العودة الى الصفحة السابقة
يَا رَبُّ، ٱفْتَحْ شَفَتَيَّ فَيُخْبِرَ فَمِي بِتَسْبِيحِكَ

يَا رَبُّ، ٱفْتَحْ شَفَتَيَّ فَيُخْبِرَ فَمِي بِتَسْبِيحِكَ

المرشد للصلاة تأملات في نخبة من المزامير 1 - 67 الجزء الأول

اسكندر جديد


Table of Contents

Bibliography
المقدمة
اَلْمَزْمُورُ ٱلأَوَّلُ - السلوك
اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّادِسُ - التوبة
المزمور الثامن - تاج الخليقة
اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّالِثُ عَشَرَ - اختبار القديسين
اَلْمَزْمُورُ ٱلرَّابِعُ عَشَرَ - جهل الملحدين
اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّامِنُ عَشَرَ - نشيد الحمد
اَلْمَزْمُورُ ٱلتَّاسِعُ عَشَرَ - الله في الطبيعة
اَلْمَزْمُورُ ٱلتَّاسِعُ عَشَرَ - شهادات الرب
اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّالِثُ وَٱلْعِشْرُونَ - الراعي الإلهي
اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّالِثُ وَٱلْعِشْرُونَ - تتمة
اَلْمَزْمُورُ ٱلْخَامِسُ وَٱلْعِشْرُونَ - صيحة الأسى
اَلْمَزْمُورُ ٱلْخَامِسُ وَٱلْعِشْرُونَ - اختبار صلاح الله
اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ - الله نور
اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ - تابع
اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّانِي وَٱلثَّلاثُون - عظة مختبر
اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّانِي وَٱلثَّلاثُون - تتمة
اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّامِنُ وَٱلثَّلاثُونَ - الانكسار أمام الرب
اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّامِنُ وَٱلثَّلاثُونَ - تتمة
اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّانِي وَٱلأَرْبَعُونَ - الاشتياق إلى الله
اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّانِي وَٱلأَرْبَعُونَ - تتمة
اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّالِثُ وَٱلأَرْبَعُونَ - أقض لي يا رب
اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّادِسُ وَٱلأَرْبَعُونَ - الله ملجأ وقوة
اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّادِسُ وَٱلأَرْبَعُونَ - تتمة
اَلْمَزْمُورُ ٱلْخَمْسُونَ - ذبائح الحمد
اَلْمَزْمُورُ ٱلْحَادِي وَٱلْخَمْسُونَ - التوبة النصوح
اَلْمَزْمُورُ ٱلْحَادِي وَٱلْخَمْسُونَ - تابع
اَلْمَزْمُورُ ٱلْحَادِي وَٱلْخَمْسُونَ - تابع
اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّالِثُ وَٱلسِّتُّونَ - داود في برية يهوذا
اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّادِسُ وَٱلسِّتُّونَ - تسبيحة الله
اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّادِسُ وَٱلسِّتُّونَ - تتمة
اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّابِعُ وَٱلسِّتُّونَ - الشكر والبركة
مسابقة: يا رب افتح شفتيَّ

List of Tables

1.
2.
3.
4.
5.
6.
7.
8.
9.
10.
11.
12.
13.
14.
15.
16.
17.
18.
19.
20.
21.
22.
23.
24.
25.
26.
27.
28.
29.
30.
31.
32.
33.

Bibliography

يَا رَبُّ، ٱفْتَحْ شَفَتَيَّ فَيُخْبِرَ فَمِي بِتَسْبِيحِكَ. اسكندر جديد. Copyright © 2005 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى . 1993. SPB 3201 ARA. English title: Open my Lips that my Mouth May Declare your Praise. German title: Öffne meine Lippen, daß mein Mund deinen Ruhm verkündige. Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 70007 Stuttgart Germany http://www.call-of-hope.com .

المقدمة

حينما جُمعت الأسفار المقدسة في كتاب واحد، وُضع سفر المزامير في قلب الكتاب. والجميل أن سفر المزامير يبدأ بتطويب الإنسان الذي يحب الله ويسلك في سبله المستقيمة، وينتهي بدعوة كل البشر لتسبيح الله في قدسه، بصوت العود والرباب وصنوج التصويت والهتاف. وقد قال أحد الكتاب في تعليقه على المزامير «قلب الإنسان المؤمن قيثارة في يد الله يوقّع عليها أعذب الألحان». وقال آخر «هذه التسبيحات التي تتخلل سفر المزامير هي تجاوب قلب الإنسان الملهَم مع إعلانات الله في كتب الناموس». فهذا القلب المفعم بحب الله، يستطيع أن يخرج من الفرح والرجاء، كما من الحزن والضيق، أنغاماً عذبة ترفع النفس إلى جبل الشركة مع الله.

وقال أثناسيوس الملقب بالرسولي «باستثناء مزامير النبوّات عن المخلّص والأمم، يمكن للقارئ أن يرتل كلماتها على أنها كلماته، ويترنم كل إنسان بها كأنها كتبت لفائدته. فهي مرآة تكشف كل أعماله». ونجد في المزامير، لا مجرد انعكاس حالة نفوسنا مع الخطية، بل أيضاً صياغة الكلمات المرافقة التي بها نسبح الرب في كل مناسبات حياتنا.

وقال أحد الأتقياء «إننا نجد في سفر المزامير مزيجاً رائعاً من الشعر والموسيقى والصلوات، كأسمى ما يستطيع الإنسان أن يعبر به عن عواطف قلبه وأحاسيس نفسه في مختلف الظروف».

فما أجمل أن تربض النفس المؤمنة، طويلاً في تلك المراعي الخضراء! ثم تقوم وتتمشى في رحابها المليئة بالأزاهير من كل لون. ثم ترد إلى مياه الراحة، التي تخترق تلك المراعي، فتشرب من سواقي الله الملآنة وتروي غليلها.

وإن كانت الأسفار المقدسة التاريخية تقدم لنا الله متكلماً عن الإنسان المخلوق على صورته كشبهه. وإن كانت الأسفار النبوية ترينا الله متكلماً إلى الإنسان، فإن سفر المزامير يقدم لنا الإنسان متكلماً إلى الله، وساكباً نفسه أمام جلاله القدسي، إما بالصلوات والدعاء والتضرع، وإما بالحمد والتسبيح والشكر والثناء على هذا الإله المحب للإنسان.

وسفر المزامير أيضاً سفر نبوي مجيد، فيه تعبيرات كثيرة وردت لروح المسيح، كمشترك في آلام وأحزان الإنسانية وأفراحها ورجائها.

تقسم المزامير إلى خمسة كتب، ينتهي كل منها بتسبيحة وتكرار «آمين». ولعل هذا التقسيم الخماسي صمم هكذا، ليأتي متفقاً مع أسفار موسى الخمسة:

  1. الكتاب الأول: من مزمور 1-41 وهو يوافق سفر التكوين، وموضوعه سقوط الإنسان وعلاجه.

  2. الكتاب الثاني: من مزمور 42-72 يوافق سفر الخروج، وموضوعه خراب الأمة وفداؤها.

  3. الكتاب الثالث: من مزمور 73-89 يوافق سفر اللاويين، وموضوعه القدس.

  4. الكتاب الرابع: من مزمور 90-106 يوافق سفر العدد، وموضوعه الأرض.

  5. الكتاب الخامس: من مزمور 107-150 يوافق سفر التثنية، وموضوعه كلمة الله.

ويرجح علماء الكتاب المقدس أن هذا التقسيم تم في زمن نحميا، والمؤكد أنه كان معمولاً به في الترجمة السبعينية.

أما المراجع التي جمعت منها المزامير فيرجح أن تكون المصادر التالية:

  • مجموعة داود الأولى: من المزمور 1-41.

  • مجموعة داود الثانية: من المزمور 51-72.

  • مجموعة بني قورح الأولى: من المزمور 42-49.

  • مجموعة آساف: المزمور 50 و73-83.

  • مجموعة بني قورح الثانية: المزامير 84-89.

  • مجموعة هللويا: المزامير 105-107، 111-118، 146-150.

  • مجموعة داود الثالثة: المزامير 138-145.

  • أناشيد متفرقة: المزامير 93، 95-100.

وتقسم المزامير بحسب مواضيعها إلى ثمانية أقسام:

  1. مزامير الحمد والتسبيح: 8، 19، 24، 33، 34، 36، 96، 100، 103، 107، 121، 146، 150.

  2. مزامير الشكر لأجل المراحم: 9، 18، 22، 30، 46، 48، 65، 98.

  3. مزامير التوبة: 6، 25، 32، 38، 51، 102، 130.

  4. مزامير السَّفر والارتحال، لتقديم العبادة، وتسمى أيضاً ترنيمات المصاعد وهي: 120، 134.

  5. مزامير تاريخية، تذكر معاملة الله المستقيمة والرحيمة مع خائفيه الراجين رحمته وهي: 78، 105، 106.

  6. مزامير، نبوية ومسيانية، مؤسسة على وعد الله لداود وبيته وهي: 16، 22، 40، 45، 68، 69، 72، 97، 110، 118.

  7. مزامير تعليمية وهي أربعة أقسام: (أ) في خصائص الأبرار والأشرار ونصيبهم وهي: 1، 5، 7، 9، 10، 11، 12، 14، 15، 17، 24، 25 (ب) مزامير تُشيد بجودة شريعة الله، وهي: 19، 119 (ج) مزامير عن بُطل حياة الإنسان وهي: 39، 49، 90 (د) مزامير في واجبات الحكام وهي: 82، 101.

  8. مزامير دعاء الخطاة وأكثرها لداود وهي: 35، 52، 58، 59، 69، 109، 137.

زمن كتابة المزامير

يتميز سفر المزامير عن سائر الأسفار الإلهية بكونه سفراً لا يحده زمن واحد. وبأنه ليس سفر تدبير معين، بل هو يحتوي مجموعة ضخمة من التدابير الإلهية التي تخللت كل العصور. ففيه نرى الخليقة في تكوينها. وعهود الاختبار لأجيال البشر، والكهنوت. والمَلَكية.

ويقول علماء الكتاب المقدس إن بذرة الترانيم كانت موجودة منذ بداية تاريخ شعب العهد القديم. فموسى رنم، وكذا شعبه وكذا مريم اخته والنساء بدفوف ورقص، بعد عبور البحر الأحمر (خروج 15) ورنمت دبورة وباراق على أثر النصرة العظيمة على يابين ملك كنعان (قضاة 5) وأنشدت حنَّة أم صموئيل النبي عندما أعطاها الرب سؤل قلبها (1 صموئيل 2).

ويرجح أن جمع المزامير يعود إلى النهضات الدينية، في أيام حكم داود وسليمان. وقد حدثت بعض الإضافات في عهود النهضات الدينية على عهد يهوشافاط، وحزقيا، ويوشيا.

ليت الرب يباركنا ونحن ندرس هذا السفر المجيد، وينير بوجهه علينا ويقود تأملاتنا وصلواتنا التي نرفعها ونحن في هذا المحراب، الذي يهيئه لنا كلام الله المتضمن في هذه التسابيح. له المجد والقدرة والسلطان إلى الأبد. آمين.

اسكندر جديد

اَلْمَزْمُورُ ٱلأَوَّلُ - السلوك

1طُوبَى لِلرَّجُلِ ٱلَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ ٱلأَشْرَارِ، وَفِي طَرِيقِ ٱلْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وَفِي مَجْلِسِ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ. 2لٰكِنْ فِي نَامُوسِ ٱلرَّبِّ مَسَرَّتُهُ، وَفِي نَامُوسِهِ يَلْهَجُ نَهَاراً وَلَيْلاً. 3فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ جَدَاوِلِ ٱلْمِيَاهِ، ٱلَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ، وَوَرَقُهَا لا يَذْبُلُ. وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ.

4لَيْسَ كَذٰلِكَ ٱلأَشْرَارُ، لٰكِنَّهُمْ كَٱلْعُصَافَةِ ٱلَّتِي تُذَرِّيهَا ٱلرِّيحُ. 5لِذٰلِكَ لا تَقُومُ ٱلأَشْرَارُ فِي ٱلدِّينِ وَلا ٱلْخُطَاةُ فِي جَمَاعَةِ ٱلأَبْرَارِ. 6لأَنَّ ٱلرَّبَّ يَعْلَمُ طَرِيقَ ٱلأَبْرَارِ، أَمَّا طَرِيقُ ٱلأَشْرَارِ فَتَهْلِكُ.

(1) في بداية هذا المزمور يبسط داود مراحل سقوط الإنسان. فهذا المنهج الأثيم الذي يسلكه الضالون، يبدأ بمشورة خاطئة، سرعان ما تؤدي بمن يقبلها إلى السلوك بحسب شهوات الغرور، الذي يؤدي إلى طريق الخطية. هذا التدهور الخلقي، صوَّر الرسول يعقوب مراحله المتتابعة هكذا «كل واحد يُجرَّب إذا انخدع وانجذب من شهوته. ثم الشهوة، إذا حبلت تلد خطية. والخطية إذا كملت، تنتج موتاً». والمصير بعد ذلك، هو الوقوع في قساوة المستهزئين، الذين يسخرون بما لله، ويرفضون كل ما هو حق أو بر ليعملوا كل نجاسة في الطمع.

سلوك، وقوف، جلوس، مشورة، طريق، مجلس، أشرار، خطاة، مستهزئون. إنها ألوان، تدل على تدرج وتقدم وتأصل في الشر. إنها مراحل، تبدو من خلالها المبادئ الشريرة، والممارسات الشريرة، والزمالة الشريرة.

وما أحرانا بعد أن نرفض الشر، مشورةً وسلوكاً وطريقاً ومنهجاً، أن نحيا حياة الله، كما رآها داود نفسه، في سلوك الإنسان المتقي الرب، المسرور جداً بوصاياه. الإنسان الذي يحفظ شهادات الله ومن كل قلبه يطلبه. الإنسان الذي أخضع ضميره لله، وراح يحمده باستقامة قلب، الإنسان الذي زكى طريقه حسب كلام الله، وعاش كما يحق للرب.

(3) هذا الإنسان شبهه المرنم بشجرة مغروسة عند مجاري المياه. وما أروعه من وصف! ُيطلق على الإنسان المتقي الرب. لأن الشجرة رمز الجمال والخير. هكذا قال إرميا النبي: «مُبَارَكٌ ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي يَتَّكِلُ عَلَى ٱلرَّبِّ وَكَانَ ٱلرَّبُّ مُتَّكَلَهُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عَلَى مِيَاهٍ وَعَلَى نَهْرٍ تَمُدُّ أُصُولَهَا، وَلا تَرَى إِذَا جَاءَ ٱلْحَرُّ، وَيَكُونُ وَرَقُهَا أَخْضَرَ، وَفِي سَنَةِ ٱلْقَحْطِ لا تَخَافُ، وَلا تَكُفُّ عَنِ ٱلإِثْمَارِ» (إرميا 17: 7 و8).

ويقيناً أنّ الشجرة التي تمتد جذورها على مجاري المياه، لا بد أن تعطي ثماراً جيدة في أوانها. هكذا المؤمن الذي تأصل في كلمة الله. وتأسس في محبة الله، لا بد أن تكون حياته مثمرة. وأن الله يتمجد، ويسر بثماره. بهذا يتمجد أبي، قال المسيح «أن تأتوا بثمر كثير، فتكونون تلاميذي». نعم، هذا هو إنسان الله المتأهب لكل عمل صالح. لذلك كل ما يعمله ينجح. فيا أخي العزيز، الهج بناموس الرب، ولا تدعه يبرح من فمك. لأنك حينئذ تصلح طريقك وحينئذ تصلح سيرة حياتك.

لنسِرْ حسب كلام الله، الذي هو الوسيلة الوحيدة لإصلاح حياتنا، وإنجاح طرقنا. قال بولس «لتسكُنْ فيكم كلمة المسيح بغنى، وأنتم بكل حكمة معلّمون ومنذرون بعضكم بعضاً، بمزامير وتسابيح وأغاني روحية، مرنمين في قلوبكم للرب».

(4-6) الأشرار متقلقلون في كل طرقهم، تحملهم رياح السوء في كل اتجاه. وتنتهي بهم إلى أهواء الهوان. قد ينجحون في الزمنيات أكثر من الأبرار، لأنهم يقرّون طرق الالتواء لإنجاح أعمالهم. ولكن في حقيقتهم كالتبن لا قيمة لهم. وفي النهاية لا يبطئ هلاكهم. إنهم لن يستطيعوا الوقوف أمام رياح دينونة الله، لتبرير أنفسهم. وإن لم يتوبوا، فسيُطردون من حضرة الله، كما تطرد الريح العاصفة عصافة التبن من البيدر.

الترنيمة

Table 1. 

طُوبَى لِمَنْ لَمْ يَمْشِ فِيمَشُورَةِ ٱلأَشْرَارْ       
مَنْ لَمْ يُجَالِسْ هَازِئاًبِرَبِّهِ ٱلْقَادِرْ       
بَلْ دَائِماً يَلْهَجُ فِينَامُوسِهِ ٱلْطَّاهِرْ       
فَهْوَ كَغَرْسٍ نَابِتٍعَلَى مَجَارِي ٱلْمَاءْ       
أَثْمَارُهُ تُجْنَى كَذَاأَوْرَاقُهُ خَضْرَاءْ       
وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُيَكُونُ فِي نَجَاحْ       
لَيْسَ كَذَلِكَ ٱلأَشْرَارُكَٱلْعَصْفِ فِي ٱلرِّيَاحْ       
لأَنَّ رَبِّي عَالِمٌبِطُرُقِ ٱلأَبْرَارْ       
أَمَّا ٱلَّتِي هَالِكَةفَطُرُقِ ٱلأَشْرَارْ       

الصلاة: يا إلهنا الصالح المحب، نشكرك لأنك إذ رأيتنا في الضلال، منزعجين كغنم لا راعي لها، لم تتركنا في ضلالتنا، بل تحننت علينا ورددتنا إلى سبل البر من أجل اسمك القدوس. ونسألك أيها الرب المنعم أن تتحنّن على كلّ ضال، وفقاً لمشيئتك، التي تريد أنّ الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون. أرسل نورك على كل نفس في بلادنا، حتى لا يبقى أحد في الظلمة، بل يكون له روح الحياة. آمين.

السؤال: 1 - بماذا شبّه كاتب المزامير كلاً من البار والشرير؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّادِسُ - التوبة

1يَا رَبُّ، لا تُوَبِّخْنِي بِغَضَبِكَ وَلا تُؤَدِّبْنِي بِغَيْظِكَ. 2ٱرْحَمْنِي يَا رَبُّ لأَنِّي ضَعِيفٌ. ٱشْفِنِي يَا رَبُّ لأَنَّ عِظَامِي قَدْ رَجَفَتْ، 3وَنَفْسِي قَدِ ٱرْتَاعَتْ جِدّاً. وَأَنْتَ يَا رَبُّ، فَحَتَّى مَتَى!

4عُدْ يَا رَبُّ. نَجِّ نَفْسِي. خَلِّصْنِي مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكَ. 5لأَنَّهُ لَيْسَ فِي ٱلْمَوْتِ ذِكْرُكَ. فِي ٱلْهَاوِيَةِ مَنْ يَحْمَدُكَ؟ 6تَعِبْتُ فِي تَنَهُّدِي. أُعَوِّمُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَرِيرِي بِدُمُوعِي. أُذَوِّبُ فِرَاشِي. 7سَاخَتْ مِنَ ٱلْغَمِّ عَيْنِي. شَاخَتْ مِنْ كُلِّ مُضَايِقِيَّ.

8اُبْعُدُوا عَنِّي يَا جَمِيعَ فَاعِلِي ٱلإِثْمِ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ سَمِعَ صَوْتَ بُكَائِي. 9سَمِعَ ٱلرَّبُّ تَضَرُّعِي. ٱلرَّبُّ يَقْبَلُ صَلاتِي.

(1 و2) منذ آلاف السنين، خرجت هذه الصلاة من شفتي داود. ومنذئذ درج العديد من الناس، على ترديدها. وقد روى التاريخ عن رجال وسيدات، ردّدوا هذه العبارات في أثناء الضيق، وفي غياهب السجون، وعلى فراش المرض، وعلى أعواد المشانق. ولطالما انفرجت شفاه شعراء وفلاحين وملوك عن هذه الطلبة: «يا رب لا توبخني بغضبك، ولا تؤدّبني بغيظك».

إنه المزمور المجيد صرخة القلب المنكسر، الطالب خلاص الله وغفرانه، عالماً أنّ غضب الله لا بد أن يكون له سبب. وكما أنّ الأب الحكيم لا يربي أولاده بغضبه أو بغيظه بل ينتظر إلى أن تخمد ثورة غضبه، هكذا سأل المرنم التائب الله أبا الرأفة وإله كل تعزية، أن يشفق عليه ويعامله بالرحمة.

(3) في الآية الثالثة، يبدأ بالشكوى، ولا تلبث شكواه أن تأخذ شكل العتاب: «نفسي قد ارتاعت جداً، فحتى متى؟» وهذا تعبير عن المرارة في عمقها. وعن فقدان الصبر في أقسى حالاته. فإنّ المعونة التي هو في مسيس الحاجة إليها قد أبطأت. وهو يعلم أنّ جميع عناصر العون تحت إمرة الله الذي التجأ إليه. لهذا راح يتساءل: حتّى متى؟ حتّى متى لا تعود إلى الرضى؟ حتّى متى تحجب وجهك عني؟

هذه التساؤلات لا تعني ضعفاً في الإيمان، ولكنها تحرك الكيان كله في التوسل واستعطاف الله واستصراخ رحمته. وكان هذا كله للبركة، لأنّ السؤال الملح هو نوع من الجهاد. والجهاد لا بد أن يجد جواباً في نهاية المطاف.

(4) يكف المرنم عن شكواه، ويتوقف عن ذكر حاجته ومرضه وضعفه، ويستنجد برحمة الله.. وقد بنى ملتمسه على أساس إعلان الله عن نفسه في (خروج 34: 6-7) «الرب إله رحيم ورؤوف، بطيء الغضب وكثير الإحسان والوفاء حافظ الاحسان إلى ألوف».

(5) حين لاح له شبح الموت، راح يتلمس من الله أن يبقيه حياً، لكي يحمده. صحيح أن الحياة بعد الموت، لم تكن واضحة بالنسبة لبيئة داود الدينية، كوضوحها في العصر المسيحي. لأن المسيح بقيامته أنار الحياة والخلود. صحيح أن داود كانت عنده رؤى نبوية، إلا أنه كان ينظر إلى الموت كلعنة الناموس واحتجاب وجه الله.

(6 و7) هنا يفسح داود المجال، لكل انفعالات نفسه وحزنه العميق للظهور. فبكى وتنهد، بسبب مرارة نفسه، حتى خارت قواه في تنهده. وقد ذكر دموعه كتعبير عن حالة نفسه، في حزنها وتوبتها. وأكرم بالحزن إن كان بحسب مشيئة الله! لأنه إذ ذاك «يُنْشِئُ تَوْبَةً لِخَلاصٍ بِلا نَدَامَةٍ» (2 كورنثوس 7: 10).

إن الحزن بحسب مشيئة الله، ليس مجرد أسف عابر. وإنما هو حزن شخصي يدرك شناعة الخطية، التي ارتكبها الإنسان. وينجم عنه كراهية في النفس لكل أعمال الشر. لهذا يجب علينا أن نتأكد من أنّ حزننا على ارتكاب الخطية، ليس مجرد الأسف لافتضاح أمرنا، أو لما أوقعتنا فيه الخطية من مشاكل ومتاعب، بل الحزن الذي فتح أعيننا لنرى بشاعة الخطية، ويحملنا بالتالي على التصميم على عدم ارتكابها ثانية، وعلى تكريس بقية حياتنا لعمل مشيئة الله.

(8 و9) هنا نرى المرنم القديس وقد ارتفع فوق مستوى المتاعب، لأنّ الرب سمع صوت تضرعه، ومال إليه. وهكذا تغيرت ظروفه، واستكانت نفسه، وثبتت حياته على صخرة الاطمئنان، في حضن عناية الله.

لما كانت عيناه مركزة على متاعبه، خيِّل له أنها مستحيلة التذليل. ولكن إذ تحول عن متاعبه إلى الرب، امتلأت روحه ثقة. كان قلبه قلقاً مضطرباً، بسبب ضعف الإيمان. أما الآن وقد هرع إلى إلهه، فقد بدت له متاعبه هينة.

كم يجب علينا أن نشكر الله لأجل نعمته، المتضمنة في صليب ربنا يسوع المسيح، الذي جسَّد لنا محبة الله الغنية بالرحمة، والتي هي أساس اطمئناننا.

الترنيمة

Table 2. 

أَقْبِلْ إِلَى ٱلْفَادِييَا أَيُّهَا ٱلأَثِيمْ          
فَٱلْرَّحْمَةُ ٱلْعُظْمَىبِدَمِهِ ٱلْكَرِيمْ          
مُفْتَدِي ٱلأَنَامْقَدْ مَحَا ٱلآثَامْ          
جَاعِلاً قِرْمِزَهَاكَٱلثَّلْجِ فِي ٱلأَعْلاَمْ          
إِنَّ دَمَ ٱلْفَادِييُغَسِّلُ ٱلْذُّنُوبْ          
وَرُوحَهُ ٱلْقُدْسِييُطَهِّرُ ٱلْقُلُوبْ          
مَنْ مَاتَ عَنْ إِثْمِيصَلِيبُهُ فَخْرِي          
إِذْ لَيْسَ لِي بِرٌّفَمَوْتُهُ بِرِّي          
أَلْقَاهُ حِينَمَايَأْتِي مِنَ ٱلْسَّمَاءْ          
إِلَيْهِ أَرْتَقِيفِي قُبَّةِ ٱلْهَوَاءْ          
فِي مَجْدِهِ ٱلأَعْلَىأَكُونُ كُلَّ حِينْ          
إِذْ قَدْ مَحَا إِثْمِيبِدَمِهِ ٱلْثَّمِينْ          

الصلاة: أيها السيد الرب إلهنا، نعظم اسمك الكريم ونباركك، لأجل رحمتك التي هي لنا كل يوم. نعترف أمامك بمذنوبيتنا، ونسألك باسم ربنا وشفيعنا يسوع، أن ترحم ضعفنا. وإذا سمحت محبتك بتأديبنا، أن يكون التأديب بعيداً عن غضبك. خلص الجميع من أجل رحمتك، واشفهم من مرض الخطية المتفشي في العالم. آمين.

السؤال: 2 - كيف كانت حال المرنم، حين نظم هذا المزمور؟

المزمور الثامن - تاج الخليقة

1أَيُّهَا ٱلرَّبُّ سَيِّدُنَا، مَا أَمْجَدَ ٱسْمَكَ فِي كُلِّ ٱلأَرْضِ، حَيْثُ جَعَلْتَ جَلالَكَ فَوْقَ ٱلسَّمَاوَاتِ! 2مِنْ أَفْوَاهِ ٱلأَطْفَالِ وَٱلرُّضَّعِ أَسَّسْتَ حَمْداً بِسَبَبِ أَضْدَادِكَ، لِتَسْكِيتِ عَدُوٍّ وَمُنْتَقِمٍ.

3إِذَا أَرَى سَمَاوَاتِكَ عَمَلَ أَصَابِعِكَ، ٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ ٱلَّتِي كَوَّنْتَهَا، 4فَمَنْ هُوَ ٱلإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ وَٱبْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ! 5وَتَنْقُصَهُ قَلِيلاً عَنِ ٱلْمَلائِكَةِ، وَبِمَجْدٍ وَبَهَاءٍ تُكَلِّلُهُ. 6تُسَلِّطُهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ. جَعَلْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. 7ٱلْغَنَمَ وَٱلْبَقَرَ جَمِيعاً، وَبَهَائِمَ ٱلْبَرِّ أَيْضاً، 8وَطُيُورَ ٱلسَّمَاءِ، وَسَمَكَ ٱلْبَحْرِ ٱلسَّالِكَ فِي سُبُلِ ٱلْمِيَاهِ.

(1) في المزمور الثاني، نرى المسيح ملكاً وسيداً على شعبه، أما في هذا المزمور، فنراه كابن إنسان، ملكاً على كل الأرض. وكل شيء تحت قدميه، فهو السيد رئيس ملوك الأرض.

نقرأ في سفر التكوين قول الله في بدء الخليقة «نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا، فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء، وعلى كل حيوان يدب على الأرض» (تكوين 1: 26) ولكن آدم الأول، الممثل للجنس البشري، فشل بسبب العصيان، وفقد السيادة على الأرض. أما آدم الثاني، الذي هو المسيح، فبطاعته أكمل كل بر. وبقيامته المجيدة، أصبح ممثلاً للجنس البشري الجديد. وبفضل ذبيحة نفسه، نال كل مؤمن بفدائه الكرامات والأمجاد المعينة للإنسان. فتم القول النبوي: «أَمَّا ٱلرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِٱلْحُزْنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ ٱلرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ» (إشعياء 53: 10) بمعنى أن الإنسان في المسيح، يحصل على أكثر مما أضاعه آدم.

وجميل جداً، أن يفتتح المزمور بإعلان سيادة الرب كالحاكم الأعلى، إذ جعل مجده فوق السموات. بمعنى أن مجد الله وجلاله لا يسودان على كل الأرض وحسب، بل أيضاً يشملان السموات. بيد أن نص المزمور، يرينا أن الله السيد والحاكم الأعلى، قد وكل الإنسان عنه في السيادة على الخليقة.

(2) وكما أن الرب الإله، يعلن مجده في عظمة السموات هكذا يعلنه في الأطفال، أضعف ممثلي الإنسانية. فالله قادر أن يستخدم الأطفال، للشهادة لعمل نعمته وللتسبيح بحمده. وقد حدث هذا فعلاً، حينما استقبل أطفال أورشليم يسوع رب المجد بالهتاف والتسبيح، قائلين «أوصنا لابن داود» (الإنجيل بحسب متى 21: 16). الأمر الذي أثار حفيظة المنتقدين والمقاومين من الكتبة والفريسيين، الذين قاوموا ربنا يسوع.

(3) رفع المرنم بصره نحو السماء، بما فيها من جلال ومجد الله، ثم حدق في القمر ذي الأشعة الفضية. وتأمل في النجوم المتلألئة والمنتظمة في مداراتها العجيبة والدقيقة. فرأى في كل هذه عمل أصابع الله. ولم يلبث أن انطلق فمه بالتسبيح، لهذا الإله العزيز المقتدر، الذي صنع كل شيء بحكمة.

قال جوناثان إدودوز، الذي حُسب أعظم عقل بعد أرسطو «لقد بدا جلال الله البارع في كل شيء: في الشمس والقمر والنجوم، وفي الطبيعة كلها. لقد خلقها لكي يظهر بواسطتها بعض أمجاده وعظمته. فحين نتأمل الروض النضير والنسيم العليل نرى إحساناته الحلوة، وحين نرى الزهرة الفواحة، أو الزنبقة الخضراء، التي هي انبثاق فرحه، وحين نرى الأنهار البلورية المتدفقة، التي هي وقع أقدامه، والشروق الوردي والشمس اللامعة والغروب الذهبي وقوس قزح، نرى ظلالاً آتية من مجده».

(4) أمام هذه العظمة الفائقة والجلال العظيم، يرى الإنسان نفسه صغيراً حقيراً، فيصرخ «من هو الإنسان حتى تذكره، وابن آدم حتى تفتقده؟» هذا الإنسان ما هو؟ وما هو مقامه في هذا الوجود العظيم الشامل؟ هكذا قال رجل الله أيوب وهو في غمرة مرارة نفسه «مَا هُوَ ٱلإِنْسَانُ حَتَّى تَعْتَبِرَهُ؟» (أيوب 7: 17) إنه قاصر ومحدود من أوجه كثيرة. ومع ذلك فإن الله كلله بالمجد والبهاء، لأنه خلقه على صورته كشبهه. وفي تطلعاته الى مستقبل الإنسان، عين فداءه بأعز ما لديه، ابن محبته الذي به سُرَّ، يسوع المسيح.

هل تدرك الآن قيمة الثمن الذي به اشتراك الله لنفسه، ليجعلك قنية مقدسة؟ إن هذا الامتياز العظيم، الذي خصك الله به يستلزم أن تقابله بإعطاء حياتك لهذا الرب العظيم الذي فداك.

(5) إن ابن الإنسان، الذي اختاره الله لنفسه، حين أخلى نفسه طوعاً للتجسد، تراءى وكأنه انقص من الملائكة. وهذا كما يعلمنا الكتاب المقدس، لكي يذوق الموت، فداءً عن الإنسان. لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. بهذا أتى بالمجد والبهاء، اللذين قصد الله أن يكلله بهما، إكراماً لطاعته وتواضعه، اللذين ذهبا به إلى وضع النفس. هذه الحقيقة أعلنت لنا في بولس، حين كتب لنا مسوقاً بالروح القدس: «فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هٰذَا ٱلْفِكْرُ ٱلَّذِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضاً: ٱلَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ ٱللّٰهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلّٰهِ. لٰكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ ٱلنَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي ٱلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى ٱلْمَوْتَ مَوْتَ ٱلصَّلِيبِ. لِذٰلِكَ رَفَّعَهُ ٱللّٰهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ ٱسْماً فَوْقَ كُلِّ ٱسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِٱسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي ٱلسَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى ٱلأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ ٱلأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ ٱللّٰهِ ٱلآبِ» (فيلبي 2: 5-11).

(6) أجل، إن سيادة الإنسان الأول، التي فقدها، بسبب العصيان، عادت وتحققت بالمسيح يسوع، الذي فدى الإنسان من الخطية، وحرره من عبوديتها. وبذلك أعطاه امتياز القدوم إلى الآب، قديساً وبلا لوم في المحبة. بمعنى أن الإنسان أصبح في عمانوئيل ذا قيمة كبرى، لأن الله فداه بابنه الوحيد.

(7 و8) نرى كاتب المزمور بطبيعة الحال يهتم بالأرضيات. فالغنم والبقر، تشير إلى الحيوانات الأليفة. وبهائم الأرض، تحدثنا عن الحيوانات البرية. ثم سمك البحر وطيور السماء، تحدثنا عن مكانين في الخليقة. السماء فوق، ومن تحتها سبل المياه. ففيما يتعلق بأعلى، يشير إلى أن ملائكة الله تخدم بسرور ابن الإنسان. وفيما يتعلق بأسفل، نقرأ، أن في يد سيدنا وفادينا يسوع مفاتيح الهاوية والموت (رؤيا 1: 18) وأنه ليلذ لنا أن نتأمل في الكلمة الرسولية، القائلة: أن الله أظهر قدرته الفائقة نحونا في المسيح «إِذْ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ، فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُّوَةٍ وَسِيَادَةٍ، وَكُلِّ ٱسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ فِي هٰذَا ٱلدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ أَيْضاً، وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْساً فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، ٱلَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ ٱلَّذِي يَمْلَأُ ٱلْكُلَّ فِي ٱلْكُلِّ» (أفسس 1: 20-23).

الترنيمة

Table 3. 

لاَ يُوجَدُ ٱسْمٌ فِي ٱلسَّماوَٱلأَرْضِ حُلْوٌ سَامِ      
مِثْلُ ٱسْمِ فَادِينَا ٱلسَّنِيمُخَلِّصِ ٱلأَنَامِ      
فَلاِسْمِ فَادِينَا ٱسْجُدُوالأَنَّهُ مَجِيدُ      
وَسَبِّحُوهُ إِنَّهُ ٱلْمُخَلِّصُ ٱلْوَحِيدُ      
إذْ كَتَبُوا عُنْوَانَهُ ٱلْأَسْنَى عَلَى ٱلصَّلِيبِ      
تِلْكَ ٱلْحُرُوفُ أَظْهَرَتْلَفْظَ ٱسْمِهِ ٱلْعَجِيبِ      
يَسُوعُ فِي عَرْشِ ٱلسَّمَايَشْفَعُ فِي ٱلْخُطَاةِ      
فَلْنَأْتِ نَحْوَهُ إِذاًبِٱلْحَمْدِ وَٱلصَّلاَةِ      

الصلاة: أيها الرب سيدنا، ما أمجد اسمك! سبحانك، اللهم سبحانك! لك المجد والقدرة والسلطان. منك النعمة ومنك الرحمة. اللهم نشكرك من كل القلب، لأجل عنايتك بالإنسان. خلقته على صورتك كشبهك، وتوجته على مخلوقاتك. وحين عصى شريعتك، لم ترجفه بغيظك، بل دبرت أمر خلاصه. فلك الحمد الدائم بربنا يسوع المسيح. آمين.

السؤال: 3 - ما هي الامتيازات التي خصّ الله بها الإنسان؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّالِثُ عَشَرَ - اختبار القديسين

1إِلَى مَتَى يَا رَبُّ تَنْسَانِي كُلَّ ٱلنِّسْيَانِ! إِلَى مَتَى تَحْجُبُ وَجْهَكَ عَنِّي! 2إِلَى مَتَى أَجْعَلُ هُمُوماً فِي نَفْسِي وَحُزْناً فِي قَلْبِي كُلَّ يَوْمٍ! إِلَى مَتَى يَرْتَفِعُ عَدُوِّي عَلَيَّ! 3ٱنْظُرْ وَٱسْتَجِبْ لِي يَا رَبُّ إِلٰهِي. أَنِرْ عَيْنَيَّ لِئَلاّ أَنَامَ نَوْمَ ٱلْمَوْتِ، 4لِئَلاّ يَقُولَ عَدُوِّي: «قَدْ قَوِيتُ عَلَيْهِ». لِئَلاّ يَهْتِفَ مُضَايِقِيَّ بِأَنِّي تَزَعْزَعْتُ.

5أَمَّا أَنَا فَعَلَى رَحْمَتِكَ تَوَكَّلْتُ. يَبْتَهِجُ قَلْبِي بِخَلاصِكَ.

هذا المزمور كله، يعبر عن اختبار القديسين، خلال مرورهم في الضيقات. انهم يخرجون من وادي الموت وظلاله إلى ضوء شمس البر. وقد عرف بالاختبار فعلاً، أن المؤمن يخرج من الضيقات والمحن، ممحص الإيمان، قوي الرجاء شديد المحبة.

(1) في بدء المزمور، يسمعنا داود صرخة مؤمن متضايق، يستنجد بإلهه. ويقول ثقات المفسرين، إن داود كتب هذا المزمور حين كان الملك شاول بن قيس يطارده، طالباً نفسه. ومع أنه كان يواجه خطر الموت، إلا أنه لم ييأس. لأن ثقته في عناية الله الحافظة، لم تفارق قلبه. ولكن صرخته هذه ندت عن قلب موحش محطم، لا يرى له خلاصاً من ضيقه المزمن، إلا بتسليم ذاته كاملاً إلى إلهه. ولكن صرخته ارتفعت في تساؤل مفعم بالاستغراب، كيف أن الرب حافظ الأمانة ينساه، ويحجب وجهه عنه، ويغفل عن حاجة قلبه؟

(2) وفي غمرة حيرته، تساءل المرنم: إلى متى يحمل الهموم في نفسه، إلى جانب أحزان قلبه؟ إلامَ يرسم الخطة بعد الخطة، لرفع يد العدو عنه، وتبوء كل خططه بالفشل؟ الأمر الذي يزيد في إكداره. ولعله تساءل أكثر من مرة، لماذا يبقيه الله عرضة لمكايد شاول الملك، الذي لم يكن الله راضياً عنه؟ كيف يرضى رب العدل بانتصار هذا الملك الظلوم عليه، هو الملك الممسوح من الله؟

إن صرخة داود الداوية، هي صرخة كل قديس متوجع في كل جيل. يطلقها في غمرة الضيق، الذي لازم مختاري الله، خلال أيام غربتهم في هذا العالم. لأنه كما قال رسول الأمم بولس «قَدْ وُهِبَ لَكُمْ لأَجْلِ ٱلْمَسِيحِ لا أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً أَنْ تَتَأَلَّمُوا لأَجْلِهِ» (فيلبي 1: 29) وليس للمؤمن في مثل هذه الحال، إلا قبول ما سمح به الله، كعطية محبوبة من يده الكريمة. وعندئذ يسكب الله تعزياته بالروح القدس في قلبه، فيتقوى على احتمال المشقات، ويعرف المسيح في شركة آلامه وقوة قيامته.

(3 و4) بعد التساؤلات، من نوع كيف ولماذا؟ لا يلبث داود أن يتشدد قلبه ويتشجع. لأن النفس، في انكسارها عند قدمي الرب، تجدد قوة، وينتعش إيمانها، فتتمسك بالله وحده. وقد عرف بالاختبار أن اليأس من جدوى المحاولات البشرية يجعل الرب لنا كل شيء. وهذا هو الدرس، الذي تعلمه داود، فبدلاً من صرخته الحزينة، استصرخ الرب الإله قائلاً: «انظر استجب لي».

هذا مثال حري بك أن تتبعه يا أخي الكريم. تمثل بداود، وكف عن محاولاتك الشخصية. وسلم للرب أمورك، كل أمورك. وهو يخرج مثل النور برك، وحقك مثل الظهيرة.

طلب داود من الله أن ينير ذهنه، حتى يستطيع بأشعة الإيمان المتكل على الله، أن يسلك بحكمة ويتغلب على نوم الموت. لكأنه يقول: إن لم تكن معي يا رب، فأنا في الموت والظلام. وهذا يتيح لعدوي أن يشمت بي، الأمر الذي ألتمس أن تجنبني إياه.

(5) في ختام المزمور، يكف داود عن الشكوى. لأن الظلال المخيفة امّحت، وأطلت عليه شمس البر والشفاء في أجنحتها. فتزكى عنده الإيمان، وراح يعتمد على رحمة الله. والإيمان المعتمد على رحمة الله، يقابل بخلاص الله. وخلاص الله، يبهج النفس. ومما لا ريب فيه، هو أن الصلاة التي رفعها داود في الآية الثالثة، قد أنعشت إيمانه، وزادت رجاءه قوة، ومحبته لله اشتعالاً.

صلِّ يا أخي، فالصلاة هي الأجنحة، التي تحملنا، وترتفع بنا من أجواء اليأس المعتمة، إلى جو الرجاء المشرق بأنوار يسوع، كوكب الصبح المنير. وبالصلاة يتسع ميدان إيماننا فيعمل ويقتدر كثيراً في فعله.

صلِّ فبالصلاة تستصرخ قلب الله، فيأتيك العون سريعاً من لدنه. وبذلك يتمجد اسم الفادي الرب، الذي قال: ينبغي أن يصلى كل حين ولا يمل... صلوا لكي لا تدخلوا في تجربة.

الترنيمة

Table 4. 

لاَ تَغُضَّ ٱلْطَرْفَ عَنِّيأَيُّهَا ٱلْفَادِي        
أَعْطِنِي حِينَ أُصَلِّينُورَ إِرْشَادِي        
يُا مُنَّجِي يَا مُنَّجِيأَنْتَ سُلْوانِي        
ثَغْرُكَ ٱلْبَسَّامُ يَشْفِيضُعْفَ إيمَانِي        
سَائِلٌ نُعْمَاكَ يَلْقَىيَا أَبَا ٱلرَّحْمَة        
مِنْ لَدُنْ عَرْشِكَ حَالاًوَافِرَ ٱلنِّعْمَة        
إِنَّمَا جُلُّ مُرَادِيوَجْهُكَ ٱلوَّضَاحْ        
فَاشْفِ جُرْحِي بِٱلْحَشَايَا مُنْيَةَ ٱلأَرْوَاحْ        
أَنْتَ يَا نَبْعَ سُرورِيمَعْدِنُ ٱلأَلْطَافْ        
أَنْتَ لِي خَيْرُ نَصِيبٍيَا سَنِي ٱلأَوْصَافْ        

الصلاة: أيها الآب، رب السماء. نشكرك لأجل لطفك المحيط بنا. علمنا أن نلجأ إليك، في وقت الضيق. شدد إيماننا، لنثق في عنايتك أيها الرحوم. لا تغض الطرف عنا، بل انظر إلينا نظرة الآب المترأف، الذي يحنو ويرحم. لا تسمح لنا بأن نستمر في الشكوى والأنين، بل الهمنا أن نضع كل صعوباتنا وأحزاننا عند قاعدة صليب ابن محبتك. ولك منا الشكر الدائم. آمين.

السؤال: 4 - عمّ يعبر المزمور الثالث عشر، وماذا تناولت تساؤلات داود؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلرَّابِعُ عَشَرَ - جهل الملحدين

1قَالَ ٱلْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: «لَيْسَ إِلٰهٌ». فَسَدُوا وَرَجِسُوا بِأَفْعَالِهِمْ. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاحاً. 2اَلرَّبُّ مِنَ ٱلسَّمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي ٱلْبَشَرِ، لِيَنْظُرَ: هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ ٱللّٰهِ؟ 3ٱلْكُلُّ قَدْ زَاغُوا مَعاً، فَسَدُوا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاحاً، لَيْسَ وَلا وَاحِدٌ.

في العهد الجديد، أطل القدير على الدنيا في عمانوئيل، وصار الله معنا. وبعد أن صنع بنفسه فداءً لشعبه، صعد إلى السماء. وأرسل روحه القدوس، ليكون مع الجيل البار المولودين من الله، ويمكث معهم ويكون فيهم. وحيث يمكث روح المسيح، تسكن المعرفة، وينتفي الجهل. وعلى ضوء المعرفة النازلة من فوق، تظهر جهالة أدعياء الفلسفة، من كفرة وملحدين.

(1) يستهل داود هذا المزمور بوصف الكفرة، الذين لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم. فينعتهم بالجهل، والجاهل في إصطلاح الكتاب المقدس هو الأحمق، الذي انحرف أدبياً. ولعل أكثر النعوت انطباقاً على هؤلاء، ما جاء على لسان رسول الأمم بولس، إذ قال «لَمَّا عَرَفُوا ٱللّٰهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلٰهٍ، بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ، وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ ٱلْغَبِيُّ. وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلاءَ» (رومية 1: 21 و22).

ويقيناً أنه لجاهل وأحمق، هذا الذي ينكر وجود الله «لأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ ٱلْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ ٱلْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ ٱلسَّرْمَدِيَّةُ وَلاهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِٱلْمَصْنُوعَاتِ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلا عُذْرٍ» (رومية 1: 20).

وهذا الإقرار الجاحد، ليس مجرد إنكار نظري لوجود الله، بل كفر عملي. كأن القائلين به يتصرفون، كما لو لم يكن هناك إله. أمثال هؤلاء يعيشون، ولا تفكير لهم إلا في الأرضيات. إنهم أرضيون، ومن الأرض يتكلمون. لقد تحولوا عن الله، وراحوا يعيثون في الأرض فساداً. وقد وصفتهم الكلمة الرسولية: «مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَزِناً وَشَرٍّ وَطَمَعٍ وَخُبْثٍ، مَشْحُونِينَ حَسَداً وَقَتْلاً وَخِصَاماً وَمَكْراً وَسُوءاً، نَمَّامِينَ مُفْتَرِينَ، مُبْغِضِينَ لِلّٰهِ، ثَالِبِينَ مُتَعَظِّمِينَ مُدَّعِينَ، مُبْتَدِعِينَ شُرُوراً، غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ، بِلا فَهْمٍ وَلا عَهْدٍ وَلا حُنُّوٍ وَلا رِضىً وَلا رَحْمَةٍ. ٱلَّذِينَ إِذْ عَرَفُوا حُكْمَ ٱللّٰهِ أَنَّ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ هٰذِهِ يَسْتَوْجِبُونَ ٱلْمَوْتَ، لا يَفْعَلُونَهَا فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً يُسَرُّونَ بِٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ» (رومية 1: 29-32).

والعجيب في مفكري هذا الدهر، أنهم يحسبون المؤمنين بالله جهلة أغبياء، لسبب وحيد هو أنهم لا يشتركون معهم في الشهوات وإدمان الخمر والبطر. وقد أشار الرسول بطرس إلى هذا الأمر، إذ قال «يَسْتَغْرِبُونَ أَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَرْكُضُونَ مَعَهُمْ إِلَى فَيْضِ هٰذِهِ ٱلْخَلاعَةِ عَيْنِهَا، مُجَدِّفِينَ» (1 بطرس 4: 4).

(2) مساكين هؤلاء المتغابون، لأنهم بسبب انكبابهم على الشهوات الردية أظلمت قلوبهم، فنسوا أن الله يعرف هذه الحالة السيئة التي صاروا إليها. والتي رسمت هلاكهم إن لم يتوبوا. لأنه يشرف على جميع البشر، ويعلم سرائرهم وما تكنه صدورهم.

والرب نفسه يقدم شهادته عن شر الإنسان، إذ نقرأ في كتابه العزيز «وَرَأَى ٱلرَّبُّ أَنَّ شَرَّ ٱلإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي ٱلأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَّوُرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ. فَحَزِنَ ٱلرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ ٱلإِنْسَانَ فِي ٱلأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ» (تكوين 6: 5-6) إن هذا التعبير عن حزن الرب، هو مجرد تعبير بلغة البشر، يبين أن موقف الله بالنسبة للإنسان الأثيم، لا بد أن يختلف عن موقفه بالنسبة للإنسان المطيع.

ومع أنه له المجد، يعرف قلوب الناس معرفة تامة، فإنه يلاحظ تصرفات الناس. وإذ يتطلع من السماء، يراقب كل نفس بشرية، ليرى هل يوجد من يفهم حقيقة نفسه؟ هل يصحو أحدهم من ثبات نوم الموت، ويرى ما وصلت إليه حاله من سوء وتعاسة، بسبب انحرافه عن الله؟ هل يوجد من يتحرر من إثم الخطية ولعنتها، ليطلب الله؟

(3) الكل زاغوا عن الله، وحادوا عن وصاياه فوق فسادهم خلقياً. إلى درجة أنهم لا يستطيعون أن يعملوا صلاحاً. إنهم وبكل أسف، لم يطلبوا الله. ولم يكترثوا به، بل زاغوا عنه ففسدوا. أنتنوا روحياً، وأنتنوا أدبياً. وتراكضوا وراء شهواتهم الردية. هذه حالة الناس منذ السقوط، إن شرهم في ازدياد جيل بعد جيل. والله نفسه، هو الشاهد لأنه فاحص القلوب والكلى.

ولكن حتى في وجود حالة مخيفة كهذه، فللعالم تعزية وخلاص من حالته المتردية. فإن وجد من يفهم ويطلب الله، يجد نعمة الله المخلصة، التي تعلم الناس، أن ينكروا الفجور والشهوات العالمية. ويعيشوا بالتعقل والبر والتقوى (تيطس 2: 13) هذه النعمة أعطيت بالمسيح يسوع، الذي فيه صار الله طالب الإنسان. فشكراً لله الذي جاء في المسيح، لكي يطلب ويخلص ما قد هلك.

الترنيمة

Table 5. 

سَالِكاً سُبْلَ ٱلضَّلاَلِكُنْتُ فِي ٱلدُّنْيَا أَهِيمْ        
فَبَدَا لِي فِي ٱلأَعَالِيوَجْهَ فَادِيَّ ٱلْكَرِيمْ        
سَبِّحُوا فَادِي ٱلأَنَامِكَوْكَبَ ٱلْحُبِّ ٱلْعَجِيبْ        
سَبِّحُوا عَلَى ٱلدَّوامِذَلِكَ ٱلْفَادِي ٱلْحَبِيبْ        
مُثْقَلاً كُنْتُ بِضُعْفِييَائِساً مِنْ ذَا ٱلْوُجُودْ        
فَدَنَا مِنِّي بِلُطْفٍفَاتِحاً بَابَ ٱلْخُلُودْ        
قَالَ ٱدْخُلْ بِسَلاَمٍلِحِمَى ٱلرَّاعِي ٱلأَمِينْ        
وَمَعِي سِرْ فِي ٱلأَنَامِكَيْ نُعِينَ ٱلْبَائِسِينْ        
فَلَهُ أَسْكُبُ قَلْبِيوَقُوَايَ وَٱلْحَيَاةْ        
حُبُّهُ أُضْرِمَ فيَّوَهَدَانِي لِلإلَهْ        

الصلاة: أيها الرب العلي الحاضر في كل مكان، والقادر على كل شيء. لك يسجد القديسون، وإياك تعبد الملائكة. اللهم اغفر لنا غفلتنا وفتور محبتنا. اللهم زدنا اقتراباً منك. اللهم زد إيماننا. اللهم اسكب علينا روح الصلاة، وعلمنا أن نصلي. زد محبتنا بعضنا لبعض، كما أحبنا المسيح. اللهم انشر سلامك في ربوعنا. هذا نطلبه باسم فادينا يسوع. آمين.

السؤال: 5 - ما هو الوصف الذي أطلقه المرنم على الكفرة؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّامِنُ عَشَرَ - نشيد الحمد

1أُحِبُّكَ يَا رَبُّ يَا قُوَّتِي. 2ٱلرَّبُّ صَخْرَتِي وَحِصْنِي وَمُنْقِذِي. إِلٰهِي صَخْرَتِي بِهِ أَحْتَمِي. تُرْسِي وَقَرْنُ خَلاصِي وَمَلْجَإِي. 3أَدْعُو ٱلرَّبَّ ٱلْحَمِيدَ فَأَتَخَلَّصُ مِنْ أَعْدَائِي. 4اِكْتَنَفَتْنِي حِبَالُ ٱلْمَوْتِ، وَسُيُولُ ٱلْهَلاكِ أَفْزَعَتْنِي. 5حِبَالُ ٱلْهَاوِيَةِ حَاقَتْ بِي. أَشْرَاكُ ٱلْمَوْتِ ٱنْتَشَبَتْ بِي. 6فِي ضِيقِي دَعَوْتُ ٱلرَّبَّ وَإِلَى إِلٰهِي صَرَخْتُ، فَسَمِعَ مِنْ هَيْكَلِهِ صَوْتِي، وَصُرَاخِي قُدَّامَهُ دَخَلَ أُذُنَيْهِ. 7فَٱرْتَجَّتِ ٱلأَرْضُ وَٱرْتَعَشَتْ أُسُسُ ٱلْجِبَالِ. ٱرْتَعَدَتْ وَٱرْتَجَّتْ لأَنَّهُ غَضِبَ.

هذا المزمور يكشف جانباً من اختبارات داود، التي مر بها خلال السنين القاتمة، يوم كان شاول يطارده. وهذا المزمور موجود بكامل نصه تقريباً في صموئيل الثاني الأصحاح الثاني والعشرين، منسوباً أيضاً لداود.

(1) يستهل المرنم هذا المزمور بالتسبيح، فهو بحق نشيد حمد وتعظيم الله الحي. ويطلق المرنم تسبيحته من قلب، معترف لله بجميله. ويقابل عنايته القوية التي خلصته بمحبة عميقة، تتناسب مع جودة الله وإحساناته. ويقر بأن ما يتمتع به من قوى معنوية وأدبية وروحية تعينه على الثبات، هي من الله. ولذلك هو يحبه بشدة.

(2) يشيد النبي الملهم بعظمة الإله الحي، ويعبر عن ثقته فيه بستة ألقاب، كلها تظهر قوته:

  1. صخرة: فالرب غير متزعزع ولا متغير. لذلك يمكن الركون إليه، ويليق به أن يلقب بصخرة الإيمان. والكلمة في اللغة التي كتبت بها المزامير، تعني شق صخرة وهي ترمز إلى الارتفاع والمناعة والقوة والثبات.

  2. حصن: والحصن هو المعقل الأمين، الذي يختبئ فيه الإنسان ليكون في مأمن من أعدائه. فالله معقل لكل قديسيه، المحتمين به في كل الأجيال. وبهذا المعنى، يكتب الرسول لمؤمني فيلبي «وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع» (فيلبي 4: 7).

  3. المنقذ: ينقذ أتقياءه من الخطر المحدق بهم، حين تعجز كل الوسائل عن انقاذهم. هذا ما عرفه داود بالاختبار فكتب في مزموره الحادي والثلاثين «أما أنا فمسكين وبائس. الرب يهتم بي، عوني ومنقذي أنت».

  4. ترس: والترس للدفاع والحماية. يرد ضربات العدو، ويحمي المقاتل من سهامه. وهنيئاً لمن جعل الرب حامياً له، فإنه لا يتزعزع.

  5. قرن خلاص: أو قوة خلاص للهجوم على العدو، والانتصار عليه. تسلح بالرب يا أخي ضد عدو النفوس الغاشم فينهزم.

  6. ملجأ: والملجأ هو المعقل المبني على المرتفع، بحيث لا يستطيع العدو أن يصل إليه. الله ملجأ لنا وقوة، قال المرنم في مزمور آخر. وبما أن الله ملجأنا فلا نخاف مهما كانت الحال سيئة والظروف معاكسة.

(3) هذا هو الرب الذي به يليق الحمد والتسبيح. وإليه يلتجئ المضطر والبائس والمطارد، لينال الخلاص. هذه التعبيرات في مدلولها القوي، تظهر مدى اتكال داود على إلهه، الذي اختبر رحمته، ووثق فيه. فهل لك مثل هذا الاختبار، أيها المصلي طالب الله؟ هل تستطيع أن تقول مع إمام المرنمين: إن الرب الذي دعوته في ضيقي، وصرخت إليه في صلواتي، قد أنقذني من البلايا. لذلك سأظل أطلبه، وأدعوه بالحمد وتسابيح الفرح؟

(4 و5) يحدثنا داود عن اختبار قاس، مرت فيه نفسه. كان شاول قد أمر عبيده بقتل داود، فقال في قلبه: إني سأهلك يوماً بيد شاول (1 صموئيل 19: 1، 21: 1) فمن هنا يصور الموت كصياد، ينصب شباكه لاقتناص الفريسة، فتصور الموت، في أرعب وجوهه.

وأنت يا أخي، هل تخاف الموت؟ يمكنك أن تتخلص من هذا الخوف بلجوئك إلى الرب يسوع الذي في يده مفاتيح الموت والهاوية، والذي أعطى كل الذين قبلوه القوة على مواجهة الموت بكل فرح. وبالحق فإنّ الموت بالنسبة لمفديي يسوع، ليس سوى خادم ينقلهم من دار الفناء إلى دار البقاء فدعه إذن يعمل ما يشاء، فأنت بالمسيح قد انتقلت من الموت إلى الحياة.

(6) نتعلم من اختبار داود، أن الصلاة هي المفتاح الوحيد، الذي يفتح السماء بكفاية ربنا يسوع وشفاعته. إنها وسيلة اتصالنا بالله، واتصال الله بنا في كل حين وفي كل الظروف والأحوال. وكما سمع الرب صراخ داود من هيكل قدسه. هكذا يسمع تضرعات كل المؤمنين. كما أن قيثارات السماء وتسبيحات الملائكة، لا تمنع وصول صلواتنا إلى أذني رب الجنود.

(7) تحدثنا الآية السابعة عن تدخل الله بقوته لإنقاذ فتاه، الذي استصرخ قلبه الإلهي. فارتجاج الأرض وارتعاش الجبال هنا، يشير إلى تحرك الله لإنقاذ تقيه. هي عبارات استعارية، صور بها الكاتب قدرة الله على خلاصه وتدمير أعدائه.

الترنيمة

Table 6. 

أُحِبُّكَ يَا رَبُّ يَا قُوَّتِيفَإِنَّكَ حِصْنٌ بِهِ أَحْتَجِبْ      
حِبَالُ ٱلْهَوايَا قَدْ ٱحْتَطْنَ بِيوَفَخُ ٱلْمَنَايَا أَمَامِي نُصِبْ      
طَرِيقُ إِلَهِ ٱلْعُلَى كَامِلٌوَقَوْلُ ٱلإِلَهِ شَرِيفٌ نَقِي      
وَلَيْسَ إِلَهٌ لَنَا غَيْرَهُسِلاَحٌ وَتِرْسٌ بِهِ نَتَّقِي      
إِلَهٌ يُمَنْطِقُنِي بِٱلْقُوىوَيَجْعَلُ طُرُقِي مِنَ ٱلْكُمَّلِ      
وَيَرْفَعُنِي فَوْقَ أعْلَى ٱلذُّرَىوَيَجْعَلُ رِجْلَيَّ كَٱلإِيَلِ      
لِذَلِكَ أَحْمَدُهُ إِنَّهُخَلاَصُ مَسِيحٍ لَهُ يُعْتَمَدْ      
خَلاَصٌ لِكُلِّ بَنِي شَعْبِهِيَنَالُونَ رَحْمَتَهُ لِلأَبَدْ      

الصلاة: أيها الرب القدوس الصالح. نشكرك لأجل محبتك، التي سكبتها في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا. لأننا بهذه المحبة نستطيع أن نحبك من كل قلوبنا ومن كل فكرنا ومن كل قدرتنا. وأن نحب قريبنا كنفسنا، وأن نحب عدونا كقريبنا. نسألك باسم ربنا يسوع المسيح، شفيعنا أمامك، أن تشيع هذه المحبة في قلوب جميع الناس، لكي ينبذوا الخصومات لأجل الأشياء الفانية. علم الجميع أن يلجأوا إليك لحل كل المشاكل والصعوبات، باسم ربنا ومخلصنا يسوع نسأل هذا. آمين

السؤال: 6 - ماذا تتعلم من اختبارات داود التي أشار إليها في هذا القسم من المزمور 18؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلتَّاسِعُ عَشَرَ - الله في الطبيعة

1اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ ٱللّٰهِ، وَٱلْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ. 2يَوْمٌ إِلَى يَوْمٍ يُذِيعُ كَلاماً، وَلَيْلٌ إِلَى لَيْلٍ يُبْدِي عِلْماً. 3لا قَوْلَ وَلا كَلامَ. لا يُسْمَعُ صَوْتُهُمْ. 4فِي كُلِّ ٱلأَرْضِ خَرَجَ مَنْطِقُهُمْ، وَإِلَى أَقْصَى ٱلْمَسْكُونَةِ كَلِمَاتُهُمْ. جَعَلَ لِلشَّمْسِ مَسْكَناً فِيهَا، 5وَهِيَ مِثْلُ ٱلْعَرُوسِ ٱلْخَارِجِ مِنْ حَجَلَتِهِ. يَبْتَهِجُ مِثْلَ ٱلْجَبَّارِ لِلسِّبَاقِ فِي ٱلطَّرِيقِ. 6مِنْ أَقْصَى ٱلسَّمَاوَاتِ خُرُوجُهَا، وَمَدَارُهَا إِلَى أَقَاصِيهَا، وَلا شَيْءَ يَخْتَفِي مِنْ حَرِّهَا.

يبدو ان داود في أثناء تمرسه برعاية القطعان، قد درس سفر الطبيعة إلى جانب سفر الشريعة. وكان في كليهما تدريب عميق لنفسه. فقد رأى جلال الله وعظمته في الكواكب، التي ترصع السماء. ورأى حكمة الخالق في مدارات الكواكب بنظامها العجيب، الذي يدل على قدرة الرب الإله.

(1) نظر إمام المرنمين إلى الفضاء، فإذ هو مزدحم بملايين الكواكب والمجرات المنتشرة الضوء، وكأنها بقعات بيضاء لامعة. وتأمل في الفلك، فرأى أن عظمة الخالق، تتجلى في أنه رتب كل شيء بمقادير مضبوطة، بحيث لو تغيرت هذه المقادير ينفجر الكون كله. وهذا التأمل في السماء، يلهم الناظر أن يرى الله فيها. لأن كل ما فيها يحدثنا عن مجده، ويكلمنا عن عمل يديه، اللتين صنعتا كل شيء بقدرة وحكمة.

(2) إن شهادة السموات لمجد الخالق متواصلة كل يوم، لأن تعاقب الليل والنهار، يسرد علينا نفس القصة. فالنهار لا تتوقف أحاديثه عما ترسله الشمس من نور ودفء. فنرى العقل الإلهي الكبير من وراء هذا الكون يتحكم بمداراتها. وإذ يقبل الليل بقمره ونجومه، يقدم لنا أجمل الصور. ويحدثنا عن عناية هذا الخالق العظيم بما صنعته يداه.

(3) إن تلك الأجرام لا تتكلم، ولا يُسمع لها صوت ولكن في وسعك أن تسمع صوت الله من خلالها. إذ يكفي أن ترفع بصرك إلى السماء في وسط النهار. وتنظر إلى الشمس والسحب المتجمعة حولها، لتقف على أدلة تبرهن حقيقة وجود الله صانع السموات والأرض.

وحين يلف الليل أرضنا بوشاحه القاتم، تطل عليك تلك المجموعات المتنوعة من النجوم، وهي تتحرك في كبد السماء بدقة متناهية، وبمواعيد ثابتة دقيقة. وحينئذ تسمع صوت الله بدون كلام، وتدرك وتتيقن بأن خلف هذا الكون العجيب عقلاً إلهياً.

(4 و5) نعم، إن كانت هذه الأجرام لا تتكلم بصوت مسموع فهي في صمتها رسالة بليغة جداً. وكما أن للإنسان لغة يعبر بها عن حاجاته ومشاعره، هكذا السماء لها لغتها التي ليس لها إلا حديث واحد، أن تشهد لمجد الله وعظمته وجلاله. وحديثها ليس موجهاً إلى شعب دون شعب، بل هو موجه إلى كل شعب وأمة، ليعرف الجميع الله. لذلك فالناس بلا عذر، إن لم يعرفوا الله. حتى الوثنيين بلا عذر، إن لم يروا أمور الله غير المنظورة في خليقته المنظورة.

وإن كانت خليقة الله، تشهد بوجود الله. فهي في ذات الوقت شاهدة على كل الذين ينكرون وجوده. ولن يتبرروا أمام المحاكم الإلهية. لكونهم بلا عذر. لأن الله، أظهر لهم أموره، ومنطقها امتد إلى أقصى الأرض بحيث لا يوجد إنسان لم تصله شهادتها.

لقد ركز المرنم على الشمس بصورة خاصة، ووصف عملها الذي هو عجيبة أبدية جديرة بالتأمل. لأنها ترسل النور والدفء إلى كل مكان. وهي تذكرنا بشمس البر يسوع ربنا، الذي يشرق بنوره على النفس، التي لفتها حلكة ظلام الإثم. فلا تبقى في الظلمة، بل يكون لها نور الحياة ويسوع ربنا، سوف يستعلن كالعريس وكالجبار في يومه، حين يأتي بقوة وبمجد كثير، ويبارك المسكونة.

وسيبتهج العريس، حين تختطف عروسه الكنيسة في السحب لملاقاته في الهواء. وسيرى الجميع مجده آتياً في السحاب، تحف به الملائكة.

(6) تدور أرضنا حول الشمس، وتتلقى نورها وحرارتها. فتعطي الشمس حياة لكل كائن. وهذا الدوران المنتظم، يوصل النور والحرارة إلى كل جزء من أجزاء الأرض، بحيث لا يحرم مكان من فوائدها. وهي تعطي مقادير معينة بحيث لو حصل أي خلل تتغير معالم الحياة.

فهذه شهادة الطبيعة لله. وحبذا لو أن كل إنسان يسمع إلى هذه الشهادة. فيتراءى له الله. ليمجده كإله ويتعبد له.

الترنيمة

Table 7. 

يَا نَفْسِ قُومِي بِٱلْعَجَلْهَا قَدْ بَدَتْ شَمْسُ ٱلْصَّبَاحْ        
خَلِّي ٱلْتَّوَانِي وَٱلْكَسَلْوَٱسْعَي إِلَى رَبِّ ٱلْصَّلاَحْ        
يَا مَنْ وَهَبْتَ ٱلآنَ لِيشَمْساً لِمَحْوِ ٱلْظُلْمَةِ        
أَشْرِقْ بِنُورِكَ ٱلْجَلِيوَٱمْحُ دُجَى خَطِيَّتِي        
يَا رَبِّ دَرِّبْ سُبُلِيوَكُنْ لِقَلْبِي نَاظِرَا        
وَٱجْعَلْ فُؤَادِي يَمْتَلِيرُوحاً وَدِيعاً طَاهِرَا        
وَٱجْعَلْ قُوَايَ وَٱلْفِكَرْوَكُلَّ قَوْلِي وَٱلْعَمَلْ        
تَؤُولُ يَا رَبَّ ٱلْبَشَرْلِمَجْدِكَ ٱلْسَّامِي ٱلأَجَلْ        
حَتَّى إِذَا حَانَ ٱلْرَحِيلْمِنْ ذِي ٱلْدِّيَارِ ٱلْفَانِيهْ        
أَكُونُ يِا رَبُّ نَزِيلْتِلْكَ ٱلْدِّيَارِ ٱلْبَاقِيهْ        

الصلاة: أيها الآب رب السماء، نشكرك لأنك في مراحمك ترسل أشعة شمسك إلى الأشرار والصالحين. وترسل أمطارك على الأبرار والظالمين. ونشكرك بنوع خاص، لأجل يسوع ابنك شمس البر وكوكب الصبح المنير، الذي يرسل نوره وحقه إلى قلوبنا المظلمة فينيرها. ويطيب لنا أيها الرب الكريم، أن نسبحك ونهلل لك، لأنك أعددت لنا خلاصك. فافتح عيوننا لنرى مجدك، في قدرتك وحكمتك في هذا الكون العجيب، الذي صنعته يداك. آمين.

السؤال: 7 - كيف رأى داود مجد الله بحسب نص هذا المزمور؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلتَّاسِعُ عَشَرَ - شهادات الرب

7نَامُوسُ ٱلرَّبِّ كَامِلٌ يَرُدُّ ٱلنَّفْسَ. شَهَادَاتُ ٱلرَّبِّ صَادِقَةٌ تُصَيِّرُ ٱلْجَاهِلَ حَكِيماً. 8وَصَايَا ٱلرَّبِّ مُسْتَقِيمَةٌ تُفَرِّحُ ٱلْقَلْبَ. أَمْرُ ٱلرَّبِّ طَاهِرٌ يُنِيرُ ٱلْعَيْنَيْنِ. 9خَوْفُ ٱلرَّبِّ نَقِيٌّ ثَابِتٌ إِلَى ٱلأَبَدِ. أَحْكَامُ ٱلرَّبِّ حَقٌّ عَادِلَةٌ كُلُّهَا. 10أَشْهَى مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلإِبْرِيزِ ٱلْكَثِيرِ، وَأَحْلَى مِنَ ٱلْعَسَلِ وَقَطْرِ ٱلشِّهَادِ. 11أَيْضاً عَبْدُكَ يُحَذَّرُ بِهَا، وَفِي حِفْظِهَا ثَوَابٌ عَظِيمٌ. 12اَلسَّهَوَاتُ مَنْ يَشْعُرُ بِهَا! مِنَ ٱلْخَطَايَا ٱلْمُسْتَتِرَةِ أَبْرِئْنِي. 13أَيْضاً مِنَ ٱلْمُتَكَبِّرِينَ ٱحْفَظْ عَبْدَكَ فَلا يَتَسَلَّطُوا عَلَيَّ. حِينَئِذٍ أَكُونُ كَامِلاً، وَأَتَبَرَّأُ مِنْ ذَنْبٍ عَظِيمٍ. 14لِتَكُنْ أَقْوَالُ فَمِي وَفِكْرُ قَلْبِي مَرْضِيَّةً أَمَامَكَ يَا رَبُّ، صَخْرَتِي وَوَلِيِّي.

في هذا القسم من المزمور يتحدث المرنم عن ناموس الرب وشهاداته وأثرها في اقتياد الإنسان إلى كل ما هو حق وطاهر ومقدس، وإعطائه الإمكانية للعيش في البر وقداسة الحق.

(7) ناموس الرب كامل مستقيم، لا خطأ فيه لذلك يمكن اعتماده في هدايتنا إلى الصواب. ونفهم من القرينة أنه ليس المقصود بكلمة ناموس مجرد الوصايا العشر، بل كل إعلانات الله في كلمته المكتوبة. هكذا نقرأ في العهد الجديد: «كُلُّ ٱلْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ ٱللّٰهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَٱلتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَٱلتَّأْدِيبِ ٱلَّذِي فِي ٱلْبِرِّ لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ ٱللّٰهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّباً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ» (2تيموثاوس 3: 16 و17).

فالله له المجد، أعطانا في كلمته إعلاناً كاملاً، إذا ما سلكنا بموجبه يرد أنفسنا إلى سبل البر. ويعطينا الإمكانية أن نعيش كما يحق للدعوة، التي دعينا بها، بكل تواضع ووداعة وطول أناة محتملين بعضنا بعضاً في المحبة.

قد تنحرف النفس عن الصواب، وتقع في الشطط، لذلك فهي تحتاج إلى قوة لضبطها، لئلا تسير حسب ميولها وأهوائها. ولا شيء يقوم لها مقام القائد والمرشد إلى جادة الصواب، سوى الناموس الإلهي، الذي إذا سلكنا في ضوئه كفلنا لأنفسنا الوقاية من الزلل.

والقسم الثاني من هذه الآية، يؤكد لنا أن شهادات الرب صادقة وفيها التحذيرات والمواعظ، التي تصير الجاهل حكيماً. لأن الشهادات الإلهية، فوق ما تهدف إليه من سيادة الله وسلطانه، تتضمن أيضاً ما يجب أن نكون عليه في علاقاتنا بالرب. لذلك وصفها داود، بأنها صادقة وثابتة، لا يمكن أن تتغير. فهي إذن جديرة بالثقة، وبالتالي أن تتبع. ولا ريب في أن الرب إلهنا، إله صدق وأمانة. لا ينقض عهده، ولا يغير ما خرج من فمه. لذلك فإن كان أحدنا جاهلاً وتبعها، تزوده بالفهم الصحيح والفطنة.

فإلى الكتاب المقدس يا أخي! هل لديك نسخة منه؟ إن كان نعم فاعكف على قراءته، وادرس شهادات الرب المدونة فيه. وإن كان لا يوجد لديك هذا السفر العزيز، فإني أسألك برأفة الله أن تسارع إلى اقتناء نسخة منه. فإن قرأته في اتكال مطلق على الروح القدس، فإنك ستتزود بنور ومعرفة وحكمة، لا تستطيع فلسفات هذا الدهر أن تهبك شيئاً منها.

(8) إن وصايا الرب المستقيمة، تعطي حافظها قوة التمييز الأدبي، وتزوده بموهبة التمييز بين الأمور المتخالفة. وهي تفرح القلب وتنعش النفس، وتنير الذهن، كما حدث ليوناثان (1صموئيل 14) يوم تذوق العسل بطرف نشابته، فاستنارت عيناه بمعنى أن الآية تتكلم عن القلب والعينين، هكذا أيضاً أعلن بولس، حين قال مستنيرة عيون أذهانكم. وهو يعني القلب. لأن القلب هو المسيطر على العينين، فإذا ما فرح القلب بوصايا الرب، استطاعت العينان أن ترى الأشياء على حقيقتها.

وأمر الرب طاهر، لأن لا شيء فيه من الأنانية. فهو يأمرنا أن نعمل ما هو لخيرنا ولخير الآخرين، وليس فقط لكي يتمجد بطاعتنا. فأمره إذن ينير السبيل أمامنا، لكي نتهذب ونرتقي روحياً وأدبياً.

(9) خوف الرب، أي الخشوع أمامه واحترام قداسته، وليس خوف الرعب. فإذ نقرأ كلمة الله، يجب أن نذكر، أننا في حضرته عز وجل، الأمر الذي يوجد فينا الرغبة لعمل ما يرضيه ونبذ كل ما يحزن قلبه. وفي تعبير آخر أن خوف الرب نقي بدليل أنه يحرر الإنسان الذي قبله من كل دنس يفصله عن إلهه، أو يحول دونه والاقتراب منه. فهو إذن ثابت متفق مع فكر الله. وخوف الرب، يحملنا على التمسك بأحكامه واعتبارها عادلة مستقيمة وبارة. بمعنى أن لها طبيعة الله، في الحق والعدل. فهي إذن جديرة بأن تتخذ منهجاً للسلوك.

(10) لما كانت أحكام الرب، هكذا صالحة ومستقيمة وعادلة وحق كلها فيجدر بالإنسان العاقل أن يطلبها. ويستمتع بها، أكثر من استمتاع الأغنياء بالذهب والإبريز. وهي بالنسبة للنفس المؤمنة، أشهى من العسل، الذي هو ألذ الأطايب، التي عرفها الإنسان القديم.

في الحق أن كلام الله شهي وطيب، ويفترض فينا أن نتغذى به. قال إرميا النبي: «وُجِدَ كَلامُكَ فَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ كَلامُكَ لِي لِلْفَرَحِ وَلِبَهْجَةِ قَلْبِي» (إرميا 15: 16).

(11) ومن عمل كلمة الرب أنها للتحذير والتنبيه. وحفظها يؤول بالإنسان إلى الثواب بالحياة الأبدية. فقد قال المسيح «اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلامِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلا يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ ٱنْتَقَلَ مِنَ ٱلْمَوْتِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ» (الإنجيل بحسب يوحنا 5: 24).

(12 و13) الشريعة الإلهية، هي مرآة النفس، تظهر لها عيوبها. وعلى الإنسان أن يصلي، لكي يحفظه الله من السهوات، ويطهره مما سلف منها. هذه السهوات، درج الناس على تسميتها بالصغائر، وقالوا إن الله يتجاوز عنها. ولكن كلمة الله تقول لنا، إن الخطية في نظر الله هي التعدي، سواء كانت كبيرة أم صغيرة، سهواً أم عمداً. لذلك وجب علينا أن نكون دائماً قريبين من الله، فقربنا منه له المجد يحفظنا في القداسة، ويعطينا القلب اليقظ، لكي لا نقع في السهوات.

تحصن يا أخي في مقادس الله، والتصق بشريعته دوماً، فتحفظ نفسك بلا دنس في العالم. وحين تتحصن في مقادس الله، تحفظ نفسك أيضاً من معاشرات الأردياء المتكبرين، الذين يفتخرون بخطاياهم. افعل هذا تنجو من ذنوب كثيرة كنت ستقترفها لو أنك بقيت في شركتهم.

(14) ينهي المرنم المزمور بطلبة، فيها الحنين إلى القداسة الإيجابية، القائمة على طهارة القلب ونظافة اللسان. وهي طلبة تناسبك، يا أخي وتعينك على نيل الرضى الإلهي. والله نفسه يصير وليك.

الترنيمة

Table 8. 

كَلاَمُ ٱلإِلَهِ يَسُرُّ ٱلْقُلُوبْلَذِيذٌ وَحُلْوٌ كَقَطْرِ ٱلشِّهَادْ        
شِفَاءُ ٱلْعِظَامِ يُزِيلُ ٱلْكُرُوبْدَوَاءٌ لِجُرْحِ ٱلْفُؤَادْ        
كَلاَمُ ٱلْحَكِيمِ مُقِيمُ ٱلْكَسِيحْوَبَلْسَمُ خَيْرٍ لِكُلِّ ٱلْكُلُومْ        
لِبَاسُ ٱلْصَّلاَحِ وَنِيرُ ٱلْمَسِيحْمُرِيحُ ٱلْكَلِيلِ مُزِيلُ ٱلْهُمُومْ        
كَلاَمُ ٱلْغَنِي غِنَى لِلْفَقِيرْخِزَانَةُ خَيْرٍ وَكَنْزٍ ثَمِيِنْ        
سِرَاجُ ٱلْبَصِيرِ وَعَيْنُ ٱلضَّرِيرْمَلاَذٌ أَمِينٌ وَبُرْجٌ حَصِينْ        
كَلاَمُ ٱللَّطِيفِ أَسَاسُ ٱلسَّلاَمْمُزِيلُ ٱلْمَخَاوِفِ مُعْطِي ٱلْنَّجَاةْ        
عَلاَمَةُ حُبٍّ لَنَا وَٱبْتِسَامْغِذَاءُ ٱلنُّفُوسِ وَمَاءُ ٱلْحَيَاةْ        
كَلاَمُ ٱلْقَدِيرِ لَنَا فِي ٱلْقِتَالْسِلاَحٌ وَتِرْسٌ لِقَهْرِ ٱلْرَّجِيمْ        
تَزُولُ ٱلسَّمَاءُ وَكُلُّ ٱلْجِبَالْوَيَثْبُتُ قَوْلُ ٱلإِلَهِ ٱلْعَظِيمْ        

الصلاة: يا ربنا الصالح المحب، لك شكرنا العميم من أجل كلامك العزيز، الذي هو سراج لأرجلنا ونور لسبيلنا. أعطنا الرغبة أن نلتصق بكلمة الحياة، وأن نعكف على دراستها كل يوم. لكي نستمد منها القوة على مغالبة الخطايا والسهوات. ونتوسل إليك أن تفتح الأبواب لجميع العاملين لنشر إنجيل الخلاص، إنجيل السلام. حتى بواسطته يعرف الناس ما هو لخيرهم وما هو لسلامهم، بربنا يسوع المسيح. آمين.

السؤال: 8 - ماذا تتعلم من هذه الآيات الكريمة؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّالِثُ وَٱلْعِشْرُونَ - الراعي الإلهي

1اَلرَّبُّ رَاعِيَّ فَلا يُعْوِزُنِي شَيْءٌ. 2فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إِلَى مِيَاهِ ٱلرَّاحَةِ يُورِدُنِي. 3يَرُدُّ نَفْسِي. يَهْدِينِي إِلَى سُبُلِ ٱلْبِرِّ مِنْ أَجْلِ ٱسْمِهِ.

قال هنري بتشر «إن المزمور الثالث والعشرين، هدأ أحزاناً أكثر مما صنعته فلسفات العالم مجتمعة. فقد خلص كثيرين من أفكارهم الردية، وشكوكهم السوداء، وأحزانهم المسرفة. وعزى فقراء بلا عدد. وشدد عزيمة جمهور من الفاشلين. وأرسل بَلَسَانه إلى قلوب المرضى ونزلاء السجون. وواسى ألوفاً من الأرامل والأيتام، في أحزانهم القاسية وعزلتهم الموحشة. وشدد قلوب ألوف الجنود المحتضرين، في ساحات القتال، ليموتوا في سلام. وإلى الآن لم ينته عمل هذا المزمور المجيد، بل سيعمل ويعمل إلى أن يفنى الزمان».

(1) يستهل داود هذا المزمور بهذه الكلمة: «الرب راعيّ» وهو استهلال ينم عن ثقة كاملة في الله وراحة شاملة في حضن عناية راعي الرعاة العظيم. وهي توجه أنظارنا إلى يسوع، الراعي الصالح، الذي تميز بحبه لخرافه إلى حد وضع النفس عنها. فذاك الذي ارتفع على الصليب، وأخذ مكاني أنا الأثيم، وتحمل دينونة الله بديلاً عني، هو راعيَّ. والذي انتصر على الأسد الزائر في برية الأردن وفي بستان جثسيماني، هو راعيَّ.

«كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ،» (إشعياء 53: 6) وكان القصاص قريباً جداً، من كل واحد منا. ولكن يسوع من عرشه، رأى الجموع منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها فتحنن. ولأنه الراعي الصالح، شاء أن يقدم حياته، ليفتديهم. فتم القول النبوي «اِسْتَيْقِظْ يَا سَيْفُ عَلَى رَاعِيَّ وَعَلَى رَجُلِ رِفْقَتِي، يَقُولُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ. اِضْرِبِ ٱلرَّاعِيَ فَتَتَشَتَّتَ ٱلْغَنَمُ» (زكريا 13: 7) وكثيرون يعرفون، أن يسوع هو راعي الأنفس وأسقفها. ولكن يوجد فرق، بين معرفة الشيء وبين حيازته. إن قلت الرب راع، فهذا يختلف تماماً عما إذا: «الرب راعيّ». وأنه لمن المهم أن تعرف أن يسوع مخلص، ولكن الأهم أن تختبر في ضوء الحقيقة، أنه مخلصك.

وهناك حقيقة يجب الإشارة إليها، وهي أن يسوع راعي النفوس، لا يستريح حنينه إليك، إلا عندما تخلص بفدائه. وتضع يد إيمانك عليه وتقول: «الرب راعيّ».

وهذا ميسور لك، إذ يكفي أن تحول النظر عن نفسك إلى شخصه، وتقبله بالإيمان. وعندها تصبح من عداد الخراف، التي يقودها الراعي الإلهي، وسط الحياة المعقدة إلى حظيرة السماء.

طوبى لخراف الرب، لأنها تجد إعوازها، مهما كانت الضيقات شديدة. لأن راعيها الرب أمامه شبع سرور، وفي يمينه نعم إلى الأبد. هذا هو الذي قال «فَلا تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ، أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ، أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟ فَإِنَّ هٰذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا ٱلأُمَمُ. لأَنَّ أَبَاكُمُ ٱلسَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هٰذِهِ كُلِّهَا. لٰكِنِ ٱطْلُبُوا أَّوَلاً مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ وَبِرَّهُ، وَهٰذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ» (الإنجيل بحسب متى 6: 31-33).

ليتك تربط هذا التأكيد على قلبك. ومهما هددتك الأخطار، ومهما هاجمتك الحاجة والعوز، تتقدم إلى الأمام، مشدداً قلبك بهذه الأنشودة العذبة «الرب راعيّ فلا يعوزني شيء».

(3) الراعي المخلص، يقود قطيعه إلى المراعي الخضراء، حيث يتوفر الكلأ الطيب. هناك تملأ الخراف بطونها، ثم تربض مستريحة. وتبدأ بالإجترار، فتمضغ طعامها جيداً متلذذة بطعمه. هكذا المؤمن، الذي اقتاده الراعي الصالح إلى مراعي كلمة الله، يستمتع بالكلمة، التي تشبع النفس، هكذا قال راعينا المبارك: «أَرْعَاهَا فِي مَرْعًى جَيِّدٍ... هُنَالِكَ تَرْبُضُ فِي مَرَاحٍ حَسَنٍ، وَفِي مَرْعًى دَسِمٍ ... أَنَا أَرْعَى غَنَمِي وَأُرْبِضُهَا يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ» (حزقيال 34: 14 و15).

كلنا في حاجة إلى الراحة، فاليد لا يمكن أن تعمل بصورة دائمة. والعقل لا يمكن أن يظل مشدوداً، يعمل بدون راحة ولكن ليس في كياننا جزء، يطلب الراحة مثل حياتنا الروحية. لأنه ليس في وسعنا الصعود باستمرار على جبل الصعوبات الخشن، أو عبور مستنقعات الضجر والتمرد. يجب أن تكون لنا الإمكانية أن نرقد في المراعي الخضراء، مشمولين بعناية الراعي الصالح.

وإن كانت المراعي الخضراء، تحدثنا عن الشبع والراحة، فإن مياه الراحة، تحدثنا عن الارتواء والهدوء والسلام. وهذان الأمران نحن في أشد الحاجة إليهما، في عالم مضطرب مليء بالمتاعب. ولا يمكننا أن نجدهما، إلا عند قدمي الراعي الصالح، الذي قال: «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ ٱلْمُتْعَبِينَ وَٱلثَّقِيلِي ٱلأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ ٱلْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ» (الإنجيل بحسب متى 11: 28 و29).

(3) أنا هو الراعي الصالح، قال يسوع. والراعي الصالح لا يسمح للخراف أن تشرد، إذ هي لا تستطيع أن تقود نفسها. مما يجعلها في حاجة ماسة، إلى افتقاد الراعي لها. ليردها من شرودها، ومن ضلالها. وكم نقرأ عن أمراض روحية، تصيب المؤمنين نتيجة مسايرتهم لأفكار أبناء هذا الدهر.

هكذا ضلت نعمى، وتمرمرت، إلى أن ردها الرب إلى بيت لحم (راعوث 1) وهكذا تاه الابن الضال، وفي ضلاله كاد يهلك جوعاً، حتى رجع إلى نفسه، ثم إلى بيت أبيه (الإنجيل بحسب لوقا 15) وضل سمعان بطرس وأنكر سيده، وكان هلاكه وشيكاً. ولكن الرب رد نفسه بنظرة الحب والحنان، عند صياح الديك.

إن كلمة «يرد نفسي» التي فاه بها داود، تحمل في الأصل معنى الإنعاش والتجديد المستمر للقوى الروحية. ولسعادة النفس البشرية، فإن الراعي الصالح، ليس فقط يردها. بل أيضاً يهديها إلى سبل البر، السبل المستقيمة، التي سلكها الرب نفسه في أيام جسده، تاركاً لنا مثالاً لكي نتبع خطواته. منها سبيل المحبة، وسبيل الاتضاع، وسبيل الطاعة، وسبيل إنكار الذات. هكذا نقرأ في الإنجيل: «خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى ٱلأَبَدِ، وَلا يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي» (الإنجيل بحسب يوحنا 10: 27 و28).

الترنيمة

Table 9. 

حَالاً تَعَالَوْا إِلَى ٱلْمَسِيحْيَا مَنْ تَعِبْتُمْ بِحِمْلِكُمْ      
فَهْوَ ٱلَّذِي لُطْفَهُ يُرِيحْمَنْ حِمْلُهُ ثَقِيلْ      
كُلُّ مَنُ يَتَّخِذُ ٱلْمَسِيحْمَلْجَأً لَهُ فَيَسْتَرِيحْ      
يَحْيَا سَعِيداً مُزَيَّناًبِبِرِّهِ ٱلْجَلِيلْ      
ٱلْرَّبُ قَدْ قَالَ أَقْبِلُواإِلَيَّ إِنِّي مُرِيحُكُمْ      
فَأَسْرِعُوا كَيْ تُظَلَّلُوابِظِلِّهِ ٱلْظَّلِيلْ      
بِدَمِهِ تَشْتَفِي ٱلْخُطَاةْوَقُرْبَهُ مَرْتَعُ ٱلْهَنَا      
وَعِنْدَهُ مَوْرِدُ ٱلْحَيَاةْيُرْوَى بِهِ ٱلْغَلِيلْ      

الصلاة: أيها السيد الرب يا راعي الملائكة والقديسين. نمجد اسمك أيها الإله الصالح. ونشكرك لأجل راعي الخراف العظيم، الذي أحبنا وهدانا من الضلال إلى سبل البر والحق. واقتادنا بمحبته إلى حظيرة المفديين لننعم بالراحة والسلام. حتى لا نضل في متاهات هذا العالم. هذا نطلبه باسم الراعي الأمين. آمين.

السؤال: 9 - ماذا تحمل كلمة: «يرد نفسي» في الأصل وما هي السبل التي سلكها المسيح، وطلب إلينا أن نسلكها؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّالِثُ وَٱلْعِشْرُونَ - تتمة

4أَيْضاً إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ ٱلْمَوْتِ لا أَخَافُ شَرّاً، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي. 5تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً تُجَاهَ مُضَايِقِيَّ. مَسَحْتَ بِٱلدُّهْنِ رَأْسِي. كَأْسِي رَيَّا. 6إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ يَتْبَعَانِنِي كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي، وَأَسْكُنُ فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ إِلَى مَدَى ٱلأَيَّامِ.

(4) لا يوجد آية في الكتاب المقدس، تركت أثراً في النفوس أكثر من هذه القائلة: أيضاً إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً، لأنك أنت معي. ويا لروعتها من آية كريمة! تشيع الاطمئنان والسلام في النفس، إذ تشعرها بأن وادي ظل الموت مأنوس بوجود الرب، راعي النفوس وأسقفها.

في سنة 1953 دخلت ابنتي المستشفى لإجراء عملية استئصال الزائدة. وكانت مرتعبة وخائفة خوف الموت، لأن الزائدة كانت ملتهبة، وحالتها لا تخلو من الخطر. ولكن قبل إرسالها إلى غرفة العمليات، كتبت هذه الآية على قصاصة من الورق. وسألت رئيسة الممرضات أن تعطيها لها قبل جرعة البنج مباشرة. فاستجابت لملتمسي، وعملت الآية الكريمة عملها. فبعد العملية، وحين زال تأثير البنج عن المريضة، نظرت إليّ مبتسمة وقالت «بالحق كنت خائفة حتى الموت ولكن ما أن قرأت الآية الكريمة، حتى تلاشى خوفي، وسكن اضطرابي. لأنني سلمت أمري ليسوع راعي نفسي وسيد حياتي».

وهذه الآية المجيدة تعطينا فكرة معزية عن الموت، أنه ليس حالة دائمة بل هو ممر نجتازه إلى راحتنا الأبدية في الديار اللؤلؤية التي أعدها يسوعنا الحبيب، بحيث يمكننا أن نقول: إن المفديين الذين رحلوا، ليسوا أمواتاً، بل هم أحياء اجتازوا الأبعاد إلى حضرة الراعي الرب عن طريق الموت. بمعنى أن الموت بالنسبة للمؤمن، ليس إلا ظلاً يتلاشى أمام نور الأبدية. لأن يسوع له المجد «أباد ذَاكَ ٱلَّذِي لَهُ سُلْطَانُ ٱلْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَوْفاً مِنَ ٱلْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ ٱلْعُبُودِيَّةِ» (الرسالة إلى العبرانيين 2: 15).

من المعلوم أن الظل في حد ذاته، ليس مؤذياً. فظل الأسد، لا يمكن أن يفترس حيواناً ما. وظل الرجل المسلح، لا يمكن أن يقتل. وهكذا ظل الموت، لا يمكن أن يهلك نفساً مؤمنة. وقد عرف بالملاحظة، أن الظل لا يمكن أن يوجد، ما لم يكن نور في الجهة المقابلة. فمقابل ظل الموت، يوجد نور المسيح، الذي بموته، أبطل الموت. وبقيامته أنار الحياة والخلود.

لقد عبّر أحد الأتقياء عن ظل الموت بآلام الطريق وأحزانها، إذ قال: في ساعة التجربة ساعة الظلام، حيث تقع ظلال الموت على طريقي، فإن راعيّ الإلهي لا يتركني، ولا يحرمني رفقته المباركة. فاجتاز وادي ظل الموت مطمئناً. لأنّه يحوّل ظل الموت صبحاً (عاموس 5: 8).

على أي حال، مهما اختلفت صورة وادي ظل الموت في اختباراتنا الروحية، فلا شك أن النفس في عبورها ذلك الوادي، تشعر بحاجتها الماسة إلى التعزية. ولسعادتها فإن الرب، يريد أن يعزيها، بدليل قوله: عزوا، عزوا شعبي، يقول إلهكم. على أن النقطة الهامة، التي تبرز لنا في هذه الآية، هي أن الله القدير راعينا الحنون، يعزينا بعصاه وعكازه. فالعصا رمز القوة والمدافعة، والسلاح الذي نضرب به أعداءنا. أما العكاز، فهو عصا الرعاية. وهو عادة، يكون معقوف الرأس. وهو أداة لا غنى للراعي عنها. تحته تمر الخراف، واحداً فواحداً لإحصائها. وبه يسحب الخراف من الحفر، التي قد تسقط فيها. وبه أيضاً يؤدبها، عندما لا تطيعه. ففي كل من هذه الحقائق تعزية، لأبناء الله المجربين.

في البداية يبدو أن التأديب، يتنافى مع التعزية. فعملية التأديب غير سارة، وضربة العكاز أليمة. ولكنها دليل على حب الله، كما هو مكتوب: الذي يحبه الرب يؤدبه. ويجلد كل ابن يقبله. إن كنتم تحتملون التأديب، يعاملكم الله كالبنين (عبرانيين 12: 6 و7) فاقبل إذاً أيها الأخ كل ضربة، من عكاز الراعي الصالح. قل: لا بد أن راعيّ يحبني، وإلا فلم يكن هناك مبرر لتأديبي. وبعد ذلك، حوّل قلبك إليه في رغبة ملحة في أن تتعلم الدرس، الذي يريد أن تتعلمه.

(5) يجب أن نذكر، أن لأبينا السماوي أسرة كبيرة، وأن كل فرد في الأسرة يعتمد على قدرته. وأنه له المجد في وسط كل العناصر الطبيعية، التي يعتني بها باستمرار، يبذل عناية أوفر لسد إعواز أولئك الذين يدعونه بالحق «أبانا الذي في السموات» فنحن بالنسبة لمحبته المعتنية لسنا ضيوفاً، بل أبناء. وكل مخازن الإمدادات الإلهية، معدة لسد إعوازنا.

لقد تساءل الشعب قديماً، في عدم إيمان: هل يقدر الله أن يرتب مائدة في البرية؟ (مزمور 78: 19) وها هو داود يقر مبتهجاً، أن الرب يرتب قدامه مائدة تجاه أعدائه المضايقين! والمائدة تتضمن كل المشتهيات الروحية، التي يضعها الله بين أيدينا في كلمته المقدسة. وهي تتضمن مواعيده الثمينة، التي بها يقوي إيماننا ويثبت رجاءنا. وأجمل صورة للمائدة الإلهية، ترى في العشاء الرباني، حينما يجتمع المؤمنون حول الرب، ليصنعوا ذكراه كفاد. وهم يفرحون ويتعزون بتعزيات من السماء كلما صنعوا هذه الذكرى.

ويشاء الرب أن يزيد في إكرام الذين هم له، فيهرق على رؤوسهم دهن المسحة، أي يختمهم بالروح القدس ليوم الفداء. هكذا كان يمسح الملوك والكهنة قديماً لتكريسهم. وهذا اعتبار صار إليه كل مؤمن، بدليل قول يوحنا: «ٱلَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ، وَجَعَلَنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً لِلّٰهِ أَبِيهِ، لَهُ ٱلْمَجْدُ وَٱلسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ. آمِينَ» (رؤيا 1: 5 و6) ثم يختم العشاء المجيد بكأس البركة، كأس الخلاص، الذي يتبعه فرح الله. هللويا! كأس الخلاص أتناول، وباسم الرب أدعو.

(6) على طول الطريق، إلى أن نصل إلى بيت الآب، نتمتع بعناية الراعي، الذي لا يمكن أن يتوقف يوماً عن أن يهيء لنا كل أسباب السعادة. لقد أعد لنا مائدة كريمة، ومسحنا بدهن الابتهاج، وهو يملأ كأسنا دائماً بفرح الله. والآن يأمر اثنين من أنشط خدامه، أن يلازمانا، وهما الخير والرحمة. ومن فرط محبته، أنه أمرهما بالبقاء معنا، إلى أن نصل إلى الوطن السماوي.

أيها القلب الخائف، الذي يخشى سلوك الطريق المظلم تشجع. منطق ذاتك بشجاعة جديدة. إن الله يعرف عدد الأيام، الباقية من حياتك. يعرف مطالبها وتجاربها وأحزانها. وقد تعهد بأن يعطي القوة، على قدر ما عندك من ضعف. هكذا قال لبولس: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُّوَتِي فِي ٱلضُّعْفِ تُكْمَلُ» (2 كورنثوس 12: 9) تأكد أنه، لن يأتي يوم، لا يباركه الله بخيره ورحمته. وأذكر وعده القائل في المسيح «هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلأَيَّامِ إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ» (الإنجيل بحسب متى 28: 20).

الترنيمة

Table 10. 

إِنَّ رَبَّ ٱلْمَجْدِ رَاعِيَّ ٱلْكَرِيمْحَافِظِي مِنْ شُرُورِ ٱلزَّمَانْ        
وَهْوَ يَرْعَانِي بِحُبِّهِ ٱلْعَظِيمْفِيهِ لِي رَاحَةٌ وَطَمَانْ        
هَادِياً نَفْسِي لِبِرِّهِ ٱلْقَوِيمْوَلأَجْلِ ٱسْمِهِ كُلَّ آنْ        
فِي مَصَائِبِي وَفِي ٱلْكُرْبِ ٱلأَلِيمْأَسْتَرِيحُ بِهِ فِي أَمَانْ        
وَبِوَادِي ٱلْمَوْتِ إِنْ كُنْتُ أَسِيرْلاَ أَخَافُ ٱلْبَلاَ وَٱلْشُّرُورْ        
فَمَعِي أَنْتَ تَسِيرْ يَا قَدِيرْفِيكَ كُلُّ عَزَاءٍ وَنُورْ        
رَحْمَةٌ تَتْبَعُنِي خَيْرٌ كَثِيرْكُلَّ أَيَّامْ عُمْرِي سُرُورْ        
أٰسْكُنُ ٱلْبَيْتَ ٱلْمُقَدَسْ ٱلْمُنِيرْفَارِحاً آمِناً لِلْدُهُورْ        
قرار         
لاَ أَخَافْ لاَ أَخَافْأَيَّ شَرّۤ بِوَادِي ٱلظَّلاَمْ        
فَمَعِي رَاعٍ أَمِينْمَاسِكٌ يَدِي ٱلْيَمِينْ        
فِيهِ لِي رَاحَةٌ وَسَلاَمْ         

الصلاة: أيها الرب الإله، حافظ العهد والأمانة. إننا نشكرك من صميم القلب لأجل نعمتك، التي ترافق كل مؤمن، في الصعوبات والمخاطر، التي تحيق به. ونشكرك لأجل عونك لنا، ومدك إيانا بالشجاعة لمواجهة البلايا. ونشكرك لأجل عصا التأديب، التي تهشّ بها علينا لمحبتك. ونشكرك لأجل كلمتك العزيزة، التي هي غذاء لنفوسنا. ونشكرك لأجل مسحة القدوس التي بها ختمتنا ليوم فدائنا. ونشكرك لأجل خيرك ورحمتك اللذين يرافقاننا كل حين، آمين.

السؤال: 10 - ماذا ترى في العصا والعكاز؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْخَامِسُ وَٱلْعِشْرُونَ - صيحة الأسى

1إِلَيْكَ يَا رَبُّ أَرْفَعُ نَفْسِي. 2يَا إِلٰهِي عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، فَلا تَدَعْنِي أَخْزَى. لا تَشْمَتْ بِي أَعْدَائِي. 3أَيْضاً كُلُّ مُنْتَظِرِيكَ لا يَخْزَوْا. لِيَخْزَ ٱلْغَادِرُونَ بِلا سَبَبٍ. 4طُرُقَكَ يَا رَبُّ عَرِّفْنِي. سُبُلَكَ عَلِّمْنِي. 5دَرِّبْنِي فِي حَقِّكَ وَعَلِّمْنِي. لأَنَّكَ أَنْتَ إِلٰهُ خَلاصِي. إِيَّاكَ ٱنْتَظَرْتُ ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ. 6ٱذْكُرْ مَرَاحِمَكَ يَا رَبُّ وَإِحْسَانَاتِكَ، لأَنَّهَا مُنْذُ ٱلأَزَلِ هِيَ. 7لا تَذْكُرْ خَطَايَا صِبَايَ وَلا مَعَاصِيَّ. كَرَحْمَتِكَ ٱذْكُرْنِي أَنْتَ مِنْ أَجْلِ جُودِكَ يَا رَبُّ.

8اَلرَّبُّ صَالِحٌ وَمُسْتَقِيمٌ، لِذٰلِكَ يُعَلِّمُ ٱلْخُطَاةَ ٱلطَّرِيقَ. 9يُدَرِّبُ ٱلْوُدَعَاءَ فِي ٱلْحَقِّ، وَيُعَلِّمُ ٱلْوُدَعَاءَ طُرُقَهُ. 10كُلُّ سُبُلِ ٱلرَّبِّ رَحْمَةٌ وَحَقٌّ لِحَافِظِي عَهْدِهِ وَشَهَادَاتِهِ. 11مِنْ أَجْلِ ٱسْمِكَ يَا رَبُّ ٱغْفِرْ إِثْمِي لأَنَّهُ عَظِيمٌ.

تنبعث من هذا المزمور صيحة أسى. فقد كُتب في ظروف مليئة بالحزن والألم. غير أننا في نفس الوقت نلاحظ فيه كلمات الرجاء المزكى، بالإحساس ببر الله ونعمته، والثقة بجودته. وهذه من شأنها، أن تقود القلب إلى الله، طالباً رحمته الغنية باللطف والحنو.

(1-3) يرفع المرنم نفسه، إلى الرب إله الفداء والعهد. الإله الغير المتغير، الذي لا يستغني الإنسان عن الإتكال عليه، بسبب ضعفه وعدم استقراره. كان داود حين نظم هذا المزمور، هارباً من وجه ابنه أبشالوم، الذي انقلب عليه، وتآمر لكي ينتزع الملك من يديه. ولكن رغم الظروف القاسية في موقفه إزاء شمعي بن جيرا، الذي سبه ورشقه بالحجارة. فحين قرر أبيشاي بن صيرويه أن يقطع رأس شمعي عقاباً له قال له داود: «دَعُوهُ يَسُبَّ لأَنَّ ٱلرَّبَّ قَالَ لَهُ. لَعَلَّ ٱلرَّبَّ يَنْظُرُ إِلَى مَذَلَّتِي وَيُكَافِئَنِي ٱلرَّبُّ خَيْراً عِوَضَ مَسَبَّتِهِ بِهٰذَا ٱلْيَوْمِ» (صموئيل الثاني 16: 1-12). ولأن داود تقبل الأمر من الرب، لا من الناس، استطاع وهو في محنته أن يرفع نفسه إلى الله، وبالتالي يعلن أنه بالاتكال عليه يستطيع أن يتحمل المحن. لأن الله المحب يسندنا فلا نفشل، ولا يدعنا نخزى.

ونتعلم بالاختبار، أن جميع منتظري الرب لا يخزون. لأن الرب لا يمكن أن يتخلى عنهم. هذا هو شعور المؤمنين المولودين من الله، المملوءة قلوبهم بالرجاء الحي.

كل منتظريك لا يخزون، قال المرنم، وأنت إذ تتأمل في هذه الآية الكريمة، ينبغي أن تنسى نفسك. وأن تفكر في قديسي الله في العالم، الذين يشتركون معنا في انتظار الرب. فكر في العدد العديد من الناس، الذين يحتاجون إلى هذه الصلاة. كم من مريض أو متعصب أو حزين، يبدو له وكأن صلاته لم تأت بفائدة. وهو يخشى، أن يخزى رجاؤه! وكم من أناس سمعوا عن راحة السلام الكامل، وعن التمتع بضياء وجه الله والشركة معه، عن القوة والغلبة! ولكن لم يتمتعوا بهذه الامتيازات. كل هؤلاء عيبهم، أنهم لم يتعلموا سر انتظار الله.

يعوزهم جميعاً كما يعوزنا، أن تكون لهم ثقة أكيدة بأن انتظار الله، لا يمكن أن يخزى. الخزي من نصيب الأشرار الغادرين، الذين يرفضون الله في عدم إيمان. وهم يرفضونه بسبب شرهم وبعدهم عنه، كما هو مكتوب: «وَأَحَبَّ ٱلنَّاسُ ٱلظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ ٱلنُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً» (الإنجيل بحسب يوحنا 3: 19).

(4) تذكرنا طلبة داود في هذه الآية، بطلبة رفعها موسى إلى الله، إذ قال «فَٱلآنَ إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَعَلِّمْنِي طَرِيقَكَ حَتَّى أَعْرِفَكَ لِكَيْ أَجِدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ» (خروج 33: 13) فالطلبة تحمل معنى التوسل إلى الرب الإله، ليكشف له طريقه المستقيمة، ويظهرها حتى تكون جلية واضحة قدام عينيه، فلا يحيد عنها. ويحدثنا الكتاب المقدس عن عدة طرق، يجب أن يسلكها المؤمن، منها:

  • * طريق الحكمة

  • * طريق الفهم

  • * طريق الحياة

  • * طريق البر

  • * طريق العدل

  • * طريق المعرفة

وفي الشطر الثاني من الطلبة، يقول: «علمني سبلك» وأنه لمن المفيد لنا أن نميز بين الطرق والسبل. فطرق الإنسان هي أسلوب حياته، الذي اختاره لنفسه. أما السبل، فهي المبادئ، التي يسلك بموجبها. والكتاب المقدس يذكر لنا عدة سبل صالحة وضعها الله للإنسان منها:

  • * سبيل البر

  • * سبيل الحق

  • * سبيل الاستقامة

  • * طريق الحياة

  • * سبيل وصايا الله

هذه السبل سلك ربنا يسوع المبارك بموجبها، تاركاً لنا مثالاً، لكي نتبع خطواته.

(5) يسأل الله أن يدربه في معرفة الحق، أو تدريب نفسه على السلوك في الحق. إن معرفة الحق هي معرفة المسيح. ومعرفة المسيح، تقود إلى الحرية بدليل قول المسيح: بي تعرفون الحق، والحق يحرركم (الإنجيل بحسب يوحنا 8: 32) ومعرفة الحق في المسيح، هي معرفة الله والحياة الأبدية. هذه الحقيقة أعلنت ليوحنا الإنجيلي، وشهد بها، إذ قال «وَنَعْلَمُ أَنَّ ٱبْنَ ٱللّٰهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ ٱلْحَقَّ. وَنَحْنُ فِي ٱلْحَقِّ فِي ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. هٰذَا هُوَ ٱلإِلٰهُ ٱلْحَقُّ وَٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (رسالة يوحنا الأولى 5: 20).

هل تريد أن تعرف الحق، وتسلك فيه باستمرار وبلا تعثر، إلى أن تدخل الحياة الأبدية عند الله؟ هذا متاح لك، إن أتيت إلى يسوع، الذي قال «أَنَا هُوَ ٱلطَّرِيقُ وَٱلْحَقُّ وَٱلْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى ٱلآبِ إِلاّ بِي» (الإنجيل بحسب يوحنا 14: 6).

من البديهي أن النفس المحررة تبتهج بإله خلاصها، وتنتظره اليوم كله دون إعياء أو ملل. وبذلك تستجمع قوة أكثر، وفقاً للقول النبوي: «أَمَّا مُنْتَظِرُو ٱلرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُّوَةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَٱلنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلا يَتْعَبُونَ، يَمْشُونَ وَلا يُعْيُون» (إشعياء 40: 31).

(6) إن مراحم الله عظيمة ودائمة، لا يمنعها عن جميع طالبيه. هكذا قال له المجد «مَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ، مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ أَدَمْتُ لَكِ ٱلرَّحْمَةَ» (إرميا 31: 3) فانطلاقاً من هذه الحقيقة المعلنة، راح داود يذكر الله بمراحمه الثابتة وإحساناته التي لا تُعد. فهذه الإحسانات وهذه المراحم الثابتة أزلية، اختبرها جميع القديسين. سواء كان قبل داود أم بعده. ونتعلم من طلبة داود، أن صفات الرحمة والإحسان، تلازم الله، ولا يمكن أن تنقطع مراحمه وإحساناته.

(7) عرف داود بالاختبار الشخصي، أن الله كثير الرحمة، ولا يحقد إلى الدهر. فهو يغفر الذنب، ويقبل التوبة. واستناداً إلى هذه الرحمة سأل الرب ان يغفر له، ولا يذكر خطاياه، سيما خطايا أيام الصبا والجهل. وقد نعتها بالمعاصي، لأنها في جوهرها عصيان لأوامر الله وتعدٍّ على شرائعه الإلهية. ولا يتوقف عند طلب الغفران، بل يطلب لإلهه أن يذكره من أجل جوده ولطفه وصلاحه. هذا هو باب الغفران الوحيد، أن نلتجئ إلى جود الله الغني بالرحمة، والذي ظهر بالأحرى في صليب ربنا يسوع.

(8 و9) يشهد المرنم لله، لكأنه يقول: الآن تستطيع نفسي أن تعترف بصلاح الله واستقامته. إنني أكف عن المشغولية بخطايا الصبا والمعاصي، لكي أجعل نفسي تخبر بفضائل الذي دعاها من الظلمة إلى نوره العجيب. وهذا أمر طبيعي، لأن النفس التي نالت خلاص الله، لا بد أن تحبه وتتعلق به. وخصوصاً حين تذكر أن الله في الصليب استطاع أن يخلصها ويعطيها براً وسلاماً.

وكون الله صالح ومستقيم، فهو يدرب الودعاء في الحق، ويعلمهم طرقه. وهنا يجب أن أذكر أن الوداعة ليست شيئاً طبيعياً في قلب الإنسان. وإنما هي نعمة يمنحها الله للذين يسلكون بتواضع أمامه ويتعلمون منه، بدليل قول المسيح «تعلَّموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم».

اطلبوا البر، اطلبوا التواضع، قال صفنيا النبي: فإن كنت تريد معرفة فكر الله، فعليك بالتواضع (صفنيا 2: 3). فإن الله يقاوم المستكبرين، أما المتواضعون فيعطيهم نعمة. المتواضعون المتدربون في الحق، يعلمهم الله طرقه، فتصبح حواسهم مدربة، لتمييز الأمور المتخالفة. أما إن كان أحد في كبريائه وشموخ نفسه، يريد الاستقلال بنفسه فلا بد أن يضل. وفي النهاية يأتي هلاكه.

(10) في الآية 8 شهد النبي المرنم، أن الرب صالح ومستقيم وفي الآية 9 شهد بأنه يدرب الودعاء في الحق. وهنا يشهد أن كل سبل الله رحمة وحق، بالنسبة للأتقياء حافظي عهد الرب. وشهاداته هذه، جاءت بفعل الإرشاد الإلهي، الذي قاده إلى معرفة الله في قداسته وحقه. فكل ما يقوله الله لأتقيائه وحافظي عهده، هو حق وعدل. إذا ليس من الممكن أن ينال الرحمة إلا الذين يسلكون في الطاعة.

(11) يختم المرنم هذا القسم من المزمور بصلاة حارة. مستصرخاً اسم الرب لأجل الصفح عن الخطايا، التي أثقلت ضميره، وتثقلت بها نفسه. إنه يعترف بأن اسمه عظيم وبهذا أدان نفسه وبرر الله، الذي لا يتبرر ذو جسد أمامه.

كثيرون يحاولون تبرير أنفسهم، مدعين بأنهم ليسوا خطاة. هؤلاء يدينون الله، الذي قال: الجميع زاغوا وفسدوا معاً. وكثيرون ينسبون خطاياهم إلى ظروف خارجة عن إرادتهم، محاولين أن يقللوا من مسؤوليتهم. هذه ليست الطريق المؤدية إلى الغفران. إن كنت تريد غفران خطاياك، فاعترف بها واتركها. هذه الحقيقة ذكرها الرسول يوحنا بقوله «إِنِ ٱعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ» (يوحنا الأولى 1: 9) لا تخف من الماضي الملوث، فإن الله يدعوك إلى المحاجة لكي يبررك. «هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَٱلْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَٱلثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَٱلدُّودِيِّ تَصِيرُ كَٱلصُّوفِ» (إشعياء 1: 18).

الترنيمة

Table 11. 

كُنْتُ مَدْيُونَ ٱلْعَلِيخَالِقَ ٱلْكُلِّ          
فَقَضَى دَيْنِي ٱلَّذِمَاتَ مِنْ أَجْلِي          
القرار           
قَدْ قَضَى دَيْنِيكُلَّهُ ٱلْحَمَلْ          
حِينَمَا مَاتَ لِذَاقَالَ قَدْ كَمَلْ          
إِذْ أَتَى مِنْ عَرْشِهِلِفِدَى ٱلإِنْسَانْ          
تَمَّ مَسْعَاهُ هُنَاكَامِلَ ٱلإِتْقَانْ          
أَيُّهَا ٱلسَّاعِي لأَنْتُدْرِكُ ٱلْبِرَّا          
ثِقْ فَفَادِي ٱلنَّاسِ قَدْتَمَّمَ ٱلأَمْرَا          
صَالحُ ٱلأَعْمَالِ ذَاثَمَرُ ٱلإِيمَانْ          
لاَزِمٌ لَكِنَّهُمَا بِهِ غُفْرَانْ          
فَإِلَى ٱلْفَادِي ٱلْجَأُواأَيُّهَا ٱلْخُطَاةْ          
تَلْبَسُوا مِنْ بِرِّهِحُلَّةَ ٱلْحَيَاةْ          

الصلاة: أبانا الذي في السموات، نطلب إليك أيها المبارك، ألاّ تسمح بخزي أي واحد من منتظريك. اليك أرفع نفسي، يا ساكناً في الأعالي، متوسلاً أن تغفر لي خطاياي الكثيرة، التي اقترفتها بالفكر والقول والعمل. إني أقر بضعفي، وبزيغاني عن طريقك المستقيمة. أضرع إليك يا إله خلاصي، أن تدربني في سبلك. ضللت طريقي، فاهدني طريقك. ثبتني في كلمتك، لكي أعرف الحق، فأتحرر من عبودية الباطل، وأتبرأ من ذنب عظيم. استجب لي صلاتي منعماً، ولك الشكر. آمين.

السؤال: 11 - ما هي البركات التي سألها داود من الله؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْخَامِسُ وَٱلْعِشْرُونَ - اختبار صلاح الله

12مَنْ هُوَ ٱلإِنْسَانُ ٱلْخَائِفُ ٱلرَّبَّ؟ يُعَلِّمُهُ طَرِيقاً يَخْتَارُهُ. 13نَفْسُهُ فِي ٱلْخَيْرِ تَبِيتُ، وَنَسْلُهُ يَرِثُ ٱلأَرْضَ. 14سِرُّ ٱلرَّبِّ لِخَائِفِيهِ وَعَهْدُهُ لِتَعْلِيمِهِمْ. 15عَيْنَايَ دَائِماً إِلَى ٱلرَّبِّ، لأَنَّهُ هُوَ يُخْرِجُ رِجْلَيَّ مِنَ ٱلشَّبَكَةِ.

16اِلْتَفِتْ إِلَيَّ وَٱرْحَمْنِي لأَنِّي وَحْدٌ وَمِسْكِينٌ أَنَا. 17اُفْرُجْ ضِيقَاتِ قَلْبِي. مِنْ شَدَائِدِي أَخْرِجْنِي. 18ٱنْظُرْ إِلَى ذُلِّي وَتَعَبِي وَٱغْفِرْ جَمِيعَ خَطَايَايَ.

(12) إن مخافة الرب، هي طريق الحق، الذي فيه يتولى الرب تعليم الذين يخافونه. وفي اعتقادي أن إدراك النعمة على حقيقتها إدراكاً صحيحاً، يقود النفس إلى مخافة الرب. ولكن ليس خوف العبودية، بل خوف المحبة. لأن معرفة الله كإله النعمة، يحرر النفس من عبودية الخوف. هكذا علمنا الرسول يوحنا: «لا خَوْفَ فِي ٱلْمَحَبَّةِ، بَلِ ٱلْمَحَبَّةُ ٱلْكَامِلَةُ تَطْرَحُ ٱلْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ» (رسالة يوحنا الأولى 4: 18) قال أحد الأتقياء: متى كملت المحبة تطرح الخوف من قلب المؤمن، لأن المؤمن واثق قلبه ممكن في الله. وثقته ناشئة عن كون المسيح صديقه، وقد خلصه من الخطية، التي هي علة الخوف.

إن الإنسان الذي يخاف الله خوف المحبة، يقوده الرب بالمحبة إلى سلوك الطريق المستقيمة، التي يختارها الرب. وهي الطريق المضمونة السلامة، بحيث لا يبقى المؤمن محتاراً متردداً على مفترق الطرق وفي منعطفاتها. لأن السيد الرب أرشده، إلى الطريق المؤدية إليه بالمسيح.

كانت مخافة الرب موضوعاً لاهتمام رجال الله الموحى إليهم. فسليمان الحكيم يعلمنا: «إن مخافة الرب رأس المعرفة» (أمثال 1: 7) ومعنى هذا أن لا معرفة ولا فلسفة صحيحة، بعيداً عن مخافة الرب. وكل من يدعي المعرفة ويتجاهل الرب، ليس إلا غبياً جاهلاً. ولكن للأسف الشديد أن العدد العديد من مفكري هذا العصر، ألقوا بمخافة الرب عرض الحائط. فكثرت السخافات، التي يتقبلها البسطاء على أنها علوم وفلسفة. فتمت فيهم كلمة رسول الأمم بولس: «وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلاءَ» (رومية 1: 22).

ثق يا أخي أن مخافة الرب تحفظك في الصراط المستقيم، بخلاف أولئك الذين طرحوا عنهم مخافة الرب، الذين كما قال الحكيم، يأكلون من ثمر طريقهم. وقد سجل عليهم الكتاب المقدس، أنهم أبغضوا العلم الصحيح. ولم يختاروا مخافة الرب.

(13) إن الذي يخاف الرب، يسلك في الحق والبر وبذلك يبلغ أوج السعادة. إنسان كهذا، نفسه في الخير تبيت. إنه يتمتع بكل البركات، التي أعدها الله لخائفيه الراجين رحمته. فضلاً عما يهبه الله من سلام واطمئنان وراحة، في عالم يسوده الخوف والقلق.

كان المرنم كغيره من رجال العهد القديم، ينظر إلى البركات الرفيعة كهبة محبوبة من الله. أما بالنسبة لنا نحن العائشين في عهد النعمة، فنصيبنا أفضل. إذ لنا في المسيح ميراث، لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل محفوظ في السموات (رسالة بطرس الأولى 1: 4).

(14) يتولى الرب خائفيه بالإرشاد، في كل طرقهم. ويغمرهم بالخير والإحسان. ومن امتيازات هؤلاء الأبرار، أن الرب يعلن لهم سرائره بواسطة كلمته وبإرشاد روحه القدوس. فيتعلمون عهده، وينالون ما فيه من بركات موعودة.

وكذلك خائفو الرب، يتمتعون بالشركة السعيدة مع إلههم وهو يغمرهم برضاه ويشملهم بمحبته، وفقاً لقول المسيح: «اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ ٱلَّذِي يُحِبُّنِي، وَٱلَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي» (الإنجيل بحسب يوحنا 14: 21) جاء في أمثال 8: 17 «أَنَا أُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَنِي، وَٱلَّذِينَ يُبَكِّرُونَ إِلَيَّ يَجِدُونَنِي». فيا أخي الشاب بكر بمجيئك إلى الله كما فعل يوسف وصموئيل ودانيال وتيموثاوس، فتجد الله لك خلاصاً وعوناً وحياة أبدية. اسع إلى الله في المسيح لأن كلمة المسيح «وأنا أحبه» تعني أن المسيح يصير لمن يحبه فادياً وأخاً وصديقاً ورفيق درب وحامياً. واعلم أنه لا شيء أمجد من هذا، أن المسيح يحبنا.

(15) لقد عرف النبي أن الرب قريب من الودعاء والمتواضعين الذين يخافونه. وأنه يعتني بهم، ويرشدهم الطريق التي يسلكونها. ويكشف لهم عن أسرار ومقاصد نعمته. لذلك يرفع عينيه نحو الرب أي يجعله متكله. ويطلب منه العون، واثقاً بمحبته المعتنية وفي قدرته القادرة أن تنجيه من الشبكة، التي ينصبها له الأعداء.

إن هذه النظرة المستمرة إلى الأعالي، تقابل بالعون الإلهي. وإن كانت الشبكة تقيد الأيدي والأرجل، فإنها لا تستطيع أن تقيد عيني الإيمان، اللتين ترتفعان إلى الأعالي. إنهما تريان ما لا يُرى من مجد الله. فيثبت القلب، وتتعزى النفس.

هل عيناك دائماً إلى الرب؟ هل تتعبد له، مصلياً وشاكراً لأجل المراحم الإلهية، التي لا تتخلى عنك، والتي تجعلك قادراً على مواجهة الأحداث، بشجاعة المؤمن الواثق في الله؟ هذه دعوتك كمؤمن، إن سلكت فيها، تجعل الله رفيقاً لك.

(16) بعد أن تحدث النبي الكريم بلغة الواثق في صلاح الله ورحمته وقدرته الفائقة، يستصرخ الله ويسأله في تضرّع أن يخلصه من أعدائه. فقد كان هارباً من وجه ابنه أبشالوم الثائر، وليس أقسى على القلب الأبوي من عقوق الأبناء. لذلك فهو يسكب قلبه أمام الله. لقد طلب إلى الرب، أن يلتفت إليه ويرحم مذلته. فقد مرت به ظروف قاسية، شعر خلالها أنه وحيد ومسكين، بلا صديق ولا معين. وليس على النفس المجرمة أثقل من هذا الشعور.

الترنيمة

Table 12. 

لاَ تَخْشَ مِنْ رُزْءٍ عَرَاكْفَرَبُّكَ ٱلْمُعِينْ        
تَحْتَ جَنَاحَيْهِ حِمَاكْمَلاَذُكَ ٱلأَمِينْ        
إِذْ يَعْتَنِي بِكَفِي كُلِّ حِينْ هُوَ ٱلْمُعِينْ        
إِذْ يَعْتَنِي بِكَإِذْ يَعْتَنِي بِكَ        
إِنْ هَاجَمَ ٱلْنَّفْسَ ٱلْكَدَرْفَٱلْجَأْ إِلَى يَسُوعْ        
يُنْقِذُهَا مِنَ ٱلْخَطَرْفَلاَ أَذَىً يَرُوعْ        
تَنَالُ مِنْهُ مَا تُرِيدْمِنْ وَافِرِ ٱلْعَطَاءْ        
وَجُودُهُ يُولِي ٱلْمَزِيدْبِفَائِقِ ٱلْسَّخَاءْ        
إِنَّ تَجَارِيبَ ٱلْزَّمَانْكَثِيرَةُ ٱلْكُرُوبْ        
لَكِنَّهُ يُعْطِي ٱلأَمَانْفَنَأْمَنُ ٱلْخُطُوبْ        

الصلاة: أيها السيد الرب، ملكي وإلهي. إليك أرفع نفسي يا ساكناً في الأعالي. من أجل اسمك المبارك اغفر لي خطاياي. ومن أجل رحمتك الكثيرة، ارحمني وارفع مذلتي. دربني في حقك، لأنك أنت إله حق. حررني من عبودية الفساد، حتى أحيا لك في بر وقداسة. طهر شفتيّ، لكي تسبحانك على الدوام. طهر قلبي واملأه بالمحبة، لكي أحبك من كل قلبي وأحب أخي الإنسان كنفسي. من أجل اسمك القدوس استجب لي. آمين.

السؤال: 12 - من هو الإنسان الخائف الرب؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ - الله نور

1اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ ٱلرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟ 2عِنْدَ مَا ٱقْتَرَبَ إِلَيَّ ٱلأَشْرَارُ لِيَأْكُلُوا لَحْمِي، مُضَايِقِيَّ وَأَعْدَائِي عَثَرُوا وَسَقَطُوا. 3إِنْ نَزَلَ عَلَيَّ جَيْشٌ لا يَخَافُ قَلْبِي. إِنْ قَامَتْ عَلَيَّ حَرْبٌ فَفِي ذٰلِكَ أَنَا مُطْمَئِنٌّ. 4وَاحِدَةً سَأَلْتُ مِنَ ٱلرَّبِّ وَإِيَّاهَا أَلْتَمِسُ: أَنْ أَسْكُنَ فِي بَيْتِ ٱلرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي، لِكَيْ أَنْظُرَ إِلَى جَمَالِ ٱلرَّبِّ، وَأَتَفَرَّسَ فِي هَيْكَلِهِ. 5لأَنَّهُ يُخَبِّئُنِي فِي مَظَلَّتِهِ فِي يَوْمِ ٱلشَّرِّ. يَسْتُرُنِي بِسِتْرِ خَيْمَتِهِ. عَلَى صَخْرَةٍ يَرْفَعُنِي. 6وَٱلآنَ يَرْتَفِعُ رَأْسِي عَلَى أَعْدَائِي حَوْلِي، فَأَذْبَحُ فِي خَيْمَتِهِ ذَبَائِحَ ٱلْهُتَافِ. أُغَنِّي وَأُرَنِّمُ لِلرَّبِّ.

قال أحد الأتقياء «ما قرأت المزمور 27 مرة، إلا وامتلأت نفسي بالاطمئنان، واطمئناني هذا، هو حاصل ثقتي الكاملة في الله، الذي هو نور وخلاص لكل الذين يدعونه الذين يدعونه بالحق». فطوبى للرجل، الذي له هذه الثقة في الله. إنه لا يخزى ولا يخجل لأنه مستنير بالرب، مخلص بنعمته.

(1) حين قال يسوع: «أنا هو نور العالم»، امتلأ خاطر يوحنا الإنجيلي بهذا الإعلان العظيم. وألهمه الروح القدس أن يكتب شهادته لأجل إنارتنا فقال: «وَهٰذَا هُوَ ٱلْخَبَرُ ٱلَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ ٱللّٰهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ ٱلْبَتَّةَ. إِنْ قُلْنَا إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي ٱلظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ ٱلْحَقَّ. وَلٰكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي ٱلنُّورِ كَمَا هُوَ فِي ٱلنُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (رسالة يوحنا الأولى 1: 5-7).

اسلك في النور، هذه دعوة الله لك في المسيح نور العالم، لكي يستنير قلبك، وتعرف يسوع مخلصك ومنير سبيلك. وعندئذ تتلاشى قوة الخطية في جسدك، وتتحقق لك مغفرة الخطايا.

وحين قال يسوع: «أَنَا هُوَ ٱلْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى» (الإنجيل بحسب يوحنا 10: 9) عرف سامعوه لأول مرة معنى النشيد، الذي تفوه به إشعياء النبي: «هُوَذَا ٱللّٰهُ خَلاصِي فَأَطْمَئِنُّ وَلا أَرْتَعِبُ، لأَنَّ يَاهَ يَهْوَهَ قُّوَتِي وَتَرْنِيمَتِي وَقَدْ صَارَ لِي خَلاصاً» (إشعياء 12: 2).

قد تقول مع كثيرين، إن الرب مخلص فعلاً. ولكن أية فائدة لك من هذا، إن لم تقبله بالإيمان، وتتخذه مخلصاً شخصياً؟ إنه الباب المؤدي إلى الخلاص، فكن حكيماً وادخل به فتخلص. الباب مفتوح والحمد لله. والوقت مناسب، لأن الله يقول: «هُوَذَا ٱلآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا ٱلآنَ يَوْمُ خَلاصٍ» (كورنثوس الثانية 6: 2).

لا تخشَ شراً، لأن الرب الذي قبلت خلاصه هو حصن مكين، يركض إليه الصديق، فيجد فيه الهدوء والسلام، بحيث لا يقدر أحد أن يخيفه أو يثير الاضطراب في نفسه.

رسم فنان لوحة، عنوانها «هدوء في وسط العاصفة» فصوَّر بحيرة متلاطمة بالأمواج، وفي وسطها صخرة كبيرة عالية. وفي تجويف بأعلى الصخرة عش، فيه عصفور جاثم ومستغرق في نوم هادئ. فزئير العاصفة حوله وهدير الأمواج، لم يستطع منعه من التمتع بإغفاءة ناعمة! فكان اطمئنانه مرتكزاً على وجود عشه في رأس تلك الصخرة، التي لا تستطيع أعتى العواصف أن تزعزعها. هكذا من كان حصن حياته صخرة الدهور، ربنا ومخلصنا يسوع المسيح. فإن اضطرابات العالم، لا تقدر أن تزعزع سلامه.

(2 و3) كان أعداء داود يطلبون نفسه. وقد شبههم بالوحوش الجائعة، التي تمزق جسد الفريسة وتلتهم لحمها. ولكن هؤلاء الأعداء فشلت محاولاتهم. لأن الله، كان متولياً حماية صفيه، وبقوته الإلهية التي لا تغلب، أسقط مؤامرة أعدائه.

لقد تعلم النبي الكريم من انتصاره على جليات الجبار، أن الرب آخذ بيده. لذلك إن هجم عليه جيش شاول، ليدمره مع جماعته الصغيرة، فهو لن يفقد اطمئنانه. لأن الله سيخزي أعداءه. ويخرجه من وسط الحرب ظافراً ومنتصراً.

(4) شيء واحد، كان يشتهيه هذا المؤمن المتكل على إله خلاصه. وهو أن يكون الرب معه، ليس في وقت اشتداد الضيق وحسب بل أيضاً في كل أدوار حياته. فهو يحب التأمل في جمالات الله، التي تتراءى له في أمانته مع خائفيه.

هذا حنين عميق جداً، حري بكل إنسان أن يمتلئ به. فيكون قلبه في جوار الله، ليتعبد له في خشوع المحبة. فليتك يا أخي تتمثل بهذا الرجل الكبير، الذي سلم قلبه كلياً لله وجعله متكله في كل حين.

(5) كان يوم الشر حينئذ بالنسبة لداود، موجوداً فعلاً. لأن أعداءه، كانوا يترصدونه نهاراً وليلاً للقضاء عليه. ولكن ثقته في الله، كانت أقوى من يوم الشر. كان موقناً بأن الرب، سيخبئه في مظلة حمايته في يوم الشر.

نحن نعيش في زمن، مفعم بالخوف من أخطار الحروب ولهذا تنشأ في كل مدينة ملاجئ، وتوضع تحت تصرف الدفاع المدني لوقاية السكان، أثناء الغارات الجوية، ولكن هذه الملاجئ مهما بلغت متانتها، ليست ضمانة أكيدة ماية في الماية. فقد تصاب الأبنية، التي شيدت الملاجئ تحتها بالقنابل الشديدة الانفجار مباشرة، فتدمر كلياً، ويهلك جميع من فيها. وقد لا يصل الجميع إلى الملاجئ في يوم الشر، فيبقى الخطر ماثلاً. أما الملجأ الحصين، الرب يسوع المسيح فهو ضمان أكيد.

قد يستطيع العالم الشرير، أن يبتلينا بالضيقات، وأن يعاملنا بنوه بقسوة. ولكن لا توجد قوة ولا خليقة أخرى، قادرة أن تسلبنا امتيازنا في المسيح. ولا أن تزيل عنا رحمة الله المحيطة بنا. هذا الامتياز تمتع به بولس، فكتب لنا عنه بمداد الاختبار هذه العبارات الرائعة: «مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ ٱلْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَيْقٌ أَمِ ٱضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ... فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لا مَوْتَ وَلا حَيَاةَ، وَلا مَلائِكَةَ وَلا رُؤَسَاءَ، وَلا قُّوَاتِ، وَلا أُمُورَ حَاضِرَةً وَلا مُسْتَقْبَلَةً وَلا عُلْوَ وَلا عُمْقَ، وَلا خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا» (رسالة رومية 8: 35-38).

(6) عاش داود أياماً عصيبة، فقد ضايقه أعداؤه. وكادوا يفتكون به. ولكن الله وضع عليه حمايته ثم نصره، فامتلأ قلبه بالفرح. لأن أعداءه أصبحوا في أسفل، بعد الهزيمة التي منوا بها. لذلك فهو فخور، ليس بنفسه بل بالله، الذي لم يمنع رحمته عنه. وبديهي أن يمتلئ قلبه بعواطف الشكر، وأن يرتفع صوته بأطيب الأغاني الروحية.

قال يسوع لخاصته: «فِي ٱلْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلٰكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ ٱلْعَالَمَ» (الإنجيل بحسب يوحنا 16: 33) ونحن الذين آلت إلينا كلمة المسيح، يجب أن نثق في عناية الرب، الذي غلب العالم وأعطانا الغلبة. لنا إيمان وإيماننا سيغلب، ينتصر ويتزكى بقوة الرب الفادي المنتصر. ولنا رجاء ينتظر وسينال ما يرجوه. لأن الله حسب رحمته الكثيرة، ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع من الأموات، لميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل، محفوظ في السموات (رسالة بطرس الأولى 1: 3) ولنا محبة تطرد الخوف إلى خارج، لأنها تحتمل كل شيء وتصدق كل شيء وترجو كل شيء.

الترنيمة

Table 13. 

بِرٌّ سَلاَمٌ مَعْ سُرُورْأَوْصَافُ مُلْكِ ٱلْبَارِي          
تَبْقَى إِلَى دَهْرِ ٱلْدُهُورْلِلْمُؤْمِنِ ٱلْمُخْتَارِ          
هَذَا سَلاَمُ ٱلْمُؤْمِنِينْمِنْ رَبِّهِمْ حُلْوٌ ثُمِينْ          
سَلاَمٌ سَلاَمٌسَلاَمٌ كُلَّ حِينْ          
لاَ تَقْدِرُ ٱلدُّنْيُا تُنِيلْهَذَا ٱلسَّلاَمَ ٱلأَسْمَى          
كَلاَّ وَلاَ عَنَّا تُزِيلْتِلْكَ ٱلْعَطَايَا ٱلْعُظْمَى          
هَذَا سَلاَمٌ لِي شَرَاهْرَبُّ ٱلْفِدَى بِٱلصَّلْبِ          
كَٱلنَّهْرِ يَجْرِي فِي صَفَاهْيُرْوِي ظَمَاءَ ٱلْقَلْبِ          
اَلأَمْنُ فِيهِ وَٱلْهُجُوعْهَذَا ٱلسَّلاَمُ ٱلْبَاقِي          
فَإِنَّمَا آلْمُعْطِي يَسُوعْبَاقٍ عَلَى ٱلْمِيثَاقِ          
إِنْ تَطُمْ حَوْلِي ٱلنَّائِبَاتْكَٱللُّجِ وَسْطَ ٱلْبَحْرِ          
يَدُمْ سَلاَمِي فِي ثَبَاتْأَسَاسُهُ فِي ٱلصَّخْرِ          

الصلاة: أيها الرب أنت نورنا، الذي نهتدي به في هذا العالم المظلم. وأنت خلاصنا، الموهوب بالنعمة، وقد خلصتنا. وأنت سلامنا وقد وهبتنا سلام الله الذي يفوق كل عقل. وأنت معيننا الذي فيه نحتمي ضد عاديات هذا الدهر. يا رب ابسط حمايتك على أوطاننا، المهددة بدمار الحروب. يا رب انشر سلامك في عالمنا المضطرب، وافعم به كل قلب. حتى يهدأ اضطرابه، ويتحول إلى هيكل مقدس، يليق بسكنى روحك القدوس. آمين.

السؤال: 13 - ماذا نتعلم من اختبارات داود، التي بسطها في هذه الآيات؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ - تابع

7اِسْتَمِعْ يَا رَبُّ. بِصَوْتِي أَدْعُو فَٱرْحَمْنِي وَٱسْتَجِبْ لِي. 8لَكَ قَالَ قَلْبِي: «قُلْتَ ٱطْلُبُوا وَجْهِي. وَجْهَكَ يَا رَبُّ أَطْلُبُ». 9لا تَحْجُبْ وَجْهَكَ عَنِّي. لا تُخَيِّبْ بِسَخَطٍ عَبْدَكَ. قَدْ كُنْتَ عَوْنِي، فَلا تَرْفُضْنِي وَلا تَتْرُكْنِي يَا إِلٰهَ خَلاصِي. 10إِنَّ أَبِي وَأُمِّي قَدْ تَرَكَانِي وَٱلرَّبُّ يَضُمُّنِي. 11عَلِّمْنِي يَا رَبُّ طَرِيقَكَ، وَٱهْدِنِي فِي سَبِيلٍ مُسْتَقِيمٍ بِسَبَبِ أَعْدَائِي. 12لا تُسَلِّمْنِي إِلَى مَرَامِ مُضَايِقِيَّ، لأَنَّهُ قَدْ قَامَ عَلَيَّ شُهُودُ زُورٍ وَنَافِثُ ظُلْمٍ. 13لَوْلا أَنَّنِي آمَنْتُ بِأَنْ أَرَى جُودَ ٱلرَّبِّ فِي أَرْضِ ٱلأَحْيَاءِ 14ٱنْتَظِرِ ٱلرَّبَّ. لِيَتَشَدَّدْ وَلْيَتَشَجَّعْ قَلْبُكَ وَٱنْتَظِرِ ٱلرَّبَّ.

(7) يصلي أيضاً النبي، طالباً الرحمة بتضرّعٍ ملحٍ. ليس لأن الله لم يسمع له وينقذه من الضيق، بل لأنه شعر بحاجة إلى الاقتراب إلى الله أكثر. وهذا لا يأتي، إلا بانكسار القلب امام الله. ولعله بالغ في فرحه بالانتصار على أعدائه، حتى صار عنده شيء من الزهو المتعالي، الذي هو مكرهة في عيني الرب. ولكن الله الذي تعهده بالعناية، لم يتركه يذهب بعيداً في زهوه. فسرعان ما أوجد فيه الشعور بالمذنوبية، فتكدرت بهجة خلاصه، وتضايقت روحه في داخله. فأنّ وتذلل بانكسار قلب، واسترحم بلجاجة من يشعر ببعد الاستجابة لسؤله.

شيء من هذا حدث لسمعان بطرس، رسول المسيح. فيما كان مع التلاميذ الآخرين وسط اللجة، معذبين من الامواج، وكان الوقت ليلاً، جاء يسوع ماشياً على صفحة الماء، فخافوا إذ ظنوه شبحاً. ولما أعلن لهم ذاته قائلاً: أنا هو لا تخافوا، سأله بطرس: إن كنت هو فمرني أن آتي إليك على الماء. فاستجاب لرغبته، وأعطاه القدرة على المشي على الماء. ولكنه إذ كان قصده أن يظهر عظمة إيمانه، تملكه الزهو وراح ينظر إلى نفسه. حينئذ هاجمه الخوف، وابتدأ يغرق. وفي غمرة خوفه صرخ: يا رب نجني! ففي الحال مد يسوع يده، وأمسك به (الإنجيل بحسب متى 14: 27-31).

كان بطرس يحسن السباحة، ولكنه يئس من النجاة، فطلب مساعدة الرب يسوع. وكانت صلاته من كلمتين: «يا رب نجني». ولكن صلاته الموجزة اقتدرت في فعلها، لأنه وجهها إلى من يجب أن توجه إليه. نعم إن بطرس أخذ بالزهو، حتى تحول نظره عن المسيح إلى نفسه. ولكنه استدرك قبل فوات الوقت وصرخ إلى يسوع فنجا. هذه الحادثة تعلمنا أن لا نعرض أنفسنا للخطر، لكي ينقذنا الله منه.

إن كلمة المسيح «لا تخافوا» قد كتبت في الإنجيل بإلهام الروح القدس من أجلنا. حتى حين نتلوها، نتذكر أن السيد الرب، الذي انتهر العاصفة وأسكتها. وأتاح لسمعان بطرس أن يمشي على صفحة الماء، ما زال هو هو، يستطيع أن ينتهر مخاوفنا ويسير بنا فوق أمواج مضايقات هذا الدهر. وحين تعج الأمواج، غمراً ينادي غمراً محاولة أن تبتلعنا، يمد يده المقتدرة ويمسك بنا.

كان داود النبي والمرنم والملك مطيعاً، إذ صدع بأمر الرب. وطلب وجهه، والتمس رضاه، تاركاً لنا مثالاً في طرق باب النعمة لنيل المزيد من البركات. هذا متاح لنا وعلى نطاق أوسع، لأن النعمة صارت لنا في يسوع المسيح فادينا وشفيعنا. ولنا منه الوعد بأن الباب لا يوصد في وجوهنا، بدليل قوله: «اقرعوا يُفتح لكم».

قال إشعياء النبي: «اُطْلُبُوا ٱلرَّبَّ مَا دَامَ يُوجَدُ. ٱدْعُوهُ وَهُوَ قَرِيبٌ» (إشعياء 55: 6) هذا القول الإلهي المشجع يتضمن دعوة صريحة لكل مؤمن أن يسرع بطلب وجه الله سريعاً، قبل فوات الأوان. صحيح أن الله يتأنى علينا، ولا يشأ أن يهلك أناس. ولكن المسيح حذر من التلكؤ في طلب وجه الله. إذ قال: «ٱلنُّورُ مَعَكُمْ زَمَاناً قَلِيلاً بَعْدُ، فَسِيرُوا مَا دَامَ لَكُمُ ٱلنُّورُ لِئَلاّ يُدْرِكَكُمُ ٱلظَّلامُ. وَٱلَّذِي يَسِيرُ فِي ٱلظَّلامِ لا يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ. مَا دَامَ لَكُمُ ٱلنُّورُ آمِنُوا بِٱلنُّورِ لِتَصِيرُوا أَبْنَاءَ ٱلنُّورِ» (يوحنا 12: 35 و36) ونفهم من هذه الآيات أن قصد الله من حلمه، هو قيادة الناس إلى التوبة لئلا يهلكوا. هكذا نقرأ في كتابه العزيز: «حَيٌّ أَنَا يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ، إِنِّي لا أُسَرُّ بِمَوْتِ ٱلشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجِعَ ٱلشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا» (حزقيال 33: 11).

(9) يتابع النبي المصلي في توسلاته، فيسأل ربه أن لا يحجب وجهه عنه، وأن لا يسخطه بغضبه، لئلا يخيب. وفي توسله يتجاسر على أن يذكر الله بالأيام السالفة، التي كان فيها عوناً مستديماً له. كأنه يقول له: إن خيبتي غير لائقة بلطفك، الذي عهدته واختبرت غناه بالمراحم الكثيرة. هذه هي صلاة الجهاد، التي أشار إليها الرب يسوع في مثل قاضي الظلم، عن تلك المرأة التي تجاسرت على القاضي بلجاجة شديدة، حتى اضطرته لأن ينصفها. ومثل جهاد يعقوب مع ملاك الرب والتشبث به، قائلاً: لا أطلقك إن لم تباركني.

(10) ويبلغ داود الذروة، في الاستعطاف واستدرار رأفة الله. ويبدي في كلماته أروع مظاهر الإيمان الحي الواثق في الله، الراجي رحمته. وذلك في قوله: «إن أبي وأمي قد تركاني والرب يضمني» هذه العبارات تذكرنا بما فعله يسوع للشاب، الذي وُلد أعمى. فهذا المسكين، حين طرده رجال الدين من المجمع، وتنكر له والداه، وجده يسوع وضمه إلى خاصته المفديين. ويسوع الذي جسد محبة الله، ما زال يجد ويقبل جميع الذين ينبذهم العالم من أجل اسمه.

(11-13) في القديم قال الله للشعب بواسطة النبي «قِفُوا عَلَى ٱلطُّرُقِ وَٱنْظُرُوا، وَٱسْأَلُوا عَنِ ٱلسُّبُلِ ٱلْقَدِيمَةِ: أَيْنَ هُوَ ٱلطَّرِيقُ ٱلصَّالِحُ» (إرميا 6: 16) وداود سأل الرب، أن يعلمه طريقه. أما نحن فقد خصنا الله بنعمة فائقة، إذ لم يأمرنا بالبحث عن الطريق الصالح. ولم ينتظر أن نسأله، لكي يعلمنا طريقه. بل جاء هو نفسه في المسيح وقال «أَنَا هُوَ ٱلطَّرِيقُ وَٱلْحَقُّ وَٱلْحَيَاةُ... تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ ٱلْمُتْعَبِينَ وَٱلثَّقِيلِي ٱلأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ» (الإنجيل بحسب يوحنا 14: 6 ، الإنجيل بحسب متى 11: 28).

ولم ينتظر أن نسأله الحماية من أعدائنا ومن ظلمهم وافتراءات ألسنتهم، بل هو نفسه وقف في المحاكمة، وتعرض لألسنة شهود الزور، وظلم قيافا، وزبانية الأشرار. واحتمل الإهانات والآلام حتى موت الصليب، لكي يوقفنا في يوم الابتهاج، أمام أبيه قديسين وبلا لوم في المحبة.

(14) في ختام هذا المزمور المجيد، يشعرنا داود، بأنه تلقى جواب الرب على صلاته. كأنه يقول له: ليكن لك إيمان منتظر وتشدد. لأن الإيمان الذي لا ينتظر الرب، هو إيمان ضعيف. كلنا نحتاج إلى الإيمان المنتظر الرب، لئلا نكل ونعثر ونسقط. قال أحد الأتقياء: نحن ننتظر الرب، أولاً لأجل الخلاص. وبعد ذلك نتعلم أن الخلاص، إنما يأتي بنا إلى الله. ويعلمنا أن ننتظره.

ليتك تتعلم هذا الدرس، أنك لست في سبيل انتظار نفسك، حتى ترى ما هو شعورك، وماذا يحدث داخلك. وإنما تنتظر الرب، الذي يريد أن يعمل فيك أكثر مما تفتكر. ليتك تثق فيه وتنتظره، ليتقوى ويتشجع قلبك. لا تدع شيئاً في السماء أو الأرض، يحرمك من انتظار الرب. انتظره واثقاً من أن هذا الانتظار، لا يمكن أن يكون باطلاً. انتظر الرب في روح الرجاء الكلي، عالماً أن الذي تنتظره هو الله، الذي يسر قلبه أن يشجع قلبك ويباركك بكل بركة.

الترنيمة

Table 14. 

قرار           
أُقَّدِمُ ٱلْحَمْدَ ٱلْكَثِيرْلِسَيِّدِي ٱلْرَبَّ ٱلْقَدِيرْ          
ٱلْرَبُّ نُورِي مُنْقِذِيإِذَنْ فَمِمَنْ أَجْزَعُ          
حِصْنُ حَيَاتِي خَالِقِيإِذَنْ فَمِمَنْ أَفْزَعُ          
وَعِنْدَمَا قَامَ ٱلْعِدَىفِي شَرِّ قَلْبِهِمْ عَلَيّ          
قَدْ عَثَرُوا وَٱنْقَلَبُواوَلَمْ يُصِبْنِي قَطُّ شَي          
إِنْ يَغْزُنِي ٱلْعِدَىفَإِنَّنِي لاَ أَرْتَعِبْ          
مَهْمَا تَكُنْ قُوَّاتُهُمْضِدِّي فَلَسْتُ أَضْطَرِبْ          
رَبُّ ٱلسَّمَا يَحْفَظُنِييَوْمَ ٱلْبَلاَيَا وَٱلشُّرُورْ          
يُخْبِأَنِي لِي سَاتِراًبِسِتْرِهِ مَدَى ٱلدُّهُورْ          
عَلَى مَنِيعِ صَخْرَةٍيَرْفَعُنِي ٱلْربُّ ٱلْمُعِينْ          
وَٱلآنَ تَعْلُو هَامَتِيعَلَى ٱلْعِدَى وَٱلْمُبْغِضِينْ          
إِيَّاكَ أَدْعُو سَيِّدِيفَٱسْمَعْ وَأَصْغِ لِنِدَاي          
وَاعْطِفْ عَلَيَّ رَاحِماًأَجِبْ صَلاَتِي وَدُعَاي          

الصلاة: يا ساكناً في الأعالي، في نور لا يدنى منه تبارك اسمك، يا إلهنا العظيم. لك نرفع أصواتنا، بالحمد والتسبيح والهليلويات. ونصلي شاكرين، لأجل سيرة رجالك الأمناء، الذين اختبروا خلاصك وعنايتك الراحمة. وكتبوا لنا كل ما خبروه من عمل رحمتك. تعهدنا بهذه الرحمة يا أبانا، واعطنا الإيمان الواثق لكي نطلب وجهك الكريم. اعطنا روح الانتظار، وشدد وشجع قلوبنا، حتى نثبت، ونمضي في طريقك. ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع. آمين.

السؤال: 14 - ماذا طلب النبي في صلاته؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّانِي وَٱلثَّلاثُون - عظة مختبر

1طُوبَى لِلَّذِي غُفِرَ إِثْمُهُ وَسُتِرَتْ خَطِيَّتُهُ. 2طُوبَى لِرَجُلٍ لا يَحْسِبُ لَهُ ٱلرَّبُّ خَطِيَّةً، وَلا فِي رُوحِهِ غِشٌّ.

3لَمَّا سَكَتُّ بَلِيَتْ عِظَامِي مِنْ زَفِيرِي ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ، 4لأَنَّ يَدَكَ ثَقُلَتْ عَلَيَّ نَهَاراً وَلَيْلاً. تَحَوَّلَتْ رُطُوبَتِي إِلَى يُبُوسَةِ ٱلْقَيْظِ. سِلاهْ. 5أَعْتَرِفُ لَكَ بِخَطِيَّتِي وَلا أَكْتُمُ إِثْمِي. قُلْتُ: «أَعْتَرِفُ لِلرَّبِّ بِذَنْبِي» وَأَنْتَ رَفَعْتَ أَثَامَ خَطِيَّتِي. سِلاهْ. 6لِهٰذَا يُصَلِّي لَكَ كُلُّ تَقِيٍّ فِي وَقْتٍ يَجِدُكَ فِيهِ. عِنْدَ غَمَارَةِ ٱلْمِيَاهِ ٱلْكَثِيرَةِ إِيَّاهُ لا تُصِيبُ. 7أَنْتَ سِتْرٌ لِي. مِنَ ٱلضِّيقِ تَحْفَظُنِي. بِتَرَنُّمِ ٱلنَّجَاةِ تَكْتَنِفُنِي. سِلاهْ.

في هذا المزمور يبدو الكاتب، واعظاً مختبراً حياة الله. وهو من مزامير التوبة، التي أحبها أغسطينوس. ويرجح ثقات المفسرين أن داود كتب هذا المزمور، بعد أن تأكد من غفران الخطية المزدوجة التي ارتكبها ضد أوريا الحثي وزوجته.

(1 و2) إن أشعة الغفران، التي سطعت في قلب المرنم، لم تلبث أن عبر عنها بهذه الكلمات: «طوبى للذي غُفر إثمه وسُترت خطيته» من المؤكد أنه ليس من طبيعة الله أن يمالئ الخطية، ولكنه يغفرها للتائب. وعندئذ يسدل عليها الستر. هكذا يقول الرب «قَدْ مَحَوْتُ كَغَيْمٍ ذُنُوبَكَ وَكَسَحَابَةٍ خَطَايَاكَ. اِرْجِعْ إِلَيَّ لأَنِّي فَدَيْتُكَ» (إشعياء 44: 22) وقد أخبرنا الرب يسوع، أنه «يَكُونُ فَرَحٌ فِي ٱلسَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَارّاً لا يَحْتَاجُونَ إِلَى تَوْبَةٍ» (الإنجيل بحسب لوقا 15: 7).

من المسلم به أن المسيحية، لا تهون من أمر الخطية، ولا تقلل من أضرار عواقبها. ومن خامره هذا الظن، فليعد إلى تلك اللحظة المروعة من تاريخ الفداء، حين شوهد ربنا ومخلصنا يسوع، معلقاً بين السماء والأرض، ومسمراً في يديه ورجليه. بعد أن تخلت عنه الإنسانية، التي جاء ليفتديها من لعنة الناموس. هذا هو السر في ستر خطايانا، إن يسوع وهو متخذ صفة حمل الله، حملها في جسده على الخشبة. فتم القول النبوي: «وَعَبْدِي ٱلْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا» (إشعياء 53: 11).

لم يكن المرنم ملماً بسر الفداء، فقد كان هذا السر مكتوماً حتى عن الملائكة، ومخبّأً في مكنونات التدبير الإلهي. لأن ملء الزمان، لم يكن قد جاء. بيد أن طيف الفادي، تراءى له، كما تراءى لأيوب الذي اشتهاه كمصالح بينه وبين الله (أيوب 9: 33) وكما تراءى لإشعياء في حمل يساق إلى الذبح ليكفر عن خطايا كثيرين ويشفع في المذنبين (إشعياء 53: 12).

(3) لقد كتم داود خطاياه حصة من الزمن، قبل أن يتوب عنها ويتركها. ولكن في لحظة من لحظات العمر السعيدة، أعلن له إن من يكتم خطاياه لا ينجح، وأن من يقر بها ويتركها يرحم. وإذا به يصرخ من خلال دموعه: لماذا حجمت عن الإقرار بذنوبي، ولماذا لم أتب. حتى وقعت في ويل عظيم، لكأن عظامي فنيت من شدة تأوهاتي وزفراتي الحارة.

هل مررت في حالة كهذه؟ وهل انتابك شعور بالانزعاج من كتم خطاياك؟ هذا فعل الروح القدس، الذي يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة (الإنجيل بحسب يوحنا 16: 8).

Table 15. 

فَذَاكَ صَوْتُ ٱلرُّوحِ لاَتَرْفُضْهُ إِنْ كُنْتَ ٱلْحَكِيمْ
مُنَبِّهاً إِيَّاكْ أَنْتَخْتَارَ حَظّاً فِي ٱلنَّعِيمْ

(4 و5) كان التبكيت شديداً على داود، وعاملاً في تأنيبه باستمرار. وقد عبر عنه بيد الله الثقيلة. وهذه أقصى وخزات الضمير، التي عكرت عليه هدوءه، وجعلته في حالة عقيمة. حتى شبه نفسه بشجرة نخرتها الديدان، فجفت ويبست. قد تبدو هذه الحالة التي وصل إليها، قريبة من اليأس. ولكنها حالة مباركة بالنسبة إلى الخاطئ، الذي أقر بعجزه واعترف بذنبه. لأن الإقرار بالذنب. يؤول إلى تدخل رحمة الله بالغفران فيغفر الإثم، ويستر الخطية.

نعم إن الإقرار بالإفلاس والاعتراف بالذنب. رفع عن المرنم ذلك الوزر الثقيل من خطاياه، التي ناء بحملها. يا ليت كل خاطئ يقتدي بهذا الرجل الكبير، فيندم على خطاياه ويعترف بها.

(6) كان داود في ذروة الانزعاج من حمل خطاياه، حتى شبه نفسه بغريق توشك غمارة المياه أن تبتلعه. وبديهي أنه يرفع قلبه بالصلاة في مثل هذه الحالة الخطرة، طالباً من الله، أن يمد يمينه المقتدرة وينقذه.

أيها الرازح تحت ثقل أوزارك، يا من أعيتك الهموم، وأحنت الأتعاب ظهرك. تعال إلى فادي الخطاة ومريح التعابى. أجث عند قدميه، وصل وقل له: يا حمل الله رافع خطايا العالم، ارفع خطاياي. احمل نيره عليك فتجد راحة لنفسك.

Table 16. 

يَا كَلِيلاً بِٱلْخَطَايَااِسْمَعْ ٱلْمَسِيحْ
قَالَ مَنْ يَأْتِي إِلَيَّيَسْتَرِيِحْ

(7) في بدء المزمور، غبط المرنم الرجل الذي غفر إثمه، وسترت خطيته. وهذه الغبطة، لم تلبث أن حلت في نفسه، لما شهد له روح الرب أن آثامه قد غفرت، وأن خطاياه قد سترت. وتبعاً لذلك، امتلأ قلبه بالفرح، وطفق يشدو ترنماً. وأنها لغبطة حقاً، أن يشعر الإنسان بأن الله، قد قبل توبته وغفر ذنوبه. وأنها لسعادة حقاً أن يعرف الإنسان أن دم الفادي يسوع يطهر قلبه من كل خطية. فينقي القلب، «وطوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله».

الترنيمة

Table 17. 

طُوْبَى لِمَنْ غُفِرَتْلَهُمْ ذُنُوبُهُمْ      
وَلِلَّذِينَ سُتِرَتْأَيْضاً عُيُوبُهُمْ      
طُوبَى لِمَنْ لَمْ يَحْسِبِرَبِّي لَهُ زَلَلْ      
وَلِلَّذِي لَمْ يَكْذِبِبِٱلِغشِّ وَٱلْحِيَلْ      
قَدِ ٱعْتَرَفْتُ بِٱلْعَلَنْإِلَيْكَ يَا عَلِيمْ      
وَأَنْتَ قَدْ صَفَحْتَ عَنْإِثْمِيَ ٱلْجَسِيمْ      
فَلْيَبْتَهِجْ عَلَى ٱلدَّوَامْصَدِيقُ رَبِّهِ      
وَلْيُفْتَخِرْ مَنِ ٱسْتَقَامْسَبِيلَ قَلْبِهِ      

الصلاة: أيها الإله المحب الشفوق. نشكرك لأجل سترك، الذي اسدلته على عيوبنا. حتى لا نقف في اليوم الأخير، ولنا خزي الوجه. نشكرك لأجل وسيط الصلح، ربنا يسوع، الذي غسلنا من خطايانا، واقتنانا لك بالنعمة المنعمة. ثبتنا في القداسة، التي اشتراها لنا يسوع بدمه الثمين. آمين.

السؤال: 15 - كيف كانت حال داود عندما نظم المزمور 32؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّانِي وَٱلثَّلاثُون - تتمة

8أُعَلِّمُكَ وَأُرْشِدُكَ ٱلطَّرِيقَ ٱلَّتِي تَسْلُكُهَا. أَنْصَحُكَ. عَيْنِي عَلَيْكَ. 9لا تَكُونُوا كَفَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ بِلا فَهْمٍ. بِلِجَامٍ وَزِمَامٍ زِينَتِهِ يُكَمُّ لِئَلاّ يَدْنُوَ إِلَيْكَ. 10كَثِيرَةٌ هِيَ نَكَبَاتُ ٱلشِّرِّيرِ، أَمَّا ٱلْمُتَوَكِّلُ عَلَى ٱلرَّبِّ فَٱلرَّحْمَةُ تُحِيطُ بِهِ. 11ٱفْرَحُوا بِٱلرَّبِّ وَٱبْتَهِجُوا يَا أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُونَ، وَٱهْتِفُوا يَا جَمِيعَ ٱلْمُسْتَقِيمِي ٱلْقُلُوبِ.

(8) كانت صلاة المرنم صلاة إيمان، وصلاة الإيمان تقتدر كثيراً في فعلها. إنها تحرك قلب الله فيفتح خزائن البركة للإنسان فيشبعه بالخير. كان سؤال داود الأول أن يعرف طرق الله، وقد ترددت هذه الطلبة كثيراً في المزامير التي كتبها. وهنا نرى جواب الله لصلاته «أعلمك، أرشدك الطريق».

في العهد القديم، كان الأتقياء يتلمسون طرقهم في ظل الخوف من الضلال والتعثر. ولهذا كثرت في صلواتهم هذه الطلبة: علمني طريقك، أو سهل قدامي طريقك. ولكن أقصى ما نالته صلواتهم هو هذا الوعد: أرشدك الطريق التي تسلكها، عيني عليك. أما في العهد الجديد، عهد النعمة والحق، فقد صار لنا امتياز أفضل. لأن الرب نفسه، جاء وأعلن ذاته أنه الطريق والحق والحياة.

الرب يسوع هو الطريق، التي أشار إليها إشعياء بقوله: «وَتَكُونُ هُنَاكَ سِكَّةٌ وَطَرِيقٌ يُقَالُ لَهَا ٱلطَّرِيقُ ٱلْمُقَدَّسَةُ... مَنْ سَلَكَ فِي ٱلطَّرِيقِ حَتَّى ٱلْجُهَّالُ لا يَضِلُّ» (إشعياء 35: 8). ولسعادتنا فإن المسيح هو الطريق لنا، لأننا به ندخل إلى حظيرة الله. لما عجزنا عن الوصول إلى شجرة الحياة عن طريق براءتنا، صار المسيح لنا طريقاً إليها. ولغبطتنا فإنه بالمسيح الطريق، وجدت صلة بين السماء والأرض. فملائكة الله تصعد وتنزل، وصلواتنا تصعد إلى الله به، وبركات الله تأتي إلينا به. وهو الطريق المؤدية إلى الراحة في جوار الله.

أنا هو الطريق إلى الآب، قال يسوع لأني أفتحه بموتي. كان الناس ضالين، يجهلون الطريق، فأنا الحق وأنا نور العالم، لأري الناس الطريق. أنهم موتى بالخطية، وأنا الحياة جئت لأحيي نفوسهم، وأقدرهم على أن يروا الطريق ويسلكوا فيها. أنا هو الطريق، التي يسير الخاطئ فيها، من الأرض إلى السماء، ومن حال الخطية إلى القداسة ومن العداوة لله، إلى المصالحة معه. والمسيح كرس تلك الطريق بسفك دمه (عبرانيين 10: 22). فالفاصل بين الإنسان والله ليس البعد بين السماء والأرض، بل خطايا الإنسان، ولسعادة البشرية، فإن المسيح قد أزال ذلك الفاصل حين علق على الصليب، وكان مفتاح الطريق كلمته الودية «اتبعني» فهل تتبعه؟ افعل إن كنت الحكيم، لأنه الطريق إلى حياة الله.

(9 و10) إن السير في طريق يسوع يقابل بدعوة إلى الطاعة والخضوع لمشيئة الله. وكما أن يسوع هو الطريق الواجب أن نسلكها للوصول إلى حضرة الله. فهو أيضاً المثال، الواجب أن نتبعه. فقد أطاع الآب في كل شيء وسلمه كل شيء، إذ قال في صلاته قبل ذهابه للموت: ليكن لا ما أريد أنا، بل ما تريد أنت (الإنجيل بحسب مرقس 14: 35) وكم يجب أن نشكر الله لأجل طاعة المسيح، الذي لم يكن لأحد سلطاناً أن يأخذ حياته منه. ولكنه وضعها من ذاته، وفقاً للمشورة الإلهية لأجل خلاصنا. فصار القول الرسولي «مَعَ كَوْنِهِ ٱبْناً تَعَلَّمَ ٱلطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ. وَإِذْ كُمِّلَ صَارَ لِجَمِيعِ ٱلَّذِينَ يُطِيعُونَهُ سَبَبَ خَلاصٍ أَبَدِيٍّ» (الرسالة إلى العبرانيين 5: 8 و9).

عليك بالطاعة حباً بالله، الذي لم يشفق على ابنه، بل بذله من أجلك. لأن الله لا يرغب في ان يخضعك عنوة. الله يسألك الطاعة، لكي لا تذخر غضباً لنفسك في يوم الغضب واستعلان دينونة الله. إن محبته تشاء أن تحفظك من النكبات المذخرة للشرير، بسبب قساوة قلبه وتمرده على الله. بعكس الذي جعل الرب متكله، ولم يلتفت إلى الغطاريس والمنحرفين، فهذا محاط برحمة الله، وموضوع لعنايته باستمرار.

(11) في إحدى عظاته الرائعة قال يسوع: كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم. وهذه الحقيقة أدركها رجل الله نحميا، فكتب لنا وصيته الخالدة: «لا تَحْزَنُوا لأَنَّ فَرَحَ ٱلرَّبِّ هُوَ قُّوَتُكُمْ» (نحميا 8: 10) وأدركها رسول الجهاد العظيم بولس، فكتب وصيته، التي هي أشبه بأمر يوصي، إذ قال «افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضاً افرحوا». ونفهم من هذه الشهادات الرائعة أن الفرح من أهم امتيازات المؤمنين بالله. فإن كان أحد مدعواً مؤمناً، وليس فرحه كاملاً، فالمعنى أنه لم يدخل إلى قلب كلمة المسيح «ليكمل فرحكم» وبالتالي فإنه لم يتمتع بامتيازات ملكوت الله، الذي ثماره: بر سلام، فرح في الروح القدس. ولعل السبب في ذلك، يعود إلى خطية في حياته، نسي أن يتطهر منها.

زار أحدهم منطقة الحفائر في روما، حيث كان العمال يزيلون النفايات المتراكمة هناك. وفيما هم يعملون، تدفقت المياه من ينبوع، كان مكبوتاً منذ أمد طويل. هذا الينبوع، كان في السابق يتدفق، وتتلألأ مياهه في نور الشمس وإنما النفايات خنقته. هكذا المؤمن الفاتر، في قلبه ينبوع فرح، يريد ان يتدفق. ولكن الخطايا المتراكمة، تسد منفذه وتمنعه من الجريان.

لا بد يا أخي المؤمن أن فرح الله بدأ في حياتك في ساعة خالدة، حين جثوت لأول مرة عند قدمي يسوع وسلمته قلبك، فسطع نور الله في قلبك. ولكن لعلك انسقت في تيار العالم، ففترت محبتك. وتبعاً لذلك، فقدت بهجة خلاصك، وأصبحت كئيباً قلقاً. هكذا كانت حالة داود كاتب هذا المزمور، حين أخطأ إلى إلهه. ولكن داود، لم يبق رازحاً تحت وزره الثقيل الممض. بل طلب الله بروح منسحقة وسأل الله أن يغسله من إثمه، وأن يمحو معصيته. هذا هو الموقف الواجب أن تتخذه أمام الله، حين تفقد الفرح. فيعيد لك الرب بهجة خلاصه ويعضدك بروحه القدوس، فيثبت فرح الله فيك ويكمل فرحك.

الترنيمة

Table 18. 

آهِ غُفْرَانَ ٱلْذُنُوبِفِيهِ بَهْجَةُ ٱلْقُلُوبِ      
فِيهِ فُزْتُ بِٱلَفِدَاءِلاغْتِسَالِي بِٱلدِّمَاءِ      
مُّتُ إذَ مَاتَ ٱلَذبِيحْقُمْتُ إذَ قَامَ ٱلْمَسيِحْ      
عِنْدَ مَوْطِي قَدَمَيهِثَابِتٌ قَلْبِي لَدَيهِ      
ذَلِكَ ٱلحُبُّ ٱلْعَظِيمْيُرْشِدُ ٱلْخَاطِي ٱلأَثِيمْ      
وَإِلَى دَهْرِ ٱلدُّهُورْيُنَقِذُ آلْفَادِي ٱلْغَفُورْ      
صَدْرُ فَادِينَا ٱلْحَنُونْرَاحَتِي وَقْتَ ٱلشُّجُونْ      
هُوَ يُنْبُوعُ ٱلسَّلاَمْوَعَزَائِي فِي ٱلْخِتَامْ      

الصلاة: يا رب إلهي، ضللت في برية هذا العالم، فأرشدني إلى الطريق المستقيمة التي تؤدي بي إليك. لقد أخطأت وأثمت، ولكنني التمس مراحمك. إنني أقر بضعفي، ولا أكتم إثمي، فاغفر لي. رد لي بهجة خلاصك، واعضدني بروحك القدوس، لكي أثبت في فرحك، ويكمل فرحي، أشكرك من أجل صدر فادينا الحنون الذي يستطيع كل متعب أن يسند إليه رأسه، فيجد راحة وسلاماً، ولك باسمه كل المجد. آمين.

السؤال: 16 - بماذا أجاب الرب على صلاة داود؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّامِنُ وَٱلثَّلاثُونَ - الانكسار أمام الرب

1يَا رَبُّ لا تُوَبِّخْنِي بِسَخَطِكَ، وَلا تُؤَدِّبْنِي بِغَيْظِكَ، 2لأَنَّ سِهَامَكَ قَدِ ٱنْتَشَبَتْ فِيَّ، وَنَزَلَتْ عَلَيَّ يَدُكَ. 3لَيْسَتْ فِي جَسَدِي صِحَّةٌ مِنْ جِهَةِ غَضَبِكَ. لَيْسَتْ فِي عِظَامِي سَلامَةٌ مِنْ جِهَةِ خَطِيَّتِي. 4لأَنَّ آثَامِي قَدْ طَمَتْ فَوْقَ رَأْسِي. كَحِمْلٍ ثَقِيلٍ أَثْقَلَ مِمَّا أَحْتَمِلُ. 5قَدْ أَنْتَنَتْ، قَاحَتْ حُبُرُ ضَرْبِي مِنْ جِهَةِ حَمَاقَتِي. 6لَوِيتُ. ٱنْحَنَيْتُ إِلَى ٱلْغَايَةِ. ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ ذَهَبْتُ حَزِيناً. 7لأَنَّ خَاصِرَتَيَّ قَدِ ٱمْتَلأَتَا ٱحْتِرَاقاً، وَلَيْسَتْ فِي جَسَدِي صِحَّةٌ. 8خَدِرْتُ وَٱنْسَحَقْتُ إِلَى ٱلْغَايَةِ. كُنْتُ أَئِنُّ مِنْ زَفِيرِ قَلْبِي.

هذا المزمور هو حلقة من سلسلة مزامير التوبة، وعنوانه «للتذكير». وبمراجعتنا ما جاء في صموئيل الثاني، الأصحاح الحادي عشر والثاني عشر ندرك أن داود كتب هذه السلسلة بعد خطيته المعروفة ضد أوريا الحثي. وفيها يظهر حزنه الشديد على خطيته، مما أفقده الراحة.

(1) يتذكر داود الراحة التي كانت له في الرب، فيبكي من أجل خطاياه، التي أفقدته بهجة الخلاص، وبالتالي ذهبت براحته. فيسأل الله العفو، لكي لا يوبخه بالغضب، ولا يؤدبه بالغيظ. بمعنى أنه لم يرفض التأديب الذي هو من افتقاد المحبة. ولكنه يتوسل إلى إلهه لكيلا يعاقبه بالغضب.

يعتقد الكثيرون من الناس بأن التأديب، هو نتيجة لغضب الله على الإنسان بسبب خطاياه. ولكن كلمة الله في أمثال 3: 11 و12 تكشف لنا أن التأديب هو دليل المحبة إذ يقول: «يَا ٱبْنِي، لا تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ ٱلرَّبِّ وَلا تَكْرَهْ تَوْبِيخَهُ، لأَنَّ ٱلَّذِي يُحِبُّهُ ٱلرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَكَأَبٍ بِٱبْنٍ يُسَرُّ بِهِ» ويعلمنا كاتب الرسالة إلى العبرانيين أن قصد الله من التأديب هو المنفعة لكي نشترك في قداسته.

ولعل كاتب الرسالة أراد أن ينزع من فكر الناس الفكرة الخاطئة التي تزعم أن الذين يحبهم الله، يحبوهم نجاحاً في الخيرات الزمنية. لذلك يقول للمؤمنين إن كنا نخلو من الآلام التي يسمح الله بها لأجل تدريبنا، فإن بنوتنا له تكون محل ريبة، بدليل قوله: «إِنْ كُنْتُمْ تَحْتَمِلُونَ ٱلتَّأْدِيبَ يُعَامِلُكُمُ ٱللّٰهُ كَٱلْبَنِينَ. فَأَيُّ ٱبْنٍ لا يُؤَدِّبُهُ أَبُوهُ؟ وَلٰكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِلا تَأْدِيبٍ، قَدْ صَارَ ٱلْجَمِيعُ شُرَكَاءَ فِيهِ، فَأَنْتُمْ نُغُولٌ لا بَنُونَ» (الرسالة إلى العبرانيين 12: 7 و8).

(2) لقد تصور النبي إمارات غضب الله وكأنها سهام مسنونة، تنزل على المغضوب عليهم، فارتجف قلبه إذ ظن أن يد العدل الإلهي سيطلقها الله عليه. وليس في استطاعته أن ينجو من تلك السهام، التي ستنشب به.

صحيح أن في يد الله سهام يطلقها إلى القلب مباشرة، ولكن تلك سهام التبكيت عل خطية اقترفناها ضد الله، وعلى بر لم نثبت فيه باستمرار، وعلى دينونة قادمة، حين سنظهر جميعاً أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيراً، كان أم شراً (كورنثوس الثانية 5: 10) ولكن شكراً لله لأن الخطية تُغفر للإنسان لأجل اسم المسيح، ولأن بر المسيح لا يزول، ولأنه لا شيء من الدينونة على الذين هم في المسيح.

(3) أتعبت الخطية نفس النبي، وبسبب اكتئابه الدائم ضعف جسده. فأصبح في حالة سيئة، كالتي وصفها إشعياء النبي بالقول: «كُلُّ ٱلرَّأْسِ مَرِيضٌ وَكُلُّ ٱلْقَلْبِ سَقِيمٌ. مِنْ أَسْفَلِ ٱلْقَدَمِ إِلَى ٱلرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ، بَلْ جُرْحٌ وَأَحْبَاطٌ وَضَرْبَةٌ طَرِيَّةٌ لَمْ تُعْصَرْ وَلَمْ تُعْصَبْ وَلَمْ تُلَيَّنْ بِٱلّزَيْتِ» (إشعياء 1: 5 و6).

ويرى أغسطينوس أن خطايا الأفراد تؤلم المسيح وخصوصاً إن كانت مرتكبة ضد مختاريه، بدليل قوله لشاول الطرسوسي، لماذا تضطهدني؟ لأن شاول اضطهد كنيسة المسيح، فحسب الرب تلك الآلام التي عاناها المؤمنون به آلاماً له.

تذكر يا أخي أن امتناعك عن مد اليد لمساعدة المحتاج وبسط الكف للجائع والمحروم، معناه أنك تغلق أحشاءك عن يسوع نفسه. فقد قال له المجد «جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي... ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هٰؤُلاءِ ٱلأَصَاغِرِ فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا» (الإنجيل بحسب متى 25: 42-45) لا تعش لنفسك، واعلم أن في الأنانية إساءة إلى المسيح، الذي علم بنكران الذات.

(4-6) يصنع البعض الخطية، ويتلذذون بها. فهي خفيفة عليهم، لدرجة أنهم يفخرون بها. أما أبناء الله فيستثقلونها، ويتململون من حملها، ويلجأون إلى الله ليزيحها عنهم. ولسعادتهم فإن الله إن كان يكره الخطية فهو يحب الخاطئ، ومسرة قلبه أن يترك خطاياه ويحيا.

ويقول داود أن خطاياه علت فوق رأسه، وكانت ثقيلة بمقدار أنه راح يخفض ذلك الرأس، مقراً بوضاعته بعد التعالي، وبضعفه بعد القوة. وبذلك أخذ مكانه أمام الله، الذي أمامه تجثو كل ركبة في السماء وعلى الأرض.

ويعترف داود بتلوث نفسه بالخطية ويصف تلك الحالة بالجراح المقيتة التي تفوح منها الروائح النتنة. والواقع أن الخطية نتنة جداً، ولذلك يأنفها المؤمن الذي تتضوع منه رائحة المسيح الذكية. هكذا قالت عروس النشيد: «لِرَائِحَةِ أَدْهَانِكَ ٱلطَّيِّبَةِ. ٱسْمُكَ دُهْنٌ مُهْرَاقٌ، لِذٰلِكَ أَحَبَّتْكَ ٱلْعَذَارَى» (نشيد 1: 3). يقول المرنم أن جراحاته أنتنت بسبب حماقته. فليتنا نترك كل حماقة، والخطية المحيطة بنا ونجري وراء يسوع نحو جعالة دعوة الله العليا.

ويقول إنه كان ملتوياً منحنياً من كثرة همومه، حزيناً من حاله السيئة. فمن هو الذي انحنى إلا الذي ارتفع؟ ولكن لسعادة داود أنه اتضع، وقد قال المسيح من يضع نفسه يرتفع. والمعروف عن الله، أنه يضع ثقلاً على المرتفع ينحني به. وهنيئاً للذي يعرف مشيئة الله بالاتضاع، هذا يتواضع وينكسر والله يعطي المتواضعين نعمة الارتفاع.

(7 و8) الكلى أكثر أعضاء الجسم حساسية، وبالنسبة لكلمة المرنم فالكلى، تعني هنا أعماق الإنسان. فكانت أعماقه ممتلئة احتراقاً بسبب الخطية، التي حرمته الراحة. لا تخف من احتراق الكلى يا أخي، فهو من عمل الروح القدس الذي يدفعك إلى الصلاة، التي حولها فيك إلى أنات وتنهدات وتأوهات لا ينطق بها. كما كانت حال المرنم، وهو يعلن شقاوته باتضاع كلي. لا تبتئس إذا عصفت بك هذه الآلام، فهي آلام التوبة وبركاتها.

الترنيمة

Table 19. 

مِنْكَ يَا فَادِي ٱلْخُطْاةِيَبْتَغِي ٱلْعَبْدُ ٱلنَّجَاةْ          
أَنْتُ عَزْمِي وَثَبَاتِيفِي حَيَاةٍ وَوَفَاةْ          
يَا مُنَجِّي أَنْتَ حَبْريِوَمَلِيكِي وَٱلنَّبِي          
وَفِدَائِي بَعْدَ أَسْرِيبِدَمٍ سَامٍ زَكِي          
إِنَّ نَفْسِي يَا طَبِيبِيفِي فَسَادٍ وَشَقَاءْ          
فَامْنَحَنْهَا بِٱلصَّلِيبِمِنْ أَيَادِيكَ ٱلشِفَاءْ          
يَا وَسِيطَ ٱلصُّلْحِ إِنِّيمُسْتَجِيرٌ بِٱلصَّلِيبْ          
قَدِّمِ ٱلْطِلْبَةَ عَنِّيلأَبِيكَ ٱلْمُسْتَجِيبْ          
إِنَّ قَلبْي عَنِّي لاَهِيلِلْخَطَا دَوْماً يَمِيلْ          
فَأَعِنِّي يَا إِلَهِيوَٱهْدِنِي حُسْنَ ٱلسَّبِيلْ          
يَا مَسِيحَ ٱللَّهِ نَفْسِيتَحْتْ رِقٍّ وَقَصَاصْ          
فَامْنَحَنْهَا رُوحَ قُدْسِوَٱقْبَلَنْهَا لِلْخَلاَصْ          

الصلاة: يا إلهنا الصالح وأبا ربنا يسوع المسيح، منك يا رب نبتغي الصفح ونلتمس غفران الخطايا. يا رب انظر إلى عالمنا المليء بالشر، واشفق على هذه النفوس، التي لا تعرف ما هو لسلامها. افتح الأذهان البشرية لتعرفك في قداستك فتحزن بسبب آثامها، وتعود فتطلبك لانقاذها من حالتها المتردية. اعط قوة لانتشار إنجيلك في كل مكان، وهيء القلوب لقبوله، حتى تجد كل نفس ما هو لخيرها وخلاصها. آمين.

السؤال: 17 - صف حال داود بالاستناد إلى النصوص أعلاه؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّامِنُ وَٱلثَّلاثُونَ - تتمة

9يَا رَبُّ، أَمَامَكَ كُلُّ تَأَوُّهِي، وَتَنَهُّدِي لَيْسَ بِمَسْتُورٍ عَنْكَ. 10قَلْبِي خَافِقٌ. قُوَّتِي فَارَقَتْنِي، وَنُورُ عَيْنِي أَيْضاً لَيْسَ مَعِي. 11أَحِبَّائِي وَأَصْحَابِي يَقِفُونَ تُجَاهَ ضَرْبَتِي، وَأَقَارِبِي وَقَفُوا بَعِيداً. 12وَطَالِبُو نَفْسِي نَصَبُوا شَرَكاً، وَٱلْمُلْتَمِسُونَ لِيَ ٱلشَّرَّ تَكَلَّمُوا بِٱلْمَفَاسِدِ، وَٱلْيَوْمَ كُلَّهُ يَلْهَجُونَ بِٱلْغِشِّ.

13وَأَمَّا أَنَا فَكَأَصَمَّ لا أَسْمَعُ. وَكَأَبْكَمَ لا يَفْتَحُ فَاهُ. 14وَأَكُونُ مِثْلَ إِنْسَانٍ لا يَسْمَعُ، وَلَيْسَ فِي فَمِهِ حُجَّةٌ. 15لأَنِّي لَكَ يَا رَبُّ صَبِرْتُ، أَنْتَ تَسْتَجِيبُ يَا رَبُّ إِلٰهِي. 16لأَنِّي قُلْتُ: «لِئَلاّ يَشْمَتُوا بِي». عِنْدَمَا زَلَّتْ قَدَمِي تَعَظَّمُوا عَلَيَّ. 17لأَنِّي مُوشِكٌ أَنْ أَظْلَعَ، وَوَجَعِي مُقَابِلِي دَائِماً. 18لأَنَّنِي أُخْبِرُ بِإِثْمِي وَأَغْتَمُّ مِنْ خَطِيَّتِي. 19وَأَمَّا أَعْدَائِي فَأَحْيَاءٌ. عَظُمُوا. وَٱلَّذِينَ يُبْغِضُونَنِي ظُلْماً كَثُرُوا. 20وَٱلْمُجَازُونَ عَنِ ٱلْخَيْرِ بِشَرٍّ يُقَاوِمُونَنِي لأَجْلِ ٱتِّبَاعِي ٱلصَّلاحَ. 21لا تَتْرُكْنِي يَا رَبُّ. يَا إِلٰهِي لا تَبْعُدْ عَنِّي. 22أَسْرِعْ إِلَى مَعُونَتِي يَا رَبُّ يَا خَلاصِي.

(9-12) بعد أن وصف المرنم أوجاعه الجسدية والنفسية، ارتمى عند قدمي إلهه ليسكب شكواه أمام رأفته بتأوه وتنهد، من جراء تصرفات أحبائه وموقفهم السلبي مما أصابه. وهذا يعلمنا أن لا نطلب التعزية من الناس. بل من الله أبي الرأفة وإله كل تعزية. ويقيناً أن ترك الناس لنا، لهو فرصة لنلقي كل رجاءنا على الله في التوبة. هكذا فعل الابن الضال، حين تركه مريدوه بعد نفاد ماله. إذ يخبرنا الإنجيل أنه عاد إلى نفسه ورجع إلى أبيه تائباً ونادماً. لقد استيقظ من نوم الموت، وكان حكيماً جداً، بحيث لم يؤجل، بل قام وجاء إلى أبيه بدالة البنوة التي تثق في حنان الأبوة ولطفها. وكان ذكي الفؤاد فلم يتقدم بحق البنوة الذي سبق أن استنفده، بل طرق باب النعمة متذللاً. عندئذ أدركته المحبة الأبوية، ولم تتركه في مرتبة الأجير، التي جاء يلتمسها، بل رفعته إلى رتبة الابن المحبوب، إذ ألبسه الحلة الأولى، ووضع خاتماً في إصبعه. وأقام على شرفه وليمة كبرى قوامها العجل المسمن. هذه هي المعاملة التي يعاملنا بها الآب السماوي، عند التوبة والرجوع إليه. فيلبسنا ثوب البر، ويعدنا لوليمة عشاء الخروف، حيث سيطيب لنا أن نشترك مع الملائكة في الترنيمة المجيدة التي تنطلق بها الأفواه مجداً للحمل.

ويقول المرنم بأسى: إن هؤلاء الأحباء والأقارب، الذين لم يواسوني في بليتي، انضموا أخيراً إلى أعدائي، وشاركوهم في الكيد لي. وعندما زلت قدماي، تعظموا عليّ. هذا ما يحدث فعلاً للتائبين، عندما تزل بهم القدم. يتعظم عليهم أبناء هذا الدهر، ويشمتون بهم. لذلك احترز لنفسك يا أخي، وشدد السهر لكيلا تزل. وإذا ابتليت بالضيقات فاذكر أن الذي يحبه الرب يؤدبه.

(13 و14) تجاه البلايا من هذا النوع، يفضل المرنم السكوت، إذ يقول: أما أنا فأبكم لا يفتح فاه. هذه الآيات وسابقاتها، فيها الكثير من وحي الفداء، لأنها كما قال بعض آباء الكنيسة تنطبق على آلام ربنا وفادينا يسوع. لأن أحباءه وأقاربه وقفوا بعيداً تجاه ضربته. فقد جرح في بيت أحبائه، وخاصته ابتعدوا عنه هاربين من صليبه. فقد قال تلميذه المقدام سمعان بطرس: حاشاك يا رب أن تُصلب. وأعداؤه التمسوا الشر، فقدموا شهود زور، ليثبتوا عليه حكم الموت. وأخيراً لكي يهينوا اسمه صلبوه بين لصين. كل هذا حمله يسوع، ليزيل عنا وصمة الخطية وعارها. وفي مراحل آلامه لم يعترض على الظلم، وكأبكم لم يفتح فاه. وإذ شتم، لم يكن يشتم عوضاً. فتم ما قيل في الأنبياء «ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ، كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى ٱلذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَاّزِيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ» (إشعياء 53: 7).

لقد احتمل القدوس الحق الإهانات والأوجاع، لكي ينجح المشورة الإلهية لخلاص العالم. لخلاصك أنت، أيها القارئ الكريم. وهو لا يطلب مقابل ذلك، سوى الإيمان به والاتكال على نعمته.

(15-20) يقول المرنم أن الرب استجاب له، لأنه صبر للرب، وقبل التأديب كبركة من يمينه. وهذا يعلمنا أن الله لا يتخلى عن أتقيائه، الذين يحتملون الامتحان إلى النهاية بإيمان وصبر، بل يطوبهم، وفقاً لقول المسيح: «طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ ٱلْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ» (الإنجيل بحسب متى 5: 10).

(21 و22) يختتم داود المزمور بصلاة حارة طالباً عون الرب. وهذه الطلبات تكشف عن نواح مهمة في طريقة جهاده ضد الخطية. وهي تعلمنا أشياء مهمة، تساعدنا على السير في سبيل البر:

  1. إن سقوط الإنسان في خطية ما، سببه عدم ثباته في الله. لذلك فالجهاد المثمر ضد الخطية، هو التمسك في الله. ولسعادتنا فإن الله في عهد النعمة قريب جداً من كل مؤمن يدعوه، بدليل قول المسيح: ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر. كذلك الروح القدس يلازمنا دائماً، لأنه كما قال المسيح ماكث فينا.

  2. عند السقوط، لا تشغل نفسك بالحالة السيئة التي صرت إليها بقدر ما ترفع نظرك إلى الرب يسوع. فالسيد الرب بلفتة أنقذ بطرس من حالة التجديف ونكران سيده، هو دائماً يعيرك اللفتة عينها وينقذك من حالتك المتردية.

  3. تعلم من المسيح الاتضاع، واعترف بضعف طبيعتك التي لا يمكن أن تنتج خيراً إلا بمعونة المسيح. لذلك أدخله في حياتك عن طريق تجاوبك معه بالصليب. افعل هذا، فيرفعك المسيح إلى حياته، وحينئذ يطيب لك أن تقول مع بولس: «مَعَ ٱلْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لا أَنَا بَلِ ٱلْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ» (غلاطية 2: 20). وحينئذ يطيب لك أن تنشد مع ميخا النبي: «لا تَشْمَتِي بِي يَا عَدُّوَتِي. إِذَا سَقَطْتُ أَقُومُ. إِذَا جَلَسْتُ فِي ٱلظُّلْمَةِ فَٱلرَّبُّ نُورٌ لِي. أَحْتَمِلُ غَضَبَ ٱلرَّبِّ لأَنِّي أَخْطَأْتُ إِلَيْهِ، حَتَّى يُقِيمَ دَعْوَايَ وَيُجْرِيَ حَقِّي. سَيُخْرِجُنِي إِلَى ٱلنُّورِ. سَأَنْظُرُ بِرَّهُ» (ميخا 7: 8 و9).

أجل إن المؤمن وإن سقط يقوم، وإن أدبه الرب فلا يرفضه. والفرق بين المؤمن الحقيقي وغيره. هو أن المؤمن إذا سقط يقوم، أما غيره فيسقط ولا يقوم.

الترنيمة

Table 20. 

قَدْ كُنْتُ فِي لُجِّ ٱلآثَامْأَعِيشُ وَٱلْقَلْبُ سَقِيمْ          
وَيَغْشَى سُبُلِي ٱلظَّلاَمْنَصِيبِي كَانَ فِي ٱلْجَحِيمْ          
لَكِنْ رَآنِي يَسُوعْذَاكَ ٱلمُحِبُّ ٱلنَّفُوعْ          
جَاءَ لِقَلْبِي وَمَحَا ذَنْبِيوَجَّهَ دَرْبِي لِتِلْكَ ٱلرُّبُوعْ          
قَدْ كُنْتُ فِي ٱلدُّنْيَا أَسِيرْأَعْمَى لاَ مَنْ يَقُودُنِي          
وَكُنْتُ أَجْهَلُ ٱلْمَصِيرْإِبْلِيسُ قَدْ كَبَّلَنِي          
لَكِنْ رَآنِي يَسُوعْذَاكَ ٱلْمُحِبُّ ٱلنَّفُوعْ          
جَاءَ لِقَلْبِي وَمَحَا ذَنْبِيوَجَّهَ دَرْبِي لِتِلْكَ ٱلرُّبُوعْ          
لِذَاكَ أَشْكُرُ ٱلإِلَهْمَنْ قَدْ فَدَانِي بِدِمَاهْ          
إِذْ أَنَارَ لِي ٱلْحَيَاةْحَيَاتِي دَوْماً فِي رِضَاهْ          
فَأَشْدُو لاِسْمِ يَسُوعْشَاهِداً بَيْنَ ٱلْجُمُوعْ          
قَدْ صَارَ رَبِّي يَسِيرُ قُرْبِييُنِيرُ دَرْبِي لِتِلْكَ ٱلرُّبُوعْ          

الصلاة: يا سامعاً للصلاة، إليك أرفع قلبي، معترفاً بذنوبي الكثيرة. أما أنت يا رب ففي قلبك الحب العظيم، وفي يدك المغفرة. اغفر لي ذنوبي يا كريم، ارحم ذلي يا رحيم. ارفع عني خطاياي يا عظيم. أنا متكل عليك، وفي نفسي شوق إلى الرجوع إليك. فأقبلني اللهم، كما قبل الآب ابنه الضال، العائد من الكورة البعيدة. استجب لطلبتي منعماً لأجل اسم المسيح، فادي الخطاة. آمين.

السؤال: 18 - ماذا تتعلم من تأملات هذا اليوم؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّانِي وَٱلأَرْبَعُونَ - الاشتياق إلى الله

1كَمَا يَشْتَاقُ ٱلإِيَّلُ إِلَى جَدَاوِلِ ٱلْمِيَاهِ هٰكَذَا تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا ٱللّٰهُ. 2عَطِشَتْ نَفْسِي إِلَى ٱللّٰهِ إِلَى ٱلإِلٰهِ ٱلْحَيِّ. مَتَى أَجِيءُ وَأَتَرَاءَى قُدَّامَ ٱللّٰهِ! 3صَارَتْ لِي دُمُوعِي خُبْزاً نَهَاراً وَلَيْلاً إِذْ قِيلَ لِي كُلَّ يَوْمٍ أَيْنَ إِلٰهُكَ 4هٰذِهِ أَذْكُرُهَا فَأَسْكُبُ نَفْسِي عَلَيَّ. لأَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ مَعَ ٱلْجُمَّاعِ، أَتَدَرَّجُ مَعَهُمْ إِلَى بَيْتِ ٱللّٰهِ بِصَوْتِ تَرَنُّمٍ وَحَمْدٍ، جُمْهُورٌ مُعَيِّدٌ. 5لِمَاذَا أَنْتِ مُنْحَنِيَةٌ يَا نَفْسِي، وَلِمَاذَا تَئِنِّينَ فِيَّ؟ ٱرْتَجِي ٱللّٰهَ لأَنِّي بَعْدُ أَحْمَدُهُ لأَجْلِ خَلاصِ وَجْهِهِ.

يظن المفسرون القدماء أن داود، كتب هذا المزمور. وأعطاه لبني قورح ليتلوه مصحوباً بالآلات الموسيقية. وبنو قورح هم الذين كانوا معينين حراساً لبوابة الهيكل (أخبار الأيام الأول 26: 1-9) وكانوا يؤلفون جوقة ترنيم في الهيكل.

ويعبر هذا المزمور عن حالة الشعب في السبي، واشتياقهم إلى الرجوع إلى أوطانهم، وخصوصاً إلى بيت المقدس، الذي دعي بيت الله.

(1) الإيل حيوان بري، له قرون متشعبة. وهو شره يلتهم كميات كبيرة من الأعشاب. الأمر الذي يجعله في عطش مستمر، فيجري إلى جداول المياه، يلتمس إرواء غليله الصادي، وتمثلاً بهذا الحيوان الظامئ، قال المرنم: عطشت نفسي إلى الإله الحي. هكذا كانت حال المسبيين، التهبت قلوبهم حنيناً إلى بيت الله. حيث فرض عليهم أن يقدموا ذبائحهم للرب. وفوق هذا فقد سئمت نفوسهم حياة الاستعباد في بابل.

هذه أيضاً حال المؤمن، فإنه حين يجاهد ضد الخطية يشتاق بشدة إلى الرب يسوع، ينبوع الحياة. قال يوحنا فم الذهب «كما أن الخطية تبرّد حرارة النفس، هكذا الكفاح لإماتة الخطية، يطهر النفس ويضرمها بنار الحب الإلهي، ويجعلها في عطش شديد إلى الرب يسوع» الذي قال «إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي كَمَا قَالَ ٱلْكِتَابُ تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ» (الإنجيل بحسب يوحنا 7: 37 و38).

حين أطلق يسوع هذه الدعوة، كان قلبه منشغلاً بالنفوس العطشى إلى بر الله. كانت رغبته شديدة أن يتلفت الجمهور ويقبلوا إليه. وكلمة «عطش أحد» تعني كل إنسان مهما كانت حالته، أو وضعه، أو مركزه. سواء كان رفيعاً أم وضيعاً، غنياً أم فقيراً، صغيراً أو كبيراً، عبداً أو حراً. إنها دعوة موجهة إليك أيضاً، فإن قبلتها نلت المجازاة، وفقاً لقوله: طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يُشبعون.

(2) قيل عن الأيائل أنها تذهب مسافات طويلة سعياً للإرتواء. أما أنت ففي وضع أفضل، لأن لقاء يسوع لا يقتضيك الذهاب إلى أي مكان فهو قريب منك جداً. إنه يطرق باب قلبك ويقول «إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ ٱلْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤيا 3: 20).

والعطش عملية مستمرة فالمؤمن، في كل أيام سياحته على الأرض هو في حالة عطش مستمر إلى المسيح، وعنده اشتياق للتعبد له في كل حين، فهو لا يتساءل مثل المرنم: متى تتاح لي الفرصة. لأتراءى قدام الله الحي؟ لأن الفرصة للقاء الرب الحي متاحة في كل لحظة، لأنه هو معنا كما قال، كل الأيام إلى انقضاء الدهر.

(3) يرى أغسطينوس أن دموع داود كانت حلوة، وليست مرة. لأن النبي المرنم كان يستسيغها كما يستسيغ الجائع الخبز. وهذه الدموع لم تكن دموع الحزن والاكتئاب، بل دموع الشوق إلى الوجود الدائم مع الله. والواقع أن هدف المؤمن المولود من الله، هو الوجود مع الله. وأن وسيلته الحلوة، هي الصلاة ودموع الشوق.

صحيح أن الله، لا يُرى بالعين الجسدية، ولكنه يُرى بالقلب النقي. هكذا قال المسيح: «طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ ٱلْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ ٱللّٰهَ» (الإنجيل بحسب متى 5: 8) نعم إن المؤمن، يقدر أن يرى الله. لأن نفسه ليست رهينة لإحساساته المادية. المسيح حررها من كل قيد مادي، لتصعد إلى جبل الشركة مع الله. ويقيناً أن النفس إن لم تنسكب قدام الله، تتقوقع في إطار الأنانية. وعندها لا تستطيع أن ترى الله. ومن أجل ذلك يقول غير المؤمنين أين إلهك؟ أما المؤمن الحقيقي فلسان حاله يقول: حررني الفادي الحبيب من قيود المادة. لذلك فأنا أسكب نفسي أمام إلهي.

(4) كان مرور المرنم مع الجُمّاع إلى بيت الله، هو الرد على سؤالهم الشامت أين إلهك؟ إن بيت الرب في العهد الجديد ليس البناء المشيد بالحجارة، بل هو جماعة المؤمنين، الذين قال الرسول: «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ ٱللّٰهِ، وَرُوحُ ٱللّٰهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟» (كورنثوس الأولى 3: 16) هذه الحقيقة صارت بالفداء، بدم المسيح، لذلك وجب على المؤمنين أن يقتني كل واحد إناءه بقداسة وكرامة. وفقاً للوصية الرسولية القائلة: «لا تَمْلِكَنَّ ٱلْخَطِيَّةُ فِي جَسَدِكُمُ ٱلْمَائِتِ لِكَيْ تُطِيعُوهَا فِي شَهَوَاتِهِ وَلا تُقَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ آلاتِ إِثْمٍ لِلْخَطِيَّةِ، بَلْ قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ لِلّٰهِ كَأَحْيَاءٍ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ وَأَعْضَاءَكُمْ آلاتِ بِرٍّ لِلّٰهِ » (رومية 6: 12 و13).

وكان المرنم يذهب إلى بيت الرب، بترنم وحمد جمهور معيد. فحياة المؤمن عيد، أفراحه لا تنتهي، بانتظار الفرح الأكبر، حين يأتي يوم الابتهاج. اليوم الذي فيه سنُضم إلى جماعة المفديين، لينشدوا معاً ترنيمة موسى عبد الله وترنيمة الخروف، قائلين: «عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. عَادِلَةٌ وَحَقٌّ هِيَ طُرُقُكَ يَا مَلِكَ ٱلْقِدِّيسِينَ. مَنْ لا يَخَافُكَ يَا رَبُّ وَيُمَجِّدُ ٱسْمَكَ، لأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ» (رؤيا 15: 3 و4).

(5) من أجل هذا، يا نفسي ترجي الله، إن لم تجدي ما يروي عطشك في هذا العالم. ترجي الله في حياة أفضل. لأن الرجاء المنظور ليس رجاء. لأن ما ينظره أحد كيف يرجوه. ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننظره فإننا نتوقعه بالصبر (رومية 8: 24 و25) «فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، ٱلَّتِي مِنْهَا أَيْضاً نَنْتَظِرُ مُخَلِّصاً هُوَ ٱلرَّبُّ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ، ٱلَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ» (فيلبي 3: 20 و21).

لا ريب في أن النفس المؤمنة المشتاقة إلى جداول المياه الحية، حيث يتزكى رجاؤها، رغم ضيقات هذا العالم، لا بد أن ترفع صوتها بالشكر والحمد للإله الحي، الذي افتداها، وأعطاها السلام هنا، والحياة الأبدية يوم انطلاقها من ديار اغترابها.

الترنيمة

Table 21. 

مَعْ رَبِّنَا ٱلْفَادِينَكُونُ كُلَّ حِينْ        
وَعْدٌ بِهِ يَحْيَا هُنَارَجَاؤُنَا ٱلثَّمِينْ        
بِعَينِ إِيمَانِييَا مُنْيَتِي أَرَاكْ        
لَكِنَّ عَيْنِي تَشْتَهِيأَنْ تَجْتَلِي سَنَاكْ        
كُنْ عَنْ يَمِينِي يَارَبَّ ٱلْوَرَى، ٱلسِّنِينْ        
وَكُنْ مُعِيناً لِي وَكُنْلِي مَلْجَأً حَصِينْ        
وَحِينَمَا نَفْسِيتُفَارِقُ ٱلْجَسَدْ        
تَمْضِي إِلَى حِمَاكَ كَيْتَحْيَا إِلَى ٱلأَبَدْ        
هُنَاكَ أَدْرِي مَالَسْتُ هُنَا أَدْرِي        
وَوَجْهَ فَادِيَّ ٱلسَّنِيأَرَى مَدَى ٱلدَّهْرِ        

الصلاة: أيها الرب الإله الحي. نعظم اسمك الكريم، لأجل عنايتك بالبشر، ورحمتك بضعفاتهم. ونشكرك لأجل الشوق الذي يشيعه روحك القدوس في نفوس البشر، لكي يطلبوك، ويجدوا عندك ما يشبع أشواقهم. ضع هذا الشوق في قلبي باستمرار، لأنني عندك فقط أجد الطمأنينة وهدوء النفس. زكي الرجاء في قلبي، حتى أحيا حياة الانتظار واليقظة مع جميع إخوتي في الرب. آمين.

السؤال: 19 - ماذا تعرف عن حيوان الإيل؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّانِي وَٱلأَرْبَعُونَ - تتمة

6يَا إِلٰهِي، نَفْسِي مُنْحَنِيَةٌ فِيَّ، لِذٰلِكَ أَذْكُرُكَ مِنْ أَرْضِ ٱلأُرْدُنِّ وَجِبَالِ حَرْمُونَ، مِنْ جَبَلِ مِصْعَرَ. 7غَمْرٌ يُنَادِي غَمْراً عِنْدَ صَوْتِ مَيَازِيبِكَ. كُلُّ تَيَّارَاتِكَ وَلُجَجِكَ طَمَتْ عَلَيَّ. 8بِٱلنَّهَارِ يُوصِي ٱلرَّبُّ رَحْمَتَهُ، وَبِاللَّيْلِ تَسْبِيحُهُ عِنْدِي صَلاةٌ لإِلٰهِ حَيَاتِي. 9أَقُولُ لِلّٰهِ صَخْرَتِي: «لِمَاذَا نَسِيتَنِي؟ لِمَاذَا أَذْهَبُ حَزِيناً مِنْ مُضَايَقَةِ ٱلْعَدُوِّ؟» 10بِسَحْقٍ فِي عِظَامِي عَيَّرَنِي مُضَايِقِيَّ، بِقَوْلِهِمْ لِي كُلَّ يَوْمٍ: «أَيْنَ إِلٰهُكَ؟» 11لِمَاذَا أَنْتِ مُنْحَنِيَةٌ يَا نَفْسِي، وَلِمَاذَا تَئِنِّينَ فِيَّ؟ تَرَجَّيِ ٱللّٰهَ لأَنِّي بَعْدُ أَحْمَدُهُ، خَلاصَ وَجْهِي وَإِلٰهِي.

(1) كان داود من الأنبياء الحالمين، وكانت رُؤاه بعيدة المدى. فاخترقت الأحقاب والأزمنة، وراحت ترتاد بعض الأمكنة التي ارتادها رب المجد في ما بعد. وطاب له أن يذكر ربه وفاديه:

  1. من أرض الأردن، حيث أظهر رب المجد يسوع اتضاعه، بممارسة المعمودية على يد يوحنا المعمدان. لأنه وهو القدوس الحق، الذي لم يعرف خطية، وضع ذاته تحت الشريعة. ولكن يوحنا إذ كان يعرف أنه في حضرة ربه وفاديه، استعظم الأمر وحاول منعه قائلاً: أنا محتاج أن أعتمد منك، وأنت تأتي إليّ!!! وكأنى به يقول: يا سيد أنا خاطئ أحتاج إلى غفران منك، يا حمل الله رافع خطية العالم. ولكن واعجباه أأنت تأتي إليّ؟! أيأتي الذهب إلى الطين ليكسب بهاء؟! أم تأتي الشمس المنيرة إلى الفتيلة المدخنة، لتقتبس منها نوراً؟! أم يأتي السيد إلى العبد، لينال منه شرفاً؟! أم يأتي البار إلى الأثيم، ليعطى براً؟!

    ولكن يسوع في اتضاعه، قال ليوحنا: اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر. بمعنى أن الفادي الرب بين له أنه يجب أن يسلم بطلبه، ولو كان ذلك غريباً وفوق إدراكه.

    كانت المعمودية بالنسبة لأهل العهد القديم تنطوي على معنيين: الأول، ترك الخطايا. والثاني انضمام المعتمد إلى رعوية ملكوت الله، أما معمودية المسيح، فتحمل معها معنى جديداً، هو رضاه بأن يحسب نفسه واحداً منا. وفي تعبير آخر أنه صار ابن الإنسان، ليكون أخاً لكل فرد في الإنسانية. فمعمودية المسيح إذن كانت أحد أعماله الكفارية، التي قام بها مختاراً لأجلنا، نحن الخطاة الأثمة. لأنه إذ جاء ليفتدينا، جعل نفسه واحداً منا، مجرباً في كل شيء مثلنا ما عدا الخطية. وبلغ الذروة في اتضاعه حين حمل خطايانا، أو كما قال الرسول «صار خطية لأجلنا، لكي نصير نحن بر الله فيه».

  2. من جبل حرمون، حيث تجلى الرب للتلاميذ بمجده الإلهي، حين أضاء وجهه كالشمس، وصارت ثيابه بيضاء كالنور. في قيصرية فيلبس حدّث الرب تلاميذه عن صليبه وصليب المؤمنين في كل جيل. وأطلق الشعار القائل «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي» (الإنجيل بحسب لوقا 9: 23) حينئذ خيمت على عقول التلاميذ سحابة سوداء من الحزن. فأشفق المسيح عليهم، وافتقدهم في كآبتهم، فأخذ نخبة منهم إلى جبل حرمون وأظهر لهم عظمته. هناك رأوه في مجده محاطاً بموسى وإيليا، وسمعوا صوت الآب قائلاً «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا».

جاء ذلك الافتقاد في أوانه كطلوع البدر في كبد السماء على إنسان تائه في الصحراء. وهكذا رأى التلاميذ من هذا التجلي أنوار المجد منعكسة على الصليب، من قبل، وأنوار القيامة والصعود تفيض عليه من بعد.

(7) يرى كيرلس أن الغمر الذي ذكره داود، يرمز إلى الماء والدم المتفجر من جنب ربنا المبارك يسوع على الصليب، الذي غمر خطايانا فغسلها. وأن اللجج هي أحكام الرب. ولعله قصد أحكام الرب بتبريرنا لأجل الدم الذي سفك من أجلنا.

(8) الليل يرمز إلى التجارب والضيقات، التي نمر بها، وتحملنا على الصلاة لأجل حياتنا فيأتي النهار المملوء بالرحمة. ويرى أوريجانس، أن الليل هو هذا العمر الحاضر المظلم، بينما النهار هو العمر العتيد المضيء للصديقين. ويلزمنا أن نصلي ونسبح ما دمنا في هذا الليل، إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح المنير، الرب يسوع المسيح.

(9-11) يرجح بعض المفسرين أن المرنم الملهم، شعر وهو ينتظر بالوحشة والانفراد، لكأن الله قد تركه، وابتعد عنه، فراح يتساءل لماذا يسمح إلهه أن يضايقه أعداؤه، بقولهم له كل يوم: أين إلهك؟ وفي نهاية المزمور يعود مرة أخرى إلى توجيه الحديث إلى نفسه المنحنية، التي ضايقها أهل العالم بتعييراتهم. ويسألها، أن تترجى الله وتحمده. وان ترى أن خلاصها هو في وجه الرب. ويهيب بها أن تثق في أن الرب هو صخرتها، التي مكنها أن تلجأ إليه فيثبتها.

يا ليت كل نفس تتمثل بالنبي الكريم فتترجى الله. لأن رجاء الله لا يخزي، ولا تعقبه خيبة ولا يأس، بل يتكلل بخلاص الله. أجل إن الرجاء لا يمكن أن يخيب، لأنه قائم على محبة الله ومختوم بالروح القدس، ليوم الفداء العظيم.

الترنيمة

Table 22. 

كَشَوْقِ ٱلْغَزَالِ لِمَجْرَى ٱلْمُيَاهْإِلَيْكَ إِلَهِي ٱشْتِيَاقِي عَظِيمْ         
عَطِشْتُ إِلَى ٱلْحَي رَبِّ ٱلْحَيَاةْوَقَلْبِي لِبَيْتِ ٱلْعَلِي يَهِيمْ         
قرار          
لِمَاذَا ٱلأَنِينْأَيَا نَفْسُ رَبُّكِ رَبٌّ مُعِينْ         
دُمُوعِي تَسِيلُ بِطُوْلِ ٱلزَّمَانْوَصَارَتْ طَعَامِي لَيْلَ نَهَارْ         
لأَنَّ ٱلْعَدُّوَ لِنَفْسِي أَهَانْبِقَوْلِهِ أَيْنَ إِلَهَكَ سَارْ         
وَنَفْسِي تَئِنُّ بِحُزْنٍ عَظِيمْلِذِكْرَى مَسِيرِي لِبَيْتِ ٱلْإلَهْ         
بِأَهْلِي وَصَحْبِي وَخِلّيِ ٱلْكَرِيمْنُغَنِّي بِحَمْدٍ لِرَبِّ ٱلْحَيَاةْ         
أَيَا نَفْسِ قُومِي لِمَاذَا ٱلْأنِينْتَرَّجِي إِلَهَكِ مِنْهُ ٱلنَّجَاهْ         
لأَنِّي لأَجْلِ ٱلْخَلاَصِ ٱلْثَمِينْأُسَبِّحُ رَبِّي بِطُوْلِ ٱلْحَيَاةْ         

الصلاة: شكراً يا إلهنا القدوس، من أجل لطفك الذي ظهر في المحبوب يسوع. ومن أجل عنايتك التي تحوطنا بها، حين تعج علينا البلايا، غمراً ينادي غمراً. ونشكرك بنوع خاص من أجل محبتك في يسوع، الذي أكمل كل بر. وأتاح لخاطئ نظيري القدوم إليك بالتوبة عن الخطايا. ثبتني في توبتي، زد إيماني، شدد رجائي، قوِ محبتي، يا إلهي الصالح. باسم يسوع استمع لي واستجب. آمين.

السؤال: 20 - بماذا امتاز داود كنبي؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّالِثُ وَٱلأَرْبَعُونَ - أقض لي يا رب

1اِقْضِ لِي يَا اَللّٰهُ وَخَاصِمْ مُخَاصَمَتِي مَعَ أُمَّةٍ غَيْرِ رَاحِمَةٍ، وَمِنْ إِنْسَانِ غِشٍّ وَظُلْمٍ نَجِّنِي. 2لأَنَّكَ أَنْتَ إِلٰهُ حِصْنِي. لِمَاذَا رَفَضْتَنِي؟ لِمَاذَا أَتَمَشَّى حَزِيناً مِنْ مُضَايَقَةِ ٱلْعَدُوِّ؟ 3أَرْسِلْ نُورَكَ وَحَقَّكَ هُمَا يَهْدِيَانِنِي وَيَأْتِيَانِ بِي إِلَى جَبَلِ قُدْسِكَ وَإِلَى مَسَاكِنِكَ. 4فَآتِي إِلَى مَذْبَحِ ٱللّٰهِ، إِلَى ٱللّٰهِ بَهْجَةِ فَرَحِي، وَأَحْمَدُكَ بِٱلْعُودِ يَا اَللّٰهُ إِلٰهِي. 5لِمَاذَا أَنْتِ مُنْحَنِيَةٌ يَا نَفْسِي، وَلِمَاذَا تَئِنِّينَ فِيَّ؟ تَرَجَّيِ ٱللّٰهَ لأَنِّي بَعْدُ أَحْمَدُهُ، خَلاصَ وَجْهِي وَإِلٰهِي.

حين نتأمل في هذا المزمور، نرى أن لا عنوان له. وهذا حمل عدداً من المفسرين على القول بأنه تكملة للمزمور الثاني والأربعين.

(1) يستهل كاتب المزمور بالطلب إلى الرب أن يحكم له وينتقم لظلامته من أمة غير بارة، ومن إنسان غش. ولعل الكاتب كان متحدثاً بلسان أحد المسبيين فطلب من الله معاقبة البابليين، وعلى رأسهم ملك بابل. والواقع أن طلب النقمة كان شائعاً في صلوات الكثيرين من قديسي العهد القديم. ولعل مرد ذلك إلى نصوص الناموس الموسوي الذي يجيز النقمة بدليل احتوائه على الشرعة القائلة: عين بعين وسن بسن (خروج 31: 24).

لقد عاش البشر عشرات القرون في ظل هذه الشرعة، إلى أن سطع ناموس روح الحياة في المسيح يسوع. الناموس الذي أساسه المحبة التي لا تنتقم من المسيء، بل تغفر له سبعين مرة سبع مرات، كل يوم. وقد عرف بالاختبار أن من قَبِل يسوع مخلِّصاً وقَبِل نيره يرفعه المسيح فوق مستوى خصمه، فيبادله حباً ببغضاء وغفراناً بانتقام. وقد عملت المسيحية بهذا المبدأ تمشياً مع تعليم الإنجيل القائل : «لا تنتقموا لأنفسكم... بل كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا أنتم أيضاً بهم». وهدف المسيح من هذا التعليم، هو أن يخلق من كل كائن بشري يؤمن به «إنساناً» جديداً صانعاً سلاماً، متأهباً لكل عمل صالح.

قد يرى البعض أن المسيحية تطلب من معتنقيها أموراً مستحيلة في ممارسة المسامحة. وقد يكون الأمر هكذا بالنسبة للإنسان الطبيعي، الذي لم يعرف المسيح في فدائه، أو بالحري لم يحل المسيح بالإيمان في قلبه. إنسان كهذا، لا يستطيع إطلاقاً التخلص من شهوة الانتقام. أما الذي قبل المسيح وتجدد بالروح القدس، فله طبيعة المسيح. وبطبيعة المسيح، يغلب شهوة الانتقام. وبالصفح عن الإساءة، يسحق كبرياء الخصم.

تجدد شاب بواسطة جيش الخلاص، وكان قبلاً مشهوراً بالبطش وشدة الانغماس في الشر. ولكنه ما أن نما روحياً في معرفة المسيح، حتى أخذ يتصل برفاقه القدامى ويكرز لهم بخلاص الله، الذي ذاق حلاوته. وصادف أنه في إحدى المرات، قام زميل سابق له ولطمه بشدة، قائلاً: هذه مني جزاء لمعرفتك الجديدة بالمسيح. فتلقى الشاب اللطمة بكل هدوء، ثم التفت إلى المعتدي وقال: قبلت لطمتك راضياً إكراماً للمسيح، الذي احتمل من الأشرار مقاومة كهذه. قالها، ثم حيا وانصرف. ولكن لم يمض يومان على الحادث، حتى ذهب المعتدي إلى ضحيته وقال له بانكسار: جئت لألتمس الصفح على تصرفي المشين، ولي خزي الوجه. وأعترف لك بأن كلمتك اللطيفة، اخترقت قلبي كسهم، وقتلت فيه العداوة. وبالحق أقول أنه عندما قبلت لطمتي برضى، خيل لي أنني أرى يسوع يتقبل اللطمة مبتسماً. فخجلت من فعلتي ولم يسعني إلا أن أقع على قدمي هذا الإله الذي جعل منك إنساناً محباً مسالماً.

(2 و3) يتململ الكاتب في ديار الاغتراب، ويشعر بالحنين إلى بيت المقدس. وحين خاب أمله بالعودة تألم، وراح يسأل الله بلهجة المكتئب: لماذا أقصيتني عنك؟ ولماذا سمحت بأن أسلك حزيناً من مضايقة أعدائي؟...

قال العلامة أوريجانس إن في هذا المزمور نبوة عن آلام المسيح، فالأمة غير الراحمة هي شعب اليهود، وإنسان الغش يهوذا الإسخريوطي. والقول «لماذا أتمشى حزيناً» يشير إلى كلمة المسيح في الليلة التي أسلم فيها «نفسي حزينة جداً حتى الموت».

لا تحزن يا أخي فعدو النفوس إبليس، أضعف من أن ينال من مؤمن بيسوع. فقد قال له المجد: إن رئيس هذا العالم يأتي ولكن ليس له فيّ شيء. فالعدو الغاشم لا يستطيع أن يضايقنا إلا إذا كان له فينا شيء، كالغيظ مثلاً. فقد قال الرسول: «لا تَغْرُبِ ٱلشَّمْسُ عَلَى غَيْظِكُمْ وَلا تُعْطُوا إِبْلِيسَ مَكَاناً» (أفسس 4: 26 و27). هل تريد الخلاص من هذا الحزن؟ اسأل يسوع أن يرسل إلى قلبك نوره وحقه. لأن يسوع هو نور العالم، الذي ينير سبيلك ويهديك إلى سبل البر من أجل اسمه. وهو الحق الذي يحررك من عبودية الشر، فتسلك كابن، وتصنع الحق.

نعم، إن سيدنا يبدد الحزن من نفوسنا، ويخلصنا من تجارب الأمة غير الراحمة، ومن إنسان الغش. وتأكد أن لا خلاص بدون يسوع.

(4) أيها المشتاق الساعي إلى جبل قدس الله، سر وراء الفادي الرب. فهو يقودك إلى مقادس الله. والله في هذه المساكن. يملأ نفسك بهجة وفرحاً. فتحمده بالعود والقيثار. والله كأب حكيم يعرف جيداً ما يحتاجه أبناؤه، في كل مرحلة من حياتهم. ولذلك لا داعي أن تكتئب نفسك، أو يضطرب قلبك في داخلك.

(5) ما أجمل الفرح، الذي يُعبر عنه بالترنيم! سبح الرب شاكراً على خلاصه ومحبته، «طوبي للساكنين في بيتك أبداً يسبحونك». ويقيناً أن التسبيح والحمد، هو أنغام الحب الصادرة من قلب طاهر. وأن ذلك يتم بطاعة وصايا الرب: «اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ ٱلَّذِي يُحِبُّنِي، وَٱلَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي» (الإنجيل بحسب يوحنا 14: 21).

وأنت يا نفسي، لماذا أنت منحنية، ولماذا تئنين فيّ، بعد أن عرفت طريق فرحك وسلامك. ارتجي الله، وتوكلي على نعمته، فهو يرسل نوره وحقه، فيهديانك إلى مسكنه، حيث مذبح الرب، الذي هو نور وخلاص لكل متقيه.

الترنيمة

Table 23. 

يَا رَبِّ كُنْ لِي مُرْشِداًيَا مَصْدَرَ ٱلأَنْوَارِ        
وَٱنْظُرْ لِضَعْفِي مُنْجِداًيَا ذَا ٱلْغِنِى ٱلْجَبَّارْ        
إِنِّي أَتَيْتُ خَاضِعاًأَمَامَ رَحْمَتِكْ        
فَٱنْصُتْ لِصَوْتِي سَامِعاًمِنْ عَرْشِ نِعْمَتِكْ        
نَفْسِي إِلَيْكَ تَائِقَةفِيهَا أَمَانِيهَا        
وَبِرَجَاكَ وَاِثقَةفَٱمْحُ مَسَاوِيهَا        
يَا رَبِّ قَلَّ نَاصِرِيكُنْ أَنْتَ لِي نَاصِرْ        
وَعَظُمَتْ كَبَائِرِيكُنْ أَنْتَ لِي غَافِرْ        
يَا حِصْنَنَا فِي خَوْفِنَاوَمُلْتَقَى ٱلْخَطْبِ        
أَنْتَ مُقَوِّي ضُعْفَنَافِي ٱلْمَوْقِفِ ٱلصَّعْبِ        

الصلاة: لك الحمد والشكر يا رب الجنود ملكنا وإلهنا، لأجل النعمة، التي صارت بالمسيح يسوع. هذه النعمة المخلصة، التي تعلم الناس أن ينكروا الفجور الذي في العالم. ونشكرك لأنك تعاملنا بالنعمة المترأفة. نسألك أن تسكب محبتك في قلوبنا بالروح القدس لكي ننبذ الكراهية والحقد والرغبة في الانتقام، ونتجمل بالوداعة وحب الغفران. ثبتنا في الحرية، التي اشتراها المسيح لنا بدمه، لكي لا نستعبد بعد للخطية، ولك الشكر. آمين.

السؤال: 21 - ما هي ميزات المسيحية بالنسبة للنقمة؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّادِسُ وَٱلأَرْبَعُونَ - الله ملجأ وقوة

1اَللّٰهُ لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ. عَوْناً فِي ٱلضِّيقَاتِ وُجِدَ شَدِيداً. 2لِذٰلِكَ لا نَخْشَى وَلَوْ تَزَحْزَحَتِ ٱلأَرْضُ، وَلَوِ ٱنْقَلَبَتِ ٱلْجِبَالُ إِلَى قَلْبِ ٱلْبِحَارِ. 3تَعِجُّ وَتَجِيشُ مِيَاهُهَا. تَتَزَعْزَعُ ٱلْجِبَالُ بِطُمُوِّهَا. سِلاهْ.

4نَهْرٌ سَوَاقِيهِ تُفَرِّحُ مَدِينَةَ ٱللّٰهِ، مَقْدِسَ مَسَاكِنِ ٱلْعَلِيِّ. 5ٱللّٰهُ فِي وَسَطِهَا فَلَنْ تَتَزَعْزَعَ. يُعِينُهَا ٱللّٰهُ عِنْدَ إِقْبَالِ ٱلصُّبْحِ. 6عَجَّتِ ٱلأُمَمُ. تَزَعْزَعَتِ ٱلْمَمَالِكُ. أَعْطَى صَوْتَهُ ذَابَتِ ٱلأَرْضُ. 7رَبُّ ٱلْجُنُودِ مَعَنَا. مَلْجَأُنَا إِلٰهُ يَعْقُوبَ. سِلاهْ.

(1) يستهل المرنم هذا المزمور بتأكيد، أن الرب هو الملجأ والملاذ. ومما يشيع الاطمئنان في النفس، هو أن يكون الرب ملجأ لنا. لقد اختبر القديسون في كل جيل، أنه بمجرد ذكر اسم يسوع، تتقوى النفس وتنتصر على الشدائد.

إن الضيقات التي تقع على الإنسان شديدة، ولكن أشدها مرارة للنفس، هي الخطية، التي تجرح الضمير. من أجل هذا، يجب أن نلجأ إلى يسوع المصلوب فادي الخطاة وغافر إثمهم. إنه بحق ملجأ لنا وقوة ومعين في كل الشدائد التي تنتابنا. حين يتورط الإنسان بدين باهظ، يكون الضيق الذي يحل به شديداً وقاسياً. ولكن كل الديون يتضاءل ثقلها أمام دين الخطية، الذي وصفه يوحنا بنيان في كتاب سياحة المسيحي بالحمل الثقيل.

إذا أردت أن تسمع صدى الأنين من ثقل الخطية في قسوته ومرارته، فاقترب من صليب ربنا يسوع المسيح. هناك تسمع الذي حمل خطايانا في جسده على الصليب يئن، قائلاً «إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟!».

يا ليت المستهين بالخطية يلتفت إلى صليب يسوع، ليرى فظاعة الخطية في كونها سببت موتاً مهيناً للقدوس الحق. ومن يدري، إن كان المستهين لا يخجل مما فعل، ويصرخ مع العشار قائلاً: ارحمني اللهم أنا الخاطي؟

لعلك تندهش أن يأتي ديان كل الأرض ويأخذ حكم الدينونة نيابة عن كل خاطئ أثيم! ولكن قبل أن تندهش، اطلب إلى هذا الفادي أن يحل بالإيمان في قلبك. وعندئذ تدرك أبعاد محبته الفائقة العقل، التي أحبك بها والتي رفعته على الصليب. ليفتديك من لعنة الناموس، الذي أغلق عليك تحت الخطية. وهو ينتظر منك خطوة واحدة، لكي يبررك ويعطيك ميراثاً مع المقدسين. ينتظر أن تقبل إليه، وتقبله مخلصاً.

(2 و3) لقد أُطلقتْ على الله صفات وأسماء كثيرة ولكن أقربها إلينا هي «الله محبة» وبالمحبة صار عمانوئيل الله معنا. لذلك لا نخشى مهما حدث من الدواهي، ولو تزعزعت الأرض.

يخبرنا متى الإنجيلي أنه فيما كان يسوع نائماً في السفينة وتلاميذه يجدفون حدث اضطراب عظيم في البحر، حتى غطت الأمواج السفينة فأيقظه تلاميذه بصراخ الخوف قائلين «يا سيد نجنا فإننا نهلك...ثم قام وانتهر الرياح والبحر فصار هدوء عظيم». ولسعادتنا فإن هذا الذي انتهر الريح والأمواج، هو نفسه الذي قال «ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر». وهو نفسه الذي قال: «لا تخافوا أنا هو». لذلك لا نخشى زعزعة الأرض، لأن إلهنا وفادينا ماكث فينا.

إنه لا يلاشي التجارب، ولكنه يوجد معنا حين نمر بها، كما حدث مع الفتيان الثلاثة. فهو لم يطفئ نار الأتون، ولكنه أعطاهم بركة وجوده. فلم تلتهمهم النار، بل زادتهم إيماناً وقوة وثباتاً.

قال رجل الله متى هنري: إن الطريقة لإزالة مخاوفنا، هي أن نأتي بها إلى المسيح، ونضعها أمامه. والذين يدعون المسيح معلماً بإخلاص، ويلجأون إليه بإيمان، يحق لهم أن يتأكدوا بأنه لن يجعلهم يهلكون.

وفي يقيني أنه ليست هناك راحة للنفس المسكينة، التي ترزح تحت عبء الشعور بالخطية والخوف، أفضل من أن تذهب إلى يسوع الفادي، مريح التعابى وتقول له: يا رب نجني فإنني أهلك.

صحيح أن عواصف الشر عاتية جداً وأن مهمة الشيطان وجنوده أن يثيرها بلا هوادة. ولكن شكراً لله لأن مهمة يسوع أن يسكنها. وله التسلط عليها، وهو ينتهرها بكلمة من فمه المبارك. وما تلك المعجزة التي حدثت إلا رمزاً إلى فعل المسيح، الذي يفعله في كل زمان، وهو إعطاء الراحة للنفس المؤمنة مهما اشتدت اضطرابات الحياة حولها.

(4) العالم شبيه ببحر مضطربة أمواجه، وهي تثير القلق والمخاوف في النفوس. ولكن جماعات المفديين نهر، سواقيه تفرح مدينة الله. لأنه بينما العالم يعاني الاضطرابات والثورات الدامية، يعيش قطيع المسيح في فرح وسلام. إن أنهار الله الحية الفياضة، هي مياه الروح القدس، التي تتدفق في حياة المؤمنين المولودين من الله. هكذا قال يسوع «إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي كَمَا قَالَ ٱلْكِتَابُ تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ قَالَ هٰذَا عَنِ ٱلرُّوحِ ٱلَّذِي كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ» (الإنجيل بحسب يوحنا 7: 37-39). وقد فاضت أنهار الروح القدس فعلاً يوم الخمسين.

(5) لقد فدى العلي قطيعه، وبررهم بدمه، وقدسهم بروحه القدوس الماكث فيهم، وثبتهم في محبته. لذلك لا يمكن، أن يتزعزعوا. إن سر قوة الكنيسة في وجود الله في وسطها، في قلوب أعضائها. وقد وزع المواهب الروحية على الجميع، وينصح الكل، وعينه على الكل. وحيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمه، فهناك يكون في الوسط.

(6 و7) إن الأمم التي لم تعرف الله في فدائه، تعج وتصخب. ولكنها لا تستطيع أن تثبت طويلاً، ولا أن تقاوم ما سمح الله بوقوعه على العالم. أما كنيسة الله، التي افتداها بدمه، فتقابل هذه الأحداث بدون قلق. لأن الله يقويها، ويسندها ويعطيها المحبة التي تصبر على كل شيء وترجو كل شيء. وتحتمل كل شيء.

مختارو الله يثبتون لأن قائدهم، ليس نبياً ولا ملاكاً ولا رئيس ملائكة، بل هو رب الجنود نفسه.

الترنيمة

Table 24. 

يَا ثَقِيلَ ٱلْحِمْلِ أَقْبِلْنَحْوَ فَادِيكَ ٱلْحَبِيبْ        
وَٱطْرَحِ ٱلأَوْزَارَ حَالاًعِنْدَ ذَيَّاكَ ٱلصَّلِيبْ        
فَتَرَى يَنْبُوعَ جُودٍسَالَ مِنْ جَنْبِ ٱلْحَمَلْ        
مَنْ أَمَاتَ ٱلْمَوْتَ بِٱلْمَوْتِٱلَّذِي عَنَّا ٱحْتَمَلْ        
اِسَمَعِ ٱلْفَادِي يُنَادِيكُلَّ مَقْطُوعِ ٱلرَّجَا        
اِلْتَفِتْ نَحْوِي فَتَحْيَاوَتَنَالَ ٱلْفَرَجَا        
أَقْبِلُوا نَحْوِي فَإِنِّيجِئْتُ مِنْ أَجْلِ ٱلْخُطَاةْ        
إِنَّنِي ٱلْخُبْزُ ٱلسَّمَاوِيوَأَنَا مَاءُ ٱلْحَيَاةْ        
اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْإِنَّنِي ٱلرَّاعِي ٱلْوَدِيعْ        
لاَ تَخَافُوا مِنْ عَدُوٍّفَأَنَا ٱلْحِصْنُ ٱلْمَنِيعْ        

الصلاة: مبارك أنت يا رب. وعظيمة هي أعمالك. كل شيء بحكمة صنعت. نشكرك يا إلهنا القدوس لأجل وجودك معنا، وسط اضطرابات الحياة، لم تهملنا ولم تمنع حقك عنا. ونقدس اسمك الكريم، لأنك تثبتنا في الإيمان والرجاء والمحبة، فلا نتزعزع. ومهما كانت الأمور صعبة والضيقات شديدة، فإننا نجد عندك الفرج، ونجد عندك التعزية. كمل عملك في حياتنا كل يوم، إلى يوم مجيئك. آمين.

السؤال: 22 - ما هي أشد الضيقات التي تقع على الإنسان، وكيف يستطيع الإنسان أن يتخلص منها؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّادِسُ وَٱلأَرْبَعُونَ - تتمة

8هَلُمُّوا ٱنْظُرُوا أَعْمَالَ ٱللّٰهِ، كَيْفَ جَعَلَ خِرَباً فِي ٱلأَرْضِ. 9مُسَكِّنُ ٱلْحُرُوبِ إِلَى أَقْصَى ٱلأَرْضِ. يَكْسِرُ ٱلْقَوْسَ وَيَقْطَعُ ٱلرُّمْحَ. ٱلْمَرْكَبَاتِ يُحْرِقُهَا بِٱلنَّارِ. 10كُفُّوا وَٱعْلَمُوا أَنِّي أَنَا ٱللّٰهُ. أَتَعَالَى بَيْنَ ٱلأُمَمِ. أَتَعَالَى فِي ٱلأَرْضِ. 11رَبُّ ٱلْجُنُودِ مَعَنَا. مَلْجَأُنَا إِلٰهُ يَعْقُوبَ. سِلاهْ.

(8) إن صوت الرعود القاصفة والسحب التي تتجمع في الفضاء، تنذر بالمطر وبالتالي ينجم عنها بركات واسعة للأرض إذ تروي أتلامها فتنبت الزروع وتعطي خيرات كثيرة. هكذا صوت الرب في كنيسته يرن منبهاً: قد تناهى الليل واقترب النهار، فاخلعوا أعمال الظلمة والبسوا أسلحة النور، فإن خلاصكم الآن أقرب مما كان حين آمنتم (رومية 13: 12).

لم يكن الأمر هكذا بالنسبة لليهود، الذين رفضوا خلاص الله في المسيح يسوع، فاستحقوا غضب الله، بعد أن وبخهم وأنذرهم بقضائه عليهم، وقدم لهم مثل الكرم، الذي وُفرت له كل أسباب الخصب والنمو. ومع ذلك فإذ انتظر الكرام الإلهي أن يصنع كرمه عنباً جيداً، صنع عنباً ردياً. فقرر أن ينزع سياجه، أي يعدل عن حمايته، فيصير للرعي، وأن يهدم جدرانه فيصير للدوس. ولا يلبث أن يطلع فيه شوك وحسك. ويوصي الغيم، أن لا يمطر عليه. لأن الشعب أخطأوا إلى إلههم (إشعياء 5: 1-7).

لم يترك الله شيئاً من وسائط النعمة، لم يصنعه للبشر. ومن يمعن نظره في تاريخ الفداء، ويتأمل في التجسد والصلب، وصعود يسوع بالمجد، وانسكاب الروح القدس، والكنيسة وخدمتها، والكتاب المقدس وفوائده، ومحبة الله، وطول أناته، وإحسانه إلى غير المستحقين، لا بد أن يقول: لا يوجد شيء من الخير، لم يصنعه الله للبشر.

إن خيرات الله التي يسبغها علينا، والامتيازات التي منحنا إياها، تزيد مسؤوليتنا. لأن أثمار الكرم يجب أن تكون على قدر أتعاب الكرام. وليكن معلوماً لدينا أن الرب يؤدب شعبه، بغية إصلاحهم. ويطلب الذين تركوا الرب في يوم الخيرات، ينتبهون ويرجعون إليه في يوم الضيقات. صحيح أن الرب صالح وإلى الأبد رحمته. ولكنه عين حداً للذين يرفضون رحمته. وبتعبير آخر. إن لم نقصد عمل الخير ونجتهد فيه، نعط الشرير فرصة ليزرع الفساد والخطية في قلوبنا.

(9) إن الحروب التي قامت ضد الرب كثيراً ما انتهت بإيمان الأعداء. انظر كيف صار شاول الطرسوسي مسيحياً وكارزاً بالإنجيل، بعد أن اضطهد كنيسة المسيح ونكل بأعضائها القديسين. وتاريخ الكنيسة حافل بسحابة من الشهود الذين كانوا أعداء صليب المسيح، ولكنهم ما أن عرفوا فيه رب الخلاص حتى سجدوا له. وكثيرون منهم استشهدوا في سبيله.

القسي هي رمز خطط أعداء الرب وترتيباتهم، التي يبددها الله. والرمح هو سلاح الهجوم وهو من سهام ابليس الملتهبة، التي أعطى الله المؤمنين في إزائها ترس الإيمان. والمركبات، هي أكاذيب الأشرار التي يحتمون خلفها، والله يبددها، مع كل الذين يتسلحون بها.

لا تخف يا أخي من هذه الأسلحة، بل: «تَقَّوُوا فِي ٱلرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُّوَتِهِ. ٱلْبَسُوا سِلاحَ ٱللّٰهِ ٱلْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ. فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ ٱلرُّؤَسَاءِ، مَعَ ٱلسَّلاطِينِ، مَعَ وُلاةِ ٱلْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هٰذَا ٱلدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ ٱلشَّرِّ ٱلرُّوحِيَّةِ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ. مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ ٱحْمِلُوا سِلاحَ ٱللّٰهِ ٱلْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي ٱلْيَوْمِ ٱلشِّرِّيرِ... ٱثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِٱلْحَقِّ، وَلابِسِينَ دِرْعَ ٱلْبِرِّ، وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِٱسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ ٱلسَّلامِ. حَامِلِينَ فَوْقَ ٱلْكُلِّ تُرْسَ ٱلإِيمَانِ، ٱلَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ ٱلشِّرِّيرِ ٱلْمُلْتَهِبَةِ وَخُذُوا خُوذَةَ ٱلْخَلاصِ، وَسَيْفَ ٱلرُّوحِ ٱلَّذِي هُوَ كَلِمَةُ ٱللّٰهِ» (أفسس 6: 10-17).

(10) كفوا عن محبة العالم الشرير، كفوا عن الاتكال على ذواتكم، واتكلوا على ذراع الرب المرتفع، ساكن الأبد، القدوس اسمه، الذي يسره أن يسكن مع المتواضع، أنه سيتعالى في أرضه، بعد أن تتزعزع الجبال وتعرف الأمم طريقه. أي عندما يدخل ملء الأمم.

(11) يختم الكاتب المزمور مكرراً العبارة التي تشيع الاطمئنان في النفس «رب الجنود معنا، وهو ملجأنا وملاذنا وهو ناصر لنا ومعيننا في الضيقات».

الترنيمة

Table 25. 

اَللَّهُ مَلْجَأٌ لَنَاوَقُوَّةٌ عَلَى ٱلْدَّوَامْ                  
عَوْنٌ شَدِيدٌ َواقِفٌفِي ٱلضِّيقِ حِصْنٌ وَسَلاَمْ                  
لِذَاكَ لاَ نَخْشَى وَلَوْ تَزَلْزَلَتْبِنَا ٱلْجِبَالُ وَٱلأَرَاضِي ٱنْقَلَبَتْ                  
لِلْبَحْرِ مِنْ هَوْلِ ٱلصِّدَامْ                   
اَللَّهُ فِي مَدِينَةِ ٱلْقُدْسِ فَلاَ تَلْقَى ضَرَرْ                  
وَلاَ تَزَعْزُعاً وَلاَعَوْناً شَدِيداً أَوْ خَطَرْ                  
يُعِينُهَا بَارِي ٱلسَّمَا رَبُّ ٱلْبَشَرْإِلَهُنَا ٱلْقُدُوسُ يُعْطِيهَا ٱلْظَفَرْ                  
فِي وَقْتِ إِقْبَالِ ٱلْسَّحَرْ                   
اَللَّهُ أَعْطَى صَوْتَهُمِنْ عَرْشِهِ ٱلأَسْمَى ٱلْعَظِيمَ                  
فَذَابَتِ ٱلأَرْضُ وَلَمْتَثْبُتْ عَلَى ٱلأُسِّ ٱلْقَدِيمْ                  
رَبُّ ٱلْجُنُودِ ٱلْمُسْتَغَاثُ مَعَنَافِي سَائِرِ ٱلأَزْمَانِ بَلْ مَلْجَأُنَا                  
إِلَهُنَا ٱلْحَيُّ ٱلْرَّحِيمْ                   
يَا أَيُّهَا ٱلْنَّاسُ ٱنْظُرُوامَاذَا ٱلْقَدِيرُ يَفْعَلُ                  
قَدْ جَعَلَ ٱلأَرْضَ قِفَاراً وَٱلْحُرُوبَ يُبْطِلُ                  
وَٱلْقَوسَ قَدْ كَسَرْ وَٱلْرُّمْحَ قَدْ قَطَعْوَمَرْكَبَاتِ ٱلْحَرْبِ لِلنَّارِ دَفَعْ                  
ذَاكَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَزَلْ                   
يَقُولُ كُفُّوا وَٱعْلَمُواأَنِّي أَنَا ٱللَّهُ ٱلْقَدِيرْ                  
مُرْتَفِعٌ بَيْنَ ٱلْمَلاَعَلَى كَبِيرٍ وَصَغِيرْ                  
رَبُّ ٱلْجُنُودِ ٱلْحَقُّ بَارِينَا لَنَامَلْجَأُنَا طُوْلَ ٱلْمَدَى بَلْ حُصْنَنَا                  
إِلَهُنَا ٱلْرَّبُّ ٱلْمُجِيرْ                   

الصلاة: حمداً وشكراً، نرفع لك يا رب إله خلاصنا. أنت قوتنا وملاذنا في الضيقات. ونشكرك بنوع خاص لأجل حمايتك لنا من شرور هذا العالم، وإذا سمحت محبتك أن نتأدب، فأنك لا تسلمنا إلى الموت. أنت أحببتنا قبل تأسيس العالم، وأعددت كل شيء لخيرنا. حتى نكون مثمرين لمجدك. قادر أن تفتح بصائر الناس الداخلية، لكي يعرفوا فيك الخلاص الكامل وشدد على القلوب أن تقبل هذا الخلاص من يمينك. آمين.

السؤال: 23 - ما هي وسائل النعمة التي أعدها الله للبشر؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْخَمْسُونَ - ذبائح الحمد

14اِذْبَحْ لِلّٰهِ حَمْداً، وَأَوْفِ ٱلْعَلِيَّ نُذُورَكَ، 15وَٱدْعُنِي فِي يَوْمِ ٱلضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي.

هذا احد المزامير التي تحمل اسم أساف. ويقول المفسرون إن أساف علاوة على كونه أحد أئمة المرنمين، كان شاعراً روحياً ممتازاً. وفي سفر المزامير اثنا عشر مزموراً، كلها تحمل اسمه. ولقد تميزت هذه المزامير بصفة خاصة، إنها تصور الله يتكلم قاضياً للشعب.

(14) من البديهي أن الله لا يأكل لحم الثيران، ولا يشرب دم التيوس. وإنما الذبائح المطلوب إلى المؤمن أن يقدمها، هي ذبائح شكر لله، لأجل إحساناته الكثيرة. وأولى هذه الذبائح هي جسد المؤمن وفقاً للوصية الرسولية القائلة «فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ ٱللّٰهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ ٱللّٰهِ، عِبَادَتَكُمُ ٱلْعَقْلِيَّةَ. وَلا تُشَاكِلُوا هٰذَا ٱلدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ ٱللّٰهِ ٱلصَّالِحَةُ ٱلْمَرْضِيَّةُ ٱلْكَامِلَةُ» )رومية 12: 1 و2).

جرت العادة في أيام الشريعة الموسوية أن يقدموا لله البهائم الطاهرة ذبائح في الهيكل. فسأل بولس المسيحيين، أن يقدموا لله الذبائح كأهل العهد القديم، لكنه أعلن أن ذبائح القدماء كانت مادية، أما ذبائح المسيحيين فروحية. تقدمة القدماء كانت من البهائم. وتقدمة المسيحيين هي أجسادهم، وهي ذبائح اختيارية سارة مفرحة لقلب الله.

ومعنى الجسد هنا الإنسان كله وإلا فالتقدمة لا تشمل العقل. ومثل هذا قوله للكورنثيين «لأَنَّكُمْ قَدِ ٱشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا ٱللّٰهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ ٱلَّتِي هِيَ لِلّٰهِ» (كورنثوس الأولى 6: 20). ولعل الرسول ذكر الجسد، لأنه الآلة التي يُظهر بها المؤمن وَقْفه نفسه لخدمة المسيح، ولا يستطيع أن يظهر إلا بها. وقد اشترط الرسول أن تكون الذبيحة:

  1. حية - تمييز لها عن التقدمات التي كان يجب على القدماء أن يقدموها، فهذه كان يجب أن تقتل. وقد أُلغيت هذه، لأن موت المسيح كحمل الله على مذبح الصليب أزال إلى الأبد تقديم الذبائح الحيوانية كفارة للخطية. فلا يُطلب في العهد الجديد، إلا ذبائح الشكر والحمد (الرسالة إلى العبرانيين 13: 15 و16).

  2. مقدسة - شرط في ناموس موسى، أن تكون البهائم التي تُقدم في الهيكل طاهرة بلا عيب. كذلك شرط على المسيحي أن تكون تقدمته مقدسة، بدليل قول الرسول «وَلا تُقَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ آلاتِ إِثْمٍ لِلْخَطِيَّةِ، بَلْ قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ لِلّٰهِ كَأَحْيَاءٍ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ وَأَعْضَاءَكُمْ آلاتِ بِرٍّ لِلّٰهِ» (رومية 6: 13).

  3. مرضية عند الله - لأن تلك التقدمة روحية، فهي مما يسر الله بدليل قوله: «اَللّٰهُ رُوحٌ. وَٱلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَٱلْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا» (الإنجيل بحسب يوحنا 4: 23) ومما يجعلها مرضية، أن المؤمنين يقدمونها باسم يسوع المسيح. ومن مواضيع الفرح أن يكون للإنسان شيء يقدر ان يقدمه لله ويرضيه.

وهناك ذبيحة الشكر العملي، الذي يتميز بما يرافقه من ذبائح فعل الخير والتوزيع التي يسر بها قلب الله (الرسالة إلى العبرانيين 13: 16) ونقرأ في أمثال 19: 17 «مَنْ يَرْحَمُ ٱلْفَقِيرَ يُقْرِضُ ٱلرَّبَّ وَعَنْ مَعْرُوفِهِ يُجَازِيهِ» وأنه لجميل حقاً أن يعلن الله نفسه نصيراً للفقير. وقد سمح بوجود الفقراء ليمتحن بها قلوب الأثرياء. وهو يتقبل ما يفعلونه لإغاثة الملهوف، وكأنهم يفعلونه به، بدليل قول المسيح «بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم».

بالحق، أن المحبة التي تعبر عن ذاتها بالعطاء، لمحبة نامية. ولا بد أن عطاءها يثمر بركات روحية، هكذا نقرأ في الكلمة الرسولية «مَنْ يَزْرَعُ لِجَسَدِهِ فَمِنَ ٱلْجَسَدِ يَحْصُدُ فَسَاداً، وَمَنْ يَزْرَعُ لِلرُّوحِ فَمِنَ ٱلرُّوحِ يَحْصُدُ حَيَاةً أَبَدِيَّةً. فَلا نَفْشَلْ فِي عَمَلِ ٱلْخَيْرِ لأَنَّنَا سَنَحْصُدُ فِي وَقْتِهِ إِنْ كُنَّا لا نَكِلُّ» (غلاطية 6: 8-9).

(15) الحياة مملوءة بالضيقات. وهذه الضيقات، لا يعفى أحد منها. ولكن الوعد بأن المسيح لا يهملنا ولا يمنع معونته عنا، ولا يدعنا نجرب فوق ما نستطيع، بل سيجعل مع التجربة أيضاً المنفذ (كورنثوس الأولى 10: 13) ولنذكر أن هذه الضيقات مع الإيمان المحتمل تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد.

إن يوم الضيق، هو يوم شر. وقد وقع فيه يوسف الصديق، فدعا الرب فأنقذه. ووقع فيه داود، وإذ لم يدع الرب سقط فيه وذاق المرارة. ووقع فيه بطرس، وكاد يهلك لولا أن يسوع صلى من أجله، فلم يفن إيمانه. إن يسوع هو رسالتنا. وصليبه قوة خلاصنا في يوم الضيق.

ادع يسوع يا أخي، ولا تخف من الضيقات، فبالمسيح ينشئ لك الضيق صبراً والصبر تزكية، والتزكية رجاء والرجاء لا يخزي. لأن المسيح يسكب محبة الله في قلبك بالروح القدس الذي خُتمت به ليوم الفداء.

الترنيمة

Table 26. 

إِنِّي لَكَ ٱلدَّهْرَاسَلَّمْتُكَ ٱلأَمْرَا              
رَبِّي ٱلْمُعِينْ               
قَلْبِي وَمَا فِيَّأُهَدِي لِفَادِيَّ              
حَامِيَّ رَاعِيَّرُكْنِي ٱلْمَتِينْ              
خَصَّصْتُ مَا عِنْدِيلِلْمُنْقِذِ ٱلْمُبْدِي              
وَقْتِي ٱلْثَّمِينْ               
أَجْرَى دَمَ ٱلْحُبِّمَوْلاَيَ بَٱلْصَّلْبِ              
مُذْ سَالَ مِنْ جَنْبِذَاكَ ٱلْطَّعِينْ              
بِٱلرُّوحِ يُحْيِينِيرَبِّي وَيُعْطِينِي              
نَصْرِي ٱلْمُبِينْ               
فِي مُهْجَتِي حَلاَّبِمُلْكِهِ أَوْلَى              
أُعْطِي لَهُ ٱلْكُلاَّرَبِّي ٱلأَمِينْ              
نَفْسِي لَهُ وُقْفُيَزْكُو بِهَا ٱلْعُرْفُ              
فِي كُلِّ حِينْ               
يَا أَيُّهَا ٱلْفَادِيأُمْنُنْ بِإِرْشَادِي              
كُنْ قُوَّتِي زَادِيصَرْحِي ٱلْحَصِينْ              

الصلاة: مبارك اسمك، أيها السيد الرب، ولك المجد والقدرة والسلطان أنت إله صالح، ومصدر كل خير ونعمة وسلام. اللهم نشكرك ونحمدك على الدوام، لأجل بركاتك الوفيرة. نشكرك لأجل بركة الخلاص بالنعمة، التي باركتنا بها. ثبتنا في القداسة، التي اشتراها لنا المسيح بموته من أجلنا. بارك أوطاننا ببركة الحياة، وانشر سلامك في ربوعنا. آمين.

السؤال: 24 - ما الفرق بين ذبائح العهد القديم والعهد الجديد؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْحَادِي وَٱلْخَمْسُونَ - التوبة النصوح

1اِرْحَمْنِي يَا اَللّٰهُ حَسَبَ رَحْمَتِكَ. حَسَبَ كَثْرَةِ رَأْفَتِكَ ٱمْحُ مَعَاصِيَّ. 2ٱغْسِلْنِي كَثِيراً مِنْ إِثْمِي وَمِنْ خَطِيَّتِي طَهِّرْنِي. 3لأَنِّي عَارِفٌ بِمَعَاصِيَّ وَخَطِيَّتِي أَمَامِي دَائِماً. 4إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ وَٱلشَّرَّ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ صَنَعْتُ، لِكَيْ تَتَبَرَّرَ فِي أَقْوَالِكَ وَتَزْكُوَ فِي قَضَائِكَ. 5هَئَنَذَا بِٱلإِثْمِ صُوِّرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي.

6هَا قَدْ سُرِرْتَ بِٱلْحَقِّ فِي ٱلْبَاطِنِ، فَفِي ٱلسَّرِيرَةِ تُعَرِّفُنِي حِكْمَةً. 7طَهِّرْنِي بِٱلزُّوفَا فَأَطْهُرَ. ٱغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ ٱلثَّلْجِ.

قيل إن داود كتب هذا المزمور بعد ارتكاب الخطية مع بثشبع، امرأة أوريا الحثي. وليس من شك في أن هذا المزمور من أعمق صلوات التوبة والتماس الغفران. ومن ميزات هذا المزمور أن آياته، تظهر لنا أن الخطية غريبة عن الإنسان. وأيضاً هذه الآيات تتغنى بنبل الإنسان وتجاوبه مع فكر الله بوجوب طهارة القلب. ونظراً لأهمية هذا المزمور، في إعداد النفس للتوبة راحت بعض الكنائس تتلوه سبع مرات في كل يوم في فصل الصوم.

(1) يستهل داود المزمور بطلب الرحمة من الله، ومع أنه كان في صدد خطية واحدة، إلا أنه سأل غفران معاصيه كلها. لأنه وقع تحت تأنيب الروح القدس. والروح المبارك ذكره بخطاياه السالفة، فصرخ إلى الله قائلاً «ارحمني يا الله حسب رحمتك». كان في حنايا صدره شيء من صلاة إرميا النبي حين قال: «تَّوِبْنِي فَأَتُوبَ... لأَنِّي بَعْدَ رُجُوعِي نَدِمْتُ... وَخَجِلْتُ لأَنِّي قَدْ حَمَلْتُ عَارَ صِبَايَ» (ارميا 31: 18 و19). وكان في استرحامه شيء من تضرّع العشار، الذي وقف بعيداً عن قدس الهيكل، ولم يشأ أن يرفع عينيه نحو السماء. بل قرع صدره، قائلاً «ارحمني اللهم أنا الخاطئ». هذا هو تصرف القلب التائب، أمام الله. أن يذهب في صلاته، إلى أبعد مما ذهب إليه سمعان بطرس، حين قال «ٱخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي يَارَبُّ، لأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ» (الإنجيل بحسب لوقا: 5: 8).

إن صلاة القلب المنكسر في توبته تتركز في شيء واحد هو طلب رحمة الله. وفي قوله ارحمني، رُسم للناس في كل جيل وعصر الطريق الوحيدة للرجوع إلى الله. لقد أدان نفسه، فبرر الله. والله البار، رحمه وبرره وقدسه.

ومع أن دم حمل الله الذي يرفع خطية العالم، لم يكن قد سُفك بعد، ومع أن حجاب الهيكل لم يكن قد شُق بعد من أعلى إلى أسفل، فقد عرف إمام المرنمين الطريق الواجب أن يسلكها التائب طالب الغفران.

لقد تبرر لأنه وقف الوقفة التي تليق به في حضرة الله القدوس. وهذه الوقفة تليق بكل إنسان. ولسعادة الإنسان التائب، أن عرش النعمة مفتوح لكل طالب الله. وقد قال المسيح «أَنَّهُ هٰكَذَا يَكُونُ فَرَحٌ فِي ٱلسَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَارّاً لا يَحْتَاجُونَ إِلَى تَوْبَةٍ» (الإنجيل بحسب لوقا 15: 7).

(2) حين شعر المرنم بنجاسة الخطية، التي ارتكبها، سأل الله أن يغسله من إثمه ويطهره من خطيته. وليس من شك في أن الله استجاب لطلبته، بدليل قوله «وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِي، ٱلَّذِي سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي» (أعمال 13: 22).

نقرأ في زكريا عن الينبوع، الذي يفتح في أورشليم للخطية والنجاسة (زكريا 13: 1). وهذا الينبوع تفجر فعلاً خارج مدينة الله من على الصليب، لكي يغسل خطايا كل من يؤمن بالفادي. وقد أعلن يوحنا الإنجيلي هذه الحقيقة للأجيال، إذ قال «ٱلَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ، وَجَعَلَنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً لِلّٰهِ أَبِيهِ، لَهُ ٱلْمَجْدُ وَٱلسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ. آمِينَ» (رؤيا 1: 5 و6).

إن كلمة غسلنا تعني أيضاً حررنا. إذ كل من يقبل فداء المسيح يطلقه المسيح في الحرية، بعد أن دفع حياته ثمناً لهذه الحرية. ولكن لننتبه! لأنه إن كانت محبة المسيح الفادية مستمرة، فالصليب لا يتكرر. بمعنى أن الذي حرره المسيح لا يجوز له أن يرتبك مرة أخرى بعبودية الخطية.

(3-4) نرى في داود التائب ذلك الرجل، الذي أيقظ روح الرب أحاسيسه فذكر ما هو فيه من سوء حال، بل وجد خطيته ماثلة أمام عينيه. الأمر الذي انتزع الاطمئنان والراحة من أفق حياته، ولاشى السلام من قلبه.

لقد التقى بصلاة اعترافه بإشعياء حين قال «لأَنَّ مَعَاصِيَنَا كَثُرَتْ أَمَامَكَ، وَخَطَايَانَا تَشْهَدُ عَلَيْنَا، لأَنَّ مَعَاصِيَنَا مَعَنَا وَآثَامَنَا نَعْرِفُهَا. تَعَدَّيْنَا وَكَذِبْنَا عَلَى ٱلرَّبِّ، وَحِدْنَا مِنْ وَرَاءِ إِلَهِنَا. تَكَلَّمْنَا بِٱلظُّلْمِ وَٱلْمَعْصِيَةِ. حَبِلْنَا وَلَهَجْنَا مِنَ ٱلْقَلْبِ بِكَلامِ ٱلْكَذِبِ» (إشعياء 59: 12-13). ونعلم من النصوص المقدسة أن الشعور بالخطية هو أول درجات الاستغفار ويلي ذلك الاعتراف بالخطايا، الذي يقابل بغفران الله. بدليل قول الرسول يوحنا «إِنِ ٱعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ» (يوحنا الأولى 1: 9).

إن الخطية عامل لا يمكن إنكاره في وعي كل إنسان. وهي ليست تصرفاً عابراً، وليست مجرد حماقة أو جهالة أو زلة قدم. وإنما هي حالة فساد، وعصيان ضد الله وتمرد عليه، وانحراف عن الطريق الذي رسمه الله للإنسان. وشر أضرار الخطية أنها تفصل بين الإنسان وإلهه. بدليل قول الله «آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلَهِكُمْ، وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لا يَسْمَعَ» (اشعياء 59: 2).

(5) ويكشف لنا التائب أن خطيته لم تكن أمراً طارئاً، بل هي قديمة تعود إلى أصله، وهذا لا يعني أنه يبرر نفسه، كأن يقول إن الخطية شيء موروث فلا ذنب علي إذاً. العكس هو الصحيح، وإنما أراد أن يوجه الأنظار إلى أن الخطية في الإنسان تعود إلى طبيعته الفاسدة. ونرى في عباراته أن المرنم لم يشأ أن يحبك النظريات حول الخطية، أو يتمادى في الرثاء على حاله بسببها. ولكنه اعترف بحقيقتها. وفي توغله إلى عمقها، يوجه أنظارنا إلى خطايانا، حاضاً إيانا أن نحذو حذوه بالاعتراف والتوبة وطلب الرحمة والغفران من الله.

(6) ومن صميم توبته يخرج علينا الكاتب بخبر مفرح مفاده أن الله يسر في أن يكون باطن الإنسان مملوء بالحق. لأن الدين الحقيقي هو ما كان راسخاً في القلب، بحيث يكون الإنسان شريف النوايا صادق الود، نقي الضمير، طاهر الفكر. وايضاً كشف لنا أن الله يريد أن نتجمل بالحكمة. ولنا هذه الوصية الرسولية «فَٱنْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِٱلتَّدْقِيقِ، لا كَجُهَلاءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ، مُفْتَدِينَ ٱلْوَقْتَ لأَنَّ ٱلأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ» (أفسس 5: 15).

(7) الزوفا نبات كان يستعمل في العهد القديم للتطهير من البرص (لاويين 14: 4-6) ومن الخطية كما في هذا المزمور. كما أنه استعمل واسطة لرش الدم (خروج 12: 22) فطلبة داود هنا للتطهير من الذنب. ولسعادة البشر، فإن باب النعمة مفتوح لكل تائب، يطلب الله بالقلب المنكسر. هكذا نقرأ «هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَٱلْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَٱلثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَٱلدُّودِيِّ تَصِيرُ كَٱلصُّوفِ» (إشعياء 1: 18).

اطرق باب النعمة يا أخي فالله في المسيح يشبه قاضياً، نزل عن كرسي القضاء، وجلس بجانب المذنب. وأخذ يكلمه باللطف، ويبين له فظاعة خطيته، ويحرضه على التوبة. ويعده بالغفران التام، شرط أن لا يعود إلى فعل الشر. فما أعظم غفران الله! إنه كمحبته له عرض وطول بحيث يشمل جميع الخطاة وكل الخطايا. وله عمق، لأنه يصل إلى افكار القلب والخطايا السرية. وله علو لأنه يدخل الخاطي النجس في جماعة الأبرار القديسين، الذين دعوا أهل بيت الله. وينال أخيراً المجد والسعادة والإكرام والحياة الأبدية في السماء. ليس لبر في أعمال عملها، ولكن بمقتضى الرحمة لأنه صدق قوله وقبل وعده في المسيح وأطاعه. وآمن بذبيحة الفداء.

الترنيمة

Table 27. 

مِثْلَ عَظِيمِ رَحْمَتِكْيَا خَالِقِي ٱرْحَمْنِي        
وَمِثْلَ فَرْطِ رَأْفَتِكْٱمْحُ ٱلْخَطَا عَنِّي        
إِغْسِلْ كَثِيراً سَيِّدِينَفْسِي مِنَ ٱلذَّنْبِ        
وَهَكَذَا خُذْ بِيَدِيمُطَهِّراً قَلْبِي        
إِنِّي بِإِثْمِي عَارِفٌمُعْتَرِفٌ جَهْرَا        
وَهْوَ أَمَامِي وَاقِفٌأَنْظُرُهُ ٱلدَّهْرَا        
أَخْطَأْتُ يَا رَبُّ إِلَيْكْبِٱلْقَوْلِ وَٱلْفِعْلِ        
وَٱلشَّرَّ مَا بَيْنَ يَدَيْكْصَنَعْتُ فَٱصْفَحْ لِي        
قَلْباً نَقِياً طَاهِرَابِي ٱخْلُقْهُ يَا مَوْلاَيْ        
وَرُوحَ عَدْلٍ ظَاهِراًجَدِّدْهُ فِي أَحْشَايْ        

الصلاة: أيها الرب إلهنا الصالح، إليك نرفع قلوبنا مصلين ومعترفين بخطايانا. إن كنت تراقب الآثام يا رب، فمن يقف قدامك؟ نأتي إليك باسم يسوع الشفيع، نادمين على خطايانا السالفة، ومصممين على التوبة. فتحنن علينا، واشفق على حالتنا المتردية، واغفر لنا ما سلف من آثامنا. طهر قلوبنا بدم يسوع، حمل الله رافع خطية العالم. وقونا في حياتنا وثبتنا، لكي لا نعود إلى ارتكاب الذنب. آمين.

السؤال: 25 - ماذا رأيت في هذا المزمور؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْحَادِي وَٱلْخَمْسُونَ - تابع

8أَسْمِعْنِي سُرُوراً وَفَرَحاً فَتَبْتَهِجَ عِظَامٌ سَحَقْتَهَا. 9ٱسْتُرْ وَجْهَكَ عَنْ خَطَايَايَ وَٱمْحُ كُلَّ آثَامِي.

10قَلْباً نَقِيّاً ٱخْلُقْ فِيَّ يَا اَللّٰهُ وَرُوحاً مُسْتَقِيماً جَدِّدْ فِي دَاخِلِي. 11لا تَطْرَحْنِي مِنْ قُدَّامِ وَجْهِكَ، وَرُوحَكَ ٱلْقُدُّوسَ لا تَنْزِعْهُ مِنِّي. 12رُدَّ لِي بَهْجَةَ خَلاصِكَ، وَبِرُوحٍ مُنْتَدِبَةٍ ٱعْضُدْنِي. 13فَأُعَلِّمَ ٱلأَثَمَةَ طُرُقَكَ، وَٱلْخُطَاةُ إِلَيْكَ يَرْجِعُونَ. 14نَجِّنِي مِنَ ٱلدِّمَاءِ يَا اَللّٰهُ إِلٰهَ خَلاصِي فَيُسَبِّحَ لِسَانِي بِرَّكَ.

(8) في هذه الآيات يرفع المرنم قلبه إلى الله بعدة طلبات، تعبر عن نفس أمضها الفشل في التماس التعزيات، في مباهج العالم الفاني. ومن غمرة مللها، انطلقت نحو إلهها متوسلة وضارعة إليه أن يرحمها، ويمنحها سروراً من لدنه.

كان يصرخ إلى إلهه بلجاجة لكي يرد له بهجة خلاصه التي فقدها بسبب خطيته. ولسعادته أن الرب الإله، محب ومديم الرحمة، وهو من أجل محبته الكثيرة يحنو على أتقيائه الذين عثروا. وهو يدعو كل واحد باسمه «اِرْجِعْ يَا إِسْرَائِيلُ إِلَى ٱلرَّبِّ إِلَهِكَ لأَنَّكَ قَدْ تَعَثَّرْتَ بِإِثْمِكَ. خُذُوا مَعَكُمْ كَلاماً وَٱرْجِعُوا إِلَى ٱلرَّبِّ. قُولُوا لَهُ: ٱرْفَعْ كُلَّ إِثْمٍ وَٱقْبَلْ حَسَناً، فَنُقَدِّمَ عُجُولَ شِفَاهِنَا... أَنَا أَشْفِي ٱرْتِدَادَهُمْ. أُحِبُّهُمْ فَضْلاً، لأَنَّ غَضَبِي قَدِ ٱرْتَدَّ عَنْهُ... وَيَكُونُ بَهَاؤُهُ كَٱلّزَيْتُونَةِ، وَلَهُ رَائِحَةٌ كَلُبْنَانَ» (هوشع 14: 1-6).

إننا نعلم علم اليقين أن الله، الذي قَبِل داود وصيره رجلاً حسب قلبه ليس عنده تغيير ولا ظل دوران. فهو يقبل كل تائب. وكلمة ارجع إلى الرب، التي تكررت على ألسنة الأنبياء تعني: لا تتطلع إلى الرب فقط، أو تتخذ بضع خطوات نحوه، بل جد بالمسير نحوه. تعال إليه ومعك كلام، أي صلوات شكر صاعدة من إنسانك الباطن. خذ أيضاً كلاماً من الكتاب المقدس. بواسطة روح النعمة، الذي يعلمك أن تصرخ يا أبا الآب. لا تقل مثل فرعون: ارفع عنا هذا الموت، بل قل، مع هوشع، ارفع كل إثم، ارفعه كثقل يوشك أن يسحقني. ارفعه يا رب، لكي لا يظهر ثانية لازعاجي وإهلاكي. ارفعه بغفران كامل مجاني، لأن ليس لي استحقاق.

(9) إن ستر الخطايا ومحو الآثام يتم بعمل المسيح الكفاري، الذي غطانا بدمه المبارك الذي سفك على الصليب. هذا الدم المبارك غفر آثامنا، وأسدل الستر على خطايانا. وطوبى للذي غفر أثمه وسترت خطيته. وهكذا قيل عن الله أنه يطرح الخطية وراء ظهره (اشعياء 38: 17) قال أحد المفسرين: إذا طرحنا خطايانا وراء ظهورنا، فالرب يضعها أمام وجهه. وإذا وضعنا خطايانا أمام وجوهنا، أي اعترفنا بها، فالرب يطرحها وراء ظهره.

إن هذه التعبيرات وأمثالها تعني بالنسبة لنا، أن أساس تطويبنا وسعادتنا، ليس هو براءتنا، لأن الخطية قائمة وهي تنجس الأرض، ولو كانت مستترة عن الناس. لكن أساس تطويبنا، هو أن الله لا يحسبها علينا. وهذا تفضل من الله، أنه لم يعاملنا بعدله المطلق، كما نستحق. وهذا كله عمل النعمة، التي صارت بالمسيح.

(10) قال يسوع في عظته على الجبل: «طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ ٱلْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ ٱللّٰهَ» (الإنجيل بحسب متى 5: 8). وقد أراد لهذه التطويبة أن يعلمنا أن لشركاء المسيح طهارة أعظم من الطهارة الطقسية التي كان اليهود يمارسونها كالغسولات والامتناع عن بعض الأطعمة. ونفهم أيضاً أنه ليس في وسعنا أن نكون سعداء ما لم نعاين الله. وأنه ليس في وسعنا أن نعاين الله، ما لم تكن قلوبنا نقية. فماذا نحن فاعلون بهذه القلوب النجسة، التي نحملها في صدورنا؟ وأية وسيلة، تنفع لتنقيتها؟ يقول البعض: بالأعمال الصالحة، تنقى القلوب. وصحيح أن الأعمال الصالحة ثمار جيدة، ولكنها لا تستطيع أن تنقي القلب. بل لعل صاحبها يتحول بمرور الزمن إلى صورة التقوى، فتصبح ديانته مظاهر خارجية، كما كانت ديانة الفريسيين. ويقول بعض آخر: يكفي أن تكون النوايا حسنة والرغبات طاهرة، لنكون أنقياء القلب. ولكن هذا كلام مردود جملة وتفصيلاً، لأن النوايا والرغبات جميعها تنبع من القلب، فكيف إذن تستطيع هذه أن تنقيه.

القلب ينقى بالخلق الجديد. الذي هو عمل الله، بدليل قوله «وَأَنْزِعُ قَلْبَ ٱلْحَجَرِ مِنْ لَحْمِهِمْ وَأُعْطِيهِمْ قَلْبَ لَحْمٍ لِيَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِي وَيَحْفَظُوا أَحْكَامِي وَيَعْمَلُوا بِهَا» (حزقيال 11: 19-20). شارك داود هذه الطلبة يا أخي «قلباً نقياً اخلق فيّ يا ألله، وروحاً مستقيماً جدد في داخلي».

الروح المستقيم هو من الله، والله مستعد أن يجدد به كل من يطلب وجهه بإيمان، وفقاً لقوله: «وَأَرُشُّ عَلَيْكُمْ مَاءً طَاهِراً فَتُطَهَّرُونَ. مِنْ كُلِّ نَجَاسَتِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَصْنَامِكُمْ أُطَهِّرُكُمْ. وَأُعْطِيكُمْ قَلْباً جَدِيداً، وَأَجْعَلُ رُوحاً جَدِيدَةً فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَنْزِعُ قَلْبَ ٱلْحَجَرِ مِنْ لَحْمِكُمْ وَأُعْطِيكُمْ قَلْبَ لَحْمٍ. وَأَجْعَلُ رُوحِي فِي دَاخِلِكُمْ» (حزقيال: 36: 25-27).

(11-14) هذه الآيات تصور لنا داود التائب المنكسر أمام الرب، والراجي رحمته وهو يحاول النهوض من كبوته. ولكن ليس بقوته، بل بقوة إلهه الذي رجع إليه بتواضع. ويلتمس من الرب الإله أن لا يصده، بل ان يقبله ويرد له بهجة خلاصه، وأن يؤيده بروح منه، لكي يثبت ضد مكايد إبليس، وبالتالي يشهد لعمل نعمة الله بين شعبه. لكي يرشدهم إلى النعمة المخلصة، التي علمته أن ينكر الفجور، الذي في العالم بالشهوة. والواقع أن رغبات النفس التي عرفت إلهها وتبررت بنعمته، تلتفت إلى الضالين وتعمل لاقتيادهم إلى ينابيع النعمة المخلصة. ولعل داود الذي اختبر فرح الله بالغفران، أراد أن يسلك كابن نور لكي يصير قدوة لشعبه.

يختم المرنم الحلو مزمور التوبة هذا بطلبة مهمة. إذ يسأل الله أن ينجيه من مغبة الدما، التي سفكها ظلماً وعدواناً. ولعله يعني بذلك دماء أوريا الحثي الذي أرسله للقتل. وقد اعترف بذلك، لكي يستطيع أن يسبح ببر الله وخلاصه.

الترنيمة

Table 28. 

لاَ تَطْرَحَنِّي مُهْمَلاًمِنْ وَجْهِكَ ٱلْمَغْنِي          
وَرُوحَكَ ٱلْقُدُوسَ لاَتَنْزَعْ إِذاً مِنِّي          
مَجْدَ خَلاَصِكَ ٱلْبَهِياُسْكُبْ عَلَى عَبْدَكْ          
رُوحَ سَمَاوِيٍ بِهِاُعْضُدْنِي مِنْ عِنْدكْ          
حَتَّى أُعَلِّمَ ٱلْخُطَاةْطَرِيقَكَ ٱلأَسْنَى          
وَيَرْجَعَ ٱلْقَوْمُ ٱلْعُصَاةْإِلَيْكَ بِٱلْحُسْنَى          
مُخَلِّصِي مِنَ ٱلدِّمَاكُنْ حَافِظاً نَفْسِي          
أَبْهِجْ لِسَانِي وَٱلْفَمَابِعَدْلِكَ ٱلْقُدْسِي          
لَوْ كُنْتَ تَرْضَي ٱلْمُحْرَقَةْبَادَرْتُ بِٱلْحَرْقِ          
بَلْ رُوحِيَ ٱلْمُنْسَحِقَةْذَبِيحَةُ ٱلْحَقِّ          
قَلْبَ ٱلْوَدِيعِ ٱلْمُتَضِعْلاَ يَرْذِلُ ٱللَّهُ          
وَكُلُّ صِدِّيقٍ وَرِعْٱلَربُّ يَرْعَاهُ          

الصلاة: يا إلهنا رب الخلاص، منك كل نعمة وخير. فنشكرك لأجل صلاحك الغني بالغفران. غفرت آثامنا وغسلتنا من خطايانا بدم الحمل. نحن لا نستطيع إدراك أبعاد محبتك التي أحببتنا بها، فزد إيماننا لكي نسجد لهذه المحبة، التي تجلت لنا في شخص الرب يسوع، الذي أحبنا، فرحمنا، وفدانا. إننا نضم أصواتنا إلى داود الملك قائلين قلباً نقياً اخلق فينا يا الله وروحاً مستقيماً جدد في داخلنا آمين.

السؤال: 26 - ماذا كانت طلبة داود التي أثارت انتباهك؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْحَادِي وَٱلْخَمْسُونَ - تابع

15يَا رَبُّ ٱفْتَحْ شَفَتَيَّ فَيُخْبِرَ فَمِي بِتَسْبِيحِكَ. 16لأَنَّكَ لا تُسَرُّ بِذَبِيحَةٍ وَإِلاّ فَكُنْتُ أُقَدِّمُهَا. بِمُحْرَقَةٍ لا تَرْضَى. 17ذَبَائِحُ ٱللّٰهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ. ٱلْقَلْبُ ٱلْمُنْكَسِرُ وَٱلْمُنْسَحِقُ يَا اَللّٰهُ لا تَحْتَقِرُهُ.

(15) بعد أن شعر داود بقبول توبته، وبأنه نال غفران الله، كان من البديهي أن تنطلق شفتاه بالتسبيح، تعبيراً عن ابتهاجه بالخلاص الذي ناله من الرب. هذا هو فرح الله الذي يملأ كيان المؤمن، ويصير فيه قوة لمغالبة الأكدار. والفرح هو أحد ثمار الروح القدس، التي تمتاز بها حياة المؤمن، وهو يظهر بالترنيم، وفقاً لقول الرسول «َمَسْرُورٌ أَحَدٌ؟ فَلْيُرَتِّلْ» (يعقوب 5: 13).

إن روح الانقباض والعبوس، ليس روح المسيح، بل روح العالم. فرح. شعر الدكتور مارتن لوثر بأن الشيطان يهاجمه، ففتح نافذة غرفته، وحدق ببصره نحو السماء المرصعة بالنجوم. ثم التفت إلى الأحراش الكثيفة المظلمة من حوله. وأخيراً اتجه بقلبه إلى الله، قائلاً: يا إلهي إني أرى السموات ثابتة، وهي ليست قائمة على أعمدة، لأنها قائمة بقوتك الضابطة الكل. ثم أغلق نافذة غرفته وترنم بابتهاج قائلاً:

إن الشيطان متجهم الوجه

لأنه يكره الموسيقى التي يحبها الله

لأن الموسيقى نور والشيطان ظلام

كتب الرسول بولس من صميم اختباره وصيته المشهورة للأفسسيين لأجل إكمال بنيانهم على المسيح فقال «وَلا تَسْكَرُوا بِٱلْخَمْرِ ٱلَّذِي فِيهِ ٱلْخَلاعَةُ، بَلِ ٱمْتَلِئُوا بِٱلرُّوحِ، مُكَلِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، مُتَرَنِّمِينَ وَمُرَتِّلِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ» (أفسس 5: 18 و19). فالتسابيح هي الترانيم المرفوعة إلى الله حمداً. وهي تعبر عن قوة الإحساس الروحي الذي يملك على الإنسان مشاعره، عند امتلائه بالروح القدس، ويتدفق منه كلام التسبيح. وخصوصاً متى كان في عزلة عن العالم الخارجي، أو وحيداً مع إخوته في يسوع.

ومما لا ريب فيه أن سفر المزامير هو مدرسة للصلاة لما فيه من نماذج رائعة للتسبيح. وقد قال اثناسيوس الملقب بالرسولي. يستطيع المؤمن أن يتناول كلمات التسبيح في المزامير لشفتيه ويرددها، وكأنها كلماته. وأننا لنتلعم من المزامير صياغة الكلمات، التي بها نسبح الرب، في كل مناسبات حياتنا.

(16) مع أن عهد الذبائح كان قائماً في زمن داود إلا أن رجال الله في العهد القديم كانت لهم رؤى مستقبلية عن عهد النعمة، الذي فيه أعد الله الكفارة بذبيحة أفضل، تكمل إلى الأبد المقدسين. وكثيرون منهم تلقوا إعلاناً عن حمل الله، الذي يرفع خطية العالم، منهم إشعياء النبي الذي نقل لنا إعلان الله القائل «لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ؟» يَقُولُ ٱلرَّبُّ «ٱتَّخَمْتُ مِنْ مُحْرَقَاتِ كِبَاشٍ وَشَحْمِ مُسَمَّنَاتٍ، وَبِدَمِ عُجُولٍ وَخِرْفَانٍ وَتُيُوسٍ مَا أُسَرُّ» (إشعياء 1: 11). ومنهم عاموس النبي، الذي نقل لنا إعلان الله القائل «إِنِّي إِذَا قَدَّمْتُمْ لِي مُحْرَقَاتِكُمْ وَتَقْدِمَاتِكُمْ لا أَرْتَضِي، وَذَبَائِحَ ٱلسَّلامَةِ مِنْ مُسَمَّنَاتِكُمْ لا أَلْتَفِتُ إِلَيْهَا» (عاموس 5: 22) ولعل داود تلقى إعلاناً مماثلاً. فقال في صلاته «لأنك لا تسر بذبيحة وإلا فكنت أقدمها بمحرقة لا ترضى».

وبديهي أن الله القادر على كل شيء، والذي له كل شيء ليس بمحتاج إلى شيء من بني البشر. ولا يريد منهم، إلا المحبة والطاعة. أما الذبائح التي كانت تقدم في العهد القديم، فقيمتها كانت قائمة في كونها ظلاً لذبيحة المسيح. وكانت في ذات الوقت علامة الإيمان والطاعة ممن كانوا يقدمونها. وقد أشار كاتب رسالة العبرانيين إلى هذه الحقيقة، إذ قال «وَأَمَّا ٱلسَّمَاوِيَّاتُ عَيْنُهَا فَبِذَبَائِحَ أَفْضَلَ مِنْ هٰذِهِ. لأَنَّ ٱلْمَسِيحَ لَمْ يَدْخُلْ إِلَى أَقْدَاسٍ مَصْنُوعَةٍ بِيَدٍ أَشْبَاهِ ٱلْحَقِيقِيَّةِ، بَلْ إِلَى ٱلسَّمَاءِ عَيْنِهَا، لِيَظْهَرَ ٱلآنَ أَمَامَ وَجْهِ ٱللّٰهِ لأَجْلِنَا. وَلا لِيُقَدِّمَ نَفْسَهُ مِرَاراً كَثِيرَةً، كَمَا يَدْخُلُ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ... بِدَمِ آخَرَ... وَلٰكِنَّهُ ٱلآنَ قَدْ أُظْهِرَ مَرَّةً عِنْدَ ٱنْقِضَاءِ ٱلدُّهُورِ لِيُبْطِلَ ٱلْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ» (عبرانيين 9: 23-26).

(17) ما أن سلم داود قلبه كاملاً إلى الله، حتى اكتحلت عيناه بنور الإعلان الإلهي، فتكشفت له الحقيقة عما يرضي الله، فقال «ذبائح الله هي روح منكسرة، القلب المنكسر والمنسحق، يا الله لا تحتقره». فالله لا يسر بالرسوم الخارجية، حتى لو قُدِمت وفقاً للطقوس، إذ لم يتب الذين يقدمونها عن خطاياهم. وهو لا ينظر إلى رسوم العبادة، بل ينظر إلى الروح الذي به تقدم العبادة. وهو لا ينظر إلى الكلام الذي تتلفظ به شفتا العابد، بل ينظر إلى حال القلب الداخلية.

أجل إن الذبائح التي يقبلها الرب ويتنسم منها رائحة السرور هي الروح المنكسرة والقلب المنسحق بالتوبة. هذه دعوة كل إنسان أن يتوب، إنها دعوتك، بدليل ما جاء في الكتاب العزيز «فَٱللّٰهُ ٱلآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ ٱلنَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا، مُتَغَاضِياً عَنْ أَزْمِنَةِ ٱلْجَهْلِ» (أعمال 17: 30). والكتاب العزيز يقول للتائبين «خُذُوا مَعَكُمْ كَلاماً وَٱرْجِعُوا إِلَى ٱلرَّبِّ. قُولُوا لَهُ: ٱرْفَعْ كُلَّ إِثْمٍ وَٱقْبَلْ حَسَناً، فَنُقَدِّمَ عُجُولَ شِفَاهِنَا» (هوشع 14: 2) عجول الشفاه هي صلوات الشكر، وهي من الذبائح المقبولة عند الله، حينما تصدر عن القلب المغسل بدم يسوع.

الترنيمة

Table 29. 

هَا أَنَا أَجْثُو لَدَيْكْوَاقِفاً نَفْسِي عَلَيْكْ    
وَاهِباً كُلِّي إِلَيْكْحَافِظَ ٱلْوَلاَء    
فَلْيَكُنْ كَمَا تُرِيدْعَنْ رِضَاكَ لاَ أَحِيدْ    
يَا مُخَلِّصِي ٱلْمَجِيدْمُرْ بِمَا تَشَاءْ    
مُنْقِذِي بِٱلْنِعْمَةِقَدْ مَحَا خَطِيَّتِي    
فَبِمْلْءِ ٱلْبَهْجَةِأَنْشُدُ ٱلْفِدَاء    

الصلاة: يا رب الهنا الحاضر في كل مكان والقادر على كل شيء لك أعطي قلبي ذبيحة شكر لأجل خلاصك المجيد. اقبلن ذبيحتي قلباً منسحقاً بالتوبة أمام جلالك. قدسني في حقك واحفظني في اسمك لكيلا أعثر. مكتوب عنك أنك قريب من كل الذين يدعونك، الذين يدعونك بالحق. تقبل مني الحب والولاء والتعبد لشخصك المبارك. آمين.

السؤال: 27 - ما هي الأمور التي أثارها داود في هذا القسم من صلاته؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّالِثُ وَٱلسِّتُّونَ - داود في برية يهوذا

1يَا اَللّٰهُ إِلٰهِي أَنْتَ. إِلَيْكَ أُبَكِّرُ. عَطِشَتْ إِلَيْكَ نَفْسِي، يَشْتَاقُ إِلَيْكَ جَسَدِي فِي أَرْضٍ نَاشِفَةٍ وَيَابِسَةٍ بِلا مَاءٍ، 2لِكَيْ أُبْصِرَ قُوَّتَكَ وَمَجْدَكَ كَمَا قَدْ رَأَيْتُكَ فِي قُدْسِكَ. 3لأَنَّ رَحْمَتَكَ أَفْضَلُ مِنَ ٱلْحَيَاةِ. شَفَتَايَ تُسَبِّحَانِكَ. 4هٰكَذَا أُبَارِكُكَ فِي حَيَاتِي. بِٱسْمِكَ أَرْفَعُ يَدَيَّ. 5كَمَا مِنْ شَحْمٍ وَدَسَمٍ تَشْبَعُ نَفْسِي، وَبِشَفَتَيْ ٱلٱبْتِهَاجِ يُسَبِّحُكَ فَمِي. 6إِذَا ذَكَرْتُكَ عَلَى فِرَاشِي، فِي ٱلسُّهْدِ أَلْهَجُ بِكَ، 7لأَنَّكَ كُنْتَ عَوْناً لِي، وَبِظِلِّ جَنَاحَيْكَ أَبْتَهِجُ.

8اِلْتَصَقَتْ نَفْسِي بِكَ. يَمِينُكَ تَعْضُدُنِي.

ليس هناك موضع للتساؤل عمن كتب هذا المزمور، فإن كل آية فيه تحمل توقيع داود. ولكن السؤال الذي يصح أن يطرح، هو: متى وأين كتبه إمام المرنمين؟ لم يتفق المفسرون على زمان كتابة المزمور. ولا على كلمة برية يهوذا، التي وردت في العنوان، ولكن ذهب بعضهم إلى القول أن المرنم كتب هذا المزمور حين كان مبعداً عن وطنه، مصوراً حنينه إلى مقدس الله.

(1) كان اليهود يفزعون من كلمة «يهوه» التي استهل داود بها هذا المزمور. ولا ينطقون به، إلا مرة واحدة في السنة. وذلك في يوم الكفارة العظيم. على أن لا ينطق به، إلا رئيس الكهنة في قدس الأقداس. ولكن داود كان قد اختبر خلاص الله، وأعطى رؤى بعيدة المدى، فعرف أن الله لن يبقى ذلك الإله المحتجب، بل سيتجلى لشعبه عند ملء الزمان، ويصير لهم راعياً. وقد رأينا في المزمور الثالث والعشرين، أن المرنم الحلو قال «الرب راعي» وهنا يقول: يا رب أنت إلهي.

إنه ليس مجرد إله، بل هو إلهي أنا. ويا للتغيير الذي تحدثه ياء المتكلم هنا! إن الفرق بين المعرفة وبين التطبيق، لشاسع جداً. إن قلت الرب «إله» فهذا يختلف كل الاختلاف عما إذا قلت: يسوع مخلصي. وحتى لو استطعت أن ترى المخلص في ضوء الحقيقة، مثل توما، وزالت عنك كل الشكوك، ولمست يديه، فإن هذا لن يفيدك كثيراً، إلا إذا استطعت أن تقول: ربي وإلهي، الله ينتظر أن يكون لك. إنه لا يكتفي بأن يكون إلهاً، إلهاً صالحاً، إله الملائكة والقديسين، بل يريد أن يكون إلهك أيضاً.

ولا مراء في أن داود كان يعرف أشواق الله إلى أن يتخذه الناس ولياً لهم. لأن هذا معلن في كتابه العزيز. وأكون لكم إلهاً، وأنتم تكونون لي شعباً (لاويين 26: 12). وتجدد هذا الإعلان في إرميا 31: 33 وحزقيال 37: 28 ورؤيا 21: 3).

ومن ميزات داود أنه كان يحب الله حباً شديداً، وكان قلبه مفعماً دائماً بالشوق للمثول في حضرته. ولهذا كان يستيقظ باكراً جداً ويتقدم إليه بتسابيح الحمد. وفي أحيان كثيرة، كان يقيم الشركة معه سبع مرات في النهار (مزمور 119: 164). هل تقيم مع الله علاقة، من هذا النوع؟ ليس المطلوب منك أن تصرف الوقت كله جاثياً على ركبتيك ومصلياً. ولكن على الأقل تعلم أن تسكب قلبك قدام الله في الصباح الباكر، قبل أن تواجه يومك بأحداثه، التي لا تعلم عنها شيئاً. وما أحلى أن تواجهها بقوة الصلاة التي رفعتها إلى عرش النعمة. لكي لا تتعثر في يومك، وتكون أفكار قلبك وأقوال فمك وأعمال يديك مقدسة، خالية من الظلم.

(3) يعود داود بالذاكرة إلى وطنه، فيزداد حنينه إلى خيمة الاجتماع، حيث كانت تقام العبادة لله، وقد أطلق على الخيمة مجازاً اسم مسكن الله بين شعبه. وكان هناك وراء الحجاب المسكن، الذي يُقال له قدس الأقداس، حيث كان تابوت العهد، المغطى بكروبيم، وما بينهما كانت سحابة نورانية، تظهر دلالة على الحضور الإلهي بين العابدين. هذا ما أشار إليه داود بقوله: كي أبصر قوتك ومجدك، كما رأيتك في قدسك.

(3 و4) انطلاقاً من شعوره بنعمة الله العاملة فيه، يوصي المرنم كل إنسان بطرق باب رحمة الله، التي بدونها لا حياة. ولأن الله غني في الرحمة، فهو يستحق التسبيح من كل شفة. ولا شيء يوازي مراحمه، إلا قدرته ومجده. ومع أن داود كان يعاني من ظروف صعبة، إلا أنه أحنى الركبتين أمام الله. وطفق يرفع آيات الشكر للمنعم الجواد، قائلاً «هكذا أباركك». هذا هو موقف المؤمن إنه يعترف بفضل الله عليه ويعظمه كل حين. لأنه نقله من الحال، التي كان فيها بالطبيعة. وهي حال الخطية والشقاء، إلى حال النعمة والقداسة والسعادة. كان في حال الطبيعة بلا رجاء، ولكن رحمة الله في المسيح أدخلته في حياة جوهرها الرجاء، الذي يبقى معنا إلى نهاية الحياة الأرضية، يشدد عزائمنا على احتمال أوصابها.

(5) إلهنا أمامه شبع سرور وفي يمينه نعم إلى الأبد. وهو يدعو الكل إلى وليمة الخلاص قائلاً «لِمَاذَا تَزِنُونَ فِضَّةً لِغَيْرِ خُبْزٍ، وَتَعَبَكُمْ لِغَيْرِ شَبَعٍ؟ ٱسْتَمِعُوا لِي ٱسْتِمَاعاً وَكُلُوا ٱلطَّيِّبَ، وَلْتَتَلَذَّذْ بِٱلدَّسَمِ أَنْفُسُكُمْ. أَمِيلُوا آذَانَكُمْ وَهَلُمُّوا إِلَيَّ. ٱسْمَعُوا فَتَحْيَا أَنْفُسُكُمْ. وَأَقْطَعَ لَكُمْ عَهْداً أَبَدِيّاً، مَرَاحِمَ دَاوُدَ ٱلصَّادِقَةَ» (إشعياء 55: 2 و3).

إن أهل العالم يكثرون من الأفراح الجسدية، وينفقون في سبيلها أموالاً طائلة ولكنهم لا ينالون شيئاً يشبع النفس. أما المؤمنون ففرحهم في الرب الذي يشبعهم كل يوم من خبز الله النازل من السماء، الواهب حياة للعالم، وهذا الخبز، هو يسوع الذي قال: «أَنَا هُوَ خُبْزُ ٱلْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلا يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلا يَعْطَشُ أَبَداً» (الإنجيل بحسب يوحنا 6: 35). وبديهي أن الذي يتغذى روحياً بالمسيح، لا بد أن تشبع نفسه كما شبعت نفس داود، ويذيع حمد الله وتسبيحه كما فعل داود.

(6-8) تعود داود أن يستيقظ إذ الليل بعد ليصرف وقتاً طويلاً في التأمل. وقبل أن ينهض من فراشه كان يلهج بذكر الله. ويحمده على مراحمه، لأنه كان عونه وسنده في الضيقات. وحينما تحيق به الأخطار، كان يبسط حمايته عليه. فازدادت محبته لله وصار الله له كل شيء. وأنه لأمر عظيم أن تلهج النفس بذكر الله. بل أن تمتلئ بشعور يملك عليها كل كيانها وتفكيرها في ساعة التأمل. انتظر الله بقلبك، وسلمه كيانك كاملاً. إنه يريد القلب، ليحل فيه روحه القدوس. وعندئذ تمتلئ نفسك بفرح سماوي مجيد، ولك من الله هذه الوصية: يا ابني أعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي.

الترنيمة

Table 30. 

إِلَيْكَ أُبَكِّرُ يَا سَيِّدِيلأَنَّ ٱعْتِمَادِي عَلَيْكْ      
إِلَى وَجْهِكَ ٱلْنَّفْسُ عَطْشَانَةٌوَيَشْتَاقُ جِسْمِي إِلَيْكْ      
أُفَضِّلُ رَحْمَةَ رَبِّي عَلَىحَيَاتِي وَأَبْغِي رِضَاهْ      
تُسَبِّحُهُ شَفَتِي هَكَذَاأُبَارِكُهُ فِي ٱلْحَيَاةْ      
فَتَشْبَعُ نَفْسِي وَفِي ذَوْقِهَاتَرَى أَطْيَبَ ٱلْمَطْعَمِ      
وَيَلْزَمُ مَا دُمْتُ تَسْبِيحُهُبَكُلِّ ٱبْتِهَاجٍ فَمِي      
عَلَى ٱلْمَهْدِ أَذْكُرُهُ لَيْلَتِيوَيَومِي بِهِ أَلْهَجُ      
فَقَدْ كَانَ عَوْنِي وَلِي مَلْجَأًبِتَظْلِيلِهِ يُبْهِجُ      

الصلاة: أيها الآب رب السماء، أيها القدوس المبارك، نعظمك يا إلهنا ونعطيك الإكرام اللائق بجلالك الأقدس. ونرفع إليك التضرّع لكي تقوي محبتنا وتعطينا روح الانتظار، روح التأمل والتعبد لشخصك الكريم. ضع في قلوبنا الشوق إليك والعطش إلى برك. حتى تشبعنا من خبز الحياة وتروينا من الماء الحي. آمين.

السؤال: 28 - ما هي الدروس التي تتعلمها من قراءة اليوم؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّادِسُ وَٱلسِّتُّونَ - تسبيحة الله

1اِهْتِفِي لِلّٰهِ يَا كُلَّ ٱلأَرْضِ. 2رَنِّمُوا بِمَجْدِ ٱسْمِهِ. ٱجْعَلُوا تَسْبِيحَهُ مُمَجَّداً. 3قُولُوا لِلّٰهِ: «مَا أَهْيَبَ أَعْمَالَكَ. مِنْ عِظَمِ قُوَّتِكَ تَتَمَلَّقُ لَكَ أَعْدَاؤُكَ. 4كُلُّ ٱلأَرْضِ تَسْجُدُ لَكَ وَتُرَنِّمُ لَكَ. تُرَنِّمُ لٱسْمِكَ». سِلاهْ.

5هَلُمَّ ٱنْظُرُوا أَعْمَالَ ٱللّٰهِ. فِعْلَهُ ٱلْمُرْهِبَ نَحْوَ بَنِي آدَمَ. 6حَوَّلَ ٱلْبَحْرَ إِلَى يَبَسٍ، وَفِي ٱلنَّهْرِ عَبَرُوا بِٱلرِّجْلِ. هُنَاكَ فَرِحْنَا بِهِ. 7مُتَسَلِّطٌ بِقُوَّتِهِ إِلَى ٱلدَّهْرِ. عَيْنَاهُ تُرَاقِبَانِ ٱلأُمَمَ. ٱلْمُتَمَرِّدُونَ لا يَرْفَعُنَّ أَنْفُسَهُمْ سِلاهْ.

8بَارِكُوا إِلٰهَنَا يَا أَيُّهَا ٱلشُّعُوبُ، وَسَمِّعُوا صَوْتَ تَسْبِيحِهِ. 9ٱلْجَاعِلَ أَنْفُسَنَا فِي ٱلْحَيَاةِ، وَلَمْ يُسَلِّمْ أَرْجُلَنَا إِلَى ٱلزَّلَلِ. 10لأَنَّكَ جَرَّبْتَنَا يَا اَللّٰهُ. مَحَصْتَنَا كَمَحْصِ ٱلْفِضَّةِ. 11أَدْخَلْتَنَا إِلَى ٱلشَّبَكَةِ. جَعَلْتَ ضَغْطاً عَلَى مُتُونِنَا. 12رَكَّبْتَ أُنَاساً عَلَى رُؤُوسِنَا. دَخَلْنَا فِي ٱلنَّارِ وَٱلْمَاءِ، ثُمَّ أَخْرَجْتَنَا إِلَى ٱلْخِصْبِ.

(1 و2) يفتتح المرنم هذا المزمور بحض سكان الأرض لكي يهتفوا لله، ويقدموا له مجداً. ولعله أطلق هذه الدعوة بعد تحررهم من عبودية بعض الأمم. مثله كإشعياء حين قال «غَنُّوا لِلرَّبِّ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً، تَسْبِيحَهُ مِنْ أَقْصَى ٱلأَرْضِ... لِتَرْفَعِ ٱلْبَرِّيَّةُ وَمُدُنُهَا صَوْتَهَا، ٱلدِّيَارُ ٱلَّتِي سَكَنَهَا قِيدَارُ. لِتَتَرَنَّمْ سُكَّانُ سَالِعَ. مِنْ رُؤُوسِ ٱلْجِبَالِ لِيَهْتِفُوا. لِيُعْطُوا ٱلرَّبَّ مَجْداً وَيُخْبِرُوا بِتَسْبِيحِهِ فِي ٱلْجَزَائِرِ» (إشعياء 42: 10-12). في هذه الآيات المجيدة، دعوة لجميع الأمم، لكي يعترفوا بفضل الله عليهم، ويتعبدوا له باحترام. ليس فقط كفريضة واجبة الآداء، بل أيضاً كتعبير عن المحبة لجلاله، كإله محب ومعتن بمخلوقاته. ويحرض المرنم الشاعر على أن تقدم العبادة لله بفرح وبهتاف المجد بدليل قوله «رنموا بمجد اسمه، اجعلوا تسبيحه ممجداً».

قال كاتب الرسالة إلى العبرانيين «لأَنْ لَيْسَ لَنَا هُنَا مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ، لٰكِنَّنَا نَطْلُبُ ٱلْعَتِيدَةَ. فَلْنُقَدِّمْ بِهِ (بالمسيح) فِي كُلِّ حِينٍ لِلّٰهِ ذَبِيحَةَ ٱلتَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِٱسْمِهِ» (عبرانيين 13: 14 و15) هنا نجد تعريفاً هاماً للتسبيح. وإنها لانطلاقة عجيبة أن يتحقق المؤمن أن التسبيح الحقيقي هو رفع رائحة المسيح الزكية لله. هذا ما يسر قلب الله، وما يسر قلب الله يفرح قلب كل من يعرف ويحب الرب يسوع.

إن التسبيح ليس له حدود، فهو يستمر ويستمر طول الأبدية. أي أن تكون حياتنا كلها ترنيمة حمد. وليس بالقوة ولا بالقدرة الجسدية، يمكن أن نسبح الله، بل بالمسيح الذي يضفي قيمة، ويوجد قبولاً لكل همسة خافتة، تتحدث عن جمال الرب وأمجاده أمام عرش النعمة.

(3-5) حين نتأمل في هذا الكون العجيب، نرى مجد الله ونقف تهيباً أمام قدرته العظيمة وحكمته الفائقة. فأعمال الله ذات هيبة، لا يستطيع الإنسان المدرك أن يمر بها دون أن يعطي مجداً لله. هذا في عالم الطبيعة، أما في عالم الروح، فإن أعظم أعمال الله هي عمل الفداء العظيم، الذي أكمله في يسوع المسيح.

قد يكون موت يسوع على الصليب أمراً مرهباً بالنسبة لتقديرات أبناء هذا العالم. ولكنه بالنسبة للمخلصين هو التعبير الوحيد الكامل لمحبة الله، كما هو مكتوب «لأَنَّهُ هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» )الإنجيل بحسب يوحنا 3: 16).

إن محبة الله الآب هي أصل ولادتنا الجديدة، بالماء والروح، وهي أساس مصالحتنا مع الله، بأخذ يسوع صفة حمل الله وارتفاعه على الصليب، ليرفع عنا خطايانا. فقد سر الله أن يبذل ابنه الوحيد لفداء الإنسان وخلاصه. إنه لم يرسله إلى العالم وله فقط مطلق السلطان لإقامة السلام بين السماء والأرض، بل بذله، أي سمح بآلامه وموته بديلاً عنا، كالذبيحة الكفارية العظمى.

والأكثر من هذا إنه جاء ليكون شارعاً وموصياً للشعوب (إشعياء 55: 4). ورسول اعترافنا ورئيس كهنته (عبرانيين 3: 1) وليكون سلامنا (أفسس 2: 14) ورأس الكنيسة (أفسس 5: 23) ورأساً فوق كل شيء للكنيسة (أفسس 1: 22) وهكذا نجد فيه كل احتياجنا.

(6 و7) إن من أولى واجبات الكنيسة أن تظهر قوة الله للناس جميعاً. وأن تشهد لعمل نعمته فيها. أولاً: بسلوك بنيها في المحبة صدوعاً بأمر المسيح «وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضاً بَعْضُكُمْ بَعْضاً... لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هٰذَا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ. أَنْتُمْ أَحِبَّائِي إِنْ فَعَلْتُمْ مَا أُوصِيكُمْ بِهِ» (الإنجيل بحسب يوحنا 13: 34، 15: 13-14).

ثانياً: بسلوكهم كأولاد نور، وقد قال المسيح «أَنْتُمْ نُورُ ٱلْعَالَمِ. لا يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَلٍ، وَلا يُوقِدُونَ سِرَاجاً وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ ٱلْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى ٱلْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْبَيْتِ. فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هٰكَذَا قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ ٱلْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (الإنجيل بحسب متى 5: 14-16).

إن أولاد النور، هم الذين يتمثلون بيسوع نور العالم، فيسلكون في نوره بدون تعثر مبتهجين، لأنهم في الجو الذي يناسب طبيعتهم. ولأنهم يعيشون في المناخ الروحي الذي يغذي حياتهم. ويمتن شركتهم مع الله، الذي هو النور، نور الحياة، ونور الخلود. فأبناء النور، هم أبناء الله الذين صاروا بالميلاد الثاني شركاء الطبيعة الإلهية.

(8 و9) يكرر المرنم الدعوة إلى جميع شعوب الأرض، لكي يمجدوا الله كإله، ذي السلطان وحده، والمتفرد بالعظمة والجلال. ولأنه يليق باسمه المبارك التسبيح من شفاه طهرها وقدسها الاعتراف باسمه القدوس. وإنه يليق به الإكرام، لأنه يشاء أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون. وهذا الإله الكريم الغني بكل لطف، عينه على مختاريه القديسين يثبتهم في الإيمان، ويمتعهم ببركات الحياة ويحفظهم من الزلل.

وهذه العناية الإلهية تُرى في اهتمام الرب يسوع بالمؤمنين، إذ يقول «خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى ٱلأَبَدِ، وَلا يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي» (الإنجيل بحسب يوحنا 10: 27 و28).

لقد تعهد يسوع، الراعي الصالح أن يسمع الخراف صوته لكي تتبعه. ولعلك سمعت صدى هذا الصوت، من خلال كلمته الموزعة في العالم بالحرف المكتوب، أو على أجنحة الأثير. هذا امتياز لك، إن كنت تبعته. وإن كنت لم تتبعه بعد، فإني أسألك برأفة الله أن تفعل الآن، لكي تتمتع بضمانه «أنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد». ولعل الروح القدس العامل في العالم، بالتبكيت على خطية، وعلى بر، وعلى دينونة يهمس في أذنك قائلاً: «اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم».

(10-12) يختتم النبي المرنم، هذا القسم من مزموره بالإشارة إلى الاختبارات التي يجتازها المرء في رحلة الإيمان. فهو عرضة للتجارب المتنوعة في مراحل حياته. والله يسمح بالتجارب لأجل تمحيص المؤمن. إنه يمحصه كما تمحص الفضة، رافعاً عليه عصا التأديب، لأجل تهذيبه وتزكية إيمانه بالصبر الذي له عمل تام في حياة المؤمن. لأنه ينشئ فيه الرجاء الحي الذي ينتصر على التجارب ويخرج معافى قادراً على احتمال المشقات، كجندي صالح ليسوع المسيح، أُعد للجهاد ضد قوات البشر. هذا ما اختبره المرنم الحلو. إذ يقول «دخلنا في النار ثم أخرجتنا إلى الخصب».

الترنيمة

Table 31. 

لَكَ ٱلْحَمْدَ أُهْدِي وَكُلَّ ٱلْثَّنَاأَيَا بَارِئَ ٱلْعَالَمِينْ        
لأَنَّكَ أَظْهَرْتَ لِي رَحْمَةًوَقَوَّيْتَنِي يَا مُعِينْ        
لَكَ ٱلْحَمْدُ مِنْ كُلِّ ذِي أُمَّةٍإِذَا سَمِعُوا كِلْمَتَكَ        
وَفِي طُرْقِ عَدْلِكَ قَدْ رَنَّمُواوَقَدْ عَرَفُوا رَحْمَتِكَ        
مَقَامُكَ عَالٍ وَمَنْ يَتَّضِعْلَدَيْكَ فَذَاكَ ٱلْسَّعِيدْ        
وَأَمَّا ٱلَّذِي قَامَ مُسْتَكْبِراًفَتَعْرِفُهُ مِنْ بَعِيدْ        
إِذَا جُزْتُ فِي ٱلْضِّيقِ أَحْيَاإِذْ جَعَلْتُ ٱتِّكَالِي عَلَيْكْ        
وَسُخْطَ ٱلأَعَادِي إِذَا أَرْجَفُواتَمُدُّ عَلَيْهِ يَدَيْكْ        
تُخَلِّصُنِي بَٱلْيَمِينِ ٱلَّتِيتُحَامِي عَنِ ٱلْبَائِسِينْ        
فَمِنْ فَيْضِ نُعْمَاكَ لِي رَحْمَةٌإِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينْ        

الصلاة: يا إلهنا الحي المبارك، لك حمدنا وشكرنا الدائم لأجل محبتك العجيبة التي بها أحببتنا، فهيأت لنا خلاصاً. ونشكرك لأجل مشيئتك التي تريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون. ونشكرك لأجل التجارب التي تسمح أن نمر بها، لأجل امتحاننا وتمحيص إيماننا. قو إيماننا وثبتنا لكي لا نزل. قو فينا نعمة الصبر، حتى نرتفع فوق المضايقات. ولك الشكر الدائم. آمين.

السؤال: 29 - ما هي الآية التي لمست قلبك من هذه القراءة؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّادِسُ وَٱلسِّتُّونَ - تتمة

16هَلُمَّ ٱسْمَعُوا فَأُخْبِرَكُمْ يَا كُلَّ ٱلْخَائِفِينَ ٱللّٰهَ بِمَا صَنَعَ لِنَفْسِي. 17صَرَخْتُ إِلَيْهِ بِفَمِي وَتَبْجِيلٌ عَلَى لِسَانِي. 18إِنْ رَاعَيْتُ إِثْماً فِي قَلْبِي لا يَسْتَمِعُ لِيَ ٱلرَّبُّ. 19لٰكِنْ قَدْ سَمِعَ ٱللّٰهُ. أَصْغَى إِلَى صَوْتِ صَلاتِي. 20مُبَارَكٌ ٱللّٰهُ ٱلَّذِي لَمْ يُبْعِدْ صَلاتِي وَلا رَحْمَتَهُ عَنِّي.

(16) يستهل المرنم هذا القسم من المزمور بدعوة الناس للالتفاف حوله ليحيطهم علماً باختباراته الروحية مع الله، وليخبرهم كم صنع الرب به ورحمه. ولعله شاء أن يبسط اختباراته كشهادة، متوخياً أن يوجد فيهم الرغبة لتسليم حياتهم للرب، ليحصلوا في دورهم على هذه الاختبارات، المقوية للإيمان.

إن شهادة المرنم هذه تذكرني بشهادة المرأة السامرية. فهذه السيدة بعد مقابلتها مع يسوع على بئر يعقوب، حيث أدركها بر المسيح بالغفران، تركت جرتها وجرت إلى بلدتها سوخار بقدمين تسبقان الأجنحة وراحت تركض في شوارعها منادية «هلموا انظروا إنساناً قال لي كل ما فعلت ألعل هذا هو المسيح؟»

في غمرة فرحها بخلاص الله عدلت عن مهمتها التي من أجلها جاءت إلى البئر ولعلها قدَّرت أن المسيح بعد تناول طعامه سيستأنف رحلته، وهي كانت حريصة على أن ينال أبناء بلدتها ما نالته هي من يمين الرب فهرعت إليهم. هذا هو التصرف الواجب أن يتخذه العاملون لإذاعة اسم المسيح. أن لا يشغلوا أنفسهم بأي شيء يعوقهم عن القيام بمهمتهم.

كل شهادة مخلصة لعمل الرب في حياتنا تؤتى ثمارها، وهذا ما حدث لشهادة السامرية. فمع أنه كان من الطبيعي أن لا يتجاوب الناس مع دعوة امرأة عاشت ماضيها مستهترة ومستهينة بالمقدسات. ولكن نداءها كان نداء القلب الذي طهره المسيح، ولهذا حمله الروح القدس، فحرك الضمائر وأثار فيها العطش إلى خلاص الله. فخرجوا من المدينة وأتوا إليه. هذه قاعدة الخلاص. أن كل من يريد أن يعرف المسيح وينال بره يجب أن يخرج إليه.

لست أدري أي أثر أحدثته شهادة داود لدى سامعي شهادته ولكنني أعلم أن شهادته عملت كثيراً في الأجيال المتعاقبة. وقد حسن في عيني الله أن تكتب في الكتاب الإلهي، لكي نتبارك بها، ونقتدي بالمرنم الحلو فنخبر بفضائل الله، صدوعاً بأمر المسيح القائل «وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ ٱلْيَهُودِيَّةِ وَٱلسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى ٱلأَرْضِ» (أعمال الرسل 1: 8). أدِّ الشهادة للرب يا أخي، غير آبه بمركزك الوضيع، أو علومك البسيطة. فالرب يستخدم الآنية الضعفية ويبدأ بها عملاً صالحاً ويتممه. فإن فتاة صغيرة خادمة أرشدت سيدها قائد جيش الآراميين إلى أليشع النبي، فنال على يده الشفاء من مرض البرص (ملوك الثاني 5: 2).

يا أخي ليس لك أن تجادل في أمر الخير الجزيل الذي يحصل عندما يتكلم المختبر عن المسيح. فإن السامرية لم تتكلم كثيراً عن المسيح، ولكنها تكلمت بلغة الاختبار «قال لي كل ما فعلت» وهذه العبارة كانت كافية لإخراج أهل مدينة بأسرها من جحور الخطية، ليذهبوا إلى يسوع وينالوا البر من يمينه.

(17) يبدو أن المرنم اعتاد على الصلاة بالصوت المسموع، لأن كلمة تبجيل هنا تفيد معنى الارتفاع والتعظيم. وقد كان المتعارف عليه قديماً أن آيات التبجيل تُتلى بصوت عال. لكن عبارة المرنم لا تقيدك بشيء. ففي المسيحية، لا توجد قيود على العبادة، لأن تعليم المسيح حررها من الشكليات، بحيث جعلها عمل محبة، وليس فريضة.

السجود كما علمه المسيح، لا يتقيد بالشكليات، لأن العهد الجديد بالمسيح أعطى الناس امتياز الولادة الروحية، التي تصير الإنسان متوافقاً مع إلهه، وتتيح له السجود له بالروح والحق. ففي هذا السجود يصح للمؤمن أن يصلي همساً، أو بصوت مرتفع أو أن يصمت تماماً ويترك لقلبه المجال لكي ينسكب أمام الله. وعندئذ تصبح الصلاة أعمق من أن تعبر عنها المفردات اللغوية، هذا النوع من الصلاة، يشفع فيها الروح القدس بأنات لا ينطق بها.

(18) قبل أن يختم المرنم هذا المزمور، يطلع علينا بدرس في الصلاة، من صميم اختباره، ومفاد هذا الدرس هو أن الخطية تعطل الصلاة «إن راعيت إثماً في قلبي لا يستمع لي الرب». ويبدو هذا الدرس أكثر وضوحاً في كلام الله بإشعياء النبي «آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلَهِكُمْ، وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لا يَسْمَعَ» (إشعياء 59: 2). في الحقيقة إن مراعاة الخطية هي غلطة كبيرة وخطيرة. ولكن الناس درجوا على النفور من الاعتراف بحالتهم وتصرفاتهم. ويبدو أنه من الطبيعي للإنسان الساقط أن يخفي عاره، ظناً أن ذلك يجنبه نتائج خطاياه. وقديماً حاول أبوانا الأولان ستر عريهما بمآزر من أوراق التين.

أما الوسيلة لضمان راحة الضمير فهي الاعتراف لله. لأن الله يقابل الاعتراف بالغفران (رسالة يوحنا الأولى 1: 9) وأساس هذا الغفران هو كفارة ربنا يسوع المسيح. طبعاً إن الاعتراف الذي أشار إليه الرسول يوحنا، يجب أن يقترن بالتوبة الحقيقية. لذلك يقول حكيم الكتاب المقدس «مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لا يَنْجَحُ، وَمَنْ يُقِرُّ بِهَا وَيَتْرُكُهَا يُرْحَمُ» (أمثال 28: 13).

لقد أعطانا داود صورة كريمة للتغيير، الذي يطرأ على الإنسان. حين يكف عن ممارسة خطاياه وكتمانها، ويخرج إلى نور حضرة الله معترفاً بها قدامه. ومثل هذا الشخص هو وحده الذي، يعرف غبطة غفران الإثم وستر الخطايا. هذه الصورة الرائعة نراها من خلال قوله: «طُوبَى لِلَّذِي غُفِرَ إِثْمُهُ وَسُتِرَتْ خَطِيَّتُهُ. طُوبَى لِرَجُلٍ لا يَحْسِبُ لَهُ ٱلرَّبُّ خَطِيَّةً، وَلا فِي رُوحِهِ غِشٌّ» (مزمور 32: 1 و2).

حينما يحاول إنسان أن يستر خطاياه ويكتمها، فهو يضاعف بنود قائمة الخطايا المرعية، لأنه يأبى الخضوع للوصية القائلة «إن فَٱللّٰه ٱلآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ ٱلنَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا، مُتَغَاضِياً عَنْ أَزْمِنَةِ ٱلْجَهْلِ» (أعمال 17: 30) ولكن حين يقر الإنسان بخطاياه، يسرع الله إلى سترها بالغفران وينساها إلى الأبد.

(19 و20) يختم المرنم هذا المزمور المجيد ببسط اختباره الأخير، وهو أن الله، الذي غفر إثمه وستر خطيته استمع إليه، وهو لا شك سيستجيب لدعائه أيضاً. وشعوراً منه بهذا الانعام الإلهي، انتقل إلى التسبيح ورفع آيات الحمد.

الترنيمة

Table 32. 

هَلُمَّ هَلُمَّ أَيَا مُذْنِبُفَمِنْ أَجْلِكَ فَاضَ مَاءُ ٱلْحَيَاةْ      
فُدِيتَ فَلاَ ثَمَنٌ يُطْلَبُوَنِلْتَ ٱلْفِدَى هِبَةً وَٱلْنَّجَاةْ      
هَلُمَّ سَرِيعاً لِمَاذَا تُهِينْمَحَبَّةَ خَالِقِكَ ٱلْمُنْعِمِ؟      
وَتَأْبَى ٱغْتِسَالاً وَهَذَا ٱلْمَعِينْجَرَى فَتَطَهَّرْ بِذَاكَ ٱلْدَّمِ      
هَلُمَّ سَرِيعاً أيَا مَنْ سَعَىفَرَحْمَتُهُ لَمْ تَزَلْ دَاعِيَةْ      
وَلَكِنَّ فِي ٱلْقَبْرِ لَنْ يُسْمَعَادُعَاهَا فَتَتْرُكُهُ مَاضِيَةْ      
هَلُمَّ فَقَدْ حَانَ قُرْبُ ٱلْزَّمَانْإِذِ ٱلأَرْضُ تَنْحَلُّ ثُمَّ ٱلْسَّمَاءْ      
وَتَجْتَمِعُ ٱلْنَّاسُ حَتَّى تُدَانْفَمَنْ ذَا يُنَجِّيكَ يَوْمَ ٱلْقَضَاءْ      

الصلاة: يا محباً بذل نفسه عن جنسنا الأثيم. امح اثمي أيها الرب العظيم. إنني أعترف لك بذنبي، لأنني كثيراً ما امتلأت هواناً، وكثيراً ما كسرت وصاياك. أسألك أيها المنعم الكريم أن تزيدني إيماناً، وتمنحني قوة لمغالبة الميول المنحرفة فيّ. أنت قبلت السامرية، وغفرت لها ماضيها، فانطلقت تحدث بفضائلك وتدعو الناس إليك. اعطني هذا الامتياز أن تصبح الدعوة من أولى رغائبي. آمين.

السؤال: 30 - ما هو وجه الشبه بين داود والسامرية؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّابِعُ وَٱلسِّتُّونَ - الشكر والبركة

1لِيَتَحَنَّنِ ٱللّٰهُ عَلَيْنَا وَلْيُبَارِكْنَا. لِيُنِرْ بِوَجْهِهِ عَلَيْنَا. سِلاهْ. 2لِكَيْ يُعْرَفَ فِي ٱلأَرْضِ طَرِيقُكَ وَفِي كُلِّ ٱلأُمَمِ خَلاصُكَ. 3يَحْمَدُكَ ٱلشُّعُوبُ يَا اَللّٰهُ. يَحْمَدُكَ ٱلشُّعُوبُ كُلُّهُمْ. 4تَفْرَحُ وَتَبْتَهِجُ ٱلأُمَمُ لأَنَّكَ تَدِينُ ٱلشُّعُوبَ بِٱلٱسْتِقَامَةِ، وَأُمَمَ ٱلأَرْضِ تَهْدِيهِمْ. سِلاهْ. 5يَحْمَدُكَ ٱلشُّعُوبُ يَا اَللّٰهُ. يَحْمَدُكَ ٱلشُّعُوبُ كُلُّهُمُ. 6ٱلأَرْضُ أَعْطَتْ غَلَّتَهَا. يُبَارِكُنَا ٱللّٰهُ إِلٰهُنَا. 7يُبَارِكُنَا ٱللّٰهُ، وَتَخْشَاهُ كُلُّ أَقَاصِي ٱلأَرْضِ.

(1 و2) يرجح أن هذا المزمور، كان يتلى في وقت الحصاد، إعراباً عن شكر الشعب لله لأجل إحساناته الوفيرة. وقد بدأ داود المزمور بطلبة حارة إلى الله لكي يتحنن ثم يبارك. وهذا ترتيب جميل، أن يتحرك قلب الله الغني بالرحمة أولاً ثم ينزل بركاته على المؤمن استجابة لحاجته المعبر عنها بالصلاة. وأعظم هذه البركات إطلاقاً معرفة يسوع الذي يعطي كل من يقبله نور الحياة، فيسلك سبيله بدون تعثر.

قال أحد العلماء اليهود: النور هو اسم المسيا، كما هو مكتوب في دانيال 2: 22 «وَعِنْدَهُ يَسْكُنُ ٱلنُّورُ». والمسيح إذ يدعو نفسه نوراً فإنه:

  1. يعبر عما هو في حد ذاته، إنه سام ومجيد جداً.

  2. يعبر عما يفعله للعالم، فهو ينبوع النور، الذي ينير كل إنسان. بدون الشمس يصبح العالم مزبلة، وهكذا بدون المسيح يلفه ظلام الشر.

لا يكفي أن ننظر إلى هذا النور بل الخير لنا أن نتبعه ونؤمن ونمشي في ضوئه، فهو إله من إله، نور من نور. إنه سراج منير ليس لأعيننا فقط، بل لأرجلنا أيضاً. وإنها لسعادة، لمن يتبع المسيح، لأنه لا يترك محروماً من تعاليم النور المؤدية إلى الحياة الأبدية. إنه لا يمشي في الظلمة، ولا يسلك في الضلالات المؤدية إلى الهلاك. بل يكون له نور الحياة أي معرفة الله والتمتع به.

لم يضع يسوع نفسه جنباً إلى جنب مع سائر المعلمين. فهو لم يقل: أنا أعطي نوراً، بل أعلن نفسه أنه نور. بمعنى أنه ليس في وسعنا أن نحظى بالنور، إلا إذا قبلنا يسوع نفسه في قلوبنا. لأن فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس (الإنجيل بحسب يوحنا 1: 4).

(3) حينما يعرف الشعوب طريق الرب ويتمتعون ببركاته تنطلق أفواههم بالحمد والتسبيح. وقد عرف بالاختبار أن حمد الله يغير طبائع الناس، ويغير طبيعة الأشياء. ولكن الله لا يتغير، كما هو مكتوب «كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي ٱلأَنْوَارِ، ٱلَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلا ظِلُّ دَوَرَانٍ» (رسالة يعقوب 1: 17).

وقد شهد كثيرون، أنهم كلما ازدادوا حمداً لله، تكشفت لهم ينابيع من البركات، وخبروا نواح جديدة في ذات الله وصفاته، ما كانوا يعرفونها من قبل. وقد صارت سبباً في اتساع آفاق تفكيرهم، وازديادهم قرباً من الله وإدراكاً لأبعاد محبته.

ولعل أسمى درجات الحمد، ما يرتفع من قلوب المسيحيين حين يمارسون فريضة العشاء الرباني الممثل بالخبز والخمر، اللذين يتحولان إلى معنى روحي عند اتصالهما بيسوع المسيح. لذلك استعملوا كلمة «أفخارستيا» للتعبير عن الشكر الذي يبلغ حينئذ ذروة الحمد. ونعلم أن المسيحيين في ممارستهم هذا العشاء الروحي، يتصل بعضهم ببعض، عبر أجيال التاريخ وفي كل البلدان.

وكل مسيحي في أي زمان أو مكان يمارس هذا السر، يوجد لنفسه علاقة مع جميع المؤمنين الذين صنعوا أو يصنعون هذه الذكرى. وكلهم في شركة مع المسيح، الذي جعل للقسم المستعمل من الخبز والخمر معنى جديداً وقيمة جديدة.

(4 و5) حين أكمل يسوع الفداء بموته، وانتصر على الهاوية والموت بقيامته ورفع في المجد ليجلس في عرش الله شفيعاً وكاهناً إلى الأبد، اتسع مجال الحمد، إذ تحرر الإنسان ليقترب إلى الله بالحمد والثناء. وهكذا استطاع الإنسان أن يمجد الله، بفرح وابتهاج. لأن حكم الدينونة الذي وقع على كل إنسان رفع عن كل من يقبل يسوع مخلصاً، كما هو مكتوب «لا شَيْءَ مِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ ٱلآنَ عَلَى ٱلَّذِينَ هُمْ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، ٱلسَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ ٱلرُّوحِ» (رسالة رومية 8: 1).

(6 و7) كان أبناء العهد القديم يطلقون هتافات المجد في عيد الحصاد، لأن الأرض أعطت غلتها. أما أبناء العهد الجديد فيفرحون لأنه عند ملء الزمان ولد لهم في بيت لحم مخلص هو المسيح الرب. ومنذ أن تجسد الكلمة في عمانوئيل ليصير الله معنا، دخل إلى الجنس البشري عامل جديد. هذا العامل المجيد أفسح وما زال يفسح المجال للإنسان لكي يمجد الله، ويقترب إليه. ومع ذلك كله فالإنسان ما زال خاطئاً ملتوياً. وما لم يتعلم الإنسان كيف يمجد الله بقبول يسوع مخلصاً فإنه سيبقى خاطئاً وبالتالي لن يتسنى له أن يحمد الله لأجل خلاصه.

فلنتعلم كيف نحمد الله، وعندئذ يطيب لنا أن نشارك المرنم الحلو في تسبيحته الخالدة «ليحمدك الشعوب يا الله، ليحمدك الشعوب كلهم، وعندئذ يباركنا الله، ويعم خوفه المسكونة كلها».

الترنيمة

Table 33. 

يُشْفِقُ ٱللَّهُ عَلَيْنَاوَلْيُبَارِكْنَا ٱلإِلَهْ        
وَلْيُنِرْنَا كُلَّ حِينٍوَجْهُهُ ٱلْبَاهِي ضِيَاهْ        
تَحْمَدُ ٱللَّهَ ٱلْبَرَايَاتَحْمَدُ ٱللَّهَ ٱلْشُّعُوبْ        
تَفْرَحُ ٱلْنَّاسُ جَمِيعاًوَبِهِ تَحْيَا ٱلْقُلُوبْ        
هُوَ بَيْنَ ٱلْشَّعْبِ يَقْضِيعَادِلاً عِنْدَ ٱلْخِصَامْ        
وَشُعُوبَ ٱلأَرْضِ يَهْدِيمُعْلِناً طُرقَ ٱلْسَّلاَمْ        
نَحْمَدُ ٱللَّهَ جَمِيعاًتَحْمَدُ ٱللَّهَ ٱلأُمَمْ        
أَعْطَتِ ٱلأَرْضُ غِلاَلاًذَاتَ خَصْبٍ وَدَسَمْ        
فَلْيَفِضْ خَيْراً عَلَيْنَاوَلْيُبَارِكْنَا ٱلْكَرِيمْ        
كُلُّ مَنْ فِي ٱلأَرْضِ يَخْشَىاِسْمَهُ ٱلْسَّامِي ٱلْعَظِيمْ        

الصلاة: يا إلهنا الصالح، نتوسل إليك أن تتحنن علينا وتشفق وترحم جبلتنا. أنر بوجهك علينا وارحمنا. أنقذ عالمنا المسكين من ظلمة الشر المخيمة عليه. بانتشار إنجيل المسيح الذي هو نور للسبيل لكل طالب الله. فتلهج شفاه كثيرة بحمدك أيها الرب الإله. ويتمجد فتاك يسوع بخلاص الملايين من الهلاك. استجب منعماً إكراماً لاسمك العظيم آمين.

السؤال: 31 - ماذا كان قصد المسيح من الإعلان بأنه نور العالم؟

مسابقة: يا رب افتح شفتيَّ

إن جاوبت على أربعة وعشرين سؤالاً من الأسئلة الواحدة والثلاثين المأخوذة من المزمور الأول إلى السابع والستين، نرسل لك أحد كتبنا المذكورة في قائمة المطبوعات جائزة.

  1. بما شبه كاتب المزامير كلا من البار والشرير؟ (مزمور 1)

  2. كيف كانت حال المرنم، حين نظم هذا المزمور؟ (مزمور 6)

  3. ما هي الامتيازات التي خص الله بها الإنسان؟ (مزمور 8)

  4. عما يعبر المزمور الثالث عشر وماذا تناولت تساؤلات داود؟ (مزمور 13)

  5. ما هو الوصف الذي أطلقه المرنم على الكفرة؟ (مزمور 14)

  6. ماذا تتعلم من اختبارات داود التي أشار إليها في هذا القسم من المزمور 18؟

  7. كيف رأى داود مجد الله بحسب نص هذا المزمور؟ (مزمور 19)

  8. ماذا تتعلم من هذه الآيات الكريمة؟ (مزمور 19)

  9. ماذا تعمل كلمة «يرد نفسي» في الاصل. وما السبيل التي سلكها المسيح، وطلب إلينا أن نسلكها؟ (مزمور 23)

  10. ماذا ترى في العصا والعكاز؟ (مزمور 23)

  11. ما هي البركات التي سألها داود من الله؟ (مزمور 25)

  12. من هو الإنسان الخائف الرب؟ (مزمور 25)

  13. ماذا نتعلم من اختبارات داود، التي بسطها في هذه الآيات؟ (مزمور 27)

  14. ماذا طلب النبي في صلاته؟ (مزمور 27)

  15. كيف كانت حال داود عندما نظم المزمور 32؟

  16. بماذا أجاب الرب على صلاة داود؟ (مزمور 32)

  17. صف حال داود بالاستناد إلى النصوص أعلاه؟ (مزمور 38)

  18. ماذا تتعلم من تأملات هذا اليوم؟ (مزمور 38)

  19. ماذا تعرف عن حيوان الإيل؟ (مزمور 42)

  20. بماذا امتاز داود كنبي؟ (مزمور 42)

  21. ما هي ميزات المسيحية بالنسبة للنقمة؟ (مزمور 43)

  22. ما هي أشد الضيقات التي تقع على الإنسان، وكيف يستطيع الإنسان أن يتخلص منها؟ (مزمور 46)

  23. ما هي وسائل النعمة التي اعدها الله للبشر؟ (مزمور 46)

  24. ما الفرق بين ذبائح العهد القديم والعهد الجديد؟ (مزمور 50)

  25. ماذا رأيت في هذا المزمور؟ (مزمور 51)

  26. ماذا كانت طلبة داود في هذا القسم من صلاته؟ (مزمور 51)

  27. ما هي الأمور التي آثارها داود في هذا القسم من صلاته؟ (مزمور 51)

  28. ما هي الدروس التي تتعلمها من قراءة اليوم؟ (مزمور 63)

  29. ما هي الآية التي لمست قلبك من هذه القراءة؟ (مزمور 66)

  30. ما هو وجه الشبه بين داود والسامرية؟ (مزمور 66)

  31. ماذا كان قصد المسيح من الإعلان بأنه نور العالم؟ (مزمور 67)


Call of Hope 
P.O.Box 10 08 27 
D-70007
Stuttgart
Germany