَعَ ٱلْكَذِبِ، أَوْ أَسْرَعَتْ رِجْلِي إِلَى ٱلْغِشِّ، 6 لِيَزِنِّي فِي مِيزَانِ ٱلْحَقِّ فَيَعْرِفَ ٱللّٰهُ كَمَالِي. 7 إِنْ حَادَتْ خُطُوَاتِي عَنِ ٱلطَّرِيقِ، وَذَهَبَ قَلْبِي وَرَاءَ عَيْنَيَّ، أَوْ لَصِقَ عَيْبٌ بِكَفِّي، 8 أَزْرَعْ وَغَيْرِي يَأْكُلْ، وَفُرُوعِي تُسْتَأْصَلْ».

ص 15: 31 وميخا 2: 11 ص 6: 2 و3 ص 23: 10 و27: 5 و6 ص 23: 11 ص 9: 30 ص 20: 18 ولاويين 26: 16 وميخا 6: 15 ع 12

إِنْ كُنْتُ قَدْ سَلَكْتُ مَعَ ٱلْكَذِبِ شخّص الكذب والغش ولم يسلك مع الكذب أي لم يكن الكذب معه كرفيقه وشريكه ولم يسرع إلى الغش أي لم يتبعه ليعمل أعماله. والعدد السادس جملة معترضة بها استشهد الله على صدق قوله.

ذَهَبَ قَلْبِي وَرَاءَ عَيْنَيَّ (ع 7) لم يسلّم نفسه ليسد شهوات العينين.

أَزْرَعْ وَغَيْرِي يَأْكُلْ (ع 8) (انظر لاويين 26: 16 وتثنية 28: 33).

والظاهر أن الخطيئة التي أشار أيوب إليها هي خطيئة الظلم والطمع نحو الذين خدموه فلم يبخس الفعلة أجرتهم.

9 - 12 «9 إِنْ غَوِيَ قَلْبِي عَلَى ٱمْرَأَةٍ، أَوْ كَمَنْتُ عَلَى بَابِ قَرِيبِي، 10 فَلْتَطْحَنِ ٱمْرَأَتِي لآخَرَ، وَلْيَنْحَنِ عَلَيْهَا آخَرُونَ. 11 لأَنَّ هٰذِهِ رَذِيلَةٌ، وَهِيَ إِثْمٌ يُعْرَضُ لِلْقُضَاةِ. 12 لأَنَّهَا نَارٌ تَأْكُلُ حَتَّى إِلَى ٱلْهَلاَكِ وَتَسْتَأْصِلُ كُلَّ مَحْصُولِي».

ع 1 وص 24: 15 قضاة 16: 21 وإشعياء 47: 2 تثنية 28: 30 وإرميا 8: 10 لاويين 20: 10 وتثنية 22: 24 ع 28 انظر ص 15: 30 انظر ص 26: 6 ع 8 وص 20: 28

فَلْتَطْحَنِ ٱمْرَأَتِي كان الطحن عمل العبدات والمعنى لتصير امرأتي عبدة وغالباً كانت العبدة سرّية سيدها.

يُعْرَضُ لِلْقُضَاةِ (ع 11) الزاني يُقتل حسب الشريعة (تثنية 22: 22 ويوحنا 8: 5).

حَتَّى إِلَى ٱلْهَلاَكِ انظر ما أصاب داود عقاباً لزناه مع بثشبع وهذه الخطيئة تميت الضمير وتحرم الإنسان جميع الأفراح الطبيعية البيتية وتبعده عن الله (انظر أمثال 6: 24 - 25) وكانت هذه الخطيئة في القديم من تجارب الأغنياء والعظماء الخاصة وكثيرون منهم لم يعتبروها خطيئة لاعتقادهم إن الشعب عبيد للملك ليفعل بهم كما يشاء.

13 - 23 «13 إِنْ كُنْتُ رَفَضْتُ حَقَّ عَبْدِي وَأَمَتِي فِي دَعْوَاهُمَا عَلَيَّ، 14 فَمَاذَا كُنْتُ أَصْنَعُ حِينَ يَقُومُ ٱللّٰهُ؟ وَإِذَا ٱفْتَقَدَ، فَبِمَاذَا أُجِيبُهُ؟ 15 أَوَلَيْسَ صَانِعِي فِي ٱلْبَطْنِ صَانِعَهُ، وَقَدْ صَوَّرَنَا وَاحِدٌ فِي ٱلرَّحِمِ؟ 16 إِنْ كُنْتُ مَنَعْتُ ٱلْمَسَاكِينَ عَنْ مُرَادِهِمْ، أَوْ أَفْنَيْتُ عَيْنَيِ ٱلأَرْمَلَةِ، 17 أَوْ أَكَلْتُ لُقْمَتِي وَحْدِي فَمَا أَكَلَ مِنْهَا ٱلْيَتِيمُ! 18 بَلْ مُنْذُ صِبَايَ كَبِرَ عِنْدِي كَأَبٍ، وَمِنْ بَطْنِ أُمِّي هَدَيْتُهَا. 19 إِنْ كُنْتُ رَأَيْتُ هَالِكاً لِعَدَمِ ٱللِّبْسِ أَوْ فَقِيراً بِلاَ كِسْوَةٍ، 20 إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي حَقَوَاهُ وَقَدِ ٱسْتَدْفَأَ بِجَزَّةِ غَنَمِي. 21 إِنْ كُنْتُ قَدْ هَزَزْتُ يَدِي عَلَى ٱلْيَتِيمِ لَمَّا رَأَيْتُ عَوْنِي فِي ٱلْبَابِ، 22 فَلْتَسْقُطْ عَضُدِي مِنْ كَتِفِي، وَلْتَنْكَسِرْ ذِرَاعِي مِنْ قَصَبَتِهَا، 23 لأَنَّ ٱلْبَوَارَ مِنَ ٱللّٰهِ رُعْبٌ عَلَيَّ، وَمِنْ جَلاَلِهِ لَمْ أَسْتَطِعْ».

تثنية 24: 14 و15 انظر ص 10: 3 ص 5: 16 و20: 19 ص 22: 9 وخروج 22: 22 - 24 ص 22: 7 ص 29: 12 ص 22: 6 و29: 13 انظر ص 24: 4 ع 17 وص 29: 12 ص 29: 7 ص 38: 15 ع 3 ص 13: 11

ولم يعتبر أيوب عبيده كأملاكه بل كأناس لهم حقوق كما لنفسه.

فِي دَعْوَاهُمَا عَلَيَّ كان أيوب يسمع الدعوى ويحكم فيها بلا محاباة.

حِينَ يَقُومُ ٱللّٰهُ (ع 14) لكي يراجع الحكم. كان أيوب عبداً لله فعامله الله كما كان يعامل هو عبيده (انظر متّى 18: 25 - 30) كان الاسترقاق مباحاً في العهد القديم ولكن قول أيوب هذا وغيره من أقوال الكتاب يدل على أن الاسترقاق ليس بموجب قصد الله لما خلق الإنسان وفداه بتجسد المسيح (غلاطية 3: 28 «لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ... لأَنَّكُمْ جَمِيعاً وَاحِدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ».

أَفْنَيْتُ عَيْنَيِ ٱلأَرْمَلَةِ (ع 16) من الانتظار عبثاً (انظر مزمور 69: 3).

كَبِرَ عِنْدِي كَأَبٍ (ع 18) كان أيوب كأب لليتيم وهاد للأرملة من بطن أمه أي من صغره ولعله ورث غناه من أبيه فكان غنياً منذ صباه ومن صغره اعتاد الإحسان إلى المحتاجين.

إِنْ كُنْتُ قَدْ هَزَزْتُ يَدِي (ع 21) أي إذا رفع يده ليضرب اليتيم أو يظلمه لأنه رأى أن الجالسين في الباب أي الحكام كانوا يعينونه على ذلك.

فَلْتَسْقُطْ عَضُدِي (ع 22) الدعاء على نفسه يوافق الكلام السابق «إن كنت هززت يدي».

لَمْ أَسْتَطِعْ (ع 23) لم يقدر أن يخطئ الخطايا المذكورة لأن رعب الله عليه.

24 - 28 «24 إِنْ كُنْتُ قَدْ جَعَلْتُ ٱلذَّهَبَ عُمْدَتِي، أَوْ قُلْتُ لِلإِبْرِيزِ: أَنْتَ مُتَّكَلِي. 25 إِنْ كُنْتُ قَدْ فَرِحْتُ إِذْ كَثُرَتْ ثَرْوَتِي وَلأَنَّ يَدِي وَجَدَتْ كَثِيراً. 26 إِنْ كُنْتُ قَدْ نَظَرْتُ إِلَى ٱلنُّورِ حِينَ ضَاءَ، أَوْ إِلَى ٱلْقَمَرِ يَسِيرُ بِٱلْبَهَاءِ، 27 وَغَوِيَ قَلْبِي سِرّاً، وَلَثَمَ يَدِي فَمِي، 28 فَهٰذَا أَيْضاً إِثْمٌ يُعْرَضُ لِلْقُضَاةِ، لأَنِّي أَكُونُ قَدْ جَحَدْتُ ٱللّٰهَ مِنْ فَوْقُ».

ص 22: 24 ومزمور 10: 24 ص 1: 3 و10 ومزمور 62: 10 تثنية 4: 19 و17: 3 وحزقيال 8: 16 ع 11 وتثنية 17: 2 - 7 يشوع 24: 27 وإشعياء 59: 13

جَعَلْتُ ٱلذَّهَبَ عُمْدَتِ (كولوسي 3: 5) «ٱلطَّمَعَ ٱلَّذِي هُوَ عِبَادَةُ ٱلأَوْثَانِ».

وَلَثَمَ يَدِي فَمِي (ع 27) بالسجود إلى الشمس والقمر وامتد ذلك السجود كثيراً في الشرق وفي بلاد العرب (انظر إرميا 44: 15 - 19 وحزقيال 8: 16).

يُعْرَضُ لِلْقُضَاةِ (انظر تثنية 17: 2 - 7) يُقتل الساجد للشمس أو القمر أو الأصنام بموجب حكم من القضاة وعلى فم شاهدين أو ثلاثة شهود وهذا السجود هو جحود لله (القرآن 41: 37 و6: 76).

29 - 34 «29 إِنْ كُنْتُ قَدْ فَرِحْتُ بِبَلِيَّةِ مُبْغِضِي أَوْ شَمِتُّ حِينَ أَصَابَهُ سُوءٌ. 30 بَلْ لَمْ أَدَعْ حَنَكِي يُخْطِئُ فِي طَلَبِ نَفْسِهِ بِلَعْنَةٍ. 31 إِنْ كَانَ أَهْلُ خَيْمَتِي لَمْ يَقُولُوا: مَنْ يَأْتِي بِأَحَدٍ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ طَعَامِهِ؟ 32 غَرِيبٌ لَمْ يَبِتْ فِي ٱلْخَارِجِ. فَتَحْتُ لِلْمُسَافِرِ أَبْوَابِي. 33 إِنْ كُنْتُ قَدْ كَتَمْتُ كَٱلنَّاسِ ذَنْبِي لإِخْفَاءِ إِثْمِي فِي حِضْنِي. 34 إِذْ رَهِبْتُ جُمْهُوراً غَفِيراً، وَرَوَّعَتْنِي إِهَانَةُ ٱلْعَشَائِرِ، فَكَفَفْتُ وَلَمْ أَخْرُجْ مِنَ ٱلْبَابِ!».

أمثال 17: 5 و24: 17 وعوبديا 12 مزمور 7: 4 ص 5: 3 ص 22: 7 تكوين 3: 10 وأمثال 28: 13 خروج 23: 2

فَرِحْتُ بِبَلِيَّةِ مُبْغِضيِ (انظر 12: 5 وأمثال 24: 17 و25: 21).

أَهْلُ خَيْمَتِي (ع 31) خدامه.

كَتَمْتُ كَٱلنَّاسِ ذَنْبِي (ع 33) لم يرتكب ذنباً فليس كالذين يخطئون فيخافون من تعيير الناس ولا يريدون أن يخرجوا من الباب لئلا يراهم الناس ويستهزئوا بهم.

ولعل مؤلف السفر صوّر رجلاً كاملاً ونسب إلى أيوب الفضائل المذكورة. وهذه الصورة جميلة جداً لأنها لا تذكر الأعمال والكلام فقط بل أيضاً عواطف القلب والكلام هنا سبق تعليم العهد الجديد أي إن حفظ وصايا الله يتبدئ من القلب (انظر متّى 5: 28 و15: 19 ويعقوب 5: 4 و1يوحنا 3: 15).

35 - 37 «35 مَنْ لِي بِمَنْ يَسْمَعُنِي؟ هُوَذَا إِمْضَائِي. لِيُجِبْنِي ٱلْقَدِيرُ. وَمَنْ لِي بِشَكْوَى كَتَبَهَا خَصْمِي، 36 فَكُنْتُ أَحْمِلُهَا عَلَى كَتِفِي. كُنْتُ أُعْصِبُهَا تَاجاً لِي. 37 كُنْتُ أُخْبِرُهُ بِعَدَدِ خُطُوَاتِي وَأَدْنُو مِنْهُ كَشَرِيفٍ».

ص 19: 7 و30: 20 و24 و28 و35: 14 ص 27: 7 ع 4 ص 1: 3 و29: 25

لم يكمل الجملة بل رفع أفكاره إلى الله واستدعاه ليحكم في دعواه.

إِمْضَائِي (ع 35) على المدّعي أن يكتب شكواه وعلى المدّعى عليه أن يكتب جوابه حتى يُعرف تماماً فحوى الشكوى فلا يكون سوء مفهومية. المدّعي الخصم هو الله والمدّعى عليه هو أيوب. وهنا سؤالان الأول من جهة أيوب وهو لماذا لا يعترف أيوب بخطيئته بل يدّعي بأنه كامل في كل أعماله وأفكاره. وهذا يخالف قول الكتاب «إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا» (1يوحنا 1: 8) ويناقض اختبارنا. والثاني من جهة الله وهو لماذا قيل إنه المدّعي على الإنسان وخصمه هو الله وهذا خلاف ما قيل في الكتاب في محبة الله الأبوية ومحبة يسوع فادي الجنس البشري. والجواب على هذين السؤالين هو أن موضوع البحث في هذا السفر المصائب والخطيئة فإن أصحاب أيوب قالوا إن المصائب نتيجة الخطيئة ووقوع المصائب برهان قاطع على وجود خطيئة في المصاب وأما أيوب فقال إن مصائبه لم تنتج عن خطيئة فيه. وفي البحث مبالغة من الجهتين فإن أصحاب أيوب كثّروا خطاياه وعظموها وأما أيوب فأنكرها كلها. ونظر أيوب إلى الله كخصم لما تأمل في آلامه غير أنه لم يترك إيمانه بالله كما يظهر من كثير من أقواله.

كُنْتُ أَحْمِلُهَا عَلَى كَتِفِي (ع 36) إنه لا يخجل لو كتب خصمه شكواه عليه وبالغ فقال إنه يفتخر بها فيحملها على كتفه ويعصبها تاجاً لرأسه.

خُطُوَاتِي (ع 37) كل أعمال حياته بالتفصيل.

كَشَرِيفٍ لا كمذنب. ومن جهة أيوب نقول (1) إنه لم يخطئ خطايا فظيعة كما اتهمه أصحابه (2) إن نيّته كانت مخلصة وكان عزمه أن يعمل كل واجباته لله وللناس. (3) إنه أكمل هذه الواجبات لله لا ليظهر للناس أنه بار (4) إن الله يُسر بأعمال الناس الحسنة ويمدحهم عليها (انظر تكوين 22: 16 و2ملوك 10: 30 ومزمور 18: 20 - 24) وعلى كل إنسان أن يطلب الكمال ويجتهد فيه وجميع أعمالنا الحسنة تمت بنعمة الله وهي ليست علة خلاصنا وليست كاملة.

38 - 40 «38 إِنْ كَانَتْ أَرْضِي قَدْ صَرَخَتْ عَلَيَّ وَتَبَاكَتْ أَتْلاَمُهَا جَمِيعاً. 39 إِنْ كُنْتُ قَدْ أَكَلْتُ غَلَّتَهَا بِلاَ فِضَّةٍ، أَوْ أَطْفَأْتُ أَنْفُسَ أَصْحَابِهَا، 40 فَعِوَضَ ٱلْحِنْطَةِ لِيَنْبُتْ شَوْكٌ وَبَدَلَ ٱلشَّعِيرِ زَوَانٌ».

«تَمَّتْ أَقْوَالُ أَيُّوبَ».

ص 24: 2 ص 24: 6 و10 - 12 ويعقوب 5: 4 و1ملوك 21: 19 ص 32: 13 وإشعياء 5: 6

كانت الأرض صرخت على أيوب والأتلام تباكت لو كان أخذها بظلم وبلا فضة أي بلا دفع ثمنها لأصحابها. ومن يأخذ أرض الفقراء هكذا يطفئ أنفس أصحابها أي يهلكهم جوعاً لأنه لا يأخذ أرضهم فقط بل أيضاً حياتهم. والدعاء على نفسه لإثبات قوله.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلثَّلاَثُونَ

في ص 32 - 37 خطب أليهو وهو متكلم جديد. والظاهر أنه أحد الذين سمعوا المحاورة بين أيوب وأصحابه الثلاثة وهو سكت أولاً لأنه أصغر منهم سناً ولكنه بالآخر لم يقدر أن يضبط نفسه فتكلم وفي كلامه تكرار الكلام السابق مع بعض فوائد جديدة.

ويقول أكثر المفسرين المحدثين إن خطب أليهو لم تكن جزءاً أصلياً من سفر أيوب بل جزءاً آخر أدرجه فيه كاتب السفر أو كاتب آخر وغاية الكاتب إصلاح الغلط وتكملة الكلام. ومما يؤيد هذا الرأي (1) إن النفَس ليس كنفس باقي السفر إذ فيه كثير من ألفاظ واصطلاحات آرامية (2) إن أليهو لم يُذكر في مقدمة السفر مع الأصحاب الثلاثة ولا في خاتمة السفر (3) إن نهاية كلام ص 31 متعلقة بأول الأصحاح 38 ( «تمت أقوال أيوب... فأجاب الرب أيوب الخ») وإذا تُركت خطب أليهو لا يظهر نقص في سياق الكلام وعلى كل وجه بقيت خطب أليهو كما هي.

1 - 5 «1 فَكَفَّ هٰؤُلاَءِ ٱلرِّجَالُ ٱلثَّلاَثَةُ عَنْ مُجَاوَبَةِ أَيُّوبَ لِكَوْنِهِ بَارّاً فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ. 2 فَحَمِيَ غَضَبُ أَلِيهُوَ بْنِ بَرَخْئِيلَ ٱلْبُوزِيِّ مِنْ عَشِيرَةِ رَامٍ. عَلَى أَيُّوبَ حَمِيَ غَضَبُهُ لأنَّهُ حَسَبَ نَفْسَهُ أَبَرَّ مِنَ ٱللّٰهِ. 3 وَعَلَى أَصْحَابِهِ ٱلثَّلاَثَةِ حَمِيَ غَضَبُهُ لأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا جَوَاباً وَٱسْتَذْنَبُوا أَيُّوبَ. 4 وَكَانَ أَلِيهُو قَدْ صَبِرَ عَلَى أَيُّوبَ بِٱلْكَلاَمِ لأَنَّهُمْ أَكْثَرُ مِنْهُ أَيَّاماً. 5 فَلَمَّا رَأَى أَلِيهُو أَنَّهُ لاَ جَوَابَ فِي أَفْوَاهِ ٱلرِّجَالِ ٱلثَّلاَثَةِ حَمِيَ غَضَبُهُ».

ص 10: 7 و13: 18 و27: 2 و31: 6 ص 27: 5 و6 انظر ص 30: 21

كَفَّ هٰؤُلاَءِ لأنهم لم يقتنعوا منه ولم يقتنع هو منهم ورأوا أن الكلام عبث.

فَحَمِيَ غَضَبُ أَلِيهُوَ (ع 2) معنى الاسم أليهو إلهي هو ومعنى الاسم برخئيل بركة الله وهذه الأسماء تدل على أن أبويه عرفا الله وخافاه. وكان بوز ابن ناحور أخي إبراهيم (انظر تكوين 22: 20) وكان بوز من قبائل بلاد العرب (انظر إرميا 25: 23) ورام ليس آرام (انظر تكوين 22: 21). وحمي غضب أليهو على أيوب لأنه اعترض على الله (9: 13 الخ) كإنه أبرّ من الله وغضب على أصحاب أيوب لضعف حججهم ولم يبرر أيوب مما كانوا نسبوه إليه فتقدم أليهو ليصلح غلطات الفريقين.

6 - 14 «6 فَقَالَ أَلِيهُو بْنُ بَرَخْئِيلَ ٱلْبُوزِيُّ: أَنَا صَغِيرٌ فِي ٱلأَيَّامِ وَأَنْتُمْ شُيُوخٌ، لأَجْلِ ذٰلِكَ خِفْتُ وَخَشِيتُ أَنْ أُبْدِيَ لَكُمْ رَأْيِي. 7 قُلْتُ: ٱلأَيَّامُ تَتَكَلَّمُ وَكَثْرَةُ ٱلسِّنِينِ تُظْهِرُ حِكْمَةً. 8 وَلٰكِنَّ فِي ٱلنَّاسِ رُوحاً وَنَسَمَةُ ٱلْقَدِيرِ تُعَقِّلُهُمْ. 9 لَيْسَ ٱلْكَثِيرُو ٱلأَيَّامِ حُكَمَاءَ وَلاَ ٱلشُّيُوخُ يَفْهَمُونَ ٱلْحَقَّ. 10 لِذٰلِكَ قُلْتُ ٱسْمَعُونِي. أَنَا أَيْضاً أُبْدِي رَأْيِي. 11 هَئَنَذَا قَدْ صَبِرْتُ لِكَلاَمِكُمْ. أَصْغَيْتُ إِلَى حُجَجِكُمْ حَتَّى فَحَصْتُمُ ٱلأَقْوَالَ. 12 فَتَأَمَّلْتُ فِيكُمْ وَإِذْ لَيْسَ مَنْ حَجَّ أَيُّوبَ، وَلاَ جَوَابَ مِنْكُمْ لِكَلاَمِهِ. 13 فَلاَ تَقُولُوا: قَدْ وَجَدْنَا حِكْمَةً. اَللّٰهُ يَغْلِبُهُ لاَ ٱلإِنْسَانُ. 14 فَإِنَّهُ لَمْ يُوَجِّهْ إِلَيَّ كَلاَمَهُ وَلاَ أَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَا بِكَلاَمِكُمْ».

ص 15: 10 ص 33: 4 ص 38: 36 ع 7

فِي ٱلنَّاسِ رُوحاً (ع 8) لم يشر إلى الوحي كوحي الأنبياء بل أشار إلى نسمة الحياة التي من الله (انظر تكوين 2: 7) وهي نسمة الحكمة وليست فقط نسمة حياة الجسد. والحكمة من الله يعطيها لمن يشاء فلا تكون بالضرورة من خصائص الشيوخ.

لاَ جَوَابَ مِنْكُمْ (ع 12) لعل الحق معهم ولكن حججهم ضعيفة.

قَدْ وَجَدْنَا حِكْمَةً (ع 13) ليس لهم أن يعتذروا بقولهم إنهم وجدوا في أيوب حكمة لا يقدر أحدٌ إن يقاومها إلا الله وحده لأن عدم نجاحهم في المحاورة ليس من قوة حجج أيوب بل من ضعف حججهم. وقال أليهو إنه يقدر أن يجاوب ولكنه لا يجاوبه بحجج الأصحاب الثلاثة بل بحجج أقوى من حججهم.

15 - 22 «15 تَحَيَّرُوا. لَمْ يُجِيبُوا بَعْدُ. ٱنْتَزَعَ عَنْهُمُ ٱلْكَلاَمُ. 16 فَٱنْتَظَرْتُ لأَنَّهُمْ لَمْ يَتَكَلَّمُوا. لأَنَّهُمْ وَقَفُوا، لَمْ يُجِيبُوا بَعْدُ. 17 فَأُجِيبُ أَنَا أَيْضاً حِصَّتِي، وَأُبْدِي أَنَا أَيْضاً رَأْيِي. 18 لأَنِّي مَلآنٌ أَقْوَالاً. رُوحُ بَاطِنِي تُضَايِقُنِي. 19 هُوَذَا بَطْنِي كَخَمْرٍ لَمْ تُفْتَحْ. كَٱلزِّقَاقِ ٱلْجَدِيدَةِ يَكَادُ يَنْشَقُّ. 20 أَتَكَلَّمُ فَأُفْرَجُ. أَفْتَحُ شَفَتَيَّ وَأُجِيبُ. 21 لاَ أُحَابِيَنَّ وَجْهَ رَجُلٍ وَلاَ أَتَمَلَّقُ إِنْسَاناً. 22 لأَنِّي لاَ أَعْرِفُ ٱلتَّمَلُّقُ. لأَنَّهُ عَنْ قَلِيلٍ يَأْخُذُنِي صَانِعِي».

ص 13: 8 و10 و34: 19 ولاويين 19: 15

تَحَيَّرُوا غيّر كلامه من صيغة المخاطبين إلى صيغة الغائبين ولعله وجّه كلامه إلى جميع السامعين من أهل القرية وذلك احتقاراً للأصحاب الثلاثة (انظر إشعياء 22: 16) أو خاطب نفسه كأنه يتأمل بأي كلام يعبّر عن أفكاره.

فَأُجِيبُ أَنَا (ع 17) سكتوا من عجزهم وهو ملآن أقوالاً يرغب في الكلام والزقاق الجديدة (ع 19) عرضة للانشقاق اكثر من العتيقة لأن أليهو شبّه أفكاره بخمر جديدة توضع في زقاق جديدة (انظر متّى 9: 17). وقول أليهو يدل على التكبّر ولكن الغيرة واجبة في المحاماة عن الحق وعلى كل مبشر أن يكون كأليهو ملآناً أقوالاً وكإرميا (انظر إرميا 20: 9) الذي كان كلام الله كنار محرقة محصورة في عظامه فملّ من الإمساك ولم يستطع.

قصد أليهو (ع 21 و22) أن يقول الحق ولا يحابي الذين هم أكبر منه سناً ولا يملث وشعر بأنه واقف أمام الله وليس أمام الناس فقط وشعر أيضاً بأنه عن قريب سيقف أمام عرش الله ليعطي حساباً عن كل ما عمل وكل ما تركه من الواجبات فكان بذلك مثالاً لكل واعظ.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ وَٱلثَّلاَثُونَ

مضمونه (1) مقدمة ع 1 - 7 فيها طلب أليهو من أيوب أن يسمع كلامه لأنه إنسان مثله (2) ع 8 - 12 رد على ما قاله أيوب إن الله حسبه عدواً له (3) ع 13 - 28 أثبت إن الله يكلم الناس بواسطة الأحلام والآلام والرسل (4) ع 29 - 33 طلب من أيوب أن يجاوب وإلا فليستمع.

1 - 7 «1 وَلٰكِنِ ٱسْمَعِ ٱلآنَ يَا أَيُّوبُ أَقْوَالِي، وَٱصْغَ إِلَى كُلِّ كَلاَمِي. 2 هَئَنَذَا قَدْ فَتَحْتُ فَمِي. لِسَانِي نَطَقَ فِي حَنَكِي. 3 اِسْتِقَامَةُ قَلْبِي كَلاَمِي وَمَعْرِفَةُ شَفَتَيَّ هُمَا تَنْطِقَانِ بِهَا خَالِصَةً. 4 رُوحُ ٱللّٰهِ صَنَعَنِي وَنَسَمَةُ ٱلْقَدِيرِ أَحْيَتْنِي. 5 إِنِ ٱسْتَطَعْتَ فَأَجِبْنِي. أَحْسِنِ ٱلدَّعْوَى أَمَامِي. اِنْتَصِبْ. 6 هَئَنَذَا حَسَبَ قَوْلِكَ عِوَضاً عَنِ ٱللّٰهِ. أَنَا أَيْضاً مِنَ ٱلطِّينِ جُبِلْتُ. هُوَذَا هَيْبَتِي لاَ تُرْهِبُكَ وَجَلاَلِي لاَ يَثْقُلُ عَلَيْكَ».

ص 6: 28 و27: 4 و36: 4 ص 10: 3 و32: 8 ص 27: 3 ع 32 انظر ص 14: 9

خاطب أيوب باسمه بخلاف ما عمل الأصحاب الثلاثة وأشار إلى أهمية الكلام الآتي.

اِسْتِقَامَةُ قَلْبِي كَلاَمِي (ع 3) كان أيوب طلب أن يسمع الكلام المستقيم (6: 25).

رُوحُ ٱللّٰهِ (ع 4) (انظر 32: 8).

حَسَبَ قَوْلِكَ عِوَضاً عَنِ ٱللّٰهِ أَنَا (ع 6) كان أيوب طلب المصالحة بينه وبين الله (9: 33).

8 - 12 «8 إِنَّكَ قَدْ قُلْتَ فِي مَسَامِعِي، وَصَوْتَ أَقْوَالِكَ سَمِعْتُ. 9 قُلْتَ: أَنَا بَرِيءٌ بِلاَ ذَنْبٍ. زَكِيٌّ أَنَا وَلاَ إِثْمَ لِي. 10 هُوَذَا يَطْلُبُ عَلَيَّ عِلَلَ عَدَاوَةٍ. يَحْسِبُنِي عَدُوّاً لَهُ. 11 وَضَعَ رِجْلَيَّ فِي ٱلْمِقْطَرَةِ. يُرَاقِبُ كُلَّ طُرُقِي. 12 هَا إِنَّكَ فِي هٰذَا لَمْ تُصِبْ. أَنَا أُجِيبُكَ. لأَنَّ ٱللّٰهَ أَعْظَمُ مِنَ ٱلإِنْسَانِ».

ص 6: 10 و9: 21 و10: 7 و13: 18 و16: 17 ص 7: 21 و13: 23 و14: 17 ص 10: 14 ص 13: 24 ص 13: 27

أَنَا بَرِيءٌ قال أيوب (كامل أنا) (9: 21) «فِي عِلْمِكَ أَنِّي لَسْتُ مُذْنِباً» (10: 7) «لاَ ظُلْمَ فِي يَدِي» (16: 17) «لأَنَّهُ يَعْرِفُ طَرِيقِي. إِذَا جَرَّبَنِي أَخْرُجُ كَٱلذَّهَبِ» (23: 10) «حَتَّى أُسْلِمَ ٱلرُّوحَ لاَ أَعْزِلُ كَمَالِي عَنِّي» (27: 5).

هُوَذَا يَطْلُبُ عَلَيَّ عِلَلَ عَدَاوَةٍ (ع 10) إن أقوال أيوب تنسب لله عداوة «لٰكِنَّكَ كَتَمْتَ هٰذِهِ فِي قَلْبِكَ» (10: 13) «لِمَاذَا تَحْجُبُ وَجْهَكَ وَتَحْسِبُنِي عَدُوّاً لَكَ» (13: 24) «فَجَعَلْتَ رِجْلَيَّ فِي ٱلْمِقْطَرَةِ وَلاَحَظْتَ جَمِيعَ مَسَالِكِي» (13: 27) «تَحَوَّلْتَ إِلَى جَافٍ مِنْ نَحْوِي. بِقُدْرَةِ يَدِكَ تَضْطَهِدُنِي» (30: 12) وجواب أليهو (ع 12) «لأَنَّ ٱللّٰهَ أَعْظَمُ مِنَ ٱلإِنْسَانِ» فلا يليق أن نشكه.

13 - 23 «13 لِمَاذَا تُخَاصِمُهُ؟ لأَنَّ كُلَّ أُمُورِهِ لاَ يُجَاوِبُ عَنْهَا. 14 لٰكِنَّ ٱللّٰهَ يَتَكَلَّمُ مَرَّةً، وَبِٱثْنَتَيْنِ لاَ يُلاَحِظُ ٱلإِنْسَانُ. 15 فِي حُلْمٍ فِي رُؤْيَا ٱللَّيْلِ، عِنْدَ سُقُوطِ سُبَاتٍ عَلَى ٱلنَّاسِ، فِي ٱلنُّعَاسِ عَلَى ٱلْمَضْجَعِ. 16 حِينَئِذٍ يَكْشِفُ آذَانَ ٱلنَّاسِ وَيَخْتِمُ عَلَى تَأْدِيبِهِمْ، 17 لِيُحَوِّلَ ٱلإِنْسَانَ عَنْ عَمَلِهِ وَيَكْتُمَ ٱلْكِبْرِيَاءَ عَنِ ٱلرَّجُلِ 18 لِيَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنِ ٱلْحُفْرَةِ وَحَيَاتَهُ مِنَ ٱلزَّوَالِ بِحَرْبَةِ ٱلْمَوْتِ. 19 أَيْضاً يُؤَدَّبُ بِٱلْوَجَعِ عَلَى مَضْجَعِهِ، وَمُخَاصَمَةُ عِظَامِهِ دَائِمَةٌ، 20 فَتَكْرَهُ حَيَاتُهُ خُبْزاً وَنَفْسُهُ ٱلطَّعَامَ ٱلشَّهِيَّ. 21 فَيَبْلَى لَحْمُهُ عَنِ ٱلْعَيَانِ وَتَنْبَرِي عِظَامُهُ فَلاَ تُرَى، 22 وَتَقْرُبُ نَفْسُهُ إِلَى ٱلْقَبْرِ وَحَيَاتُهُ إِلَى ٱلْمُمِيتِينَ. 23 إِنْ وُجِدَ عِنْدَهُ مُرْسَلٌ، وَسِيطٌ وَاحِدٌ مِنْ أَلْفٍ لِيُعْلِنَ لِلإِنْسَانِ ٱسْتِقَامَتَهُ».

ص 40: 2 وإشعياء 45: 9 ع 29 وص 40: 5 ومزمور 62: 11 ع 15 - 18 وص 4: 12 - 17 ص 36: 10 و15 ع 22 و24 و28 و30 انظر ص 15: 22 ص 30: 17 ص 3: 24 و6: 7 ومزمور 107: 18 ص 16: 8 ص 19: 20 ومزمور 22: 17 ع 18 و28 تكوين 40: 8

لاَ يُجَاوِبُ عَنْهَا (1) إن الله لا يجاوب لأنه أعظم من الإنسان فليس مضطراً أن يجاوبه (2) لأن الإنسان لا يقدر أن يفهم كل ما يعمله الله (3) لأن الله يريد أن يمتحن إيمان الإنسان وكل أمور الله عدل وحق وهو يعامل الإنسان بالحكمة والمحبة فعلى الإنسان أن يصدق ذلك وإن كان لا يقدر أن يفهمه. ومع ذلك يتنازل الله ويكلّم الإنسان مرة وباثنتين أي مرات كثيرة وأما الإنسان فلا يلاحظ (ع 14). وذكر أليهو أولاً الأحلام التي بها كان الله يكلم الناس في القديم (انظر تكوين 20: 3).

وَيَخْتِمُ عَلَى تَأْدِيبِهِمْ (ع 16) والختم (1) للتأكيد كالختم على حوالة يُعرف به إن الكتابة للممضي (2) للطبع فإنه على الختم نقش صورة أو كتابة وتحت الختم شمع ذائب يأخذ من الختم الصورة أو الكتابة المنقوشة. (3) للحفظ فإن المكتوب المختوم لا يُفتح دون علم صاحبه. والله يختم على تأديب الناس بالمعنى (1) إن التأديب منه (2) إن الإنسان إذا استفاد كما يجب من التأديب تنطبع عليه صورة خالقه (3) إن أثمار الروح كالمحبة والفرح والسلام الخ لا تُنزع منه.

لِيُحَوِّلَ ٱلإِنْسَانَ (ع 17 و18) غاية الله من مخاطبة الإنسان منعه عن الشرور وحفظه من عقابها.

أَيْضاً يُؤَدَّبُ بِٱلْوَجَعِ (ع 19) ذكر أليهو أولاً أن الله يكلم الإنسان في حلم (ع 15) وذكر أيضاً أنه يكلمه بالوجع. ظن الأصحاب الثلاثة إن أوجاع أيوب علامة غضب الله وأما أليهو فبيّن لهم إن الأوجاع قد تكون تأديباً وعلامة محبة الله وغايتها الخلاص لا الهلاك فبذلك امتاز كلام أليهو عن كلامهم.

مُخَاصَمَةُ عِظَامِهِ دَائِمَةٌ (ع 19) شبّه الوجع بعدوّ يخاصم الإنسان فلا يتركه نهاراً أو ليلاً.

تَنْبَرِي عِظَامُهُ فَلاَ تُرَى (ع 21) أي تتلاشى وفي القول مبالغة حائرة والمعنى الضعف الكلي. وبعضهم يستشهدون (إشعياء 53: 2) «لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيهِ» أي من ضعفه نشمئز من النظر إليه.

ٱلْمُمِيتِينَ (ع 22) الملائكة المرسلون من الله ليهلكوا الناس (2صموئيل 24: 16) «بَسَطَ ٱلْمَلاَكُ يَدَهُ عَلَى أُورُشَلِيمَ لِيُهْلِكَهَا» و(مزمور 78: 49) «أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ (المصريين) حُمُوَّ غَضَبِهِ جَيْشَ مَلاَئِكَةٍ أَشْرَارٍ».

مُرْسَلٌ (ع 23) يقول بعضهم إن المرسل ملاك وهو واحد من ألف لأنه أحد الملائكة الكثيرين من قبل الله كالأنبياء (انظر حجي 1: 13) «فَقَالَ حَجَّي رَسُولُ ٱلرَّبِّ بِرِسَالَةِ ٱلرَّبِّ لِجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ الخ» و(ملاخي 2: 7) «لأَنَّ شَفَتَيِ ٱلْكَاهِنِ تَحْفَظَانِ مَعْرِفَةً، وَمِنْ فَمِهِ يَطْلُبُونَ ٱلشَّرِيعَةَ لأَنَّهُ رَسُولُ رَبِّ ٱلْجُنُودِ» والمرسل كل من يعود المريض بعناية الله ويعزيه ويدربه بكلام الله والوسيط هو من يكلم الناس عن الله بالوعظ والإنذار ويكلم الله عن الناس بالصلاة لأجلهم. وكان أليهو مرسلاً ووسيطاً من الله إلى أيوب وقال إنه واحد من ألف (ع 23) على سبيل الافتخار كأنه ليس في الألف مثله إلا واحد أو على سبيل التواضع إذ عند الله ألف رسول وأكثر من ألف وهو أحدهم فقط وهذا الأرجح. وفي القول إشارة إلى يسوع المسيح الوسيط بين الله والإنسان وهو «أَبْرَعُ جَمَالاً مِنْ بَنِي ٱلْبَشَرِ» (مزمور 45: 20) و «مُعْلَمٌ بَيْنَ رَبْوَةٍ» (نشيد الأنشاد 5: 10). ولكن لم يكن هذا بفكر أليهو.

لِيُعْلِنَ لِلإِنْسَانِ ٱسْتِقَامَتَهُ أي الاستقامة الواجبة عليه وخطيئته بعدم الاستقامة وفي العهد الجديد يُعلن بر المسيح الكامل.

24 - 28 «24 يَتَرَأَّفُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: أُطْلِقُهُ عَنِ ٱلْهُبُوطِ إِلَى ٱلْحُفْرَةِ، قَدْ وَجَدْتُ فِدْيَةً. 25 يَصِيرُ لَحْمُهُ أغض (أَنْضَرَ) مِنْ لَحْمِ ٱلصَّبِيِّ وَيَعُودُ إِلَى أَيَّامِ شَبَابِهِ. 26 يُصَلِّي إِلَى ٱللّٰهِ فَيَرْضَى عَنْهُ، وَيُعَايِنُ وَجْهَهُ بِهُتَافٍ فَيَرُدُّ عَلَى ٱلإِنْسَانِ بِرَّهُ. 27 يُغَنِّي بَيْنَ ٱلنَّاسِ فَيَقُولُ: قَدْ أَخْطَأْتُ وَعَوَّجْتُ ٱلْمُسْتَقِيمَ وَلَمْ أُجَازَ عَلَيْهِ. 28 فَدَى نَفْسِي مِنَ ٱلْعُبُورِ إِلَى ٱلْحُفْرَةِ، فَتَرَى حَيَاتِيَ ٱلنُّورَ».

ع 18 و28 وإشعياء 38: 17 ص 36: 18 ومزمور 49: 7 ص 22: 27 و34: 28 ص 22: 26 ص 8: 11 و2صموئيل 12: 13 ولوقا 15: 21 رومية 6: 21 انظر ص 22: 28

في هذه الآيات خلاصة الكلام السابق. تكلم الله أولاً في حلم (ع 15) وثانياً بالتأديب بالمرض (ع 19) وثالثاً بمرسل (ع 23) وبالنتيجة ينتبه الإنسان ويتوب فيترأف الله عليه ويحفظه من الهبوط إلى الحفرة.

قَدْ وَجَدْتُ فِدْيَةً هذا قول الله والفدية توبة المريض أو تأديبه الوافي أو الصلاة لأجله وكل فدية مبنية على فدية المسيح غير أن القدماء لم يعرفوا هذا الأمر تمام المعرفة.

أغض (أَنْضَرَ) مِنْ لَحْمِ ٱلصَّبِيِّ (ع 25) (انظر تطهير نعمان 2ملوك 5: 14) وهنا لا شك مبالغة فإن الخاطي ولو تاب لا يرجع إلى أيام شبابه والصحة المتأخرة والمال المبذر لا يرجعان. (انظر نبأ داود بعد قتله أوريا 2صموئيل 12: 7 - 15) «قَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: ٱلرَّبُّ أَيْضاً قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ» وقال أيضاً «لاَ يُفَارِقُ ٱلسَّيْفُ بَيْتَكَ» وقال داود في (مزمور 32: 1) «طُوبَى لِلَّذِي غُفِرَ إِثْمُهُ» لأنه يفرح بالغفران والرجوع إلى رضا الله مع أنه لا ينجو من عواقب خطيئته.

وَيُعَايِنُ وَجْهَهُ (ع 26) لأنه رضي عنه. قال فم الذهب إن الذين يعاينون وجه الله وهو راض عنهم يذوقون أفراح السماء وهم على الأرض.

فَيَرُدُّ عَلَى ٱلإِنْسَانِ بِرَّهُ الأرجح أن «بره» هو بر الإنسان الذي فقده لما أخطأ ويرده الله عليه حينما يتوب فيغفر له خطاياه ويقبله كأنه بار كما كان قبلما أخطأ.

يُغَنِّي بَيْنَ ٱلنَّاسِ (ع 27) أشار إلى فرح الخاطي عندما يتوب ويرجع إلى الله وينال الغفران فيجب أن يذيع الخبر بين الناس (مزمور 66: 16) «هَلُمَّ ٱسْمَعُوا فَأُخْبِرَكُمْ يَا كُلَّ ٱلْخَائِفِينَ ٱللّٰهَ بِمَا صَنَعَ لِنَفْسِي».

وَلَمْ أُجَازَ عَلَيْهِ هو عكس ما كان أيوب قاله (16: 14 - 17) «يَقْتَحِمُنِي... مَعَ أَنَّهُ لاَ ظُلْمَ فِي يَدِي» وأما كل من يشعر بعظمة خطاياه كما يجب يقول مع داود (مزمور 103: 10) «لَمْ يَصْنَعْ مَعَنَا حَسَبَ خَطَايَانَا، وَلَمْ يُجَازِنَا حَسَبَ آثَامِنَا».

فَتَرَى حَيَاتِيَ ٱلنُّورَ (ع 28) نور هذا العالم بخلاف ظلمة الحفرة (مزمور 56: 13) «نَجَّيْتَ نَفْسِي مِنَ ٱلْمَوْتِ. نَعَمْ، وَرِجْلَيَّ مِنَ ٱلزَّلَقِ، لِكَيْ أَسِيرَ قُدَّامَ ٱللّٰهِ فِي نُورِ ٱلأَحْيَاءِ» ونقول بمعنى أوسع مما كان يفكر أليهو إن الله يقيم الأموات بالخطايا ويحييهم بالمسيح ليسيروا مع الأحياء في الروح.

29 - 33 «29 هُوَذَا كُلُّ هٰذِهِ يَفْعَلُهَا ٱللّٰهُ مَرَّتَيْنِ وَثَلاَثاً بِٱلإِنْسَانِ، 30 لِيَرُدَّ نَفْسَهُ مِنَ ٱلْحُفْرَةِ، لِيَسْتَنِيرَ بِنُورِ ٱلأَحْيَاءِ. 31 فَٱصْغَ يَا أَيُّوبُ وَٱسْتَمِعْ لِي. اُنْصُتْ فَأَنَا أَتَكَلَّمُ. 32 إِنْ كَانَ عِنْدَكَ كَلاَمٌ فَأَجِبْنِي. تَكَلَّمْ. فَإِنِّي أُرِيدُ تَبْرِيرَكَ. 33 وَإِلاَّ فَٱسْتَمِعْ أَنْتَ لِي. اُنْصُتْ فَأُعَلِّمَكَ ٱلْحِكْمَةَ».

أفسس 1: 11 وفليمون 2: 13 ع 18

مَرَّتَيْنِ وَثَلاَثاً أي مرات كثيرة وغاية الله في تأديب الإنسان خلاص نفسه فيأتي به إلى حافة القبر لئلا يهبط في حفرة أعمق منه فالتأديب علامة محبة الله (رؤيا 3: 19).

فَإِنِّي أُرِيدُ تَبْرِيرَكَ (ع 32) لم يرد أليهو أن يظلمه أو يحكم عليه بعجلة بل أراد أن يسمع كل ما عنده من الحجج وأراد أن يتبرر أيوب ولو أصبح هو غالطاً.

وَإِلاَّ فَٱسْتَمِعْ (ع 33) استمع الكلام الآتي.

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ

مضمونه خطاب أليهو الثاني وفيه:

  1. مقدمة (ع 1 - 4).

  2. ذكر ما كان أيوب أخطأ فيه (ع 5 - 9).

  3. إن الله لا يفعل سوءاً لأنه الخالق والمتسلط ويجرب العدل والحق لأنه يعرف جميع الناس (ع 10 - 30).

  4. إن التذمر على الله معصية لأن به يجعل الإنسان نفسه حاكماً دون الله (ع 31 - 37).

1 - 4 «1 وَقَالَ أَلِيهُو: 2 ٱسْمَعُوا أَقْوَالِي أَيُّهَا ٱلْحُكَمَاءُ، وَٱصْغُوا لِي أَيُّهَا ٱلْعَارِفُونَ. 3 لأَنَّ ٱلأُذُنَ تَمْتَحِنُ ٱلأَقْوَالَ كَمَا أَنَّ ٱلْحَنَكَ يَذُوقُ طَعَاماً. 4 لِنَمْتَحِنْ لأَنْفُسِنَا ٱلْحَقَّ وَنَعْرِفْ بَيْنَ أَنْفُسِنَا مَا هُوَ طَيِّبٌ».

ص 12: 11

خاطب جميع الحكماء السامعين وليس فقط الأصحاب الثلاثة لأن كلامه الآتي مما يستحق الإصغاء.

ٱلأُذُنَ (ع 3) هي الأذن الروحية أي قوة العقل والإدراك في الإنسان والله أعطى الإنسان العقل والضمير اللذين بهما يعرف ما هو الحق كما أن الحنك يستطعم الطعام ومن واجبات كل إنسان أن يعرف ويفهم ويحكم في الأمور الدينية.

5 - 9 «5 لأَنَّ أَيُّوبَ قَالَ: تَبَرَّرْتُ، وَٱللّٰهُ نَزَعَ حَقِّي. 6 عِنْدَ مُحَاكَمَتِي أُكَذَّبُ. جُرْحِي عَدِيمُ ٱلشِّفَاءِ مِنْ دُونِ ذَنْبٍ. 7 فَأَيُّ إِنْسَانٍ كَأَيُّوبَ يَشْرَبُ ٱلْهُزْءَ كَٱلْمَاءِ، 8 وَيَسِيرُ مُتَّحِداً مَعَ فَاعِلِي ٱلإِثْمِ، وَذَاهِباً مَعَ أَهْلِ ٱلشَّرِّ؟ 9 لأَنَّهُ قَالَ: لاَ يَنْتَفِعُ ٱلإِنْسَانُ بِكَوْنِهِ مَرْضِيّاً عِنْدَ ٱللّٰهِ».

ص 13: 18 ص 27: 2 ص 6: 4 ص 15: 16 ص 22: 15 ص 21: 15 و35: 3

لأَنَّ أَيُّوبَ قَالَ حكم الأصحاب الثلاثة على سيرة أيوب من أعماله وأما أليهو فحكم عليه أقواله ومن هذه الأقوال إنه تبرر (9: 17 و13: 18 و16: 17) وإن الله نزع حقه (27: 2) وإنه كُذّب عند محاكمته أي قال أيوب إنه بريء فكذبه الله وعامله كمذنب.

جُرْحِي عَدِيمُ ٱلشِّفَاءِ لأن أولاده ماتوا وأملاكه تلاشت وذلك كله دون ذنب منه.

يَشْرَبُ ٱلْهُزْءَ كَٱلْمَاءِ (ع 7) يشربه بالكثرة كما يشرب العطشان وبلا اهتمام كأن الهزء أمر زهيد كالماء لا ثمن له وبعمله هذا صار كأحد فاعلي الإثم.

لأَنَّهُ قَالَ (ع 9) (انظر 9: 22 و21: 7).

10 - 15 «10 لأَجْلِ ذٰلِكَ ٱسْمَعُوا لِي يَا ذَوِي ٱلأَلْبَابِ. حَاشَا لِلّٰهِ مِنَ ٱلشَّرِّ وَلِلْقَدِيرِ مِنَ ٱلظُّلْمِ. 11 لأَنَّهُ يُجَازِي ٱلإِنْسَانَ عَلَى فِعْلِهِ وَيُنِيلُ ٱلرَّجُلَ كَطَرِيقِهِ. 12 فَحَقّاً إِنَّ ٱللّٰهَ لاَ يَفْعَلُ سُوءاً، وَٱلْقَدِيرَ لاَ يُعَوِّجُ ٱلْقَضَاءَ. 13 مَنْ وَكَّلَهُ بِٱلأَرْضِ، وَمَنْ صَنَعَ ٱلْمَسْكُونَةَ كُلَّهَا؟ 14 إِنْ جَعَلَ عَلَيْهِ قَلْبَهُ، إِنْ جَمَعَ إِلَى نَفْسِهِ رُوحَهُ وَنَسَمَتَهُ، 15 يُسَلِّمُ ٱلرُّوحَ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعاً، وَيَعُودُ ٱلإِنْسَانُ إِلَى ٱلتُّرَابِ».

ع 12 انظر ص 8: 3 ع 25 ومزمور 62: 12 وأمثال 24: 12 وإرميا 32: 19 وحزقيال 23: 20 ومتّى 16: 27 ورومية 2: 6 و2كورنثوس 5: 10 ورؤيا 22: 12 ع 10 ص 38: 4 ص 38: 5 ص 12: 10 ومزمور 104: 29 ص 9: 22 وتكوين 7: 21 ص 10: 9 وتكوين 3: 19

حَاشَا لِلّٰهِ مِنَ ٱلشَّرِّ من يعرف الله معرفة حقيقية لا يقدر أن ينسب إليه ظلماً لأنه لا يمكن الوالد الصالح أن يظلم أولاده أو الصانع الماهر أن يكره عمل يديه أو من له كل شيء أن يطمع في من ليس له شيء. ولا يمكن نسبة الظلم إلى الله (انظر رومية 3: 4) وهذا كله سلّم به أيوب وأصحابه غير أنهم لم يقدروا أن يوفقوا بين عدل الله وجودته ووجود الشرور في العالم ومصائب الأبرار ونجاح الأشرار فكان أيوب نسب الظلم إلى الله.

مَنْ وَكَّلَهُ (ع 13) ليس الله وكيلاً ليظلم عبيد سيده ويبذّر ما ليس له بل الأرض كلها له.

إِنْ جَعَلَ عَلَيْهِ قَلْبَهُ (ع 14) (انظر 7: 17) أي إذا نظر الله إلى الإنسان كحاكم قاسٍ وراقبه للشر ليجد عليه علة وجمع إلى نفسه روح الإنسان ونسمته يسلم الروح كل بشر ويعود الإنسان إلى التراب.

وبالترجمة الإنكليزية ما معناه: إن جعل الله قلبه على نفسه واهتم بنفسه فقط وترك الإنسان ولو لحظة فقد يعود الإنسان إلى التراب فوجود الإنسان حياً ودوام الخير مما يثبت جودة الله. «وروحه ونسمته» روح الله ونسمته وحينما يجمع الله روحه إلى نفسه ينزعه من الإنسان (مزمور 51: 11) «وَرُوحَكَ ٱلْقُدُّوسَ لاَ تَنْزِعْهُ مِنِّي». وهذا التفسير يوافق القرينة أكثر من التفسير الأول.

16 - 20 «16 فَإِنْ كَانَ لَكَ فَهْمٌ فَٱسْمَعْ هٰذَا، وَٱصْغَ إِلَى صَوْتِ كَلِمَاتِي. 17 أَلَعَلَّ مَنْ يُبْغِضُ ٱلْحَقَّ يَتَسَلَّطُ، أَمِ ٱلْبَارَّ ٱلْكَبِيرَ تَسْتَذْنِبُ. 18 أَيُقَالُ لِلْمَلِكِ: يَا لَئِيمُ وَلِلشُّرَفَاءِ: يَا أَشْرَارُ؟! 19 ٱلَّذِي لاَ يُحَابِي بِوُجُوهِ ٱلرُّؤَسَاءِ وَلاَ يَعْتَبِرُ غَنِيّاً دُونَ فَقِيرٍ. لأَنَّهُمْ جَمِيعَهُمْ عَمَلُ يَدَيْهِ. 20 بَغْتَةً يَمُوتُونَ وَفِي نِصْفِ ٱللَّيْلِ. يَرْتَجُّ ٱلشَّعْبُ وَيَزُولُونَ وَيُنْزَعُ ٱلأَعِزَّاءُ لاَ بِيَدٍ».

ع 30 و2صموئيل 23: 3 ص 40: 8 لاويين 19: 15 وتثنية 10: 17 و2أيام 19: 7 وأعمال 10: 34 ورومية 2: 11 وغلاطية 2: 6 وأفسس 6: 9 وكولوسي 3: 25 و1بطرس 1: 17 انظر ص 10: 3 ع 25 وص 36: 20 وخروج 12: 29 انظر ص 12: 19

فَإِنْ كَانَ لَكَ فَهْمٌ وجّه أليهو كلامه إلى أيوب.

أَلَعَلَّ مَنْ يُبْغِضُ ٱلْحَقَّ يَتَسَلَّطُ (ع 17) في الأرض سلاطين ظالمون ولكنهم إلى حين فقط لأن الظالم يخرب المملكة. ولو كان الله ظالماً لم يتسلط على الكون ولم يثبت الكون (تكوين 18: 25) «أَدَيَّانُ كُلِّ ٱلأَرْضِ لاَ يَصْنَعُ عَدْلاً» (رومية 3: 5 و6) «أَلَعَلَّ ٱللّٰهَ... ظَالِمٌ... حَاشَا! فَكَيْفَ يَدِينُ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ إِذْ ذَاكَ».

أَيُقَالُ لِلْمَلِكِ: يَا لَئِيمُ (ع 18) لكل ملك احترام لكونه ملكاً وإن كان لئيماً بذاته فكم بالحري الله الذي لا يعتبر مُوسعاً دون فقير لأنهم جميعهم عمل يديه.

فِي نِصْفِ ٱللَّيْلِ (ع 20) (انظر خروج 12: 29 و30 و2ملوك 19: 35).

لاَ بِيَدٍ لا بيد إنسان بل بيد الله (انظر دانيال 2: 34 وزكريا 4: 6).

21 - 30 «21 لأَنَّ عَيْنَيْهِ عَلَى طُرُقِ ٱلإِنْسَانِ وَهُوَ يَرَى كُلَّ خَطَوَاتِهِ. 22 لاَ ظَلاَمَ وَلاَ ظِلَّ مَوْتٍ حَيْثُ تَخْتَفِي عُمَّالُ ٱلإِثْمِ. 23 لأَنَّهُ لاَ يُلاَحِظُ ٱلإِنْسَانَ زَمَاناً لِلدُّخُولِ فِي ٱلْمُحَاكَمَةِ مَعَ ٱللّٰهِ. 24 يُحَطِّمُ ٱلأَعِزَّاءَ مِنْ دُونِ فَحْصٍ وَيُقِيمُ آخَرِينَ مَكَانَهُمْ. 25 لٰكِنَّهُ يَعْرِفُ أَعْمَالَهُمْ وَيُقَلِّبُهُمْ لَيْلاً فَيَنْسَحِقُونَ. 26 لِكَوْنِهِمْ أَشْرَاراً يَصْفَعُهُمْ فِي مَرْأَى ٱلنَّاظِرِينَ. 27 لأَنَّهُمُ ٱنْصَرَفُوا مِنْ وَرَائِهِ وَكُلُّ طُرُقِهِ لَمْ يَتَأَمَّلُوهَا، 28 حَتَّى بَلَّغُوا إِلَيْهِ صُرَاخَ ٱلْمِسْكِينِ فَسَمِعَ زَعْقَةَ ٱلْبَائِسِينَ. 29 إِذَا هُوَ سَكَّنَ، فَمَنْ يَشْغَبُ؟ وَإِذَا حَجَبَ وَجْهَهُ، فَمَنْ يَرَاهُ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى أُمَّةٍ أَوْ عَلَى إِنْسَانٍ؟ 30 حَتَّى لاَ يَمْلِكَ ٱلْفَاجِرُ وَلاَ يَكُونَ شَرَكاً لِلشَّعْبِ».

ص24: 23 و31: 4 وأمثال 5: 21 و15: 3 وإرميا 16: 17 مزمور 139: 11 وعاموس 9: 2 و3 ص 11: 11 انظر ص 12: 19 ع 11 ع 20 مزمور 9: 5 و11: 5 و1صموئيل 15: 11 ص 21: 14 ص35: 9 ص 22: 27 وخروج 22: 23 ع 17 وص 5: 15 و20: 5

مِنْ دُونِ فَحْصٍ (ع 24) لا يجوز للإنسان أن يحكم من دون فحص لأنه عرضة للغلط وأما الله فيعرف طرق الإنسان وكل خطواته ولا يختفي عنه شيء.

يُقَلِّبُهُمْ لَيْلاً (ع 25) كبيلشاصر (انظر دانيال 5: 20 و30).

لِكَوْنِهِمْ أَشْرَاراً (ع 26) لا يُخدع الله كما يُخدع الملوك بل يميز الأشرار من الصالحين (انظر متّى 25: 32).

فِي مَرْأَى ٱلنَّاظِرِينَ عبرة لهم وشهادة لعدله.

صُرَاخَ ٱلْمِسْكِينِ (يعقوب 5: 4) «أُجْرَةُ ٱلْفَعَلَةِ ٱلَّذِينَ حَصَدُوا حُقُولَكُمُ ٱلْمَبْخُوسَةُ مِنْكُمْ تَصْرُخُ، وَصِيَاحُ ٱلْحَصَّادِينَ قَدْ دَخَلَ إِلَى أُذُنَيْ رَبِّ ٱلْجُنُودِ».

وَإِذَا حَجَبَ وَجْهَهُ يعمل الله كما يشاء فيغضب على أمة أو على إنسان. ويحجب وجهه أو يرضى عن أناس فيرون وجهه وليس عليه اعتراض. وكل ما يعمله يعمله بالمحبة والرحمة والعدل.

حَتَّى لاَ يَمْلِكَ ٱلْفَاجِرُ (ع 29) رحمة الله للشعب.

31 - 37 «31 وَلٰكِنْ هَلْ لِلّٰهِ قَالَ: ٱحْتَمَلْتُ. لاَ أَعُودُ أُفْسِدُ. 32 مَا لَمْ أُبْصِرْهُ فَأَرِنِيهِ أَنْتَ. إِنْ كُنْتُ قَدْ فَعَلْتُ إِثْماً فَلاَ أَعُودُ أَفْعَلُهُ؟ 33 هَلْ كَرَأْيِكَ يُجَازِيهِ، قَائِلاً: لأَنَّكَ رَفَضْتَ فَأَنْتَ تَخْتَارُ لاَ أَنَا. وَبِمَا تَعْرِفُهُ تَكَلَّمْ؟ 34 ذَوُو ٱلأَلْبَابِ يَقُولُونَ لِي، بَلِ ٱلرَّجُلُ ٱلْحَكِيمُ ٱلَّذِي يَسْمَعُنِي يَقُولُ: 35 إِنَّ أَيُّوبَ يَتَكَلَّمُ بِلاَ مَعْرِفَةٍ وَكَلاَمُهُ لَيْسَ بِتَعَقُّلٍ. 36 فَلَيْتَ أَيُّوبَ كَانَ يُمْتَحَنُ إِلَى ٱلْغَايَةِ مِنْ أَجْلِ أَجْوِبَتِهِ كَأَهْلِ ٱلإِثْمِ. 37 لٰكِنَّهُ أَضَافَ إِلَى خَطِيَّتِهِ مَعْصِيَةً. يُصَفِّقُ بَيْنَنَا وَيُكْثِرُ كَلاَمَهُ عَلَى ٱللّٰهِ».

ص 33: 27 ص 33: 27 ص 41: 11 ص 35: 16 ص 22: 15 ص 23: 2 ص 27: 23

هَلْ لِلّٰهِ قَال اسم الفاعل مجهول أي هل لله قال إنسان.

ٱحْتَمَلْتُ. لاَ أَعُودُ أُفْسِدُ أي احتمل مصائب وليس بعلمه إنه كان عمل ما يستوجبها ولكنه سلّم بأنه ربما كان أفسد أي أثم وقال لا أعود أفسد وطلب أن الله يريه الإثم الذي لم يبصره وإذا كان قد أثم إثماً فهو لا يعود يفعله. ثم أليهو سأل أيوب (ع 33) هل كرأيك يجازي الله ذلك الإنسان. وطُلب من أيوب أن يقدم رأيه من جهة الحكم على ذلك الإنسان المجهول. ورأيه كما يُستنتج من أقواله السابقة إنه لا يجوز تأديب ذلك الإنسان لأنه كان احتمل مصائبه ظلماً. ثم يقول الله لأيوب «لأَنَّكَ رَفَضْتَ فَأَنْتَ تَخْتَارُ لاَ أَنَا» أي كان أيوب بجسارته جعل نفسه أحكم من الله. ثم (ع 34) رفع أليهو الدعوى إلى حكم الحاضرين. ودعواه على أيوب إنه تكلم بلا معرفة وبلا تعقل فاستحسن أليهو (ع 36) إن أيوب يُمتحن إلى الغاية أي إنه يستوفي حقه من الآلام. فكان كلام أليهو هنا أشد من كلام الأصحاب الثلاثة.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ وَٱلثَّلاَثُونَ

خطاب أليهو الثالث

1 - 8 «1 وَقَالَ أَلِيهُو: 2 أَتَحْسِبُ هٰذَا حَقّاً؟ قُلْتَ: أَنَا أَبَرُّ مِنَ ٱللّٰهِ. 3 لأَنَّكَ قُلْتَ: مَاذَا يُفِيدُكَ؟ بِمَاذَا أَنْتَفِعُ أَكْثَرَ مِنْ خَطِيَّتِي؟ 4 أَنَا أَرُدُّ عَلَيْكَ كَلاَماً وَعَلَى أَصْحَابِكَ مَعَكَ. 5 اُنْظُرْ إِلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَأَبْصِرْ وَلاَحِظِ ٱلْغَمَامَ. إِنَّهَا أَعْلَى مِنْكَ. 6 إِنْ أَخْطَأْتَ فَمَاذَا فَعَلْتَ بِهِ؟ وَإِنْ كَثَّرْتَ مَعَاصِيَكَ فَمَاذَا عَمِلْتَ لَهُ؟ 7 إِنْ كُنْتَ بَارّاً فَمَاذَا أَعْطَيْتَهُ، أَوْ مَاذَا يَأْخُذُهُ مِنْ يَدِكَ؟ 8 لِرَجُلٍ مِثْلِكَ شَرُّكَ، وَلٱبْنِ آدَمٍ بِرُّكَ».

ص 27: 2 ص 34: 9 ص 9: 30 و31 تكوين 15: 5 ومزمور 8: 3 ص 22: 12 ص 7: 20 وأمثال 8: 36 وإرميا 7: 19 ص 22: 2 و3 وأمثال 9: 12 ولوقا 17: 10

أَتَحْسِبُ هٰذَا حَقّاً (ع 2) أشار أليهو إلى قول أيوب المار ذكره أي إن البر لا ينفعه أكثر من الخطية (21: 15) ومعنى أيوب بالنفع هو النفع في الجسديات كالأملاك والصحة والراحة وهكذا أليهو أيضاً ولم ينظرا إلى الأفراح الروحية كما قال المرنم (مزمور 73: 23 - 26) «وَلٰكِنِّي دَائِماً مَعَكَ. أَمْسَكْتَ بِيَدِي ٱلْيُمْنَى. بِرَأْيِكَ تَهْدِينِي وَبَعْدُ إِلَى مَجْدٍ تَأْخُذُنِي. مَنْ لِي فِي ٱلسَّمَاءِ؟ وَمَعَكَ لاَ أُرِيدُ شَيْئاً فِي ٱلأَرْضِ. قَدْ فَنِيَ لَحْمِي وَقَلْبِي. صَخْرَةُ قَلْبِي وَنَصِيبِي ٱللّٰهُ إِلَى ٱلدَّهْرِ».

ولما نظر أيوب إلى هذه الخيرات الجسدية ورأى أنها تُعطى أحياناً للأشرار وليس للأبرار حكم إن الله ليس عادلاً (27: 1 - 7) وكل من يتذمر ويحكم على الله يجعل نفسه أبرّ من الله.

عَلَى أَصْحَابِكَ مَعَكَ (ع 4) لعله أشار إلى جميع الأصحاب وليس فقط الثلاثة.

اُنْظُرْ إِلَى ٱلسَّمَاوَاتِ (ع 5) وكل من نظر إلى السموات وتأمّل يقول (مزمور 8: 4) «فَمَنْ هُوَ ٱلإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ وَٱبْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ!» فإن الله كامل في ذاته ولا يحتاج ملوك العالم إلى خدمة أتباعهم فلا يمكن إن الله يظلم خلائقه ولا يطمع فيهم لأن له كل شيء انظر قول أليفاز (22: 2).

9 - 16 «9 مِنْ كَثْرَةِ ٱلْمَظَالِمِ يَصْرُخُونَ. يَسْتَغِيثُونَ مِنْ ذِرَاعِ ٱلأَعِزَّاءِ. 10 وَلَمْ يَقُولُوا: أَيْنَ ٱللّٰهُ صَانِعِي، مُؤْتِي ٱلأَغَانِيِّ فِي ٱللَّيْلِ؟ 11 ٱلَّذِي يُعَلِّمُنَا أَكْثَرَ مِنْ وُحُوشِ ٱلأَرْضِ، وَيَجْعَلُنَا أَحْكَمَ مِنْ طُيُورِ ٱلسَّمَاءِ. 12 ثَمَّ يَصْرُخُونَ مِنْ كِبْرِيَاءِ ٱلأَشْرَارِ وَلاَ يَسْتَجِيبُ. 13 وَلٰكِنَّ ٱللّٰهَ لاَ يَسْمَعُ كَذِباً وَٱلْقَدِيرُ لاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ. 14 فَإِذَا قُلْتَ إِنَّكَ لَسْتَ تَرَاهُ، فَٱلدَّعْوَى قُدَّامَهُ، فَٱصْبِرْ لَهُ. 15 وَأَمَّا ٱلآنَ فَلأَنَّ غَضَبَهُ لاَ يُطَالِبُ، وَلاَ يُبَالِي بِكَثْرَةِ ٱلزَّلاَّتِ، 16 فَغَرَ أَيُّوبُ فَاهُ بِٱلْبَاطِلِ، وَكَبَّرَ ٱلْكَلاَمَ بِلاَ مَعْرِفَةٍ».

انظر ص 12: 19 ص 21: 14 و27: 10 و36: 13 ص 8: 21 ومزمور 42: 8 و77: 6 و149: 5 وأعمال 16: 25 ص 36: 22 ومزمور 94: 12 وإرميا 32: 33 ص 27: 9 وأمثال 15: 29 وإشعياء 1: 15 وإرميا 11: 11 وميخا 3: 4 ص 9: 11 و23: 8 و9 ص 31: 35 ص 34: 35

كان أليهو قال إن الله في السموات والإنسان إذا أخطأ لا يؤثر فيه شيئاً وإذا كان باراً لا يعطيه شيئاً (ع 6 و7) ومع ذلك كما تفيد هذه الآيات يهتم الله بخلائقه ويسمع صلاتهم.

يَصْرُخُونَ (ع 9) ولكن صراخهم كصراخ وحوش الأرض فلا ينظرون إلى صانعهم.

مُؤْتِي ٱلأَغَانِيِّ فِي ٱللَّيْلِ الأغاني علامة الفرح والفرح الحقيقي من الله. والليل وقت الحزن والخوف وكناية عن الضيقات فينجي الله أتقياءه منها (مزمور 32: 7) «بِتَرَنُّمِ ٱلنَّجَاةِ تَكْتَنِفُنِي» كما سبّح بولس وسيلا في الليل وهما في السجن في فيلبي (أعمال 16: 25) ولكن أغاني العالم كثيراً ما تستر قلباً مكتئباً.

يُعَلِّمُنَا أَكْثَرَ مِنْ وُحُوشِ ٱلأَرْضِ لا يريد الله أن الإنسان يكون كالوحوش والطيور التي لا تعرف إلا ما للجسد ولا تنظر إلى شيء أعلى من الإنسان المتسلط عليها.

ٱللّٰهَ لاَ يَسْمَعُ كَذِباً (ع 13) لا يستجيب صلاة الصارخين لأنها ليست مقدمة من قلب طاهر ونية مخلصة.

فَٱصْبِرْ لَهُ (ع 14) على المتضايقين أن ينظروا إلى الله بالإيمان (ع 10) ويصلوا بلا رياء (ع 13) وعليهم أيضاً أن يصبروا (يعقوب 1: 3 و4) «ٱمْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْراً. وَأَمَّا ٱلصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ». وأما أيوب (ع 15 و16) ففغر فاه بالباطل وكبّر الكلام بلا معرفة ولم يصبر لأن غضب الله لم يطالب في الوقت الحاضر وحسب الظاهر لم يبال بكثرة الزلات.

وخلاصة كلام أليهو أن الله لا يظلم الناس لأنه ليس كملوك العالم الذين يظلمون رعاياهم لكي يربحوا منهم ويهتم بخلائقه المظلومين ويستجيب صلاتهم غير أنه يطلب منهم الإيمان به والصلاة بنية مخلصة والصبر في انتظار الجواب.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ وَٱلثَّلاَثُونَ

خطاب أليهو الرابع وبه أوضح أفكاره من جهة الله وعظمته في جميع أعماله في الناس وفي الخليقة.

1 - 4 «1 وَعَادَ أَلِيهُو فَقَالَ: 2 ٱصْبِرْ عَلَيَّ قَلِيلاً فَأُبْدِيَ لَكَ أَنَّهُ بَعْدُ لأَجْلِ ٱللّٰهِ كَلاَمٌ. 3 أَحْمِلُ مَعْرِفَتِي مِنْ بَعِيدٍ، وَأَنْسِبُ بِرّاً لِصَانِعِي. 4 حَقّاً لاَ يَكْذِبُ كَلاَمِي. صَحِيحُ ٱلْمَعْرِفَةِ عِنْدَكَ».

ص 8: 3 و37: 23 انظر ص 33: 3 ص 37: 16

مِنْ بَعِيدٍ (ع 3) يستقضي الأمر إلى آخره و يوضح الأمر ببراهين وأمثلة من بعيد.

وَأَنْسِبُ بِرّاً لِصَانِعِي هذا خلاصة الكلام الآتي ومقصود أليهو أن يبرر الله رداً على أقوال أيوب.

صَحِيحُ ٱلْمَعْرِفَةِ عِنْدَكَ (ع 4) أشار إلى نفسه. انظر قول بولس «مَادِحِينَ أَنْفُسَنَا لَدَى ضَمِيرِ كُلِّ إِنْسَانٍ قُدَّامَ ٱللّٰهِ» (2كورنثوس 4: 2) ولا يليق بمن يعلّم غيره أن يكون قاصراً بالمعرفة (انظر 2تيموثاوس 3: 17).

5 - 7 «5 هُوَذَا ٱللّٰهُ عَزِيزٌ وَلٰكِنَّهُ لاَ يَرْذُلُ أَحَداً. عَزِيزُ قُدْرَةِ ٱلْقَلْبِ. 6 لاَ يُحْيِي ٱلشِّرِّيرَ، بَلْ يُجْرِي قَضَاءَ ٱلْبَائِسِينَ. 7 لاَ يُحَوِّلُ عَيْنَيْهِ عَنِ ٱلْبَارِّ، بَلْ مَعَ ٱلْمُلُوكِ يُجْلِسُهُمْ عَلَى ٱلْكُرْسِيِّ أَبَداً، فَيَرْتَفِعُونَ».

مزمور 22: 24 و69: 33 و102: 17 انظر ص 12: 13 ص 8: 22 و34: 26 انظر ص 5: 15 مزمور 33: 18 و34: 15 ص 5: 11 ومزمور 113: 8

قُدْرَةِ ٱلْقَلْبِ أي الفهم والمعرفة وإذا رذلنا بعض الناس فذلك لقلة معرفتنا ولو عرفنا قلوبهم وأحوالهم وتجاربهم وما فيهم من الصلاح كما يعرفهم الله لما كنا نرذلهم. وبكلامه هذا رد أليهو على ما قاله أيوب «هَا إِنِّي أَصْرُخُ ظُلْماً فَلاَ أُسْتَجَابُ» (19: 7) و «أَمَّا هُوَ فَوَحْدَهُ، فَمَنْ يَرُدُّهُ؟ وَنَفْسُهُ تَشْتَهِي فَيَفْعَلُ» (23: 13).

لاَ يُحْيِي ٱلشِّرِّيرَ (ع 6) وإن أحياهم فإلى حين وبما أنه طويل الروح على الأشرار فعلى البائسين الصبر حتى يجري قضاءهم.

مَعَ ٱلْمُلُوكِ يُجْلِسُهُمْ (ع 7) كيوسف وداود ودانيال (انظر 1صموئيل 2: 8 ومزمور 113: 7 و8 ورؤيا 1: 6) «جَعَلَنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً لِلّٰهِ».

8 - 12 «8 إِنْ أُوثِقُوا بِٱلْقُيُودِ، إِنْ أُخِذُوا فِي حِبَالِ ٱلذُّلِّ، 9 فَيُظْهِرُ لَهُمْ أَفْعَالَهُمْ وَمَعَاصِيَهُمْ، لأَنَّهُمْ تَجَبَّرُوا، 10 وَيَفْتَحُ آذَانَهُمْ لِلإِنْذَارِ، وَيَأْمُرُ بِأَنْ يَرْجِعُوا عَنِ ٱلإِثْمِ. 11 إِنْ سَمِعُوا وَأَطَاعُوا قَضَوْا أَيَّامَهُمْ بِٱلْخَيْرِ وَسِنِيهِمْ بِٱلنِّعَمِ. 12 وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا، فَبِحَرْبَةِ ٱلْمَوْتِ يَزُولُونَ وَيَمُوتُونَ بِعَدَمِ ٱلْمَعْرِفَةِ».

ع 15 و21 ص 15: 25 ع 15 وص 33: 16 ع 21 و2ملوك 17: 13 ويونان 3: 8 انظر ص 15: 22 ص 4: 21

من هذه الآيات نتعلم (1) أن الأبرار عرضة للخطيئة فيحتاجون إلى التأديب ويسلمهم الله للقيود والذل والأرجح أن القيود وحبالة الذل كناية عن الضيق والانحطاط إجمالاً (انظر رؤيا 3: 19) «إِنِّي كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ أُوَبِّخُهُ وَأُؤَدِّبُهُ» (2) إن غاية التأديب أن يذكّر المؤدبين بخطاياهم «ليظهر لهم أفعالم ومعاصيهم» ليتوبوا ويرجعوا عن الإثم (3) إن نتيجة التأديب خير ونعم. بطرف نشابة يوناثان كان قطر العسل (انظر 1صموئيل 14: 27) وبطرف عصا التأديب فرح وسلام (4) إن الخطاة إذا لم يسمعوا ويستفيدوا من التأديب يزولون بحربة الموت (ع 12) أي يُساقون إلى الهلاك بلا رجاء وقال «بعدم المعرفة» لأنهم بإرادتهم لم يعرفوا ولا انتبهوا إلى تأديب الله.

13 - 15 «13 أَمَّا فُجَّارُ ٱلْقَلْبِ فَيَذْخَرُونَ غَضَباً. لاَ يَسْتَغِيثُونَ إِذَا هُوَ قَيَّدَهُمْ. 14 تَمُوتُ نَفْسُهُمْ فِي ٱلصِّبَا وَحَيَاتُهُمْ بَيْنَ ٱلْمَأْبُونِينَ. 15 يُنَجِّي ٱلْبَائِسَ فِي ذُلِّهِ، وَيَفْتَحُ آذَانَهُمْ فِي ٱلضِّيقِ».

ع 8 و21 ع 10

فَيَذْخَرُونَ غَضَباً يزدادون غضباً على الله فيكون تأديب الله للأبرار واسطة لاقترابهم إليه وزيادة محبتهم له وأما للفجار فواسطة لابتعادهم عنه وزيادة غضبهم. ويكون أحياناً فجار القلب أبراراً بالظاهر ولكن الله يعرف القلوب.

ٱلْمَأْبُونِينَ (ع 14) بالعبراني «القديشم» اي المقدسون لعبادة عشتروت القبيحة (انظر تثنية 23: 17 و1ملوك 14: 24).

يُنَجِّي ٱلْبَائِسَ (ع 15) رجع إلى ما كان فيه في (ع 10).

16 - 21 «16 وَأَيْضاً يَقُودُكَ مِنْ وَجْهِ ٱلضِّيقِ إِلَى رُحْبٍ لاَ حَصْرَ فِيهِ، وَيَمْلأُ مَؤُونَةَ مَائِدَتِكَ دُهْناً. 17 حُجَّةَ ٱلشِّرِّيرِ أَكْمَلْتَ، فَٱلْحُجَّةُ وَٱلْقَضَاءُ يُمْسِكَانِكَ. 18 عِنْدَ غَضَبِهِ لَعَلَّهُ يَقُودُكَ بِصَفْقَةٍ. فَكَثْرَةُ ٱلْفِدْيَةِ لاَ تَفُكُّكَ. 19 هَلْ يَعْتَبِرُ غِنَاكَ؟ لاَ ٱلتِّبْرَ وَلاَ جَمِيعَ قُوَى ٱلثَّرْوَةِ! 20 لاَ تَشْتَاقُ إِلَى ٱللَّيْلِ ٱلَّذِي يَرْفَعُ شُعُوباً مِنْ مَوَاضِعِهِمْ. 21 اِحْذَرْ. لاَ تَلْتَفِتْ إِلَى ٱلإِثْمِ لأَنَّكَ ٱخْتَرْتَ هٰذَا عَلَى ٱلذُّلِّ».

هوشع 2: 14 ص 22: 5 و10 و11 ص 34: 33 ويونان 4: 4 و9 ص 33: 24 ص 34: 20 و25 ع 10 ومزمور 31: 6 و66: 18 ع 8 و15

وَأَيْضاً يَقُودُكَ يخصص أيوب بكلامه وأوضح له أن غاية الله في تأديبه هي أن يقوده إلى رحب ولكن إذا أكمل حجة الشرير أي إذا اعتقد اعتقاده فحجة الشرير وقضاؤه يمسكانه.

عِنْدَ غَضَبِهِ لَعَلَّهُ يَقُودُكَ (ع 18) أي لعل غضب الله يقوده إلى صفقة أي الازدراء أو السخرية.

فَكَثْرَةُ ٱلْفِدْيَةِ لاَ تَفُكُّكَ والفدية آلامه (انظر 33: 24 وتفسيره) أي ولو تألم آلاماً شديدة لا تفكه هذه الآلام من غضب الله إن لم يسمع الله ويطعه (ع 11 و12).

هَلْ يَعْتَبِرُ غِنَاكَ (ع 19) كان أيوب حينئذ قد خسر كل ما له والمعنى لو كان عندك مال مهما كان كثيراً لا يعتبره الله ولا يقبله فدية (انظر مزمور 49: 7).

لاَ تَشْتَاقُ إِلَى ٱللَّيْلِ (ع 20) كان أيوب اشتاق إلى الحضور أمام الله إذ قال (23: 3 و4) «مَنْ يُعْطِينِي أَنْ أَجِدَهُ فَآتِيَ إِلَى كُرْسِيِّهِ! أُحْسِنُ ٱلدَّعْوَى أَمَامَهُ» فذكّره أليهو أن الحضور أمام كرسي الله لا يكون كما افتكر أيوب لتبريره بل للدينونة وتكون هذه الدينونة مرعبة كدينونة الشعوب الذين أهلكهم الله في الليل كالمصريين والأشوريين والبابليين.

لأَنَّكَ ٱخْتَرْتَ هٰذَا عَلَى ٱلذُّلِّ (ع 21) والذل هو التسليم لتأديب الله وأما أيوب فاختار الإصرار على إثمه.

22، 23 «22 هُوَذَا ٱللّٰهُ يَتَعَالَى بِقُدْرَتِهِ. مَنْ مِثْلُهُ مُعَلِّماً؟ 23 مَنْ فَرَضَ عَلَيْهِ طَرِيقَهُ، أَوْ مَنْ يَقُولُ لَهُ: قَدْ فَعَلْتَ شَرّاً؟».

ص 35: 11 انظر ص 8: 3

مَنْ مِثْلُهُ مُعَلِّماً ليس مثله (1) لأنه يعرف جميع الأشياء وجميع الناس (2) لأنه يعرف أحسن الطرق للتعليم (3) لأنه يحب الناس وهو طويل الروح (4) لأنه قدوة للناس (5) لأن تعليمه للقلب وليس للعقل فقط. وكان يسوع معلماً ليس له مثيل (انظر يوحنا 7: 46).

24، 25 «24 اُذْكُرْ أَنْ تُعَظِّمَ عَمَلَهُ ٱلَّذِي يَتَرَنَّمُ بِهِ ٱلنَّاسُ. 25 كُلُّ إِنْسَانٍ يُبْصِرُ بِهِ. ٱلنَّاسُ يَنْظُرُونَهُ مِنْ بَعِيدٍ».

خروج 15: 1 وقضاة 5: 1 و1أيام 16: 9 ومزمور 59: 16 و138: 5

اُذْكُرْ أَنْ تُعَظِّمَ عَمَلَهُ غاية التأديب أن يوجه أفكار الناس إلى الله والإنسان يمتاز عن البهائم لأنه لا يقدر أن يعرف الله ويعظم عمله والأتقياء في كل جيل يذكرونه ويسبحونه. وعمل الله على ثلاثة أنواع وهي الخلق والعناية والفداء وكل إنسان يبصر عمل الله (ع 25) ولكن لا يقدر الناس أن يدركوه تمام الإدراك كأنهم ينظرون من بعيد.

26 - 33 «26 هُوَذَا ٱللّٰهُ عَظِيمٌ وَلاَ نَعْرِفُهُ وَعَدَدُ سِنِيهِ لاَ يُفْحَصُ. 27 لأَنَّهُ يَجْذِبُ قَطَرَاتِ ٱلْمَاءِ. تَسُحُّ مَطَراً مِنْ ضَبَابِهَا 28 ٱلَّذِي تَهْطِلُهُ ٱلسُّحُبُ وَتَقْطُرُهُ عَلَى أُنَاسٍ كَثِيرِينَ. 29 فَهَلْ يُعَلِّلُ أَحَدٌ عَنْ شَقِّ ٱلْغَيْمِ أَوْ قَصِيفِ مَظَلَّتِهِ؟ 30 هُوَذَا بَسَطَ نُورَهُ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ يَتَغَطَّى بِأُصُولِ ٱلْبَحْرِ. 31 لأَنَّهُ بِهٰذِهِ يَدِينُ ٱلشُّعُوبَ وَيَرْزِقُ ٱلْقُوتَ بِكَثْرَةٍ. 32 يُغَطِّي كَفَّيْهِ بِٱلنُّورِ وَيَأْمُرُهُ عَلَى ٱلْعَدُوِّ. 33 يُخْبِرُ بِهِ رَعْدُهُ، ٱلْمَوَاشِيَ أَيْضاً بِصُعُودِهِ».

ص 11: 7 - 9 و37: 23 ص 10: 5 ومزمور 90: 2 و102: 24 و27 ع 26 - 29 وص 5: 10 و37: 6 و11 و38: 28 ومزمور 147: 8 ص 37: 11 و16 ص 26: 14 ص 37: 13 مزمور 104: 27 و136: 25 وأعمال 14: 17 ص 27: 11 و12 و15 ص 37: 2

من هنا إلى ص 37: 13 ذكر عظمة الله الظاهرة في الجوّ.

لاَ نَعْرِفُهُ ننظر عمله وأما هو فلا يراه أحد ولا يدركه مخلوق.

يَجْذِبُ قَطَرَاتِ ٱلْمَاءِ (انظر جامعة 1: 7) «إِلَى ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي جَرَتْ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ إِلَى هُنَاكَ تَذْهَبُ رَاجِعَةً». لم يفهم القدماء أمر تحويل الماء إلى بخار وصعوده إلى الجو وصنعه السحب بل ظنوا أن البحر المحيط (الأوقيانوس) يحيط بالأرض. تنزل إليه مياه الأمطار والأنهار ثم ترجع المياه بسواق تحت الأرض إلى مكانها الأول ثم إلى المحيط وهلّم جراً وهكذا يعتقد الترجوم العبراني وشعراء اليونانيين واللاتينيين.

شَقِّ ٱلْغَيْمِ (ع 29) بواسطة البرق فلا يقدر أحد أن يعلل عنه حتى اليوم فإن العلماء يعلمون شيئاً من فعل الكهرباء وقد غابت عنهم أشياء.

يَتَغَطَّى بِأُصُولِ ٱلْبَحْرِ (ع 30) كأنه رفع من قعر البحر مياهه وتغطى بها كثوب فلا يُرى فبعد نوره اللامع أي البرق ظلام دامس (انظر مزمور 18: 11) «جَعَلَ ٱلظُّلْمَةَ سِتْرَهُ. حَوْلَهُ مَظَلَّتَهُ ضَبَابَ ٱلْمِيَاهِ وَظَلاَمَ ٱلْغَمَامِ».

يَدِينُ ٱلشُّعُوبَ (ع 31) (مزمور 18: 14) «أَرْسَلَ سِهَامَهُ فَشَتَّتَهُمْ وَبُرُوقاً كَثِيرَةً فَأَزْعَجَهُمْ، فَظَهَرَتْ أَعْمَاقُ ٱلْمِيَاهِ، وَٱنْكَشَفَتْ أُسُسُ ٱلْمَسْكُونَةِ مِنْ زَجْرِكَ يَا رَبُّ».

وَيَرْزِقُ ٱلْقُوتَ فبنفس المطر الذي به يدين الشعوب يسقي الأرض ويرزق القوت بكثرة.

يُغَطِّي كَفَّيْهِ بِٱلنُّورِ (ع 32) كأنه أمسك البروق بيديه كما يمسك المحارب سهامه وأما يداه فلا يليق بجلاله أنهما يُريان.

ٱلْمَوَاشِيَ (ع 33) حتى البهائم ترتعد من الرعد ومن صعود الله أي إتيانه بالعاصفة.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ

1 - 4 «1 فَلِهٰذَا ٱضْطَرَبَ قَلْبِي وَخَفَقَ مِنْ مَوْضِعِهِ. 2 ٱسْمَعُوا سَمَاعاً رَعْدَ صَوْتِهِ وَٱلدَّوِيَّ ٱلْخَارِجَ مِنْ فَمِهِ. 3 تَحْتَ كُلِّ ٱلسَّمَاوَاتِ يُطْلِقُهَا، كَذَا نُورُهُ إِلَى أَطْرَافِ ٱلأَرْضِ. 4 بَعْدُ يُزَمْجِرُ صَوْتٌ، يُرْعِدُ بِصَوْتِ جَلاَلِهِ، وَلاَ يُؤَخِّرُهَا إِذْ سُمِعَ صَوْتُهُ».

ع 4 و5 وص 36: 33 ومزمور 29: 3 - 9 ع 12 وص 28: 24 و38: 13 ص 26: 14

ٱضْطَرَبَ قلبه من الرعد الذي تصوّر حدوثه أو من عاصفة حقيقية شعر بها قادمة من بعيد. عاصفة سيتكلم الله منها (38: 1) وتصور الرعد كأنه صوت الله. ونوره (ع 3) أي نور الله هو البرق وأكناف الأرض أطرافها وأقاصيها.

بَعْدُ يُزَمْجِرُ صَوْتٌ (ع 4) يحدث البرق والرعد في وقت واحد ولكن يُسمع الرعد بعدما يُرى البرق والزمان بين ما يُرى البرق ويُسمع الرعد منه يُعرف البعد بين أحدهما وبين الناظر فإذا سمعت الصوت بعد رؤية البرق بثلاث ثوانٍ اضرب 3 في 1125 قدماً سرعة الصوت في الجو المعتدل فالحاصل يكون البعد بينك وبين مصدر الصوت. ولا يؤخرها أي يأتي بها بالقوة و «يأمرها على العدو» (36: 32).

5 - 8 «5 اَللّٰهُ يُرْعِدُ بِصَوْتِهِ عَجَباً. يَصْنَعُ عَظَائِمَ لاَ نُدْرِكُهَا. 6 لأَنَّهُ يَقُولُ لِلثَّلْجِ: ٱسْقُطْ عَلَى ٱلأَرْضِ. كَذَا لِوَابِلِ ٱلْمَطَرِ، وَابِلِ أَمْطَارِ عِزِّهِ. 7 يَخْتِمُ عَلَى يَدِ كُلِّ إِنْسَانٍ لِيَعْلَمَ كُلُّ ٱلنَّاسِ خَالِقَهُمْ، 8 فَتَدْخُلُ ٱلْحَيَوَانَاتُ ٱلْمَآوِيَ وَتَسْتَقِرُّ فِي أَوْجِرَتِهَا».

ع 14 و16 و23 وص 5: 9 ص 38: 22 انظر ص 36: 27 ص 12: 14 ص 38: 40 ومزمور 104: 22

لاَ نُدْرِكُهَا حتى اليوم لا يدرك العلماء عظائم الله في الطبيعة فإنهم لا يعرفون ما هي الكهربائية ولا يعرفون تمام المعرفة نواميس المطر فيجب أن يقولوا كما قال القدماء إن الله في الطبيعة كل ما يحدث فهو منه. والوابل (ع 6) هو المطر الشديد الضخم القطر.

يَخْتِمُ عَلَى يَدِ كُلِّ إِنْسَانٍ (ع 7) من الثلج والمطر الشديد لا يقدر الإنسان أن يمد يده لعمله العادي فتكون يده كأنها مختوم عليها ويتعلم الإنسان أنه هو بيد الله ولا يقدر أن يعمل شيئاً دونه وأيام توقفه عن العمل فرصة لتأمله في الله وإتمام واجباته له.

9 - 13 «9 مِنَ ٱلْجَنُوبِ تَأْتِي ٱلأَعْصَارُ وَمِنَ ٱلشِّمَالِ ٱلْبَرَدُ. 10 مِنْ نَسَمَةِ ٱللّٰهِ يُجْعَلُ ٱلْجَمَدُ، وَتَتَضَيَّقُ سِعَةُ ٱلْمِيَاهِ. 11 أَيْضاً بِرِيٍّ يَطْرَحُ ٱلْغَيْمَ. يُبَدِّدُ سَحَابَ نُورِهِ. 12 فَهِيَ مُدَوَّرَةٌ مُتَقَلِّبَةٌ بِإِدَارَتِهِ، لِتَفْعَلَ كُلَّ مَا يَأْمُرُ بِهِ عَلَى وَجْهِ ٱلأَرْضِ ٱلْمَسْكُونَةِ، 13 سَوَاءٌ كَانَ لِلتَّأْدِيبِ، أَوْ لأَرْضِهِ، أَوْ لِلرَّحْمَةِ يُرْسِلُهَا».

ص 9: 9 ص 38: 29 ومزمور 147: 17 ص 36: 27 ص 36: 29 ع 15 ص 36: 32 ومزمور 148: 8 إشعياء 14: 21 و27: 6 خروج 9: 18 و23 و1صموئيل 12: 18 و19 ص 38: 26 و27 1ملوك 18: 45

مِنَ ٱلْجَنُوبِ معنى الكلمة الأصلية المترجمة «الجنوب» هو «أخادير» كما في الترجمة اليسوعية فمثّل اليهود مكان الأعصار وهو في أقصى الجنوب (9: 9) بمكان النساء وراء الخدر في ناحية من البيت فتخرج الأعصار منه بأمر الله.

نَسَمَةِ ٱللّٰهِ (ع 10) الريح الشمالية الباردة التي يرسلها الله. وتضيق سعة المياه حينما تجمد.

بِرِيٍّ يَطْرَحُ ٱلْغَيْمَ (ع 11) يُنزل إلى الأرض الرطوبة التي يتكون الغيم منها فتُروي الأرض وسحاب نوره هو السحاب ومنه البرق وبعدما ينتهي المطر يتبدد والسُحب بيد الله فهو يدورّها (ع 12) وينقلها من مكان إلى آخر كما يشاء ويرسلها أحياناً للتأديب (ع 13) كما للكنعانيين (انظر يشوع 10: 11) وللأشوريين (انظر إشعياء 30: 30) وأحياناً للرحمة إذ تسقي الأرض. والله يعمل بموجب النواميس الطبيعية التي سنّها غير أنه أحياناً يوقف هذه النواميس أو يُدخل ناموساً خاصاً كما في أيام إيليا (انظر يعقوب 5: 17 و18) وعلى الإنسان أن يدرس هذه النواميس ويسلك بموجبها.

14 - 20 «14 اُنْصُتْ إِلَى هٰذَا يَا أَيُّوبُ، وَقِفْ وَتَأَمَّلْ بِعَجَائِبِ ٱللّٰهِ. 15 أَتُدْرِكُ ٱنْتِبَاهَ ٱللّٰهِ إِلَيْهَا أَوْ إِضَاءَةَ نُورِ سَحَابِهِ. 16 أَتُدْرِكُ مُوازَنَةَ ٱلسَّحَابِ، مُعْجِزَاتِ ٱلْكَامِلِ ٱلْمَعَارِفِ. 17 كَيْفَ تَسْخُنُ ثِيَابُكَ إِذَا سَكَنَتِ ٱلأَرْضُ مِنْ رِيحِ ٱلْجَنُوبِ. 18 هَلْ صَفَّحْتَ مَعَهُ ٱلْجَلَدَ ٱلْمُمَكَّنَ كَٱلْمِرْآةِ ٱلْمَسْبُوكَةِ؟ 19 عَلِّمْنَا مَا نَقُولُ لَهُ. إِنَّنَا لاَ نُحْسِنُ ٱلْكَلاَمَ بِسَبَبِ ٱلظُّلْمَةِ! 20 هَلْ يُقَصُّ عَلَيْهِ كَلاَمِي إِذَا تَكَلَّمْتُ؟ هَلْ يَنْطِقُ ٱلإِنْسَانُ لِكَيْ يَبْتَلِعَ؟».

ع 5 و14 و23 ص 36: 4 ص 9: 8 ومزمور 104: 2 وإشعياء 45: 12 وإرميا 10: 12 وزكريا 12: 1 ص 9: 14 ورومية 8: 26

إن غاية أليهو بذكره أعمال الله العجيبة إنذار أيوب ليتعلم ضعفه وجهله فيسلم لله.

مُوازَنَةَ ٱلسَّحَابِ (ع 16) (انظر 26: 8 وتفسيره).

كَيْفَ تَسْخُنُ ثِيَابُكَ (ع 17) تتغير حال الهواء من البرد إلى الحر ومن الحر إلى البرد ولا يقدر أيوب ولا غيره أن يعلّل هذه الأمور البسيطة العادية. فإننا نرى حدوثها ولكننا لا نقدر أن ندركها تمام الإدراك.

ٱلْمُمَكَّنَ كَٱلْمِرْآةِ (ع 18) كانت المرايا القديمة من النحاس المصقول والإشارة هنا إلى منظر الجلد الصافي وهو كمنظر قبة ممكنة راكزة على أطراف الأرض والشعراء اليوم يستعملون هذه التشبيهات نفسها مع أنهم تقدموا في علم الفلك أكثر من القدماء.

عَلِّمْنَا مَا نَقُولُ لَهُ (ع 19) لم يقدر أليهو وأصحابه أن يُحسنوا الكلام لدى الله. و «الظلمة» هي ظلمة عقول الناس وقلة معرفتهم في أمور الله.

هَلْ يَنْطِقُ ٱلإِنْسَانُ لِكَيْ يَبْتَلِعَ (ع 20) إذا تجاسر المرء وكلم الله يستحق الغضب والهلاك. ولعل أليهو قصد توبيخ أيوب فإنه كان طلب أن يبسط دعواه أمام الله (13: 3 و23: 3 و4).

21 - 24 «21 وَٱلآنَ لاَ يُرَى ٱلنُّورُ ٱلْبَاهِرُ ٱلَّذِي هُوَ فِي ٱلْجَلَدِ، ثُمَّ تَعْبُرُ ٱلرِّيحُ فَتُنَقِّيهِ. 22 مِنَ ٱلشِّمَالِ يَأْتِي ذَهَبٌ. عِنْدَ ٱللّٰهِ جَلاَلٌ مُرْهِبٌ. 23 ٱلْقَدِيرُ لاَ نُدْرِكُهُ. عَظِيمُ ٱلْقُوَّةِ وَٱلْحَقِّ وَكَثِيرُ ٱلْبِرِّ. لاَ يُجَاوِبُ. 24 لِذٰلِكَ فَلْتَخَفْهُ ٱلنَّاسُ. كُلَّ حَكِيمِ ٱلْقَلْبِ لاَ يُرَاعِي».

رومية 11: 33 و1تيموثاوس 6: 16 انظر ص 11: 7 و8 ص 9: 4 و36: 5 انظر ص 8: 3 إشعياء 63: 9 وناحوم 1: 12 ومراثي 3: 33 ص 5: 13 و1كورنثوس 1: 26

وَٱلآنَ بعدما عبرت الريح ونقي الجلد وطُرد الغيم يظهر نور الشمس الباهر ولكن الإنسان من ضعف عينيه لا يقدر أن ينظر إلى ذلك النور. لعل أليهو أشار إلى قول أيوب (23: 3) «مَنْ يُعْطِينِي أَنْ أَجِدَهُ فَآتِيَ إِلَى كُرْسِيِّهِ» وبيّن له أن الإنسان لا يقدر أن يرى الله كما أن العين لا تحتمل نور الشمس الباهر. ويرى بعضهم فائدة هذا إن الإنسان لا يفهم مقاصد الله وأحياناً يظن أن الله لا يهتم بالعالم ولا بالناس أفراداً ولكن كل من ينتظره بالإيمان سيرى النور أخيراً «لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ ٱلآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ، وَلٰكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ» (يوحنا 13: 7).

مِنَ ٱلشِّمَالِ يَأْتِي ذَهَبٌ (ع 22) يفهم بعضهم هذا القول حرفياً أي إن الذهب يأتي من الشمال والناس يأتون به بعدما يقاسون الأتعاب والمخاطر. وأما جلال الله المرهب فلا يدركه الإنسان. والأرجح أن الذهب هنا هو نور الله الذهبي وقيل إنه من الشمال لأن الريح التي تنقي الجلد (ع 21) هي من الشمال (أمثال 25: 23) «رِيحُ ٱلشِّمَالِ تَطْرُدُ ٱلْمَطَرَ».

ٱلْقَدِيرُ لاَ نُدْرِكُهُ (ع 23) فيجب على الناس أن لا يحكموا على الله بل أن يخافوه ويسلموا له. وهو لا يجاوب لأنهم لا يقدرون أن يفهموا كل ما يعمله وليس لهم أن يحكموا في ما لا يعلمونه.

كُلَّ حَكِيمِ ٱلْقَلْبِ (ع 24) أي الحكيم عند نفسه أو المتكبر. فلا يراعيه الله بل يراعي المتواضع.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ وَٱلثَّلاَثُونَ

قال أصحاب أيوب إن مصائبه العظيمة كانت دليلاً على ارتكابه خطايا عظيمة وأما أيوب فشعر بأنه لم يخطئ كما ظنوا وشك في جودة الله وعدله وحصل بين أيوب وأصحابه جدال طويل وعريض بلا نتيجة حاسمة. وبالآخر سطّر مؤلف السفر بإلهام الرب ما رآه أحسن حلاً لهذه المشاكل لذلك نتقدم إلى درس هذه الفصول باهتمام متوقعين جواباً مقنعاً وكافياً ولا ننسى أن روح الله قد أوحى إلى المؤلف ما كتبه ولكن علينا أن نتذكر أن أيوب وأصحابه لم يعرفوا الله كما أُعلن في الكتاب المقدس بل كما أُعلن في الطبيعة لذلك نطقوا بهذا الكلام الفصيح والجميل عن أعمال الله في تكوين الأرض والبحر والنور والمطر والأجرام الفلكية والحيوانات على اختلاف أنواعها وحكمته ومحبته في عنايته بها وهذا هو أحسن جواب في تلك الأيام. والفائدة منه لأيوب وأصحابه أن الإنسان وإن كان أعظم خلائق الله لا يقدر أن يفهم كل ما يعمله الله فعليه أن يصدق أنه يعمل كل شيء حسناً بالحكمة والمحبة والعدل وعلى الإنسان الإيمان والاتكال عليه والتسليم له. وعلينا نحن في هذه الأيام أن ندرس الكتاب المقدس العهد القديم والعهد الجديد لنجد فيه النور والتعزية.

وفي كلام الرب ذكر أولاً من المخلوقات ما هو بلا روح كالأرض والبحر والنور والمطر والأجرام الفلكية (38: 1 - 38) ثم ما له روح كالوعول والفراء والثور الوحشي الخ ووبخ أيوب على جسارته فإنه كان نسب الظلم إلى الله (16: 6 - 17 و19: 7 - 12) فقال له الله «هَلْ يُخَاصِمُ ٱلْقَدِيرَ مُوَبِّخُهُ، أَمِ ٱلْمُحَاجُّ ٱللّٰهَ يُجَاوِبُهُ؟» (40: 2) وقال أيضاً «لَعَلَّكَ تُنَاقِضُ حُكْمِي. تَسْتَذْنِبُنِي لِتَتَبَرَّرَ أَنْتَ» (40: 8) فأظهر له الله أن الإنسان لا يقدر أن يدبر العالم ولا يليق به أن يحعل نفسه في مكان الخالق.

1 - 3 «1 فَقَالَ ٱلرَّبُّ لأَيُّوبَ مِنَ ٱلْعَاصِفَةِ: 2 مَنْ هٰذَا ٱلَّذِي يُظْلِمُ ٱلْقَضَاءَ بِكَلاَمٍ بِلاَ مَعْرِفَةٍ؟ 3 اُشْدُدِ ٱلآنَ حَقَوَيْكَ كَرَجُلٍ، فَإِنِّي أَسْأَلُكَ فَتُعَلِّمُنِي».

ص 40: 6 ص 35: 16 و42: 3 ص 40: 7 ص 42: 4

مِنَ ٱلْعَاصِفَةِ (انظر خروج 19: 16 - 18) «صَارَتْ رُعُودٌ وَبُرُوقٌ وَسَحَابٌ ثَقِيلٌ عَلَى ٱلْجَبَلِ» و(مزمور 18: 9 - 13) «طَأْطَأَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ وَضَبَابٌ تَحْتَ رِجْلَيْهِ... أَرْعَدَ ٱلرَّبُّ مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ» أي حضور الرب بالعاصفة مما يليق بجلاله. كان أيوب طلب (9: 34) «لِيَرْفَعْ عَنِّي عَصَاهُ وَلاَ يَبْغَتْنِي رُعْبُهُ» ولم يستجب له الرب كما طلب بل ظهر له بالعاصفة وغاية الرب بذلك كما يظهر لنا هي أولاً أن يوبخ أيوب على جسارته في حكمه على عدل الرب وثانياً أن يأتي به إلى الخضوع والإيمان فيجد السلام والراحة وكان حل مشاكل أيوب مما يخص القلب أكثر مما يخص العقل (انظر 1ملوك 19: 11 و12) إن الرب أظهر نفسه لإيليا أولاً بريح عظيمة ثم بزلزلة وبعدهما بالنار ولكنه كلم إيليا أخيراً بصوت منخفض خفيف وصل إلى قلبه والأرجح إن الصوت الذي سمعه أيوب كان بقلبه فشعر بأن الرب حاضر وشعوره هذا كان أحسن حل لمشاكله وكانت تلك المشاكل كصخور على شط البحر تضربها الأمواج بعنف وعند مد البحر تتغطى هذه الصخور وتزول ضربات الأمواج وهكذا حينما يأتي الله إلى قلب الإنسان ويملأه تزول الشكوك وتنحل المشاكل بالفرح بالرب.

مَنْ هٰذَا (ع 2) الإشارة إلى أيوب لأنه نسب الظلم إلى قضاء الله الصالح وتكلم بلا معرفة.

فَتُعَلِّمُنِي لا يقدر الإنسان أن يعلّم الله لذلك يجب أن لا يعترض على ما يعمله الله ولا يشك في عدله وحكمته.

4 - 7 «4 أَيْنَ كُنْتَ حِينَ أَسَّسْتُ ٱلأَرْضَ؟ أَخْبِرْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ فَهْمٌ. 5 مَنْ وَضَعَ قِيَاسَهَا؟ لأَنَّكَ تَعْلَمُ! أَوْ مَنْ مَدَّ عَلَيْهَا مِطْمَاراً؟ 6 عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قَرَّتْ قَوَاعِدُهَا، أَوْ مَنْ وَضَعَ حَجَرَ زَاوِيَتِهَا، 7 عِنْدَمَا تَرَنَّمَتْ كَوَاكِبُ ٱلصُّبْحِ مَعاً، وَهَتَفَ جَمِيعُ بَنِي ٱللّٰهِ».

ص 15: 7 ومزمور 140: 5 وأمثال 30: 4 أمثال 8: 29 وإشعياء 40: 12 ص 26: 7 ص 1: 6

أَيْنَ كُنْتَ كان أليفاز قال ما يشبه كلام الرب (15: 8) «هَلْ أَصْغَيْتَ فِي مَجْلِسِ ٱللّٰهِ».

حِينَ أَسَّسْتُ ٱلأَرْضَ الخلق مشبه ببناء بيت له أساس وقواعد وحجر زاوية. فنتعلم أن لا شيء في هذا العالم حدث اتفاقاً بل كل شيء من الله ولكل شيء غاية كما لكل جزء من البيت الذي رسمه بناء مقتدر. وغاية سؤال الرب تخجيل أيوب.

كَوَاكِبُ ٱلصُّبْحِ (ع 7) كناية عن الملائكة وهم «بنو الله» لما تأسس الهيكل الثاني (عزرا 3: 10 و11) «غَنُّوا بِٱلتَّسْبِيحِ وَٱلْحَمْدِ لِلرَّبِّ... وهَتَفُوا هُتَافاً عَظِيماً» ولما تأسست أسس الأرض ترنمت الملائكة و «الصبح» هو الصبح الأول أي صبح الخلق.

8 - 11 «8 وَمَنْ حَجَزَ ٱلْبَحْرَ بِمَصَارِيعَ حِينَ ٱنْدَفَقَ فَخَرَجَ مِنَ ٱلرَّحِمِ. 9 إِذْ جَعَلْتُ ٱلسَّحَابَ لِبَاسَهُ وَٱلضَّبَابَ قِمَاطَهُ 10 وَجَزَمْتُ عَلَيْهِ حَدِّي وَأَقَمْتُ لَهُ مَغَالِيقَ وَمَصَارِيعَ، 11 وَقُلْتُ: إِلَى هُنَا تَأْتِي وَلاَ تَتَعَدَّى، وَهُنَا تُتْخَمُ كِبْرِيَاءُ لُجَجِكَ؟».

تكوين 1: 9 ومزمور 33: 7 و104: 9 وأمثال 8: 9 وإرميا 5: 22

وخلق البحر مشبه بولادة طفل لباسه السحاب وقماطه الضباب. والطفل جبار بالعظمة والقوة يلزمه حدود ومغاليق ومصاريع فيخافه الناس حتى اليوم ولكنه بيد الله فوضع له حدوداً لا يقدر أن يتجاوزها.

12 - 15 «12 هَلْ فِي أَيَّامِكَ أَمَرْتَ ٱلصُّبْحَ؟ هَلْ عَرَّفْتَ ٱلْفَجْرَ مَوْضِعَهُ 13 لِيُمْسِكَ بِأَطْرَافِ ٱلأَرْضِ فَيُنْفَضَ ٱلأَشْرَارُ مِنْهَا؟ 14 تَتَحَوَّلُ كَطِينِ ٱلْخَاتِمِ، وَتَقِفُ كَأَنَّهَا لاَبِسَةٌ. 15 وَيُمْنَعُ عَنِ ٱلأَشْرَارِ نُورُهُمْ، وَتَنْكَسِرُ ٱلذِّرَاعُ ٱلْمُرْتَفِعَةُ».

ص 28: 24 و37: 3 ص 34: 25 و26 و36: 6 انظر ص 5: 14 عدد 15: 30 ومزمور 10: 15 و37: 17

هَلْ عَرَّفْتَ ٱلْفَجْرَ مَوْضِعَهُ للفجر وقت معيّن فلا يمكن أن يتقدم أو يتأخر ثانية واحدة وطبعاً ليس لأيوب ولا لغيره من الناس معرفة أو قدرة على ذلك. والليل كغطاء للأرض والصبح يُمسك به (ع 13) ويكشف عن الأرض فيبدد الأشرار الذين يعملون بالليل.

كَطِينِ ٱلْخَاتِمِ (ع 14) قبل الفجر تكون الأرض كطين بلا هيئة أو صورة وعند الفجر تظهر هيئتها كالجبال والأودية والأحراج والحقول والألوان المختلفة الجميلة وهذه المناظر كصور الخاتم في الطين وكلباس للأرض.

يُمْنَعُ عَنِ ٱلأَشْرَارِ نُورُهُمْ (ع 15) نور الأشرار هو الليل لأنهم فيه يعملون أعمالهم السيئة (انظر 24: 13 - 17 ويوحنا 3: 19 - 21).

16 - 18 «16 هَلِ ٱنْتَهَيْتَ إِلَى يَنَابِيعِ ٱلْبَحْرِ، أَوْ فِي مَقْصُورَةِ ٱلْغَمْرِ تَمَشَّيْتَ؟ 17 هَلِ ٱنْكَشَفَتْ لَكَ أَبْوَابُ ٱلْمَوْتِ، أَوْ عَايَنْتَ أَبْوَابَ ظِلِّ ٱلْمَوْتِ؟ 18 هَلْ أَدْرَكْتَ عَرْضَ ٱلأَرْضِ؟ أَخْبِرْ إِنْ عَرَفْتَهُ كُلَّهُ!»

تكوين 7: 11 و8: 2 وأمثال 8: 24 و28 ص 10: 21 و26: 6 و34: 22 ص 28: 24

يَنَابِيعِ ٱلْبَحْرِ اعتقد القدماء بوجود محيط أو مخزن للماء تحت البحر ومنه تنبع المياه وتملأ البحر و «المقصورة» هي الدار الواسعة المحصنة أو مكان أصغر من الدار لا يدخله إلا صاحبه ومقصورة المسجد مقام الإمام ومعنى الكلمة الأصلية «ما لا يُفحص».

أَبْوَابُ ٱلْمَوْتِ (ع 17) صوّر القدماء مكاناً للأموات تحت أعماق الأرض والبحر لا يعرفه أحد من الناس ولم يرجع أحد الأموات ليخبرنا عن ذلك المكان والذين ماتوا وقاموا كلعازر لم يخبرونا بشيء.

هَلْ أَدْرَكْتَ عَرْضَ ٱلأَرْضِ (ع 18) لم يعرف القدماء كروية الأرض بل ظنوا أنها سهل يمتد إلى الجهات الأربع بلا نهاية فلم يصل أحد إلى حدها ولا يقدر أن يصل إليه.

19 - 21 «19 أَيْنَ ٱلطَّرِيقُ إِلَى حَيْثُ يَسْكُنُ ٱلنُّورُ، وَٱلظُّلْمَةُ أَيْنَ مَقَامُهَا، 20 حَتَّى تَأْخُذَهَا إِلَى تُخُومِهَا وَتَعْرِفَ سُبُلَ بَيْتِهَا؟ 21 تَعْلَمُ، لأَنَّكَ حِينَئِذٍ كُنْتَ قَدْ وُلِدْتَ، وَعَدَدُ أَيَّامِكَ كَثِيرٌ!».

ص 26: 10 ص 15: 7

وَٱلظُّلْمَةُ أَيْنَ مَقَامُهَا لم يفهم القدماء أن الظلمة عدم النور بل تصوروها كأنها كائنة بذاتها وطلب الرب من أيوب أن يجيب ما هو النور وما هي الظلمة ومن أين يأتيان والعلماء اليوم أيضاً يعترفون بجهلهم. والقول في (ع 21) تهكُّم.

22 - 27 «22 أَدَخَلْتَ إِلَى خَزَائِنِ ٱلثَّلْجِ، أَمْ أَبْصَرْتَ مَخَازِنَ ٱلْبَرَدِ 23 ٱلَّتِي أَبْقَيْتَهَا لِوَقْتِ ٱلضُّرِّ، لِيَوْمِ ٱلْقِتَالِ وَٱلْحَرْبِ؟ 24 فِي أَيِّ طَرِيقٍ يَتَوَزَّعُ ٱلنُّورُ وَتَتَفَرَّقُ ٱلرِّيحُ ٱلشَّرْقِيَّةُ عَلَى ٱلأَرْضِ؟ 25 مَنْ فَرَّعَ قَنَوَاتٍ لِلْهَطْلِ وَطَرِيقاً لِلصَّوَاعِقِ 26 لِيَمْطُرَ عَلَى أَرْضٍ حَيْثُ لاَ إِنْسَانَ، عَلَى قَفْرٍ لاَ أَحَدَ فِيهِ، 27 لِيُرْوِيَ ٱلْبَلْقَعَ وَٱلْخَلاَءَ وَيُنْبِتَ مَخْرَجَ ٱلْعُشْبِ؟».

ص 37: 6 خروج 9: 18 ويشوع 10: 11 وإشعياء 30: 30 وحزقيال 13: 11 و13 ورؤيا 16: 21 ص 26: 10 انظر ص 36: 27 مزمور 104: 13 و14

تصوّر القدماء خزائن للثلج في الفلك لأن الثلج أحياناً ينزل ويتكوّم على الأرض بالكثرة وأحياناً يحدث ضرر عظيم من الثلج والبَرَد وكان الرب يستعملها في القتال (انظر يشوع 10: 11 ومزمور 68: 14 وإشعياء 30: 30 وحزقيال 13: 13).

يَتَوَزَّعُ ٱلنُّورُ عند شروق الشمس يتوزع النور في كل الأرض حتى في داخل البيوت وهذا أمر نعرفه جيداً ولكننا لا نقدر أن نوضح أسبابه وكذلك الريح الشرقية.

قَنَوَاتٍ لِلْهَطْلِ (ع 25) المطر مخزون بالكثرة في السحاب ولكنه لا ينزل دفعة واحدة على الأرض بل رويداً رويداً بقطرات لإفادة الأرض لا لخرابها. والفلك يتصوره القدماء كقبة راكزة على أطراف الأرض والله بحكمته جعل قنوات فيها للمطر وفتح طريقاً للصواعق.

أَرْضٍ حَيْثُ لاَ إِنْسَانَ (ع 26) لا يعتني الله بالإنسان فقط بل أيضاً بالأرض والنباتات والحيوانات في القفر الذي ليس فيه إنسان.

28 - 30 «28 هَلْ لِلْمَطَرِ أَبٌ، وَمَنْ وَلَدَ مَآجِلَ ٱلطَّلِّ؟ 29 مِنْ بَطْنِ مَنْ خَرَجَ ٱلْجَلِيدُ؟ صَقِيعُ ٱلسَّمَاءِ، مَنْ وَلَدَهُ؟ 30 كَحَجَرٍ صَارَتِ ٱلْمِيَاهُ. ٱخْتَبَأَتْ. وَتَلَكَّدَ وَجْهُ ٱلْغَمْرِ».

ص 36: 27 و28 ومزمور 147: 8 وإرميا 14: 22 ص 37: 10 ومزمور 147: 17

ليس للمطر أب أي ليس هو من إنسان بل من الله والطل أيضاً من أعمال الله العجيبة فإنه يسقي النباتات الطرية والأزهار الجميلة بالليل بلا صوت ونفعه ليس أقل من نفع المطر. ومن عجائب الله أيضاً تحويل الماء إلى جليد (ع 29).

31 - 38 «31 هَلْ تَرْبِطُ أَنْتَ عُقْدَ ٱلثُّرَيَّا أَوْ تَفُكُّ رُبُطَ ٱلْجَبَّارِ؟ 32 أَتُخْرِجُ ٱلْمَنَازِلَ فِي أَوْقَاتِهَا وَتَهْدِي ٱلنَّعْشَ مَعَ بَنَاتِهِ؟ 33 هَلْ عَرَفْتَ سُنَنَ ٱلسَّمَاوَاتِ أَوْ جَعَلْتَ تَسَلُّطَهَا عَلَى ٱلأَرْضِ؟ 34 أَتَرْفَعُ صَوْتَكَ إِلَى ٱلسُّحُبِ فَيُغَطِّيَكَ فَيْضُ ٱلْمِيَاهِ؟ 35 أَتُرْسِلُ ٱلْبُرُوقَ فَتَذْهَبَ وَتَقُولَ لَكَ: هَا نَحْنُ؟ 36 مَنْ وَضَعَ فِي ٱلطَّخَاءِ حِكْمَةً، أَوْ مَنْ أَظْهَرَ فِي ٱلشُّهُبِ فِطْنَةً؟ 37 مَنْ يُحْصِي ٱلْغُيُومَ بِٱلْحِكْمَةِ، وَمَنْ يَسْكُبُ أَزْقَاقَ ٱلسَّمَاوَاتِ، 38 إِذْ يَنْسَبِكُ ٱلتُّرَابُ سَبْكاً وَيَتَلاَصَقُ ٱلطِّينُ؟».

ص 9: 9 وعاموس 5: 8 مزمور 148: 6 وإرميا 31: 35 و36 ع 37 وص 22: 11 و36: 27 و28 ص 36: 32 و37: 3 مزمور 51: 6 وجامعة 2: 26 انظر ص 9: 4 ص 32: 8 ع 34

ٱلثُّرَيَّا سبعة كواكب في عنق الثور سميت بذلك لكثرة كواكبها مع ضيق المحل وهذه النجوم مرتبطة بعضها ببعض كعقد من الجواهر وذلك من الرب وليس من أيوب. والجبار اسم برج وصوّر القدماء تخومه كجبار مربوط. وتظهر الثريا في الربيع والجبار في أول الشتاء وانتهاء الشتاء وقدوم الربيع كربط الجبار. والرب سأل أيوب هل يقدر هو أن يأمر الشتاء والربيع فيأتيا ويمضيا حسب قوله.

ٱلْمَنَازِلَ (ع 32) (انظر 2ملوك 23: 5).

ٱلنَّعْشَ مَعَ بَنَاتِهِ بنات نعش الكبرى سبعة كواكب أربعة منها نعش لأنها مربعة وثلاثة بنات نعش وكذلك بنات نعش الصغرى.

سُنَنَ ٱلسَّمَاوَاتِ (ع 33) إن العلماء اليوم يعرفون من سنن السموات أكثر مما عرفه أيوب ورفقاؤه ومع ذلك فمعرفتهم قليلة ومحدودة.

تَسَلُّطَهَا عَلَى ٱلأَرْضِ (انظر تكوين 1: 14 - 19) «لِتَفْصِلَ بَيْنَ ٱلنَّهَارِ وَٱللَّيْلِ، وَتَكُونَ لآيَاتٍ وَأَوْقَاتٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينٍ... ٱلنُّورَ ٱلأَكْبَرَ لِحُكْمِ ٱلنَّهَارِ، وَٱلنُّورَ ٱلأَصْغَرَ لِحُكْمِ ٱللَّيْلِ» وظن القدماء أن للأجرام السماوية تسلطاً على أمور الناس وعقولهم وتاريخ الممالك وادعى المنجمون بأنهم يقدرون أن يعرفوا بواسطة النجوم الأمور المستقبلة وأيام السعد وأيام النحس وادعوا أن لكل إنسان نجماً خاصاً وإنهم يقدرون أن يستدلوا منه على أمور حياة ممثله (إشعياء 47: 13) «لِيَقِفْ قَاسِمُو ٱلسَّمَاءِ ٱلرَّاصِدُونَ ٱلنُّجُومَ، ٱلْمُعَرِّفُونَ عِنْدَ رُؤُوسِ ٱلشُّهُورِ وَيُخَلِّصُوكِ» و(انظر متّى 2: 2).

أَتَرْفَعُ صَوْتَكَ (ع 34) كما رفع كهنة البعل أصواتهم (انظر 1ملوك 18: 28 و29) وأما السحب فلم تسمع لهم لأن المطر من الرب وحده.

أَتُرْسِلُ ٱلْبُرُوقَ (انظر 2ملوك 1: 10).

ٱلطَّخَاءِ (ع 36) السحاب المرتفع فحركات السحب تدل على حكمة وليست هذه إلا حكمة الله (انظر 37: 11 - 13 وتفسيره).

مَنْ يُحْصِي (ع 37) كما يُحصي القائد جيوشه فيرسل منهم ما يكفي لحاجته لا أكثر ولا أقل. فالرب يحصي الغيوم هكذا حتى تنزل الكمية المطلوبة من المطر.

أَزْقَاقَ ٱلسَّمَاوَاتِ الغيوم مشبهة بأزقاق ملآنة ماء (انظر 26: 8 وتفسيره).

إِذْ يَنْسَبِكُ ٱلتُّرَابُ (ع 38) حينما ينزل المطر على التراب الجاف يتلاصق المدر كما ينسبك المعدن المذوب بالنار فتتلاصق دقائقه بجاذبية الملاصقة.

39 - 41 «39 أَتَصْطَادُ لِلَّبْوَةِ فَرِيسَةً، أَمْ تُشْبِعُ نَفْسَ ٱلأَشْبَالِ، 40 حِينَ تَرْبِضُ فِي عَرِينِهَا وَتَكْمُنُ فِي غَابَتِهَا لِلْكُمُونِ؟ 41 مَنْ يُهَيِّئُ لِلْغُرَابِ صَيْدَهُ إِذْ تَنْعَبُ فِرَاخُهُ إِلَى ٱللّٰهِ، وَتَتَرَدَّدُ لِعَدَمِ ٱلْقُوتِ؟».

مزمور 104: 21 ص 37: 8 مزمور 147: 9 ومتّى 6: 26 ولوقا 12: 24

هنا ابتدأ القسم الثاني من الموضوع وهو قدرة الله وحكمته في خلقه ما له روح وعنايته بهم. والله أعطى اللبوة القوة والمعرفة لتصطاد لنفسها من الطعام ما يوافقها ولا يمكن الإنسان أن يعمل ما تعمله اللبوة. والعيص الشجر الكثير الملتف يكمن فيها الأسد. و «تجرمزّ» تنقبض وتتجمع بعضها إلى بعض.

لِلْغُرَابِ (ع 41) لعله مذكور هنا لأنه من الخلائق الحقيرة بخلاف اللبوة التي هي من الخلائق القوية والمعتبرة والمعنى أن الله يعتني بجميع الحيوانات المعتبرة كاللبوة والدنيئة كالغراب.

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلثَّلاَثُونَ

«1 أَتَعْرِفُ وَقْتَ وَلاَدَةِ وُعُولِ ٱلصُّخُورِ، أَوْ تُلاَحِظُ مَخَاضَ ٱلأَيَائِلِ؟ 2 أَتَحْسِبُ ٱلشُّهُورَ ٱلَّتِي تُكَمِّلُهَا، أَوْ تَعْلَمُ مِيعَادَ وَلاَدَتِهِنَّ؟ 3 يَبْرُكْنَ وَيَضَعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ. يَدْفَعْنَ أَوْجَاعَهُنَّ. 4 تَبْلُغُ أَوْلاَدُهُنَّ. تَرْبُو فِي ٱلْبَرِّيَّةِ. تَخْرُجُ وَلاَ تَعُودُ إِلَيْهِنَّ».

تثنية 14: 5 و1صموئيل 24: 2 ومزمور 104: 18 مزمور 29: 9

انظر قاموس الكتاب المقدس في وصف الوعول وغيرها من الحيوانات المذكورة. وتأوي الوعول والأيائل إلى الصخور في الجبال العالية البعيدة عن مساكن الناس فيصعب على الإنسان أن يعرف طباعها وعاداتها. وأما الرب فلا يعرفها فقط بل يدبرها أيضاً لأن الكل منه ومن عجائب عناية الله أنه أعطى هذه الحيوانات كبيرها وصغيرها غريزة بها تقدر أن تدبر ذواتها بخلاف صغار الإنسان الذين يحتاجون إلى خدمة والديهم عدة سنين.

5 - 8 «5 مَنْ سَرَّحَ ٱلْفَرَاءَ حُرّاً، وَمَنْ فَكَّ رُبُطَ حِمَارِ ٱلْوَحْشِ؟ 6 ٱلَّذِي جَعَلْتُ ٱلْبَرِّيَّةَ بَيْتَهُ وَٱلسِّبَاخَ مَسْكَنَهُ. 7 يَضْحَكُ عَلَى جُمْهُورِ ٱلْقَرْيَةِ. لاَ يَسْمَعُ زَجْرَ ٱلسَّائِقِ. 8 دَائِرَةُ ٱلْجِبَالِ مَرْعَاهُ، وَعَلَى كُلِّ خُضْرَةٍ يُفَتِّشُ».

ص 6: 5 و11: 12 و24: 5 ومزمور 104: 11 ص 24: 5 وإرميا 2: 24 وهوشع 8: 9

ٱلْفَرَاءَ إن الحمار الأليف كان حماراً وحشياً والفراء فتي حمار الوحش أجمل وأسرع من الحمار الأليف ولا يدجن. قال أحد المفسرين إنه رأى فراء اصطاده أناس حياً ولكنهم لم يقدروا أن يذللوه وبعد تربيته ثلاث سنين ظل كما كان في الأول. فنتعلم مما ذكر (1) محبة الله للحيوانات (انظر تكوين 1: 25) إنه يجب على الإنسان أيضاً أن يحب الحيوانات ولا يقسو عليها (2) عناية الله بالوحوش فكم بالحري يعتني بالإنسان (انظر متّى 6: 26 و10: 29) (3) إنه يجب على الإنسان أن يخضع لله بإرادته وليس كالبهائم بالغصب والخوف (انظر مزمور 32: 8 و9) ونرى في وصف الفراء والثور الوحشي والنعامة والفرس شيئاً من المبالغة مما هو جائز في الشعر.

9 - 12 «9 أَيَرْضَى ٱلثَّوْرُ ٱلْوَحْشِيُّ أَنْ يَخْدِمَكَ، أَمْ يَبِيتُ عِنْدَ مِعْلَفِكَ؟ 10 أَتَرْبِطُ ٱلثَّوْرَ ٱلْوَحْشِيَّ بِحَبْلٍ إِلَى خَطِّ ٱلْمِحْرَاثِ أَمْ يُمَهِّدُ ٱلأَوْدِيَةَ وَرَاءَكَ؟ 11 أَتَثِقُ بِهِ لأَنَّ قُوَّتَهُ عَظِيمَةٌ، أَوْ تَتْرُكُ لَهُ تَعَبَكَ؟ 12 أَتَأْتَمِنُهُ أَنَّهُ يَأْتِي بِزَرْعِكَ وَيُجْمَعُ إِلَى بَيْدَرِكَ؟.

عدد 23: 22 وتثنية 33: 17 ومزمور 22: 21 و29: 6 و92: 10 وإشعياء 34: 7

الثور الوحشي أكبر وأقوى من الثور الأليف ومغزى الكلام هنا أن الثور الوحشي لا يدجن فتظهر فيه قدرة الخالق وضعف الإنسان. والمظنون أن الثور الوحشي كان في فلسطين قديماً غير أنه لا وجود له هناك اليوم.

13 - 18 «13 جَنَاحُ ٱلنَّعَامَةِ يُرَفْرِفُ. أَفَهُوَ مَنْكِبٌ رَؤُوفٌ، أَمْ رِيشٌ؟ 14 لأَنَّهَا تَتْرُكُ بَيْضَهَا وَتُحْمِيهِ فِي ٱلتُّرَابِ، 15 وَتَنْسَى أَنَّ ٱلرِّجْلَ تَضْغَطُهُ، أَوْ حَيَوَانَ ٱلْبَرِّ يَدُوسُهُ! 16 تَقْسُو عَلَى أَوْلاَدِهَا كَأَنَّهَا لَيْسَتْ لَهَا. بَاطِلٌ تَعَبُهَا بِلاَ أَسَفٍ. 17 لأَنَّ ٱللّٰهَ قَدْ أَنْسَاهَا ٱلْحِكْمَةَ وَلَمْ يَقْسِمْ لَهَا فَهْماً. 18 عِنْدَمَا تُحْوِذُ نَفْسَهَا إِلَى ٱلْعَلاَءِ تَضْحَكُ عَلَى ٱلْفَرَسِ وَعَلَى رَاكِبِهِ».

مراثي 4: 3

توجد النعامة في بلاد العرب وفي أفريقية الجنوبية وأماكن أُخر ويربونها لأجل ريشها الجميل والثمين. وتعلو قامة النعامة سبع أقدام ولا يمكنها الطيران لأن جناحيها صغيران بالنسبة إلى حجمها ولكنهما يساعدانها في الركض وهي سريعة جداً فلا تلحقها سوابق الخيل. قال ليفنستون إنها تركض نحو 26 ميلاً في الساعة وطول خطوتها (فشختها) نحو 25 قدماً. والقول «تُحْوِذُ نَفْسَهَا إِلَى ٱلْعَلاَءِ» (ع 18) يشير إلى رفع رأسها حينما تركض. وتعمل أفحوصها في الرمل وتحضن بيضها وأحياناً تتركه حين يشتد الحر فشاع أن النعامة جائرة الطبع وقليلة المحبة لفراخها وبلا حكمة (ع 13 و16 و17) وفراخها سريعة في الركض ولونها مثل لون الرمل ويهرب كل واحد منها إلى جهة فإذا أتاها الصياد لا يراها أو إذا رآها لا يقدر أن يصطادها (انظر قاموس الكتاب).

19 - 25 «19 هَلْ أَنْتَ تُعْطِي ٱلْفَرَسَ قُوَّتَهُ وَتَكْسُو عُنُقَهُ عُرْفاً؟ 20 أَتُوثِبُهُ كَجَرَادَةٍ؟ نَفْخُ مِنْخَرِهِ مُرْعِبٌ. 21 يَبْحَثُ فِي ٱلْوَادِي وَينفز (يَقْفِزُ) بِبَأْسٍ. يَخْرُجُ لِلِقَاءِ ٱلأَسْلِحَةِ. 22 يَضْحَكُ عَلَى ٱلْخَوْفِ وَلاَ يَرْتَاعُ وَلاَ يَرْجِعُ عَنِ ٱلسَّيْفِ. 23 عَلَيْهِ تَصِلُّ ٱلسِّهَامُ وَسِنَانُ ٱلرُّمْحِ وَٱلْحَرْبَةِ. 24 فِي وَثْبِهِ وَغَضَبِهِ يَلْتَهِمُ ٱلأَرْضَ وَلاَ يُؤْمِنُ أَنَّهُ صَوْتُ ٱلْبُوقِ. 25 عِنْدَ نَفْخِ ٱلْبُوقِ يَقُولُ: هَهْ! وَمِنْ بَعِيدٍ يَسْتَرْوِحُ ٱلْقِتَالَ صِيَاحَ ٱلْقُوَّادِ وَٱلْهُتَافَ».

يوئيل 2: 5 إرميا 8: 16 إرميا 8: 6

ٱلْفَرَسَ أُستعملت الخيل في القديم للحرب وللصيد فقط كما يظهر من الصور الأشورية ولم تُذكر بين مقتنيات أيوب.

عُرْفاً الكلمة الأصلية العبرانية مترجمة في (37: 4) «يُرعد» وفي الترجمة اليسوعية «رعداً» والقول يشير إلى منظر الفرس الجميل والمخيف وهو ذاهب إلى القتال.

كَجَرَادَةٍ (ع 20) (يوئيل 2: 4 و5) «كَمَنْظَرِ ٱلْخَيْلِ مَنْظَرُهُ، وَمِثْلَ ٱلأَفْرَاسِ يَرْكُضُونَ. كَصَرِيفِ ٱلْمَرْكَبَاتِ عَلَى رُؤُوسِ ٱلْجِبَالِ يَثِبُونَ» و(رؤيا 9: 7) «وَشَكْلُ ٱلْجَرَادِ شِبْهُ خَيْلٍ مُهَيَّأَةٍ لِلْحَرْبِ».

وَينفز (يَقْفِزُ) بِبَأْسٍ (ع 21) أي يثب أو يطفر بقوائمه جميعاً ويضعهن معاً من غير تفريق بينهنّ.

تَصِلُّ ٱلسِّهَامُ (ع 23) معنى السهام الكلمة الأصلية «جعبة» ويفهم بعضهم من الجملة أن السهام تصوّت في الجعبة وهذا ما تعنيه الترجمة الإنكليزية والترجمة اليسوعية العربية ويعتقد غيرهم أن الجعبة كناية عن السهام فالمعنى أن السهام تصلّ على الفرس حيت تُرمى عليه في القتال و «سنان الرمح» حديده.

يَلْتَهِمُ ٱلأَرْضَ يحفر فيها ويثير غبارها أو لعل الإشارة إلى السرعة في الركض فيرى الراكب الطريق أمامه كأن فرسه يلتهمه (يبلعه).

لاَ يُؤْمِنُ أَنَّهُ صَوْتُ ٱلْبُوقِ أي إنه مشتاق إلى القتال ولا يقدر أن يصبر. وحينما يسمع صوت البوق ولا يصدق من فرحه أنه البوق. والرب سأل أيوب هل أنت تعطي الفرس قوته.

26 - 30 «26 أَمِنْ فَهْمِكَ يَسْتَقِلُّ ٱلْعُقَابُ وَيَنْشُرُ جَنَاحَيْهِ نَحْوَ ٱلْجَنُوبِ؟ 27 أَوْ بِأَمْرِكَ يُحَلِّقُ ٱلنَّسْرُ وَيُعَلِّي وَكْرَهُ؟ 28 يَسْكُنُ ٱلصَّخْرَ وَيَبِيتُ عَلَى سِنِّ ٱلصَّخْرِ وَٱلْمَعْقَلِ. 29 مِنْ هُنَاكَ يَتَحَسَّسُ قُوتَهُ. تُبْصِرُهُ عَيْنَاهُ مِنْ بَعِيدٍ. 30 فِرَاخُهُ تَحْسُو ٱلدَّمَ وَحَيْثُمَا تَكُنِ ٱلْقَتْلَى فَهُنَاكَ هُوَ».

إرميا 49: 16 وعوبديا 4 ص 9: 26 متى 24: 28 ولوقا 17: 37

يَسْتَقِلُّ أي يرتفع بطيرانه والعقاب والنسر يمتازان بقوتهما في الطيران.

نَحْوَ ٱلْجَنُوبِ تنتقل بعض الطيور إلى الأقاليم الحارة في أول فصل الشتاء ولها إدراك غزيزي به تعرف وقت المهاجرة وتطير على خط مستقيم ليلاً ونهاراً حتى تصل إلى مكانها ومن العجائب أنها تعرف الجنوب حق المعرفة.

يُحَلِّقُ ٱلنَّسْرُ (ع 27) يرتفع في طيرانه ويستدير كالحلقة ويمتاز النسر عن غيره من الطيور بطيرانه وبعلو وكره وبحدة نظره وبشراهته في أكل اللحم والدم. يرى الجيفة طائراً في البرية وهو على بُعدٍ شاسع عنها لا تراه العين.

ونلاحظ أن ما قيل في هذه الأصحاحات عن الحيوانات والطيور وإن كُتب منذ نحو 2500 سنة فهو لا يخالف علم الحيوان كما هو معروف اليوم.

والفائدة لأيوب هي أن الحيوانات غير الناطقة تعرف بالغريزة ما لزمها للحصول على قوتها وتربية أولادها فكم بالحري الإنسان الذي له عقل ونفس يجب أن يعرف الله ويتكل عليه. والله يعتني بخلائقه الدنيا فكم بالحري يعتني بالإنسان وهو أعظم خلائقه. وكان أيوب في ظلمة الأحزان والآلام والشكوك وقصد الرب أن يرفع نظره عن هذه لينظر إلى أعمال الله العظيمة التي تحدّث بمجده وحكمته ومحبته فبنوره يرى نوراً (انظر مزمور 36: 9) ولم يعامل أيوب معاملة عبد فسكّته بأمر قاسٍ بل أوضح له الأمر بكلام مطول وبالصبر لكي يفهم ويقتنع ويسلم للرب عن طيب خاطر لا عن خوف وغصب.

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَرْبَعُونَ

1 - 5 «1 وَقَالَ ٱلرَّبُّ لأَيُّوبَ: 2 هَلْ يُخَاصِمُ ٱلْقَدِيرَ مُوَبِّخُهُ، أَمِ ٱلْمُحَاجُّ ٱللّٰهَ يُجَاوِبُهُ؟ 3 فَأَجَابَ أَيُّوبُ ٱلرَّبَّ: 4 هَا أَنَا حَقِيرٌ، فَمَاذَا أُجَاوِبُكَ؟ وَضَعْتُ يَدِي عَلَى فَمِي. 5 مَرَّةً تَكَلَّمْتُ فَلاَ أُجِيبُ، وَمَرَّتَيْنِ فَلاَ أَزِيدُ».

ص 9: 3 و10: 2 و33: 13 ص 13: 3 و23: 4 و31: 35 ص 21: 5 و29: 9 ص 9: 3 و15

وَقَالَ ٱلرَّبُّ لأَيُّوبَ وجه الرب كلامه إلى أيوب وإلى ما كان أيوب قاله.

مُوَبِّخُهُ (ع 2) أي أيوب هو الذي وبخ الرب.

فَأَجَابَ أَيُّوبُ (ع 3) شعر أيوب بخطيئته وتبكيت ضميره بعدما تأمل في أعمال الله ورأى الله في أعماله. وكان كلام أيوب للرب قليلاً فإن التائب توبة حقيقية لا يكثر الكلام كما أن العشار (لوقا 18: 13) لم يقل إلا «ٱرْحَمْنِي أَنَا ٱلْخَاطِئَ».

مَرَّةً... مَرَّتَيْنِ (ع 5) أقواله السابقة عددها كذا وكذا.

6 - 14 «6 فَقَالَ ٱلرَّبُّ لأَيُّوبَ مِنَ ٱلْعَاصِفَةِ: 7 ٱلآنَ شُدَّ حَقَوَيْكَ كَرَجُلٍ. أَسْأَلُكَ فَتُعْلِمُنِي. 8 لَعَلَّكَ تُنَاقِضُ حُكْمِي. تَسْتَذْنِبُنِي لِتَتَبَرَّرَ أَنْتَ! 9 هَلْ لَكَ ذِرَاعٌ كَمَا لِلّٰهِ، وَبِصَوْتٍ مِثْلِ صَوْتِهِ تُرْعِدُ؟ 10 تَزَيَّنِ ٱلآنَ بِٱلْجَلاَلِ وَٱلْعِزِّ، وَٱلْبِسِ ٱلْمَجْدَ وَٱلْبَهَاءَ. 11 فَرِّقْ فَيْضَ غَضَبِكَ، وَٱنْظُرْ كُلَّ مُتَعَظِّمٍ وَٱخْفِضْهُ. 12 اُنْظُرْ إِلَى كُلِّ مُتَعَظِّمٍ وَذَلِّلْهُ، وَدُسِ ٱلأَشْرَارَ فِي مَكَانِهِمِ. 13 اُطْمُرْهُمْ فِي ٱلتُّرَابِ مَعاً، وَٱحْبِسْ وُجُوهَهُمْ فِي ٱلظَّلاَمِ. 14 فَأَنَا أَيْضاً أَحْمَدُكَ لأَنَّ يَمِينَكَ تُخَلِّصُكَ».

ص 38: 1 ص 38: 3 ص 38: 3 و42: 4 ص 10: 3 و7 و16: 11 و19: 6 و27: 2 ص 13: 18 و27: 6 ص 37: 5 إشعياء 42: 25 وناحوم 1: 6 و8 إشعياء 2: 12 ودانيال 4: 37 و1صموئيل 2: 7 وإشعياء 13: 11 إشعياء 63: 3 إشعياء 2: 10 - 12

كلم الرب أيوب كلاماً وغاية الكلام الإفادة ولو لم يكن لأيوب عقل وضمير وقوة الإدراك في الروحيات لما كلمه بل كان سكّته بإظهار عظمته بالرعد والزلزلة ولكنه أقنعه بالكلام وليست غاية الكلام زيادة ارتباك أيوب واقتناعه بأنه لا يقدر أن يفهم أعمال الله في الطبيعة ولا في حياته بل غاية الله إعلان نفسه لأيوب لأن الله نفسه نور والنور يطرد الظلمة.

مِنَ ٱلْعَاصِفَةِ (انظر تفسير 38: 1 و2).

لَعَلَّكَ تُنَاقِضُ حُكْمِي (ع 8) كان أيوب ناقض حكم الله بما نسب إليه ظلماً. وكل من يتذمر على الرب يناقض حكمه. ويعني بتذمره أنه يعرف أكثر من الرب وإنه لو كان في مكان الرب لكان تدبيره غير تدبيره وأحسن منه.

لِتَتَبَرَّرَ أَنْتَ لأن أيوب نظر إلى بره وافتخر فيه وغايته في كلامه إثبات بره.

هَلْ لَكَ ذِرَاعٌ كَمَا لِلّٰهِ (ع 9) بما أن أيوب كان تذمر ونسب إلى الله ظلماً وبأقواله حكم على الرب وجعل نفسه في مكانه دعاه الرب الآن ليجلس على العرش ويدبر الكون وسأله هل لك قدرة على ذلك ثم وجه نظره إلى الأشرار والمتعظمين في الأرض وسأله هل يقدر أن يخفضهم ويذللهم فنتج من كلام الرب أولاً أنه قادر على كل شيء وإلا لما ثبت الكون وثانياً إنه عادل وإن كل ما كان عمله لأيوب هو بالعدل فليس لأيوب أن يتذمر.

دُسِ ٱلأَشْرَارَ فِي مَكَانِهِمِ (ع 12) سريعاً كل الدوس فلا يخرجون من مكانهم لإتمام مقاصدهم الشريرة.

وَٱحْبِسْ وُجُوهَهُمْ فِي ٱلظَّلاَمِ (ع 13) في ظلمة السجن أو غطّ وجوههم كما تتغطى وجوه المحكوم عليهم بالإعدام.

لأَنَّ يَمِينَكَ تُخَلِّصُكَ (ع 14) كان أيوب اعترض على حكم الله فعليه أن يثبت أنه يقدر أن يحكم في الكون حكماً أحسن من حكم الله فيقر الله إذ ذاك أن له قدرة كقدرته ويمينه أي ذراعه كذراع الله (انظر ع 9 ومزمور 98: 1 وإشعياء 59: 16 و63: 5) ثم يذكر الله اثنين من خلائقه وهما بهيموث ولوياثان وسأله هل يقدر أن يذللهما وإن لم يقدر على ذلك فكيف يقدر أن يقف بوجه الرب الذي خلقهما.

15 - 24 «15 هُوَذَا بهيموث (فَرَسُ ٱلْبَحْرِ) ٱلَّذِي صَنَعْتُهُ مَعَكَ. يَأْكُلُ ٱلْعُشْبَ مِثْلَ ٱلْبَقَرِ. 16 هَا هِيَ قُوَّتُهُ فِي مَتْنَيْهِ وَشِدَّتُهُ فِي عَضَلِ بَطْنِهِ. 17 يَخْفِضُ ذَنَبَهُ كَأَرْزَةٍ. عُرُوقُ فَخْذَيْهِ مَضْفُورَةٌ. 18 عِظَامُهُ أَنَابِيبُ نُحَاسٍ، وَأَضْلاَعُهُ حَدِيدٌ مُطَرَّقٌ. 19 هُوَ أَوَّلُ أَعْمَالِ ٱللّٰهِ. ٱلَّذِي صَنَعَهُ أَعْطَاهُ سَيْفَهُ. 20 لأَنَّ ٱلْجِبَالَ تُخْرِجُ لَهُ مَرْعىً وَجَمِيعَ وُحُوشِ ٱلْبَرِّ تَلْعَبُ هُنَاكَ. 21 تَحْتَ ٱلسِّدْرَاتِ يَضْطَجِعُ فِي سِتْرِ ٱلْقَصَبِ وَٱلْغَمِقَةِ. 22 تُظَلِّلُهُ ٱلسِّدْرَاتُ بِظِلِّهَا. يُحِيطُ بِهِ صَفْصَافُ ٱلسَّوَاقِي. 23 هُوَذَا ٱلنَّهْرُ يَفِيضُ فَلاَ يَفِرُّ هُوَ. يَطْمَئِنُّ وَلَوِ ٱنْدَفَقَ ٱلأُرْدُنُّ فِي فَمِهِ. 24 هَلْ يُؤْخَذُ مِنْ أَمَامِهِ؟ هَلْ يُثْقَبُ أَنْفُهُ بِخِزَامَةٍ؟».

ع 19 ص 41: 33 ع 15 مزمور 104: 26

بهيموث (فَرَسُ ٱلْبَحْرِ) الكلمة العبرانية جمع بهيمة والجمع للتعظيم فمعنى بهيموث عظيمة. ويظن بعضهم أنه الفيل والأرجح أنه فرس الماء. ويوجد فرس الماء بقرب الأنهر في افريقية ولا سيما النيل وطول فرس الماء نحو 15 قدماً وعلوه 7 أقدام وقوائمه قصيرة ورأسه كبير وعرض فيه نحو قدمين وطول أنيابه نحو قدمين وشعره قصير وجلده ثخين وقاس جداً حتى الرصاص يكاد لا يخرقه ولا يأكل إلا العشب والنباتات يأكل منها كثيراً ويخاف الفلاحون أنه يتلف مزروعاتهم.

صَنَعْتُهُ مَعَكَ فلا يقدر أيوب أن يفتخر بل يتذكر أنه هو أيضاً من جملة خلائق الله.

يَخْفِضُ ذَنَبَهُ كَأَرْزَةٍ (ع 17) ذنبه قصير وبلا شعر ولكنه عضلي وصلب كالخشب.

عُرُوقُ فَخْذَيْهِ مَضْفُورَةٌ أي قوية مشتبكة فتكون قوتهما قوة مجموعها.

أَوَّلُ أَعْمَالِ ٱللّٰهِ (ع 19) من الحيوانات. ومن جهة الكبر والقوة.

سَيْفَهُ أنيابه الطويلة الحادة التي بها يقصل الكلأ والنباتات كما بمنجل.

ٱلْجِبَالَ تُخْرِجُ لَهُ مَرْعىً (ع 20) يلزمه كثير من النباتات فيجول يفتش عنها. والوحوش لا تخافه لأنه لا يأكل إلا النباتات.

ٱلسِّدْرَاتِ (ع 21) نبات ينمو في مصر على شطوط النيل أوراقه كبيرة وأزهاره منها ما هو أبيض ومنها ما هو أزرق.

ٱلأُرْدُنُّ (ع 23) لم يذكر أحد أن فرس الماء يقيم عند الأردن والمعنى هنا أنه لا يفرّ من نهر فائض كالنيل ولا من نهر سريع كالأردن وإن كان عميقاً حتى يندفق في فمه. لا يقوى الإنسان على هذه البهيمة العظيمة ولا يخفى أن في هذا الوصف مبالغة وهي جائزة في الشعر.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي وَٱلأَرْبَعُونَ

1 «أَتَصْطَادُ لوياثان (ٱلتِّمسَاحَ) بِشِصٍّ، أَوْ تَضْغَطُ لِسَانَهُ بِحَبْلٍ؟».

لوياثان (ٱلتِّمسَاحَ) كلمة عبرانية ومعناها الملتوي أو الملتف والكلمة المترجمة «تنين» في 3: 8 وعدم ترجمة الكلمة هنا هو لأن المترجمين لم يعرفوا معناها ولكن أكثر المفسرين متفقون على أن المشار إليه هو التمساح (اطلب في قاموس الكتاب المقدس «لوياثان» و «تمساح») ويوجد التمساح في أنهر أفريقية وجنوبي أميركة الشمالية وأميركة الجنوبية. وطوله عشرون قدماً وأحياناً ثلاثون قدماً وكل جسمه مغطى بحراشف قرنية تمنع دخول الرماح والسهام فيه. وفمه كبير جداً وأسنانه كثيرة وحادة يأكل الحيات ولكنه يبلعها كما هي بلا مضغ. ويتنفس كحيوانات اليابسة ولكنه غالباً يطفو على وجه الماء ولا يُرى فوق الماء إلا خرطومه ويقدر أن يبقى تحت وجه الماء زماناً.

بِشِصٍّ الشصّ لصيد الأسماك الصغيرة ولا ينفع في صيد التمساح.

تَضْغَطُ لِسَانَهُ بِحَبْلٍ إما حبل الشصّ أو حبل يوضع في فمه وفوق لسانه كلجام لإذلاله.

2 - 5 «2 أَتَضَعُ أَسَلَةً فِي خَطْمِهِ، أَمْ تَثْقُبُ فَكَّهُ بِخِزَامَةٍ؟ 3 أَيُكْثِرُ ٱلتَّضَرُّعَاتِ إِلَيْكَ، أَمْ يَتَكَلَّمُ مَعَكَ بِٱللِّينِ؟ 4 هَلْ يَقْطَعُ مَعَكَ عَهْداً فَتَتَّخِذَهُ عَبْداً مُؤَبَّداً؟ 5 أَتَلْعَبُ مَعَهُ كَٱلْعُصْفُورِ، أَوْ تَرْبِطُهُ لأَجْلِ فَتَيَاتِكَ؟».

(ص 40: 25 في العبراني) ص 3: 8 ومزمور 74: 14 و104: 26 وإشعياء 27: 10 2ملوك 19: 28 وإشعياء 37: 29

أَسَلَةً الأسل عيدان تنبت بلا ورق تُعمل منها الحصر في مصر واحدها أسلة وهي حبل من العيدان كعيدان الحصر والمعنى أن الإنسان لا يقدر أن يضع حبلاً في خطم التمساح أو خزامة في فكه فيقوده كغيره من البهائم.

هَلْ يَقْطَعُ مَعَكَ عَهْداً (ع 4) كالعهد مع العبد العبراني (انظر تثنية 15: 16 و17) ومن المستحيل ان الفتيات (ع 5) يلعبن معه كما مع العصفور.

6 - 11 «6 هَلْ تَحْفُرُ جَمَاعَةُ ٱلصَّيَّادِينَ لأَجْلِهِ حُفْرَةً، أَوْ يَقْسِمُونَهُ بَيْنَ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ؟ 7 أَتَمْلأُ جِلْدَهُ حِرَاباً وَرَأْسَهُ بِإِلاَلِ ٱلسَّمَكِ؟ 8 ضَعْ يَدَكَ عَلَيْهِ. لاَ تَعُدْ تَذْكُرُ ٱلْقِتَالَ! 9 هُوَذَا ٱلرَّجَاءُ بِهِ كَاذِبٌ. أَلاَ يُكَبُّ أَيْضاً بِرُؤْيَتِهِ. 10 لَيْسَ مِنْ شُجَاعٍ يُوقِظُهُ فَمَنْ يَقِفُ إِذاً بِوَجْهِي؟ 11 مَنْ تَقَدَّمَنِي فَأُوفِيَهُ؟ مَا تَحْتَ كُلِّ ٱلسَّمَاوَاتِ هُوَ لِي».

(ص 41: 1 في العبراني) ص 3: 8 ص 9: 5 - 10 و26: 6 - 14 و28: 24 وخروج 19: 5 وتثنية 10: 14 ومزمور 24: 1 و50: 12 و1كورنثوس 10: 26

ٱلْكَنْعَانِيِّينَ أهل كنعان وبما أن كثيرين منهم نزلوا إلى مصر وذهبوا إلى بلاد العرب لأجل التجارة أطلق الاسم «كنعانيون» على جميع التجار. وأما التمساح فلا يصطاد ولا يُقسم للبيع.

إِلاَلِ ٱلسَّمَكِ (ع 7) الحراب الصغيرة المستعملة في صيده. ومن وضع يده عليه (ع 8) يهلك فلا يذكر القتال بعدُ.

يُكَبُّ (ع 9) أي يُقلب على وجهه ويسقط إلى الأرض من يراه فقط.

فَمَنْ يَقِفُ إِذاً بِوَجْهِي (ع 10) ونتيجة الكلام كله إذا كان الإنسان لا يقدر أن يقف أمام التمساح فكيف يقف أمام خالقه.

مَنْ تَقَدَّمَنِي فَأُوفِيَهُ لا يقدر أحد أن يقاوم الله (ع 10) وليس لأحد دعوى عليه كدعوى الدائن على المدين لأن كل شيء للرب ولا يقدر أحد أن يعطيه إلا مما له (انظر مزمور 50: 10 - 12).

12 - 14 «12 لاَ أَسْكُتُ عَنْ أَعْضَائِهِ وَخَبَرِ قُوَّتِهِ وَبَهْجَةِ عُدَّتِهِ. 13 مَنْ يَكْشِفُ وَجْهَ لِبْسِهِ وَمَنْ يَدْنُو مِنْ مَثْنَى لَجَمَتِهِ؟ 14 مَنْ يَفْتَحُ مِصْرَاعَيْ فَمِهِ؟ دَائِرَةُ أَسْنَانِهِ مُرْعِبَةٌ».

من هنا بدأ يوصف التمساح بالتفصيل. وبهجة عدته حراشفه وهي بهجته لأنها توافق الحاجة. ترد الضربة كأنها من نحاس ومع ذلك هي خفيفة ولينة فلا تمنع التمساح عن الدوران والسير في الماء بسرعة عجيبة.

لِبْسِهِ (ع 13) حراشفه ومعنى السؤال أن لا أحد كشف وجه لبسه أي خلعه وذلك لمتانته وإتقان تركيبه (انظر ع 15 - 17).

مَثْنَى لَجَمَتِهِ للتمساح صفان من الأضراس 36 من فوق و30 من تحت وبعضها كأسنان المنشار وحينما يغلق فمه تشتبك الأسنان بعضها ببعض فلا يمكن الخلاص منه.

15 - 17 «15 فَخْرُهُ مَجَانُّ مَانِعَةٌ مُحَكَّمَةٌ مَضْغُوطَةٌ بِخَاتِمٍ. 16 ٱلْوَاحِدُ يَمَسُّ ٱلآخَرَ، فَٱلرِّيحُ لاَ تَدْخُلُ بَيْنَهَا. 17 كُلٌّ مِنْهَا مُلْتَصِقٌ بِصَاحِبِهِ مُتَجَمِّدَةً لاَ تَنْفَصِلُ».

وصف حراشفه أن كلا منها كمجنّ وهي محكمة كأنها مضغوطة بعضها على بعض ومختومة فلا تدخل الريح بينها.

18 - 21 «18 عِطَاسُهُ يَبْعَثُ نُوراً، وَعَيْنَاهُ كَهُدْبِ ٱلصُّبْحِ. 19 مِنْ فَمِهِ تَخْرُجُ مَصَابِيحُ. شَرَارُ نَارٍ تَتَطَايَرُ مِنْهُ. 20 مِنْ مِنْخَرَيْهِ يَخْرُجُ دُخَانٌ كَأَنَّهُ مِنْ قِدْرٍ مَنْفُوخٍ أَوْ مِنْ مِرْجَلٍ. 21 نَفَسُهُ يُشْعِلُ جَمْراً وَلَهِيبٌ يَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ».

ص 3: 9

عظامه قيل أن التمساح يتنفس ويمسك نفَسه حتى ينتفخ فيغطس في الماء ثم يطلع ويُخرج نفَسَه من منخريه مع الماء فيظهر بالشمس كنور ومصابيح وشرار نار ودخان وفي الكتابات المصرية القديمة أن عين التمساح كناية عن الصبح.

22 - 28 «22 فِي عُنُقِهِ تَبِيتُ ٱلْقُوَّةُ وَأَمَامَهُ يَدُوسُ ٱلْهَوْلُ. 23 مَطَاوِي لَحْمِهِ مُتَلاَصِقَةٌ مَسْبُوكَةٌ عَلَيْهِ لاَ تَتَحَرَّكُ. 24 قَلْبُهُ صُلْبٌ كَٱلْحَجَرِ وَقَاسٍ كَٱلرَّحَى. 25 عِنْدَ نُهُوضِهِ تَفْزَعُ ٱلأَقْوِيَاءُ. مِنَ ٱلْمَخَاوِفِ يَتِيهُونَ. 26 سَيْفُ ٱلَّذِي يَلْحَقُهُ لاَ يَقُومُ، وَلاَ رُمْحٌ وَلاَ حَرْبَةٌ وَلاَ دِرْعٌ. 27 يَحْسِبُ ٱلْحَدِيدَ كَٱلتِّبْنِ وَٱلنُّحَاسَ كَٱلْعُودِ ٱلنَّخِرِ. 28 لاَ يَسْتَفِزُّهُ نُبْلُ ٱلْقَوْسِ. حِجَارَةُ ٱلْمِقْلاَعِ تَرْجِعُ عَنْهُ كَٱلْقَشِّ».

ٱلْهَوْلُ الهول الخوف وهو مشبه بخادم يمشي أمام التمساح فيهرب منه كل حي.

مَطَاوِي لَحْمِهِ (ع 23) ما تحت عنقه وبطنه وهي ليست طرية كما في غيره من الحيوانات ولا تتحرك عند مشيه.

كَٱلرَّحَى (ع 24) الرحى الطاحون والمقصود هنا الحجر السفلي من حجري البطن (اطلب «طحن» في قاموس الكتاب) وهو صلب جداً ويظن بعضهم أن المراد هو القلب الحقيقي والأرجح أنه شجاعته.

يَتِيهُونَ (ع 25) يدهشون ويتيهون لاضطراب أفكارهم من الخوف.

لاَ يَقُومُ (ع 26) بالترجمة اليسوعية (لا يثبت أي لا يخرق السيف حراشفه. فلا ينفع السيف والرمح والمزراق في ضربه ولا ينفع الدِرع في مقاومته.

نُبْلُ ٱلْقَوْسِ (ع 28) السهام.

29 - 34 «29 يَحْسِبُ المقمعة (ٱلْمِطْرَقَةَ) كَقَشٍّ وَيَضْحَكُ عَلَى ٱهْتِزَازِ ٱلرُّمْحِ. 30 تَحْتَهُ قُطَعُ خَزَفٍ حَادَّةٌ. يُمَدِّدُ نَوْرَجاً عَلَى ٱلطِّينِ. 31 يَجْعَلُ ٱلْعُمْقَ يَغْلِي كَٱلْقِدْرِ، وَيَجْعَلُ ٱلْبَحْرَ كَقِدْرِ عِطَارَةٍ. 32 يُضِيءُ ٱلسَّبِيلُ وَرَاءَهُ فَيُحْسَبُ ٱللُّجُّ أَشْيَبَ. 33 لَيْسَ لَهُ فِي ٱلأَرْضِ نَظِيرٌ. صُنِعَ لِعَدَمِ ٱلْخَوْفِ. 34 يُشْرِفُ عَلَى كُلِّ مُتَعَالٍ. هُوَ مَلِكٌ عَلَى كُلِّ بَنِي ٱلْكِبْرِيَاءِ».

ص 40: 19 ص 28: 8

المقمعة (ٱلْمِطْرَقَةَ) خشبة يضربه بها الإنسان على رأسه ليذلّه ويهينه.

قُطَعُ خَزَفٍ (ع 30) حراشفه الحادة وأثرها في الطين كأثر نورج.

ٱلْعُمْقَ... ٱلْبَحْرَ (ع 31) هما مياه النهر وكما يحرك العطّار العطر في القِدر هكذا التمساح يحرك مياه النهر وفي سيره و «يُحسب اللج أشيب» من رغوة الماء.

و «بني الكبريا» الوحوش القوية وهو ملك عليها أي هو أقوى منها ولا يخافها.

ومن العلوم الطبيعية الحديثة علم الحيوانات الصغيرة أي الجراثيم التي لا تُرى إلا بالمجهر (المكرسكوب) وهي عجيبة في عددها وتكوينها وحركاتها وتظهر فيها حكمة الله وقدرته كما في الحيوانات الكبيرة.

انتهى كلام الرب وفي كلامه لم يوضح لأيوب وأصحابه الأمور التي أقلقتهم ولعل ذلك للأسباب الآتي ذكرها.

  1. إنهم لا يقدرون أن يفهموا هذه الأمور مهما سمعوا من الإيضاح عنها كما أن الفيلسوف لا يقدر أن يوضح لولد صغير القضايا الهندسية.

  2. إن للتعليم درجات ولكل درجة وقتاً فأعلن الله للقدماء بعض قضايا روحية وأبقى غيرها لجيل آخر فالتعليم بالقيامة والحياة بعد الموت ومجازاة الصالحين والأشرار في الآخرة والفداء وعمل الروح القدس ورد في العهد الجديد بعد تجسد المسيح في ملء الأزمنة.

  3. إنه لعدم وجود الكتاب المقدس وقتئذ أوضح الله للقدماء قدرته وحكمته ومحبته لكل خلائقه من كتاب الطبيعة.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي وَٱلأَرْبَعُونَ

موضوعه خضوع أيوب للرب ورجوعه إلى الهناء والنجاح أكثر مما كان عليه سابقاً.

1 - 6 «1 فَأَجَابَ أَيُّوبُ ٱلرَّبَّ: 2 قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ وَلاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ. 3 فَمَنْ ذَا ٱلَّذِي يُخْفِي ٱلْقَضَاءَ بِلاَ مَعْرِفَةٍ! وَلٰكِنِّي قَدْ نَطَقْتُ بِمَا لَمْ أَفْهَمْ. بِعَجَائِبَ فَوْقِي لَمْ أَعْرِفْهَا. 4 اِسْمَعِ ٱلآنَ وَأَنَا أَتَكَلَّمُ. أَسْأَلُكَ فَتُعَلِّمُنِي. 5 بِسَمْعِ ٱلأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَٱلآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. 6 لِذٰلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي ٱلتُّرَابِ وَٱلرَّمَادِ».

ص 38: 2 مزمور 40: 5 و131: 1 و139: 6 ص 38: 3 و40: 7 ص 26: 14 إشعياء 6: 5

تعلم أيوب من كلام الرب إن الله يستطيع كل شيء وتعلم جودته أيضاً لأن المطر والشمس والأزمنة المثمرة منه وهو يعتني بجميع مخلوقاته وبأيوب أيضاً فلم يصبه شيء إلا بعلم الله وإرادته الصالحة.

فَمَنْ ذَا ٱلَّذِي يُخْفِي ٱلْقَضَاءَ (ع 3) أشار إلى قول الرب (38: 2) «مَنْ هٰذَا ٱلَّذِي يُظْلِمُ ٱلْقَضَاءَ بِكَلاَمٍ بِلاَ مَعْرِفَةٍ» مصدقاً للقول من جهة نفسه وأقرّ بأنه هو الذي كان أخفى القضاء بلا معرفة.

اِسْمَعِ ٱلآنَ (ع 4) ليس المراد أن أيوب أراد أو يعود إلى مثل كلامه السباق بما أن الرب قال له «أسألك فتعلمني» (38: 3) جاوبه أيوب بما معناه «حاشا لي أن أعلم الرب فإني أنا أسأله وهو يعلمني» فبقوله الوجيز عبّر عن خضوعه للرب وقبوله تعليمه بلا اعتراض.

رَأَتْكَ عَيْنِي (ع 5) قال أيوب كتوما الذي لم يصدق ما قاله الرسل رفقاؤه ولكنه قال لما رأى الرب «ربي وإلهي» (يوحنا 20: 26 - 29) ونتعلم من هذا أن الناس لا تقنعهم فصاحة الكلام ولا الحكمة البشرية ولا مجرد مطالعة الكتاب المقدس بل رؤية المسيح بالإيمان.

7 - 9 «7 وَكَانَ بَعْدَمَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ مَعَ أَيُّوبَ بِهٰذَا ٱلْكَلاَمِ أَنَّ ٱلرَّبَّ قَالَ لأَلِيفَازَ ٱلتَّيْمَانِيِّ: قَدِ ٱحْتَمَى غَضَبِي عَلَيْكَ وَعَلَى كِلاَ صَاحِبَيْكَ، لأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ ٱلصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوبَ. 8 وَٱلآنَ فَخُذُوا لأَنْفُسِكُمْ سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبْعَةَ كِبَاشٍ وَٱذْهَبُوا إِلَى عَبْدِي أَيُّوبَ وَأَصْعِدُوا مُحْرَقَةً لأَجْلِ أَنْفُسِكُمْ، وَعَبْدِي أَيُّوبُ يُصَلِّي مِنْ أَجْلِكُمْ لأَنِّي أَرْفَعُ وَجْهَهُ لِئَلاَّ أَصْنَعَ مَعَكُمْ حَسَبَ حَمَاقَتِكُمْ، لأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ ٱلصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوبَ. 9 فَذَهَبَ أَلِيفَازُ ٱلتَّيْمَانِيُّ وَبِلْدَدُ ٱلشُّوحِيُّ وَصُوفَرُ ٱلنَّعْمَاتِيُّ وَفَعَلُوا كَمَا قَالَ ٱلرَّبُّ لَهُمْ. وَرَفَعَ ٱلرَّبُّ وَجْهَ أَيُّوبَ».

ع 1 - 6 وص 40: 3 - 5 ص 1: 5 ص 22: 30

من هنا فصاعداً صار الكلام نثراً كما في أول السفر.

قَالَ لأَلِيفَازَ خاطب الرب أليفاز دون سواه لأنه كان المتكلم الأول مع أيوب وربما كان أكبر المتكلمين سناً. ولا نفهم مما كُتب إن الرب برر أيوب في كل أقواله ولا إنه حكم على أصحابه بالغلط في كل كلامهم بل برر أيوب بعد اعترافه الأخير لأنه لم يخطئ كما قال أصحابه ولعل الرب نظر إلى ضعفه وآلامه وأحزانه فليس لهم هذا العذر وكان همهم أن يثبتوا آراءهم السابقة بغض النظر عن الواقع وأما أيوب فكان يطلب معرفة الحق وإن كان لا يقدر أن يوفق بين الواقع وبين ما رآه في العالم. ولم يقل الأصحاب الصواب (1) لأنهم ادّعوا أنهم عرفوا ما لا يقدر الإنسان أن يعرفه من مقاصد الله (انظر رومية 11: 34) (2) لأنهم نسبوا إلى أيوب خطايا لم يرتكبها فحكموا على من لم يحكم الله عليه (انظر رومية 14: 4) (3) لأن الله محبة وأما هم فحكموا على أيوب بلا محبة وبلا شفقة لكي يثبتوا مبدأهم. ولم يذكر الرب أليهو ربما لأنه لم يكن من الأصحاب الثلاثة الأولين.

عَبْدِي أَيُّوبَ ما أعظم فرح أيوب بهذا اللقب لأنه به عرف أن الرب لم يرفضه.

سَبْعَةَ... سَبْعَةَ (ع 8) السبعة عدد كامل (انظر تكوين 21: 28 وعدد 23: 1).

وَٱذْهَبُوا إِلَى عَبْدِي أَيُّوبَ لعدم وجود كهنة في زمان أيوب حسب نظام موسى وكان أيوب قد مارس منصب كاهن لأهل بيته. وصلى أيوب لأجلهم (1) لأنه كان بمنزلة كاهن (2) لأنهم أخطأوا إليه فعليه أن يغفر لهم (3) لأن الرب قصد رفع وجه أيوب.

لأَنِّي أَرْفَعُ وَجْهَهُ بغفران خطايا أصحابه ورجوعهم إليه وإلى الرب وليس بهلاكهم وابتعادهم عنه.

10 - 17 «10 وَرَدَّ ٱلرَّبُّ سَبْيَ أَيُّوبَ لَمَّا صَلَّى لأَجْلِ أَصْحَابِهِ، وَزَادَ ٱلرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لأَيُّوبَ ضِعْفاً. 11 فَجَاءَ إِلَيْهِ كُلُّ إِخْوَتِهِ وَكُلُّ أَخَوَاتِهِ وَكُلُّ مَعَارِفِهِ مِنْ قَبْلُ وَأَكَلُوا مَعَهُ خُبْزاً فِي بَيْتِهِ، وَرَثُوا لَهُ وَعَزَّوْهُ عَنْ كُلِّ ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي جَلَبَهُ ٱلرَّبُّ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ كُلٌّ مِنْهُمْ قَسِيطَةً وَاحِدَةً، وَكُلُّ وَاحِدٍ قُرْطاً مِنْ ذَهَبٍ. 12 وَبَارَكَ ٱلرَّبُّ آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكْثَرَ مِنْ أُولاَهُ. وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفاً مِنَ ٱلْغَنَمِ، وَسِتَّةُ آلاَفٍ مِنَ ٱلإِبِلِ، وَأَلْفُ زَوْجٍ مِنَ ٱلْبَقَرِ، وَأَلْفُ أَتَانٍ. 13 وَكَانَ لَهُ سَبْعَةُ بَنِينَ وَثَلاَثُ بَنَاتٍ. 14 وَسَمَّى ٱسْمَ ٱلأُولَى يَمِيمَةَ، وَٱسْمَ ٱلثَّانِيَةِ قَصِيعَةَ، وَٱسْمَ ٱلثَّالِثَةِ قَرْنَ هَفُّوكَ. 15 وَلَمْ تُوجَدْ نِسَاءٌ جَمِيلاَتٌ كَبَنَاتِ أَيُّوبَ فِي كُلِّ ٱلأَرْضِ. وَأَعْطَاهُنَّ أَبُوهُنَّ مِيرَاثاً بَيْنَ إِخْوَتِهِنَّ. 16 وَعَاشَ أَيُّوبُ بَعْدَ هٰذَا مِئَةً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَرَأَى بَنِيهِ وَبَنِي بَنِيهِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَجْيَالٍ. 17 ثُمَّ مَاتَ أَيُّوبُ شَيْخاً وَشَبْعَانَ ٱلأَيَّامِ».

تثنية 30: 3 ومزمور 14: 7 و85: 1 - 3 و126: 1 - 6 ص 19: 13 ص 5: 26 وتكوين 15: 15 و25: 8 و35: 29

وَرَدَّ ٱلرَّبُّ سَبْيَ أَيُّوبَ إشارة (1) إلى مصائبه فإنه كان فقد المال وأهل بيته وأصحابه والصحة فأشبه المسبي في بلاد غريبة (2) إلى تسليمه وقتياً ليد الشيطان (1: 12 و2: 6) (3) إلى شكوك أيوب في عدل الله وجودته فإنه خلص منها ليس بحل المشاكل بل برؤية الرب والتسليم له.

لَمَّا صَلَّى لأَجْلِ أَصْحَابِهِ نتعلم (1) إننا بصلواتنا وخدمتنا الآخرين ننال أحسن البركات لأنفسنا (2) أن نغفر للمذنبين إلينا لكي تُقبل صلواتنا (لوقا 11: 4) (3) إن الذين لا يقتنعون بكلام الحكمة البشرية يقتنعون بصلواتنا لأجلهم فالصلاة أحسن رد على الاعتراضات وأحسن حل للمشاكل.

فَجَاءَ إِلَيْهِ كُلُّ إِخْوَتِهِ (ع 11) كانوا ابتعدوا عنه في زمان ضيقه ولعل بعضهم ابتعدوا عنه كما يبتعد الناس عن كل فقير ومصاب ويقتربون إلى كل غني ومفلح وربما بعضهم ظنوا أن الله رفضه لأجل خطاياه فمن واجباتهم أن يبتعدوا عنه فرجعوا عندما عرفوا أن الله قبله.

قَسِيطَةً كلمة عبرانية لم ترد إلا هنا وفي (تكوين 33: 19 ويشوع 24: 32) حيث ذُكر الحقل الذي اشتراه يعقوب في شكيم بمئة قسيطة والظاهر أنها عيار لأن في القديم كانوا يزنون الذهب والفضة وزناً لعدم وجود نقود مسكوكة وكانت هذه العطايا من معارفه بداءة أملاكه الجديدة.

أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفاً مِنَ ٱلْغَنَم الخ (ع 12) إن الأعداد المذكورة ضعف ما كان له في الأول تماماً وهذا مما يدل على أن هذا السفر ليس سفراً تاريخياً بل رواية شعرية مبنية على حوادث حقيقية (انظر المقدمة). ورأى بعضهم إن ذكر البركات الزمنية ليس خاتمة موافقة للسفر. قال يسوع (متّى 5: 11 و12) «طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ... لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» وقال لكنيسة أفسس (رؤيا 2: 7) «مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ شَجَرَةِ ٱلْحَيَاةِ ٱلَّتِي فِي وَسَطِ فِرْدَوْسِ ٱللّٰهِ» وقال بولس (رومية 8: 18) «فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ ٱلزَّمَانِ ٱلْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِٱلْمَجْدِ ٱلْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا» وقال يعقوب (يعقوب 1: 12) «طُوبَى لِلرَّجُلِ ٱلَّذِي يَحْتَمِلُ ٱلتَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ إِكْلِيلَ ٱلْحَيَاةِ» نعم هنالك بركات أفضل جداً من كثرة الغنم والجمال والمؤمنون في العهد الجديد حسبوا هذه الخيرات الجسدية «خسارة... ونفاية» لكي يربحوا المسيح (فيلبي 3: 7 - 11) ولكننا نتذكر أن هذا السفر قديم جداً ولم تُعرف في زمانه كما في أيام العهد الجديد قيمة البركات الروحية المعطاة للمؤمنين في هذه الحياة كسلامة الضمير ومحبة الله والرجاء بالحياة الأبدية والمجازاة العادلة بعد الموت فمن الموافقة أن أيوب يُجازى في هذه الحياة ببركات زمنية ليعرف هو أصحابه إن ما أصابه هو على سبيل الامتحان من الله وليس بسبب خطايا فظيعة.

بَنِينَ... بَنَاتٍ (ع 13) يظن بعضهم أن امرأة أيوب التي كلمته «كإحدى الجاهلات» (2: 9 و10) ماتت فتزوج سواها وأتاه منها بنون وبنات.

يَمِيمَةَ... قَصِيعَةَ معنى الاسم «يميمة» (ع 14) يمامة ومعنى الاسم «قصيعة» سنا وهو نبات أجوده الحجازي ويُعرف بسنا مكة أو السنا المكي. ومعنى الاسم «قرن هفوك» قرن الدهان. وتشير هذه الأسماء إلى جمال المسميات. ونيلهن ميراثاً بين إخوتهن دليل على محبة أبيهن لهن ويُستنتج أيضاً أن ميراثهن بقي مع إخوتهن بعد زواجهن وهذا شاذ عن العادات القديمة.

وَعَاشَ أَيُّوبُ بَعْدَ هٰذَا (ع 16) لم يُذكر عمر أيوب حين أصابته مصائبه ولا مدة دوام المصائب وقيل في الترجمة السبعينية إن عمره كان سبعين سنة لما ابتدأت المصائب والله زاد على عمره 140 سنة وقيل (ع 17) إنه كان شيخاً وشبعان الأيام وهذا يوافق أعمار الناس في زمان إبراهيم. «أَمَّا سَبِيلُ ٱلصِّدِّيقِينَ فَكَنُورٍ مُشْرِقٍ، يَتَزَايَدُ وَيُنِيرُ إِلَى ٱلنَّهَارِ ٱلْكَامِلِ» (أمثال 4: 18).


Call of Hope 
P.O.Box 10 08 27 
D - 70007
Stuttgart
Germany