العودة الى الصفحة السابقة
ليأت ملكوتك

ليأت ملكوتك

تفسير لإنجيل متى

عبد المسيح وزملاؤه


Bibliography

ليأت ملكوتك. عبد المسيح وزملاؤه. Copyright © 2005 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى. 1971. SPB 3500 ARA. English title: Your Kingdom come! (Matthew, combined volume) . German title: Dein Reich Komme! (Sammelband Matthäus) . Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 70007 Stuttgart Germany http: //www.call-of-hope.com .

التمهيد لإنجيل متى

لحياة المسيح وأقواله وموته وقيامته شهود عيان كثيرون. ونعلم من شهادتهم أن المسيح لم يكتب كتباً، رغم أنه كان قادراً على الكتابة باللغة العبرية. فليس كلام المسيح تعليماً وحسب، بل هو قوة الله أولاً. وسُمِّي الإنجيل بشرى الخلاص لأنه يقدم لنا غنى الله في المسيح يسوع.

الأناجيل الأربعة

وضع الروح القدس بين أيدينا أربعة كتب عن سيرة المسيح، ألهم كُتَّابها البشيرين متى ومرقس ولوقا ويوحنا. كان اثنان منهم من تلاميذ المسيح واثنان من مرافقي رسله، وهذان استقيا الأخبار من الرسل بدقَّة. وحين نتأمل الأناجيل نرى أن الثلاثة الأولى تتشابه كثيراً، حتى أنك في بعض الأحيان ترى العبارة نفسها في كلٍّ منها، رغم أن كلاً يذكر أشياء خاصة مميزة عن حياة المسيح، لم يذكرها غيره.

ميزة إنجيل متى

في إنجيل متى تبرز دعوة المسيح إلى المتعَبين والثقيلي الأحمال (أصحاح 11) وبعض الأمثال (أصحاح 13) ومثَل العبد الشرير والفعَلة في الكرم (أصحاح 20) وَمثَل العذارى الحكيمات والجاهلات، وصورة الدينونة الأخيرة (أصحاح 25).

الانجيل الأصلي الأرامي

تشترك الأناجيل الثلاثة الأولى في إيراد مجموعة من القصص المختارة من حياة المسيح وأقواله، حتى نظن أنه قبل كتابة الأناجيل الثلاثة باللغة اليونانية، جَمَع الرسل معاً تاريخ حياة المسيح وأقواله باللغة الأرامية، التي كانت الأساس لكل البشيرين في كتابة أناجيلهم (أعمال الرسل 2: 42، لوقا 1: 1-4 ، يوحنا 20: 30).

من كتب إنجيل متى؟

كان متى كاتب الإنجيل الأول والأطول رئيساً للجباية، محتقراً من الشعب وموظفاً ماهراً للدولة المستعمِرة. واسمه الأصلي لاوي (مرقس 2: 14 ،لوقا 5: 27) ولكن المسيح اعطاه اسماً جديداً «متى» أي عطية الله.

وعند شيخ الكنيسة بابيوس نجد أقدم شهادة عن إنجيل متى، فنقرأ في سجلاته أن متى جمع أقوال الرب أولاً في اللغة الأرامية. ونجد مصداق ذلك في الكلمات التي كُتبت بلفظها الأرامي في الإنجيل، مثل رقا أي «رأس فارغ» ومامون أي «مال». فالغالب أن الرسل فوَّضوا متَّى أمهرهم باللغات ليجمع أقوال المسيح ويترجمها بمراقبتهم.

مواعظ يسوع الخمس

وأقوال الرب هذه تنقسم في إنجيل متى إلى خمسة أجزاء كبيرة متتابعة بنظام معيَّن، والتي لا نجد فيها افكاراً مكررة. فاتَّبع متى تعليم معلِّمه خطوة خطوة، وشهد أولاً لدستور ملكوت الله (الأصحاحات 5-7) ثم بنشره (أصحاح 10) ثم بنموّه (أصحاح 13) ثم تدبيره وتنظيمه (أصحاح 18) وتكميله في مجيء ملكه (أصحاحا 24 ، 25). فَذِكْر أقوال الرب هذه أكبر كنز في إنجيل متى.

الغاية من إنجيل متى

ونجد أن لقصص حياة المسيح اتجاهاً خاصاً عند البشير متى، لأنه يبرهن لليهود أن يسوع الناصري هو المسيح الموعود، ابن داود وابن ابراهيم. وقد استخلص متى أكثر من كل البشيرين الآخرين أدلة متعددة من العهد القديم على أن يسوع المسيح هو الملك الالهي، الذي به تمَّت كل الوعود. فأصبح إنجيله أفضل الأسفار لتقديس المؤمنين بتعمُّقهم في تعليم المسيح، وهو في نفس الوقت صالح لتبشير اليهود وجذبهم إلى المخلّص الذي حكموا عليه وصلبوه.

هذان القَصْدان - التبشير والتعليم - مترابطان في إنجيل متى بطريقة عجيبة، حتى وُضع هذا السفر في المحل الأول من العهد الجديد، لتمجيد يسوع مسيحاً لله.

كُتب هذا الإنجيل الفريد بين سنة 50 ، 66 للمسيح، أي بعد 25 سنة من صَلبه تقريباً. وإننا نجد فيه أقوالاً صادقة عن أعمال وأقوال مخلّصنا، الذي يدعونا إلى اتِّباعه كما دعا متى نفسه.

فهرس الجزء الأول: بدء خدمة المسيح (متى 1-4)

ولادة يسوع وطفولته (1 ، 2)

  1. نسب يسوع (1: 1-17)

  2. ولادة يسوع وتسميته (1: 18-25)

  3. سجود المجوس (2: 1-11)

  4. محاولة هيرودس قتل يسوع (2: 12-23)

يوحنا المعمدان يجهّز الطريق للمسيح (3: 1-4: 11)

  1. نداء للتوبة (3: 1-12)

  2. معمودية المسيح (3: 13-15)

  3. الثالوث الأقدس يعلن ذاته (3: 16، 17)

  4. تجربة يسوع وانتصاره (4: 1-11)

بداية خدمة يسوع في الجليل (4: 12-25)

  1. اختيار المسيح كفر ناحوم مسكناً له (4: 12-17)

  2. المسيح يدعو الأخوين الأولين والثانيين للخدمة (4: 18-22)

  3. وصف بهي لخدمة المخلّص (4: 23-25)

مسابقة الجزء الأول

الجزء الأول: بدء خدمة المسيح (متى 1-4)

1 - ولادة يسوع وطفولته (أصحاحا 1 و2)

أ - نَسَب يسوع (1: 1-17)

1: (1) كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ

تعتمد أكثرية الأديان على كتبها المقدسة، ولكننا نحن المسيحيين لا نعبد كتباً، إنما نتعلق ونؤمن بشخص فريد، هو كلمة الله المتجسّد. فلم يكتب البشير متى كتاباً من نسيج الخيال على نمط الروائيين، ولم يُمْلِ عليه روح غريب مُثُلاً عليا، ولم يسمع صوتاً خارقاً في غيبوبة، لكنه وصف بتفكيره الواقعي حياة وكلمات يسوع الناصري، الذي أحبه حباً جماً، وأكرمه وتبعه بإيمان عميق. فكتابه شهادة عيان لشخص تاريخي وحوادث واقعية، قدم فيها لنا يسوع ملكاً ومسيحاً ورباً مخلّصاً.

وكلمة «ميلاد» المذكورة في أول إنجيله، مأخوذة من اليونانية، ولها معانٍ واسعة: المصدر، والصيرورة، والمجيء، والتطور في مسيرة الحياة. فلم تكن ولادة يسوع على الأرض بداية وجوده، لأنه موجود منذ الأزل. فكيانه لا تحدُّه الولادة والموت، إذ أنه حي، ومجيد، وأبدي عند الله. فهو الرب بالذات.

وكان ليسوع الناصري أسماء مختلفة. فسمَّى نفسه ابن الانسان، ونور العالم، وخبز الله الواهب حياة للعالم. وأعداؤه سمُّوه باحتقار «ابن مريم» الذي لا أب له. أما تلاميذه فأكرموه بلقب «المعلم». ولكن اسمه الجوهري هو يشوع، الذي ننطقه في العربية يسوع. فمن هذا الاسم الفريد ترتجف الشياطين وتنتعش الملائكة. وفيه خلاصة مشيئة الله. كما أن قوة سلطان السنوات كلها عاملة في هذه الأحرف. فنبدأ تفسيرنا المتواضع ليس بأسمائنا الخاصة، بل باسم الرب يسوع، الذي هو روح الله المتجسد.

الصلاة: أيها الرب يسوع، أنت الأزلي الحي. وقد تجسَّدْتَ لنرى في حياتك سلطان الله، وننال بكلماتك قوة الروح القدس. اغفر جهلنا وعدم قدرتنا، وأنِرْنا لندرك جوهرك، ونؤمن بك، ونتبعك، ونكرم اسمك المقدس يسوع، بشهادتنا وأعمالنا وشكرنا.

السؤال: 1 - لماذا لا يعبد المسيحيون كتاباً، بل يتعلَّقون بشخص؟

1: (1) ... يَسُوعَ ٱلمَسِيحِ

في زمن يسوع كان اليهود مايزالون ينتظرون المسيح الموعود، منذ ألف سنة. لقد وعد الله الآباء والملوك والأنبياء من قبل، أن يقيم رجلاً من أمّتهم، يكون ملكاً عظيماً في شعب العهد القديم. وهو من طبيعة إلهية، بجانب كيانه البشري، وممتليء بقدرة الخالق. ولا نهاية لملكه (2 صموئيل 17: 12-15 وإشعياء 9: 5).

ترقَّب اليهود بشوق مجيء المسيح، خصوصاً لمَّا اغتصب الرومان بلادهم، ليحررهم من نير العدو المستعمر. وتمنوا أن يقيم المسيح الآتي بحدّ السيف والسلطان ملكوت الله على الأرض، ويجعل مدينة أورشليم محور العالم، مقيماً الموتى ودياناً للشعوب.

ولمَّا كتب البشير متى أول جملة في كتابه، وشهد أن الشاب الوديع يسوع الناصري هو المسيح الموعود، خلق بشهادته هذه إيماناً ملتهباً عند المستعدين، وبُغضة مُرَّة عند المفكرين. فكل المخْلِصين بين منتظري المسيح، الذين أدركوا في يسوع روح الله المتجسد، تعلَّقوا به مؤمنين. ولكن أكثرية اليهود رفضته لأن رؤساء شعبهم رفضوه، إذ جاء بلا سلاح ولا قوة دنيوية فصلبوه. لم يهتم متى بحقد الجماهير والرؤساء، بل عارضهم بجرأة، وشهد بالحق، وسمَّى يسوع: «مسيح الله الموعود».

فليست كلمة «المسيح» اسماً ليسوع، بل لقبه الذي يدل على وظيفته، ويعني الممسوح بملء الروح القدس. ففي العهد القديم مُسح الملوك والكهنة والأنبياء بزيت التكريس. وقد وحَّد يسوع في شخصه سلطان الملك الإلهي، وهو رئيس الكهنة الحق، وحمل الله الذبيح. كما أنه لم يجيء كسائر الأنبياء بكلمة الله الموحاة له، لأنه كان هو كلمة الله المتجسد. في المسيح تلتقي بملء اللاهوت جسدياً، فهل أنت من أعضائه، أو هل تتبع أعداءه؟

الصلاة: نسجد لك أيها الرب يسوع المسيح، لأنك الملك المرسَل من الله، وكاهننا الأمين. وقد نقلت قلوبنا إلى مملكة سلامك. علِّمنا إدراك اسمك وسلطانك الروحي، لنعرف حياتك ووداعتك وتواضعك، وتتغير أذهاننا لنثبت أعضاء مؤهلين لملكوتك.

السؤال: 2 - ما معنى لقب يسوع «المسيح»؟

1: (1) ... يَسُوعَ ٱلمَسِيحِ ٱبْنِ دَاوُدَ

يعلم كل يهودي من هو داود، لأنهم حفظوا مزاميره غيباً ورتلوها، وعظَّموا محبة الله وعنايته بكلماته العامرة بالحمد والشكر. واعترفوا بكلمات ملكهم طالبين من الرب خلاصاً من أعدائهم.

فمن هو داود؟ لقد اختاره الرب وهو ما يزال فتى راعياً، ليكون الملك الممسوح على شعب العهد القديم. وخلال خدمته الرعوية على القطيع تعلم الانتباه والجرأة والقيادة، والثقة بالله. وكافح ضد الدببة والأسود. وتعلم الصيد والعزف على الربابة والمزمار. ولمَّا صار شاباً تغلب بقدرة الله وعونه على جليات الجبار. فحسده الملك شاول، وغار من بطولته الشهيرة.

فاضطر داود للهرب إلى الفلسطينيين، وعاش تحت حمايتهم، حتى انتحر شاول خصمه. وبعدئذ أسس في حبرون مملكة مدة سبع سنوات. ولمَّا نضجت الأحوال، فتح أورشليم، وجعلها عاصمة لأمته كلها. واستجلب أيضاً تابوت العهد إلى مركز سلطانه. جاعلاً أورشليم محور الحضارة اليهودية. وكذلك غلب تدريجياً أعداءه المجاورين في حروب دموية.

ولمَّا أصبح داود غنياً وشهيراً، غلبته شهوته فزنى وقتل وأخذ نعجة الرجل الفقير. ولكنه سمع توبيخ الله وتاب، فقبل الله توبته العميقة، وغفر جرمه. ثم أدَّبه من جهة أولاده بخطايا متعددة وثورات أليمة، حتى اضطر للهرب من وجههم، وقد صار شيخاً، إلى عبر الأردن. ولم يعد إلى قاعدته إلا بعد أن قُتل ابنه الثائر أبشالوم.

وفي تلك السنوات الهائجة، اقترب داود من الله وصلى كثيراً، حتى ألهمه الروح القدس تسابيح ونبوات فائقة الوصف. وكثير من مزاميره تشير إلى المسيح الآتي. وأعمق تأثير نقشه الروح القدس في قلبه أن من نسله سيأتي ابن، يكون الله أباه بالذات (2 صموئيل 17: 12-15 و 1 ملوك 17: 11-14). وهذا الوعد المثير هو أحد الأسس للاعتقاد أنه ينبغي أن يكون المسيح ابناً لداود.

ومتى البشير في أول جملة من كتابه، لم يضع لقب المسيح فقط على يسوع، بل شدَّد على أنه من ذرية داود، مبيّناً أن يسوع هو من عشيرة الملك، معيَّن منذ ولادته ليكون الملك الأزلي الموعود.

الصلاة: أيها الله القدوس، طرقك غامضة أمام أعيننا. ولكن كل وعد من وعودك يتم حتماً وتلقائياً. وما اخترتنا لجودتنا، بل لأجل رحمتك العظيمة. وما رفضتنا لآثامنا، بل تطهرنا إن تُبنا توبة حقَّة. فأرشدنا لنرفض كل شرورنا، وتتقدس أذهاننا بقوة روحك الطاهر.

السؤال: 3 - لماذا يُسمَّى يسوع ابن داود؟

1: (1) كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ ٱلمَسِيحِ ٱبْنِ دَاوُدَ ٱبْنِ إِبْرَاهِيمَ

أكرم اليهود ابراهيم أباهم لأن به ابتدأ تاريخ الله مع جماعة من البشر، فدعاه من مستقره في بلاد الرافدين، وأمره أن يخرج من حضارته، ويترك أصدقاءه وعشيرته، وجعله بدوياً رحالة بلا وطن. فاستسلم إبراهيم لهُدى ربه، وصار قدوة للمؤمنين. ومنذ البداية وعد الله أن يجعل ذريته شعباً كبيراً كعدد النجوم في السماء وحبات الرمل على شاطيء البحر. وأن تتبارك كل الشعوب بواسطته (تكوين 12: 2 ، 7 ، 13: 10 ، 15: 5 ، 18).

ورغم أن ابراهيم لم يمتلك أرضاً ولم يكن له ابن، فقد آمن بمواعيد الرب، فأصبح أباً لكل المؤمنين.

لكنه مع أمانة إيمانه سقط في التجربة. ولم ينتظر حتى يمنحه الله ولداً، بل تعجل الأمر، وتزوج أَمَة زوجته واسمها هاجر المصرية، فولدت اسماعيل، فسبَّب باستعجاله ألماً وضيقاً للأجيال.

وبعدما أعرض الله عن ابراهيم ثلاث عشرة سنة طويلة، رحمه وهو في شيخوخته وقد بلغ تسعاً وتسعين سنة، فقطع معه عهداً، ومنحه رمز الختان، واعداً إياه مكرراً بابن مختار، رغم شيخوخته. فآمن ابراهيم بالله، وصدَّق وعده ضد مألوف القوانين الطبيعية. فأوجد الخالق في جسد سارة العاقر، اسحق الوارث المرتقب. وصارت علاقة الله بإبراهيم قريبة، حتى قبل شفاعته بأهل سدوم وعمورة، وسُمِّي خليل الله. وقد امتحن الرب إبراهيم أبا المؤمنين، إن كان يحب ابنه أكثر من ربه، فطلب إليه أن يذبح ابنه. فأطاع المؤمن صوت الله، واستعد أن يضحي بعزيزه، محبةً له. وأصبح هكذا مثلاً لله، الذي بذل ابنه محبةً لأجل خلاصنا. عندئذ حلف الله لإبراهيم أن يبارك بنسله العالم كله (تكوين 22: 12 ، 16).

وبواسطة الرسول بولس نعلم، أن عبارة «نسل ابراهيم» تعني شخصاً مفرداً، هو يسوع المسيح فقط (غلاطية 3: 16) فبه وفيه تتبارك الشعوب. لكن في ذلك الزمن، الذي وضع فيه البشير متى لقب «ابن ابراهيم» على يسوع صلبت أكثرية اليهود هذا الابن لإبراهيم، ورفضت حامل الوعد رفضاً باتاً. إنما البشير شهد منذ بداية إنجيله، أنه لا تأتي بركة إلى آل ابراهيم وإلينا، إلا بواسطة يسوع المختار من الله. هو حامل الوعد. وبه وحده تنال أيها القاريء بركة الله الكاملة.

الصلاة: نسجد لك أيها القدوس، لأنك تختار أناساً أشراراً. فلم تختَرهْم لأجل صلاحهم وإيمانهم، بل لنعمتك ورحمتك. ساعدنا لإيمان حي، لنقبل اختيارنا، ونثبت كأولاد ابراهيم في الروح، ونشترك في ملء البركة الممنوحة لنا في ابنك يسوع.

السؤال: 4 - كيف يكون يسوع ابن ابراهيم أيضاً؟

1: (2) إِبْرَاهِيمُ وَلَدَ إِسْحَاقَ

كتب البشير متى إنجيله لليهود والمسيحيين من أصل يهودي. فأبرز قبل كل شيء النسب الكامل ليسوع، مبرهناً شرعياً أنه المسيح المستحق على أساس مصدره، لأن وجوده لم يبتديء بولادته.

ابتدأ الله طريق الخلاص بإبراهيم، ودلَّ بتقديم إسحق للذبح على ضرورة التضحية الفريدة التي كملت في يسوع المسيح على الصليب. فإسحق وارث الوعد، كان منذ طفولته متربياً بخوف الله في تسليم كامل له. وهو رجل الصلاة. ابتدأ زواجه باسم الرب، وحصل على غلال كثيرة من حقوله. وكان حليماً ترك بئريه للرعاة المختصمين وحفر بئراً جديدة. فتغلَّبت محبته لأعدائه عليهم، فعاش وديعاً ومتواضعاً، حتى ظهر الله له، مثبتاً عهد إبراهيم له أيضاً. وتصرفاته مشابهة لتصرفات يسوع، أكثر من كل أفراد العائلة (تكوين 24: 63 ، 26: 6 ، 7 ، 12 ، 22).

لكن إسحق سقط في خطايا شبيهة بخطايا والده، وسمى امرأته «أخته» ليخلِّص نفسه من أعدائه الشهوانيين (تكوين 26: 6 ، 7). وكذلك أحب ابنه عيسو أكثر من يعقوب، الأمر الذي تسبَّب في مؤامرة حبكتها الزوجة مع ابنها يعقوب ضد زوجها اسحق وابنها عيسو، حتى تحولت بركة الأب إلى يعقوب وحده، جاعلة منه حلقة في سلسلة نسب يسوع المباركين.

الصلاة: نعظمك ونحمدك يارب السماء والأرض، لثباتك أميناً لآباء الإيمان رغم ضعفاتهم. محبتك تدوم على الأجيال. فنؤمن أنك اخترتنا أيضاً في المسيح يسوع، وتحملنا رغم فشلنا في لطفك العظيم.

السؤال: 5 - كيف كان إسحق مشابهاً ليسوع؟

2: (2) ...وَإِسْحَاقُ وَلَدَ يَعْقُوبَ

كل من يقرأ سلسلة نسب يسوع يفهم أن الإنجيل مبني على أسفار التوراة. وليس أحد يدركه حقاً إلا من يدرسها أيضاً. كما أنه لا يستطيع أحد أن يصل إلى علية بيت، ما لم يدخل أولاً من بابه الأسفل.

وبوحي من الله عيَّن يعقوب وحده من قبل ولادته حاملاً للبركة (تكوين 25: 24 - 28). ولكن يعقوب لم ينتظر إتمام هذا الوعد بصبر وصلاة، بل استعجل، واحتال بتآمر مع أمه، حتى حصل على بركة البكورية. فكانت نقمة أخيه عليه عنيفة شديدة، فاضطر يعقوب للهرب. ووسط هذا الهرب ظهر الله له وقال إن بواسطته، وهو المحتال، سيتبارك كل العالم. ولم يفهم يعقوب الحلم. ولكنه آمن برؤيا السلم الموصّل إلى السماء وبكلمة ربه، إيماناً متخوفاً. وأكمل طريقه حتى وصل لبلاد الرافدين. وصار هناك بارعاً في رعي قطعان البهائم، والمكر على خاله لابان صاحب القطيع، الذي قابله بخداع مماثل، حتى في تزويجه بنتاً غير المتَّفق عليها، فتزوج يعقوب عندئذ أختها، التي كان يريدها أولاً. وهكذا اضطر أن يشتغل سنين مضاعفة عند رب العمل.

وبعد خدمات وضيقات طويلة، دفعه الاشتياق إلى بلاد آبائه، فاعترض الله طريقه وصارعه في رؤيا. وفي هذه المصارعة الروحية مع الله تغيَّر ذهن الماكر إلى مصلٍّ متواضع، حتى أعطى الله يعقوب اسماً جديداً «اسرائيل» ومعناه الذي يكافح الله لأجله. وهكذا وصل الرب مع هذا الماكر إلى هدفه، حتى خلق في روحه اشتياقاً للخلاص الكامل، الذي لمحه من بعيد في اقتراب يسوع إلى العالم.

فكان المسيح هو الذي تحقق فيه حلم يعقوب، بصعود الملائكة من عنده إلى السماء ونزولهم ببركات العالم (تكوين 32: 30 ، 31 ، 48: 15 ، 16 ، 49: 18 ويوحنا 1: 51).

1: (2) .. وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يَهُوذَا وَإِخْوَتَهُ. (3) وَيَهُوذَا وَلَدَ فَارَصَ وَزَارَحَ مِنْ ثَامَارَ.

لا يؤلِّه الكتاب المقدس الناس، بل يوضح أننا جميعاً خطاة. وكل بشر يظن أن عائلته حتى إن كانت من الملوك والأنبياء بلا لوم، فانه يكون مغروراً، فأمام الله لا يوجد بار، حتى عائلة يسوع. لكننا نجد في هذه الحقائق البرهان أن يسوع إنما حل في جسد الخطية، ولكنه غلب الإرث الشرير من أبائه، لأنه لم يولد من أب بشري بل وُلد بواسطة روح الله الساكن فيه، وبقى بريئاً طاهراً بلا ذنب، وفدى البشر طواعية في ذاته.

كان يهوذا أحد أبناء يعقوب الاثني عشر الذين سُميت باسمهم الأسباط الاثنا عشر. وكان هؤلاء الأبناء بدواً أبادوا مرة سكان قرية بأكملها لعارٍ لحق بأختهم (تكوين 34). وحسدوا أخاهم الأصغر يوسف، الذي فضَّله أبوه عليهم، واشترى له ملابس مزركشة، فتآمروا على قتله. لكن يهوذا خفف من غلوائهم، وأقنعهم ببيع أخيهم بعشرين من الفضة، فيربحوا به، بدل قتله.

وبجانب طمعه سقط يهوذا في الزنا أيضاً. لقد منع ثامار زوجة ابنه المتوفى من أن تتزوج ولده الثاني حسب مطاليب الشريعة. فاحتالت ليضاجعها بالحرام، وولدت منه ابنه فارص (تكوين 38). إنه أمر مخجل للبشر أن يهوذا وثامار وفارص هؤلاء الثلاثة، مذكورة أسماؤهم في نسب يسوع. إن ابن الله قد نزل إلى الأسفل ليبررهم. إنه يفدي حتى الطامعين والزناة.

وأشار يعقوب إلى سلطان المسيح المطلق لفداء الخطاة عندما وضع البركة على ابنه يهوذا. مشبِّهاً إياه بأسد، يسجد له كل إخوته والشعوب (49: 8-12). وقد أدرك يوحنا البشير سر هذه النبوة، حتى أنه سمع نداء الشيوخ في السماء القائل «هوذا قد غلب الأسد، الذي من سبط يهوذا، أصل داود» (رؤيا 5: 5-10). وفتح يوحنا عينيه ليرى الأسد الأعظم. لم ير الأسد، بل حملاً مذبوحاً، اشترى بدمه المسفوك لله نخبة من كل الشعوب، يخدمونه كهنة ملوكيين إلى الأبد. أتمَّ يسوع الوعود المعلنة عن أبيه يهوذا.

1: 3وَيَهُوذَا وَلَدَ فَارِصَ وَزَارَحَ مِنْ ثَامَارَ. وَفَارِصُ وَلَدَ حَصْرُونَ. وَحَصْرُونُ وَلَدَ أَرَامَ. 4 وَأَرَامُ وَلَدَ عَمِّينَادَابَ. وَعَمِّينَادَابُ وَلَدَ نَحْشُونَ. وَنَحْشُونُ وَلَدَ سَلمُونَ. 5 وَسَلمُونُ وَلَدَ بُوعَزَ مِنْ رَاحَابَ. وَبُوعَزُ وَلَدَ عُوبِيدَ مِنْ رَاعُوثَ. وَعُوبِيدُ وَلَدَ يَسَّى. 6 وَيَسَّى وَلَدَ دَاوُدَ ٱلمَلِكَ. وَدَاوُدُ ٱلمَلِكُ وَلَدَ سُلَيْمَانَ مِنَ ٱلَّتِي لأُورِيَّا.

يقودنا إنجيل متى مرة أخرى إلى نقاط ضعف ثلاث في سلسلة نسب يسوع، عندما يبرز أسماء ثلاث نسوة سبَّبن التعب والخجل لمفسّري التوراة. ونحن كذلك لا ندين أحداً، بل ندرك ميولنا الشريرة، ونمرّن أنفسنا للتوبة عن خطايانا الخاصة.

وبعض الأسماء المذكورة في نَسب يسوع غير معروفة لنا اليوم بدقّة، إنما نعرف أن الزانية راحاب الوثنية قبلت الجواسيس وحمَتْهم، لأن الله أراها أنه قد سلَّم مدينتها أريحا إلى يد الشعب القادم. وبعدما افتتحت المدينة تزوجها أحد هؤلاء الجواسيس، فصارت من جدَّات المسيح. كما رأينا ثامار تُدخل دماً غير يهودي إلى الملك داود ويسوع، هكذا حصل أيضاً مع راحاب وبعدئذ راعوث، لأن روح الله أراد أن يثبت أنه غير مُلتزم بفكر عنصري، بل يريد إنقاذ الخطاة من الأمم (يشوع 2: 1-21 ، 6: 17 وعبرانيين 11: 31).

وكان بوعز رجلاً مستقيماً، ولم يستغل ضيقة الأرملة راعوث، بل أمر عبيده أن يتركوا لها سنابل القمح لتلتقطها وتتغذى بها، لأنه عرف كيف كانت رفيقة مخلصة لأم زوجها المتوفى. وتزوجها هو بعد ذلك، رغم أنها امرأة غريبة، فصارت أم جدة داود. وحسب الشريعة اليهودية كانت معتبرة نجسة، ولكن أمام الله كل الناس سواء (راعوث 2: 4).

وأقل الدرجاتِ خطايا في تاريخ جدود يسوع، هي ما حصل من النبي داود، إذ اشتهى امرأة أوريا أحد جنوده لما كانت تستحم على سطح بيتها، فاستدعاها إلى قصره، وطلب من قائد جيشه أن يدبر لزوجها أوريا تهلكة ليقع في كمين العدو، فتغطى عار الملك. ولكن الله كشف الزنا والقتل في خادمه كزوبعة، وهدَّده بالموت. ولم تُخلِّصه إلا التوبة السريعة النصوحة، والإيمان بنعمة الله للتائب المنكسر. فلم تبرح الرحمة عنه. وبعدئذ تزوجها زواجاً شرعياً. ومنحها الله ابنهما سليمان الحكيم، لأن الزواج تطهَّر بواسطة توبة عميقة.

الصلاة: أيها الآب السماوي، نشكرك لأنك لم ترفضنا ونحن فاسدون زناة، بل أرسلت ابنك إلينا، لنرى في سلوكه قدوة مقدسة لحياتنا. ونقبل ذبيحته، ونتقدس في قوة روحك القدوس، ونعيش منكسرين خادمين لإرادتك الأبوية.

السؤال: 6 - لماذا أبرز البشير متى أربع نساء في سلسلة نسب يسوع. وما هي أسماؤهن؟

1: 6 وَيَسَّى وَلَدَ دَاوُدَ ٱلْمَلِكَ. وَدَاوُدُ ٱلْمَلِكُ وَلَدَ سُلَيْمَانَ مِنَ ٱلَّتِي لأُورِيَّا. 7 وَسُلَيْمَانُ وَلَدَ رَحُبْعَامَ. وَرَحُبْعَامُ وَلَدَ أَبِيَّا. وَأَبِيَّا وَلَدَ آسَا. 8 وَآسَا وَلَدَ يَهُوشَافَاطَ. وَيَهُوشَافَاطُ وَلَدَ يُورَامَ. وَيُورَامُ وَلَدَ عُزِّيَّا. 9 وَعُزِّيَّا وَلَدَ يُوثَامَ. وَيُوثَامُ وَلَدَ أَحَازَ.

تربى سليمان في صغره على يد كاهن، فنما في التقوى طالباً من الله قلباً مطيعاً ممتلئاً بالحكمة. ولما توج ملكاً بنى في أورشليم هيكلاً جميلاً، ليكون محوراً للحضارة اليهودية عبر القرون. وقد قطع لبنائه كثيراً من أرز لبنان الثمين. وفرض سليمان على الشعب أن يدفع تكاليف تلك الأبنية الفخمة. وكان لدى سليمان 700 زوجة و 300 محظية تقريباً. فتألم الشعب من الضرائب الباهظة لأن حياة كهذه تكلف قناطير. وفوق هذا الشر، فقد استقدمت كل زوجة منهن صنماً معها من بلادها. فمال سليمان الحكيم أخيراً إلى عبادة الأوثان إرضاءً لزوجاته الحبيبات (1 ملوك 11).

وفي زمن داود وسليمان، قامت دولة إسرائيلية قوية لمدة مئة سنة فقط، وبعدهما حل الانقسام، وذلك زمن رحبعام المستبد ابن سليمان، إذ انقسمت دولة الآباء سنة 932 ق.م، فاتحدت الأسباط العشرة في شمال البلاد مكونين مملكة اسرائيل الجديدة، التي كانت عاصمتها مدينة السامرة. أما سبط يهوذا فقد ظل أميناً للعائلة الملكية الداودية، فتكونت منه المملكة اليهودية في منطقة أورشليم. وأسماء الملوك في نسب يسوع ترجع للذين حكموا هذه المملكة الصغيرة في أورشليم وضواحيها.

وفي زمن هذا الانشقاق أرسل الله أنبياءه إلى المملكة الشمالية، ومنهم إيليا وعاموس وهوشع. وعملوا على وَقْف عبادة الأوثان الداخلة في الأمة من الشعوب المحيطة بهم. فأنذروا شعبهم باسم الله ليرجع عن عبادة الصور والأوثان والأشجار المقدسة وذبح الأولاد، وسمُّوا كل الألهة أباطيل، واعترفوا بالله الوحيد، مشددين للإيمان بالوحدانية. وتألموا من الكفر المتغلغل، مهددين الفجَّار بدينونة الله وانتقامه. وانبأوا بنفس الوقت عن مجيء الرئيس الوديع العادل، الذي سيأتي ليوحّد الأخوين المنفصلين، وينشيء في أورشليم دولة السلام.

ولكن الأسباط في دولة الشمال لم يذعنوا للأنبياء، بل أكملوا عبادة الأوثان والحفلات البذيئة، فعمَّ الفساد والكفر. فسمح الله أن تهجم على إسرائيل الدولة الأشورية فحاصرت مدينة السامرة وبددتها. وسَبُوا كل الأغنياء والرؤساء مسافة 1500 كيلو متر بعيداً عن أوطانهم، في بلاد الرافدين، فذابوا هنالك في الشعوب. فبذلك انتهى تاريخ دولة إسرائيل سنة 722 ق.م. وقد استجلب الأشوريون شعوباً وثنية أخرى أسكنوها في شمال فلسطين مكان المسبيين، فامتزجوا مع بقية شعب اسرائيل مكوّنين ديناً مختلطاً، مما حدا باليهود الجنوبيين إلى احتقار الشماليين الممتزجين مع الأمم ورفضهم.

أما يسوع فأحب المحتقرين، وسكن بنفسه في الناصرة في مملكة الشمال، فسبَّب له ذلك رفْضاً من يهود أورشليم. وفي زمن يسوع جدد الملك هيرودس بناء الهيكل للمرة الثالثة في التاريخ. ولم يرفض المسيح ورسله هذا البيت المصنوع من الحجر، بل نادوا الشعب أن يستسلم للإله الحقيقي، ويسلم نفسه حجارة حية لبناء بيت روحي يسكن الله فيه بروحه القدوس.

1: 9 وَأَحَازُ وَلَدَ حَزَقِيَّا 10 وَحَزَقِيَّا وَلَدَ مَنَسَّى. وَمَنَسَّى وَلَدَ آمُونَ. وَآمُونُ وَلَدَ يُوشِيَّا. 11 وَيُوشِيَّا وَلَدَ يَكُنْيَا وَإِخْوَتَهُ عِنْدَ سَبْيِ بَابِلَ.

حكمت الدولة الأشورية الشرق الأوسط بسلطان كبير، وامتدت حدودهم من دجلة إلى النيل. فكانت المملكة اليهودية الصغيرة حول أورشليم شوكة في عين المستعمر. فابتدأ بمحاصرة مدينة السلام سنة 701 ق م، وانتهى الحصار بعون الرب فجأة، لمَّا فتك الطاعون بجيش سنحاريب، فمات دفعة واحدة 185 ألف جندي.

عاش في أورشليم آنذاك ملك تقي هو حزقيا. وكان بجانبه النبي إشعياء النبيل، الذي دعا ملكه وشعبه إلى التوبة، وإيمان غير متزعزع بأمانة العلي. وقد ظهر له رب الجنود قدوساً. وأرسله نبياً.

وبعد مائة سنة من هذه الأعجوبة الالهية، جاء الملك التقي يوشيا، وقام بإصلاح جذري للأوضاع الدينية والاجتماعية، وجمع الشعب وتلا عليهم التوراة التي اكتشفوها في إحدى غرف الهيكل، ورمم بيت الله، ونظم طقوسه، ليتقدس الشعب حقاً. ولكن الفساد كان أعمق من الظاهر. فلا يمكن للناموس أن يتغلب على الخطية.

وقد أرسل الله في تلك الأيام نبياً جباراً اسمه إرميا (626-580 ق.م) أنذر الشعب بزوال المملكة الجنوبية. وما زالت دعوته المتحمسة للتوبة تجذبنا حتى اليوم. فتألم النبي كثيراً من اضطهادات ملوكه، لأنه رأى نهاية المملكة، ودعا سبطه إلى تعقُّل سياسي واستسلام للعدو.

وفي ذلك الوقت كانت دولة أشور قد انكسرت في بلاد الرافدين، وقامت على أنقاضها مملكة بابل، وأخذت قسماً كبيراً من حضارتها وممتلكاتها، فأرغمت سبط يهوذا أن يدفع جزية باهظة للملك الجديد. ولمَّا ثاروا سنة 597 ق.م، هجمت جيوش نبوخذ نصر، واحتلوا أورشليم بسرعة. وأعطى هذا الملك فرصة للشعب اليهودي أن يخضع له. وأخذ منهم رهائن ثمانية ألاف من نبلائهم إلى السبي. لكنهم كانوا عمياناً حتى أنهم لم يتبصَّروا في ضعفهم الروحي والسياسي. وثار هذا السبط الصغير سنة 587 ق.م، في زمن حكم صدقيا، فتسببوا بدمار مدينتهم وسبيهم جميعاً.

الصلاة: اغفر لنا أيها الرب ذهننا المتصلّب. وعلّمنا تغيير الفكر، فلا نتخذ الذهب والرفاهية والأسلحة آلهة وسنداً لحياتنا. بل امنحنا روحك القدوس، ليقدسنا إلى سلوك مقبول في الحق والطهارة والمحبة وإنكار النفس، كما سلك مسيحك على الأرض. ليأت ملكوتك، ولتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض.

السؤال: 7 - كيف حفظ الرب المملكة اليهودية، وكيف سلَّمها إلى السَبْي؟

1: 12 وَبَعْدَ سَبْيِ بَابِلَ يَكُنْيَا وَلَدَ شَأَلْتِئِيلَ. وَشَأَلْتِئِيلُ وَلَدَ زَرُبَّابِلَ. 13 وَزَرُبَّابِلُ وَلَدَ أَبِيهُودَ. وَأَبِيهُودُ وَلَدَ أَلِيَاقِيمَ. وَأَلِيَاقِيمُ وَلَدَ عَازُورَ. 14 وَعَازُورُ وَلَدَ صَادُوقَ. وَصَادُوقُ وَلَدَ أَخِيمَ. وَأَخِيمُ وَلَدَ أَلِيُودَ. 15 وَأَلِيُودُ وَلَدَ أَلِيعَازَرَ. وَأَلِيعَازَرُ وَلَدَ مَتَّانَ. وَمَتَّانُ وَلَدَ يَعْقُوبَ. 16 وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ ٱلَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ ٱلَّذِي يُدْعَى ٱلْمَسِيحَ.

ارتعب اليهود المسبيون إلى بابل ارتعاباً شديداً، لأنهم ظنوا أن الله يحميهم لأجل عهده معهم، وأن حضوره في الهيكل يضمن لهم الانتصار حتماً. لكنهم بعدئذ اختبروا أن الله طلب منهم القداسة والحق والمحبة. وما اكتفى بطقوس وعقائد وصلوات أوتوماتيكية، لأن هدفه ليس دولة دينونة بسلطة وبهاء مقدسة. وحيث لا يتم هذا القصد تحل الدينونة.

إنما الله لا يغضب إلى الأبد، بل يمنح الشعوب والأفراد فرصة ثانية للتوبة. وهكذا عاد رجلان في سنة 538 ق م إلى أورشليم. منكسرين وبرجاء كبير، اسماهما زربابل المنحدر من نسل داود، ويشوع ابن رئيس الكهنة السابق. وأُتيح الرجوع إلى الوطن، لأن الفرس كسروا بابل. وكورش الملك سمح لليهود بالعودة إلى وطنهم، إن أرادوا ذلك. فعاد قسم منهم بفرح. ولكنهم وجدوا أورشليم وما حولها خربة فقيرة. ورغم الحالة السيئة، ابتدأوا يبنون الهيكل، عالمين أن انحدارهم السابق كان لأجل إيمانهم الناقص وسلوكهم المعوج، وعرفوا أيضاً أن الله لا يريد مملكة سياسية منهم، بل خدمات روحية وسجوداً مخلصاً، بحياة طاهرة.

ونحن لا نعرف كثيراً عن الرجال المذكورين في الثلث الأخير من سلسلة نسب يسوع، إلا أنهم عاشوا بصورة شبه متواصلة تحت سيادة الغرباء. إذ أن القوة انتقلت من الفرس إلى اليونان، ومنهم إلى الرومان. فبقيت المنطقة اليهودية كورة منعزلة غير مهمة في التاريخ السياسي.

ونندهش حينما نرى نسب يسوع ينتهي بيوسف، الذي ليس أباً ليسوع حقيقة. ولكن الفهم اليهودي للنَّسَب يعتمد على الحقوق والارتباطات الشرعية، وليس على العنصرية وعلاقة الدم. فاندمج يسوع في أبناء داود بواسطة يوسف الذي تبنَّاه، كما أنه وُلد في مدينة داود وليس في الناصرة بسبب الاكتتاب الروماني، لأن يوسف كان مضطراً أن يرجع إلى بيت جدوده، حسب القوانين المحلية.

وشهد متى بأهمية لقب يسوع ابن مريم، انه المسيح المنتظر. وليس البشير متى هو الوحيد الذي اعترف بمسيحية يسوع، بل كثيرون أيضاً من شعب العهد القديم، وملايين من الأمم حتى اليوم، يعترفون بفرح أن ملكوت الله حلَّ بولادة المسيح يسوع. فمحبته وسلطانه الروحي ومسرته وتواضعه علامات ملوكيته الخارقة. فعالمنا المتضعضع لا يحتاج إلى ملكوت ورؤساء جدد، لأن الأسلحة أو الثورات لا تخلق شعوباً جديدة، بل المصالحة مع الله في المسيح، والمسالمة الإلهية الشرعية هي القادرة على أن تجدد الأفراد والأوضاع. فنصلي من كل قلوبنا «ليأت ملكوتك».

الصلاة: أيها الرب يسوع، أنت ملكنا، ولا تطلب منَّا عطايا وإتمام الفرائض، بل بذلت نفسك لأجلنا، وتحررنا من أمنياتنا الفانية بالشرف السياسي والضمان الاقتصادي والرغبة الانتقامية، وتغيرنا إلى أناس المحبة، مانحاً لنا حياة أبدية، لكيلا نموت إذا متنا، بل نعيش بحياتك الأبدية.

السؤال: 8 - لماذا ينتهي نسب يسوع بيوسف، الذي ليس أباه جسدياً؟

1: 17 فَجَمِيعُ ٱلأَجْيَالِ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِلَى دَاوُدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً، وَمِنْ دَاوُدَ إِلَى سَبْيِ بَابِلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً، وَمِنْ سَبْيِ بَابِلَ إِلَى ٱلْمَسِيحِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جِيلاً.

عدد 14 مُرَكَّب من 2 7 . كما أن 7 هي 3 + 4 . وبما أن 3 تدل على اللاهوت في ثالوثه الأقدس، و4 تمثل الجهات الكونية، فقد ارتبط بالرقم 7 السماء والأرض في تطور التاريخ. وإذا قرأنا تكرار السبعة مرة ثانية لتصير أربعة عشر، فمعناه اكتمال التطور التاريخي الالهي في دنيانا، الظاهر في شاهدين يشهدان لله وعمله في دنيانا.

وبما أن هذه الفترات الزمنية المبنية على العدد 14 ظهرت ثلاث مرات متتالية، فرأى متى أنها تنبيء بمجيء المسيح، لأن مقياس الله للزمن قديم، فيحل ملكوت السموات على الأرض. والكاتب لم يهتم بذكر بعض الأسماء من سلسلة الملوك، لأنه لم يركّز على التفاصيل التاريخية، بل أبصر تخطيطات الله العظيمة لأهدافه الخلاصية.

ولقد اختار الرب إبراهيم وجعل منه في الفترة الأولى شعباً كبيراً، أضحى داود قمته.

وابتدأ الانهيار بسليمان، فانقسمت الدولة السياسية زمن رحبعام ابنه، ثم أُبيدت الدولة الشمالية، وسُبي اليهود إلى بابل.

وأدرك اليهود الراجعون من السبي أن السلطة والأسلحة والرفاهية، ليست هي هدف الله للتائبين، بل حياة مقدسة طبق الناموس، ليصبحوا شعباً مقدساً ملوكياً في التواضع والحق.

لم تخلق مدرسة الانكسار هذه في كل الناس نفس الفكر، فالغيورون عارضوا الله وسحقه إياهم، وعزموا على إقامة دولة بهية، مهما يكلف الأمر. أما الفريسيون فحاولوا إتمام الناموس باجتهادهم الخاص بدقة بالغة، فاستكبروا وتباهوا. ولكن عدداً قليلاً من اليهود فهموا عدم قدرتهم لحياة مقدسة، وعاشوا في توبة وانكسار أمام الله، ليعدوا طريقه بدموع الندامة على خطاياهم. كان اليهود أيام يسوع في انقسام بالرأي. وما كانت الظواهر تدل على مجيء مخلّص الأمة الأعظم، الذي يفدي العالم كله ويباركه. انما البشير متى أدرك في مسيرة التاريخ البرهان القاطع، أن يسوع هو مسيح الله الموعود.

ب - ولادة يسوع وتسميته (1: 18-25)

1: 18 أَمَّا وِلادَةُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ فَكَانَتْ هٰكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ، قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ.

حفظت مريم العذراء الطاهرة منذ صغرها كلمة الله غيباً، لأن تسبيحاتها تدل على معرفة غنية بالتوراة، ألهم بها الروح القدس شهادة عظيمة عن مجد الله وأعماله الحكيمة. وربما أن مريم ككل البنات رأت في الزواج أمنية حياتها، فرضيت بالنجَّار خطيباً. واعتُبِرَت الخطوبة في شعب العهد القديم ارتباطاً شرعياً، حتى سُمِّي يوسف «رجلها» (19) وهي «امرأته» (20).

وفجأة جاءتها رسالة من الملاك جبرائيل أن الله نفسه اختارها، ليلد بروحه القدوس منها ولداً. وهذا الخبر أهاج نفس العذراء الطاهرة إلى آخر أعماقها، لكنها آمنت بكلمة الله بالتواضع والخضوع. وما كان الحَبَل عن طريق دنس، لأن الروح القدس قدوس في ذاته. ومما لا ريب فيه، أن علم الأحياء الحديث يعارض فكرة ولادة طفل من العذراء بلا أب دنيوي، ولكن كل من وُلد ثانية من الروح القدس يدرك السر ويقبل حقيقة مجيء يسوع من مريم المباركة.

وعظمت مريم الله على أفكاره المجيدة. وكانت بنفس الوقت تخاف الموقف: ما عسى أن تقوله لخطيبها؟ لن يصدقها. وكل شرح سيكون كحكاية غريبة في أذنيه. فصمتت مريم واثقة بالله أنه شاهِدُها. وتألمت مُصَلِّية للضيق النفسي في خطيبها. وقد عَلِمَت أن الناموس يطلب برجم كل زانية. وأن القتل لبنات الكهنة الزانيات يتم بواسطة صبّ الرصاص المنصهر في حنجرتهن. لكنها آمنت بالله مخلّصها لأنها وثقت به، وجعلت بإيمانها المستحيل ممكناً: أن يتجسَّد ابن الله فيها. فلأجل إيمانها العظيم هذا تُمَجّدها كل الأجيال على الأرض. ونحن نتعلم منها الثقة الكاملة التي أهَّلَتها لتكون آخر حلقة في سلسلة أبطال الإيمان في نسب يسوع.

الصلاة: نسجد لك أيها الله الأزلي، لأنك حلَلتَ بروحك القدوس في مريم العذراء، فولدت ابنك يسوع فيها. لا ندرك هذه الأعجوبة بمنطق عقولنا، إنما نسجد لك بالحمد والشكر، لأنك تلدنا روحياً، لنفهم من أنت وابنك وروحك القدوس، وما هو عمله العظيم.

السؤال: 9 - ماذا يعني حَبَل مريم بيسوع من الروح القدس؟

1: 19 فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارّاً، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرّاً. 20 وَلٰكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هٰذِهِ ٱلأُمُورِ، إِذَا مَلاكُ ٱلرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: يَا يُوسُفُ ٱبْنَ دَاوُدَ، لا تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ ٱمْرَأَتَكَ، لأَنَّ ٱلَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ.

كان يوسف شاباً تقياً يعمل نجاراً، فاستطاع أن ينشيء أسرة. وقد أُعجب بمريم العذراء التقية الجميلة، وحصل على موافقة عشيرتها ليتزوج بها، فارتبطت العائلتان بواسطة الخطوبة.

ورأى يوسف فجأة أن خطيبته صارت حُبْلَى دون أن يتصل بها، فأخذ يراقبها بدقة. ولمَّا تأكد من حبلها نشب في نفسه صراع بين الغضب والحب، وراودته الشكوك الكثيرة. ولمَّا انكشفت حالة حبلها ظاهراً، فكر يوسف بواجباته الشرعية نحوها، فلا يجوز ليهودي تقي أن يتزوج زانية. فكان عليه إما إعلان عارها جهراً، وهذا ما يجلب في زمن الرومان احتقاراً وليس قتلاً، أو بكتابة صك طلاقها سراً، لتستطيع الزواج بالشاب الذي أحبته.

وقد أرسل الله في أشد الضيق ملاكاً. دعا يوسف بأكرم اسم قائلاً «يا ابن داود». بمعنى أنه في مستوى ملوكي. ثم منعه الملاك من كل خوف، لكيلا يخاف من الله ولا من البشر ولا من الشرائع، لأنه وخطيبته بريئان.

وبعدئذ أثبت الملاك ليوسف أن مريم هي امرأته الشرعية، تبعاً لقوانين الخطبة، وأوضح له أن الجنين الذي فيها هو من الروح القدس، حسب إرادة الله القدوسة. وأكثر من ذلك، فالملاك دفع يوسف ليأخذ مريم ويضمها إليه كامرأته، ويحميها شرعاً، لأن الله لم يرد أن يولد الطفل يسوع من امرأة يُظنّ أنها زانية، بل في حماية عائلة شرعية. فمدَّ يده اللطيفة مبارِكاً الخطيبين.

وظهور الملاك في الحلم ليوسف اقتضى منه إيماناً سامياً بأن الله يخالف قوانين الطبيعة، ويلد في مريم طفلاً، يكون إنساناً حقاً، كما هو إله حق.

الصلاة: نسجد لك يا الله، يا أبانا السماوي، لأنك لم ترفضنا نحن البشر، بل أتيت إلينا، ولبست جسد خطايانا في ابنك. نعظمك لأجل وصولك للأرض، ونحمدك لحضورك معنا، ونبتهج لأجل الجنين من الروح القدس في مريم العذراء. تعال أيها الروح من الآب، وحُلَّ فينا، لننتعش ونعيش في حياتك الأبدية آمين.

السؤال: 10 - لماذا أمر الملاك يوسف أن يضم مريم إليه؟

1: 21 فَسَتَلِدُ ٱبْناً وَتَدْعُو ٱسْمَهُ يَسُوعَ، لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُم.

أعلن الملاك ليوسف أن مريم لا تلد بنتاً بل ابناً، وأن له الامتياز أن يسميه باسمٍ عيَّنه الله له أزلاً. وكان أمراً واضحاً وسنداً للإيمان. ووثق يوسف بأن هذا الاسم الإلهي سيتم بمعناه.

فاسم يسوع يعني «الله يخلّص» فلم يعد الأزلي قاضياً غاضباً علينا مهلكاً إيانا، لأن بالإنسان يسوع قد تقدم إلينا عون الله الفريد. فما بقي بعيداً عن الخطاة، بل اقترب منا، وعمل بيننا. أن محبة الله للخطاة والفاسدين ظهرت في الاسم يسوع. وجميع القوى السماوية والمقاصد الخلاصية، تمركزت في هذا الاسم العجيب. وعون الله لا يحصل لكل الناس، بل لشعبه فقط. وليست الأمة المعينة هي شعب الله فحسب، بل لكل إنسان الامتياز أن يندمج فيه، إذ يفتح نفسه للروح القدس القوي. فمن آمن بيسوع تبرر. ولك الحق أن تدخل إلى شعب الله فوراً، إن قبلت يسوع والتصقت به. وليس أحلى في السماء والأرض من اسم يسوع، الذي يؤكد لك أن الله شخصياً يعينك.

ما هو العون الذي يجلبه يسوع لشعبه؟ الخلاص من خطايانا. فمن اعترف وأقرَّ بخطاه، وندم على كل أعماله النجسة، يدرك الأعجوبة الكبرى أن يسوع هو حمل الله الذي يرفع خطايانا ويمحوها. وهو على كل شيء قدير، لأنه يجلس اليوم في المجد مع أبيه. واستطاع في أبديته أن يحقق فداءه فينا، ويسكب في المؤمنين من روحه. فنصبح خليقة جديدة. يسوع هو المخلص الوحيد. ولا عون في البشر إلا فيه. وقد غفر ذنوبك، ويقدر أن يخلّصك إلى التمام، لأنه حي في كل حين.

ولم يستطيع أحد من الشياطين والبشر أن يمنع ابن الله من تحقيق الفداء على الصليب. ولا روح شرير يخطفنا من يده القوية. أن تخطيطات الله مستمرة، وابنه يخلّص كل المستعدين للتوبة، ويضمّهم إلى قطيع أبيه في حظيرته. وإننا نشهد بصدق نبوة الملاك، لأن شعب الله نما في الألفي سنة الماضية كثيراً، وما زال نامياً. فهل أنت مفدي؟ وهل ملأ فرح الفداء قلبك وغيَّر ذهنك؟ فاذهب وادع اخوتك وأخواتك وكل من تعرف ليساهموا في خلاص يسوع، لأنه مستعد ليخلّص كل من يؤمن به، وليس لقدرته نهاية.

1: 22 وَهٰذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ ٱلرَّبِّ بِٱلنَّبِيِّ: 23 هُوَذَا ٱلْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْناً، وَيَدْعُونَ ٱسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ (ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللّٰهُ مَعَنَا).

شهد الملاك ليوسف بحقيقة حبل مريم من الروح القدس، ودلَّه أيضاً على النبوة القديمة التي تكلم بها الرب قبل 700 سنة للنبي إشعياء (7: 14 ، 9: 6). ليعرف يوسف أن هذه الأعجوبة لا تتم صدفة، لأنها معدَّة من الله منذ زمن طويل. وهي هدف كل مقاصده الخلاصية، وقمة تاريخ شعب اليهود.

الموعود كان ابناً مولوداً من عذراء، التي هي بنفس الوقت امرأة. فبواسطته يقترب الله من البشر. واسمه «عمانوئيل» باللغة العبرانية معناه: (الله معنا). فاسم يسوع يعني حضور الله مع البشر. منذ دخول الخطية إلى العالم انفصل الخالق عن خلائقه. انه متعال وقدوس. واضطر لجلاله وعدله أن يحكم على كل خاطيء، ويبيده فوراً.

لا دين ولا شعب له الحق أن يقول: الله معنا، إلا من يقبلون المسيح، ففي شخصه حضر الله وعمل. وكل من التصق به نال الروح القدس، الدافع كل المؤمنين إلى الطهارة والصدق والخدمة. لا يستطيع إنسان القول «الله معنا» إلا الذي يسلك مستقيماً بروحه، ويختبر حلول جوهر الله فيه.

وكل من ينظر إلى اجتهادات الأديان، ويفكر في صلوات الملايين، ويذكر اشتياق البشر إلى الله، يتعجب من الرسالة البسيطة المتضمنة في اسم يسوع: الله معنا. فليس حفظ الشرائع، ولا ترتيلات الطقوس تفيدنا، لأن الله جاء إلينا بفرط نعمته، ساكباً النعمة علينا حسب مسرته. إننا لا نستحق حضوره إلينا، لكنه حضر بعزم وإرادة في طفل المذود.

الصلاة: نسجد لك أيها الله القدوس، لأنك المحبة. لا تحتقرنا ولا تهلكنا بل ترحمنا. وقد جئت إلينا متواضعاً، وقبلت جسد الخطية، واحتملتنا، وطهَّرتنا من كل إثم، واشتريتنا خاصة لك. أنت الأمين، ولا تتركنا. ساعدنا لنمكث معك إلى الأبد.

السؤال: 11 - ما معنى اسم «عمانوئيل» ولماذا يستحق المسيح هذا الاسم؟

1: 24 فَلَمَّا ٱسْتَيْقَظَ يُوسُفُ مِنَ ٱلنَّوْمِ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاكُ ٱلرَّبِّ، وَأَخَذَ ٱمْرَأَتَهُ. 25 وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ٱبْنَهَا ٱلْبِكْرَ. وَدَعَا ٱسْمَهُ يَسُوعَ.

آمن يوسف بكلمات الملاك، ولم يتأخر أن يأخذ عروسه المحبوبة إليه، متجنباً عمداً شكوك عقله، ومتكلاً على الوحي الإلهي فقط. وبهذه الخطوة الإيمانية، أصبح مستحقاً ليدخل في سلسلة أبطال الإيمان المثاليين.

وبعد إعلان الملاك، جعل ينظر إلى عروسه بعين الاعتبار، لأنه أدرك أنها مختارة من الله. ولم تتكلم مريم عن الوحي الموهوب لها وحالتها الغريبة، إنما صلَّت وآمنت ووثقت بالله المسئول عنها، فقبلها يوسف بكل احترام ولم يلمسها حتى ولدت ابن الله الممتليء نعمة.

وكتب متى بجملة معترضة، أن يسوع وُلد. فأعظم حادث في تاريخ البشر، لم يلحظه الجمهور، كأنه أمر غير ذي بال، وبلا ضجة أو دعاية. لقد وُلد في اسطبل، واستترت كل قوى وصفات الله في هذا المرتقب منذ الأجيال. وتهللت جميع الملائكة، لأن الخالق والخلق اتحدا، وكل الأبالسة صرَّت على أسنانها، لأنه قد أتى المنتصر، الذي يأخذ الغنيمة من أفواهها ويدينها.

ورأى يوسف في ولادة الابن البكر إتمام وعد الملاك. وأطلق على المولود اسم يسوع، وذلك بخلاف تقاليد عائلته. إنه كان مطيعاً لأمر الله.

وبولادة يسوع ابتدأ عصر جديد. لم يرزح العالم منذ ذلك التاريخ تحت كابوس الناموس والدينونة المقبلة وغضب الله. كلا فإن عصر النعمة قد ابتدأ، وقد أتى الله إلى البشر، ليخلّصهم ويقدسهم، بلا عمل الإنسان وطاقته واستحقاقه، ففاضت النعمة علينا. هل أدركت أنه منذ إتيان يسوع، أُلغيت كل الفرائض التي تنادي بها أديان العالم، مع شروطها وطقوسها وأحكامها وشرائعها، لأن الله أتى بعونه مجاناً إلى البشر.

الصلاة: نعظمك، ونحمدك أيها الآب والابن والروح القدس، لأجل الفداء العظيم الذي أوجدته. ونسجد لك ولابنك في روح محبتك. ونتهلل لأنك أتيت إلينا نحن البشر. افتح أعين كل الناس في محيطنا، ليدركوا نعمتك، ولطفك ورأفتك، وحنانك وحضورك في الإنسان يسوع المسيح ربنا.

السؤال: 12 - كيف أصبح يوسف أحد أبطال الإيمان؟

ج - سجود المجوس (2: 1-11)

2: 1 وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ ٱلْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ ٱلْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ 2 قَائِلِينَ: أَيْنَ هُوَ ٱلْمَوْلُودُ مَلِكُ ٱلْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي ٱلْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ.

منذ سَبْي اليهود إلى بلاد الرافدين وصلت معرفة الإله الوحيد إلى شعوب المشرق، وكذلك النبوة عن إرسال ابن داود ليجعل في العالم سلاماً. وما نَسِيَتْ تلك الشعوب شخصية دانيال النبي الموهوب، الذي خدم سنين طويلة تحت حكم نبوخذ نصر. وكان له تأثير ملموس على مصير الأمة.

وربما تعلَّم بعض اليهود في المدرسة الفلكية قرب بابل أسرار الكون على يد الكلدانيين. وكانوا يراقبون كيف ابتدأ زحل يقترب من المشترى. وقد ظهرا في 29 مايو سنة 7 ق.م كنجمة واحدة كبيرة في برج الحوت. وبما أن هؤلاء الفلكيين اعتقدوا أن هذا البرج دلالة على البلاد المتوسطة، وزحل هو رمز لحماية اليهود، والمشترى نجم الملوك، ولهذا اهتموا معتقدين أنه في تلك اللحظة، قد وُلد المسيح ملك اليهود ورب العالمين.

واستطاع الفلكيون الحساب مسبَّقاً، أن هذين الكوكبين اللذين هما أكبر كواكب مجموعتنا الشمسية، سيلتقيان مرتين أخريين في نفس تلك السنة، فيظهران نجمة مشعة. وتكلموا كثيراً عن هذا الحادث الفريد في نوعه، وقرروا إرسال بعثة من مدرستهم الفلكية إلى أورشليم، لتكون حاضرة هنالك زمن التقاء الكوكبين ثانية في 3 (اكتوبر) تشرين الأول. ويبقوا أيضاً إلى وقت الالتقاء الثالث في 3 كانون الأول (يناير) سنة 7 ق.م. فيفتشوا ويراقبوا الموضع والكيفية التي يُولد بها ملك اليهود. والمسافرون هؤلاء لم يتخوفوا من شدة السفر في حر الصيف. فانطلقوا من الفرات إلى سوريا، محاذين العاصي والليطاني جنوباً إلى أن وصلوا للأردن. وبعد ذلك تسلَّقوا قمة الصحراء اليهودية حيث تتوج أورشليم رؤوس الجبال، ليشاهدوا الملك الذي سيغيّر العوالم.

2: 3 فَلَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ ٱلْمَلِكُ ٱضْطَرَبَ وَجَمِيعُ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ. 4 فَجَمَعَ كُلَّ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَكَتَبَةِ ٱلشَّعْبِ، وَسَأَلَهُمْ: أَيْنَ يُولَدُ ٱلْمَسِيحُ؟

عندما وصلت قافلة المجوس إلى أورشليم، كان يحكمها طاغية اسمه هيرودس الكبير، كان أدومياً من سبط عيسو الخشن الصياد البري. وقد فتح هيرودس بمساعدة الرومان مدينة أورشليم، وسفك دماء كثيرة، فقد كان قاتلاً ماكراً زانياً مجرماً قتل ابنه وامرأته ليتأكد من إزالة كل طامع بعرشه.

إلى هذا الملك الشرير جاء المجوس من الشرق يسألون «أين هو المولود ملك اليهود؟ لدينا برهان أنه وُلد حديثاً، لأن زحل والمشترى اتحدا في برج الحوت. وقد رأينا هذا الالتقاء في المشرق بوضوح». وسقط هذا الخبر كصاعقة في قصر الملك وهزَّ العاصمة كلها. فخاف السكان من التفتيش في البيوت والضغوط على النفوس، وأن الملك سيسفك الدماء الكثيرة ليثبّت عرشه.

أدرك هيرودس الماكر فوراً معنى هذا الاعلان الغريب، فاستعد للكفاح ضد الله ورسوله، وأمر بانعقاد المجلس اليهودي الأعلى في قصره

وقد تألف هذا المجلس من 71 عضواً هم رؤساء الكهنة، وكتبة وشيوخ. وهم المسؤولون عن القرارات الشرعية والاجتهادات الدينية والمحاكمات النهائية. وكانوا جميعاً يعلمون التوراة بكل تفاصيلها، وخاصة النبوات المختصة بالمسيح. فراجع وجهاء الشعب كل النبوات التي في رؤوسهم، ليتأكدوا ماذا قالت التوراة عن المسيح الموعود. فخير لنا إن تعمقنا بهذه الوعود مصلّين، لندرك عظمته الفائقة.

1-نبوة إشعياء 9: 2 «اَلشَّعْبُ ٱلسَّالِكُ فِي ٱلظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُوراً عَظِيماً. ٱلْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلالِ ٱلْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ».

هذه الكلمات الإلهية، هدفها بالدرجة الأولى إعلان مجيء المسيح. وقيامه في منطقة الجليل وحول بحيرة طبرية. فالساكنون هنالك كانوا محتقرين من اليهود، لأن الأشوريين أتوا بشعوب وثنية أسكنوها في مناطق إسرائيل الشمالية. فاختلط الشعب في تلك التخوم ديناً وقومية. وقد رحم الله آل ابراهيم المتبددين، فأعطاهم الوعد العظيم بإشراق النور، كما تحقق في إتيان يسوع. ولم توجد بلاد في العالم كله ظهر فيها مجد ابن الله واضحاً كما ظهر في منطقة الجليل، ومدينة كفر ناحوم، والتخوم التي حول بحيرة طبرية. هنالك صنع يسوع أكثر عجائبه، وألقى أهم خطبة، فأشرق نور العالم وسط الظلمة الدامسة.

ومن يقرأ تفسير هذه النبوة في إشعياء 9: 1-5 . يرى أن خلاص الله يتضمن ثلاث صفات مبدئية: الفرح والحرية والسلام. فالفرح بمجيء المسيح يشبه فرح الحاصد الذي يحصد كثيراً. فيسوع أتى ليخلّص كل الناس، وإنه فرح عظيم في السماء بخاطيء واحد يتوب أكثر من 99 باراً لا يحتاجون إلى التوبة.

وتحرير المسيح ليس بوسائل سياسية، بل يتحقق في صميم القلب. لأن المخلّص يحرر ضمائرنا من ثقل الإثم، حتى لا يوبّخنا الصوت المُبَكِّت، بل نتحرر من شكاوى ذنوبنا وسُلطة خطايانا. فخلاص المسيح يخلّصنا حقاً، ويعمل عمله إن استسلمت له كلياً.

وسلام الله الذي يفوق كل العقل يحل في قلب الإنسان الذي يقبل غفران المسيح. وعندئذ لا يقدر الموت ولا الحرب ولا الضيق ولا اليأس أن يزعزع الانسان الثابت في المسيح، لأن سلام الله يتمركز في قلب التابع للمسيح، وهو سلامنا.

إن دنيانا ظالمة، والظلمة تزداد كطوفان، إنما نور المسيح يبدد كل أنواع الظلمات. حتى الموت يصبح مضيئاً إن أناره رئيس الحياة. فهل تتبع شعباً سالكاً في الظلمة؟ ارفع عينيك وانظر المسيح النور العظيم الذي يشرق عليكم، ونوره لا يزول.

2-نبوة إشعياء 9: 6 «لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ٱبْناً، وَتَكُونُ ٱلرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى ٱسْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلٰهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ ٱلسَّلامِ. 7 لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلامِ لا نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِٱلْحَقِّ وَٱلْبِرِّ، مِنَ ٱلآنَ إِلَى ٱلأَبَدِ».

أنبأ النبي النبيل إشعياء شعبه في سنة 700 ق.م أن سيُولد بينهم ولد من قِبَل الله، يكون حاكماً لا مثيل له بسلطان إلهي. فلنتأمل صفات هذا السلطان لندرك من هو طفل المذود. إن اسمه يُدعى:

  1. عجيباً، مشيراً: فيعرف يسوع سبب كل الضيقات وهي خطايانا. فكل كارثة في العالم وحروب وجوع ومرض وانتقام وموت يأتي من ابتعادنا عن الله. ولكن المسيح لم يعلن الحقيقة عن قلوبنا وحالة الدنيا فقط، بل عزم أيضاً على فداء دنيانا الشريرة. فخطة خلاص الله هي المشورة العجيبة التي قدمها المسيح للعالم، وتشمل سيرته من المذود إلى الصليب، ومن القبر إلى الصعود، حتى مجيئه الثاني المجيد لإحلال السلام في العالم. وكل هذا يحمل خطة خلاص الله بيسوع.

  2. إلهاً قديراً: فالمسيح ليس إنساناً ضعيفاً بل هو إله قدير، فله القوة لتنفيذ خطة خلاص الله. وكان أقوى من الشيطان، وما سقط في خطية، ولم يبغض أعداءه، وآمن بالله كل قلبه، حتى لمَّا حجب وجهه عنه، وهكذا أنهى يسوع غضب الله، حاملاً الدينونة عوضاً عنا، غالباً الموت. وأرسل روح الله إلى قلوبنا، لكيلا نموت، بل نحيا معه في كل حين. فالمسيح هو المنتصر، ويكمل انتصاره يومياً في الذين يؤمنون به.

  3. أباً أبدياً: أعلن لنا الكتاب المقدس أن المسيح والله واحد. فالابن مساو للآب، ويحمل اسمه الأبوي. وليس القدوس بعيداً عنا، ولا يعلن ذاته كإله مهلك،بل ظهر في يسوع كأب حنون، حتى المسيح قال « الذي رآني فقد رأى الآب. آمنوا بي أني أنا في الآب، والآب فيَّ».

  4. رئيس السلام: ليس ليسوع هدف آخر غير أن يثبّت سلام الله على الأرض وفي قلوبنا. وقصده أن يجعلنا أولاد السلام، لنكون صانعي السلام في محيطنا، نُفَضِّل احتمال الظلم من أن نظلم غيرنا. وهذا هو الطريق الوحيد للسلام في دنيانا. إننا بحاجة ماسة إلى أناس مولودين ثانية ينكرون أنفسهم ليتجلى المسيح فيهم. هكذا ينمو ملكوت السلام في محيطنا.

    وليس أحد يقدر أن يمنع مجيء هذه المملكة الإلهية. وسنرى مجده بأعيننا. فهل تنتظره معنا؟

3-نبوة إشعياء 60 «1 قُومِي ٱسْتَنِيرِي لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نُورُكِ وَمَجْدُ ٱلرَّبِّ أَشْرَقَ عَلَيْكِ. 2 لأَنَّهُ هَا هِيَ ٱلظُّلْمَةُ تُغَطِّي ٱلأَرْضَ وَٱلظَّلامُ ٱلدَّامِسُ ٱلأُمَمَ. أَمَّا عَلَيْكِ فَيُشْرِقُ ٱلرَّبُّ، وَمَجْدُهُ عَلَيْكِ يُرَى. 3 فَتَسِيرُ ٱلأُمَمُ فِي نُورِكِ، وَٱلْمُلُوكُ فِي ضِيَاءِ إِشْرَاقِكِ».

لمَّا كان اليهود في بابل أيام سبْيِهِم، ضغط التشاؤم عليهم كليل دامس، وأزال كل رجائهم. عندئذ أعلن الروح القدس لهم نبوة قوية وفتح أعينهم لمجيء المسيح المخلّص.

واليوم تأتي هذه النبوة ببشارة خاصة لك: قُمْ من سُباتك في الذنوب، تقدم إلى نور الله. هو آت إليك اليوم يشاء إنارتك ويغيّرك لتصبح نوراً فيه. لست قادراً أن تغيّر حياتك بذاتك لتصبح نوراً فيه. أنت عبد لخطاياك. فانظر إلى يسوع، تدرك مجد الله في وجهه.

الصلاة: يا ربي العظيم القدوس، أنا الغير مستحق أن ألتقي بك. لا تنسني ولا تَعْبُر عني. أنا جالس في الظلمات. إليك أنظر وبك أؤمن. اقبلني وخلّصني، وقدّسني، لكيلا تبقى شبه ظلمة فيَّ، فأستطيع أن أشع بنورك بين أصدقائي. أنت مجدي وغايتي ورجائي.

السؤال: 13 - كيف نستنير عملياً؟

2: 5 فَقَالُوا لَهُ: فِي بَيْتِ لَحْمِ ٱلْيَهُودِيَّةِ، لأَنَّهُ هٰكَذَا مَكْتُوبٌ بِٱلنَّبِيِّ: 6 وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ ٱلصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ

سمع هيرودس الملك الفتوى الشرعية عن مكان ولادة المسيح وعمله في المستقبل.

وكان كل يهودي يعلم أن المسيح سوف يُولد في منطقة اليهودية، في بيت لحم مدينة داود، فمنح الرب للملك داود قبل ألف سنة الوعد الفريد، أن أحد أبنائه سيعيش إلى الأبد، لأن الله أبوه الحقيقي، فيملك بدون نهاية. وأثبت النبي ميخا هذه النبوة الأولى بواسطة إعلان إلهي جديد، أبرز فيها أبدية المسيح، الذي أتى من الأزل، ويكون إلى الأبد. فلن تنتهي قدرته للمُلك، وليس لمملكته السماوية نهاية.

وللعجب فرؤساء الكهنة والكتبة صمتوا عن الجزء الأخير من النبوة أمام هيرودس، لأنهم حصروا الرجاء على أنه سيحررهم من نير الرومان وظلم هيرودس. فقالوا: نعم سيولد ملك يُوَحِّد أسباط إسرائيل المنقسمة، ويملكها كما يملك العلي.

وكانت بيت لحم قرية صغيرة بين التلال، وليست خصبة كثيراً، لأن الحجر الكلسي الموجود في أسفل التربة لا يمسك الماء، فلهذا يكون التراب فوقه ناشفاً. ورغم ذلك فقد سمَّى الله هذه القرية (التي معنى اسمها بيت الخبز) أفراته ومعناها «الخصبة»، لأن منها تشبع كل الشعوب، إذ المسيح هو خبز الحياة. ومن يأت إليه لا يجوع، ومن يؤمن به لا يعطش إلى الأبد.

هل شبعت من خبز الله؟ هل يسكن الرب فيك، ويكون قلبك مذوداً له؟

الصلاة: نشكرك أيها الرب يسوع المسيح لأنك تُشبع جوعنا إلى الحياة الحقة وعطشنا إلى البر. قد أعلنت لنا جوهر الله، فنحبك ونشكرك ونلتمس منك ثباتنا في حياتك الأبدية. أنعشنا لنسبحك معاً ونعظّمك إلى الأبد.

السؤال: 14 - ما هي الأفكار الهامة في نبوة ميخا؟

2: 7 حِينَئِذٍ دَعَا هِيرُودُسُ ٱلْمَجُوسَ سِرّاً، وَتَحَقَّقَ مِنْهُمْ زَمَانَ ٱلنَّجْمِ ٱلَّذِي ظَهَرَ. 8 ثُمَّ أَرْسَلَهُمْ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ وَقَالَ: ٱذْهَبُوا وَٱفْحَصُوا بِٱلتَّدْقِيقِ عَنِ ٱلصَّبِيِّ، وَمَتَى وَجَدْتُمُوهُ فَأَخْبِرُونِي، لِكَيْ آتِيَ أَنَا أَيْضاً وَأَسْجُدَ لَهُ. 9 فَلَمَّا سَمِعُوا مِنَ ٱلْمَلِكِ ذَهَبُوا. وَإِذَا ٱلنَّجْمُ ٱلَّذِي رَأَوْهُ فِي ٱلْمَشْرِقِ يَتَقَدَّمُهُمْ حَتَّى جَاءَ وَوَقَفَ فَوْقُ، حَيْثُ كَانَ ٱلصَّبِيُّ. 10 فَلَمَّا رَأَوُا ٱلنَّجْمَ فَرِحُوا فَرَحاً عَظِيماً جِدّا.

أغلق الملك هيرودس والمجمع اليهودي الأعلى قلوبهم لدعوة النبوة، ولم يتوبوا من خطاياهم، وما آمنوا بكلمات المجوس. فالملك استفهم بدقة عن كيفية ظهور النجم، وأرسل المجوس بخدعة إلى بيت لحم، ليكشفوا من هو الطفل الملوكي بين أطفال البلدة الكثيرين، قاصداً أن يقتله، وتظاهر أمام المجوس أنه يتبعهم ويسجد للطفل الإلهي. والأغلب أن ليس هو ولا الكتبة ولا أحد من أهل أورشليم آمن بقصة المجوس، بل اعتبروا أقوالهم أسطورة، مستهزئين بعلماء المشرق. ولم يصدق رؤساء الكهنة أن الله يرسل المسيح دون أن يعطيهم عنه خبراً، لأنهم ظنوا أنهم أتقياء أبرار، واعتبروا الأمم نجسين. فالفكر أن الله يعلن أسراره للغرباء كان مضاداً لشعورهم الداخلي.

وبينما أغلق رؤساء اليهود قلوبهم عن المسيح في أول وهلة، أدرك المجوس في اليوم الرابع من كانون الأول (ديسمبر) سنة 7 ق.م، للمرة الثالثة التقاء الكوكبين الكبيرين، زحل والمشترى. وللعجب، هذه المرة كان التقاؤهما في الجهة الجنوبية وليس شرقاً. فكانا سائرين قبلاً من الشرق غرباً. ولكنهما بعدئذ يمما وجهيهما شطر بيت لحم، التي تقع جنوب أورشليم على بعد سبعة كيلو مترات عنها. وهكذا كان النجم سائراً أمامهم، كما بدا لهم ظاهرياً.

ولم يمتنع الله من أن يعطي للمؤمنين من الأمم علامة، فما كانوا كتبة وما عرفوا التوراة، ورغم ذلك فقد سافروا بمشقة ليروا ملك الملوك ويتباركوا به. فامتلأت نفوسهم بفرح عظيم جداً، لمَّا رأوا للمرة الثالثة، العلامة الإلهية في السماء. وحتى اليوم فإن الفرح الأعظم يملأ كل الذين يطلبون يسوع من كل قلوبهم باحثين عنه. فسيجدونه ويسعدون به.

وفي أيامنا هذه ينبغي أن ندرك أن الرب يمنح لبعض الغير مسيحيين أحلاماً ورؤى ليجذبهم إلى المسيح وكلماته وكنيسته. بينما كثير من المسيحيين المثقفين، لا يؤمنون بولادة يسوع من الله، ويستهزئون بقيامته، فيفقدون الكنز الأزلي المستودع بين أيديهم. فأي الفرقتين تتبع؟ أتطلب يسوع من كل قلبك، وليس لك هدف غيره؟ أهو كنزك، أو تتمنى هدايا دنيوية؟ دع الكل واطلب يسوع ونوره، لأنه الرجاء الوحيد لعالمنا القلق. وقد وُلد لأجلك. فالمسيح هو هديتك العظمى. هل تهدي نفسك له بلا قيد ولا شرط؟

الصلاة: نحبك أيها الرب يسوع، لأنك أصبحت إنساناً، وجعلتنا أولاد الله. ونحن بالحقيقة فاسدون. أنت مخلّصنا وراعينا، وخبزنا ونورنا، وقوتنا وملكنا. ونحن نقدم لك حياتنا هدية، لتؤهلنا فنكون حمداً لنعمتك العظيمة.

السؤال: 15 - لماذا امتلأ المجوس بفرح عظيم جداً؟

2: 11 وَأَتَوْا إِلَى ٱلْبَيْتِ، وَرَأَوُا ٱلصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ، فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ، ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَباً وَلُبَاناً وَمُرّاً

لمَّا وصل المجوس بهُدى النجم إلى بيت لحم سألوا أهل القرية عن الطفل المولود جديداً، من عائلة داود. عندئذ تذكَّر بعضهم قصة الرعاة الذين قالوا قبل بضعة أشهر إن الملائكة ظهرت لهم، وكانت ترتل فوق تلال بيت لحم، معلنة أن الطفل في المذود هو الرب بالذات، مخلّصاً ومسيحاً فريداً. فلم يؤمن أهل القرية برواية الرعاة، وظنوهم متخيّلين، واستهزأوا بهم، كما أن رؤساء الكهنة والملك في أورشليم لم يؤمنوا برمز التقاء الكوكبين ومعانيه الهامة.

وكان يوسف بعد انفضاض الجمهور من الاكتتاب، قد استأجر بيتاً. وها هم المجوس الذين كانوا متيقنين من برهان الله، قد فتَّشوا وبحثوا، حتى وجدوا الطفل وأمه في بيتهم المستأجر حديثاً. وهناك اعترف علماء الشرق بإيمانهم، وسجدوا للذين آمنوا به. فكلمة «السجود» تعني تسليم النفس، واستسلام القلب وخضوعه، كما كان العبيد يقتربون من سلاطينهم بواسطة زحفهم على أطرافهم سُجَّداً، واضعين جباههم على الأرض، كأنهم قائلون «ضع رجلك على رأسي. أنا خاصتك. فاعمل بي ما شئت. أنا تحت تصرفك». فسجود المجوس يعني أن الأمم أدركوا أن يسوع هو رب العالمين، واستسلموا له. بينما وقف اليهود جانباً صامتين. فأبرز البشير متى من بداية انجيله أن البركة الموعودة لإبراهيم ونسله تفيض لكل الشعوب المؤمنة بيسوع المسيح ابن الله.

وكل من يرتبط برب الأرباب هذا مؤمناً، يختبر أن السجود للمسيح ليس عملاً صادراً من الإنسان فقط، فان رب المحبة تجري منه أنهر اللطف والإحسان والقوة والغفران والسلام، في قلب المستسلم. وقد جاء المجوس بهدايا إلى الطفل. وبالحقيقة فانهم هم المهْدَى إليهم، لأن الله أهداهم ابنه. وعطايانا ليست إلا شكراً للعطية العظمى، التي منحنا الله إياها، ألا وهي نفسه.

وشكر المجوس بتقديمهم تلك الأنواع الثلاثة، فسَّرها آباء الكنيسة بالاستحقاقات البارزة في المسيح. فالذهب يخص الملك، رمزاً لمجده وسلطانه. والمرّ يدل على آلام المسيح وموته على الصليب حَمَلاً لله عوضاً عنَّا. واللبان يرمز إلى صلوات القديسين المرتفعة إلى الله. فبهذه الهدايا شهدت الأمم أن يسوع هو ملك ورئيس الكهنة، ومن الطبيعة الإلهية. بينما أهل أورشليم وبيت لحم لم يدركوا شيئاً من حلول الله في الجسد.

فهل أنت من الذين حصلوا على عين مُبصرة؟ أتسجد ليسوع ربك وإلهك، وتهديه قلبك ومالك ووقتك طوعاً؟ لقد وُلد المسيح. ودخل خلاصه إلى دنيانا الشريرة. ومن يحبه يتحد معه، وتحل فيه قوة روحه القدوس. فهل أنت حقاً مع الساجدين ليسوع، أو مازلت واقفاً على الحياد؟

الصلاة: نسجد لك أيها الابن الإلهي القدوس لأنك أتيت لخلاصنا. أنت تحب كل إنسان، وتحبني أيضاً. أعترف بذنوبي أمامك. اقبلني وخلّصني، وطهِّرني وقدِّسني، لأستحق أن أقدم ذاتي لك. لست مستحقاً أن أُدعى لك ابناً. لكنك تسرع إليَّ، وترفعني وتقبلني، وتمنحني ثوب برِّك، وتدخلني إلى فرح الله. أنت ربي وإلهي. أنا خاصتك، فاجعل حياتي حمداً لنعمتك المجيدة. آمين.

السؤال: 16 - ماذا يعني السجود؟

د - محاولة هيرودس قتل يسوع (2: 13-23)

2: 12 ثُمَّ إِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِمْ فِي حُلْمٍ أَنْ لا يَرْجِعُوا إِلَى هِيرُودُسَ، ٱنْصَرَفُوا فِي طَرِيقٍ أُخْرَى إِلَى كُورَتِهِمْ. 13 وَبَعْدَمَا ٱنْصَرَفُوا، إِذَا مَلاكُ ٱلرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: قُمْ وَخُذِ ٱلصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَٱهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ ٱلصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ. 14 فَقَامَ وَأَخَذَ ٱلصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلاً وَٱنْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ، 15 وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ ٱلرَّبِّ بِٱلنَّبِيِّ: مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ٱبْنِي.

يشاء الشيطان إهلاك المسيح ومن يتبعه. أما الله فقد حفظ الطفل المختار إلى حين إكمال خدمته على الصليب، فليس أحد يقدر أن يبطل مشيئة الله الخلاصية أو يؤخرها، لأنه يحمي رسله إلى المنتهى. وأعلن الله للمجوس الأتقياء ألا يعودوا إلى هيرودس الشرير. والأغلب أن هذا الحلم لم يحمله واحد منهم فقط، بل أوحى لبعضهم معاً بنفس الليلة، فأدركوا يد الرب عاملة. وربما لاحظوا التصرف الغريب من هيرودس والمجلس الأعلى، وشعروا بمكرهم واستهزائهم واحتقارهم. فساروا سراً في الطريق المباشر إلى وادي الأردن.

ولم يستطع يوسف أن ينام مستريحاً، لأن زيارة المجوس وهداياهم جعلته مضطرباً جداً، فصلى قبل النوم ليهديه الرب. وقد أعلن له العلي بواسطة ملاكه المجيد أنه صار على شفا الخطر المتربّص بالطفل والعائلة كلها، لأن الملك هيرودس عزم على إهلاك الملك الصغير. وعلم الله بكيد الطاغية، وسبقه فأوحى ليوسف بالنزول إلى مصر.

وأطاع يوسف المؤمن ربه للمرة الثانية أكثر من طاعته للناس وتنظيماتهم. فهبَّ بعد الحلم في منتصف الليل وأيقظ الأم، وأخذ الطفل وهربوا جميعاً وسط الظلام الدامس إلى حبرون. ومن هناك نزلوا إلى الجنوب في البرية نحو مصر. وما أخبرنا البشير متى عن مشقات الطريق، ولا إن كانوا ذهبوا مشياً أو راكبين. فشهد فقط، على أن مشورة الله لا تبطل، بل تتحقق تدريجياً بلا مانع.

بقى يسوع مع عائلته في مصر، حتى مات هيرودس سنة 4 ق.م. وهذا التعيين التاريخي يرينا للمرة الثانية أن يسوع وُلد قبل التاريخ المذكور عن ولادته في التقويم. ونحن اليوم نعلم، أن الراهب ديونيسس قد أخطأ في السنة 533م بتنظيم التقويم، بعدة سنوات. فلم يُولد المسيح سنة صفر، كما حسب الراهب. بل وُلد قبل سبع أو ثماني سنوات قبل التاريخ الميلادي.

ولكن متى أرانا حساباً أعمق من التاريخ، وهو النبوة. وكما أن شعب العهد القديم قد دُعي من الله ليغادر مصر، هكذا دعا ابنه من الغربة إلى وطنه الأصيل. فسُمِّي يسوع في هذه الآية للمرة الأولى في إنجيل متى «ابن الله». وهذه الشهادة تدل على جرأة البشير، لأن اليهود اعتبروها تجديفاً يستحق الرجم. وبنوة المسيح لله لا تعني المباهاة والتسلط، فقد كان منذ بدايته لاجئاً مرفوضاً مضطهداً من الأقوياء. واختبر في طفوليته أن اللبان يرافقه المرّ. فاهتم أبوه السماوي به قبل وقوع الضيق، وأرسل له الذهب اللازم ليستطيع العيش في الغربة.

الصلاة: نسجد لك أيها الآب لربنا يسوع المسيح، لأنه لا يوجد ملك أو زعيم يستطيع معارضتك على الدوام. وحتى النجوم تخضع لك. وأنت تعرف خفايا قلبي. أبرئني، لكيلا أكون من صفوف أعداء ابنك، بل أتبعه.

السؤال: 17 - كيف خلّص الله الطفل ووالديه من يد هيرودس؟

2: 16 حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى هِيرُودُسُ أَنَّ ٱلْمَجُوسَ سَخِرُوا بِهِ غَضِبَ جِدّاً، فَأَرْسَلَ وَقَتَلَ جَمِيعَ ٱلصِّبْيَانِ ٱلَّذِينَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ وَفِي كُلِّ تُخُومِهَا، مِنِ ٱبْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونُ، بِحَسَبِ ٱلزَّمَانِ ٱلَّذِي تَحَقَّقَهُ مِنَ ٱلْمَجُوسِ. 17 حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا ٱلنَّبِيِّ: 18 صَوْتٌ سُمِعَ فِي ٱلرَّامَةِ، نَوْحٌ وَبُكَاءٌ وَعَوِيلٌ كَثِيرٌ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلادِهَا وَلا تُرِيدُ أَنْ تَتَعَزَّى، لأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ.

فكّر هيرودس أن المجوس يخافون منه ويكرمونه ويعودون إليه، ولكنه لما رأى أنهم هربوا اغتاظ كثيراً، لأنه لم يصله الخبر من هو المسيح وأين يسكن. فحدثت عنده ردة فعل عنيفة، كما حصل ذلك مراراً. فقد علم من المجوس سابقاً أن الملك الموعود لابد أن عمره مازال أقل من سنتين، فأمر بقتل الصبيان ممن بلغوا السنتين فأقل. ما أقسى الضيق الواقع على الأولاد المذبوحين ووالديهم وأقربائهم! لكن المؤرخين لم يذكروا هذه الأحداث المريعة في بيت لحم، لأنها كانت ضئيلة بالنسبة لما كان يعمله هيرودس في عاصمته ومملكته على الدوام.

ومن الغريب أن أهل بيت لحم لم يصدقوا أخبار الرعاة والمجوس، ولم يهتموا بالطفل يسوع. وإلا لكانوا قد أتوا وسجدوا له. وإذ لم يؤمنوا رغم الشهادات البارزة، سقطت يد الله القوية عليهم بقتل أطفالهم، كما سقطت على اسرائيل دينونة إلهية من قبل. إذ بكى النبي إرميا على شعبه المسبّي، كما بكت راحيل عند موتها بسبب تعسُّر الولادة، ودُفنت في بيت لحم. ومنع الله عبده إرميا من البكاء آنذاك، لأنه أراد أن يُربّي المسبيين قاصداً إرجاعهم إلى حمايته. (إرميا31: 15 وتكوين 35: 18). فكانت دينونة الله على بيت لحم ضربة المحبة من ربهم ليرجعوا ليتوبوا، وليؤمنوا بالطفل يسوع.

2: 19 فَلَمَّا مَاتَ هِيرُودُسُ، إِذَا مَلاكُ ٱلرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي حُلْمٍ لِيُوسُفَ فِي مِصْرَ 20 قَائِلاً: قُمْ وَخُذِ ٱلصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَٱذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ ٱلصَّبِيِّ. 21 فَقَامَ وَأَخَذَ ٱلصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَجَاءَ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ.

لم يرد الله نمو يسوع في الحضارة المصرية مدة طويلة، بل أمر يوسف أثناء رؤية ثالثة في الحلم، أن يعود إلى وطنه، وليس إلى بيت لحم ولا إلى المملكة اليهودية، بل إلى منطقة إسرائيل الشمالية لتتأصَّل تربية يسوع من بدايته بمباديء العهد القديم.

وأخذت يد الله هيرودس الذي قصد إبادة الطفل المقدس. وكل الرعاة والملوك والأنبياء يموتون، أما الله فإلى الأبد يثبت. يموت الأشرار العظماء، ولا يقدرون أن يهلكوا جسد المسيح. الذي هو أتباعه في العالم. فكن مطمئناً إن وقعت في ضغط أو إهانة لأجل اسم يسوع الرب الحي.

2: 22 وَلٰكِنْ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ أَرْخِيلاوُسَ يَمْلِكُ عَلَى ٱلْيَهُودِيَّةِ عِوَضاً عَنْ هِيرُودُسَ أَبِيهِ، خَافَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى هُنَاكَ. وَإِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِ فِي حُلْمٍ، ٱنْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي ٱلْجَلِيلِ. 23 وَأَتَى وَسَكَنَ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا نَاصِرَةُ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِٱلأَنْبِيَاءِ: إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيّاً.

عندما مات هيرودس الكبير سنة 4 ق.م بأوجاع كبيرة، قرر في وصيته أن يرث كل واحد من أبنائه الثلاثة جزءاً من مملكته. فأرخيلاوس ورث أورشليم وتخومها، وانتيباس ورث الجليل وعبر الأردن الشمالي. وكان أرخيلاوس خليفة أبيه في أورشليم طاغية كوالده. مرة أمر جنده أن يذبحوا ثلاثة آلاف حاج في أزقة أورشليم دفعة واحدة. فلخشونته ووحشيته أنزله أغسطس قيصر في سنة 3 ب.م وسباه إلى فرنسا. وسلَّم القيصر منطقته إلى الوالي الروماني بيلاطس البنطي الذي حكم على المسيح بالصلب. فإذا قرأنا في نصوص العهد القديم عن هيرودس، فيقصد البشيرون عادة أنتيباس، ملك الجليل والأردن الجنوبي.

ولا شك أن يوسف فزع لمَّا سمع عن خشونة أرخيلاوس في أورشليم، وتساءل: هل كان أمر الله بالرجوع إلى الوطن خطأ؟ لكن رجل الإيمان صلَّى في قلقه، فجاوبه الرب في رؤيا رابعة وأمره أن يذهب إلى الجليل. وهناك اختار يوسف مدينة الناصرة مسكناً، لأن مريم منها، وكانا ساكنين فيها لمدة. فهذه المدينة الصغيرة الغير مذكورة في التوراة كلها، أصبحت وطن يسوع الدنيوي.

ورنَّت في أذن متى عند ذكر هذه المدينة كلمة عبرانية أخرى معناه «القضيب المفرخ» الذي يخرج من جذع يسى وينبت كغصن من أصوله (إشعياء 11: 1 ، 2). وفي هذه النبوة ذكر ملء الروح القدس الحال في يسوع، الذي هو القضيب المفرخ.

وأهم المعاني التي انتسبت لمدينة الناصرة لخَّصها بيلاطس لمَّا كتب فوق الصليب الكلمات الأربع «يسوع الناصري ملك اليهود» (يوحنا 19: 19).

الصلاة: نسجد لك أيها الآب السماوي الحنون، لأنك أرشدت يوسف أربع مرات بواسطة أحلام، وأعلنت له إرادتك، ومنحته القوة لإطاعة الإيمان المباشر. قد حميت ابنك، وهو صغير، حماية كاملة. احفظنا أيضاً، واخلق فينا طاعة الإيمان المطلق، فنتجاوب مع صوت روحك القدوس بفرح.

السؤال: 18 - ما هي الأمور الأربعة الموحاة ليوسف، وأين ذُكرت في الأناجيل؟

2 - يوحنا المعمدان يعدّ الطريق للمسيح (3: 1-4: 11)

أ - النداء للتوبة (3: 1-12)

3: 1 وَفِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ جَاءَ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانُ يَكْرِزُ فِي بَرِّيَّةِ ٱلْيَهُودِيَّةِ 2 قَائِلاً: تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ ٱقْتَرَبَ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ.

رجع يوحنا بن زكريا إلى وطنه بعد تأملاته في البرية، إذ أوحى الله إليه هناك حقائق مثيرة، وأرسله لليهود ليفلح قلوبهم، ويزرع فيهم أفكاراً جديدة. ليعد طريق المسيح المقبل.

وكان على كل من أراد الدخول إلى دين اليهود، أن يتعمَّد بالماء، حسب شريعتهم رمزاً لموت الإنسان الأممي، الذي يغرق في أمواج النهر نهائياً، ويقوم مكانه إنسان جديد متعاهد مع الله.

والمثير في معمودية يوحنا أنه لم يُجرها على الأمم النجسة، بل توجَّه بها إلى اليهود الأتقياء، فنادى في البرية المظنون أنها سكن الشيطان، والتي كان يُطرَد إليها تيس الخطية (لاويين 16: 22). فتوجَّب على أتقياء اليهود أن يدركوا بطلان خداعهم لأنفسهم، لأن كل إنسان شرير ومحتاج إلى التوبة النصوحة.

ومن الغريب أن يوحنا لم يطلب منهم قرابين ولا اجتهادات لمحو خطاياهم، بل ناداهم لانقلاب فكري وتجديد ذهني، لأن التوبة الحقيقية ليست نتيجة جهود إنسانية، ولا تبريراً للمرء بوسائل ذاتية. انما التوبة هي تغيير جذري في أعماق القلب. وكل من يطلب أعمال التوبة من الإنسان يقع في غلط، ويخدع ذاته بوهم قدرة الإنسان على إصلاح نفسه بنفسه، ويعارض روح العهد الجديد، لأن هذا الروح يجدد الإنسان أولاً، وبعدئذ يدفعه لأعمال صالحة.

غرس يوحنا في نفوس الناس المعرفة أنهم خطاة، ودعاهم للاعتراف بخطاياهم، والإقلاع عنها، وكراهيتها، ورفض الحياة القديمة، وإنكار الذات. حتى لا يعتقدوا بالتقوى الإنسانية، ولا يتكلوا على أعمالها الخاصة لتبريرهم.

لقد أعلن الله ليوحنا مجيء ملكوت السماوات، فعرف أن الله سيخلق خليقة جديدة مجاناً بنعمته، غالباً الخطايا والفساد، وأدرك أن الرب نفسه جاءنا في مسيحه ليبدّل القلوب النجسة بواسطة حلول الروح القدس فيها. ومن هنا نادى باقتراب مجيء المسيح. وهذا المجيء المتوقع صار لبَّ ندائه إلى التوبة.

لم يستطع الإنسان الرجوع إلى الله، الذي هو في ذاته التوَّاب، ويرجعنا إليه بإتيانه إلينا. فمحور رسالة يوحنا ليست الدعوة إلى التوبة، بل البُشرى المفرحة عن إتيان الله وإنشاء ملكوته على الأرض. ولهذه الغاية طلب المعمدان من كل إنسان، أن يستعد لاستقبال الرب.

الصلاة: أيها الرب، لست مستحقاً أن تدخل تحت سقف بيتي، لأن أفكاري نجسة، وأقوالي خداع، وأعمالي شريرة. لا تطرحني من قدام وجهك، وروحك القدوس لا تنزعه منِّي. اخلق فيَّ التوبة المقبولة لأدرك مجدك، وأعرف ذاتي في نورك. أنت مقياسي أنا الخاطيء. على رحمتك أتكل، وعلى نعمتك رجائي.

السؤال: 19 - ما هي التوبة المقبولة؟

3: 3 فَإِنَّ هٰذَا هُوَ ٱلَّذِي قِيلَ عَنْهُ بِإِشَعْيَاءَ ٱلنَّبِيِّ: صَوْتُ صَارِخٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ ٱلرَّبِّ. ٱصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً. 4 وَيُوحَنَّا هٰذَا كَانَ لِبَاسُهُ مِنْ وَبَرِ ٱلإِبِلِ، وَعَلَى حَقَوَيْهِ مِنْطَقَةٌ مِنْ جِلْدٍ. وَكَانَ طَعَامُهُ جَرَاداً وَعَسَلاً بَرِّيّاً. 5 حِينَئِذٍ خَرَجَ إِلَيْهِ أُورُشَلِيمُ وَكُلُّ ٱلْيَهُودِيَّةِ وَجَمِيعُ ٱلْكُورَةِ ٱلْمُحِيطَةِ بِٱلأُرْدُنِّ، 6 وَٱعْتَمَدُوا مِنْهُ فِي ٱلأُرْدُنِّ، مُعْتَرِفِينَ بِخَطَايَاهُمْ.

يشبه يوحنا ساعياً يركض في قريته المنعزلة ينادي كل الناس «الملك سيأتي ويزور قريتنا. نظفوا الطريق وجهزوا البيوت. وألبسوا اللباس الرسمي». ولمَّا اجتمع شيوخ القرية فكروا بأن الطريق من عاصمة الملك إليهم مخربة وغير صالحة. فطلبوا من المنادي أن يعود إلى ملكه ويلتمس منه أن يرسل عمالاً ليزيحوا الصخور المانعة لمجيئه، ويعدّوا الطريق لاستقباله. ومعنى ذلك، أنهم يطلبون من الملك أن يعدّ هو الطريق إليهم، لأنهم لا يقدرون على شيء.

وبطريقة روحية أعلى نادى يوحنا كل الناس، ألاَّ يغرقوا في هموم الحياة وأشغالها، بل يفكروا بالرب، ويبعدوا كل الخطايا من طريقه، مقوّمين طريقهم في المجتمع، ليصلهم مجد الله.

ولم يتكلم يوحنا فقط بل عاش طبق ما قاله، فخلع كل الملابس المريحة، وامتنع عن الغذاء الدسم، ليبرهن على أن الأكل والشرب والرفاهية ليس مهماً. إنما المهم هو علاقتنا بالله. فكيف أنت مع ربك؟ ما هي الخطايا المانعة من استجابته لك؟ أتذكر الأكاذيب البيضاء، ونقمتك على خصومك، ونجاساتك؟ فخطاياك هي التي تفصلك عن ربك. وشهاداتك المدرسية وصِيتك الجميل لن يخلّصك من الدينونة. كيف حالة ضميرك؟ أعط حساباً لخالقك.

هزَّت كلمات المعمدان أهل اليهودية، فتراكضوا إليه ليروه ويسمعوه. وهناك أحنى التائبون رؤوسهم في المياه، وخجلوا من خطاياهم، واعترفوا بأفعالهم السيئة جهراً، طالبين من الله الغفران والتطهير. وهكذا ماتوا لكبريائهم، ولم يفكروا بعد ذلك أنهم صالحون أتقياء، بل اعتبروا أنفسهم خطاة مستحقين الدينونة، طالبين من الله النعمة والرحمة. وقد اختبروا أن الشريعة لم تبررهم، لأن ضمائرهم شهدت ضدهم.

الصلاة: ربي إلهي، أنت أعلم بماضيَّ أني أنا الخاطيء أستحق دينونتك. اغفر لي خطاياي، حسب رحمتك الكثيرة. لا تطرحني من قدام وجهك، وروحك القدوس لا تنزعه منِّي.

السؤال: 20 - ما هي مباديء كرازة وحياة المعمدان؟

3: 7 فَلَمَّا رَأَى كَثِيرِينَ مِنَ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ وَٱلصَّدُّوقِيِّينَ يَأْتُونَ إِلَى مَعْمُودِيَّتِهِ، قَالَ لَهُمْ: يَا أَوْلادَ ٱلأَفَاعِي، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ ٱلْغَضَبِ ٱلآتِي؟ 8 فَٱصْنَعُوا أَثْمَاراً تَلِيقُ بِٱلتَّوْبَةِ. 9 وَلا تَفْتَكِرُوا أَنْ تَقُولُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْرَاهِيمُ أَباً. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ ٱللّٰهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هٰذِهِ ٱلْحِجَارَةِ أَوْلاداً لإِبْراهِيمَ.

في زمن يوحنا المعمدان كانت فرقة الفريسيين تضم حوالي ستة آلاف شخص .. واعتبروا أنفسهم منفصلين عن الشعب ومجهَّزين لله، لأنهم لم يتنجسوا كسائر الشعب المحتقر، بل حفظوا كل وصايا التوراة، وارتبطوا بأقوال الآباء وأحكامهم. فأرادوا أن يدبروا وينظموا أوضاع الحياة بقوانين كثيرة. وفي زمن يسوع بلغت الواجبات التي قرروها 284 واجباً، والممنوعات 365 منعاً. فاهتموا ألاَّ يتجاوزوا واحداً منها: لكي يأتي ملكوت المسيح سريعاً. واعتقدوا أن الانسان يخلّص نفسه بحفظ الناموس. ولم يفهموا أن الشريعة لا تهب الانسان قوة المحبة، بل تدين أنانيته وتكشف خطاياه كمرآة.

وحسب الصدوقيون أنفسهم صديقين أبراراً. وكانوا فريقاً من نخبة الكهنوت ووجوه الشعب. لقد انفتحوا للحياة الحديثة والأفكار اليونانية والرومانية، وحاولوا ربط هذه الأفكار بالتوراة، وأنكروا وجود الملائكة. ولم يؤمنوا بخلود النفس ولا بقيامة الأموات، واعتبروا الدينونة خيالاً، وشكّوا بتدخل الله في تاريخ البشر. ونتيجة لذلك عاش بعضهم بشعار: لنأكل ونشرب لأننا غداً نموت. وكان لهم أتباع كثيرون. كما أن كل الكهنة واللاويين خضعوا لهم في وظائفهم. وهم تعاملوا بقدر الإمكان مع الرومان، ليحافظوا على أمارتهم اليهودية التي حول الهيكل.

ولقد سمَّى المعمدان ممثلي الفرقتين «أولاد الأفاعي»! وكان كل يهودي يعلم أن الكتاب المقدس يسمّي الشيطان بالحية. فيوحنا طعن الحياة المتحررة من الناموس باعتبارها خطيةً، واعترف بغضب الله على كل رياء وخداع للنفس بحفظ الطقوس. وشهد بالدينونة على كل من يعيشون بدون الله والضمير. فليس إنسانٌ صالحاً أمام الله. «الكل زاغوا معاً. فسدوا. ليس من يعمل صلاحاً. ليس ولا واحد».

فما هي ثمار التوبة، إذ أن الانسان قد فسد حتى في نواياه، ولا يستطيع عملاً صالحاً؟ أن الثمار المطلوبة هي: أولاً: المعرفة الصادقة بهلاكنا. ثانياً: الانكسار عن استكبارنا والاعتراف بخطايانا أمام الله. ثالثاً: الطلبة المستمرة لتحل قوة الله فينا، وتقودنا إلى الحياة المقدسة. رابعاً: العزم والثبات لنعيش مع الله دائماً.

وفكر اليهود أن ابراهيم هو أبوهم، وأن الانتماء له يكفل لهم مواعيد الله وعهوده معهم، وأنه لا يندم على ما وعد به. ولكن يوحنا كسر هذا الاعتقاد الخاطيء عن الله، وسمى اليهود أولاد الشيطان. وأكثر من هذا، فانه أشار إلى الحجارة الكثيرة في البرية من حوله، وقال: إن لم تنكسر قلوبكم المتحجرة، وطلبتم من الله قلوباً جديدة روحية حنونة، فان الخالق يستطيع أن يخلق من هذه الحجارة أولاداً لنفسه، ليحقق وعده لإبراهيم.

الصلاة: أيها الله القدوس، أنت غاضب على كل خطية وظلم ونجاسة، وترفض كل رياء وخداع للنفس. ساعدني ألاَّ أكون فريسياً ولا صدوقياً، بل أنكسر أمامك وأعترف بخطاياي. واطلب منك دائماً الرحمة لتنشيء قوتك في ضعفي ثمار روحك الطاهر. أنت قاضيَّ ومخلّصي، فلا تتركني.

السؤال: 21 - من هم الفريسيون، ومن هم الصدوقيون؟

3: 10 وَٱلآنَ قَدْ وُضِعَتِ ٱلْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ ٱلشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لا تَصْنَعُ ثَمَراً جَيِّداً تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي ٱلنَّارِ.

هل رأيت حطَّاباً يقف وفي يده فأس مرتفع، ليقطع الشجرة بضربة قاطعة؟ يشبّه يوحنا كل إنسان بشجرة، والمسيح بالحطَّاب. فالشجرة التي تأتي بثمار المحبة والحق يبقيها في حديقة ملكوته، ولكن من يعيش في الأنانية ويكذب ويلعن، يسقط عليه فأس المسيح الديَّان.

أننا اليوم في خطر أن نخطيء، إذ نبشر بالنعمة والغفران المجاني على أساس حقيقة الصليب. ونهمل الحديث عن غضب الله على الخطية.

عالمنا اليوم أقرب إلى قصاص الله من نعمته، لأن الجماهير تعيش بدون ربها، مهملة نعمة المسيح. فلا تتعجب لغضب الله وضربات عدله على البشر، فانها كلها نتيجة رفضهم الصليب وقوته.

3: 11 أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلٰكِنِ ٱلَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، ٱلَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ وَنَارٍ.

علَّم يوحنا أن معموديته للتوبة ولكنها لا تغيّر حياة، فهي فقط تكشف مرض الانسان دون أن تعالجه. فترقَّب المعمدان مجيء المسيح بشوق، لأنه الممسوح بالروح القدس. وهو وحده القادر على الشفاء، وإزالة الخراب من العالم. وسيعمد كل التائبين والمنكسرين بروحه القدوس، ويملأهم بالعنصر الإلهي، ويغيّرهم إلى أناس المحبة، ويجعلهم أهلاً لملكوت الله. أما المراؤون بأقنعة التقوى والمهملون لنعمة الله، فسيسلّمهم المسيح إلى نار غضب الله الأبدية.

كان يوحنا واقفاً على عتبة العهد القديم الأخيرة، المفضية إلى العهد الجديد. وكرز بغضب الله على أساس الناموس. لكن أعظم الأنبياء هذا رأي رب النعمة مقبلاً عليه ليخلّص التائبين، ويمنح العالم الشرير حياة الله.

والروح القدوس الموعود للتائبين والمعترفين بخطاياهم، هو الله بالذات. فمن صرَّح بذنوبه أمام الله ويستعد لتركها يختبر غفران المسيح وقوته السماوية. يحل الله بذاته في هذا الخاطيء، ويجعله ابناً له.

وعرف يوحنا سموَّ المسيح فسمَّى نفسه غير مستحق لخدمته، واعتبر ذاته أصغر من عبد يحمل حذاء سيده. فالمعمدان كان متواضعاً وآتياً بثمار التوبة الحقة .. ورجا من كل قلبه حضور المسيح وحلول الروح القدس من يده على أتباعه.

3: 12 ٱلَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى ٱلْمَخْزَنِ، وَأَمَّا ٱلتِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لا تُطْفَأُ.

يوقظنا المعمدان من نومنا في الثقة الكاذبة، ويرينا الفلاح الذي في يده رفش، يذرّي حصاده مع الريح ليأخذ القشور والزوان والغبار. وأما القمح فيسقط أمام قدمي رب الحصاد. فيجمعه ويأخذه إلى مخزنه.

فماذا أنت تشبه، القمح أو القش؟ لقد ظنَّ الفريسيون والصدوقيون أنهم قمح، وباقي البشر زواناً وقشاً. ولكن العشَّار في الهيكل (الذي كان يحسب عادة قشاً) خجل أن يرفع وجهه إلى الله وتمتم «اللهم ارحمني أنا الخاطيء». فهذا التائب تبرر وحُسب قمحاً. أما الأبرار الأتقياء المتباهون، فسقطوا رغم اجتهادهم وتقواهم، بعيدين إلى الدينونة. فمن أنت؟ هل تأتي بثمر التوبة الكثيرة، وهل امتلأت من الروح القدس؟

وآخر كلمة ذكرها البشير متى من مواعظ المعمدان هي «النار». وقد تكلم ثلاث مرات عن نار غضب الله. وكل الذين يعارضون روح المسيح يسقطون إلى الجحيم. وكل من لا يتغيَّر في صميم قلبه يهلك. إن خلاص المسيح كامل وحاضر، وقوة الروح القدس تقدّس التائب. ولكن من يتظاهر بالتدين ويستمر في خطيته بلا مبالاة تحت قناع التقوى، فهو حطب للنار الأبدية، ولا رجاء له.

الصلاة: أيها الرب يسوع المسيح. أنت مخلّص العالم وقاضيه. نستغفرك لأجل إهمالنا، ونطلب إليك أن تغير بقوة روحك اللطيف أذهاننا لنأتي بثمار محبتك ولطفك وحقك. ولا نطلب لأجل خلاصنا وحده، بل لكل الضالين.

السؤال: 22 - ماذا فهم يوحنا من معمودية الروح القدس والنار؟

ب - معمودية المسيح (3: 13-15)

3: 13 حِينَئِذٍ جَاءَ يَسُوعُ مِنَ ٱلْجَلِيلِ إِلَى ٱلأُرْدُنِّ إِلَى يُوحَنَّا لِيَعْتَمِدَ مِنْهُ. 14 وَلٰكِنْ يُوحَنَّا مَنَعَهُ قَائِلاً: أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ! 15 فَقَالَ يَسُوعُ لَهُ: ٱسْمَحِ ٱلآنَ، لأَنَّهُ هٰكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرٍّ حِينَئِذٍ سَمَحَ لَهُ.

جَمع يوحنا المعمدان في وادي نهر الأردن كل التائبين من الشعب. وهم كالأرض المفلوحة لزرع الإنجيل الآتي. وهؤلاء المنكسرون في قلوبهم هم الذين اختارهم الله ليكونوا دعائم كنيسة المستقبل. فلم يبدأ تاريخ جماعة الله في الهيكل الفخم، بل في البرية الجرداء.

وفجأة أتى يسوع من الناصرة ماشياً مسافة يومين من بلده إلى يوحنا. وبدا لأول وهلة من التقائهما أن يوحنا نبي حق، لأنه عرف يسوع. فأكثرية الناس لا يعرفون يسوع ابن مريم كما هو. ولكن الذي له عين ممسوحة من الروح القدس يُدرك مُعطي هذا الروح للمؤمنين.

وقد أتى يسوع ليعتمد. أما المعمدان الذي دعا كل إنسان للمعمودية والانكسار فقد رفض أن يعمّد الناصري، لأنه أدرك جوهره واعترف بصوت عال: إن يسوع هو الإنسان الوحيد الذي لا يحتاج إلى تطهير نفسه، ولا إلى تغيير ذهنه، ولا إلى حياة جديدة، لأنه بلا خطية. فيسوع هو القدوس، والقدوس هو الله وحده. فاعترف يوحنا بألوهية يسوع.

وفي حضور المسيح أدرك المعمدان صغره، فطلب إلى يسوع أن يعمده بروحه القدوس. وهكذا انكسر المعمدان أمام ربه واستسلم له مُسَلِّماً بهذا التواضع جماعته التائبة كلها للمسيح.

وعارض المسيح أفكار المعمدان، ووضح له بعد بحث أنه لم يأت ليدين، بل أن يُدان نيابة عن كل الناس. فلذلك لم يظهر المسيح من بداية خدمته ملكاً معتدّاً أو نبياً منذراً، بل كحمل الله الوديع الرافع خطية العالم، والمستعد لحمل دينونة الله كلها.

فلم يبق يسوع متعالياً فوق الخطاة ومنعزلاً عنهم في السماء، إنما نزل إلى ماء التوبة. وندم عوضاً عنا على خطايانا. وهكذا ابتدأ يسوع من أول يوم في خدمته طريقه إلى الصليب، عالماً أنه لا يوجد سبيل آخر لتبريرنا. وأن ذبيحته تعلن بر الله تماماً، فتتم في المسيح وحده كل مطاليب بر الله.

وأتاح المسيح ليوحنا أن يشترك في إتمام مشورة الله لما قال له «هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر». وبهذه المشاركة أكرم المسيح المعمدان لأمانته إكراماً عالياً. واستخدمه معاوناً في تكميل الخدمة الإلهية. وأنت أيها القاريء مدعو من الرب أن تشترك في خلاص الله بإيمانك.

ووجدت معمودية المسيح في الأردن كمالها في الصليب، عندما مات المصلوب في طوفان غضب الله عنا، لأن الغرق في الأردن كان الدليل على الغرق في غضب الله. وأما خروجه من الماء فيشير إلى قيامته من الأموات.

الصلاة: نسجد لك يا حمَل الله القدوس لأنك حملت خطية العالم. واحتملت دينونة الله عوضاً عنا. فافتح أعيننا لمحبتك العظيمة وخلاصك، كثيرون من أصدقائنا. كما أننا لا نعرف براً آخر إلا فيك.

السؤال: 23 - لماذا تعمَّد يسوع في الأردن؟

ج - الثالوث الأقدس يعلن ذاته (3: 16، 17)

3: 16 فَلَمَّا ٱعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ ٱلْمَاءِ، وَإِذَا ٱلسَّمَاوَاتُ قَدِ ٱنْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ ٱللّٰهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِياً عَلَيْهِ، 17 وَصَوْتٌ مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ قَائِلاً: هٰذَا هُوَ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ ٱلَّذِي بِهِ سُرِرْتُ.

عندما اعترف المسيح بواسطة معموديته عوضاً عنا أنه جاء ليموت نيابة عنا في غضب الله،ويقوم لتبريرنا، ليظهر بر الله الكامل ومقاصد الخالق الحنون، عندئذ انشقت السماوات فوق وادي الأردن، وظهر مجد الله الثالوث الأقدس للعيان.

  1. انشقَّت السماوات. فمنذ سقط الإنسان إلى الخطية انغلق الطريق إلى الله. فلمَّا جاء المسيح انفتح الباب المؤدي إلى الخالق، الذي أعلن صميم جوهره. فلأجل يسوع وحده لنا قدوم إلى الله، فهو الطريق والحق والحياة.

  2. الروح القدس. الذي رفَّ في بداية الخلق على وجه المياه المظلمة، أعلن نفسه في هيئة الحمامة النورانية في زرقاء السماء، عندما هبط بهدوء على المسيح وثبت عليه. رمزاً إلى أن يسوع هو المسيح الممسوح، المعطي روح الله لكل التائبين. ففي المعمودية ظهر أن يسوع هو الذي سيعمِّد كل المؤمنين به بالروح القدس. ورأى يوحنا حلول روح الله وثباته على يسوع وشهد به شهادة واضحة.

    كان المسيح ممسوحاً منذ بدايته لا شك، لأنه وُلد من جوهر الله. ولكن أباه مسحه في بداية خدمته مرة أخرى بملئه، ليكون الإنسان يسوع ملك الملوك وكاهن الكهنة ونبي الأنبياء. ولم يظهر المسيح نفسه عظيماً في هذا الامتياز، بل نائباً عنا، وتواضع جداً حاملاً خطايانا. وبذلك تبدو محبة الله القدوسة.

  3. عاين يوحنا الروح القدس وسمع صوت الله بأذنيه. وهذه الشهادة المباشرة من فم الله إلى البشر، ممتلئة بالمعاني:

  1. سمَّى الله المسيح ابنه. فالأزلي هو الآب. وفي الابن ظهر الآب جلياً. فليس الخالق مستتراً فيما بعد، بل أعلن ذاته في ابنه. والمسيح ليس مخلوقاً، بل مولوداً، حاملاً في نفسه كل ملء اللاهوت جسدياً، بكل صفاته وقواه وأسمائه.

  2. الابن هو المحبة المتجسدة كما أن الله ليس إلا محبة. والمسيح لم يأت ليُخدَم بل ليَخدِم، ويبذل نفسه فدية عن كثيرين. وإن تعمقنا في كلمات وصلوات وأعمال يسوع أثناء سيرته الدنيوية نرى التفسير العملي لمحبة الله الظاهرة في الحبيب.

  3. سُرَّ الله بابنه لأن فيه تحققت إرادته الأصلية: أن تعود صورته الحقة إلى وجه الإنسان.

  4. والمهم لنا أن مجيء المسيح منحنا بصيرة جديدة من نحو الله. إنه الآب، وليس هو إلا محبة. فالأزلي لا يظهر ذاته قاضياً غاضباً، بل يدين ابنه لنخلص نحن. ولا يكتفي في خلاصه بتبريرنا، بل يشاء انسكاب محبته في أجسادنا بحلول روحه القدوس فينا لنُولد ثانية، ونصبح خداماً لكل الناس.

الصلاة: نسجد لك أيها الآب والابن والروح القدس، لأنك أعلنت نفسك في وادي الأردن لخلاصنا وتبريرنا وتقديسنا. لا نستحق رفع أعيننا إليك. أما أنت فنزلت بمعموديتك لمستوى خطايانا ولم تُهلكنا. فساعدنا لنتَّبعك ونلتصق بك ولا نتركك أبداً، ونتغير في شكلنا بالإيمان بك. أكمل عملك بالإيمان فينا، لنثبت أولاد الله الأحباء وأجذب كثيرين من أصدقائنا وأقربائنا إلى شركة محبتك.

السؤال: 24 - كيف أعلن الثالوث الأقدس ذاته في وادي الأردن؟

د - تجربة يسوع وانتصاره العظيم (4: 1-11)

4: 1 ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ مِنَ ٱلرُّوحِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ. 2 فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيراً. 3 فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ ٱلْمُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ: إِنْ كُنْتَ ٱبْنَ ٱللّٰهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هٰذِهِ ٱلْحِجَارَةُ خُبْزاً. 4 فَأَجَابَ: مَكْتُوبٌ: لَيْسَ بِٱلْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا ٱلإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ ٱللّٰهِ.

كانت معمودية المسيح حادثة مجيدة، لأن فيها أظهر الآب السماوي اغتباطه بابنه الحبيب. ومن الغريب أنه بعد هذا العماد أصعد الروح القدس يسوع إلى البرية للمعركة والمصارعة مع عدو الله. ليظهر قدرة ألوهيته رغم ضعف جسده.

وبقي يسوع أربعين يوماً في شركة مع أبيه وسط الصحراء المميتة، سامعاً كلماته كما كان الشأن مع موسى في السابق، لما نسي خلال الأربعين يوماً الأكل والشرب ليحصل على لوحي الشريعة. وأما يسوع فلم يأت بألواح حجرية من التقائه بالله، تأسيساً للعهد الجديد، لأنه هو بنفسه كلمة الله المتجسدة، وفيه القوة المخلّصة لأتباعه.

وأخيراً أتى إبليس للمسيح متظاهراً بالشفقة، وأثار الجوع في يسوع. وكذب كأنه محب له، وحاول أن يلقي قبل كل شيء بذور الشك في قلبه من جهة علاقته بالآب. وسأله: أأنت ابن الله؟ فجعل من الحقيقة تساؤلاً. إن الشيطان يعرف أكثر من الناس من هو المسيح، لأن جهنم ترتجف منه. لو اعترف الشيطان: إنك ابن الله، لكان مؤمناً به. لكنه شوَّه الحقيقة بقوله «إن كنتَ ابن الله، فقُل أن تصير هذه الحجارة خبزاً». وهذه الطريقة الإبليسية دائماً: أن يزرع أولاً الريب في النفوس، فيبتعد الإنسان عن مصدره ويتزعزع إيمانه.

وطلب الشرير معجزة من المسيح واثقاً بقدرته على تحويل الحجارة خبزاً. إن طريقة الشيطان في ربح العالم بالخبز لا تزال جارية لإضلال وإهلاك الجماهير. تصور لو صنع يسوع من الحجارة أطعمة لذيذة. هل يبقى لزوم للعمل والكدّ؟ لا، بل يصبح في وسع الجميع أن يشربوا من الجداول حليباً ومن الأنهر خمراً، فيتراكض العالم كله إلى المسيح، ويؤمنون به، ويسجدون له، دون أن تتغير قلوبهم، ولا يحصلون على الغفران، ويبقون تحت غضب الله ودينونته.

ورفض المسيح من بداية خدمته الحماس الجماهيري والأعمال الخيرية لإنقاذ العالم بدون الصليب. فخلاصه لا يهتم بالجسد أولاً، بل بفداء النفوس. هو قاصد غفران خطايانا وتجديد قلوبنا. وأكمل هذه الغاية على الصليب. وفي جواب يسوع على الشيطان نسمع القاعدة الإلهية لإنشاء حياتنا الروحية.

الصلاة: أيها الرب يسوع المسيح، نشكرك لأنك لم تسقط إلى فخ إبليس، ولم تصنع من الحجارة خبزاً. لم تسمع لصوته ولم تهتم بنفسك. ولم تجذب الجماهير بالأطعمة اللذيذة. بل أرشدتنا لكلمة الله الفريدة لتُشبع أنفسنا وننال حياتك الأبدية. ساعدنا لنقرأ كلمتك يومياً، ونتقوى بروحك القدوس، ونعمل إرادتك بفرح.

السؤال: 25 - لماذا لم يعمل يسوع خبزاً من الحجارة، رغم قدرته على ذلك؟

4: 5 ثُمَّ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلْمُقَدَّسَةِ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى جَنَاحِ ٱلْهَيْكَلِ، 6 وَقَالَ لَهُ: إِنْ كُنْتَ ٱبْنَ ٱللّٰهِ فَٱطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلائِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لا تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ. 7 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: مَكْتُوبٌ أَيْضاً: لا تُجَرِّبِ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ.

حينما يزور رئيس دولة بلداً حليفاً يتعاظم استقباله، ويصطف العسكر، ويقدم الطلاب زهوراً، وترتفع أعلام خفاقة، وتصدح الموسيقى، ويلبس الرسميون ألبستهم المخصصة. وتتراكض الجماهير في بعض البلدان ليتفرجوا على الاحتفالات السياسية والدينية والرياضية. فيجد الإنسان نفسه منضوياً مع الوحدة الجماهيرية.

وجرَّب الشيطان يسوع لكي يصنع رواية مدهشة عظيمة، بأن يطير مع غيوم السماء، محاطاً ومحمولاً بربوات الملائكة البراقة، فتنظره الجماهير المحتشدة ويخرّون ويسجدون له. وهكذا جرَّب إبليس يسوع أن ينفذ مجيئه الثاني قبل الأوان، وبدون أن يسفك دمه على الصليب، لأن الشيطان لا يبغض شيئاً كالصليب. وقاد المُجرِّب يسوع إلى محور الحضارة الدينية في أمته، فأوقفه على جناح الهيكل. لا تظن أيها الأخ أنك وأنت ضمن الكنيسة، تكون معصوماً من الأفكار الشريرة، لأنه في محور القداسة يُجرِّب الرجيم المستمعين إلى كلمة الله، ليحوّل أفكارهم من الله إلى الذات المتكبرة فيخطئون ويسقطون.

وتجارب إبليس، التي حاولها مع يسوع وأتباعه، هدفها اقتلاعهم من وحدتهم بالله. فأعاد المحاولة لزرع الشك في قلب يسوع قائلاً «إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل وسط الساجدين، فيلتفتون إليك ويصرخون: قد أتى مسيح الله مباشرة من السماء. وعندئذ يتبعك العالم، فلا حاجة إلى الصليب». وأضاف الخبيث العبارة الثقيلة «مكتوب» وذكر آية من الكتاب المقدس، حرَّفها عن معناها. وقد غلبه يسوع في التجربة الأولى بهذه الكلمة عينها «مكتوب» ذاكراً كلمة أبيه، ثابتاً في كلمة الله الموحاة لنا. فاستخدم الشيطان نفس الأسلوب، لكنه جعل من الحق كذباً. فانتبه! إن الشرير يعرف الكتاب المقدس ويستخدم آياته وأفكاره بالتواء.

وجاوب يسوع المُجرِّب مرة أخرى بكلمة قاطعة «مكتوب: لا تُجرِّب الرب إلهك». فهل عندك قدرة السمع في قلبك لتميز صوت الله؟ هل تعرف محبته ولطفه وطهارته وتواضعه؟ فلا تنفذ شيئاً يعارض مقاصده هذه. وإن لم تعرف ما هي مشيئة الله في أمرك فانتظر صبراً. ليَفتَح لك باباً آخر، ويوضِّح لك ماذا يُريد هو أن تعمل أنت.

الصلاة: أيها الرب يسوع نشكرك لأنك لم تطلب الأُبّهة والتظاهر، بل طريق التواضع. ونجدك عند المرضى والخطاة والمُحتَقَرِين. وقد طلبت الهالكين. علمنا الموت عن استكبارنا، لكيلا نتكبر بين أصدقائنا، بل ننكر أنفسنا ونطلب البائسين ونبارك الضالين، لننسجم مع مقاصدك الخلاصية.

السؤال: 26 - لماذا لم يرمِ المسيح نفسه من جناح الهيكل إلى أسفل؟

4: 8 ثُمَّ أَخَذَهُ أَيْضاً إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ جِدّاً، وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ ٱلْعَالَمِ وَمَجْدَهَا، 9 وَقَالَ لَهُ: أُعْطِيكَ هٰذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي. 10 حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: ٱذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ. 11 ثُمَّ تَرَكَهُ إِبْلِيسُ، وَإِذَا مَلائِكَةٌ قَدْ جَاءَتْ فَصَارَتْ تَخْدِمُهُ.

كلّنا نصلي في نهاية الصلاة الربانية «لك الملك والقوة والمجد». وبهذا السجود نسلّم أنفسنا لله.

أما الشيطان فمختلف كل الاختلاف عن هذا، فهو الروح الفخور، الذي طلب السجود لنفسه من جميع المخلوقات. وقد كذب لمَّا رسم أمام المسيح ممالك العالم كله وقدَّمها له هبة، لأن ليس له حق بما عرضه مدَّعياً تملُّكه، لأن العالم بما فيه من التقوى والمجد ملكٌ لله ومسيحه.

ولم يصدق المسيح كذب إبليس، فثبت متعلّقاً بأبيه. وما اشتاق إلى سلطة ومجد، لأنه أخلى نفسه وصورته الإلهية، وصار إنساناً حقيراً ليفدي البشر كلهم. فقد اختار طريق الفقر والاحتقار، ليبرهن أن ليس الغِنَى هو الذي يُسعد الإنسان، ولا الشهرة المالية تساعده، بل الشركة مع الله وحده.

قال مليونير مرة «لكل إنسان ثمن، ليعمل ما يضاد ضميره إذا نال مبلغاً ضخماً من المال». أما المسيح فلم يبع برَّه بالمال الخدَّاع، بل أنكر ذاته، وحمل صليبه، وثبت في القناعة وطاعة أبيه.

بهذا الموقف الإلهي غُلِبَ إبليس، وكَشَف المسيح هدفه السرِّي وجرده، مُظهراً أن الشيطان هو كذاب وسارق وقاتل، يريد أن يسجد الناس جميعهم له، وهو يجعل من ذاته إلهاً، ويجرّب البشر أن يحبوا مالهم وكتبهم وسياراتهم وأمورهم الأخرى أكثر من ربهم، فيتكلون على المخلوقات كأصنام، ولا يتكلون على الخالق وحده. وهكذا يريد الشيطان انحراف البشر عن الله والارتباط به ليصبح الشر محور الكل!

وعند ظهور هذا المبدأ، لم يستمر يسوع في بحثه مع عدو الله، بل أمره أن يمضي من أمامه. وقد كملت تجربة يسوع بطلب الشيطان منه السجود له. فانتهت الرحمة وابتدأت دينونة الله.

أبغض إبليس يسوع الذي لم يخسر نفسه من أجل الخبز والرؤيا والسُلطة، وفضَّل القناعة والذهاب إلى الصليب ليفدي البشر، فروح المسيح غلب روح الشيطان.

وعند ذلك اقتربت الملائكة من يسوع وخدمته، وسجدت له طوعاً. فلو سقط يسوع في التجربة، لزالت آخر فرصة لمصالحتنا مع الله، وحلَّت الدينونة. أما هو فثبت أميناً، فتقدم وانتصر.

الصلاة: يا ابن الله القدوس. نسجد لك ولأبيك بفرح وابتهاج. لأنك المنتصر على الشيطان. اغلبنا أيضاً، لكي نعبد القدوس دائماً في قلوبنا، ونخدمه في أيامنا، ونستسلم إليه طوعاً، ونتَّبعك في خدمتك. وساعدنا أن نفضِّل البقاء صغيرين محتقرين، من أن نشتهي المال والسُلطة الفانية، لنبني مستقبلنا على أساس صليبك واسم أبيك القدوس وحده.

السؤال: 27 - ماذا يعني طلب السجود من قِبَل الشيطان، ومن قِبَل يسوع؟

3 - بداية خدمة المسيح في الجليل (4 :12-25)

أ - المسيح يختار كفرناحوم مسكناً له (4: 7-12)

4: 12 وَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ أَنَّ يُوحَنَّا أُسْلِمَ، ٱنْصَرَفَ إِلَى ٱلْجَلِيلِ. 13 وَتَرَكَ ٱلنَّاصِرَةَ وَأَتَى فَسَكَنَ فِي كَفْرَنَاحُومَ ٱلَّتِي عِنْدَ ٱلْبَحْرِ فِي تُخُومِ زَبُولُونَ وَنَفْتَالِيمَ، 14 لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ ٱلنَّبِيِّ: 15 أَرْضُ زَبُولُونَ، وَأَرْضُ نَفْتَالِيمَ، طَرِيقُ ٱلْبَحْرِ، عَبْرُ ٱلأُرْدُنِّ، جَلِيلُ ٱلأُمَمِ- 16 ٱلشَّعْبُ ٱلْجَالِسُ فِي ظُلْمَةٍ أَبْصَرَ نُوراً عَظِيماً، وَٱلْجَالِسُونَ فِي كُورَةِ ٱلْمَوْتِ وَظِلالِهِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ. 17 مِنْ ذٰلِكَ ٱلزَّمَانِ ٱبْتَدَأَ يَسُوعُ يَكْرِزُ وَيَقُولُ تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ ٱقْتَرَبَ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ.

بعد معمودية يسوع في نهر الأردن وانتصار النور على الظلمة بتجربة المسيح في البرية، اكتملت خدمة يوحنا المعمدان، فقد عرَّف العالم بالمسيح. وبعدئذ أراد الله إكمال خادمه المعمدان بالآلام، فتركه لتآمر الشيطان، كما سلَّم أيوب من قبل، لكي يعظم انتصار الأمناء لله.

واتضح للمسيح أن أباه لم يقُدْه إلى منطقة اليهودية التي حول الهيكل، بل إلى الأرياف والجليل. وترك أيضاً يسوع الناصرة بلد صباه، ونزل إلى كفر ناحوم مركز المواصلات، فسمَّى هذه المدينة مدينته، واتخذها مركزاً لخدماته وعجائبه. ووضع البشير متى أهمية كبرى ليوضح أن كل خطوة خطاها المسيح كانت مرسومة من قبل في نبوات التوراة. فبرهن في الأصحاحات السابقة، أن بيت لحم مكان ولادة يسوع، والناصرة مسكنه في صغره، بحسب ما جاء في النبوات القديمة. وأدرك أيضاً في نبوة إشعياء 9: 1-2 أن منطقة كفر ناحوم هي المركز لأعمال يسوع حسب إرادة الله الأزلية.

إن المسيح هو نور العالم، الذي أشرقت أنوار خدماته في الجليل أولاً، ولأطول مدة في خدمته. وبما أن هذه المنطقة الجميلة بعيدة عن أورشليم وهيكلها، لم يتعمق سكانها بالتوراة والناموس والشريعة كما كان الفقهاء في العاصمة، بل كانوا ريفيين خشنين. وبعضهم كان يشتغل بالتهريب، وقطع الطريق. ففي منطقة الظلام تلك سكن يسوع. وإذ كانت كلمة زبولون مشتقة من الاسم «زبال» فهكذا نزل المسيح إلى أسفل أنواع شعبه، ليشبع الجياع إلى البر ويرفعهم إلى المستوى الإلهي.

وقد بدأ يسوع بشارته بنفس الكلمة التي قالها يوحنا المعمدان «توبوا». وهكذا ثبَّت الله خدمة ساعيه الأمين، وبرهن أن الروح القدس يشاء قبل كل شيء تغيير الفكر فينا، وترك الخطايا، لأن الخطية هي سبب كل ضيقاتنا، كما أن أجرة الخطية هي الموت. فيسوع لا يحررنا من الضيقات أولاً، بل من سبب كل الضيقات وهو الخطية، ويطلب منا الاستعداد والعزم لننفصل تماماً عن آثامنا ونبغضها ونتركها بعون الله.

وبما أن الخطية هي انفصالنا عن الخالق، فإن أمر يسوع بالتوبة يعني إرجاعنا من العزلة إلى بيت أبينا وملكوته. وهذه العودة إلى مملكة السماوات أصبحت شعار إنجيل متى. فلا يكتب البشير عن ملكوت الله، ولا عن مملكة المسيح أو الآب، بل يسميها غالباً ملكوت السماوات، لأن اليهود لم ينطقوا باسم الله إلا نادراً، لكيلا يكسروا وصية عدم نطق اسمه باطلاً.

إن السماوات تتم فيها مشيئة الله. وهي ليست فوق أو تحت، بل في كل مكان حيث تجري مشيئة الله. وفرح السماوات يحل في قلوبنا، إن سكن روح الرب فينا. وقد ظن القدماء أن السماوات فوق رؤوسنا وجهنم تحت أقدامنا، أما نحن فنعلم أن المسيح معنا كل الأيام إلى إنقضاء الدهر، فنثبت في رحابه، ونكون في السماء وسط جهنم دنيانا، كما أخبرنا يسوع «ليكن لكم فيَّ سلام. في العالم سيكون لكم ضيق. ولكن ثقوا، أنا قد غلبت العالم».

والكلمة «ملكوت» تتطلب مَلِكاً يحمل في شخصه كل حكمة وسلطان ومجد، كما قال المسيح بعد موته وقيامته «دُفع إليَّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض». وبهذه الكلمة أعلن ذاته جلياً كملك السماوات. ونفرح بالحقيقة أن الله مالك، ويملك بواسطة ابنه، وينشيء لنفسه شعباً.

وقد تم مجيء مملكة المسيح تدريجياً. أولاً جاء المُمَهِّد يوحنا المعمدان، وبعده الملك يسوع المنير لأتباعه والمطهّر شعبه على الصليب، ليستحقوا العَيْش في الشركة مع الله. وبعدئذ حلَّ روح يسوع على مؤمنيه، محققاً دخولنا إلى ملكوت الله. وأخيراً سيأتي يسوع في مجده لتعم مملكته على الأرض. فتاريخ ملكوت الله يعني تطوراً وحركة ونمواً نحو الغاية والهدف السامي. إنه قد ابتدأ، وهو الآن حاضر فينا، وسيأتي علانية. فلهذه الأسباب نسمع كلمة يسوع «توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات». فهل أنت داخل أو خارج رحابه؟ ولا تنس أن المملكة لا تعني خلاصك الشخصي فقط، بل مجموعة المولودين ثانية في كل الأزمنة، الذين يعيشون في عائلة أبيهم السماوي.

الصلاة: نعظّمك أيها الرب القدوس، لأنك كررت كلمة التوبة وإعلان ملكوتك، لكيلا نعيش بلا مبالاة، بل نقوم ونترك خطايانا، بقوة اسمك، ونمارس مشيئتك الرحيمة، مترقبين مجيئك القريب. فنطلب إليك أن تخلق فينا العزم والثبات للطهارة والقداسة، لنكرم اسمك الملكي بسلوكنا. وارشدنا لكل الذين يشتاقون للدخول إلى مملكة محبتك، لندعوهم ونجذبهم.

السؤال: 28 - لماذا كرر يسوع بشارة المعمدان: توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات؟

ب - المسيح يدعو أول أخوين للتلمذة (4: 18-22)

4: 18 وَإِذْ كَانَ يَسُوعُ مَاشِياً عِنْدَ بَحْرِ ٱلْجَلِيلِ أَبْصَرَ أَخَوَيْنِ: سِمْعَانَ ٱلَّذِي يُقَالُ لَهُ بُطْرُسُ وَأَنْدَرَاوُسَ أَخَاهُ يُلْقِيَانِ شَبَكَةً فِي ٱلْبَحْرِ، فَإِنَّهُمَا كَانَا صَيَّادَيْنِ. 19 فَقَالَ لَهُمَا: هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ ٱلنَّاسِ. 20 فَلِلْوَقْتِ تَرَكَا ٱلشِّبَاكَ وَتَبِعَاهُ. 21 ثُمَّ ٱجْتَازَ مِنْ هُنَاكَ فَرَأَى أَخَوَيْنِ آخَرَيْنِ: يَعْقُوبَ بْنَ زَبْدِي وَيُوحَنَّا أَخَاهُ، فِي ٱلسَّفِينَةِ مَعَ زَبْدِي أَبِيهِمَا يُصْلِحَانِ شِبَاكَهُمَا، فَدَعَاهُمَا. 22 فَلِلْوَقْتِ تَرَكَا ٱلسَّفِينَةَ وَأَبَاهُمَا وَتَبِعَاهُ.

عرف التلاميذ الأربعة المذكورن هنا يسوع من قبل، لأنهم لازموا المعمدان ليتخلَّصوا من عذاب ضمائرهم، واعترفوا بخطاياهم، واعتمدوا في مياه الأردن. وأثناء بقائهم حول المعمدان سمعوا نداءه، ورأوا إشارته الدالة على يسوع، أنه حمَل الله الرافع خطية العالم، وأنه أعظم من المعمدان بكثير. فتبعوه. والتقوا به واستفهموا منه من هو، والتصقوا به، ورأوا مجده في قانا الجليل.

وظهر بعدئذ أن شركة تلاميذ يسوع تبددت لمدة. فرجعوا إلى مدنهم، وقاموا بالصيد في مهنهم، ليرتزقوا لأنفسهم وعائلاتهم. إنما العلاقة بين يسوع وبينهم لم تنقطع. ولمَّا حان الوقت تقدم يسوع إليهم ودعاهم أخوين وأخوين. ولم يكونوا فلاسفة ولا لاهوتيين ولا أغنياء ولا سياسيين، بل صيادي سمك معتادين على العمل المرهق، ومجرَّبين في خطر العواصف والأمواج. وقد اتَّقوا الله في انكسارهم، وترقبوا مجيء المسيح بشوق.

فقال يسوع لهم الكلمة العظيمة «اجعلكم صيادي الناس». وهذه الجملة تُثبت أنهم غير قادرين أن يربحوا أناساً لله، بل يسوع هو الذي ربَّاهم ليكونوا مبشّرين ماهرين. والمسيح يريد أيضاً أن يجعلك من صيادي الناس. فهل أنت مستعد أن تدخل مدرسته؟

من ينظر إلى عمل صيادي السمك في البحر، يجد أساليب مختلفة لمهنتهم، فالبعض يقفون على الشاطيء ويلقون صنانيرهم إلى المياه، لكي يعض السمك على اللقمة التي في الشص، وينتظرون بصبر فائق حتى يصطادوا سمكة واحدة. وهكذا نجد في ملكوت الله خدمة الانسان للإنسان فردياً.

ونرى الخدمة المشتركة في زوارق، إذ تنطلق جماعة من الصيادين داخل البحر. ليرموا الشبكة الكبيرة إلى المياه، ويجدّفوا معاً، ويجرّوها سوياً، ليصطادوا غنيمة ضخمة. ومما لا ريب فيه أن الفرد وحده لا يقدر أن يقوم بكل هذه الأعمال، فنحتاج في الكنيسة إلى جماعات تصلّي وتخدم وتُبشّر معاً، لتربح بشركتها كثيرين ليسوع.

وبجانب هذين الأسلوبين، نجد طُرقاً أخرى لكسب الخطاة لله. فهناك صيادون لا ينتظرون طويلاً سمكة سواء أتت أم لم تأت، بل ينطلقون إلى ماء هاديء ليروا السمكة، فيرموا الشبكة تحيطها وتجرها إليهم. فهكذا علينا أحياناً ألاَّ ننتظر استعداد إنسان من نفسه ليأتي إلى الله، بل نتقدم إليه مباشرة، ونسأله عن أفكاره بيسوع، ونوجهه إلى كلمة النعمة.

وشاهدنا صيادي السمك يضعون شبكة، يتركونها ليلةً أو ليالٍ، ويرجعون بعد مدة، ويفتشون إن دخلت سمكة إليها أم لا. وهكذا توجد كنائس وجماعات تنشيء لوحة إعلانات من الكتاب المقدس في الطرق، أو يقومون بالتبشير الهاتفي لنشر كلمة الله، أو يسجلون البشارة على أسطوانات وأشرطة مقدمين للعموم ملء محبة الله. فمن يقرأ ويسمع يؤمن ويتبع المخلّص.

وتوجد بحار عميقة، حيث لا يكفي شغل الإنسان اليدوي، تصيد فيها سفن ضخمة، كمصانع هائلة. وهذه تشبه المحطات الإذاعية ودور النشر المسيحية، والجماعات المتعاونة لتوزيع المنشورات. فكلهم في سفينة واحدة يتعبون معاً ليقدموا كلمة الخلاص بأوسع طريق إلى البشر، ويصطادوا كثيراً من الجماهير ليسوع.

شاهد يسوع الرجال الأربعة وعرفهم ودعاهم، فسمعوا كلمته، ولم يتأخروا بل قاموا وتركوا رزقهم، وطلبوا يسوع وحده. فكل من دعاه يسوع ليدخل إلى خدمته طيلة عمره، لا يجوز أن يلتفت للمال أو الصحة أو الشرف، بل ينظر إلى المعلم وحده.

الصلاة: نشكرك أيها الرب يسوع، لأنك دعوت تلاميذك للخدمة، وليس للاسترخاء. أنظر إلينا أيضاً، نحن الغير مقتدرين الأشرار وشجعنا، وعلّمنا كيف نجذب أناساً إليك، لنربح كثيرين أفراداً وجماعات، في إرشاد روحك القدوس. آمين.

السؤال: 29 - ماذا تعني دعوة يسوع: أجعلكما صيادي الناس؟

ج - وصف بهي لخدمة المخلّص (4: 23-25)

4: 23 وَكَانَ يَسُوعُ يَطُوفُ كُلَّ ٱلْجَلِيلِ يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهِمْ، وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ ٱلْمَلَكُوتِ، وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضَعْفٍ فِي ٱلشَّعْبِ. 24 فَذَاعَ خَبَرُهُ فِي جَمِيعِ سُورِيَّةَ. فَأَحْضَرُوا إِلَيْهِ جَمِيعَ ٱلسُّقَمَاءِ ٱلْمُصَابِينَ بِأَمْرَاضٍ وَأَوْجَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَٱلْمَجَانِينَ وَٱلْمَصْرُوعِينَ وَٱلْمَفْلُوجِينَ، فَشَفَاهُمْ. 25 فَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ مِنَ ٱلْجَلِيلِ وَٱلْعَشْرِ ٱلْمُدُنِ وَأُورُشَلِيمَ وَٱلْيَهُودِيَّةِ وَمِنْ عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ.

ما أجمل هذه الفقرات الأخيرة، التي نعتبرها خلاصة للإنجيل كله! فنقرأ في كلمات قليلة، ماذا عمله يسوع وقاله وأين ولمن. فاقرأ النص مرة أخرى، تكسب نظرة عامة عن خدمة يسوع الخلاصية.

  1. لم يجلس المسيح على كرسي منتظراً إتيان الناس إليه، بل قام وتعب ومشى على قدميه من قرية إلى قرية، وتجوَّل في الجليل كله، جبالاً وأودية وسهولاً. فانتشرت شهرته مع الوقت، وتراكض الناس إليه من أورشليم في الجنوب، وعبر الأردن وخلف المدن العشر في الشرق، ومن سوريا شمالاً. وهكذا أصبح يسوع محوراً مغناطيسياً جذب الجماهير إليه.

  2. وقد عَلَّم في مجامع اليهود للأتقياء، وبشَّر في الطرق والأزقة والساحات للكافرين المُهملين. ويرينا البشير متى الفرق الجوهري بين التعليم والتبشير. فالتعليم هو التعمق في المعرفة بواسطة تفسير النصوص المعينة، وعرض الأفكار المنظمة حسب العقيدة، وتقديم الأسئلة والأجوبة عليها. وأما التبشير فيشبه صوت البوق لتقديم الخلاص ودعوة الله للخطاة البعيدين، ليدخلوا إلى نور النعمة. فالتعليم هو للمؤمنين تعمق في المعرفة لتحقيق المباديء في الحياة العملية. بينما التبشير هو تقديم بشرى الخلاص لغير المؤمنين. فيسوع كان معلماً ومبشراً في نفس الوقت.

  3. ومضمون تعليمه وتبشيره كان إنجيل الملكوت. فكلمة «الإنجيل» يونانية، مستعملة آنذاك في بيت القيصر الروماني، للإعلانات الرسمية، عند ولادة ولد له، أو لنشر خبر عن انتصاره على الأعداء. فهي تعني إذاً بشرى مفرحة على مستوى القيصر. وأما إنجيل المسيح فيعني أن الله يخبرنا بولادة ابنه الذي انتصر على الخطية والموت والشيطان، وأن نتيجة هذا الانتصار هو حلول ملكوت السماوات بين الناس. ذلك الملكوت الذي ينتشر، وليس أحد يستطيع منعه. فالإنجيل يخبرنا بنموّ سلطة محبة الله في العالمين.

  4. لم يتكلم المسيح فقط، بل عَمِل ما عَلَّمَ به، فكان قلبه ممتلئاً بالرحمة على المعذبين البعيدين عن الله، القابعين في سلطة الشيطان، فرحمهم وشفاهم بمحبة فائقة.

    وكان له سلطان على كل أرواح وأمراض، حتى صارت أعماله برهاناً لحضور ملكوت الله على الأرض. وإلى الآن لا يقدر طبيب أن يشفي المشلولين والمجانين والمولودين عمياناً بمجرد كلمته ولا بمبضعه، ولا أن يقيم الموتى، ويعلم ما في الصدور. ففي المسيح ابتدأ الفردوس وسط دنيانا. وقد أتى الخالق إلى خلقه، وبدأ بتجديد المؤمنين به.

الصلاة: نعظمك يا مخلّص العالم، لأنك لم ترفض الصغار المحتقرين، المرضى واليائسين، بل قبلتهم وشفيتهم وعزيتهم. ليت ألسنتنا تنطلق لتمجيدك، فيدخل كثير من زملائنا إلى ملكوت محبتك. يارب اشف وتكلم وادع وانتصر. نحن مزدحمون حولك، مؤمنون بقدرتك وسلطانك. ونثق باستعدادك وعزمك لخلاصنا. ونشكرك لتحقيق مشيئتك في أمَّتنا اليوم.

السؤال: 30 - لماذا نسمِّي متى 4: 23-25 ، الانجيل الصغير أو خلاصته؟

المسابقة الأولى لإنجيل متى

أيها الأخ العزيز، بعد قراءتك شروحنا لإنجيل متى في هذا الكتاب، يمكنك الإجابة على هذه الأسئلة بسهولة.

  1. لماذا لا يعبد المسيحيون كتاباً، بل يتعلقون بشخص؟

  2. ما معنى لقب يسوع «المسيح»؟

  3. لماذا يُسمَّى يسوع ابن داود؟

  4. كيف يكون يسوع ابن إبراهيم أيضاً؟

  5. كيف كان إسحق رمزاً ليسوع؟

  6. لماذا أبرز البشير متى أربع نساء في سلسلة نسب يسوع. وما هي أسماؤهن؟

  7. كيف حفظ الرب يسوع المملكة اليهودية، وكيف سلَّمها إلى السبي؟

  8. لماذا ينتهي نسب يسوع بيوسف، الذي ليس أباه جسدياً؟

  9. ماذا يعني حبَل مريم بيسوع من الروح القدس؟

  10. لماذا أمر الملاك يوسف أن يضم مريم إليه؟

  11. ما معنى اسم عمانوئيل. ولماذا يستحق المسيح هذا الاسم؟

  12. كيف أصبح يوسف أحد أبطال الإيمان؟

  13. كيف نستنير عملياً؟

  14. ما هي الأفكار الهامة في نبوة ميخا؟

  15. لماذا امتلأ المجوس بفرح عظيم جداً؟

  16. ماذا يعني السجود؟

  17. كيف خلَّص الله يسوع الطفل ووالديه من يد هيرودس؟

  18. ما هي الأمور الأربعة الموحاة ليوسف، وأين ذكرت في الأناجيل؟

  19. ما هي التوبة المقبولة؟

  20. ما هي مباديء كرازة وحياة المعمدان؟

  21. من هم الفريسيون، ومن هم الصدوقيون؟

  22. ماذا فهم يوحنا من معمودية الروح القدس والنار؟

  23. لماذا تعمَّد يسوع في الأردن؟

  24. كيف أعلن الثالوث الأقدس ذاته في وادي الأردن؟

  25. لماذا لم يعمل المسيح خبزاً من الحجارة، رغم قدرته على ذلك؟

  26. لماذا لم يرم المسيح نفسه من جناح الهيكل إلى أسفل؟

  27. ماذا يعني طلب السجود من قِبَل الشيطان، ومن قِبَل يسوع؟

  28. لماذا كرر يسوع بشارة المعمدان: توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات؟

  29. ماذا تعني دعوة يسوع: أجعلكما صيادي الناس؟

  30. لماذا نسمّي متى 4: 23-25 الإنجيل الصغير أو خلاصته؟

فهرس الجزء الثاني: المسيح يعلّم ويخدم في الجليل (متى 5: 1-11: 1)

الموعظة على الجبل (5: 1-7: 27)

  1. التطويبات (5: 1-12)

  2. هدف الموعظة (5: 13-16)

  3. طلب كمال سلوكنا (5: 17-48)

  1. حفظ الناموس (5: 17-20)

  2. منع القتل هدفه المصالحة (5: 21-26)

  3. منع الزنا يعني طلب الطهارة (5: 27-32)

  4. منع الحلف يعين الوصية بالصدق (5: 33-37)

  5. الوداعة تغلب الانتقام (5: 38-42)

  6. بغضة العدو تستبدل بمحبته (5: 43-48)

العبادة الحقَّة لله وحده (6: 1-18)

  1. الصدَقة في الخفاء (6: 1-4)

  2. الصلاة في العزلة (6: 5-8)

  3. الصلاة الربَّانية (6: 9-13)

  4. الطلب المؤكد للمصالحة (6: 14 ، 15)

  5. الصوم والفرح (6: 16-18)

تحريرنا من عبودية المال (6: 19-34)

  1. من يجمع مالاً يخدم الشيطان (6: 19-24)

  2. ملكوت الله أولاً (6: 25-34)

النتائج الفاصلة لحياتنا مع الله (7: 1-27)

  1. لا تدينوا (7: 1-6)

  2. صلاة الإيمان (7: 7-11)

  3. القاعدة الذهبية (7: 12)

  4. الطريقان (7: 13 ، 14)

  5. الأنبياء الكذبة (7: 15-20)

  6. تطبيق الناموس بقوة الروح (7: 21-27)

معجزات في كفر ناحوم ومحيطها (8: 1-9: 25)

  1. شفاء الأبرص (8: 1-4)

  2. شفاء غلام القائد الروماني (8: 5-13)

  3. شفاء حماة بطرس (8: 14-17)

  4. مبادئ اتِّباع يسوع (8: 18-22)

  5. إسكات العاصفة والأمواج (8: 23-27)

  6. إخراج الشياطين من ملبوسين (8: 28-34)

  7. سلطان المسيح يغفر ويشفي (9: 1-8)

  8. دعوة متى العشار (9: 9-13)

  9. سؤال تلاميذ المعمدان عن الصوم (9: 14-17)

  10. إقامة ميتة وشفاء مريضة (9: 18-26)

  11. شفاء أعميين وأخرس (9: 27-34)

إرسال التلاميذ الإثني عشر للتبشير (9: 35-11: 1)

  1. حنان المسيح (9: 35-38)

  2. دعوة الإثني عشر (10: 1-4)

المجموعة الثانية لكلمات يسوع (10: 5-11: 1)

  1. المبادئ الأساسية للتبشير (10: 5-15)

  2. الأخطار والعذاب في سبيل التبشير (10: 16-25)

  3. التشجيع وسط الضيق (10: 26-33)

  4. التفرقة نتيجة التبشير (10: 34-39)

  5. الهدف السامي للتبشير (10: 40-11: 1)

المسابقة الثانية لإنجيل متى

الجزء الثاني: المسيح يعلّم ويخدم في الجليل (متى 5: 1-11: 1)

1 - الموعظة على الجبل (متى 5: 1-7: 27)

أ - التطويبات (5: 1-12)

5: 1... وَلَمَّا رَأَى ٱلْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى ٱلْجَبَلِ، فَلَمَّا جَلَسَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلامِيذُهُ. 2 فَعَلَّمَهُمْ قَائِلاً

تحنن المسيح على الشعب الضال الذي لم يعرف ربه ولا نفسه، فاختار تلاميذ من الجماهير ودعاهم وأفرزهم وقادهم إلى الجبل، حيث جلس رسمياً كمعلم للتوراة ليعلّم النخبة ومَنْ حولهم من الشعب. وفي أحضان الطبيعة أعلن المسيح مباديء الملكوت الإلهي، وهو الدستور السماوي.

لقد بدأ عظته على الجبل بكلمة «طوبى». ثم ردَّدها تسع مرات، كصوت جرس مجلجل من السماء، معلناً لنا أن الغبطة والسعادة هما أساس ملكوته. فليس عليك أن تتمم نواميس وفرائض ثقيلة بكد وتعب لتدخل ملكوت الله، إلا أن تقبل كلمته اللطيفة ببساطة الإيمان. عندئذ تنجو من الدينونة، وتتحرر من العقاب. والمسيح يدعوك إلى غمرة الفرح، لأنه لم يأت ليهلك الخطاة، بل ليخلّصهم ويشفيهم ويرحمهم. فدستور الله للأرض مبني على السرور والشكر والتهلل. وليس على فرائض ودموع.

1 - طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِٱلرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ. (5: 3)

يُرينا المسيح قبل كل شيء، أن ليس إنسان يقدر أن يدخل ملكوت السماوات إلا بواسطة الروح القدس. وهذا الروح المُعلَن يُظهِر لنا خطايانا وخبثنا، حتى أنه يكسر كبرياءنا، فننسحق ونعترف أننا نحن المساكين هالكون أمام قداسة الله، ونجسون بنسبة طهارته ولطف قداسته. فندرك أنانيتنا في ضوء محبته، وكذبنا أمام نور حقه. طوبى لك إن كشف روح الله خطاياك، وقادك إلى التوبة الأمينة، وشفاك من عماك. عندئذ تنفتح أبواب السماوات أمامك على مصراعيها، لأن التائب وحده يستطيع القدوم إلى الله.

2 - طُوبَى لِلْحَزَانَى، لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ (5: 4)

والقرعة الثانية لجرس محبة الله تخصّ الحزانى، وبالحري كل إنسان، لأننا كلنا حزانى. أما المسيح فيقول لك: لقد ابتدأ عصر جديد، لأني غلبت بموتي الكفاري أسباب الضيق والحزن. ويحل روح الله فيكم معزياً، ولا يبرح منكم. وهو عربون رجائكم. فالحزن في قلبك مهما كان كبيراً يغلبه فرح السماء. والمسيح يعطي الرجاء الأكيد لعالمنا الحزين. فافرح واشكر وابتهج للخلاص العظيم. وانتظر مجيء الرب القريب، عندئذ يحقق رجاءنا المجيد.

3 - طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ (5: 5)

لا ينظر الله إلى العالم من خلال الزمن. وإنما ينظر إليه من أبديته السرمدية، فيرى كيف يتشامخ السلاطين في دنيانا، ويعامل الكبار الضعفاء بعنف. وأما الله فهو وداعة وجودة ولطف. فمن يرد العيش معه عليه أن يسلك وديعاً كالمسيح، الذي حين سيق كخروف إلى الذبح لم يتذمّر ولم يلعن. ونتيجة طاعته فدى العالم، ونتيجة أمانته وهبه الله كل الأنام إرثاً. فمن يلبس من روحه ثوب الوداعة والتأني وإخلاء النفس، سيلمع في مجيئه كشمس البر، ويملك معه على الأرض. لأن المصلين الأمناء والمبتهلين لأجل الآخرين، هم بالحقيقة ملوك الله وكهنته المستترون. ولكن الأقوياء والزعماء والأغنياء والشبعانين، سينوحون عند مجيء المسيح الثاني وييأسون، لأنهم لم يدركوا دستور الله وخالفوه، فيسقطون إلى أقسى العذاب. وأما الودعاء فيرثون الأرض.

4 - طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَٱلْعِطَاشِ إِلَى ٱلْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ. (5: 6)

والدَقة الرابعة لجرس محبة الله تلهم الرجاء للجياع إلى البر، المستيقظين من نومهم في الخطايا. كل الناس يودّون عمل الخير ويشتاقون إلى نجاح الإنسانية، ولكن لا يقدر أحد أن يحققها، لأننا جميعاً عبيد الخطايا. وأما المسيح فبرر الخطاة بموته على الصليب. فمن يشتاق إلى البر والقداسة يجد في المسيح ملء البر الإلهي، والقوة لتنفيذ المحبة الحقة. تعال إلى يسوع فيُطهّر قلبك ويجددك إلى الثبوت في الله. وعندئذ لا تبني فرحك على طاقاتك الشخصية، بل على نعمة الله وحدها. فإيمانك قد خلّصك، وفرح المسيح يحل فيك.

5 - طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ. (5: 7)

كل من تبرر بدم المسيح تحل رحمة الله في قلبه، ومن يحب يسوع لأجل مصالحته العظيمة لابد أن يغفر لأعدائه كل ذنوبهم. ومن حصل على مسحة الروح القدوس، لا يحتقر إنساناً بسيطاً، بل يعينه ويباركه ويعزيه، ويضحّي لأجله بما عنده. فالله محبة، ومن يؤمن به يتغير إلى تلك المحبة. والذي لم يعرف الله، يبقى في البغضة والاحتقار والقساوة. هل أصبحت إنساناً رحيماً كما أن المسيح هو الرحيم؟ عندئذ تجري قوة الله من قلبك إلى عالمنا الميت، وبإيمانك بالمسيح تقوم من بين الأموات إلى الحياة الأبدية. وستخلص من الدينونة الأخيرة برحمته، حسب المحبة المنسكبة في قلبك بواسطة الروح القدس المُعْطَى لك.

6 - طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ ٱلْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ ٱللّٰهَ. (5: 8)

هل أنت طاهر القلب وماذا تحلم ليلاً ونهاراً؟ يريد المسيح تنقية قلبك وتطهير شعورك الباطني ليملأك بطهارة روحه، فلا تسيطر عليك الشهوة والطَمَع، بل تتحرر إلى حرية أولاد الله، وتعترف أنه مستحيل عليك السلوك في الطهارة تلقائياً. ولكن روح الله يستطيع إماتة أعمال جسدك الشريرة، ويجعل لسانك صادقاً، ويضبط كل أفكارك وينَقّي شعورك.

وحينئذ يخبرك الله بالفرح أنك ستعاينه بجلاله. ليس لصلاحك ولا لبرك الذاتي، بل لأن دم المسيح طهّرك من كل إثم. وروحه القوي غلب نزوات جسدك. هل تشترك في كفاح روح الله ضد خطاياك؟ فمن يغلب بواسطة اسم يسوع، سيرى الله أباً حنوناً ويمكث معه إلى الأبد. هل تشتاق إلى رؤية مجد الله، أو تدور حول ذاتك الممتلئة بالنجاسة والفساد؟

7 - طُوبَى لِصَانِعِي ٱلسَّلامِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ ٱللّٰهِ يُدْعَوْنَ. (5: 9)

والرنين السابع لجرس سرور الله يدعوك إلى امتياز خدمة السلام، فالمؤمن لا يعيش لنفسه ولا يسترخي بالكسل والأنانية، بل يسعى كوسيط بين الله والناس، ويدعو كل الهالكين إلى الصلح مع الله. أخبر الناس كيف حلّ السلام السماوي في قلبك، ادعهم إلى الجوع والإيمان والرجاء. فتتناغم مع روح المسيح وتكون من إخوته. لأنه قد صالح بموته العالم مع القدوس، ويريد نشر سلامه في كل نواحي العالم. والله في جودته يستقبلك في عائلته، ويرسلك إلى الآخرين لتطفيء الخصام والحروب بينهم. ولكن لا تنس أنه ليس سلام بدون الصليب. وكل من يريد صنع سلام بدون رئيس السلام يفشل حتماً.

8 - طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ ٱلْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ. (5: 10)

الرنين الثامن للفرح يبدو مراً، لأنه موجَّه إلى رسل الله صانعي سلامه، الذين يُضرَبون لأجل محبتهم، ويُستهزأ بهم لأجل بشارتهم بالمصالحة مع الله، ويُحتقرون لعفوهم عن زلات الآخرين. هل تظن أن نتيجة تبشيرك ستكون أفضل مما كان للمسيح وأتباعه؟ فطوبى لك إن تألمت لأجل شهادتك وأنت في شركة المسيح، عندئذ يرافقك مخلّص العالم نفسه ويقوِّيك ويعزِّيك، ويحفظك كحدقة عينه. فلا تتمرمر بأحقاد في قلبك على آخرين، بل افرح لأن ربك أعظم من كل ممتلكاتك الأرضية المفقودة، وقد جهَّز لك مملكة روحية في حضوره إلى الأبد.

9 - اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُمْ هٰكَذَا طَرَدُوا ٱلأَنْبِيَاءَ ٱلَّذِينَ قَبْلَكُمْ. (5: 11، 12)

يكرر الرب التطويب لرسله المرفوضين، لأن روح العالم يبغض الله والمولودين من روحه. فأبناء عصرنا يعذبون أبناء القدوس كما عذَّب الشيطان المسيح ورسله. ففي ساعة الآلام المرة عند فقدان بيتك ومكان عملك إن طُردت، فان ابن الله يأمرك بالسرور والابتهاج، لأن آلام هذا الدهر لا شيء بالنسبة للمجد الإلهي العظيم الذي سيظهر فيك وفي كل المؤمنين المخلصين. وربك نفسه هو أجرة إيمانك. والروح القدس يحل فيك. فلماذا تنوح؟ افرح واغتبط وتهلل واشكر، لأن إعلان ملكوت السموات قريب.

الصلاة: نشكرك أيها الآب السماوي لأنك جعلتنا أولاداً بالنعمة. اغفر لنا خوفنا وعنادنا وتمسُّكنا بالأمور الدنيوية. علّمنا رحمة المسيح وصبره وطهارته. وامنحنا القوة والجرأة للتبشير بإنجيل سلامك. واحفظنا في ساعة الرفض من أصدقائنا وأهل بيتنا، لنبارك مبغضينا، ونحب ضاربينا، ونصلي لأجل طاردينا. ثبّتنا بفرح وغبطة، لأنك أنت معنا وتتمركز فينا. وعزِّ كل الذين يتألمون اليوم لأجل اسمك القدوس.

السؤال: 1 - ما هو أجر المؤمنين؟

ب - هدف الموعظة على الجبل (5: 13-16)

5: 13 أَنْتُمْ مِلْحُ ٱلأَرْضِ، وَلٰكِنْ إِنْ فَسَدَ ٱلْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لا يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ، إِلاّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجاً وَيُدَاسَ مِنَ ٱلنَّاسِ.

الطعام بلا ملح لا نكهة له. كذلك العالم إذا خلا من المسيحيين يفقد المحبة الحقة. وكما أن الملح يحفظ الغذاء من الفساد، هكذا تحفظ رسالة المسيح وحاملوها العالم من الزوال. وكما أن الملح يعوِّض فقدان بعض المواد من الجسد، هكذا يبني الإنجيل الحياة الجديدة في الأموات بالخطايا.

يدعوك المسيح لتشترك بإنشاء عالم جديد وحفظه، وسط فساد حضارتنا. ولكن لا تغتّر بالظن أنك تستطيع إصلاح سكان أرضنا بطاقتك البشرية، فكل من يتَّكِل على النشاطات البشرية يخسر رسالته، ويصبح باطلاً قولاً وسلوكاً، ويهزأ الناس به، لكن الله يمدحه. فلا ترفض رسالة الإنجيل، لأنها تخلق فيك قدرتك لتكون ملح الأرض.

5: 14 أَنْتُمْ نُورُ ٱلْعَالَمِ. لا يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَلٍ، 15 وَلا يُوقِدُونَ سِرَاجاً وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ ٱلْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى ٱلْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْبَيْتِ. 16 فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هٰكَذَا قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ ٱلْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ.

ما أعظم النعمة من المسيح! إذ أوقد في أتباعه نور محبته اللطيفة وأشعة حقه القدوس. فلا تظن أن الضوء الذي فيك هو منك، بل عطية من ربك. فلا تخبيء الموهبة الإلهية المُعطاة لك، خائفاً من نقمة الجماهير، لأن المسيح منحك رجاء ثابتاً، لتنير العالم المتشائم بمسرته. ولا تتكبر، فانك تشبه عود ثقاب صغير لكنه يُرى من مسافات بعيدة في الليل المدلهم. وإذا اجتمع بعض المسيحيين في شركة إيمانهم، يشبهون المدينة الموضوعة على الجبل، المضيئة ككوكب متلأليء، ترشد الضالين إلى حياة الله.

ودعوة المسيح لك أن تكون نوراً للظالمين، تغيّرك إلى شاهد لفضائل ربك، لتعلن اسمه في بيتك ومدرستك ومحل عملك، ثم في المجتمع عامة. اشتغل مرة فتى مؤمن في محيط رجال ليسوا أتقياء، حاولوا إفساده بكلامهم النجس. فحذّره أصدقاؤه وقالوا له «اترك هذا العمل، لكيلا تسقط في بؤرة الشقاء». فجاوبهم «لست وحدي هنا بل المسيح يقف بجانبي ويحميني، ويسكن فيَّ، ويحفظني. ولي وعده أنه لن يتركني. وحيث أكون أنا يكون هو أيضاً، فلا أخاف شراً».

إن ملك الملوك الإلهي يأمرك أن تتشجع، وتشع بالنور المضيء فيك، فاسْعَ مطمئناً كمُرسَل من قِبَل الرب إلى محيطك، والتق بالناس، وتكلّم معهم. وماذا يا ترى يرى زملاؤك فيك طيلة النهار؟ هل يضيء المسيح فيك بوضوح؟

يدعوك المسيح إلى سلوك طاهر، عندئذ يعظّم الناس الله لأجل لطفه وقدرته الموضوعة فيك، ويؤمنون بواسطة تصرفاتك. فسيرتك تجذب الناس إلى الإيمان بالله أنه الآب المُحِب، الذي له أولاد روحيون في دنيانا. وإذا لم يجدوا فيك فضائل أبيك السماوي، فإنهم يكفرون بالإنجيل.

والله أعطاك فرصة وامتيازاً لتشترك في تمجيد اسمه، لأننا نقرأ لأول مرة في الموعظة على الجبل السر الكبير أن الله هو الآب. فليس القدوس بعيداً عنا ولا مخيفاً لنا. إنه المحبة المُقبلة علينا باسم «الآب». وهو يتيح لك أن يؤمن الناس ببنوة المسيح وأبوة الله بواسطة سلوكك في قوة الروح القدس. فإما أن تكون برهاناً للثالوث الأقدس، أو سبباً لكفر الآخرين. ولا شك أنك منذ صغرك في طبيعتك خاطيء بكل نواياك، ولكن روح المسيح غيَّرك من إنسان ظلام إلى ابن النور، فيبدو من قولك وعملك الروح العامل فيك. ليت الوعد الأعظم يتحقق فيك، حسب الكلمة «الله محبة. من يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه» (يوحنا 4: 1-15).

الصلاة: أيها الآب السماوي. أنت النور الطاهر القدوس الكامل، أرسلت ابنك يسوع إلى عالمنا نوراً للعالم. وقد كنا ظلمة، لكن روح ابنك أنارنا، لنشعَّ نورك إلى محيطنا، فيتحرر كثيرون من ذنوبهم ويصبحون نوراً لطيفاً أيضاً. نعظّمك لخلاصك العظيم، ونلتمس منك الإرشاد إلى سلوك النور، لكيلا يكفر أحد بسبب تصرفاتنا، بل أن يروك فينا. آمين.

السؤال: 2 - كيف يمكن للإنسان أن يكون نوراً للعالم؟

ج - طلب كمال سلوكنا (5: 17-48)

1 - حفظ الناموس (5: 17-20)

5: 17 لا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ ٱلنَّامُوسَ أَوِ ٱلأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. 18 فَإِنِّي ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ ٱلسَّمَاءُ وَٱلأَرْضُ لا يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ ٱلنَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ ٱلْكُلُّ. 19 فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هٰذِهِ ٱلْوَصَايَا ٱلصُّغْرَى وَعَلَّمَ ٱلنَّاسَ هٰكَذَا، يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهٰذَا يُدْعَى عَظِيماً فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ. 20 فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى ٱلْكَتَبَةِ وَٱلْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَات.

لا تبشِّر وتعلِّم الإنجيل للناس بتحمّس، إنْ لم تتيقن أن المسيح دعاك شخصياً لهذه الخدمة، لأنه لا يزن كلماتك فحسب، بل أعمالك أيضاً. فإن لم تفعل ما تقوله، تكن مرائياً خداعاً. وإن لم تسلك طاهراً تصبح شهادتك فارغة. فأعمالك مقياس أقوالك.

المسيح وحده هو المعلّم الكامل للناموس والإنجيل. إنه قدوتنا ولم ينقض وصية واحدة من الناموس القدوس، بل تممها تفسيراً وتعليماً، وعاشها بحياته المثالية. وهكذا حمى المسيح كلمات الوحي في العهد القديم بشخصيته الفائقة. فمن الغباوة أن يحتقر أحد التوراة ومواعيدها ووصاياها، المعلنة لآباء الإيمان والأنبياء المختارين. لأنه منذ القديم كلم الله البشر خلال تاريخهم وأحوالهم المعينة. فكلمة الله ليست فلسفية خيالية ولا موضوعاً عاماً، إنما القدوس اختار أناساً خطاة، وتعاهد معهم في العهد القديم، وأرشدهم بالناموس. فالذين يهاجمون العهد القديم ويرفضونه مساكين، لأنهم يرفضون كلمة الله نفسه.

وويل للإنسان الذي لا يبشّر بكلمة الله الكاملة، بل يغيّرها قليلاً، أو يُنقص معاني الوحي. فخير له إن عُلِّق في عنقه حجر رحى، ويُغرق، لأن من يبدِّل كلمة الله أو يزوّرها وينتقدها، لا يضر نفسه فقط، بل كل مبتديء بالإيمان أيضاً. فإن دعاك المسيح للتبشير، فأعلِنْ كلمته بخوف ورعدة، لكيلا تصبح سبباً لهلاك نفسك وأنفساً أخرى.

ولا يدعونا المسيح إلى العهد القديم، بل إلى شخصه الكريم. وهو في ذاته كلمة الله المتجسّد، والناموس المتجوّل بيننا، ومحبة أبيه المتأنسة. فلا نلتصق بأحرف ميتة، بل بابن الله الحي الحاضر معنا. وهو قد أكمل الناموس بسيرته على الأرض، ويتممه اليوم بشفاعته الأمينة. وسيتممه غداً في مجيئه الثاني. عندئذ تنتهي ضرورة الناموس، لأن السماوات والأرض تزول كلها، فينشيء ربنا أرضاً جديدة وسماءً جديدة يسكن فيها الروحانيون الممتلئون بالبر والحق.

ولكننا ما زلنا على الأرض نستعد للسماء. فلا تغتر وتبني مستقبلك على استقامتك البشرية أو اجتهاداتك بالأمور الدينية، لكيلا تصبح متعصباً ومن قُساة القلوب والعُمي. بل التجيء إلى المخلّص الأمين واعترف بذنوبك طالباً منه الغفران، فتختبر قدرته. لأن ابن الله يضع يده عليك، ويكتب اسمه الخاص على جبينك، فيكون لك الاسم «مسيحي».

عندئذ يثبت فيك ناموس الرب، وتجد في قلبك دوافع ناموس المسيح والقوة لإتمام متطلباته. فناموس المسيح هو قوة لحفظ الوصايا، حتى لإتمام قول الله «كونوا قديسين لأني أنا قدوس». وهكذا منحنا المسيح لإتمام هذا الشرط الإلهي الطهارة الحقة بدمه وروحه القدوس.

الصلاة: أيها الآب، نشكرك ونعظّمك لأن المسيح أكمل بمحبته وحكمته كل الوصايا. اغفر لنا تقصيراتنا وآثامنا العديدة. وعلّمنا التأني والرحمة في قوة روحك، لنسلك كما سلك المسيح، ونعيش بدوافع قوته، حسب الناموس المتمركز في قلوبنا.

السؤال: 3 - كيف نحفظ ناموس الله؟

2 - منع القتل هدفه المصالحة (5: 21-26)

5: 21 قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لا تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْحُكْمِ. 22 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ. 23 فَإِنْ قَدَّمْتَ قُرْبَانَكَ إِلَى ٱلْمَذْبَحِ، وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ لأَخِيكَ شَيْئاً عَلَيْكَ، 24 فَٱتْرُكْ هُنَاكَ قُرْبَانَكَ قُدَّامَ ٱلْمَذْبَحِ، وَٱذْهَبْ أَوَّلاً ٱصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ، وَحِينَئِذٍ تَعَالَ وَقَدِّمْ قُرْبَانَكَ. 25 كُنْ مُرَاضِياً لِخَصْمِكَ سَرِيعاً مَا دُمْتَ مَعَهُ فِي ٱلطَّرِيقِ، لِئَلاّ يُسَلِّمَكَ ٱلْخَصْمُ إِلَى ٱلْقَاضِي، وَيُسَلِّمَكَ ٱلْقَاضِي إِلَى ٱلشُّرَطِيِّ، فَتُلْقَى فِي ٱلسِّجْنِ. 26 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لا تَخْرُجُ مِنْ هُنَاكَ حَتَّى تُوفِيَ ٱلْفَلْسَ ٱلأَخِيرَ!

غلب المسيح بسلطانه أحكام الناموس الشكليَّة. ووضعنا في نوره الساطع كاشفاً نوايا قلوبنا. ولم يقدم لنا تفاسير علمية موضوعية لدستور ملكوت الله، ولم يصف مباديء الإيمان وعقائده، بل جعل المحبة هي المقياس لحياتنا اليومية. إن المحبة هي تكميل الناموس، والجوهر الأساسي لملكوت السماوات.

وطبيعي أن القاتل يستحق الحكم والقصاص الصارم في دنيانا، وسيختبر غضب الله في الدينونة الأخيرة، ويعيش مضطرباً وبلا راحة إلى الأبد، إن لم يبرره المسيح.

ولكن من يقول كلمة رديئة واحدة لأخيه الإنسان، ليس أفضل من أي قاتل، لأن في ضميره نفس الدوافع لإفناء الخصم. حين يمتحن الله قلبك ماذا سيجد فيه، محبة أم بغضة؟ كم مرة شتمت إنساناً ملقّباً إياه حيواناً؟ تأكد أن كل كلمة مثل هذه تستوجب عليها العقاب في لهيب الجحيم. إن الله محبة، وكل من لا يحب مثله تماماً يخالفه. وجميع النوايا الغير مبنية على محبته تسقط، لأنها منسوجة بالأنانية. فمن لا يحب يكون قاتلاً في قلبه، وسينال أجرة القاتل. لا تظن أن هذه الأفكار فلسفة وتخيلات، بل هي تفسير للدستور الإلهي من القاضي الديَّان. فأنت قاتل في عيني الرب، وفيك يدق قلب قاتل.

هل تحب عدوك؟ إن جاوبت بنعم، فبرهن على قولك واذهب إليه واصطلح معه حالاً. ولا تقل بسطحية، إنه شيء بيننا، بل اذهب إليه ودق بابه وزُرْهُ. وإن أخطأت، ولو واحداً بالمائة في القضية التي بينكما، فتواضع واطلب أنت منه الغفران، لأن هذه هي طريقة محبة الله. فكيف تقدر أن تصلي لله وأنت عائش في خصام مع إنسان؟ والدينونة على المصلين أكبر مما على الخطاة شدة، إن لم يتغيروا، لأن الرياء أمام الله أنجس من الجُرم. فويل لك إن كنت تحمد الله وتبغض أخاك الإنسان! اطلب من ربك ليغفر كبرياءك ويقودك إلى الصلح الكامل.

الله محبة. وإن تمتليء بمحبته يجعلك ابناً له رحوماً مسامحاً متواضعاً. وإن لم تتجاوب مع غاية الله هذه، تسقط فريسة للروح المبغض القاتل منذ البدء. هل سمحت لله أن يذيب قلبك؟ فاذهب حالاً واصطلح مع خصمك، ما دمت حياً وهو موجود. وإن لم يتم الصلح بينكما تندم لتأخرك إلى الأبد، وتبكي في الآخرة على كل فرصة ضاعت لإنشاء السلام.

الصلاة: أيها الرب القدوس، من أنا؟ لست إلا قاتلاً مبغضاً رافضاً. اغفر لي أحقادي، وطهّر قلبي واجعله نقياً بدم ابنك الوحيد، الذي أحبنا حتى الموت رغم أننا أعداؤه. ونلتمس منك أن تجدد قلوبنا بقدرة روحك القدوس، فنمتليء محبة وعزماً، لنصطلح مع خصومنا ونعيش معهم في سلام على الدوام.

السؤال: 4 - من هو القاتل؟

3 - منع الزنا يعني طلب الطهارة (5: 27-32)

5: 27 قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لا تَزْنِ. 28 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى ٱمْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ. 29 فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ ٱلْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَٱقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ، لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلا يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ. 30 وَإِنْ كَانَتْ يَدُكَ ٱلْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَٱقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ، لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلا يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّم

المسيح هو المشرِّع الإلهي في العهد الجديد، وقد أبان المعاني المستترة في الناموس القديم، وأوضحها بقداسة محبته. فلم يترك واحدة من الوصايا. بل أكملها تعليماً وسلوكاً.

أحب المسيح الساقطين في الخطية، ودعاهم إلى الخلاص. فلا يجوز لنا أن نحتقر أحد الخطاة. والناس عادة يشيرون إلى البنت التي ولدت ابناً غير شرعي، مستنكرين عملها، غير عالمين أنهم أكثر شراً منها، لأن كل من ينظر إلى إنسان آخر بعين الشهوة، يُعتبر أمام الله زانياً.

ولو قطعت يدك المشتهية، يبقى لسانك رغم ذلك ملوثاً بالدعارة. وليس أحد من الرسل قد أتم مشورة المسيح هذه، ولكنهم حصلوا على قلب جديد وطهارة الروح القدس والعفة الإلهية.

إن جسدك دنس، ونفسك خبيثة منذ حداثتك. إنما دم المسيح قادر أن يُنقّي ضميرك من كل أعمال ميتة. وروحه القدوس ينشيء فيك النّيّة الصالحة، المتغلبة على شهواتك الملتهبة. فإن سقطت في الخطية فلا تبق في أوحالها، بل قم والتجيء إلى ربك، وهو عالم شوقك إلى العفة، ويسندك لنصر مبين على ذاتك. اثبت في المسيح، لأنه هو الطريق الوحيد إلى حياة طاهرة، وهو المخلّص الحق.

5: 31 وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ ٱمْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاقٍ 32 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ ٱمْرَأَتَهُ إِلاّ لِعِلَّةِ ٱلزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي، وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي.

أوجد الله في رحمته نظام الزواج من واحدة، ليخدم كل من الزوجين قرينه بمحبة مستمرة وإكرام متبادل. فليست الوحدة الجسدية هي الأهم في الرباط الزوجي، بل الاحترام والتقدير من كليهما نحو الآخر. والروح القدس يقدّس العلاقة بين الزوجين، إن ثبتنا في كلمة الإنجيل.

وإذا زنى أحدهما نتج الانفصال النفسي الذي يضيّع الثقة والاحترام والخدمة والاهتمام. أما إن عاشا في تقوى الله، فمحبته تبارك حبهما، وتحفظهما في انسجام وتعاطف، فالمسيح هو الكفيل في الزواج، إن ثبت الزوجان فيه مخلصين، لأنه يعلّمنا الغفران والتسامح والصبر والاحتمال.

إن كل طلاق لغير علة الزِنى يُحسب زِنى، لأن ما جمعه الله لا يفرقه الإنسان. وبما أن الوحدة الزوجية لا تتم بالجسد فقط، بل في النفس بالدرجة الأولى، فإن المرأة تظل مرتبطة بزوجها الأول (أمام الله) حتى ولو تزوجت رجلاً آخر. فويل للطرف الذي يطلّق ولا يسامح، فهو المجرم الأكبر. كلنا مصبوغون بخطايانا، ونحتاج إلى غفران الله وتنقية شعورنا الباطني. والروح القدس يقدر أن يشفي أمراضنا النفسانية، ويطهّرنا. وبدون روح المسيح لا نقدر أن نمارس الزواج ولا الطهارة. لأن هذا الروح يكرم الخالق، ولا ينكر المباديء الطبيعية.

4 - منع الحلف يعني الوصية بالصِّدْق (5: 33-37)

5: 33 أَيْضاً سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لا تَحْنَثْ، بَلْ أَوْفِ لِلرَّبِّ أَقْسَامَكَ. 34 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لا تَحْلِفُوا ٱلْبَتَّةَ، لا بِٱلسَّمَاءِ لأَنَّهَا كُرْسِيُّ ٱللّٰهِ، 35 وَلا بِٱلأَرْضِ لأَنَّهَا مَوْطِئُ قَدَمَيْهِ، وَلا بِأُورُشَلِيمَ لأَنَّهَا مَدِينَةُ ٱلْمَلِكِ ٱلْعَظِيمِ. 36 وَلا تَحْلِفْ بِرَأْسِكَ، لأَنَّكَ لا تَقْدِرُ أَنْ تَجْعَلَ شَعْرَةً وَاحِدَةً بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ. 37 بَلْ لِيَكُنْ كَلامُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ، لا لا. وَمَا زَادَ عَلَى ذٰلِكَ فَهُوَ مِنَ ٱلشِّرِّيرِ.

يفيض العالم بالكذب، وكل إنسان يداهن الآخر. الطلاب يغشون في امتحاناتهم. والتجارة والسياسة، ومختلف نواحي الحياة الاجتماعية، تغلغلت فيها جراثيم الخداع والغش.

والنجاسة الكبرى أن يحلف الناس على أقوالهم الملتوية بالله كاذبين، لشعورهم بضعف موقفهم. فالحلف في الحديث يدل في الأغلب على الكذب المبطن.

وكثيراً ما يظن الناس أن الحق معهم، وأن أفكارهم عن الأشياء والناس صحيحة لا ريب فيها. ولكن الله هو العليم بذات الصدور، العارف بنوايانا والأسباب الحقة التي وراء الأحداث. إن معرفتنا غير كاملة، وقراراتنا ليست سليمة بنسبة علو السماوات عن كرتنا الأرضية، وعجزنا عن أن نخلق شعرة واحدة في رأسنا، أو أن نغيّر لونها!

ويعلمنا الروح القدس أن ننطق بالصدق دائماً بتواضع وبدون مبالغة، ويرشدنا إلى تمجيد الله وإكرامه. وهنا نجد الفرق المبدئي بيننا وبين الكاذبين. إنهم يستكبرون، مشتاقين للشهرة، كما استكبر أبوهم الشرير آدم أولاً، وخدع نفسه متخيلاً عظمته. لكننا نحن المؤمنين انكسرنا معترفين بضعفنا وذنوبنا. ونتعلق بخلاص الله، راجين إرشاده، فنخدم الجميع بالحق، لأن المسيح وحده هو القادر أن يخلّصنا من كل كذب ومبالغة. ومن يدخل مدرسة الحق الإلهي، يتعلم رفض الكذب، حتى الأبيض، ولا ينطق باسم الله باطلاً، بل يكرمه بشهاداته الحارة، فيصبح لساننا صادقاً، وصميمنا مقدساً، لأننا لسنا أولاد أبي الكذب، بل أولاد المسيح الحق.

الصلاة: أيها الآب السماوي، ألسنتنا كاذبة. احرق منها كل المبالغة والالتواءات والأكاذيب. وعلّمنا التواضع لنصبح صادقين، بروحك القدوس. وأنرنا لنعرف الحق. وأرشدنا إلى كل الحق. واملأنا باسمك، لأنك أنت الحق الكامل، فنصبح صادقين في نوايانا وأفكارنا، ونسلك في الصدق والحق والعدالة.

السؤال: 5 - كيف نصبح صادقين، قولاً وعملاً وسلوكاً؟

5 - الوداعة تغلب الانتقام (5: 38-42)

5: 38 سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. 39 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لا تُقَاوِمُوا ٱلشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ ٱلأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ ٱلآخَرَ أَيْضاً.

يعرف المسيح جوهر الحق أنه المحبة، لأنه في ذاته الحق المتجسد. كان الناموس اليهودي لا يمنع أن ينتقم إنسان لنفسه، أما في العهد الجديد فقد شرع المسيح ناموس المحبة الذي يعطينا قوة الرحمة، وقوة التواضع، لنتنازل عن حقوقنا.

فالروح القدس يمنعنا من تنفيذ أفكارنا وأهدافنا البشرية بالعنف، فالله محبة، وروحه بعيد عن فكر الانتقام، وهو ينبوع الصبر والاحتمال، فننتظر تدبير الله ونستسلم لهداه. ولربما تساءلت، أليس هذا الموقف ضعيفاً وفشلاً لإرادة الإنسان، ودَوْساً لحقوقه، مما يفتح الباب للشر أن يزداد؟

كلا! فالوديع هو الأقوى، إذا تغلّب على ذاته، وأما المنتقم فهو الضعيف، لأنه سمح بدخول البغضة إلى قلبه. ومن يجازي عمل الشر بشر مثله، هو شرير مثل خصمه. أما من قابل الظلم بمحبة، فهو المنتصر على أنانيته. إن الحروب والخصومات لا تبني مجتمعنا بل تخربه وتسممه. لكن المحبة والثقة والتواضع والتنازل والصبر، يفتح لنا باب الرجاء.

ولا ينتظر منا دائماً تطبيقاً حرفياً لقوله «من لطمك على خدك الأيمن، فحوِّل له الآخر أيضاً» لأنه عندما ضُرب أثناء المحاكمة أمام الرئيس حنان، لم يطلب من الخادم أن يضربه ثانية (يوحنا 18: 32 وأعمال 23: 2). فالمسيح يوضّح لنا أن حساسيتنا ينبغي أن تموت، إذا أردنا الدخول إلى ملكوت الله. فتنازل عن حقوقك، ولا تدافع عن نفسك كثيراً. سلّم أمرك للرب، فيستلم هو المسئولية عنك. والروح القدس يغلب نفسك الهائجة الثائرة. وإن ضربك أحد فعلاً، ففكر: حقاً إنني أستحق الضرب لأجل آثامي المتعددة، التي عملتها في الماضي. والحمد لله قد حمل المسيح الوديع ضرباتي الأليمة عوضاً عنِّي على الصليب.

5: 40 وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَٱتْرُكْ لَهُ ٱلرِّدَاءَ أَيْضاً. 41 وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِداً فَٱذْهَبْ مَعَهُ ٱثْنَيْنِ. 42 مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ فَلا تَرُدَّهُ.

يحررنا المسيح أيضاً من تشبثنا بممتلكاتنا الفانية، لأنه عاش بيننا قنوعاً فقيراً متواضعاً. ويخلقنا اليوم على صورته. وغايته هذه تمت في نجَّار عاد من بيته ذات يوم، فشاهد سارقين يحملان أخشاباً من مصنعه. فغلب هذا النجَّار نفسه وساعدهما وأضافهما. وأخيراً رافقهما إلى السيارة، مما حملهما على الظن أنه لص يريد الاشتراك في الربح. ولكنهما اندهشا بخجل عندما أخبرهما أنه صاحب المصنع. وقد قابل سرقتهما بتواضع ومحبة. فاستحى أحدهما من نفسه وتاب وسلَّم نفسه للمسيح معترفاً بذنوبه. فلا تنس أن المسيح يقصد تحرر قلبك من حقوقك وأموالك، إلى تضحية حبية وخدمات صامتة. فليس ما تملكه من عقارات وأرصدة تؤمِّن لك المستقبل، بل عناية أبيك السماوي.

ويربينا الروح القدس لنعطي بسخاء من قوتنا ومالنا لكي لا نطمع بل نساعد غيرنا. ولم يطلب منَّا أبونا السماوي الصدقة والصوم والصلوات، شرطاً لخلاصنا. إنما هو المُحب والمُعطي، يباركنا ويخلّصنا وجميع الذين يقبلون لطفه الكريم. وقصده أن نصير نحن أيضاً ينبوعاً فائضاً، فنقرض المحتاجين، ونرفض حب المال. ونعظم اسمه بحياة التضحية.

ولربما ساعدت صديقاً مرة، وتعبت من أجله، وضحيت بوقتك، ووجدت أنه لا يزال ضائقاً بك. استمر في تضحية وقتك الثمين وباركه، واطلب من ربك أن يملأ الوقت ببركاته وثماره الأبدية.

الصلاة: أيها الآب السماوي، أنت الصبر والمحبة، وابنك هو الوديع اللطيف المتجسد. اغفر لنا عصياننا وحساسيتنا، وأمِتْ أنانيتنا لنتقوى إلى تضحية وتنازل، ونحتمل الخطاة ونغلب قلوبهم للتوبة بالمحبة، لكي يتصرفوا أيضاً كأولاد روحك القدوس.

السؤال: 6 - من هو المتحرِّر من ذاته؟

6 - بغضة العدو تستبدل بمحبته (5: 43-48)

5: 43 سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. 44 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ ٱلَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، 45 لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى ٱلأَشْرَارِ وَٱلصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى ٱلأَبْرَارِ وَٱلظَّالِمِينَ. 46 لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ ٱلْعَشَّارُونَ أَيْضاً يَفْعَلُونَ ذٰلِكَ؟ 47 وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْلٍ تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ ٱلْعَشَّارُونَ أَيْضاً يَفْعَلُونَ هٰكَذَا؟ 48 فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ.

لم يرد في العهد القديم تعليم بوجوب بغضة العدو، غير أن الفريسيين والكتبة استنتجوا من سفر اللاويين 19: 18 إن الوصية بمحبة القريب تستلزمهم بغضة العدو. لكن المسيح حطَّم قالب القومية، وشمل كل الشعوب بمحبة الله، ودعانا لاتِّباعه. فإيمانك بالمسيح يظهر من محبتك لخصمك، وليس فقط باحتماله. إن محبة العدو ليست فضيلة إنسانية، بل هي أسمى من ذلك، ومستحيلة التطبيق على الإنسان الطبيعي، لأن الإنسان إن أراد أن يحب صديقه، فعليه أن يترك أنانيته ويفكر بالمحبوب، مهتماً به اهتماماً عملياً. فكم بالحري إن طلب ربك منك أن تحب عدوك؟ ولولا أن الشركة الروحية بين المسيح والمؤمن ثابتة، لما استطاع أحد أن ينفذ هذه الوصية. فشكراً لمخلّصنا، لأن روحه الذي يقودنا يغلب بغضتنا، ويساعدنا لنحب الجميع. ولكن احذر، فما دمت في غضب على أحد أو على جماعة معينة، فلا يكون روح الله قد غلب دوافعك الشريرة.

صلِّ لأجل مضطهديك. هذه هي الدرجة الأولي في تحقيق محبة العدو. حدث أن رجلاً أساء إلى رجل وعائلته، مما سبب خراب مستقبلهم. ولكن روح الله دفع المظلوم إلى الابتهال لأجل خصمه يطلب ربه باستمرار البركة عليه، أكثر من بركته على عائلته الخاصة. فيريد الله منك أن تبارك خصمك، بواسطة دعوات قلبك الفرحة.

إن تحررت من الحقد، وأنزلت بصلواتك البركة على خصمك، تستطيع زيارته. وإن وقع في ضيق فساعده بطريقة لا يلاحظ بها عونك، حتى لا يخجل منك. ضحّ بالكثير لتخلّصه وبيته جسداً ونفساً وروحاً، حتى إن لم يقبلك واستمر يرفضك، لأن الله يعاملنا نحن البشر هكذا.

الله محبة، وقد دعانا ليرشدنا لإكمال وصيته عندما يسكب محبته الكاملة إلى قلب المؤمن. فليس المسيح فيلسوفاً نظرياً، يتكلم عن مُثُل عليا غير ممكنة التطبيق، بل هو كامل في ذاته، ويهبك في عربون روحه القدوس مسحة الكمال الظاهرة في محبتك للعدو.

المحبة هي السر الكبير في الثالوث الأقدس، حيث أن كل أقنوم يحب الآخر في الوحدة الكاملة. فهل يجتمع مع المؤمنين في صبر المسيح ومحبته العظمى؟ وكيف تظهر فيكم محبة الله الكاملة؟

الصلاة: أيها الآب نشكرك لأنك دعوتنا بابنك لنصبح كاملين مثلك. لكننا عُصاة خطاة مجرمون. أما محبتك فترفعنا من وحل خطايانا بواسطة تطهيرنا بدم يسوع، لنكون طاهرين بالكمال. وروحك القدوس هو عربون كمالك. اجعلنا نحقق المحبة تجاه أعدائنا وخصومنا، لكي يكمل فرحك فينا.

السؤال: 7 - كيف نكون كاملين مثل الله؟

د - العبادة الحقَّة لله وحده (6: 1-18)

1 - الصَّدَقة في الخفاء (6: 1-4)

6: 1 اِحْتَرِزُوا مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا صَدَقَتَكُمْ قُدَّامَ ٱلنَّاسِ لِكَيْ يَنْظُرُوكُمْ، وَإِلاّ فَلَيْسَ لَكُمْ أَجْرٌ عِنْدَ أَبِيكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ. 2 فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلا تُصَوِّتْ قُدَّامَكَ بِٱلْبُوقِ، كَمَا يَفْعَلُ ٱلْمُرَاؤُونَ فِي ٱلْمَجَامِعِ وَفِي ٱلأَزِقَّةِ، لِكَيْ يُمَجَّدُوا مِنَ ٱلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ ٱسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! 3 وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلا تُعَرِّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ، 4 لِكَيْ تَكُونَ صَدَقَتُكَ فِي ٱلْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ ٱلَّذِي يَرَى فِي ٱلْخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيكَ عَلانِيَةً.

لا تضع قلبك على أملاكك، بل احمد ربك، وقدِّم له مواهبك حسب إرشاد روحه الحكيم. وإن كنت إنساناً ممتلئاً بالمحبة، ستصير حياتك تقدمه الحمد لله.

إن خدمت الرب تحصل على مكافأة عظيمة، لأن الله نفسه أجرتك، ونعمته تكفيك. فالله ضحَّى بكل ما عنده. فإلى متى تبقى بخيلاً، ولا تضحي بكل ما عندك له؟ وأجرتك السماوية قد تحققت في المسيح. فليس عليك أن تجتهد لإنشاء خلاصك. إنما لك امتياز الشكر لربك، الذي أكملك إلى الأبد بذبيحته. وبالحقيقة لسنا قادرين أن نشكر الله كما يجب، لكن الروح القدس يسند ضعفنا. إن أرشدك الروح القدس لتبرعات معينة، فلا تتكلم عن تضحياتك ولا كلمة واحدة. ولا تسجل اسمك في قائمة المتبرعين، ولا تسمح أن تُقام لك لوحة تكريمية لأجل عظمتك. بل اسع طالباً البسطاء في الضيق، وفتش عن المحتاجين، ودبِّر لهم عملاً، وساعدهم بمشورتك وخبرتك. وذلك كله بشرط ألاَّ يلفت اسمك الأنظار نحوك، فإن المسيح وحده هو فخرك.

كان بعض الأغنياء من اليهود يدفعون تبرعاتهم جهراً، ليخرج الموكب بأسمائهم وتبوِّق لأجلهم الأبواق وتضرب الطبول. لكننا اليوم نضحِّي لله بحياتنا بالخفاء، وبلا كلام ولا تبويق. ضحِّ إذاً لربك بمالك، ولا تخبر أحداً عن خدماتك. أنت للرب والرب لك.

2 - الصلاة في العُزْلة (6: 5-8)

6: 5 وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلا تَكُنْ كَٱلْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِي ٱلْمَجَامِعِ وَفِي زَوَايَا ٱلشَّوَارِعِ، لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ ٱسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! 6 وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَٱدْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ ٱلَّذِي فِي ٱلْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ ٱلَّذِي يَرَى فِي ٱلْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلانِيَةً. 7 وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لا تُكَرِّرُوا ٱلْكَلامَ بَاطِلاً كَٱلأُمَمِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلامِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ. 8 فَلا تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ.

لكل دين طقوس خاصة لممارسة الصلاة، فالصلاة من أركان الدين. رفع اليهود أيديهم ليتلقوا بركة الله الهابطة عليهم مباشرة. وكانوا أحياناً يصلّون جهراً في الطرقات والأزقة ليتباهوا بتقواهم. أما نحن المسيحيين فليس لنا تنظيم روتيني معيَّن للصلاة، لأن المسيح حررنا من الطقوس والأشكال. فلسنا عبيداً في نظر الله. نحن أبناء نتكلم مع أبينا السماوي، سواء في جلوسنا أو مسيرتنا أو وقوفنا أو سجودنا. فجوهر الصلاة هو التكلم مع الله كما يتكلم الأبناء مع أبيهم، مقدمين له الشكر والحمد والاعتراف، والاستغفار والدعاء والابتهال لأجل الآخرين.

نحن عادة لا نصلي جهراً، لأننا لا نصلي للناس بل لله وحده. فأبوك السماوي يسمعك دوماً. ويعرف حاجاتك قبل تلفُّظك بها. وفي أثناء الصلاة تزول خطاياك وأمنياتك الباطلة، وشهواتك المثيرة، وتدرك حضور الله معك. ومن المستحسن الركوع، ولك الحق بالسجود كما فعل المسيح في جثسيماني. ولكن الله لا يخلّصك لأجل سجودك، بل لأنه يحبك وبذل ابنه الوحيد لأجلك من قبل سجودك له.

انعزِل في مكان خفي هاديء وأغلق بابك، واسكب بين يدي أبيك ما في قلبك من هموم وأثقال. وإن لم يكن لك غرفة خاصة فانطلق للبرية، وتكلم إلى إلهك وهو يستمع لك. لا تستطيع الحياة بدون الصلاة، لأنه كما أن جسمك لا يحيا بدون التنفس، هكذا نفسك لا تحيا بدون الصلاة. صلِّ عدة مرات في اليوم، مع التأمل في الكتاب المقدس، لتصبح صلاتك رداً على كلمات أبيك إليك. إن كنت لا تحب الصلاة وتمتنع عن قراءة الإنجيل فإنك تشرف على خطر كبير، لأن هذا معناه أنك لا تحب أن تنفرد مع الله. ألا تشتاق للتحدُّث مع أبيك السماوي؟ إنه ينتظر كلماتك وشكرك وثقتك ويغفر خطاياك.

اعترف للرب بذنبك، وقل شكراً يا أبي السماوي. اطلب المعرفة والقوة والحكمة، لتحقيق المحبة في حياتك. وليكن معلوماً عندك أن أباك يعرفك، أكثر مما تعرف نفسك.

أتصلي؟ هذا هو السؤال القاطع لامتحان إيمانك، فهناك تصبح نفسك وضميرك في مرض شديد. اعترف لربك بذنبك. واطلب تطهيرك وشفاءك كاملاً لتمتليء بروحه القدوس، الذي يعلمك الصلاة المستجابة.

عندئذ يملأ فرح الرب قلبك، فتصلي ليس لنفسك فقط، بل لكل الذين وضعهم الرب على ضميرك.

3 - الصلاة الربَّانية (6: 9-13)

6: 9 فَصَلُّوا أَنْتُمْ هَكَذَا ..

تَقَدّم تلاميذ المسيح إليه طالبين نموذجاً للصلاة. فتواضع وأشركنا في صلاته الخاصة العظيمة. فمن يدرك معنى «الصلاة الربَّانية» يعرف الله.

6: 9 أَبَانَا ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ ٱسْمُكَ.

لم يعلّمنا المسيح أن ننطق باسم الله، وإنما علّمنا الاسم الفريد لله، الذي يلخص غنى العهد الجديد بكلمة واحدة «أبانا». وبديهي أننا غير مستحقين لندعو الله أبانا، ولا نقدر أن نتقدم إليه تلقائياً، ولكن المسيح نزل من السماء مولوداً من الروح القدس، وأشركنا في امتيازه، وأدخلنا في حقوقه، وحمل الخطية عوضاً عنَّا لنصبح نحن أولاد الله شرعاً بالتبني، وروحياً بالولادة الثانية.

من يتأمل كلام الرب يسوع المذكور في الإنجيل يلاحظ باندهاش أنه في صلواته أو حديثه مع تلاميذه، استعمل غالباً في تعبيره عن الله، كلمة آب أو أبي أو أبانا تقريباً 175 مرة. ولكنه حين كان يخاطب أعداءه أو يطرد الشياطين من الملبوسين كان يذكر اسم الله القدوس. ولمَّا حجب أبوه وجهه عنه وهو معلَّق على الصليب صرخ «إلهي إلهي، لماذا تركتني؟». ففي تلك الساعة كان يحمل في جسده خطايا العالم، فتحوَّل حنان أبيه إلى غضب ملتهب، لأنه ظهر كديَّان أزلي، مسلّماً ابنه للموت عوضاً عنَّا.

ورغم أن الآب حجب وجهه عنه فقد كافح يسوع مؤمناً، وتمسك بأبوّه الله، وصلى أخيراً قائلاً «ياأبتاه، في يديك أستودع روحي». ومنذ ذلك الوقت يسكب الروح القدس علينا، لنصرخ بفرح «أبانا الذي في السماوات» لأن الروح القدس يعلّمنا سرَّ أبوَّته للمؤمنين، فنصلي بشكر وغبطة للآب الحنون. وهو يؤكد لنا العفو الكامل وعطية الحياة الإلهية فينا. وبهذا الموقف الجديد أصبحنا أعضاء في عائلة الله وأهلاً لملكوته، وصار لنا حق القدوم إلى القدوس بدم المسيح في قوة الروح القدس الذي يدفعنا إلى التسامح والثقة.

والآباء في دنيانا آباء لأن لهم أولاداً. فبالطلبة الأولى، نطلب أن يولد لله أولاد كثيرون في كل أنحاء العالم، ويتقدس اسمه الأبوي، إن عاش أولاده في كل البلدان والمدن والقرى حسب فضائله.

الصلاة: أيها الآب، اسمك أحلى في حلوقنا من العسل المُصفَّى. كنا خطاة وأصبحنا أولادك. نشكرك لمحبتك ولنعمة ابنك ولرحمة روحك القدوس. لأننا أصبحنا بفدائك الثابت أبناءك بالحق والجوهر. ضع على قرانا ومدننا اسمك الأبوي، لكي يولد لك اليوم أولاد كثيرون. فيتعظم اسمك القدوس.

السؤال: 8 - كيف نقدس اسم الآب؟

6: 10 لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ.

خلق الله العوالم كلها وهي ملكه الخاص. ولكن الناس عصوا ربهم وتركوه، كأنهم سرقوا أنفسهم من يده. ورغم هذا العصيان فانهم ملكه. وأنت أيها الأخ خاصة الله بكل معنى الكلمة.

ولم يشأ الله أن يكون بعيداً عن ملكه، فأرسل مسيحه ليكون الملك في ملكوته، فشفى المرضى ورحم المساكين، وكرز للمستعدين، وبكى على العصاة ومات عوضاً عنَّا. فملكوت أبينا مبنيّ على كفارة الابن الذي أهَّل الخطاة للدخول في حظيرته. ويحقق الروح القدس بقدرته وتنظيمه الملكوت في العالم.

وهذه المملكة الإلهية مستمرة اليوم في أولاد الله. وكما أن ملكوته ليس من هذا العالم، هكذا نحن غرباء في دنيانا، وننفصل عنها إذا طلبنا تقديس اسم الآب.

وبهذه الطلبة نريد بنفس الوقت نشر ملكوته على الأرض، ليتقدم لطفه إلى كل الشعوب والأفراد. فالآب السماوي يعطي الامتياز لأولاده وكنائسه أن يكرزوا بإنجيل الملكوت، مصلين أن يتحقق في دنيانا. إن الله محبة، ويشاء أن يتقدس كل الناس بقوة نعمته. فهل تفكر بهذه المعاني الواسعة عندما تصلي: ليأت ملكوتك. فقصد الله هو تحريك قلبك لتتشوق للتبشير في محيطك وفي كل أنحاء العالم.

6: 10 لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي ٱلسَّمَاءِ كَذَلِكَ عَلَى ٱلأَرْضِ.

يُتعِب كثير من أهل الأديان أنفسهم ليعرفوا مشيئة ربهم، وبذلك نشأت النواميس والطقوس لتُعلِّم الناس تنفيذ أوامر الله، وفقاً لشرائع الوحي. وهذه السنن والنواميس تطالب بشدة: اعمل هذا، ولا تعمل ذاك. وبالحقيقة لا يستطيع إنسان أن يتمم إرادة الله ولا أن يعرفها، لأن البشر خطاة جاهلون.

شكراً لله الذي حررنا من لعنة الناموس وثقله المرهق، وأرسل لنا ابنه ليعلن لنا مشيئته الأبوية اللطيفة. فهو لا يطلب منَّا أن نعمل شيئاً لإرضائه، بل هو العامل والمعطي والمبارك على الدوام. إنه الخالق والمخلّص الرحيم. ولا يطلب منَّا عملاً مشروطاً ليقبلنا، بل هو مصدر كل العطايا. ويشاء أن يرحمنا ويباركنا ويساعدنا. وإن قصَّرنا في حفظ وصاياه فنعمته وحبه الرحيم يشملنا بالغفران. هل فهمت مشيئة أبيك السماوي؟ إنه يشتاق أن يباركك ويخلّصك ويملأك بقوة روحه القدوس.

6: 11 خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا ٱليَوْمَ.

لم يكن المسيح فيلسوفاً خيالياً، لكنه عاش إنساناً حقاً على هذه الأرض. كان له جسد يجوع ويحتاج إلى العناية والاهتمام والراحة. فعرف أن المريض والجائع والضعيف يصعب عليهم تسبيح الله وخدمته بفرح. ولم يحتقر المسيح الجسد البشري. لأنه جعله هيكلاً للروح القدس وطلب حفظه ونشاطه.

لم يعلمنا يسوع أن نطلب الغنى والثروات، لكيلا تمتليء بطوننا بطراً وسكراً، إنما علّمنا القناعة لنصلي إلى أبينا: أعطنا كفاف الأكل والشرب واللبس، والعمل والراحة والسكن وكل ضروريات الحياة، لأن كلمة «خبز» تشمل كل حاجات الإنسان الجسدية والروحية والنفسية. فلسنا حيوانات نكتفي بالأكل والشرب، بل إننا بحاجة إلى أصدقاء وكتب وفن وصحة. فعلَّمنا يسوع أن نطلب بالتواضع كل ما نحتاجه لحفظ حياتنا لنعيش لله وخدمته فرحين مكتفين بضروريات الحياة.

وقد حرَّض أن تخلو طلبات الصلاة الربَّانية من الضمير «أنا». ليحل محلها ضمير الجمع «نحن». لأن الروح القدس يعلّمنا الاهتمام والابتهال لأجل الآخرين، فليس الله هو أبي فقط، بل أبو جميع المؤمنين على السواء، أي أن محبته لا تقتصر عليَّ، إنما تشمل جميع الناس. والروح القدس يحررنا من الصلاة الأنانية فلا نطلب من أبينا خبزنا فقط، بل نطلب البركة لكل البشر، مع الاستعداد أن نشاركهم بمؤونتنا.

ليس الإنسان سيد حياته ولا مالك بيوته ولا رب وقته وعضلاته، لأنه مخلوق من الله، ومولود من أبيه السماوي. لهذا فأنت ملك له، مع كل ما لديك. وقد أوجدك أبوك السماوي لخدمة المحبة، وينتظر منك أن تشارك إخوانك بمواهبك، لأنه لا يجوز لك أن تطلب من أبيك معونتك وخلاص نفسك، إن كنت لا تطلب نفس الشيء للآخرين. اطلب أولاً ملكوت الله وبره، وهذه كلها تُزاد لكم.

وبما أن من الشروط لكسب الخبز اليومي العمل المتواصل، فنطلب بهذه الطلبة من أبينا أن يعطينا وكل الناس عملاً شريفاً ووظيفة بعرق الجبين.

وأبونا السماوي غني فوق الإدراك، ولكن بسبب طمع أولاده وقساوة قلوبهم تتأخر بركاته عنّا. فالروح القدس يعلمك أن تصلي لأجل الجائعين والبردانين في كل مكان، وبعدئذ اطلب الكفاف اليومي واترك الاهتمام بالغد، لأن أباك المُحب القدير يعتني بك.

6: 12 وَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضاً لِلمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا.

طوبى للإنسان الذي أدرك خطاياه واعترف بها. اطلب من أبيك السماوي أن يغفر لك أعمالك الشريرة، وآمن باستجابة صلاتك، لأن المسيح كفَّر عنك على الصليب. اقبل النعمة التامة في ضميرك، فيعزيك الروح القدس، ويؤكد لك سلام الله. اعترف بذنوبك وآمن بغفرانها في المسيح، فتتبرر إلى الأبد.

هل تختص طلبة الغفران بالمجرمين والملحدين فقط، أم هي شاملة أيضاً أولاده المتبررين؟ إن أبناء الله في ألحّ الحاجة أن يطلبوا كل يوم وفي كل لحظة التقديس بدم المسيح. وليس إنسان طاهراً من تلقاء نفسه أمام الله. فذبيحة المسيح أساسنا الوحيد لحياتنا مع الله. ولا تعزية لضميرنا إلا في دم الحَمَل المذبوح لأجلنا، فلهذا نطلب يومياً تطهيرنا من كل أفكار وأقوال وأعمال شريرة.

ولا تطلب الغفران لنفسك فقط. بل أيضاً لأجل الآخرين. هل تطلب عملياً السماح الإلهي لأجل أصدقائك وأقربائك. وتترقب تطهيرهم الفعلي. لا تنس أن الصلاة الربَّانية، تعلّمك النطق بصيغة «نحن» لا «أنا».

إن أباك يدعوك لتغفر لكل إنسان كل أخطائه وتباركه وتصلي لأجله ليصبح هو أيضاً إنساناً رحمه اله. فثورة المحبة الإلهية بدأت بموت المسيح على الصليب، وتتحقق اليوم بإيمانك وغفرانك لأعدائك.

وإن لم تغفر لمضادّيك كل ذنوبهم تحرم نفسك من نعمة الله، لأنك بطلبتك في الصلاة تقول: اغفر لنا تماماً كما غفرت للمذنبين إليَّ. فإذا لم تنس آثامهم تتجاوز عن قاعدة هذه الصلاة، وكأنك تحكم على نفسك قائلاً: أيها الآب لا تنس خطاياي، كما أنا لا أنسى أخطاء الآخرين. وإن غفرت لهم ظاهراً فقط فكأنما تطلب من الله أن يعاملك بنفس الطريقة. فالحرف «كما» هو أخطر كلمة في الصلاة الربَّانية.

والله لا يطلب منك أعمالاً مستحيلة لتبرير نفسك، بل ينتظر منك أن تصبح رحيماً كما هو رحيم. وهذا هو مبدأ المحبة. ألاَّ تعيش لنفسك. بل تتشارك مع الآخرين الغير المستحقين. إن جميع خطاياك مغفورة لك، إن كنت تغفر لخصمك حقاً.

6: 13 وَلاَ تُدْخِلنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ ٱلشِّرِيرِ.

لا يضلُّ الله واحداً ولا يدخله في تجربة ما، لأنه محبته قدوسة تخلّصنا ولا تهلكنا. ولكن إن كان أحد أبناء الله لا يتجاوب بجذب وتبكيت الروح القدس للطهارة والحق والمحبة، فإنه يسقط في الخطايا والعار، وهكذا يدرك أنه غير صالح في نفسه، فيبكي ويتوب ويرجع إلى أبيه، ملتمساً منه الغفران، وطالباً التغيير والتقديس الكامل.

إن أباك السماوي يشاء أن يصيّرك على صورته. وقد وهب المسيح لك اسمه الخاص ويدعوك «مسيحياً» لتسلك ممسوحاً بروحه القدوس، قديساً في المحبة وفرح السلام والصبر اللطيف. وحيثما لا تتحقق فضائل أبيك فيك لقساوة قلبك، فإنه يؤدّبك لتتعقل وترجع نادماً طالباً خلاصك وتقديسك في قوته.

فإن طلبت لأجلك ولأجل كل المؤمنين التوبة المستمرة، وحفظك من التجارب والسقوط في الأخطاء، فإنك بهذا تطلب تغيير القلوب وتقديسها معاً. فإن الرسول بولس، بعد تفسيره مبدأ التبرير مطوَّلاً في الرسالة إلى رومية، وضح التقديس وتجديد أذهان المؤمنين، ليقدموا أجسادهم ذبيحة حية مرضية عند الله. فلابد من تقديسك، لأن هذه هي إرادة الله قداستنا.

والتجارب من حولك عديدة. لأن الأفلام والدعايات والكتب والملابس وكل الحياة أصبحت صرخة واحدة ضد قداسة الله. ومن قلبك أيضاً تخرج أفكار شريرة مضادة لوصايا الرب. فكلنا نحتاج إلى الطلبة للحفظ من التجارب.

والهدف الأخير لكل تجربة هو عصياننا ضد الله وخروجنا من عهده، والابتعاد عن الآب لنحيا في استقلال عنه.

لا تظن أنك تقدر أن تتغلب على الشيطان، لأننا كلنا أمام ملاك النور الساقط ضعفاء عاجزون. فاطلب من المسيح غالب الموت وقاهر إبليس أن يشركك في انتصاره. فمن يؤمن بيسوع المقتدر يكون واقفاً إلى جانب المنتصر. والمسيح يلقّب الشيطان بالشرير لأنه مصدر كل الشر، ولا يصدر منه إلا الخراب والهلاك. فالعالم واقف في المعركة بين الله والشرير، الخير والشر. كما أن أول كلمة في الصلاة الربانية هي الآب وآخرها الشرير. فحياتك تجري بين هاتين الكلمتين، المعبّرتين عن شخصية الله العظيمة، وشخصية الشيطان عدوه. فإلى من تلتجيء؟

لا تطلب لنفسك فقط الخلاص من قدرة إبليس ومكره، بل اطلب لكل البشر التحرير من قبضة الخبيث وقيود الظلمة، لينتقلوا إلى حرية أبناء الله. فالمسيح هو المنجّي القادر على كل شيء، ويفدي كنيسته المبتهلة من سلطات الظلمة المتربّصة. اطلب حلول الروح القدس على أصدقائك ليمتلئوا بالمحبة الحقة، لأنه بدون الروح القدس لا يقدرون أن يعملوا شيئاً.

وعندما سيأتي المسيح في المجد، نتقدم إليه بهتاف، لأنه بحضور ملكوته تنتهي سلطة الشيطان نهائياً. فلا يفصلنا عندئذ الموت ولا الخطية ولا التجارب عن محبة الله. فبهذه الطلبة الأخيرة نلحّ على مجيء المسيح سريعاً، ليظهر ملكوت أبيه علانية بقوة مجده. فهدف الصلاة الربانية هو تحقيق هذا الملكوت الأبوي، الذي يغلب كل القوى المضادة له.

6: 13 ... لأَنَّ لَكَ ٱلمُلكَ وَٱلقُوَّةَ وَٱلمَجْدَ إِلَى ٱلأَبَدِ.

نعترف أن أبانا السماوي هو مالك العالم، لأنه خلقه. وهو حي ويملك من الأزل إلى الأبد. وحقه ثابت في كل الشعوب. حتى ولو تعترف بحقه.

والله قوي قوة بلا حدّ. وكما أن الشمس ترسل أشعتها ليلاً نهاراً إلى الفضاء، ولا تقلّ قوتها النووية، هكذا يشرق الله بمحبته على كل الناس ليجذبهم ويخلّصهم ويحفظهم، ولو لم يريدوا. فقوة الله أعظم من إدراكنا.نشعر أحياناً بهولها إذا زلزلت الأرض أو قصف الرعد. فهل تؤمن بعمله وحكمته وحضوره معنا، وإرادته خلاصك؟ إن القادر على كل شيء هو أبوك. فإلى متى أنت غافل عن إكرامه ومحبته؟

والله مجيد، لا يقدر أحد على رؤيته لأننا فانون، فالإنسان الطبيعي لا يستطيع الدخول إلى ملكوت الله، بل يحتاج إلى خلق جديد وولادة روحية، وقيام مع المسيح. فبدون الولادة بكلمة الله والروح القدس لا يمكننا أن نرى مجد الله. ولكن المولود جديداً سيكون مجيداً كشمس. وليس ذلك من ذاته، بل لقربه من الله المجيد. فيدرك أن رب المجد هو محبة مقدسة. تقصد تغييرنا إلى صورته لنكون مجيدين كما هو مجيد.

الصلاة: أبانا الذي في السموات، ليتقدس اسمك. ليأت ملكوتك. لتكن مشيئتك. كما في السماء كذلك على الأرض. خبزنا كفافنا أعطنا اليوم. واغفر لنا ذنوبنا، كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا. ولا تدخلنا في تجربة. لكن نجنا من الشرير. لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد. آمين.

السؤال: 8 - ماذا يعلمنا تعظيم الآب في آخر الصلاة الربَّانية؟

4 - الطلب المؤكَّد للمصالحة (6: 14 و15)

6: 14 فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلاّتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضاً أَبُوكُمُ ٱلسَّمَاوِيُّ. 15 وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَلاّتِهِمْ، لا يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضاً زَلاّتِكُمْ.

كم هو مخجل أن يخبرنا يسوع مكرراً أن المحبة الغافرة هي وحدها تكميل الناموس.

امتحن نفسك أيها الأخ. هل جددك الله وملأك برحمته؟ وكيف يبدو هذا التجديد؟

ولكن لمحبة الله هدف فوق ذلك، وهو أن تنشر حولك السلام السماوي، لأن أبناء الله هم صانعو السلام. هل هناك إنسان تكرهه؟ هذا أهم إنسان في حياتك، لأن الله أرسله لامتحانك واختبار قلبك، ليعلّمك التسامح والغفران والتأني والحلم والوداعة.

غفران الله للجميع، وغفراننا لبعضنا هو أساس العهد الجديد. وحيث لا يتحقق هذا الشرط فهناك لا يحل ملكوت الله. إن محبة العدو هي ثمر إيمانك. وفي امتناعك عن التسامح تعارض عمل الروح القدس فيك وحولك. أحب أعداءك. بارك لاعنيك، أحسن إلى مبغضيك، وصلّ لأجل الذين يسيئون إليك ويضطهدونك. تمم هذه الوصية الحبية، فتكون ابناً لله وأخاً للمسيح.

لما أُلقي بولس في سجن فيلبي مع رفيقه سيلا رتلا بفرح ترانيم الشكر، رغم أن أرجلهما كانت في المقطرة، وقد جُلد ظهراهما، حتى سال الدم منهما. ومع ذلك أحباَّ جَالدِيهما ورئيس السجن، وصلَّيا لأجلهم. فتاب السجَّان الأكبر. ولما رُجم استفانوس صلى لأجل قاتليه، لأن كل أولاد الله يتبعون صرخة المصلوب «يا أبتاه اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون»!

لقد غفرت لنا محبة الله كل الذنوب. فمن ينسجم معها ويفتح قلبه للأعداء، يرى السماء مفتوحة كاستفانوس، ويختبر قدرة الله العاملة كبولس وسيلا، اللذين بسبب صبرهما اهتدى كثيرون وأدركوا أن الله هو الآب. فامتحن نفسك. هل هناك مانع لجريان روح الله في حياتك؟

الصلاة: أيها الآب، نتوب بندامة قلوبنا، وبعزيمة صادقة. اغفر لنا تكبّرنا، وعلّمنا قداستك وسماحك وتواضع ابنك. وساعدنا لنغفر لكل إنسان ما أساء به إلينا، كما غفرت لنا، لتصبح محبتنا شكراً لنعمتك الممطرة علينا باللطف والرحمة والجودة.

السؤال: 9 - ما هو الشرط لثباتنا في الشركة مع الله؟

5 - الصوم والفرح (6: 16-18)

6: 16 وَمَتَى صُمْتُمْ فَلا تَكُونُوا عَابِسِينَ كَٱلْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ ٱسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ. 17 وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صُمْتَ فَٱدْهُنْ رَأْسَكَ وَٱغْسِلْ وَجْهَكَ، 18 لِكَيْ لا تَظْهَرَ لِلنَّاسِ صَائِماً، بَلْ لأَبِيكَ ٱلَّذِي فِي ٱلْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ ٱلَّذِي يَرَى فِي ٱلْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلانِيَةً.

لماذا نصوم؟ ليس صيامنا لتبريرنا أو تطهير أنفسنا، بل ندامة وتوبة وابتهالاً. إن الصوم هو صلاتك في شعورك الباطني. فإن اهتزت أعصاب معدتك جوعاً، وظلت روحك متجهة لله دائماً، تصير نفسك خفيفة من أثقالها، طائرة مرفرفة بالإيمان والصلاة والشكر. فالذي يصوم حقاً يتعمق في نعمة الله، ويتحرر من الدينونات، ويشترك في الألوهيات.

لكن انتبه أثناء صومك، لتكون نفسك ممتلئة بكلمة الله. فالصوم لا يخلّصك، بل كلمة الله وحدها، التي تجعل صومك جزءاً من إيمانك، فتنال قوة كبيرة من ربك.

لا تتحدث للناس عن صومك لتظهر لهم درجة عالية من تقواك، بل اسلك كما في كل يوم. زيّن نفسك لأن الله يلتقي بك ويشركك في انتصار المسيح بصومك. عندئذ تمتليء بفرح حضور الله ولا تفشل من ممارسة التقوى.

والله يعلن نفسه للمصلي الصائم، المتعمق في كلمة الإنجيل وهذا أعظم درجات الإعلان، فترى في سيرة المسيح أباه، حسب قوله «من رآني فقد رأى الآب». وهذا اشتياق قلوبنا، أن نراه كما هو.

والصائم ينقل قوة المسيح للآخرين. وكلما اجتهدت أكثر في سبيل التبشير، تكون مصلياً وصائماً أكثر، لأنك تختبر أن قوة الظلمة تتسلط على الأفراد، ولا تخرج منهم إلا بالصوم والصلاة في الإيمان.

ولا يقتصر صومك على الأكل والشرب فقط بل عن كل لهو تافه، فتوفر مالك، وتقدر أن تضحّي به لنشر ملكوت أبيك. وامتناعك عن أمور كهذه هو أهم من الصوم وترك الأكل والشرب. كرِّس وقتك وقدرتك لله بلا تظاهر، فتر ثمار مجده نامية في الآخرين.

الصلاة: أيها الآب، أنت تسكن فينا بروحك اللطيف. نسجد لك بفرح، ونشكرك بتهلل، لأنك دعوتنا لشركتك. فعلّمنا السلوك المُرضي لك والصلاة لأجل الآخرين، والصوم في سرور وثقة، ليخلص كثيرون، وينالوا الحياة الأبدية.

السؤال: 10 - ما معنى الصوم في العهد الجديد؟

هـ - تحريرنا من عبودية المال (6: 19-34)

1 - من يجمع مالاً يخدم الشيطان (6: 19-24)

6: 19 لا تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً عَلَى ٱلأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ ٱلسُّوسُ وَٱلصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ ٱلسَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ. 20 بَلِ ٱكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً فِي ٱلسَّمَاءِ، حَيْثُ لا يُفْسِدُ سُوسٌ وَلا صَدَأٌ، وَحَيْثُ لا يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلا يَسْرِقُونَ، 21 لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضاً. 22 سِرَاجُ ٱلْجَسَدِ هُوَ ٱلْعَيْنُ، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّراً، 23 وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِماً، فَإِنْ كَانَ ٱلنُّورُ ٱلَّذِي فِيكَ ظَلاماً فَٱلظَّلامُ كَمْ يَكُونُ! 24 لا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ ٱلْوَاحِدَ وَيُحِبَّ ٱلآخَرَ، أَوْ يُلازِمَ ٱلْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ ٱلآخَرَ. لا تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا ٱللّٰهَ وَٱلْمَالَ.

يجمع بعض الأغنياء كنوزهم بالطمع، ويبنون بيوتاً ضخمة، ويلبسون ثياباً ثمينة، ويزدادون غِنى بأساليبهم الاقتصادية الملتوية، ويستخدمون المال لتتكاثر ثروتهم أضعافاً، ويصبحون وعشيرتهم أقوياء، ويتسلطون على الآخرين بقدرة ممتلكاتهم.

وليس الفقراء بأحسن من الأغنياء، لأنهم يحاولون عمل ما يعمله الأغنياء، فكلاهما يبنيان المستقبل على أساس ممتلكات دنيوية، ولا يدركون أن نفوسهم أبدية محتاجة إلى غذاء روحي. فكل شيء زائل إلا الله، وغفران المسيح أضمن لحياتك من بيت مصنوع من أسمنت وحديد، تخربه القنابل وتزيله الزلازل. فإيمانك أهم من شهاداتك المدرسية، ومحبتك بالروح القدس أثمن من أرقام رصيدك في البنوك، وخدمتك للمحتاجين تمجد الله، وتقدماتك لا تضاعف كنزك في البنك السماوي، لأن الله حصتك، وهو أعظم كنز.

لقد أصبح عصرنا مادياً أكثر من ذي قبل، ويجاري البشر تطور الاقتصاد والاكتشافات الحديثة، ويشتاقون إلى الرفاهية المدنية، وينسون الله القدوس وعظمته، فيبتعدون عن الروح القدس ويمتلئون بروح هذا العالم النجس. ولا يعني المال المادة فقط، بل الروح العامل ضد الله أيضاً. وسمّاه المسيح «المامون» الظالم، المتسلط على كل الذين لا يثبتون في الله.

الصلاة: أيها الآب الغني. نسجد لك لأجل صبرك علينا، نحن الماديين. اغفر لنا محبتنا للمال، وحررنا من ثقتنا بممتلكاتنا، وعلّمنا أن نحبك ونثق بك وحدك لنقدم لك كل ما هو لنا، ونربحك أنت كنزنا الوحيد، وولينا في الدنيا والآخرة.

السؤال: 11 - لماذا لا نستطيع خدمة الله والمال في نفس الوقت؟

2 - ملكوت الله أولاً (6: 25-34)

6: 25 لِذٰلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: لا تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَبِمَا تَشْرَبُونَ، وَلا لأَجْسَادِكُمْ بِمَا تَلْبَسُونَ. أَلَيْسَتِ ٱلْحَيَاةُ أَفْضَلَ مِنَ ٱلطَّعَامِ، وَٱلْجَسَدُ أَفْضَلَ مِنَ ٱللِّبَاسِ؟ 26 اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ ٱلسَّمَاءِ: إِنَّهَا لا تَزْرَعُ وَلا تَحْصُدُ وَلا تَجْمَعُ إِلَى مَخَازِنَ، وَأَبُوكُمُ ٱلسَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا. أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِٱلْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا؟ 27 وَمَنْ مِنْكُمْ إِذَا ٱهْتَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَامَتِهِ ذِرَاعاً وَاحِدَةً؟ 28 وَلِمَاذَا تَهْتَمُّونَ بِٱللِّبَاسِ؟ تَأَمَّلُوا زَنَابِقَ ٱلْحَقْلِ كَيْفَ تَنْمُو! لا تَتْعَبُ وَلا تَغْزِلُ. 29 وَلٰكِنْ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ وَلا سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كَوَاحِدَةٍ مِنْهَا. 30 فَإِنْ كَانَ عُشْبُ ٱلْحَقْلِ ٱلَّذِي يُوجَدُ ٱلْيَوْمَ وَيُطْرَحُ غَداً فِي ٱلتَّنُّورِ، يُلْبِسُهُ ٱللّٰهُ هٰكَذَا، أَفَلَيْسَ بِٱلْحَرِيِّ جِدّاً يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي ٱلإِيمَانِ؟ 31 فَلا تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ، أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ، أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟ 32 فَإِنَّ هٰذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا ٱلأُمَمُ. لأَنَّ أَبَاكُمُ ٱلسَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هٰذِهِ كُلِّهَا. 33 لٰكِنِ ٱطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ وَبِرَّهُ، وَهٰذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ. 34 فَلا تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ، لأَنَّ ٱلْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي ٱلْيَوْمَ شَرُّهُ.

من يمتليء بمحبة الله ويتحرر من تجربة جمع المال ويضحّي باستمرار، يجربه الشيطان بطريقة أخرى، ويوسوس إليه: مالك لا يكفيك. إن مرضت من يهتم بك؟ ملابسك مهترئة والأسعار مرتفعة، والتطور الاقتصادي ينتقل من كارثة إلى كارثة. فاضمن نفسك. ادرس. اجتهد. وفر، لتعيش محظوظاً في مالك.

لكن روح الله يكسر اهتمامك الزائد بهمومك، ويدلك على جودة الله الأبوية الذي يعتني بك كل العناية. وهذا لا يعني أن تجلس كسولاً دون أن تشتغل، منتظراً أن يفتح الله نوافذ السماء. إنما محبة المسيح تحررك للاجتهاد والعمل بروح الاطمئنان، وبلا خوف أو طمع. فشركتك مع المسيح تخلّصك من همومك فتثق بمحبة أبيك السماوي، خالق الكل وضابطه.

راقب العصافير يلتقطون مالا يزرعونه، ويطيرون بسهولة حيثما يجدون غذاء. وبأكثر من ذلك فأبوك السماوي يحرر نفسك لتطير إليه، لأنه وحده يعتني ويهتم بك، فترى أنه يفكر فيك ويمنحك عملاً ويساعدك.

لقد منحك أبوك السماوي جسداً، الحياة فيه سر لم تستقصه العلماء بعد. انظر إلى النباتات تحت الميكروسكوب واندهش. شم رائحة الوردة واعلم أن كل جمال ونظام الكون ما هو إلا لمعان مجد الخالق القدير على كل شيء، الذي يقود النجوم في طريقها، ويعرف عدد الذرات الدائرة حول محورها، وهو يعرفك ويحبك لأنه أبوك. كل الأشياء في الدنيا مخلوقة، أما أنت فمولود منه. وقد ضحَّى بمسيحه لأجلك، ألعله ينساك؟! مستحيل ألا يفكر أبوك السماوي بك، في كل لحظة من لحظات حياتك. فالهموم قلة إيمان، وتذمرك تجديف.إن محبة الله كبحر ورحمته كالسماء وهو يقول لك «لا تخف لأني فديتك دعوتك باسمك، أنت لي».

اهتم بالله ومبادئه، فتنتظم حياتك تلقائياً، لأن حضور الله يقدسها. ادرس تسلسل الطلبات في الصلاة الربَّانية، فتعرف معنى الملكوت في حياتك، واهتمام أبيك بك. قدّس اسمه واهتم بمملكته، ونشر الإنجيل، قولاً وصلاةً وتضحيةً. ولا تهتم بنفسك أولاً، إنما عظّم بر الملك السماوي واشهد بحقوق وقدرة ملكوته، ليدخل الضالون إلى رحاب الخلاص. عندئذ يهتم الملك بأمورك ويحمل المسئولية عنك، ويبارك كل نواحي حياتك.

الصلاة: أيها الآب، نشكرك للطفك الأبوي، واهتمامك بنا، ولغفران خطايانا، نشكرك لأنك ساعدتنا في كل ضيق، ومنحتنا الكافي للحياة في الدنيا والآخرة. احفظنا من التذمّر وقلة الإيمان، وثبّتنا بثقة عظيمة في محبتك، وحررنا من الاهتمام الزائد بأنفسنا، لنهتم بملكوتك ونشر برك أولاً وآخراً.

السؤال: 12 - لماذا يمنعنا المسيح من الاستسلام للهموم؟

و - النتائج الفاصلة لحياتنا مع الله (7: 1-27)

1 - لا تدينوا (7: 1-6)

7: 1 لا تَدِينُوا لِكَيْ لا تُدَانُوا، 2 لأَنَّكُمْ بِٱلدَّيْنُونَةِ ٱلَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ ٱلَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ. 3 وَلِمَاذَا تَنْظُرُ ٱلْقَذَى ٱلَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا ٱلْخَشَبَةُ ٱلَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلا تَفْطَنُ لَهَا؟ 4 أَمْ كَيْفَ تَقُولُ لأَخِيكَ: دَعْنِي أُخْرِجِ ٱلْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ، وَهَا ٱلْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ. 5 يَا مُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلاً ٱلْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّداً أَنْ تُخْرِجَ ٱلْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ!

يدعونا المسيح لتمييز الأرواح لكيلا نتبع روحاً مضلاً، وبنفس الوقت نحب هؤلاء المضلين، لأن المسيح غفر على الصليب خطاياهم. وينتظر توبتهم.

وإن كان عليك القرار في أمور تمييز الأرواح، وإعلان الأكاذيب والذنوب، فلا تقل الحق في وجه إنسان بدون محبة. ولا تتكلم بالمحبة خالية من الحق، لأن الذي يشدد على الحق فقط يدين الآخر بقساوة، ولا يساعده ليقبل الغفران. ومن يحب الآخر دون إعلانه له حقيقة أخطائه يغرقه في أخطائه وظلمة أكثر.

إحذر التسرُّع في قرارك بخصوص أي إنسان، فإنك لا تعرف تاريخ حياته، ولا عناصره الموروثة، ولا مؤثرات محيطه التي شَكَّلته منذ صغره. إن الله أرحم منك، ويحب الساقطين والزناة والسارقين واللصوص. تذكر أن المسيح قد أكل مع العشَّارين والخطاة المرفوضين، وبقي قدوساً ممتلئاً بالمحبة للضالين.

لسنا جميعاً أفضل من أي خاطيء. لا تدن إنساناً ولا تقبحه، بل اطلب من ربك ليريك فتتواضع. لا تظن أنك أفضل من الخطاة. تذكّر كيف غفر يسوع آثامك. إنك تعيش بالنعمة، وليس من صلاحك.

7: 6 لا تُعْطُوا ٱلْمُقَدَّسَ لِلْكِلابِ، وَلا تَطْرَحُوا دُرَرَكُمْ قُدَّامَ ٱلْخَنَازِيرِ، لِئَلاّ تَدُوسَهَا بِأَرْجُلِهَا وَتَلْتَفِتَ فَتُمَزِّقَكُمْ.

لا تسرع في تقديم الخلاص للآخرين، ولا تظن أنك قادر على خلاص فاسد واحد، لأن المسيح وحده هو المخلّص. أما نحن فآلات في يده اللطيفة. وكثيرون ليسوا مستعدين لسماع كلمة الله ويرفضونها باستهزاء. حاذر أن تقول لهم كل البشارة للمرة الأولى، فلا يقدرون على احتمالها دفعة واحدة. لا تجبرهم على قبول أفكارك إن رفضوها. ولا تتكلم بمبالغة عن اهتدائك وتجديدك، لأنهم لا يفهمون إن لم يفتح روح الرب آذانهم للأسرار الروحية.

إهد كل طالب خلاص إلى المسيح مباشرة، لا لتقواك الخاصة، إذ أن الأرواح الشريرة تتربص لتخربك، ومن يفتح نفسه إلى إرشاد هذه الأرواح المضادة لله يشبه الكلاب والخنازير أكثر من بني آدم.

لا تدن إنساناً، ولا تحاول أن تخلّصه بقدرتك الخاصة، لأن كليهما عمل الله وحده. والله يدعوك لتتبع مسيحه، وتعلن قدرته، وتحقق قوته بإيمانك. فصلّ أكثر مما تفكر، وتعمّق في الإنجيل أكثر مما تتكلم. ولا تدن أحداً البتة، بل أحبه وباركه واحتمله، وصل لأجله لتتجلى محبة الله فيه.

2 - صلاة الإيمان (7: 7-11)

7: 7 اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. 8 لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ. 9 أَمْ أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ إِذَا سَأَلَهُ ٱبْنُهُ خُبْزاً، يُعْطِيهِ حَجَراً؟ 10 وَإِنْ سَأَلَهُ سَمَكَةً، يُعْطِيهِ حَيَّةً؟ 11 فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلادَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ أَبُوكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ.

هل أنت متورط بمشكلة أو ضيقة، ولا تجد لنفسك خلاصاً ولا فكاكاً منها؟ تعال إلى ربك وحدثه عنها، فهو الوحيد الذي يستطيع حل مشاكل نفسك وجسدك وروحك. لقد أرسل مسيحه بسلطان فائق إلى العالم، ليمحو خطاياك، ويسكب من روح محبته فيك، ليرشدك إلى القناعة والحكمة والصدق. صل أكثر مما تتكلم، ولا تشغل بالك ليلاً نهاراً في همومك، بل اصغ لكلمة الله، وآمن بوعوده الأمينة، فلا تضطرب، ولا تخاف. تعال إلى أبيك السماوي وثق به فاتحاً لديه ضميرك، ملتمساً منه الغفران، وطالباً بر خلاصه. إنه ينتظر قدومك إليه. فمتى تأتي؟ إن أباك السماوي يساعدك في مشاكلك الخاصة. وأكثر من ذلك، فهو يساعدك بفرح إن صليت لأجل الآخرين بدافع روحه، لأن الله في ذاته محبة، ويعزم أن يملأ قلبك بحنانه. كم صلاة تصلّيها لأجل نفسك، وكم واحدة ترفعها سائلاً الله لأجل الآخرين؟ فبالجواب على هذا السؤال يظهر لك السبب لعدم استجابة صلواتك بسرعة.

كثيراً ما يتباطأ الله بالاستجابة للذين يدعونه، وذلك ليمتحن قلوبهم إن كانوا يحبونه شخصياً، أو يحبون هباته فقط.

وقد علَّمنا المسيح أن نتدرج في صلواتنا، ونلحّ أكثر فأكثر في طلباتنا فردياً وجماعات. فتعالوا واجتمعوا للصلاة المشتركة، ليبارككم أبوكم السماوي بملئه. إنه يترقب الأدعية من أبنائه، فاسألوه عن أفضل حل لمشاكلكم، واطلبوا قوة الله لخلاص الكثيرين، واقرعوا باب الله بصلواتكم، ملتمسين منه الغفران والتجديد للجائعين إلى البر في محيطكم. لأن بدون محبة للضالين تكون صلاتك بلا قوة.

ما أجمل الصورة التي حكاها المسيح عن الآب الدنيوي، إذ يقدم لأولاده عوناً ورزقاً حسناً رغم إهمالهم وأنانيتهم في طفولتهم، ولا يهلكهم في غضبه إن أخطأوا، بل يشبعهم لأنه يحبهم. وهكذا بفارق كبير يمنحك الله كل عطايا صالحة، لأنه هو أبونا.

السؤال: 13 - لماذا يطلب يسوع منَّا الصلاة المُلحّة بالمواظبة؟

3 - القاعدة الذهبية (7: 12)

7: 12 فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ ٱلنَّاسُ بِكُمُ ٱفْعَلُوا هٰكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهِمْ، لأَنَّ هٰذَا هُوَ ٱلنَّامُوسُ وَٱلأَنْبِيَاءُ.

هل عرفت أن الله يحبك ويستجيب صلواتك ويحررك من حقد حسدك ويخلّصك من روح همومك ويجرّدك من حساسيتك البغيضة إلى حياة مستقيمة في الاطمئنان والخدمة والطهارة؟ فجواباً على هذه المحبة العظمى لا تفكر بنفسك دائماً، بل تغيِّر تفكيرك، وتتأمل في حالة قريبك. وكما أنك تحب نفسك، هكذا تبذلها في سبيل التضحية لأجل الآخرين. انظر إلى المسيح الذي بذل نفسه لأجل الخطاة. فبقدوته يتغيّر مبدأ الحياة. عندئذ لا تنتظر من الناس خدمات ومساعدات وملاطفات، بل تسبقهم في الاحترام والعون والتواضع، وتعمل لهم المعروف بسرعة.

وهذه القاعدة الذهبية، أن تعامل الناس حسب شوقك أن يعاملوك، هي خلاصة الناموس، كما أن هذا المبدأ يغيّر الجو في عائلتك، وعندئذ يبتديء السلام في محيطك. والفرح يدخل إلى قلبك، وتتبع المسيح الذي عامل الناس كما أراد هو أن يعاملوه. ولم يكفّ عن إجراء محبته عندما خالفوا مبدأ الناموس هذا، بل استمر في تأدية لطفه وإعلان حقه إلى المنتهى.

4 - الطريقان (7: 13، 14)

7: 13 اُدْخُلُوا مِنَ ٱلْبَابِ ٱلضَّيِّقِ، لأَنَّهُ وَاسِعٌ ٱلْبَابُ وَرَحْبٌ ٱلطَّرِيقُ ٱلَّذِي يُؤَدِّي إِلَى ٱلْهَلاكِ، وَكَثِيرُونَ هُمُ ٱلَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ! 14 مَا أَضْيَقَ ٱلْبَابَ وَأَكْرَبَ ٱلطَّرِيقَ ٱلَّذِي يُؤَدِّي إِلَى ٱلْحَيَاةِ، وَقَلِيلُونَ هُمُ ٱلَّذِينَ يَجِدُونَهُ!

يدعوك الله لتتقدم إليه. ولكن أين هو باب السماء؟ قال المسيح «أنا هو الباب». وليس أحد يدخل إلى الفردوس إلا إذا التجأ إلى محبة الله المتجسدة في يسوع. هو الذي حمل خطاياك. فيه تستطيع القدوم إلى الله خالياً من ذنوبك. وبدون خلع خطاياك لا تستطيع المرور من الباب الضيق. فعلينا أن نأتي معترفين بخطايانا ليجعلنا مطهَّرين قدّيسين.

قليلون هم تابعو المسيح، لأن الناس لا يعرفون أن طريق محبته جميلة، فيسرعون في طرق الشهوات والأمنيات الكاذبة، مفتخرين وعاصين الله.

الصلاة: أيها الآب العظيم، أنت المحبة المقدسة. اغفر لي كل اهتمامي بنفسي وإهمالي للآخرين. ساعدني للالتجاء إلى ابنك المصلوب ليحررني من ثقل أحمالي، فأسير مع كل أولادك في دروب القداسة، تابعين رئيس سلامنا وآتين إليك رغم المخاوف والتجارب، لأن ابنك ارتبط بنا في عهده الجديد.

السؤال: 14 - لماذا يكون الباب والطريق المؤدي إلى الله ضيقاً؟

5 - الأنبياء الكذبة (7: 15-20)

7: 15 اِحْتَرِزُوا مِنَ ٱلأَنْبِيَاءِ ٱلْكَذَبَةِ ٱلَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَابِ ٱلْحُمْلانِ، وَلٰكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِلٍ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ! 16 مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ ٱلشَّوْكِ عِنَباً، أَوْ مِنَ ٱلْحَسَكِ تِيناً؟ 17 هٰكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَاراً جَيِّدَةً، وَأَمَّا ٱلشَّجَرَةُ ٱلرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَاراً رَدِيَّةً، 18 لا تَقْدِرُ شَجَرَةٌ جَيِّدَةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَاراً رَدِيَّةً وَلا شَجَرَةٌ رَدِيَّةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَاراً جَيِّدَةً. 19 كُلُّ شَجَرَةٍ لا تَصْنَعُ ثَمَراً جَيِّداً تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي ٱلنَّارِ. 20 فَإِذاً مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ.

يحذرك المسيح من المعلمين الخاطئين، الذين يُضِلّون طلاب البر، لأن الشيطان الذي اعتاد الغش والتزوير لا يرسل فجاراً ولا بسطاء إلى الكنيسة، بل أناساً مرائين متظاهرين بالإنسانية والعلم، ويلهمهم موهبة الخطابة، ليجتذبوا الجماهير برؤى ونبوات، ويجري بواسطتهم قوى ساحرة وعجائب بارعة.

إحذر ولا تسلّم نفسك لأي روح، بل قارن التعاليم المختلفة بالإنجيل، لأن الكنيسة ورعاتها لا يخلّصونك، إنما المخلّص هو المسيح الحي وحده.

كل كاهن أو مبشّر يربط سامعيه بنفسه بروح التحزّب هو من الروح السفلي، لأن سفراء المسيح الحقيقيين يحوّلون المؤمنين من النظر إليهم، للإيمان بشخص المسيح وحده. فلا تتأثر بعظمة شخصية ما، بل اطلب المصلوب وحده.

إن طهارة قلبك ونظافة قولك دليل واضح على أن مصدرك هو الله، لأن من يتكلم بقوة الروح القدس، يعش من فضائله سعيداً محفوظاً.

الصلاة: أيها الآب السماوي، نشكرك لأن ابنك أنقذنا من الكذبة، ورسله قد أرشدونا إليك. افتح قلوبنا لروحك الحق لكيلا نضل، بل نميز الأرواح بسرعة، ونأتي بأثمار صالحة كثيرة. ولا نُعثِر إنساناً ما، إنما نرشده إلى ابنك المخلّص الوحيد.

السؤال: 15 - من هو المُضِلّ؟

6 - تطبيق الناموس بقوة الروح (7: 21-27)

7: 21 لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ يَا رَبُّ، يَدْخُلُ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ. بَلِ ٱلَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ. 22 كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ: يَا رَبُّ يَا رَبُّ، أَلَيْسَ بِٱسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِٱسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِٱسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ 23 فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! ٱذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي ٱلإِثْمِ!

خلّصك المسيح لتعمل أعمال محبته، فإيمانك بالمخلّص نقلك إلى حياته. وموته بررك ليحل روحه القدوس في جسدك. فكيف تثبت أنك ابن الله؟

أولاً: بواسطة صلاتك. لأن أولاد الله لا يصرخون كل حين «يارب يارب» بل يدعون الله أباهم، ويستودعون أمورهم وأنفسهم بين يديه، ويثقون بعنايته الدائمة، فيهتدون ويتقون لأعمال صالحة، ويتعمقون في رسالة الإنجيل، وينمون في ثقة ومحبة ورجاء. لم يحررنا المسيح لنصلح أعمالنا الشريرة قليلاً بقوتنا الذاتية، بل لنستسلم للروح القدس الذي ينشيء ثماره فينا.

حدث مرة أن كاذباً آمن. وكان أصدقاؤه من قبل يقولون عنه إن ثمانين بالمائة من أقواله مبالغة. ولكن بعد اهتدائه قال أحد أصدقائه إن عشرين بالمائة من أقواله مبالغة. ففرح المؤمن المنسحق أنه نما في الصدق، وطلب من المسيح بالدموع أن يخلّصه من المبالغة تماماً، ويجعله صادقاً لآخر كلمة وحرف، مستقيماً في كل كيانه.

فإن كنت ترى ضعفاً وعلة في أخلاقك، فاذكرها لدى المسيح معترفاً بندامة، طالباً شفاءك وتقديسك. وارفض كل إثم بعزم.

يدعوك الرب لتكون شاهداً أميناً له وقد عمَّرت قلبك بمحبته، فالمحبة هي تكميل الناموس. الإيمان سينتهي حين يأتي المسيح ثانية إلى عالمنا. والرجاء سينتهي حينما نرى مخلّصنا ونعاين أبانا المجيد. لكن المحبة ستبقى خالدة، لأن الله محبة. فاطمح للامتلاء بالمحبة الإلهية، لتطبقها في حياتك.

الصلاة: أيها الآب القدوس، نشكرك لأنك سكبت محبتك في قلوبنا بالروح القدس المُعطَى لنا، وطهرتنا بدم ابنك الحبيب. سامحنا لقلة صبرنا، واهتمامنا بأنفسنا واستكبارنا. ثبّتنا في يسوع. لنتمم مشيئتك في قوته، ونثبت في عنايته محروسين محفوظين.

السؤال: 16 - من هو الذي يدخل إلى السماء؟

7: 24 فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هٰذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُلٍ عَاقِلٍ، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى ٱلصَّخْرِ. 25 فَنَزَلَ ٱلْمَطَرُ، وَجَاءَتِ ٱلأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ ٱلرِّيَاحُ، وَوَقَعَتْ عَلَى ذٰلِكَ ٱلْبَيْتِ فَلَمْ يَسْقُطْ، لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّساً عَلَى ٱلصَّخْرِ. 26 وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هٰذِهِ وَلا يَعْمَلُ بِهَا، يُشَبَّهُ بِرَجُلٍ جَاهِلٍ، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى ٱلرَّمْلِ. 27 فَنَزَلَ ٱلْمَطَرُ، وَجَاءَتِ ٱلأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ ٱلرِّيَاحُ، وَصَدَمَتْ ذٰلِكَ ٱلْبَيْتَ فَسَقَطَ، وَكَانَ سُقُوطُهُ عَظِيماً!.

ويل للإنسان الذي يبني حياته على فلسفات ومذاهب غير مؤسسة على الصليب، لأنها تخدعه وتكلمه عن تفوق الإنسان ونجاحه بأعماله الخاصة، وتنفخه إلى أن ينفجر. وعندئذ يدرك أن لا شيء صالح في نفسه.

ولكنك تعرف صوت الراعي الصالح، الذي لا يضج ولا يصرخ، بل يحفظ أتباعه في حقه إلى الأبد، ويقوّيهم للأعمال الصالحة الصادرة من قوة محبته وصبر رجائه، فلا يقدر أحد أن يخطفهم من يده. فهو والآب واحد. ولا يقدر أحد أن يخطفنا من يد أبينا السماوي. والمسيح حي ومالك مع أبيه والروح القدس، إلهاً واحداً، إلى أبد الآبدين. وسيأتي قريباً ليُدخل الذين يعملون حسب الإنجيل إلى ملكوته، إذ ينتظرونه بترقُّب ممهدين طريقه بسلوك طاهر، ومقدمين له ثمار روحه القدوس.

7: 28 فَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هٰذِهِ ٱلأَقْوَالَ بُهِتَتِ ٱلْجُمُوعُ مِنْ تَعْلِيمِهِ، 29 لأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَمَنْ لَهُ سُلْطَانٌ وَلَيْسَ كَٱلْكَتَبَةِ.

المسيح إنسان حق وإله حق، فكلامه عامر بالسلطان. يحرك القلوب المتحجّرة، ويخلّص الجياع إلى البر، ويقود المنكسرين لمعرفة أنفسهم. ولنا الامتياز أن نوّزع إنجيل الفداء بين المشتاقين إليه، لنوضّح عظمة لطف مخلّصنا الفريد، الذي بنفس الوقت القاضي الأزلي، في الدينونة الأخيرة.

2 - معجزات في كفر ناحوم ومحيطها (8: 1-9: 35)

أ - شفاء الأبرص (8: 1-4)

8: 1 وَلَمَّا نَزَلَ مِنَ ٱلْجَبَلِ تَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ. 2 وَإِذَا أَبْرَصُ قَدْ جَاءَ وَسَجَدَ لَهُ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ، إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي. 3 فَمَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَلَمَسَهُ قَائِلاً: أُرِيدُ فَٱطْهُرْ. وَلِلْوَقْتِ طَهُرَ بَرَصُهُ. 4 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: ٱنْظُرْ أَنْ لا تَقُولَ لأَحَدٍ. بَلِ ٱذْهَبْ أَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ، وَقَدِّمِ ٱلْقُرْبَانَ ٱلَّذِي أَمَرَ بِهِ مُوسَى شَهَادَةً لَهُمْ.

البرص مرض قبيح مكروه، اعتُبر في الماضي لعنة من الله على خطايا شنيعة. فكان المجتمع يرفض البُرص ويحتقرهم ولا يسمح لهم بالاقتراب من الأصحاء.

لذلك اشمأزّ أتباع يسوع من الأبرص الذي جاء للمسيح، وتعجّبوا كيف سمح المسيح له بالاقتراب ولم يطرده، وكيف أن المسيح تجاوز أحكام وتقاليد أمتهم ليخلّص هذا المسكين المحتقر المطرود.

وأما الأبرص فآمن من كل قلبه بقدرة المسيح، لسماعه عن أعماله العجيبة، موقناً بألوهيته. وسجد له أمام الكل وناداه «يارب». وتمتم طالباً الشفاء.

وفوراً تجاوب المسيح مع هذا التكريس الكلي له. ولم يخش العدوى، بل لمس الجلد المصاب، رغم امتعاض الجماهير الذين تراجعوا عنه فزعاً وخوفاً. وقد أثبت المسيح للأبرص قوله الإلهي العظيم «أريد، فأطهر» لمّا طهره وشفاه.

وبهذه العبارة الموجزة نرى إعلان مشيئة الله الجوهرية الفعالة، لأنه خلقنا ويرشدنا ويشفينا ويخلّصنا ويقدّسنا ويكمّلنا. فلا تنس أبداً أن المسيح جاوب على صلاة الأبرص بكلمة واضحة «أريد، فأطهر». فهكذا يلمسك ويمسحك، ويمسك بيدك ويعضدك لتشعر بمحبته.

وأرسل المخلّص المَشْفِي إلى الكهنة ليثبتوا هم رسمياً انتصار الله على هذا المرض الملعون. فلم ينقُض المسيح الناموس ووظائفه، بل أكمله في محبته.

ب - شفاء غلام القائد الروماني (8: 5-13)

8: 5 وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ كَفْرَنَاحُومَ، جَاءَ إِلَيْهِ قَائِدُ مِئَةٍ يَطْلُبُ إِلَيْهِ 6 وَيَقُولُ: يَا سَيِّدُ، غُلامِي مَطْرُوحٌ فِي ٱلْبَيْتِ مَفْلُوجاً مُتَعَذِّباً جِدّاً. 7 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا آتِي وَأَشْفِيهِ. 8 فَأَجَابَ قَائِدُ ٱلْمِئَةِ: يَا سَيِّدُ، لَسْتُ مُسْتَحِقّاً أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي، لٰكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَقَطْ فَيَبْرَأَ غُلامِي. 9 لأَنِّي أَنَا أَيْضاً إِنْسَانٌ تَحْتَ سُلْطَانٍ. لِي جُنْدٌ تَحْتَ يَدِي. أَقُولُ لِهٰذَا: ٱذْهَبْ فَيَذْهَبُ، وَلآخَرَ: اِيتِ فَيَأْتِي، وَلِعَبْدِيَ: ٱفْعَلْ هٰذَا فَيَفْعَلُ. 10 فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ تَعَجَّبَ، وَقَالَ لِلَّذِينَ يَتْبَعُونَ: اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ، لَمْ أَجِدْ وَلا فِي إِسْرَائِيلَ إِيمَاناً بِمِقْدَارِ هٰذَا. 11 وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ مِنَ ٱلْمَشَارِقِ وَٱلْمَغَارِبِ وَيَتَّكِئُونَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ، 12 وَأَمَّا بَنُو ٱلْمَلَكُوتِ فَيُطْرَحُونَ إِلَى ٱلظُّلْمَةِ ٱلْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ ٱلْبُكَاءُ وَصَرِيرُ ٱلأَسْنَانِ. 13 ثُمَّ قَالَ يَسُوعُ لِقَائِدِ ٱلْمِئَةِ: ٱذْهَبْ، وَكَمَا آمَنْتَ لِيَكُنْ لَكَ. فَبَرَأَ غُلامُهُ فِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ.

كان التقليد اليهودي يحسب الأممي نجساً دنساً كالأبرص، فشفاء غلام القائد الروماني كان يعني هجوماً جديداً من المسيح على التفاسير المعقّدة للناموس، لأنه استقبل الضابط الأممي أمام الجميع. وبرهن هذا أن مجيء الله لا يقتصر على شعب اليهود.

كان هذا الضابط أعظم رجل في كفر ناحوم، وممثلاً للسلطة الاستعمارية الحاكمة. وقد جاء إلى يسوع الشافي ملتمساً شفاء خادمه، واعترف علانية بعدم استحقاقه قائلاً «لست مستحقاً أن تدخل تحت سقفي». لأنه قَبِل التقاليد القاضية بأنه لا يحق ليسوع أن يتنازل ويدخل بيت أممي، فلم يرد إحراج المسيح، مما يدل على أنه كان حسّاساً وإنسانياً لدرجة أنه احترم تقاليد اليهود الذين يحتقرهم الرومان. واعتبار غلامه كابن دلَّ على محبة فائقة وتواضع كبير.

وفوق ذلك نرى أن القائد الروماني كان مؤمناً بقدرة المسيح على شفاء الأمراض، يأمرها أن تذهب كما يأمر القائد جنوده، فتذعن لأمره لأن كل السلطات السماوية تحت تصرفه.

وقد سُرَّ المسيح لهذا الإيمان الكبير، الذي لم يجد مثيله بين أتباعه وشعبه، ونال الإيمان الصادق انتظاره لأن يسوع شهد لطالب الشفاء بالخلاص الأبدي، حيث يستريح المؤمنون في الفردوس، جالسين مع إبراهيم وإسحق ويعقوب بحضور الله محور رجائنا. وأما كل الذين لا يؤمنون بقدرة المسيح فيُطرَدون إلى اليأس المستمر، لأنهم لم يقبلوا محبة الله.

الصلاة: نسجد لك أيها الآب السماوي، لأنك اخترتنا في المسيح إلى راحة القديسين معك. اغفر قلة إيماننا وضعف ثقتنا. وعلّمنا أن نتكل على استعدادك لشفاء أصدقائنا من الكفر والخطية اخلق فينا التواضع والانكسار والمحبة للآخرين لنسعى في سبيل خلاصهم ونلحّ عليك حتى تخلّصهم.

السؤال: 17 - لماذا كان إيمان قائد المئة عظيماً؟

ج - شفاء حماة بطرس (8: 14-17)

8: 14 وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ بُطْرُسَ، رَأَى حَمَاتَهُ مَطْرُوحَةً وَمَحْمُومَةً، 15 فَلَمَسَ يَدَهَا فَتَرَكَتْهَا ٱلْحُمَّى، فَقَامَتْ وَخَدَمَتْهُمْ. 16 وَلَمَّا صَارَ ٱلْمَسَاءُ قَدَّمُوا إِلَيْهِ مَجَانِينَ كَثِيرِينَ، فَأَخْرَجَ ٱلأَرْوَاحَ بِكَلِمَةٍ، وَجَمِيعَ ٱلْمَرْضَى شَفَاهُمْ، 17 لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ ٱلنَّبِيِّ: هُوَ أَخَذَ أَسْقَامَنَا وَحَمَلَ أَمْرَاضَنَا.

بعدما أبرز البشير متى أن المسيح يحب المنعزلين المطرودين المحتقرين، ولا يرفض الأمميين المعتبرين نجسين، أظهر كيف أنه رحم إمرأة ضعيفة بالنسبة للرجال المغرورين. وكان بطرس مقدام التلاميذ متزوجاً. وحين تبع يسوع لم يُلغِ عهد زواجه، لأن الزواج ليس خطية بل نعمة من الخالق، ونظام سليم في الطبيعة.

وازداد الضيق في بيت بطرس حين مرضت حماته. وحاول الشيطان منع التلميذ من خدمته. فجاء يسوع بلا طلب إليه، وأمسك بيد المحمومة، وشفاها بدون كلمة. فجرت قوته إليها وطردت الحُمَّى في الحال.

وتم الشفاء كاملاً فقامت للخدمة رأساً. وبرهنت بهذا العمل انسجامها بروح المسيح الذي أتى بنفسه ليخدِم وليس ليُخدَم. وهكذا يشفينا الرب من سلطة الخطية، ويحررنا من مشاكلنا المتنوعة، ويمنحنا امتياز الخدمة، فنترك أنانية الدنيا ونعمل في رحاب المسيح.

وركض كل الناس الذين شعروا بسلطان يسوع، حاملين مرضاهم ومخبرين عائلاتهم وأهاليهم وجيرانهم عن المخلّص العظيم الحال بينهم. وهو شفاهم جميعاً. ولم يرفض أحداً، حتى الذي كان إيمانه ضئيلاً وغير ناضج. فالإيمان ولو كان قليلاً يكفي لينتصر به صاحبه.

وذكر البشير متى على الخصوص إتيان المجانين الكثيرين. الذين تحرروا من سلطة الأرواح الشريرة.

وقد وجد البشير متى تفسيراً لعمل المسيح الخلاصي في نبوة إشعياء 53 ، حيث نقرأ عن عبد الله الذي حَمَل أسقامنا، وطهّرنا من ذنوبنا بالكلمات العظيمة «لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحمَّلها. وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه وبحُبُره شُفينا».

د - مبادئ اتِّباع يسوع (8: 18-22)

8: 18 وَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ جُمُوعاً كَثِيرَةً حَوْلَهُ، أَمَرَ بِٱلذَّهَابِ إِلَى ٱلْعَبْرِ. 19 فَتَقَدَّمَ كَاتِبٌ وَقَالَ لَهُ: يَا مُعَلِّمُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي. 20 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ ٱلسَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ.

ينبوع القوة الإلهية هو المسيح الذي يمنح غنى محبته لكل مؤمن به، ويغيّر القلوب، وينير الأذهان. إنما رغم شفائه للمحتاجين بقى فقيراً محتاجاً لا بيت له ولا مأوى، لأنه منع ذاته من زخارف الدنيا، ولم يشتهِ مرغّبات العالم.

كان المسيح فقيراً، وهذا يحرر أتباعه من الرجاء الخاطيء أنهم ينالون وظائف أو مالاً أو غِنى. ولو أصبحت كنيسة المسيح غنية بالممتلكات والنقود لما كانت كنيسة حقَّة، لأن محبة الله تدفعنا لبذل ما عندنا لا لجمع الأموال. فإن تبعت يسوع فلا تنتظر غِنى أو ضماناً أو مركزاً، إلا حلول قوة الله فيك، وتعزية روحه في قلبك. وهذا هو الامتياز المسيحي.

جاء للمسيح كاتبٌ خبير بالتوراة، واعترف علانية بعزمه على اّتِّباعه، لأنه وجد في المسيح خلاصة أفكاره اللاهوتية وتاج مُثله العليا. فأعلن له المسيح أنه جاء عالمنا خادماً لا فيلسوفاً، عاملاً لا متخيّلاً، فقيراً محتقراً مطروداً لا فقيهاً يجلس على كرسي مؤلَّه.

وأبرز يسوع الفرق بين نفسه وعلماء العالم وأحبار الأديان بقوله إنه أفقر من الحيوانات وأقل استقراراً من الطيور. فالأرض ليست وطنه، وهو غريب فيها، مطرود من البشر ومصلوب من شعبه. فمن يتبعه يصبح غريباً وفقيراً مثله.

الصلاة: أيها الآب السماوي، وطننا عندك. في العالم تملك الخطية والمال. فنحن غرباء فيه. ساعدنا لئلا نطلب غِنى وشرفاً وضماناً لأنفسنا، وحررنا من جميع أوهامنا، لتغيّرنا إلى خدّام، ويجري منّا الخلاص إلى محيطنا.

السؤال: 18 - لأي مقدار كان يسوع فقيراً قنوعاً؟

8: 21 وَقَالَ لَهُ آخَرُ مِنْ تَلامِيذِهِ: يَا سَيِّدُ، ٱئْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلاً وَأَدْفِنَ أَبِي. 22 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: ٱتْبَعْنِي، وَدَعِ ٱلْمَوْتٰى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ.

تراكضت الجماهير نحو المسيح وقد جذبتها كلمته المخلّصة وقوته الشافية. وكثيرون مشوا معه ليحفظوا كل لفظة من أقواله، ويراقبوا كل عمل يجريه، فشعروا بمحبته العُظمى، وأحسّوا بجلاله الفائق، لأنه دعاهم لاتِّباعه المُطلق، وطلب منهم الإيمان الكامل.

ولكن لم يقطع أحد من هؤلاء علاقته بوالده الكبير السن. ربما أراد ملازمته إلى مماته، ثم يعود إلى المسيح. فعرف الرب أن هذا الشاب سيغيّر نيته إن عاد إلى أهله ومشاكل أسرته، فيفقد الاتصال به. وهكذا خيَّره بين اتِّباعه حالاً أو الانفصال عنه، ودعاه من التزاماته العائلية إلى حرية ملكوت الله، لأن كل من تبعه انتقل من الموت إلى الحياة، ومن الحزن إلى الفرح. وهكذا ذكر في الناموس أنه يجب على رئيس الكهنة وكل المكرّسين لخدمة الرب ألاَّ يقتربوا للموتى ولا لجثة أبيهم، لأنهم مقدسون للرب (لاويين 21: 11 والعدد 6: 6). فعلى المؤمن بيسوع ألاَّ يتأثر بالموت ولا بالحزن، بل أن يشهد للحياة الساكنة فيه، فيتحرر من ارتباطاته العائلية التي تمنعه من اتِّباع يسوع، فتفوح منه رائحة الحياة الإلهية.

والمسيح يسمّي كل الناس الطبيعيين موتى متحركين، وفاقدين الحياة الإلهية الأصلية. وجميع اجتهاداتهم تقودهم نحو الموت حتماً، لأن بذرة الموت تعمل في أفكارهم وأعمالهم. فكل تعليم وثقافة واقتصاد وسياسة لا تُدخل الإنسان للحياة الأبدية، بل تسارع به إلى الهاوية. فلا رجاء في دنيانا إلا في المسيح الذي يعطينا حياة لا تزول. ومن يتبعه يجد أباً جديداً وإخوة وأخوات دائمين. والفرح في عائلة الله أعظم من الحزن في عائلة البشر. اتكل على الرب من كل قلبك، ولا تلتصق بعائلتك المحبوبة، إلى درجة تمنعك من عمل مشيئة الله.

الصلاة: أيها الآب القدوس، نسجد لك لأنك منحتنا الحياة الأبدية في ابنك، فنتعلق به ولا نتركه. ساعدنا لكيلا نعتبر عائلتنا أهم منك. ولكيلا تُنقِص واجباتُنا الدنيوية محبتَنا لك. حررنا من خوف الموت، وثبّتنا في فرح حياتك مع كل المحتاجين في حياتهم.

السؤال: 19 - لماذا منع يسوع الابن أن يحضر دفن أبيه؟

هـ - إسكات العاصفة والأمواج (8: 23-27)

8: 23 وَلَمَّا دَخَلَ ٱلسَّفِينَةَ تَبِعَهُ تَلامِيذُهُ. 24 وَإِذَا ٱضْطِرَابٌ عَظِيمٌ قَدْ حَدَثَ فِي ٱلْبَحْرِ حَتَّى غَطَّتِ ٱلأَمْوَاجُ ٱلسَّفِينَةَ، وَكَانَ هُوَ نَائِماً. 25 فَتَقَدَّمَ تَلامِيذُهُ وَأَيْقَظُوهُ قَائِلِينَ: يَا سَيِّدُ، نَجِّنَا فَإِنَّنَا نَهْلِكُ! 26 فَقَالَ لَهُمْ: مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ يَا قَلِيلِي ٱلإِيمَانِ؟ ثُمَّ قَامَ وَٱنْتَهَرَ ٱلرِّيَاحَ وَٱلْبَحْرَ، فَصَارَ هُدُوءٌ عَظِيمٌ. 27 فَتَعَجَّبَ ٱلنَّاسُ قَائِلِينَ: أَيُّ إِنْسَانٍ هٰذَا! فَإِنَّ ٱلرِّيَاحَ وَٱلْبَحْرَ جَمِيعاً تُطِيعُهُ.

نام المسيح في السفينة رغم الخطر المحدق لأن ضميره كان مرتاحاً، وكان عارفاً عناية أبيه. وله الوعد بأن شعرة واحدة لا تسقط من رأسه بدون إرادته. فكل من يسير مع المسيح في سفينة الكنيسة، عَبْر بحر الحياة، يطمئن رغم الأخطار، لأن المخلّص الأمين والقادر على كل شيء معه. ادخل إلى سفينة المسيح ولا تخف، لأنه مرشد حياتك إن سلمته عجلة قيادتك، فيوصلك حتماً إلى ميناء السلام الأبدي.

على أن الشركة مع المسيح لا تحفظك من العواصف المفاجئة أو الخطيرة التي تهددك ، فهذه التجارب عادية. إنما يسوع هو ربنا القدير الحافظ.

واستمر الصيادون في عملهم المضني وسط العاصفة، يفرغون السفينة من الماء المتسرب إليها. ولمَّا تعالت الأمواج كجبال طامية عليهم خافوا وصرخوا مضطربين. ولمَّا امتلأت سفينتهم ماء وأوشكت على الغرق، فقدوا صبرهم، وأيقظوا النائم وهزوه صائحين «يارب نجنا! ألا ترى حالتنا ضيقة؟ كيف تنام ونحن على شفا الهلاك؟».

ونهض المسيح من نومه وسط الأخطار المميتة، ووبَّخهم وسط الزوابع، لأن الخطر كان في قلة إيمانهم. فالمسيح يطلب من أتباعه ثقة مطلقة بعناية الله وحمايته لهم كل لحظة من حياتهم، لأن الخوف لا يتفق مع محبة الله.

ثم انتهر المسيح الرياح والأمواج المضطربة، وأمرها بمجرد كلماته أن تهدأ، فهدأت وصار سكون عظيم. فازداد الخوف في مشاهدي هذه الأعجوبة، لأنهم عاينوا البرهان أن يسوع هو رب العناصر الطبيعية أيضاً. فحيث يملك المسيح يبدأ الهدوء السماوي في القلوب. فمتى تسجد لقدرة يسوع مؤمناً بسلطانه على الطبيعة والأرواح والشعوب والضيقات؟ سلّم نفسك في يده فتعيش مطمئناً وسط الاضطراب.

الصلاة: أيها الرب يسوع المسيح، أنت القادر على كل شيء. اغفر لنا قلة إيماننا وقت الخطر. قوِّ محبتنا لك الظاهرة في الثقة المطلقة. امكث معنا، لكيلا نيأس ساعة الضيق. وافتح أعيننا لنراك، ونبصر أنك المنتصر على كل السلطات والطبيعة والضيقات، وتحب جماعتك بلا انقطاع.

السؤال: 20 - لماذا وبّخ يسوع تلاميذه وسط الخطر؟

و - إخراج الشياطين من الملبوسين (8: 28-34)

8: 28 وَلَمَّا جَاءَ إِلَى ٱلْعَبْرِ إِلَى كُورَةِ ٱلْجِرْجَسِيِّينَ ٱسْتَقْبَلَهُ مَجْنُونَانِ خَارِجَانِ مِنَ ٱلْقُبُورِ هَائِجَانِ جِدّاً، حَتَّى لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَجْتَازَ مِنْ تِلْكَ ٱلطَّرِيقِ. 29 وَإِذَا هُمَا قَدْ صَرَخَا قَائِلَيْنِ: مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ ٱبْنَ ٱللّٰهِ؟ أَجِئْتَ إِلَى هُنَا قَبْلَ ٱلْوَقْتِ لِتُعَذِّبَنَا؟ 30 وَكَانَ بَعِيداً مِنْهُمْ قَطِيعُ خَنَازِيرَ كَثِيرَةٍ تَرْعَى. 31 فَٱلشَّيَاطِينُ طَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ: إِنْ كُنْتَ تُخْرِجُنَا، فَأْذَنْ لَنَا أَنْ نَذْهَبَ إِلَى قَطِيعِ ٱلْخَنَازِيرِ. 32 فَقَالَ لَهُمُ: ٱمْضُوا. فَخَرَجُوا وَمَضَوْا إِلَى قَطِيعِ ٱلْخَنَازِيرِ، وَإِذَا قَطِيعُ ٱلْخَنَازِيرِ كُلُّهُ قَدِ ٱنْدَفَعَ مِنْ عَلَى ٱلْجُرْفِ إِلَى ٱلْبَحْرِ، وَمَاتَ فِي ٱلْمِيَاهِ. 33 أَمَّا ٱلرُّعَاةُ فَهَرَبُوا وَمَضَوْا إِلَى ٱلْمَدِينَةِ، وَأَخْبَرُوا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَنْ أَمْرِ ٱلْمَجْنُونَيْنِ. 34 فَإِذَا كُلُّ ٱلْمَدِينَةِ قَدْ خَرَجَتْ لِمُلاقَاةِ يَسُوعَ. وَلَمَّا أَبْصَرُوهُ طَلَبُوا أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ تُخُومِهِمْ.

المسيح هو رب عناصر الطبيعة لأنه خلقها ويضبطها، وهو أيضاً الرب على الأرواح والشياطين.

وليس الكثير من الناس ملبوسين بالشياطين، لأن هذه الحالة المهلكة نادرة. ولكن روح الكفر والإلحاد والبغضة والعصيان والنجاسة يقود كل الذين لا يؤمنون بالمسيح. ومن يسلّم نفسه للأبالسة عن طريق اتصاله بالأموات، أو استشارة العرَّافين، أو بأي تلاعب مضاد للضمير، يسقط في سلطة الأرواح الشريرة، ويتقيد بسلاسل الشر.

تعال إلى يسوع، لأنه القدير الوحيد ليحررك ويحفظك من كل روح مخرِّب. المسيح هو المحرر المنجّي المخلِّص من كل ارتباط بالخطية والعادات النجسة. فتعال من قبرك الروحي، وتقدم إلى يسوع، كما ركض المجنونان إليه، فتختبر تحرير ضميرك والخلاص العظيم.

عرفت الأبالسة يسوع أكثر مما عرفه الناس، واعترفت جهراً ببنوّته في وحدة الثالوث الأقدس. فالأرواح النجسة تقشعر من ابن الله كأعداء مغلوبة، والعالم الآخر أكثر وعياً ومراقبة منّا لتطور ملكوت الله على أرضنا نحن الدنيويين.

ليت الأحياء يكونون أحكم من الأبالسة، فيسجدون للابن الإلهي ويقبلونه مخلّصاً، فحيث يملك المسيح على القلوب هناك السلام. يصبح الناس عقلاء، يلبسون بلياقة، ويعيشون بصبر ونظام وفرح. فاقبل يسوع وكلمته لكيلا تشبه أهل القرية، الذين اهتموا بخنازيرهم المفقودة أكثر مما اهتموا بالمخلّص الحاضر بينهم.

والتعزية الكبرى لنا، أن المسيح حرر الملبوسين بمجرد كلمته الإلهية. فتجد في الإنجيل القوة اللازمة لتحرر نفسك وأصدقاءك.

الصلاة: أيها الآب السماوي، نشكرك من صميم قلوبنا لأنك ولدتنا من روحك القدوس، ومنعت الشيطان أن يبث فينا شره. نحن محفوظون بدم ابنك من إبليس. فساعدنا لكيلا نفتح أذهاننا مرة أخرى للأرواح النجسة، بل نتقدس مترقبين مجيء المسيح المنتصر. وإلى أن يأتي نلتمس منك تحرير كثيرين من المقيدين بالأرواح الشريرة في محيطنا ليدخلوا إلى حرية ملكوتك اللطيف.

السؤال: 21 - كيف ولماذا حرّر يسوع الملبوسين؟

ز - سلطان المسيح يغفر ويشفي (9: 1-8)

9: 1 فَدَخَلَ ٱلسَّفِينَةَ وَٱجْتَازَ وَجَاءَ إِلَى مَدِينَتِهِ. 2 وَإِذَا مَفْلُوجٌ يُقَدِّمُونَهُ إِلَيْهِ مَطْرُوحاً عَلَى فِرَاشٍ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ إِيمَانَهُمْ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: ثِقْ يَا بُنَيَّ. مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ. 3 وَإِذَا قَوْمٌ مِنَ ٱلْكَتَبَةِ قَدْ قَالُوا فِي أَنْفُسِهِمْ: هٰذَا يُجَدِّفُ! 4 فَعَلِمَ يَسُوعُ أَفْكَارَهُمْ، فَقَالَ: لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِٱلشَّرِّ فِي قُلُوبِكُمْ؟ 5 أَيُّمَا أَيْسَرُ، أَنْ يُقَالَ: مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ وَٱمْشِ؟ 6 وَلٰكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ ٱلإِنْسَانِ سُلْطَاناً عَلَى ٱلأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ ٱلْخَطَايَا حِينَئِذٍ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: قُمِ ٱحْمِلْ فِرَاشَكَ وَٱذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ! 7 فَقَامَ وَمَضَى إِلَى بَيْتِهِ. 8 فَلَمَّا رَأَى ٱلْجُمُوعُ تَعَجَّبُوا وَمَجَّدُوا ٱللّٰهَ ٱلَّذِي أَعْطَى ٱلنَّاسَ سُلْطَاناً مِثْلَ هٰذَا

المسيح هو المنتصر على الأمراض وعناصر الطبيعة والأرواح الشريرة، وهو أيضاً غافر الذنوب. وفي الحوادث المذكورة آنفاً، نرى أن الخطايا هي سبب الأمراض والفوضى والموت، لأنها تفصلنا عن الله وسلامه. فكل من يعيش بعيداً عن ربه يخطيء. وأوضح لنا الله أن الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله.

رأى المسيح ضمير المريض المبكت، فلم يشأ أن يشفيه إلا بعد محو ذنوبه. ولكنه لا يغفرها له إلا إذا فتح نفسه تماماً لعلاجه. فتكلّم المسيح عن الغفران وسلطانه المُطلق للعفو. ولمّا شاهد إيمان أصدقاء المريض الأربعة الذين حملوه إليه، وتيقَّن من ثقة المفلوج، سمَّاه ابنه بالإيمان، وغفر بكلمته القوية خطاياه وطهّره من آثامه. فصار المذنب في الحال بريئاً، وابناً لله بالنعمة. فهل حررك المسيح بكلمته من كل ذنوبك؟ الجواب على هذا السؤال أهم من كل الدبلومات والشهادات والامتحانات في حياتك. ولتتأكد من غفران خطاياك، انظر إلى المسيح المصلوب الذي حمل خطايانا، ومات ذبيحة وكفارة لأجلنا. فمن يؤمن به يتبرر، ومن يفتح نفسه لإنجيله يختبر الخلاص.

ولما غفر المسيح لهذا المريض ندد به خبراء التوراة واغتاظوا واتهموه بالتجديف، لأنهم لم يؤمنوا بألوهيته، واعتبروه متعدياً مستحقاً الرجم. وعندئذ لم يعلن المسيح لهم أنه ابن الله القدير، بل سمَّى نفسه ابن الإنسان، ليبدأوا التفكير بالأعجوبة الكبرى، إن سلطان الله حلَّ في هيئة الإنسان الخادم الشافي المخلّص.

ولم يرفض المسيح أعداءه، بل برهن لهم أن له الحق والمقدرة لمغفرة الخطايا، وذلك بإعلانه شفاء المفلوج مسبَّقاً. فلمّا التفت إلى السقيم دخلت من كلمته الإلهية قوة إلى جسمه، فشعر بانتعاش وتجديد، وقفز وركض وحمل سريره، رمزاً لسلطان المسيح العظيم.

ليتنا نحمل بعضنا بعضاً إلى معالجة يسوع، لننال غفران خطايانا وشفاءً من شللنا الروحي، فتقيمنا قوة المصلوب لحياة ممتلئة الحركة والخدمة، ونركض في سبيل الناصري شهادة لعظمة سلطانه.

الصلاة: أيها الآب، نهلل لك لأن ابنك غفر خطايانا ومحاها على الصليب نهائياً نعظّمك ونسجد لمحبتك ملتمسين منك خلاص الملايين الذين لم يعرفوا خلاص ملكوتك بعد. ونذكر أمامك الجياع إلى البر في محيطنا، والعمي لمحبتك، ونسمّي أسماءهم قدامك. لا تغفل عن دعائنا، بل اشف وخلّص وارحم الآن.

السؤال: 22 - كيف غفر يسوع الخطايا للمفلوج؟

ح - دعوة متى العشَّار (9: 9-13)

9: 9 وَفِيمَا يَسُوعُ مُجْتَازٌ مِنْ هُنَاكَ رَأَى إِنْسَاناً جَالِساً عِنْدَ مَكَانِ ٱلْجِبَايَةِ، ٱسْمُهُ مَتَّى. فَقَالَ لَهُ: ٱتْبَعْنِي. فَقَامَ وَتَبِعَهُ. 10 وَبَيْنَمَا هُوَ مُتَّكِئٌ فِي ٱلْبَيْتِ، إِذَا عَشَّارُونَ وَخُطَاةٌ كَثِيرُونَ قَدْ جَاءُوا وَاتَّكَأُوا مَعَ يَسُوعَ وَتَلامِيذِهِ. 11 فَلَمَّا نَظَرَ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ قَالُوا لِتَلامِيذِهِ: لِمَاذَا يَأْكُلُ مُعَلِّمُكُمْ مَعَ ٱلْعَشَّارِينَ وَٱلْخُطَاةِ؟ 12 فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ قَالَ لَهُمْ: لا يَحْتَاجُ ٱلأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ ٱلْمَرْضَى. 13 فَٱذْهَبُوا وَتَعَلَّمُوا مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لا ذَبِيحَةً، لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى ٱلتَّوْبَةِ.

يخبرنا البشير متى عن الساعة الفاصلة في حياته، التي دوَّنها في إنجيله، بعد شفاء المفلوج، ليُظهر أنه أقل من ذلك الخاطيء المريض، لأن العشارين كانوا يومذاك رمزاً للغش والطمع والظلم، وعملاء للسلطة الاستعمارية. فحُسبوا مع الزناة واللصوص والقتلة، ملعونين من الناموس. وإذ دعا يسوع متى العشار لاتِّباعه غيَّر حياته كلياً، وجعل منه رسوله المحترم في السماء وعلى الأرض. فيظهر بهذا أن ليسوع الإرادة والإمكانية، ليطهّر أردأ الخطاة. فمحبته تشملك أيضاً.

«اتبعني!» هذه الكلمة المفردة كانت سهم الله الذي أصاب قلب متى واخترقه. كان اسمه قبل ذلك «لاوي» فصار «متى» أي «عطية الله». كلمة خالقه من فم المسيح هي أكثر قدرة من ألف كتاب بشري فارغ. ومن هذه الكلمة الفريدة تطور إنجيل متى كله، لأن العشار كان معتاداً لتسجيل الحقائق بكل دقة. وهو الوحيد بين التلاميذ الذي تكلم بلغة مختلفة، فخدم يسوع بمواهب مهنته. ولم يظهر اسمه في إنجيله إلا في هذا الموضع. لكنه أبرز اسم المسيح وأعماله وكلماته القوية.

وفرحاً بخلاصه أعدَّ متى وليمة عظيمة، ودعا كل الجياع للبر أن يحضروها. فجاء اللصوص والغشاشون والزناة والغوغاء، ورأوا المسيح من قريب نوراً للعالم، وسمعوا كلماته الحنونة، وقبلوا تعزيته المنجّية. فمن أول لحظة اتِّباعه ليسوع، ظهر متى مبشراً ورسولاً.

أما الأتقياء والمتعلمون والمتكلمون عن بر أنفسهم فلم يدركوا رأفة المسيح، وخدعوا أنفسهم ظانين أنهم أصحاء في الدين، وأصحاب الوحي والعهد مع الله. وبالحقيقة كانوا هم المرضى. والمرضى الخطاة أصحاء إن تابوا وجاءوا إلى المسيح. فالمكتفي بنفسه ينهار إلى جهنم. فكيف حالتك؟

جاء يسوع بأعظم انقلاب في تفكير الأديان، لأنه سمَّى الأتقياء الراسخين في التديُّن هالكين مرضى. وأما الخطاة فأبرار. فكل من يظن أنه مستقيم ومقبول عند الله والناس هو أكبر أثيم، ولكن من يخجل لشره معترفاً بعيوبه، يُرضي الله ويكون مقبولاً عنده.

ط - سؤال تلاميذ المعمدان عن الصوم (9: 14-17)

9: 14 حِينَئِذٍ أَتَى إِلَيْهِ تَلامِيذُ يُوحَنَّا قَائِلِينَ: لِمَاذَا نَصُومُ نَحْنُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ كَثِيراً، وَأَمَّا تَلامِيذُكَ فَلا يَصُومُونَ؟ 15 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو ٱلْعُرْسِ أَنْ يَنُوحُوا مَا دَامَ ٱلْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ وَلٰكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ ٱلْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ.

يرينا المسيح معنى التقوى الحقة والباطلة بجوابه على سؤال تلاميذ يوحنا المعمدان، الذي كان آنذاك سجيناً. وقد علَّم الشعب الندم على عيوبهم والتوبة والصوم، فظنّوا أن المسيح يعلّم تلاميذه أيضاً الانكسار والحزن ليرحمهم الله لأجل جهودهم.

والصوم خاصة يظهر للأتقياء في كل الأديان أنه أفضل طريقة للحصول على بركة الله. لكن النعمة لا تُنال بالأجرة بل هي هبة. والخطايا لا تزول بالصوم، إنما إيمانك بفداء المسيح هو الذي يخلّصك. وعندئذ يصير صومك شكراً وحمداً لا شرطاً للغفران على عهد محبة الله الذي يشمل كل الخطاة المتبررين. فهم بنو العرس ورفقاء العريس يسوع ابن الله، الذي يدعونا إلى أعظم فرح، أي الشركة معه. فلا يمكن أن يحزن المسيحيون، بل هم يطمئنون في الضيق، ويستمرون في فرح الروح القدس، رغم مشاكلهم وتجاربهم، لأن الله معهم والمسيح فيهم. ومن أدرك هذا الامتياز يسبّح الله بكل جوارحه، ويقدم له حياته شكراً لنعمته العظيمة.

وقد أنبأ يسوع تلاميذه أنه سيفارقهم صاعداً إلى السماء. ونحن نعيش في عصر الشركة القريبة مع المسيح، لأنه سكب روحه القدوس في قلوبنا، عربوناً للشركة الحقَّة بين العروس والعريس. فننتظر مجيء العريس علانية لتتحقق الشركة فعلياً في المجد.

9: 16 لَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ رُقْعَةً مِنْ قِطْعَةٍ جَدِيدَةٍ عَلَى ثَوْبٍ عَتِيقٍ، لأَنَّ ٱلْمِلْءَ يَأْخُذُ مِنَ ٱلثَّوْبِ، فَيَصِيرُ ٱلْخَرْقُ أَرْدَأَ. 17 وَلا يَجْعَلُونَ خَمْراً جَدِيدَةً فِي زِقَاقٍ عَتِيقَةٍ، لِئَلاّ تَنْشَقَّ ٱلزِّقَاقُ، فَٱلْخَمْرُ تَنْصَبُّ وَٱلزِّقَاقُ تَتْلَفُ. بَلْ يَجْعَلُونَ خَمْراً جَدِيدَةً فِي زِقَاقٍ جَدِيدَةٍ فَتُحْفَظُ جَمِيعاً.

الفرق بين العهد القديم والجديد، وبين الإنجيل وغيره من الأديان، أعمق مما نشعر ونفكر. فالأديان تحذّر الإنسان من يوم الدينونة العظيم. وكلها عدا الإنجيل تعلّم أن حفظ الشرائع هو الوسيلة الوحيدة لإرضاء الله، وأن القرابين والعطايا والصوم والصلاة والأعمال الصالحة واجبات يقابلها الله بمكافأة، وأن كل الطقوس والعقائد تصوّر الله كأن في يده ميزان كبير، في أحد كفتيه الخطايا وفي الأخرى الأعمال الحسنة والصلوات. فالكفة الثقيلة أكثر تنزل وتقرر نصيب صاحبها. وهذه العقيدة لا تتفق مع فكر العهد الجديد البتة.

يعلّمنا المسيح أن الناس كلهم أشرار على سواء، ولا يقدر أحد أن يأتي بأعمال حسنة كافية. لهذا يضع المسيح أعماله الخاصة وبره ونفسه على كفة ميزان الله، ليبطل الحكم علينا. فتقوانا لا تخلّصنا، بل نتبرر بالنعمة المجانية. فإيمانك يخلّصك لا أعمالك، لأن هذا الإيمان يوحّدك مع مخلّصك، وروحه القدوس يخلق فيك الحياة الجديدة.

فلا تخلط بين الفكرتين، لأنهما لا تتفقان. فالطقوس والناموس عكس بر الإيمان. الروح الجديد يتطلب هيئة جديدة. فالأفضل تكوين جماعة صغيرة بروح الإنجيل، من أن تنتمي إلى جمع كبير متمسك بالتقاليد، وبدون استعداد للتغيير الروحي الداخلي.

الصلاة: أيها الآب السماوي، نشكرك لأنك دعوتنا إلى العهد الجديد. وحررتنا من خداع البر الذاتي. نحن خطاة، ولكن مسيحك شفانا. علِّمنا السلوك في فرح السماء. وامنحنا التمييز للهيئات والكنائس الحية، لننضم إليها، ونُحفَظ في شركتك معاً.

السؤال: 23 - لماذا يستحيل انسكاب خمر الإنجيل الجديد، في زقاق الناموس القديم؟

ي - إقامة ميتة وشفاء مريضة (9: 18-26)

9: 18-26 18 وَفِيمَا هُوَ يُكَلِّمُهُمْ بِهٰذَا إِذَا رَئِيسٌ قَدْ جَاءَ فَسَجَدَ لَهُ قَائِلاً: إِنَّ ٱبْنَتِي ٱلآنَ مَاتَتْ، لٰكِنْ تَعَالَ وَضَعْ يَدَكَ عَلَيْهَا فَتَحْيَا. 19 فَقَامَ يَسُوعُ وَتَبِعَهُ هُوَ وَتَلامِيذُهُ. 20 وَإِذَا ٱمْرَأَةٌ نَازِفَةُ دَمٍ مُنْذُ ٱثْنَتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً قَدْ جَاءَتْ مِنْ وَرَائِهِ وَمَسَّتْ هُدْبَ ثَوْبِهِ، 21 لأَنَّهَا قَالَتْ فِي نَفْسِهَا: إِنْ مَسَسْتُ ثَوْبَهُ فَقَطْ شُفِيتُ. 22 فَٱلْتَفَتَ يَسُوعُ وَأَبْصَرَهَا، فَقَالَ: ثِقِي يَا ٱبْنَةُ. إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ. فَشُفِيَتِ ٱلْمَرْأَةُ مِنْ تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ. 23 وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ ٱلرَّئِيسِ، وَنَظَرَ ٱلْمُزَمِّرِينَ وَٱلْجَمْعَ يَضِجُّونَ، 24 قَالَ لَهُمْ: تَنَحَّوْا، فَإِنَّ ٱلصَّبِيَّةَ لَمْ تَمُتْ لٰكِنَّهَا نَائِمَةٌ. فَضَحِكُوا عَلَيْهِ. 25 فَلَمَّا أُخْرِجَ ٱلْجَمْعُ دَخَلَ وَأَمْسَكَ بِيَدِهَا، فَقَامَتِ ٱلصَّبِيَّةُ. 26 فَخَرَجَ ذٰلِكَ ٱلْخَبَرُ إِلَى تِلْكَ ٱلأَرْضِ كُلِّهَا.

غلب المسيح كل السلطات المضادة لله وملكوته السرمدي. وأخيراً غلب الموت. فبعدما أوضح البشير متى لنا كيف انتصر يسوع على الأمراض المتنوعة والعواصف والأرواح والذنوب والنواميس، أبرز كيف طرد الموت عدونا اللدود. فالمسيح يهبنا تحريراً كاملاً من كل ثقل وخوف، ويقودنا إلى الحياة الأبدية. فهل أنت في موكب نصرته؟

كان لرئيس المجمع اليهودي بنت مريضة مشرفة على الوفاة فاضطرب الأب اضطراباً كبيراً، وركض إلى يسوع وسجد له جهراً، رغم أنه رئيس المجمع. مع العلم أن السجود هو لله وليس للناس. واعترف الرئيس بسجوده ليسوع أنه يعتبر الناصري رجلاً إلهياً عظيماً. وقَبِلَ المسيح هذا السجود. لأنه إله حق من إله حق، ذو جوهر واحد مع الآب. فإيمانه جعله يطلب من يسوع لمس ابنته، لأنه سبق أن رأى أن لمس المسيح للمصابين يشفيهم شفاءاً تاماً.

ومشى المسيح معه حالاً، إذ كانت الحالة خطيرة. ولكن اقتربت منه فجأة امرأة مريضة، وهو في وسط الازدحام، ولمست ثوبه ملتمسة عونه، دون أن تنطق ببنت شفة. وشعر المسيح بجريان قوة منه إليها، لأن لمستها كانت لمسة إيمان، وليست كالجماهير التي حوله. فوقف يسوع ونظر حوله ورآها وألمَّ بقصتها، وحدَّثها علانية شهادة أمام الجميع، فثبَّت إيمانها فيه، لأن الإيمان يأخذ من المسيح قوة وحياة ونعمة.

وهذا الإبطاء كان درساً صعباً لرئيس المجمع، لأنه كان مستعجلاً، ففرض يسوع عليه أن يتعلم أن الرب لا يفضّل أصحاب المناصب على غيرهم، بل يعمل متجاوباً مع إيمان طالبه، مهما كان صغيراً أم كبيراً، امرأة أو رجلاً.

ولما وصلوا أخيراً إلى الدار كانت البنت قد ماتت، ولكن المسيح وصف موتها بالنوم، الأمر الذي أضحك النسوة الباكيات، فأكّدن لرب الحياة، أن البنت لم تكن شبه ميتة بل قد ماتت فعلاً.

وعندما رأى يسوع سلطة الموت واستهزاء الجمهور وجهالتهم، استاء وطرد الجميع من الغرفة، عدا والدي البنت وثلاثة من تلاميذه. ووقف أمام الميتة ودعاها أن تقوم. وكما طرد الشياطين سابقاً بكلمته، هكذا أبعد الموت، لأن سلطة المسيح تمتد إلى ما وراء ستار الحياة. ولكلمته القوة للغلبة على الموت. فقامت البنت وتجوَّلت بين أقربائها. وإذ ذاك استولى الاندهاش على الجميع!

ما أعظم التعزية لنا نحن تابعي المسيح أنه سيقيمنا من بين الأموات، لأننا نعرف صوته. فهل تسمعه اليوم؟ إن المسيح يدعوك أن تقوم حالاً من موتك في الخطايا لتعيش في الحياة الطاهرة الأبدية.

ك - شفاء أعميين وأخرس (9: 27-34)

9: 27 وَفِيمَا يَسُوعُ مُجْتَازٌ مِنْ هُنَاكَ تَبِعَهُ أَعْمَيَانِ يَصْرُخَانِ وَيَقُولانِ: ٱرْحَمْنَا يَا ٱبْنَ دَاوُدَ. 28 وَلَمَّا جَاءَ إِلَى ٱلْبَيْتِ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ ٱلأَعْمَيَانِ، فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: أَتُؤْمِنَانِ أَنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ هٰذَا؟ قَالا لَهُ: نَعَمْ يَا سَيِّدُ. 29 حِينَئِذٍ لَمَسَ أَعْيُنَهُمَا قَائِلاً: بِحَسَبِ إِيمَانِكُمَا لِيَكُنْ لَكُمَا. 30 فَٱنْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا. فَٱنْتَهَرَهُمَا يَسُوعُ قَائِلاً: ٱنْظُرَا، لا يَعْلَمْ أَحَدٌ! 31 وَلٰكِنَّهُمَا خَرَجَا وَأَشَاعَاهُ فِي تِلْكَ ٱلأَرْضِ كُلِّهَا.

عاش المسيح بين اليهود، ولكن قليلون أدركوا أنه مسيح الله، لأن أكثرهم طلبوا مخلّصاً سياسياً، وليس تغيير قلوبهم، فبقوا عُمْياً رغم عيونهم المفتوحة وعقولهم المفكرة. واليوم ما زال كثير من الأتقياء والعلماء يظنون أنهم يعرفون يسوع، ولكنهم لم يتقدموا إلى جوهره الأصلي، ولم يدركوا ما هو لسلام قلوبهم. أما الأعميان المذكوران في الحادثة، فآمنا بأن يسوع هو من ذرية داود، وأنه ملك إلهي على شعب العهد القديم. فصرخا بصوت عظيم ليخلّصهما. ولكن المسيح لم يجب طلبتهما في الحال لأنه أراد أن يمتحن إيمانهما. وقد اجتازا هذا الامتحان وتبعا يسوع ولحقا به، حتى وصلا إلى بيت بطرس، فألحَّا طالبين العون، فأكرم المسيح غيرتهما بتثبيت إيمانهما بقدرته. وسألهما إن كانا حقاً يؤمنان أنه القادر على هذه العملية الفريدة في نوعها. فجاوباه «نعم». فهل نحن اليوم نشاركهما ونقرر أن يسوع هو القادر على الشفاء والخلاص، فنوجّه طلباتنا إليه بكل صراحة وبساطة؟

وبعد اعتراف الإيمان، لمس المسيح عيونهما بيده الخالقة، فرأياه هو أولاً. وكان لصورته أعظم التأثير في قلبيهما، إذ عرفا فيه المخلّص والملك القدير. فنتج عن إيمانهما بصيرة روحية حقَّة.

ومن العجيب أن يسوع منعهما من إذاعة خبر شفائهما، لكيلا تتراكض الجماهير إليه بسبب المعجزات. وقصده أن يخلق في أتباعه الإيمان الواعي أولاً، لتتغيَّر قلوبهم وتتجدَّد أذهانهم، فيزول العمى الروحي منهم، ويمشون في نور الله صالحين. فهل جعلتك محبة يسوع مبصراً، أو هل ما زلت تعيش بعيداً عنه، أعمى في ظلمة الخطايا وبلا خلاص؟

9: 32 وَفِيمَا هُمَا خَارِجَانِ إِذَا إِنْسَانٌ أَخْرَسُ مَجْنُونٌ قَدَّمُوهُ إِلَيْهِ. 33 فَلَمَّا أُخْرِجَ ٱلشَّيْطَانُ تَكَلَّمَ ٱلأَخْرَسُ، فَتَعَجَّبَ ٱلْجُمُوعُ قَائِلِينَ: لَمْ يَظْهَرْ قَطُّ مِثْلُ هٰذَا فِي إِسْرَائِيلَ! 34 أَمَّا ٱلْفَرِّيسِيُّونَ فَقَالُوا: بِرَئِيسِ ٱلشَّيَاطِينِ يُخْرِجُ ٱلشَّيَاطِينَ.

ما أن خرج الأعميان اللذان شُفيا على يد يسوع حتى أدخل المؤمنون إليه معتوهاً أخرس. والأرجح أن خرسه لم ينشأ عن مرض اعتيادي بل لاتصاله بالأرواح.

وتحرّك قلب يسوع بالحب نحو الأخرس المجنون فطرد منه الروح الشرير وحلَّ لسانه. عندما تبدأ الصلاة المواظبة يحل المسيح ألسنة أعضاء كنيستك وجمعيتك كلها، ويُخرِج منهم الروح العصري والتكبُّر والاعتداد، ليشهدوا لخلاص يسوع بكلماتهم الواضحة وسلوكهم المثالي؟ التصِقْ بيسوع ولا تتركه لكي يشفي خُرساً كثيرين ويجعلهم شهوداً قدّيسين، شاهدين لفداء المسيح.

لا تندهش من النتيجة المتناقضة لما عمله المسيح، لأن البسطاء سبَّحوا المسيح لتطهيره وقدرته الظاهرة في المؤمنين، ولكن الفريسيين غضبوا لأنه صار بدونهم انتعاش وتحمّس في الشعب، لا يطابق أساليبهم التقليدية، فحمقوا وأطلقوا على يسوع البار اسم رئيس الشياطين. وهكذا عمي هؤلاء المُبغِضون الحاقدون، لأنهم رفضوا روح المسيح الشافي. فانتبه لتخدم المسيح بدوافع روحه اللطيف، وليس بعنف أو شتائم، لأن كل روح غير صادر من يسوع يُخَرِّب. أما الروح القدس فيبني.

الصلاة: أيها الأب العظيم، املأنا بروحك القدوس. اطرح كل روح نجس منّا لنقدم للعالم شهادة واضحة عن يسوع المسيح مخلّصنا الحي. اشف كثيرين من الملبوسين بروح الإلحاد والأفكار العصرية، وارتباطاتهم بالعرّافين والشياطين. ونشكرك لأنك شفيت الأخرس آنذاك. هكذا تحرر الذين نقدمهم إليك اليوم.

السؤال: 24 - ماذا يعني شفاء الأخرس؟

3 - إرسال التلاميذ الاثني عشر للتبشير (9: 35-11: 1)

أ - حنان المسيح (9: 35-38)

9: 35 وَكَانَ يَسُوعُ يَطُوفُ ٱلْمُدُنَ كُلَّهَا وَٱلْقُرَى يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهَا، وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ ٱلْمَلَكُوتِ، وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضَعْفٍ فِي ٱلشَّعْبِ. 36 وَلَمَّا رَأَى ٱلْجُمُوعَ تَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ، إِذْ كَانُوا مُنْزَعِجِينَ وَمُنْطَرِحِينَ كَغَنَمٍ لا رَاعِيَ لَهَا. 37 حِينَئِذٍ قَالَ لِتَلامِيذِهِ: ٱلْحَصَادُ كَثِيرٌ وَلٰكِنَّ ٱلْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. 38 فَٱطْلُبُوا مِنْ رَبِّ ٱلْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ.

تجوَّل يسوع في القرى والمدن مع تلاميذه معلّماً ومبشّراً. بحث عن الضالين والجياع إلى البر والجهال والسطحيين. وحتى المتدينين، ليربحهم إلى ملكوت محبته. فدخل البيوت ونادى في الشوارع وعلَّم في المجامع وتكلم مع الأفراد. فاستخدم كل فرصة ليبثَّ في عقول الناس الإنجيل المفرّح، ويفسّر التوراة على ضوء العهد الجديد. ولم يتراجع أمام الأسئلة الخبيثة، بل غلب الماكرين بحكمة روحه، وأعلن بشرى الخلاص، ودعا الجميع إلى ملكوته معلناً مشيئة أبيه التي ظهرت جلياً في أعماله القوية. وبشفاءاته العجيبة أثبت صحة دعوته. فأمكن حتى للغبي أن يفهم أنه بالمسيح قد ابتدأ سلطان الله على الأرض، وأن محبة الله تجسَّدت أمام كل ذي بصر. فتحرك الشعب كله، وشعر بحلول عصر جديد.

وتألم المسيح كثيراً، لأنه رأى الأمراض وأسبابها، والجهل والخراب الاقتصادي والظلم الاستعماري. وتضايق يسوع خاصة من ضعف الإيمان، وخلطه بأفكار دنيوية، وتدخّل الكبرياء والالتباس بالأرواح النجسة، وتسلط الموت على الجميع. لم يبتعد المسيح عن الساقطين، ولم يبغض الغوغائيين، كما يفعل بعض الشعراء والفلاسفة المفتخرين، بل نظر إليهم كما تنظر الأم لأولادها المرضى، فتحنن على الجميع مدفوعاً بمحبته العظيمة. ولهذا السبب ترك السماء، ومات على الصليب، وشفع فينا. فحنان المسيح هو لبّ جوهر قلبه.

إن الله يحبنا ونحن مساكين ضالون في هذا العالم، نشبه الرعية المشتتة التي هاجمتها الذئاب المفترسة بلا شفقة، وكأن لا راعي لنا. ولكن المسيح هو الراعي الصالح الذي يهتم بك، ويراك في ضيقك، ويتألم معك، ويسارع لعونك. وفسَّر يسوع لتلاميذه حالة الشعب بحقل ناضج مستعد للحصاد. والهزات العنيفة في ايامنا تزعزع الناس، وتوقظهم من غفلتهم، فيزول الاطمئنان وتضطرب الجماهير. ويسمّي يسوع هذه الحالات أنسب فرصة للحصاد الروحي. وحقاً فإننا نجد في عصرنا هزات عميقة وتزعزعات معنوية تكتسح أّمَّتنا يميناً ويساراً. وهكذا ينضج الوقت للحصاد الإلهي، إذ يبحث الناس عن مباديء جديدة وركن للحياة غير مقلقل.

يدعوك المسيح للصلاة لتطلب من الله بشدة أن يرسل في أيامنا عبيداً كثيرين لخدمة خلاصه. وهذه الصلاة واجبة الآن ليرسل رسله إلى قريتك أو مدينتك أو كورتك؟ صلِّ لكي يرسل الرب رسله في أيامنا، لأن اليوم يوم الحصاد.

هل أنت من هؤلاء المدعوين؟ اطلب من الرب أن يفتح أذنيك لتسمع دعوته، فيرشدك إلى الخدمة، وتحصد كثيراً لتمجيد اسمه القدوس.

الصلاة: أيها الآب، ها نحن المستعدين لخدمة حصادك. فإن وجدت أنفسنا نافعة للخدمة، فاستخدمنا. ونعترف أننا فاشلون، غير مستحقين للحصاد. طهّرنا بدم ابنك، وجهّزنا بقوة روحك. أرسل فعلة كثيرين إلى حصادك لكل أمتنا، واملأ العالم بخدَّامك ليأتي ملكوتك عاجلاً.

السؤال: 25 - ماذا يريد الله أن نطلب إليه؟

ب - دعوة التلاميذ الاثني عشر (10: 1-4)

10: 1 ثُمَّ دَعَا تَلامِيذَهُ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً عَلَى أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ حَتَّى يُخْرِجُوهَا، وَيَشْفُوا كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضَعْفٍ. 2 وَأَمَّا أَسْمَاءُ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ رَسُولاً فَهِيَ هٰذِهِ: اَلأَوَّلُ سِمْعَانُ ٱلَّذِي يُقَالُ لَهُ بُطْرُسُ، وَأَنْدَرَاوُسُ أَخُوهُ. يَعْقُوبُ بْنُ زَبْدِي، وَيُوحَنَّا أَخُوهُ. 3 فِيلُبُّسُ، وَبَرْثُولَمَاوُسُ. تُومَا، وَمَتَّى ٱلْعَشَّارُ. يَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى، وَلَبَّاوُسُ ٱلْمُلَقَّبُ تَدَّاوُسَ. 4 سِمْعَانُ ٱلْقَانَوِيُّ، وَيَهُوذَا ٱلإِسْخَرْيُوطِيُّ ٱلَّذِي أَسْلَمَهُ.

طلب المسيح من تلاميذه قبل تعيينهم للخدمة أن يصلّوا ليرسل الله فعلة إلى حصاده. فالرب يدعوك قبل كل نشاط وحركة إلى الصلاة، لأن من لا يصلي لأجل الضالين ويحبهم ويزورهم لا يقدر أن يكون مبشراً للمسيح، فلا مواهبك ولا شهاداتك العلمية تؤهلك لخدمة الرب، بل صلواتك وإيمانك وغيرتك لخلاص الكثيرين.

دعا المسيح سفراءه من هؤلاء المصلّين المستعدين، الذين تبعوه من مدة وتعلّموا منه الوعظ والشفاء وأخذوا منه القوة الروحية. شفى الرسل المرضى وأقاموا الموتى وأخرجوا الشياطين، ليس بقوتهم وأسمائهم الخاصة، بل باسم المسيح الحي.

المسيح هو الملك المشرف على ملكوته. وقد اختار سفراءه وأرسلهم حسب تخطيطه. لم يختبرهم بطريقة بشرية، بل بحكمته الفائقة. فمن يظهر عظيماً في هذا العالم هو وضيع أمام الله. ومن يبدو صغيراً بسيطاً قدام الناس يملأه الله بقدرته الإلهية.

إن تأملنا أسماء التلاميذ وعلاقتهم بيسوع نرى ثلاث حلقات متداخلة. فأولها أربعة هم نخبة التلاميذ الأقربين إلى يسوع، الذين أطلعهم على الأسرار الروحية وخفايا قلبه. وثانيها أربعة من التلاميذ، عُرفوا لنا حسب أخلاقهم، واعتبر البشير متى نفسه من هذا الفريق. والثالثة الأبعد عن المحور هم أربعة لم نعرف إلا أسماءهم فقط، ما عدا يهوذا الاسخريوطي الخائن. وهناك حكمة في دعوة الاثني عشر، لأن عددهم يرمز إلى ثلاثة في أربعة، الدال على مزج السماء بالأرض. والمسيح حمل أسماءهم الاثني عشر دائماً في قلبه، كما كان يحمل رئيس الكهنة أسماء الأسباط الاثني عشر من شعبه في اللوحة الموضوعة على صدره. هكذا يحملك المسيح أيضاً اليوم، إن انكسر قلبك وتجددت، فيرسلك الرب إلى الحصاد الوفير.

الصلاة: أيها الآب، نشكرك لأنك دعوتنا بإنجيلك إلى البنوة، وطهّرت قلوبنا بدم المسيح، وملأت قلبنا بمحبة روحك. فنلتمس منك ولكل سفرائك في دنيانا، إرشاد روحك القدوس، وحكمة فائقة وقوة وافرة ومحبة دائمة، لنستطيع جمع الثمار والإتيان إليك فرحين.

السؤال: 26 - ما هو التفويض الذي فوَّض به يسوع تلاميذه؟

ج - المجموعة الثانية لتعاليم يسوع (10: 5-11: 1)

1- المبادئ الأساسية للتبشير (10: 5-15)

10: 5 هٰؤُلاءِ ٱلاثْنَا عَشَرَ أَرْسَلَهُمْ يَسُوعُ وَأَوْصَاهُمْ قَائِلاً: إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لا تَمْضُوا، وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لا تَدْخُلُوا. 6 بَلِ ٱذْهَبُوا بِٱلْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ ٱلضَّالَّةِ.

لم يرسل المسيح مختاريه الاثني عشر إلى كل العالم بل إلى مواطنيهم الأقربين. لأن الشعوب لم تكن مستعدة بعد للتبشير، والروح القدس لم يحل آنذاك على كل ذي جسد. فقدم المسيح ملكوته لليهود الضالين أولاً، حسب الوعد لآبائهم ودعاهم إلى رجاء حي.

10: 7 وَفِيمَا أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ ٱكْرِزُوا قَائِلِينَ: إِنَّهُ قَدِ ٱقْتَرَبَ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ. 8 اِشْفُوا مَرْضَى. طَهِّرُوا بُرْصاً. أَقِيمُوا مَوْتَى. أَخْرِجُوا شَيَاطِينَ. .

كان مضمون كرازة الرسل أمرين: القول والعمل. وموضوع أقوالهم هو المسيح وسلطانهم حقه وروحه ونظامه. فقد تأثر التلاميذ بشخصية معلمهم وحنانه وقوته في أعماق قلوبهم، فشهدوا بما رأوه واختبروه، وأدركوا أن في شخص المسيح حلّ ملكوت الله بينهم وتحقق، فتغيرت بشارتهم عن أقوال المعمدان، بنسبة الملكوت القريب، لأنهم قد اختبروا يسوع الملك الإلهي. فلم يبشّروا بإتيان ملكوت بعيد، بل أعلنوا الملك الحاضر المحبوب.

ولم يتكلم رسل المسيح فقط، بل نقلوا إلى الآخرين سلطان قوته الحالة فيهم. فالإنجيل يعني قوة إلهية، وليس كلمات فارغة أو تعليماً جافاً.

10: 8 مَجَّاناً أَخَذْتُمْ مَجَّاناً أَعْطُوا... 9لا تَقْتَنُوا ذَهَباً وَلا فِضَّةً وَلا نُحَاساً فِي مَنَاطِقِكُمْ، 10 وَلا مِزْوَداً لِلطَّرِيقِ وَلا ثَوْبَيْنِ وَلا أَحْذِيَةً وَلا عَصاً، لأَنَّ ٱلْفَاعِلَ مُسْتَحِقٌّ طَعَامَهُ.

منع المسيح رسله من قبول المال، وأمرهم أن يقدموا خدماتهم مجاناً. فينبغي عليهم أن يعيشوا من إيمانهم بالمسيح، لا أن يضعوا قلوبهم على المال أو الملك أو الأوقاف، فالمسيح يحررك من محبة المال لتحبه وحده، وتثق بعنايته الدائمة.

ومنع المسيح رسله أيضاً من شراء المزيد من الثياب والأحذية، ليستطيعوا الذهاب إلى خدمتهم بدون حقائب ثقيلة، ويمشوا متحررين من الأحمال وهموم الدنيا. فاذهب إلى الخدمة كما أنت. فانك لا تحتاج إلى سلاح أو تجهيز خصوصي، لأن ملائكة الله تحرسك. وحيثما تعطي قوة الله لمستمعيك، ويختبروا خلاص النفس والجسد يعود الشكر إليك، ويغذيك ويلبسك. إنما لا تكثر من المؤونة، ولا تهدف لتكديس المال في البنك، لكيلا يضعف إيمانك، لأن ملكوت الله روحي لا مادي.

10: 11 وَأَيَّةُ مَدِينَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ دَخَلْتُمُوهَا فَٱفْحَصُوا مَنْ فِيهَا مُسْتَحِقٌّ، وَأَقِيمُوا هُنَاكَ حَتَّى تَخْرُجُوا. 12 وَحِينَ تَدْخُلُونَ ٱلْبَيْتَ سَلِّمُوا عَلَيْهِ، 13 فَإِنْ كَانَ ٱلْبَيْتُ مُسْتَحِقّاً فَلْيَأْتِ سَلامُكُمْ عَلَيْهِ.

كان المسيح يخطط خدمته الخاصة دائماً بإرشاد روح أبيه، ويطلب مصلياً قبل دخوله أي مدينة أو قرية، ليريه من هو مستحق من الناس لينزل عنده. عِلماً بأن هؤلاء المختارين غير صالحين في أنفسهم، لكنهم أدركوا الشر النابع من قلوبهم وتألموا لأخلاقهم الفاسدة، وهكذا أصبحوا أهلاً لملكوت الله وقبول سفرائه. فاطلب من الله في بداية خدمتك أن يوصلك إلى النادمين، وليس للمُكتفين ببرهم الذاتي أو الأغنياء المتعجرفين، لأن المتشوّق إلى معرفة نعمة الله هو الذي يقبل إنجيل السلام. والفقير يشركك في خبزه، ولكن الغني والفقيه والقوي والمستكبر يظن أنه غير محتاج إليك. وعندما يقع الإنسان في تبكيت الضمير يصبح مستعداً لقبول الخلاص، لأن ربك فلح قلبه لتزرع سلامه فيه.

علينا أن بحث عن الجائعين إلى البر. وينصحنا المسيح أن نتمركز عند الذين أرشدنا إليهم روح الرب. ومن هذا المركز الأخوي ننطلق لزيارة المحيطين به، والأفضل أن يكون برفقتنا مضيفنا الكريم، لأنه يعرف الناس والأحوال في منطقته.

اطلب من المسيح أن يفتح في كل حي من أحياء مدينتك مركزاً للتبشير، حيث يجتذب بقوته كثيرين للإيمان. هل أصبحت أنت نفسك محوراً لخدمات انتعاشية؟

10: 13 وَلٰكِنْ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقّاً فَلْيَرْجِعْ سَلامُكُمْ إِلَيْكُمْ 14 وَمَنْ لا يَقْبَلُكُمْ وَلا يَسْمَعُ كَلامَكُمْ فَٱخْرُجُوا خَارِجاً مِنْ ذٰلِكَ ٱلْبَيْتِ أَوْ مِنْ تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ، وَٱنْفُضُوا غُبَارَ أَرْجُلِكُمْ. 15 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: سَتَكُونُ لأَرْضِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ يَوْمَ ٱلدِّينِ حَالَةٌ أَكْثَرُ ٱحْتِمَالاً مِمَّا لِتِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ.

وحيث لا تقبل الجماعة إنجيل يسوع فلا تقرع بابهم بعناد مستمر، لأن محبة الله لا تلزم أحداً، بل قوتها تحل في قلوب المشتاقين إلى السلام والحق، الذين يفتحون لها أنفسهم طوعاً لا كرهاً.

إذا رفض إنسانٌ أو عائلةٌ أو مدينةٌ أو أمةٌ المسيحَ ورسلَه بسطحيةٍ أو بجمود، فانفصِل عنها لكيلا تشترك في العذاب المنصبّ على الرافضين، لأن كل من يرفض إنجيل السلام يرفض الله. ورفض الإنجيل أصعب من الفساد الموجود في سدوم وعمورة، لأن يسوع يقول إن هاتين المدينتين الفاسدتين، ستلقيان معاملة أخفّ في الدينونة، مما سيحيق بالذين يرفضون ابن الله الحي.

احترس قبل أن تترك العصاة وامتحن نفسك، لئلا تكون سبباً لنفورهم وعصيانهم، بسوء التفاهم أو لخشونتك وعدم حكمتك.

الصلاة: أيها الآب القدوس، قد دعانا ابنك لنكون صانعي سلام. فأرشدنا إلى سلوك حكيم بحذر، واغفر لنا أعمال طيشنا. وامنحنا أصدقاء وإخوة مخلصين. وافتح في كل حي من مدينتنا مركزاً لبشارتك، لتخرج منه مياه حية إلى الصحراء المميتة.

السؤال: 27 - من هو الذي يقبل سلام الله؟

2 - الأخطار والعذاب في سبيل التبشير (10: 16-25)

10: 16 هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ كَغَنَمٍ فِي وَسَطِ ذِئَابٍ، فَكُونُوا حُكَمَاءَ كَٱلْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَٱلْحَمَامِ.

تصور لو تحقق مَثَل المسيح عن إرسال حملان ودعاة بين الذئاب الجائعة المفترسة، فماذا يحدث؟ ولأي مدة تبقى الحملان حية؟ إنه في لحظة واحدة تفترسها الذئاب ولا يبقى منها شيء.

وهكذا يرسلنا المسيح إلى ملبوسي روح عصرنا. إنما لا نموت حالاً لأن المسيح مسئول عنا. فلسنا وحدنا بل هو معنا، واسمه علينا، وقوته تحيطنا. ولمَّا تطيع أمر يسوع للتبشير في محيطك يتولّى حمايتك، ويلاحظ خدمتك، ويدبّرك بحكمة إلهية. الخطر موجود، ولكن الرب موجود أيضاً. وعليه اتكالنا.

10: 17 وَلٰكِنِ ٱحْذَرُوا مِنَ ٱلنَّاسِ، لأَنَّهُمْ سَيُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ، وَفِي مَجَامِعِهِمْ يَجْلِدُونَكُمْ. 18 وَتُسَاقُونَ أَمَامَ وُلاةٍ وَمُلُوكٍ مِنْ أَجْلِي شَهَادَةً لَهُمْ وَلِلأُمَمِ.

حذّر يسوع تلاميذه من الناس لكيلا يبشّروا بتحمُّس سطحي، لأن أعظم خطر في الدنيا ليس من الأفاعي والنمور، بل من الإنسان، فقد أرسلنا يسوع في محبته إلى البشر الضالين، لأنه علم أن في كل إنسان وحشاً، وهذا يتطلب منّا حكمة فائقة حتى لا نكون باعثاً لاستيقاظه وهجومه علينا.

وقد اختبر الرسل إتمام نبوات يسوع كما نقرأ في سفر أعمالهم. ففي كل مدينة صغيرة وجد مجمع تتبعه محكمة مؤلفة من ثلاثة وعشرين شخصاً، تحكم على كل زنى، وكسر للصوم وعدم إتمام الشريعة، ولها الحق بالحكم جلداً على المخالفين، يضربون بسوط من أربعة حبال جلدية على الصدر والظهر المجرّد، أربعين جلدة إلا واحدة. فشهادتك تسبّب في مستمعيك إما تبريراً أو حياة أو دينونة وهلاكاً، فلا تتكلم بقدرتك ومعلوماتك الخاصة وتخيُّلاتك، بل اطلب مصلياً إرشاد الروح القدس في كل حين.

10: 19 فَمَتَى أَسْلَمُوكُمْ فَلا تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ، لأَنَّكُمْ تُعْطَوْنَ فِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ مَا تَتَكَلَّمُونَ بِهِ، 20 لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ ٱلْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ ٱلَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ.

هل تخاف من أعداء المسيح؟ أنهم ممتلئون بالمكر، مدفوعون من أبي الكذب والقاتل منذ البدء. إنما المسيح رب الحياة واقف بجانبك. وهو محاميك وأعطاك الروح القدس الذي يغلب خوفك، ويعزّيك في التجارب ويؤكد لك الإيمان، ويمجد بواسطتك اسم يسوع. اصغ مصلياً لصوت ربك، ولا تحتد ضد قضاتك أو مضاديك، فيرشدك روح الحق إلى وصف الثالوث الأقدس بحكمة.

إنك شاهد للآب والابن والروح القدس، لأن أباك ولدك ثانية، والابن خلّصك تماماً، والروح القدس فيك هو القوة الحيوية السرمدية. فاتكل على الله من كل قلبك ولا تتكل على عقلك. أبوك هو الذي يحميك في الساعات الحرجة.

10: 21 وَسَيُسْلِمُ ٱلأَخُ أَخَاهُ إِلَى ٱلْمَوْتِ، وَٱلأَبُ وَلَدَهُ، وَيَقُومُ ٱلأَوْلادُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ، 22 وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ ٱلْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ ٱسْمِي. وَلٰكِنِ ٱلَّذِي يَصْبِرُ إِلَى ٱلْمُنْتَهَى فَهٰذَا يَخْلُصُ. 23 وَمَتَى طَرَدُوكُمْ فِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ فَٱهْرُبُوا إِلَى ٱلأُخْرَى. فَإِنِّي ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ لا تُكَمِّلُونَ مُدُنَ إِسْرَائِيلَ حَتَّى يَأْتِيَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ.

ما أصعب أن يبغض الإخوة أخاهم أو أختهم لأجل الإيمان بيسوع، وأن يتحول الوالدان عدوَّيْن للذي قَبِل المسيح.

ولا يدعو يسوع كل شاهد من شهوده ليموت شهيداً، بل دعا تلاميذه للهروب إلى مدينة أخرى إن طُردوا من الأولى، ويكونوا هناك شهوداً.

ولم يكن المسيح قد تكلم عن موته وقيامته حتى هذه المناسبة، حيث شرح لهم عن مجيئه الثاني كهدف تاريخ البشر، واضعاً أمامهم قبل كل شيء رجاءً عظيماً. فليست الآلام والموت والقيامة هي هدف المسيحيين، بل ظهور يسوع في المجد، إذ يغلب كل الممالك ويضع أعداءه موطئاً لقدميه. عندئذ يظهر من كان من أتباعه كاهناً مبتهلاً لأجل أصدقائه وأعدائه. فهذا سيملك مع يسوع القائل «طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض».

10: 24 لَيْسَ ٱلتِّلْمِيذُ أَفْضَلَ مِنَ ٱلْمُعَلِّمِ، وَلا ٱلْعَبْدُ أَفْضَلَ مِنْ سَيِّدِهِ. 25 يَكْفِي ٱلتِّلْمِيذَ أَنْ يَكُونَ كَمُعَلِّمِهِ، وَٱلْعَبْدَ كَسَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدْ لَقَّبُوا رَبَّ ٱلْبَيْتِ بَعْلَزَبُولَ، فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ أَهْلَ بَيْتِهِ!

اتِّباع المسيح يعني التمثُّل به في المحبة والفرح والتواضع والسلوك في قوته. ومن جهة أخرى يعني الالتصاق به في الآلام والموت والقيامة. إنه يجرّنا وراءه، ولا يتركنا حتى نصل إلى المجد. ولا يضع يسوع علينا نيراً أو حملاً ثقيلاً لم يختبره هو سابقاً. ولقد أبغضه الناس، وأنكره أقرباؤه، وطلبوا إليه الدخول إلى فخ الأعداء، ووقف أمام المحكمة الدينية، وضُرب وجُلد، وبُصق في وجهه، ثم حكم الوالي بجلده ثم بالصليب، وصلبه رغم إثباته ثلاث مرات أنه بريء. وفي صراعات موته جرّبه أعداؤه بمكر، وظهر أخيراً له كأن أباه قد حجب وجهه عنه. وثبت أميناً في إيمانه، قوياً في محبته، غير متزعزع في رجائه، فغلب ولم يجد الشرير قوة وحقاً فيه.

ونحن لن يصادفنا ما صادف يسوع، لأننا لا نحمل خطية العالم، ولن ينسكب غضب الله علينا. إنما عدو الخير يتربص بنا ليعذّبنا ويُبعدنا عن مخلّصنا الحنون. نحن ضعفاء، أما يسوع فيمسكنا، فنبني مستقبلنا على أمانة يسوع وقدرة دمه.

وقبل كل شيء ينبغي أن تموت لحساسيتك وأنانيتك، لأن أبناء المعصية يطلقون عليك كل لقب شرير ويجدّفون على الله لأجلك، كما أن اليهود سمّوا يسوع رئيس جهنم، وأنكروا قوته رغم أن معجزاته كانت طاهرة وبدون طمع، فاتهموه أنه يحكم على جيش الشياطين، الذي عدده كالذباب، لأن اسم بعلزبول يعني رئيس الذباب. أما يسوع فلم ينتهر أعداءه، بل دافع عن كرامة أبيه والروح القدس، لأنه قد أخلى نفسه تماماً.

3 - التشجيع وسط الضيق (10: 26-33)

10: 26 فَلا تَخَافُوهُمْ. لأَنْ لَيْسَ مَكْتُومٌ لَنْ يُسْتَعْلَنَ، وَلا خَفِيٌّ لَنْ يُعْرَفَ. 27 اَلَّذِي أَقُولُهُ لَكُمْ فِي ٱلظُّلْمَةِ قُولُوهُ فِي ٱلنُّورِ، وَٱلَّذِي تَسْمَعُونَهُ فِي ٱلأُذُنِ نَادُوا بِهِ عَلَى ٱلسُّطُوحِ.

ملكوت الله ليس كلمات بلا قوة. ونحن لا نقوم بكفاح الإيمان بقوتنا الخاصة، إنما الرب يقوّينا في النهار والليل في النور والظلمة، في الأيام الصالحة والشريرة. لسنا منفردين. كل ما نسمعه من الإنجيل عن خلاصنا الخاص، يُطلَب منّا نقله إلى الآخرين بلا خوف. فالإعلان الإلهي يوجب علينا الشهادة. وإذ يشهد الروح القدس لروحك أنك أصبحت ابناً لله لأجل دم المسيح، فقد صار لك الامتياز لتشهد بهذه النعمة. فكل ما يسمعه قلبك قُلهُ للمجتمع عامة، لأن كلمة الرب أساس خلاص الناس.

الصلاة: أيها الرب يسوع، أنت تألمت لأجلنا، ونحن خجولون لشر البشر. نعظّمك لأنك خلّصتنا. علّمنا الاتباع الكامل، وامنحنا جرأة الروح القدس، لنشهد للآخرين بما تعلنه لنا في الإنجيل، ولا نصمت عمّا لا يعرفونه، ليأتي ملكوتك في بيتي ومحيطي.

السؤال: 28 - ماذا يعني اتِّباع المسيح الحق؟

10: 28 وَلا تَخَافُوا مِنَ ٱلَّذِينَ يَقْتُلُونَ ٱلْجَسَدَ وَلٰكِنَّ ٱلنَّفْسَ لا يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِٱلْحَرِيِّ مِنَ ٱلَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ ٱلنَّفْسَ وَٱلْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ.

ذكر يسوع ثلاث مرات، في خطابه ليجهّز تلاميذه للتبشير، كلمة: لا تخافوا. وهذه العبارة هي أمر إلهي، لكيلا نخاف من الناس والموت والشيطان.

ما الذي يخافه الإنسان: هل الآلام؟ إنها مقدمة للموت. هل يستحق الموت الخوف؟ لا! إذا المسيح بثَّ حياته فينا فلن نموت بل نحيا. فهل نخاف من الحياة وراء ستار الموت؟ لا! لأن دم المسيح غسل ضمائرنا من الأعمال الميتة، والروح القدس هو معزّينا.فهل نخاف من الله؟ لا! لأنه أبونا. كل الناس عدا المسيحيين يخافون ويرتجفون من دينونته. وأما نحن فجعلنا أولاداً أحباء له، إن كان يسكن قلوبنا.

فكيف قال يسوع إذاً إنه يجب علينا خوف الله، وإنه وحده يستطيع إلقاء أنفسنا إلى جهنم؟ قال المسيح لنا ذلك إذا اعتبرنا سلامة حياتنا أهم من كرامة ومحبة أبينا، وارتددنا عن الإيمان بالمسيح. عندئذ يتغيّر أبونا إلى قاضينا، لأننا دُسْنا خلاصه خوفاً من الناس.

10: 29 أَلَيْسَ عُصْفُورَانِ يُبَاعَانِ بِفَلْسٍ؟ وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا لا يَسْقُطُ عَلَى ٱلأَرْضِ بِدُونِ أَبِيكُمْ. 30 وَأَمَّا أَنْتُمْ فَحَتَّى شُعُورُ رُؤُوسِكُمْ جَمِيعُهَا مُحْصَاةٌ. 31 فَلا تَخَافُوا. أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَصَافِيرَ كَثِيرَةٍ.

أبونا السماوي هو ضابط الكل القادر على كل شيء. إنه يعرف كل عصفور ويهتم به. وليس أحد يسقط أو يُباع بدون معرفته. وشعرنا على رؤوسنا محصى بدقة. إنك لا تعرف كم شعرة على رأسك، ولكن أباك السماوي يعلم هذا. هو خلقها. فلا نموت مصادفة، ولا نتألم عبثاً، بل إرادة أبينا المُحب تخيّم على حياتنا. هو يعرفك ويراك ويرشدنا ويحيطك من كل الجهات. فالإيمان بأبيك يمنعك من خوف الناس، فلا يستطيعون أن يعاملوك إلا بما يسمح به. وأبوك هو أعظم الكل. انظر إليه وليس لأعدائك. أبصر من ورائهم وجهه اللطيف.

10: 32 فَكُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ ٱلنَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضاً بِهِ قُدَّامَ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، 33 وَلٰكِنْ مَنْ يُنْكِرُنِي قُدَّامَ ٱلنَّاسِ أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضاً قُدَّامَ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ.

يؤكد المسيح لك أنه قد صعد إلى السماوات، فهو يذكر اسمك أمام الله لأنك جاهدت باسم يسوع المسيح على الأرض، فلاعترافك على الأرض صدى في السماء. ابن الله بالذات يسمع صوتك، ولا ينسى. وهكذا تثبت في ذاكرة الله إلى الأبد. وكثيرون من الناس يتمنون معرفة أسمائهم عند الرؤساء والزعماء والملوك ليحصلوا على فضل منهم. أما اسمك فقد ذُكر أمام الله شخصياً، إن كنت معترفاً باسم يسوع أمام أصدقائك وأقربائك وأعدائك. فهل تشهد بخلاص يسوع وصليبه وقبره وقيامته؟

إن أحببت يسوع ستعترف به، وروح الله يدفعك إلى إعلان اسم المسيح مخلّصك. لكن إن أهملت دوافع الروح القدس فيك، ولم تتكلم مع الآخرين عن المخلّص تنفصل عن قوة الله. إن العروس تحب عريسها، وإذا لم تتكلم عنه فمحبتها تبرد وتزول. وهكذا شهادتك برهان إيمانك. وبدون اعتراف حكيم، وشهادة واضحة ليسوع في قيادة الروح القدس، يضعف إيمانك حتماً.

الصلاة: أيها الرب يسوع أنت حي، وشفاعتك رجاؤنا، فلا نخاف من مضطهدينا، لأن حياتنا مستترة فيك. علّمنا الاعتراف باسمك بجرأة وحكمة. وامنحنا التجاسر لنعلن محبتك لنا. ونشكرك لأنك ذكرت أسماءنا أمام أبينا السماوي الذي يهتم بنا حتى أنه يحصي عدد شعرات رؤوسنا.

السؤال: 29 - لماذا حرّم علينا الخوف من الناس ومن الموت؟

4 - التفرقة نتيجة التبشير (10: 34-39)

10: 34 لا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاماً عَلَى ٱلأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاماً بَلْ سَيْفاً.

يسوع رئيس السلام وأتباعه صانعو السلام. ونقرأ في الإنجيل حوالي 100 مرة كلمة «السلام» الفائق كل العقل. فكيف يقول يسوع في خطابه إنه جاء لإلقاء السيف على الأرض لا السلام؟

هذا يعني أولاً أن كل من يدخل الكفاح الصارخ ضد الخطية يموت عن نفسه، فلا تخدم الله وخطيتك بنفس الوقت. إما أن تبغض الأول وتلتصق بالثانية. أو تحب الأول وتنفصل عن الأخرى. فيسوع يريد تجنيد إرادتك لكي تعزم ترك خطيتك في قوة ربك.

ويعني ثانياً حمل سيف يسوع. وهو ليس سلاحاً لإبادة أعداء يسوع، لأنه لم يأخذ سيفاً في يده، ولم يسفك دماً. ومن يتعمق في أعمال الرسل، لا يقرأ حرفاً واحداً عن معركة بين أهل ملكوت الله واليهود من جهة، أو الأمم من جهة أخرى. إنما هذا الكتاب التاريخي يشهد لنا أن العالم رفع السيف ضد أعضاء الكنائس.

10: 35 فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ ٱلإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَٱلابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَٱلْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا. 36 وَأَعْدَاءُ ٱلإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ. 37 مَنْ أَحَبَّ أَباً أَوْ أُمّاً أَكْثَرَ مِنِّي فَلا يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ٱبْناً أَوِ ٱبْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلا يَسْتَحِقُّنِي.

يشهد يسوع لنا مرتين في عظته لنشر الملكوت الإلهي، أن أشد ألم يختبره الإنسان في الحياة هو انفصاله عن عائلته، بسبب إكرامه اسم يسوع. فعضويتنا في عائلة الله أهم من ثباتنا في العائلة الدنيوية. وإن حاول والداك وأقرباؤك أن يمنعوك من اتِّباع يسوع فينبغي أن تطيع الله أكثر من الناس، فمحبة الله تغلب حتى عواطفنا.

10: 38 وَمَنْ لا يَأْخُذُ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعُنِي فَلا يَسْتَحِقُّنِي. 39 مَنْ وَجَدَ حَيَاتَهُ يُضِيعُهَا، وَمَنْ أَضَاعَ حَيَاتَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا.

تكلم يسوع هنا لأول مرة عن الصليب، عندما تكلم عن انفصال المؤمن عن عائلته، فتكلم عن صليب أتباعه، الذين يشبّه تألمهم لأجل عائلاتهم بالمسامير التي خرقت يدي يسوع ورجليه. إنما ربنا يطلب منّا الاتباع مهما كلّف الأمر، لأن كل من حاول قسمة قلبه بين الناس وابن الله لا يجد حصة فيه. فالمسيح يريدك كاملاً أو لا يريدك، لأنه بذل نفسه عنك. فليست حياة سعيدة أن تعيش مع أقربائك وأصدقائك برفاهية وانسجام، بل أن تكون شاهداً للمُقام من بين الأموات، وتثبت بقوة الروح القدوس. ومن حاول إرضاء الناس والمسيح بنفس الوقت يفشل ويصبح مرائياً كذاباً. ولكن من يضع يسوع فوق المال والأقرباء والمستقبل الدنيوي يربح ابن الله بملئه.

الصلاة: أيها الرب يسوع أنت ابن الله وتركت أباك لتخلّصنا. علّمنا ترك أقربائنا إن أبغضوك لنلتصق بك وحدك. أنت عائلنا وحامينا وأبونا. اقلَعْنا من ارتباطاتنا الدنيوية لنخصَّك وحدك. لأن محبتك أعظم من محبة الناس. بارك أصدقاءنا الذين تركوا بيوتهم لأجل اسمك. واظهر لهم كلمتك. واعطهم خبزاً للأكل، وبيتاً للسكن، وعملاً ليعيشوا من نعمتك.

السؤال: 30 - في أي مناسبة يورد إنجيل متى حديث المسيح عن الصليب لأول مرة؟

5 - الهدف السامي للتبشير (10: 40-42، 11: 1)

10: 40 مَنْ يَقْبَلُكُمْ يَقْبَلُنِي، وَمَنْ يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي.

ما هو هدف كرازة الرسل؟ إن غايته ليست معرفة الحق الإلهي، ولا قبول الخلاص الشخصي، ولا اختبار الولادة الثانية فقط. إن هدف كرازة تلاميذ يسوع أسمى، وهو الاتحاد بالمسيح نفسه. فإيماننا ليس مبنياً على مجرد تفكير وعواطف وعلم وعزم. إنه يعني أبدية بمخلّصنا المحبوب. فلا نريد أن نرث نتائج موته وقيامته، بل إياه مباشرة، ونتعلق به كالغصن في الكرمة.

وقد أثبت يسوع لتلاميذه أنه يعتبرهم وخدمتهم كأنه شخصياً هو الذاهب والمتكلم والعامل. فالرب يتحد مع عبيده تماماً، كما اعترف بولس «إذاً نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا». فالقدوس نفسه يتكلم بواسطة آلاته البشرية. ورسل المسيح لا يحملون كلمته فقط إلى العالم، بل نفسه وحضوره فيهم.

إن المسيح هو همزة الوصل بين الله وبيننا. فمن يقبل خدّامه يقبل المخلّص. ومن قَبِل المسيح فقد استقبل الله. ويسوع سمّى نفسه رسولاً، لأنه هو كلمة الله المتجسدة الفريدة. فمن قبله يختبر حلول الله في قلبه. هل يملأ روح الرب ذهنك؟ هل حلَّ القادر على كل شيء فيك؟

10: 41 مَنْ يَقْبَلُ نَبِيّاً بِٱسْمِ نَبِيٍّ فَأَجْرَ نَبِيٍّ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَقْبَلُ بَارّاً بِٱسْمِ بَارٍّ فَأَجْرَ بَارٍّ يَأْخُذُ، 42 وَمَنْ سَقَى أَحَدَ هٰؤُلاءِ ٱلصِّغَارِ كَأْسَ مَاءٍ بَارِدٍ فَقَطْ بِٱسْمِ تِلْمِيذٍ، فَٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لا يُضِيعُ أَجْرَهُ.

أجرة النبي هي إتمام نبوته. ورجاؤه أنه لا يظهر كذاباً بقوله، بل منادياً باسم الله. فإشعياء أعلن مجيء المسيح كطفل، وإرميا أبان حلول الناموس في قلب المؤمنين. وحزقيال تنبأ عن القلب الجديد هبة من الله. بينما أبصر دانيال انتصار المسيح على ضده، وكيف تقدم إلى الدينونة النهائية. فالأنبياء يتمنّون تحقيق نبوتهم بسرعة. فأجرتهم مجيء المسيح ثانية تكميلاً لخطّة خلاص الله وملكوته على الأرض.

والحمد لله، المسيح قد أتى وملكوته حل، وتلاميذه المعتبرون صغاراً في العالم بدون أسلحة فتاكة تقدموا إلى المدن والقرى ليكسبوا كثيرين إلى مملكة المحبة الإلهية. وللعجب فإن كثيرين احتقروهم واضطهدوهم وجلدوهم وقتلوهم، فظهروا صغاراً وضعفاء أمام العالم. ولكن من يقبلهم يلتقي بالله شخصياً. ومن أعطاهم كأس ماء بارد ينل أجرة عظيمة.

11: 1 وَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ أَمْرَهُ لِتَلامِيذِهِ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ، ٱنْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ لِيُعَلِّمَ وَيَكْرِزَ فِي مُدُنِهِمْ.

بعد أن علّم المسيح تلاميذه بخصوص إرساليتهم، مضى هو أيضاً يعلّم. المسيح قدوة. لم يقل شيئاً دون أن يفعله. لم يعط نفسه امتيازات تختلف عن تلاميذه، ولم يضع نفسه فوق من تبعوه. لكنه ترك لنا مثالاً لنسلك في أثر خطواته.

مسابقة الجزء الثاني

أيها الأخ العزيز، بعد قراءتك شروحنا لإنجيل متى في هذا الكتاب، يمكنك الإجابة على هذه الأسئلة بسهولة.

  1. ما هو أجر المؤمنين؟

  2. كيف يمكن للإنسان أن يكون نوراً للعالم؟

  3. كيف نحفظ ناموس الله؟

  4. من هو القاتل؟

  5. كيف نصبح صادقين قولاً وعملاً وسلوكاً؟

  6. من هو المتحرر من ذاته؟

  7. كيف نكون كاملين مثل الله؟

  8. ماذا يعلّمنا تعظيم الآب في آخر الصلاة الربَّانية؟

  9. ما هو الشرط لثباتنا في الشركة مع الله؟

  10. ما معنى الصوم في العهد الجديد؟

  11. لماذا لا نستطيع خدمة الله والمال في نفس الوقت؟

  12. لماذا يمنعنا المسيح من الاستسلام للهموم؟

  13. لماذا يطلب يسوع منّا الصلاة الملحّة بمواظبة؟

  14. لماذا يكون الباب والطريق المؤدي إلى الله ضيقاً؟

  15. من هو المضلّ؟

  16. من هو الذي يدخل إلى السماء؟

  17. لماذا كان إيمان قائد المئة عظيماً؟

  18. لأي مقدار كان يسوع فقيراً قنوعاً؟

  19. لماذا منع يسوع الابن أن يحضر دَفْن أبيه؟

  20. لماذا وبّخ يسوع تلاميذه وسط الخطر؟

  21. كيف ولماذا حرر يسوع الملبوسين؟

  22. كيف غفر يسوع خطايا المفلوج؟

  23. لماذا يستحيل انسكاب خمر الإنجيل الجديد في زقاق الناموس القديم؟

  24. ماذا يعني شفاء الأخرس؟

  25. ماذا يريد الله أن نطلب منه؟

  26. ما هو التفويض الذي فوَّض به يسوع تلاميذه؟

  27. من هو الذي يقبل سلام الله؟

  28. ماذا يعني اتِّباع المسيح الحق؟

  29. لماذا حُرِّم علينا الخوف من الناس ومن الموت؟

  30. في أي مناسبة يورد إنجيل متى حديث المسيح عن الصليب لأول مرة؟

فهرس الجزء الثالث (متى 11: 2-20: 34)

أولاً - شيوخ اليهود يرفضون المسيح (11: 2-12: 50)

  1. جواب يسوع لوفد المعمدان (11: 2-19)

  2. يسوع يوبّخ المدن الخاطئة (11: 20-24)

  3. دعوة المتعَبين (11: 25-30)

  4. التلاميذ يقطفون السنابل في السبت (12: 1-8)

  5. شفاء اليد اليابسة في السبت (12: 9-21)

  6. التجديف على الروح القدس (12: 22-37)

  7. آية يونان النبي (12: 38-45)

  8. أقرباء يسوع الحقيقيون (12: 46-50)

ثانياً-المسيح يعلّم بأمثال (13: 1-58)

  1. مثل الزارع (13: 1-23)

  2. مثل الزوان في الحقل (13: 24-30 ، 36-43)

  3. مثلان عن حبة الخردل والخميرة (13: 31-35)

  4. مثلان عن الكنز في الحقل واللؤلؤة الثمينة (13: 44-46)

  5. الشبكة الملقاة في بحر الشعوب (13: 47-53)

  6. أهل الناصرة يرفضون يسوع (13: 54-58)

ثالثاً - خدمة يسوع وتجوُّلاته (14: 1-17: 27)

  1. موت يوحنا المعمدان (14: 1-12)

  2. إشباع الخمسة آلاف (14: 13-21)

  3. يسوع يمشي على الماء (14: 22-36)

  4. تطهير الداخل والخارج (15: 1-20)

  5. إيمان المرأة الفينيقية وتواضعها (15: 21-28)

  6. إشباع الأربعة آلاف (15: 29-39)

  7. يسوع يهاجم السطحية (16: 1-12)

  8. شهادة بطرس عن ألوهية يسوع (16: 13-20)

  9. إعلان يسوع الأول عن موته وقيامته (16: 21-28)

  10. تجلّي يسوع (17: 1-8)

  11. تفسير الوعد بمجيء إيليا (17: 9-13)

  12. شفاء الفتى المصروع (17: 14-21)

  13. إعلان يسوع الثاني عن موته وقيامته (17: 22-27)

رابعاً-المسيح يلقي تعاليم جديدة (18: 1-20: 34)

  1. الكبرياء وتواضع الأطفال (18: 1-14)

  2. غفران الإخوة (18: 15-22)

  3. مَثَل العبد غير المتسامح (18: 23-35)

  4. نظام الزواج الحقّ (19: 1-12)

  5. المسيح يحب الصغار ويباركهم (19: 13-15)

  6. الشاب الغني وخطر الغِنى (19: 16-26)

  7. الأجر المتساوي للفعَلة (19: 27-20: 16)

  8. إعلان يسوع الثالث عن موته وقيامته (20: 17-28)

  9. شفاء أعميين في إريحا (20: 29-34)

الجزء الثالث: شيوخ اليهود يرفضون المسيح (متى 11: 2-20 : 34)

أولاً - اليهود لا يؤمنون (11: 2-12: 50)

1 - جواب يسوع لوفد المعمدان (11: 2-19)

11: 2 أَمَّا يُوحَنَّا فَلَمَّا سَمِعَ فِي ٱلسِّجْنِ بِأَعْمَالِ ٱلْمَسِيحِ، أَرْسَلَ ٱثْنَيْنِ مِنْ تَلامِيذِهِ، 3 وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ هُوَ ٱلآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟ 4 فَأَجَابَهُمَا يَسُوعُ: ٱذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا تَسْمَعَانِ وَتَنْظُرَانِ: 5 اَلْعُمْيُ يُبْصِرُونَ، وَٱلْعُرْجُ يَمْشُونَ، وَٱلْبُرْصُ يُطَهَّرُونَ، وَٱلصُّمُّ يَسْمَعُونَ، وَٱلْمَوْتَى يَقُومُونَ، وَٱلْمَسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ. 6 وَطُوبَى لِمَنْ لا يَعْثُرُ فِيَّ.

بعدما أرسل المسيح رسله إلى المدن والقرى تبعهم ورسَّخ عملهم، وأكمل خدماتهم وثبَّت مستمعيهم في بشارة ملكوت السموات، فانتشرت شهرته إلى كل الأصقاع، فأخذوا يهمسون فيما بينهم: أهذا هو الملك الجديد المرسَل من الله؟ ليس إلا هو القادر على إقامة الموتى.

ووصل هذا الخبر إلى يوحنا وهو سجين، فترقَّب أن يأتي المسيح ليطلقه من سجنه بمعجزة، لأنه مهَّد طريقه باستقامته، وهو أعز صديق له، وقد تألم لأجل الحق مظلوماً سجيناً. فانتظر بشوق فوز ملكوت الله العظيم. ولكن رغم الانتظار الطويل لم يأت الملك يسوع. فبقى يوحنا في السجن.

بدأ الشك في قدرة المسيح وألوهيته يغزو نفسه، فبعث إليه بسؤال: هل أنت المسيح المنتظر، أم لا؟ ولم يجبه المسيح مباشرة، بل أرشده إلى نبوة إشعياء 35: 5 ، 6 مفسراً له أن عبد الله الموعود به قد جاء، وهو يخلّص من الأمراض والخطية والموت. وهذه الأعمال الفريدة هي البرهان القاطع أن يسوع هو المسيح المنتظر.

انتظر يوحنا ملكاً سياسياً ليبيد بسلطانه الظلم في العالم، ويحرر الأتقياء المضطهَدين. ولكن المسيح لم يرفع الفأس في يده ليقطع الشجرة الرديئة، إنما خلّص الضالين، وشفى الضعفاء، وبنى الرجاء في قلوب المتشائمين، لأنه لم يأتِ كديَّان بل كحمل الله الوديع الذي يرفع خطايا المذنبين.

11: 7 وَبَيْنَمَا ذَهَبَ هٰذَانِ ٱبْتَدَأَ يَسُوعُ يَقُولُ لِلْجُمُوعِ عَنْ يُوحَنَّا: مَاذَا خَرَجْتُمْ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ لِتَنْظُرُوا؟ أَقَصَبَةً تُحَرِّكُهَا ٱلرِّيحُ؟ 8 لٰكِنْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَإِنْسَاناً لابِساً ثِيَاباً نَاعِمَةً؟ هُوَذَا ٱلَّذِينَ يَلْبَسُونَ ٱلثِّيَابَ ٱلنَّاعِمَةَ هُمْ فِي بُيُوتِ ٱلْمُلُوكِ. 9 لٰكِنْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَنَبِيّاً؟ نَعَمْ أَقُولُ لَكُمْ، وَأَفْضَلَ مِنْ نَبِيٍّ. 10 فَإِنَّ هٰذَا هُوَ ٱلَّذِي كُتِبَ عَنْهُ: هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاكِي ٱلَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ. 11 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ يَقُمْ بَيْنَ ٱلْمَوْلُودِينَ مِنَ ٱلنِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانِ، وَلٰكِنَّ ٱلأَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ. 12 وَمِنْ أَيَّامِ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانِ إِلَى ٱلآنَ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ يُغْصَبُ، وَٱلْغَاصِبُونَ يَخْتَطِفُونَهُ. 13 لأَنَّ جَمِيعَ ٱلأَنْبِيَاءِ وَٱلنَّامُوسَ إِلَى يُوحَنَّا تَنَبَّأُوا. 14 وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَقْبَلُوا، فَهٰذَا هُوَ إِيلِيَّا ٱلْمُزْمِعُ أَنْ يَأْتِيَ. 15 مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ.

عبَّر المسيح عن ثقته بيوحنا المعمدان رغم شكوكه، لأنه أعدَّ طريقه بإخلاص حسب النبوات، وضحَّى بحياته لله، وعاش بتقشف، ولم يجمع أرباحاً لنفسه. وقد بيَّن المسيح ثقته فيه بشهادة لامعة أمام الجماهير، إذ قال إنه لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا.

لماذا يكون المعمدان أعظم الرجال؟ لأن الله أعلن له عن المسيح أنه حمَل الله، ومعطي الروح القدس للتائبين. فكان يوحنا خاتم أنبياء العهد القديم. ومع ذلك اعتبر ذاته غير مستحق أن يحلّ سيور حذاء المسيح، ودلَّ الجماهير على يسوع أنه المسيح، ورأى الروح القدس نازلاً على يسوع في هيئة حمامة، وسمع بأذنيه صوت الله «هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت». فكان يوحنا أول شاهد وشهيد للثالوث الأقدس، أكثر من موسى وكل الأنبياء الآخرين.

ولكن المسيح أعلن وجود أناس أفضل وأسمى من يوحنا، هم أعضاء ملكوت الله المولودين من الروح القدس، الذين برَّرهم المسيح بالنعمة، واصطفاهم ليكونوا سفراءه واضعاً عليهم خدمة المصالحة مع الله.

هل أصبحت ابناً لله؟ قُل: أنا عبد باطل، وأخلاقي الطبيعية ملطخة بالخطايا والعيوب، ولكن الحمد لله: دم المسيح غسلني، وروحه القدوس قدَّسني وأوقد فيَّ نار المحبة. فأعرف أن الله هو أبي السماوي، وأتكلم معه يومياً، وأصغي إلى كلمته الحنونة. لقد أصبحت مواطناً في ملكوته، وسأظل محفوظاً فيه بقدرته. والموت بالنسبة لي باب يؤدي إلى الحياة الخالدة مع أبي السرمدي.

إن اعترفت معنا بهذا الإيمان، تدخل إلى ملكوت الله بالقوة، وتأخذ لنفسك حق النعمة، لأن كل من يؤمن بالمسيح يخلص رغم خطاياه، كما قال يسوع «إيمانك خلَّصك»

11: 16 وَبِمَنْ أُشَبِّهُ هٰذَا ٱلْجِيلَ؟ يُشْبِهُ أَوْلاداً جَالِسِينَ فِي ٱلأَسْوَاقِ يُنَادُونَ إِلَى أَصْحَابِهِمْ 17 وَيَقُولُونَ: زَمَّرْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَرْقُصُوا! نُحْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَلْطِمُوا! 18 لأَنَّهُ جَاءَ يُوحَنَّا لا يَأْكُلُ وَلا يَشْرَبُ، فَيَقُولُونَ: فِيهِ شَيْطَانٌ. 19 جَاءَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، فَيَقُولُونَ: هُوَذَا إِنْسَانٌ أَكُولٌ وَشِرِّيبُ خَمْرٍ مُحِبٌّ لِلْعَشَّارِينَ وَٱلْخُطَاةِ. وَٱلْحِكْمَةُ تَبَرَّرَتْ مِنْ بَنِيهَا.

تراكضت الجماهير إلى يسوع ليس بدافع الإيمان، إنما بدافع الفضول لرؤية العجائب. وقد انطلقوا إلى البرية سابقاً لمشاهدة يوحنا الغريب، ولكنهم لم يتوبوا بل استمروا سطحيين أشراراً، وانتقدوا يوحنا باستهزاء لأنه كان زاهداً متقشفاً منادياً بالانكسار القلبي. وبعدئذ سَخِرَت الجماهير من المسيح، لأنه كان يأكل ويشرب ويعاشر الخطاة والغوغاء ليتوبوا ويخلصوا.

لذلك سمَّى المسيح المرائين «أولاداً»، لأنهم لم يدركوا حقيقة الحياة، بل كانوا يلعبون وينوحون، ولم يعرفوا سبب الموت وقيود الخطية وعبودية الشيطان، التي انغمروا في بشاعتها.

الصلاة: أيها الآب السماوي، نشكرك لأنك ولدتنا ثانية لمعرفة محبتك، وألصقتنا بابنك لنخدم الناس في قوة روحك. إغفر لنا إن أهملنا دعوتك السماوية، وغلبتنا هموم اليوم وخوف العصر. وجّه أبصارنا إلى مجيء ابنك لنستعد لاستقبال الآتي المجيد.

السؤال: 1 - لماذا شبَّه يسوع الناس في عصره بالأولاد؟

يسوع يوبّخ المدن الخاطئة (11: 20-24)

11: 20 حِينَئِذٍ ٱبْتَدَأَ يُوَبِّخُ ٱلْمُدُنَ ٱلَّتِي صُنِعَتْ فِيهَا أَكْثَرُ قُوَّاتِهِ لأَنَّهَا لَمْ تَتُبْ: 21 وَيْلٌ لَكِ يَا كُورَزِينُ! وَيْلٌ لَكِ يَا بَيْتَ صَيْدَا! لأَنَّهُ لَوْ صُنِعَتْ فِي صُورَ وَصَيْدَاءَ ٱلْقُوَّاتُ ٱلْمَصْنُوعَةُ فِيكُمَا، لَتَابَتَا قَدِيماً فِي ٱلْمُسُوحِ وَٱلرَّمَادِ. 22 وَلٰكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ صُورَ وَصَيْدَاءَ تَكُونُ لَهُمَا حَالَةٌ أَكْثَرُ ٱحْتِمَالاً يَوْمَ ٱلدِّينِ مِمَّا لَكُمَا. 23 وَأَنْتِ يَا كَفْرَنَاحُومَ ٱلْمُرْتَفِعَةَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ، سَتُهْبَطِينَ إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ. لأَنَّهُ لَوْ صُنِعَتْ فِي سَدُومَ ٱلْقُوَّاتُ ٱلْمَصْنُوعَةُ فِيكِ لَبَقِيَتْ إِلَى ٱلْيَوْمِ. 24 وَلٰكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ أَرْضَ سَدُومَ تَكُونُ لَهَا حَالَةٌ أَكْثَرُ ٱحْتِمَالاً يَوْمَ ٱلدِّينِ مِمَّا لَكِ.

يرينا يسوع في توبيخه للمدن أن مقاييسنا خاطئة مبدئياً. مثلاً مدينة صور وصيداء كانتا مركزين لعبادة الأص نام. وكان الشعب المتديّن يفتخر بأصنامه الميتة ويتضرع إليها، لعدم معرفته بالله الحي. ورغم هذا الجهل قال المسيح إن عقاب أهل هاتين المدينتين سيكون أقل من عقاب أهل المدن والقرى التي شاهدته وسمعت كلماته ولم تؤمن به ولم تقبله. إن رفض المسيح هو أعظم خطية في العالم، لأنه يعني رفض محبة إلهنا ونعمته وخلاصه وغفرانه. وأخيراً يعني رفض الله ذاته.

لا شك أن كل الناس خطاة فاسدون مستحقون الهلاك. إنما دم المسيح يطهّرنا من كل إثم. والروح القدس يغيِّر الهالكين إلى قدّيسين. فويل لكل من يهمل نعمة الله في المسيح، لأن جهنم مفتوحة لمن يرفض ابن القدير.

وأكبر ذنب في زمن المسيح ارتكبته كفر ناحوم، مدينة المسيح، التي عمل فيها أكثر عجائبه، فلم تؤمن به رغم معاينتها محبته المتجسّدة، وسماعها كلماته القوية. لم ينوحوا على خطاياهم، فأعلن المسيح قساوة قلوب أهلها، وسمَّاها أنجس من سدوم.

الصلاة: أيها الآب القدوس، نسجد لك ونتوب عن شكوكنا، ونطلب غفران بطء إيماننا. حرّرنا من جمود أذهاننا، وقدِّس نوايانا لنقبل ابنك مع خلاصه، ونمتليء بروحك، ونشهد بصراحة بالدينونة المُقبلة علينا، ليتوب الجميع إليك.

السؤال: 2 - لماذا يسمِّي المسيح عدم الإيمان به أنجس من خطية سدوم وعمورة؟

3 - دعوة المتعَبين (11: 25-30)

11: 25 فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ قَالَ يَسُوعُ: أَحْمَدُكَ أَيُّهَا ٱلآبُ رَبُّ ٱلسَّمَاءِ وَٱلأَرْضِ، لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هٰذِهِ عَنِ ٱلْحُكَمَاءِ وَٱلْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ. 26 نَعَمْ أَيُّهَا ٱلآبُ، لأَنْ هٰكَذَا صَارَتِ ٱلْمَسَرَّةُ أَمَامَكَ. 27 كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ ٱلابْنَ إِلاّ ٱلآبُ، وَلا أَحَدٌ يَعْرِفُ ٱلآبَ إِلاّ ٱلابْنُ وَمَنْ أَرَادَ ٱلابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ.

تُرينا هذه الآيات صلاة المسيح الفريدة التي تفتح بصيرتنا إلى عمق قلب يسوع وعلاقته بالله، فنتقدم بتأملاتنا إلى قدس الأقداس في حياة ابن الله، حيث يلتقي بأبيه، ونشاهد مكالمة الثالوث الأقدس.

وبالرغم من ضيق الاحتقار، ومرارة الرفض من المحبوبين، يعظّم يسوع الله أولاً ويشكره. ولا ينوح ولا يولول، بل يؤمن بضابط الكل، ويسكن في إرشاده ويمجِّد اسمه القدوس.

وقد خاطب المسيح الله بلقب الآب، لأن يسوع مولود من روحه، وكائن منذ الأزل عنده، ومتَّحِد معه في كل حين، وثابت في محبته دائماً.

وسمَّى المسيح أباه الرب كما تنبأ داود «قال الرب لربي إجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك». فيسوع عرف أن أباه هو القادر على كل شيء، ولكنه قال «نعم» لمشيئة أبيه، فحجب جوهره عن عظماء العالم والمتديِّنين، وسمَّى نفسه ابن الإنسان.

واعترف يسوع في صلاته أنه شريك في قدرة الله، فبما أن الابن أطاع موافقاً على طرق أبيه، دفع أبوه كل السلطان في السماء وعلى الأرض إليه. ولُبّ هذا السلطان هو معرفة الله وجوهره، فالمسيح وحده يعرف الله. وليس نبي أدرك الخالق في حقيقته الجوهرية إلا الابن، لأنه من جوهره، ويحمل ملء روحه في نفسه. فلم يستطع أحد أن يعرف الله كما هو إلا يسوع، الذي حلَّ فيه كلُّ ملء اللاهوت جسدياً.

وهذا السر المزدوج: معرفة الآب والابن، لا يدركه عقل الإنسان ولا يشعر به، إلا إذا فتح الروح القدس عيني ذهنه منعماً عليه. فالإنسان الطبيعي لا يستطيع الإيمان من تلقاء نفسه، بل يحتاج إلى نعمة الإلهام. فأنت لا تستطيع إدراك الله بمجهوداتك وصلواتك. فالله هو الذي يُقبِل إليك ويطلبك، ويعضدك ويملكك. فدعوة يسوع تفتح عينيك الروحية.

11: 28 تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ ٱلْمُتْعَبِينَ وَٱلثَّقِيلِي ٱلأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. 29 اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ ٱلْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. 30 لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ.

يدعو المسيح جميع الناس إلى شركة الثالوث الأقدس، لأنه لا راحة لأنفسنا إلا بالثبات في الله الحقيقي. والمحتاجون النادمون هم الذين يلبُّون دعوة المسيح، لأنهم يسمعون صوته المعزِّي. هل تعرف نفسك، وهل سمعت دعوة المسيح المخلِّص الذي يدعو كل الناس؟ وحده صاحب السلطان أن يرفع أثقالنا، ويحرّرنا من الخطية والمرض والناموس والموت والشيطان وغضب الله. فالمسيح هو المخلّص الوحيد القدير الذي لا يرفض طالباً واحداً، بل يدعو الكل ليسرعوا إليه فيُلقوا أثقالهم أمامه.

لكن قلوبنا شريرة، فلا يكفينا غفران الخطايا. إنما نحتاج إلى قوة مغيِّرة، تخلق حياة جديدة فينا. لهذا يضع المسيح نيره الخاص علينا، لأنه مرتبط مع أبيه في انسجام تام فيجذبنا إلى شركة مع أبيه. إن عشنا ومشينا في القرب مع الله تحت نير واحد، نتغير بمجده فنحصل على راحة الضمير الحقة. لأنه لا راحة إلا في الله.

وليس إنسان حراً، فإما أن يكون عبد الخطية، أو شريكاً في نير المسيح. ومن يتحد مع الآب والابن مؤمناً، عليه أن يمشي معه بنفس السرعة والهدف. والمسيح يدرّبنا لنكون مثله، ويعلّمنا فضائله. إنه وديع حقاً، وقد سلَّم إرادته لأبيه تماماً. وهو متواضع القلب حيث أنه أخلى نفسه. فإن ارتبطت مع يسوع يحررك من عنادك واستكبارك وبُخلك، ويغيِّرك إلى إنسان المحبة، فتفلّح مع المسيح أرض دنيانا، وتزرع فيها بذور الإنجيل. لكن لا تعمل لله مستقلاً، بل تحت نير المسيح، الذي يوحّدك بالله. وهو مزمع أن يروي عطشك إلى البر ويُشبع جوعك للاستقرار الروحي.

الصلاة: أيها الرب يسوع المسيح، نسجد لك لأنك دعوتنا، فنسرع إليك ملتمسين منك غفران آثامنا، ونعظّمك لأنك رفعت أثقالنا وأعلنت لنا اسم الآب، وجعلتنا أولاداً له، وتغيّرنا إلى فضائلك، لنمشي معك ونثبت فيك. ساعدنا لكيلا نفارقك، بل نتبعك في كل حين حتى تغيّرنا إلى صورتك المتواضعة الوديعة.

السؤال: 3 - ما هو نير المسيح الخاص الذي يحمّلنا إياه؟

4 - التلاميذ يقطفون السنابل في السبت (12 :1-8)

12: 1 فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ ذَهَبَ يَسُوعُ فِي ٱلسَّبْتِ بَيْنَ ٱلزُّرُوعِ، فَجَاعَ تَلامِيذُهُ وَٱبْتَدَأُوا يَقْطِفُونَ سَنَابِلَ وَيَأْكُلُونَ. 2 فَٱلْفَرِّيسِيُّونَ لَمَّا نَظَرُوا قَالُوا لَهُ: هُوَذَا تَلامِيذُكَ يَفْعَلُونَ مَا لا يَحِلُّ فِعْلُهُ فِي ٱلسَّبْتِ! 3 فَقَالَ لَهُمْ: أَمَا قَرَأْتُمْ مَا فَعَلَهُ دَاوُدُ حِينَ جَاعَ هُوَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ، 4 كَيْفَ دَخَلَ بَيْتَ ٱللّٰهِ وَأَكَلَ خُبْزَ ٱلتَّقْدِمَةِ ٱلَّذِي لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ لَهُ وَلا لِلَّذِينَ مَعَهُ، بَلْ لِلْكَهَنَةِ فَقَطْ؟ 5 أَوَ مَا قَرَأْتُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ أَنَّ ٱلْكَهَنَةَ فِي ٱلسَّبْتِ فِي ٱلْهَيْكَلِ يُدَنِّسُونَ ٱلسَّبْتَ وَهُمْ أَبْرِيَاءُ؟ 6 وَلٰكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هٰهُنَا أَعْظَمَ مِنَ ٱلْهَيْكَلِ! 7 فَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لا ذَبِيحَةً لَمَا حَكَمْتُمْ عَلَى ٱلأَبْرِيَاءِ! 8 فَإِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ ٱلسَّبْتِ أَيْضاً.

جاع تلاميذ المسيح لأنهم كانوا رقيقي الحال لا ثروة لهم. إنما كانوا يصلّون إلى أبيهم «خبزنا كفافنا أعطنا اليوم». أي أنهم كانوا متكلين على الله وعنايته اليومية، مؤمنين أنه يصيّر قلوب الناس كجداول المياه.

ففي انتظارهم لعطايا الله قطف التلاميذ بعض السنابل من الحقول بسبب جوعهم. وهذا لا يُعدُّ سرقة، لأن شريعة العهد القديم أجازت في حالة الجوع قطف الضروري للطعام. لكن الجَمْع في الجيوب والأوعية يُعتبر سرقة.

لم يشتك الفريسيون على التلاميذ لأجل قطف السنابل، بل لأنهم أخذوها في يوم السبت وفركوها، فحسبوا هذا العمل حراماً، متعدّياً على راحة السبت، ومستحقاً الموت.

ولكن المسيح في حكمته بيَّن لهم في أمثلة عن داود والكهنة أن وصية محبة الله والناس أعظم من حفظ وصية السبت. وبهذا شبَّه تلاميذه بكهنة وملوك، لأن هؤلاء المساكين بالروح هم في الحقيقة ملوك وكهنة لله، ينتمون إلى العهد الجديد. وهكذا سمَّى المسيح نفسه رب السبت، لأنه أتى بناموس جديد هو ناموس المحبة. وفي هذه الشريعة يعلّمنا المشرِّع السماوي أن الإنسان لا يتبرر بحفظ الوصايا، بل بنعمة دم حمَل الله وحده. هذا يحرّرنا لنخدم بالمحبة حتى في يوم السبت. فالمحبة هي التي تقدّسنا.

5 - شفاء اليد اليابسة في السبت (12: 9-21)

12: 9 ثُمَّ ٱنْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ وَجَاءَ إِلَى مَجْمَعِهِمْ، 10 وَإِذَا إِنْسَانٌ يَدُهُ يَابِسَةٌ، فَسَأَلُوهُ: هَلْ يَحِلُّ ٱلإِبْرَاءُ فِي ٱلسُّبُوتِ؟ لِكَيْ يَشْتَكُوا عَلَيْهِ. 11 فَقَالَ لَهُمْ: أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ يَكُونُ لَهُ خَرُوفٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ سَقَطَ هٰذَا فِي ٱلسَّبْتِ فِي حُفْرَةٍ، أَفَمَا يُمْسِكُهُ وَيُقِيمُهُ؟ 12 فَٱلإِنْسَانُ كَمْ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ ٱلْخَرُوفِ! إِذاً يَحِلُّ فِعْلُ ٱلْخَيْرِ فِي ٱلسُّبُوتِ! 13 ثُمَّ قَالَ لِلإِنْسَانِ: مُدَّ يَدَكَ. فَمَدَّهَا. فَعَادَتْ صَحِيحَةً كَٱلأُخْرَى.

تربَّص الفريسيون بالمسيح لأنه اعتبر المحبة العاملة أفضل من الحفظ الشكلي للطقوس والشرائع. والمتعصِّب لدينه والمتمسِّك بتقاليد طائفته لا يستطيع عادة رؤية الحقيقة كما هي، فيَصِل إلى درجة أن يعامل حيوان أفضل من الإنسان.

لم يَخْشَ المسيح أعداءه، بل كشف عن خبثهم وغباوتهم، وطلب منهم قليلاً من التفكير لأن لا أحد منهم يتأخر عن إنقاذ خروفه إن سقط في بئر يوم السبت.

12: 14 فَلَمَّا خَرَجَ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ تَشَاوَرُوا عَلَيْهِ لِكَيْ يُهْلِكُوهُ، 15 فَعَلِمَ يَسُوعُ وَٱنْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ. وَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ فَشَفَاهُمْ جَمِيعاً. 16 وَأَوْصَاهُمْ أَنْ لا يُظْهِرُوهُ، 17 لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ ٱلنَّبِيِّ: 18 هُوَذَا فَتَايَ ٱلَّذِي ٱخْتَرْتُهُ، حَبِيبِي ٱلَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ ٱلأُمَمَ بِٱلْحَقِّ. 19 لا يُخَاصِمُ وَلا يَصِيحُ، وَلا يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي ٱلشَّوَارِعِ صَوْتَهُ. 20 قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لا يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لا يُطْفِئُ، حَتَّى يُخْرِجَ ٱلْحَقَّ إِلَى ٱلنُّصْرَةِ. 21 وَعَلَى ٱسْمِهِ يَكُونُ رَجَاءُ ٱلأُمَمِ.

حكم المتدينون على المسيح بالموت لأنه اعتبر عمل المحبة أعظم من تفسيرهم للتوراة فشعروا كأن السماء تقتحم دنياهم الضيقة. ولم يقدروا على مواصلة الكفاح بالمنطق، فلجأوا إلى العنف، فأعداء الله منذ بداية عمل يسوع رفضوه وقرروا إبادته.

تراجُع المسيح ليس خوفاً من الموت ، ولكن لأن ساعته لم تأتِ بعد، وكان لا تزال في برنامجه أعمال جليلة ليتممها. فمنذ هذا الوقت عاش المسيح في العُزلة، وخدم على انفراد بهدوء. فشفى بكلمته القوية المرضى الذين جاءوا إليه بإيمان واثقين بقدرته أنه المنقذ الرحيم. لقد طلب الجياع إلى البر والمشتاقين إلى الصفاء الروحي. وأما المتعصّبون السطحيون فلم يجدوا عنده عوناً.

المسيح هو المحبة الوديعة لأنه مولود من روح الله. لقد تنبأ إشعياء عنه قبل ولادته ب 700 سنة أن الله سيرسل إلى العالم فتاه الحبيب، الذي يثبت في مسرته ممتلئاً بروحه. ففي تواضع المسيح ولطفه ندرك أشعة من جوهر الثالوث الأقدس. إنه المقياس للعالم في الدينونة ، وسلوكه هو المقياس الوحيد في اليوم الأخير.

لم يخاصم المسيح من أجل حقه، ولم يصرخ على عدوّه بصوت عالٍ ليُخرسه، بل ترك لمن سأله ثوبه، والرداء أيضاً. وبارك مضايقيه، وأحب أعداءه. وإذا وجدت شرارة رجاء في بائس، شجِّعْهُ إلى إيمانٍ خالٍ من الخوف والشك، فقوة نصرته العظيمة تمتد إلى كل الشعوب، ونوره يخترق ظلماتنا. ونعرف أنه سينتصر أخيراً، لأنه أسس دعائم انتصاره على الصليب. فانتصاره كنهر عريض يروي صحراء دنيانا. المسيح هو الرجاء الوحيد لعالمنا القَلِق.

الصلاة: أيها الآب، نشكرك لأنك أعلنت نوعية ألوهيتك في يسوع، وأكملت برَّ العالم على الصليب. فنسجد لك بهتاف، ونلتمس منك وداعة محبة ابنك، لكيلا نتخاصم ونصرخ، بل نسلّم إليك كل مشاكلنا. ونعيش في ثقة كاملة، ونختبر أنك ترشدنا لخدمات تبشيرية رغم مُضايقينا.

السؤال: 4 - ما هو الجائز وما الممتنع؟

6 - التجديف على الروح القدس (12: 22-37)

12: 22 حِينَئِذٍ أُحْضِرَ إِلَيْهِ مَجْنُونٌ أَعْمَى وَأَخْرَسُ فَشَفَاهُ، حَتَّى إِنَّ ٱلأَعْمَى ٱلأَخْرَسَ تَكَلَّمَ وَأَبْصَرَ. 23 فَبُهِتَ كُلُّ ٱلْجُمُوعِ وَقَالُوا: أَلَعَلَّ هٰذَا هُوَ ٱبْنُ دَاوُدَ؟ 24 أَمَّا ٱلْفَرِّيسِيُّونَ فَلَمَّا سَمِعُوا قَالُوا: هٰذَا لا يُخْرِجُ ٱلشَّيَاطِينَ إِلاّ بِبَعْلَزَبُولَ رَئِيسِ ٱلشَّيَاطِينِ.

أعلن المسيح سلطانه تدريجياً، فلم يكن مرض الأخرس الأعمى الذي قدموه إليه طارئاً، بل نتيجة استعباد الأرواح النجسة له، ومع ذلك فقد نال الشفاء حالما جاءوا به إلى المسيح المنتصر القدير. إن كل روح عدا الروح القدس يُهلك الإنسان ويضعفه. شعر الشعب البسيط أن يسوع هو ابن داود المسيح الموعود. ولكن الفريسيين لم يفرحوا بشفاء الأعمى الأخرس، بل شتموا المسيح واتهموه بأنه متعاهد مع رئيس الشياطين. وصاروا بممارسة برِّهم الناموسي قُساة القلوب، فظنوا أنهم يخدمون الله، بينما كانوا معارضين لروحه القدوس.

12: 25 فَعَلِمَ يَسُوعُ أَفْكَارَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: كُلُّ مَمْلَكَةٍ مُنْقَسِمَةٍ عَلَى ذَاتِهَا تُخْرَبُ، وَكُلُّ مَدِينَةٍ أَوْ بَيْتٍ مُنْقَسِمٍ عَلَى ذَاتِهِ لا يَثْبُتُ. 26 فَإِنْ كَانَ ٱلشَّيْطَانُ يُخْرِجُ ٱلشَّيْطَانَ فَقَدِ ٱنْقَسَمَ عَلَى ذَاتِهِ. فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَمْلَكَتُهُ؟ 27 وَإِنْ كُنْتُ أَنَا بِبَعْلَزَبُولَ أُخْرِجُ ٱلشَّيَاطِينَ، فَأَبْنَاؤُكُمْ بِمَنْ يُخْرِجُونَ؟ لِذٰلِكَ هُمْ يَكُونُونَ قُضَاتَكُمْ! 28 وَلٰكِنْ إِنْ كُنْتُ أَنَا بِرُوحِ ٱللّٰهِ أُخْرِجُ ٱلشَّيَاطِينَ، فَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكُمْ مَلَكُوتُ ٱللّٰهِ! 29 أَمْ كَيْفَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ ٱلْقَوِيِّ وَيَنْهَبَ أَمْتِعَتَهُ، إِنْ لَمْ يَرْبِطِ ٱلْقَوِيَّ أَوَّلاً، وَحِينَئِذٍ يَنْهَبُ بَيْتَهُ؟ 30 مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ عَلَيَّ، وَمَنْ لا يَجْمَعُ مَعِي فَهُوَ يُفَرِّقُ.

هزم المسيح إبليس، وكشف لنا بعض أسراره وجرَّده من قواه. ومن المهم أن ندرك شخصية المسيح وكيف أنقذنا، فنشترك في غلبته.

إن أرواح جهنم واحدة حتى لوظهرت مختلفة في أوروبا وآسيا وأفريقيا. وقد تفسد في أميركا بطريقة مغايرة لإفسادها في الشرق الأوسط. وأحياناً تتحارب المذاهب والأحزاب الشيطانية معاً، ولكنها بالحقيقة تشترك في خراب أنفس الملايين وإهلاكها، منشئة فيهم حب المال والشهوات الدنسة والحروب المبيدة. وهدفها في كل هذه البلايا تقسّي القلوب ضد روح الله، ودمار الضمائر.

ويحدث الشفاء أحياناً بالتكلُّم مع هذه الأرواح الرديئة، حتى يطردوا الشياطين بشياطين أمثالها. بيد أن هذا لا يعني تحرراً حقاً، لأن الإنسان الذي يذهب إلى العرَّافين أو ضاربي المندَل أو السّحَرة لا يتحرر ولا يحصل على العون، بل يرتبط في أعماق باطنه أكثر، ويصبح من مواطني جهنم.

أما المسيح فبروح الله القوي يخرج أرواح جهنم من الملبوسين. فالحمد لله أنه توجد قوة أقوى من كل السلطات السفلية، هي الله بالذات في الروح القدس، الذي يمجد المسيح ودمه. وهذا الروح يؤكد لنا أن المخلِّص قد غلب الشيطان وأتباعه على الصليب وجرَّده من سلطانه. فالمسيح هو المنتصر الفريد، ومن يلتصق به يتحرر من قيود الخطية وجهنم، ويُحفظ من تأثيرها إلى الأبد.

إن سلطان المسيح أعظم مما ندرك، لأنه يملك اليوم في السماء وعلى الأرض، ويخلّص أفراداً وأفواجاً في كل القارات. آمن معنا أن يسوع قد دان كل روح شرير في أُمَّتنا، ويحرر كثيرين من سلاسلهم، وينجِّيهم من البُخل والدعارة والتعصُّب والاستكبار، ليخضعوا له بفرح واطمئنان.

12: 31 لِذٰلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ خَطِيَّةٍ وَتَجْدِيفٍ يُغْفَرُ لِلنَّاسِ، وَأَمَّا ٱلتَّجْدِيفُ عَلَى ٱلرُّوحِ فَلَنْ يُغْفَرَ لِلنَّاسِ. 32 وَمَنْ قَالَ كَلِمَةً عَلَى ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ يُغْفَرُ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ، لا فِي هٰذَا ٱلْعَالَمِ وَلا فِي ٱلآتِي.

يميِّز المسيح بين الخطايا. وسمَّى عدم الإيمان في كفر ناحوم أنجس من لوطية أهل سدوم. وأعلن أيضاً أن الخطية ضد الروح القدس هي أعظم تعدٍّ على مجد الله، وهذه الخطية لن تُغفر إلى الأبد.

لكن كل خطية ضد المسيح وكنيسته والناس وضد أنفسنا تُغفر كاملاً بنعمة الله، إن ارتكبناها جهلاً وبسطحية وبتسرُّع، كما حدث من شاول قبل اهتدائه، الذي ساق أتباع المسيح إلى السجون، والارتداد، وسلَّمهم إلى الموت. فالمسيح نفسه اعترض طريق شاول، وقال له «شاول شاول، لماذا تضطهدني؟!» فكل خطية ارتكبتها قبل حلول الروح القدس فيك قابلة للغفران، كما صلَّى المسيح على الصليب لأجل قاتليه «يا أبتاه اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون» فلم يهلك اليهود لأجل صلب المسيح، بل لأنهم رفضوا بعدئذ عمل الروح القدس فيهم، واستهانوا بأقوال الرسل دائماً. فمن يدَّعي أن عمل المسيح شيطاني هو الملبوس الشرير، لأن روح الشيطان يجدِّف دائماً على وحدة الثالوث الأقدس.

والذي يقاوم الروح القدس ويحاربه، ليس له غفران فيما بعد. ومن هذا تحذِّرنا الرسالة إلى العبرانيين قائلة «اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسُّوا قلوبكم». فحيث يعلن الله ذاته لك في الإنجيل بتأثير روحه، فلا يبقى لك إلا اختيار أحد الأمرين: الرفض أو التسليم. فماذا تفعل؟

12: 33 اِجْعَلُوا ٱلشَّجَرَةَ جَيِّدَةً وَثَمَرَهَا جَيِّداً، أَوِ ٱجْعَلُوا ٱلشَّجَرَةَ رَدِيَّةً وَثَمَرَهَا رَدِيّاً، لأَنْ مِنَ ٱلثَّمَرِ تُعْرَفُ ٱلشَّجَرَةُ. 34 يَا أَوْلادَ ٱلأَفَاعِي! كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَتَكَلَّمُوا بِٱلصَّالِحَاتِ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ؟ فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ ٱلْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ ٱلْفَمُ. 35 اَلإِنْسَانُ ٱلصَّالِحُ مِنَ ٱلْكَنْزِ ٱلصَّالِحِ فِي ٱلْقَلْبِ يُخْرِجُ ٱلصَّالِحَاتِ، وَٱلإِنْسَانُ ٱلشِّرِّيرُ مِنَ ٱلْكَنْزِ ٱلشِّرِّيرِ يُخْرِجُ ٱلشُّرُورَ. 36 وَلٰكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا ٱلنَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَاباً يَوْمَ ٱلدِّينِ. 37 لأَنَّكَ بِكَلامِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلامِكَ تُدَانُ.

إن زرعت بذرة مشمش لا تنبت منها شجرة نخيل، فمن الواضح أن سلوك الإنسان وكلماته تكشف داخله. فكلماتك تعبّر عما في قلبك من الغضب أو الفرح.

ولكن أي امريء يأتي بكلمات صالحة فقط؟ لا أحد! لأنه ليس من يعمل صلاحاً. ومن قلوبنا تخرج أفكار شريرة، كالزنى والدعارة والقتل والكذب والسرقة والاستكبار والبغضة والانتقام. وهذه الأفكار تشكّل كلماتنا، التي هي ترجمان لفسادنا. فالمسيح كشف حالنا بقوله: يا أولاد الأفاعي، كيف تقدرون التكلُّم بالصالحات وأنتم أشرار في نواياكم؟ فكل من لم يولد من روح الله، يؤثر فيه إبليس ليكون من أتباعه، فيمتليء شراً وحقداً، ولا يصدر منه أي فكر صالح أو أي عمل مبني على الحق.

ولكن عندما يطهِّر دم المسيح شعورك الباطني، ويتمركز الروح القدس في قلبك، تصبح فرحاً محباً طاهراً، صانعاً سلاماً. وهذه الثمار ليست منك، بل من روح الله العامل فيك. والمسيح هو الكرمة ونحن الأغصان، فكل ثمار صالحة تخرج منَّا هي منه لأنه هو الكنز الصالح في قلوبنا.

ولا تنس أن الله يسجِّل كل كلمة تخرج من فمك. وحيث أن الإنسان يقدر أن يسجِّل بطريقة سرِّية الأحاديث الدائرة بين الناس بآلات التسجيل، فالله أكبر قدرة! وفي الأبدية ستُدان، وتسمع كل كلمة نطَقت بها على الأرض في حضرة القدوس والجميع. فستخجل بلا حد، وتفضِّل أن تذوب حتى لا تراك الأعين!

ولكن إن آمنت بقدرة دم المسيح، واعترفت بذنوبك كلها، فإنه يمحو بفضله كل كلماتك الشريرة كما تُمحَى التسجيلات عن أشرطة التسجيل، فلا يبقى بعد ذلك إلا صلواتك الحارة وشهاداتك الطيبة وكلماتك الصالحة البنّاءة. فإيمانك يظهر في كلماتك. وهو يبررك في الدينونة العظيمة. والشرير لا يجد لنفسه قوة وحقوقاً فيك، لأنك قد اتحدت مع المسيح وروحه إلى الأبد.

الصلاة: نعظِّمك أيها الرب يسوع، لأنك تغفر لنا جميع أكاذيبنا وخطايانا، وتنظِّف شعورنا الباطني لنفكر أفكاراً طاهرة، ونحب كل الناس، ونعيش في سلام تام. احفظنا من الكبرياء والمعارضة ضد صوتك، لنطيعك ونعمل إرادتك في حياتنا اليومية.

السؤال: 5 - ما هي الخطية ضد الروح القدس؟

7 - آية يونان النبي (12: 38-45)

12: 38 حِينَئِذٍ قَالَ قَوْمٌ مِنَ ٱلْكَتَبَةِ وَٱلْفَرِّيسِيِّينَ: يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَةً. 39 فَقَالَ لَهُمْ: جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلا تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاّ آيَةَ يُونَانَ ٱلنَّبِيِّ. 40 لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ ٱلْحُوتِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاثَ لَيَالٍ، هٰكَذَا يَكُونُ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي قَلْبِ ٱلأَرْضِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاثَ لَيَالٍ. 41 رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي ٱلدِّينِ مَعَ هٰذَا ٱلْجِيلِ وَيَدِينُونَهُ، لأَنَّهُمْ تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ هٰهُنَا! 42 مَلِكَةُ ٱلتَّيْمَنِ سَتَقُومُ فِي ٱلدِّينِ مَعَ هٰذَا ٱلْجِيلِ وَتَدِينُهُ، لأَنَّهَا أَتَتْ مِنْ أَقَاصِي ٱلأَرْضِ لِتَسْمَعَ حِكْمَةَ سُلَيْمَانَ، وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ سُلَيْمَانَ هٰهُنَا!

طلب اليهود من المسيح معجزة، لا بدافع الثقة والمحبة، بل كتجربة له، لكيلا يضطروا للإيمان بألوهيته. وهكذا لا يريد البشر الإيمان، بل يطلبون البراهين المنطقية والأدلة الملموسة على وجود الله. فالإيمان يتطلب منَّا تجاسر ثقة عقولنا، وموافقة قلوبنا، لنتغلب على الشكوك النابعة من داخلنا.

رفض غالبية اليهود المسيح مع أنه تكلَّم بسلطان إلهي. ولكن كلماته الحنونة لم تدخل آذانهم، فتقسَّت قلوبهم. وهذا عكس ما عمله أهل نينوى الوثنيون، الذين قبلوا كلمة الله من يونان النبي بندامة وتابوا. أما اليهود فلم يرجعوا إلى ربهم رغم تجسُّد كلمته وحلوله بينهم. فلذلك انتهى فيهم الشوق لمعرفة الحق، وظنُّوا أنهم وحدهم يعلمون الحق، وأنهم أبرار كاملون.

والكتاب المقدس يذكِّرنا أن ملكة التيمن أتت من أقصى الجزيرة العربية إلى سليمان الحكيم، لتسمع حكمة الله التي في الملك. ولكن اليهود القريبون من المسيح، رفضوا باستهزاء حكمة الله الكاملة التي تمثَّلت أمامهم، فسمَّاهم المسيح جيلاً شريراً فاسقاً. فهل أنت من الجيل الشرير، أو هل رجعت إلى ربك الحي مثل أهل نينوى، الذين عند سماعهم النداء للتوبة تابوا حقاً بالدموع، وآمنوا بكلمة الله وخلصوا من غضبه؟

12: 43 إِذَا خَرَجَ ٱلرُّوحُ ٱلنَّجِسُ مِنَ ٱلإِنْسَانِ يَجْتَازُ فِي أَمَاكِنَ لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ، يَطْلُبُ رَاحَةً وَلا يَجِدُ. 44 ثُمَّ يَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي ٱلَّذِي خَرَجْتُ مِنْهُ. فَيَأْتِي وَيَجِدُهُ فَارِغاً مَكْنُوساً مُزَيَّناً. 45 ثُمَّ يَذْهَبُ وَيَأْخُذُ مَعَهُ سَبْعَةَ أَرْوَاحٍ أُخَرَ أَشَرَّ مِنْهُ، فَتَدْخُلُ وَتَسْكُنُ هُنَاكَ، فَتَصِيرُ أَوَاخِرُ ذٰلِكَ ٱلإِنْسَانِ أَشَرَّ مِنْ أَوَائِلِهِ. هٰكَذَا يَكُونُ أَيْضاً لِهٰذَا ٱلْجِيلِ ٱلشِّرِّيرِ.

آمنت جماهير غفيرة من اليهود بالمسيح في البداية، وتأثرت بأقواله وأعماله، وتراكضت إلى رجل المحبة. وأنتج اقترابهم من المسيح تفكيراً جديداً فيهم. طرد روحُه الأرواحَ النجسة من عقولهم، وطهَّرتهم كلمة يسوع وقدَّستهم، إعداداً لحلول الروح القدس وثباته فيهم.

أما الأكثرية فلم تثبت في المسيح. لقد كان عليهم أن يقرروا موقفهم بين أحكام التقليد ومحبة الله في يسوع، بين التبرير بالأعمال والتبرير بالنعمة، بين الروح القدس وأرواح هذا الدهر الشرير. فتركوا المسيح وخلاصه خوفاً من الناس. وهذا أكبر خطر على المؤمن المتجدد: أن يرتد وينكر المسيح الحنون ليُرضي الناس. فيشبه هذا الإنسان المسكين ملبوساً كان شريراً سابقاً وتطهَّر بكرازة يسوع، لكنه بعد ذلك ترك مخلّصه الأمين، فهجمت عليه أرواح شريرة مضاعفة سبع مرات عن ذي قبل، فأصبح شريراً أصيلاً وابناً لجهنم.

ولا تنس أنك بالنسبة لعلاقتك بالله، لست حراً ولا مستقلاً. فإما أن يملكك روح الله أو أفكار الشيطان. فإن تركت إيمانك بالمسيح عمداً، تأت جهنم بهجوم عظيم وتقيِّدك وتقودك إلى كل شر ونجاسة.

اثبت في المسيح، واقبل صوته، وأطع إرشادات روحه. تُبْ عن خطاياك، ودع كلمة المسيح تُقدِّس تفكيرك، وتُنقِّي ضميرك إلى التمام. وإن التجأت إلى يسوع تمتليء بقدرة روحه. أما إن بعدت عنه، فلا بد أن تسكنك الأرواح الشريرة.

8 - أقرباء يسوع الحقيقيون (12: 46-50)

12: 46 وَفِيمَا هُوَ يُكَلِّمُ ٱلْجُمُوعَ إِذَا أُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ قَدْ وَقَفُوا خَارِجاً طَالِبِينَ أَنْ يُكَلِّمُوهُ. 47 فَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ: هُوَذَا أُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ وَاقِفُونَ خَارِجاً طَالِبِينَ أَنْ يُكَلِّمُوكَ. 48 فَأَجَابَهُ: مَنْ هِيَ أُمِّي وَمَنْ هُمْ إِخْوَتِي؟ 49 ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ نَحْوَ تَلامِيذِهِ وَقَالَ: هَا أُمِّي وَإِخْوَتِي. 50 لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي.

بلغ الاضطهاد ضد يسوع أقساه حين ضغط اليهود على أهله ليوقفوا عمله التبشيري، وإلا فيتحمَّلون معه العقوبة ويُطرَدون من الأمة. فتَقَدم إخوة يسوع إلى أخيهم الأكبر، وربما رافقت الأم الإخوة لتهديء الخلاف بينه وبينهم. أما المسيح فحلَّ المشكلة بقطع، منفصلاً عن عائلته جهاراً، مع الاحتفاظ بمحبته الفائقة لهم، مما يدل على بصيرة روحية بعيدة النظر. فصرَّح يسوع أنه لم يعد مرتبطاً بعائلته، بل ارتبط بتلاميذه أكثر في وحدة الروح القدس. واعتبرهم عائلة الله. كما أنه في اتضاعه لم يستح أن يدعو البشر إخوته. فأي شرف أعطانا ابن الله بهذا اللقب! بيد أن المسيح عقَّب على تلك الكلمة، بكلمة يرتاح منها كل قلب، وهي أنه حصر الأخوَّة في الذين يعملون إرادة أبيه الذي في السموات. فما هي إرادة الله؟ لقد قال يوحنا: هذه هي مشيئة الله، أن تؤمنوا بالذي أرسله وتقبلوه، وتسلّموا أنفسكم له وتتقدَّسوا. وهو يقودكم إلى أعمال محبته. فإن إرادة الله هي خلاصنا وقداستنا.

لايقدر إنسان أن يكمل إرادة الله من تلقاء نفسه. وإلا لكان مثل الله بالذات. ولكن دم المسيح ينقّينا، وروحه يقوّينا لممارسة الفضائل الإلهية، فنتيقن من بنوَّة المسيح وأبوَّة الله، ونثق بمصدرنا الإلهي بالروح.

وطلب المسيح بهذه الكلمات من أقربائه أن يتركوا الحياة الحيادية والخوف من الناموسيين، ويؤمنوا بحقيقة ألوهيته ويرجعوا إليه، ويعتبروا محبة الله أهم من تهديدات مضطهديه. وحقاً فإن صبر المسيح على أقربائه أنتج عودة الجميع إليه، فامتلأوا بالروح القدس (أعمال الرسل 1: 14 ، 2: 1).

الصلاة: أيها الآب القدوس، لا نستطيع النطق باسمك الأبوي بدون خوف وشكر، فساعدنا لنعتبر الحياة في عائلتك أهم من كل ارتباطاتنا الدنيوية على الأرض، وساعدنا لكيلا نرتد ولا ننكر ألوهيتك، بل لنعمل إرادتك في كل حين دائماً وأبداً.

السؤال: 6 - ما هو الفرق بين المرتد وعائلة الله؟

ثانياً - المسيح يعلّم بأمثال (13: 1-58)

1 - مَثَل الزارع (13 :1-23)

13: 1 فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ خَرَجَ يَسُوعُ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَجَلَسَ عِنْدَ ٱلْبَحْرِ، 2 فَٱجْتَمَعَ إِلَيْهِ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ، حَتَّى إِنَّهُ دَخَلَ ٱلسَّفِينَةَ وَجَلَسَ. وَٱلْجَمْعُ كُلُّهُ وَقَفَ عَلَى ٱلشَّاطِئِ. 3 فَكَلَّمَهُمْ كَثِيراً بِأَمْثَالٍ قَائِلاً: هُوَذَا ٱلزَّارِعُ قَدْ خَرَجَ لِيَزْرَعَ، 4 وَفِيمَا هُوَ يَزْرَعُ سَقَطَ بَعْضٌ عَلَى ٱلطَّرِيقِ، فَجَاءَتِ ٱلطُّيُورُ وَأَكَلَتْهُ. 5 وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى ٱلأَمَاكِنِ ٱلْمُحْجِرَةِ، حَيْثُ لَمْ تَكُنْ لَهُ تُرْبَةٌ كَثِيرَةٌ، فَنَبَتَ حَالاً إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُمْقُ أَرْضٍ. 6 وَلٰكِنْ لَمَّا أَشْرَقَتِ ٱلشَّمْسُ ٱحْتَرَقَ، وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ جَفَّ. 7 وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى ٱلشَّوْكِ، فَطَلَعَ ٱلشَّوْكُ وَخَنَقَهُ. 8 وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجَيِّدَةِ فَأَعْطَى ثَمَراً، بَعْضٌ مِئَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلاثِينَ. 9 مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ

في المجموعة الثالثة من أقوال المسيح، يحدثنا البشير متى بأسلوب المسيح الرائع في كرازته. لقد وضح دستور ملكوت الله سابقاً في الأصحاح 5-7. وتكلَّم عن نشر هذه المملكة في الأصحاح 10. ولكن الآن يُظهر أسرار نموها في الأصحاح 13. وبنفس الوقت يفسِّر لنا دوافع انفصال الذين يرفضونه.

وبسط يسوع تعليمه بأمثال فائقة تتطلب من المستمع تفكيراً، ومنع أعداءه من فهم مقاصده. وأما خاصته فوضَّح لهم مغزى الأمثلة.

كان عدد المستمعين إليه في كفر ناحوم كبيراً، مما اضطره ليبتعد قليلاً عن الشاطيء في الزورق، ليراه الجميع ويسمعوه. أما الراكبون معه فقد كان امتيازهم أن يسمعوا تعليقاته على الأمثلة بعدئذ على انفراد. وبهذه الطريقة علَّم الرب تلاميذه للتبشير في المستقبل.

أين تقف في هذا التطور الروحي؟ هل أنت على الطريق إلى السماء، أو منحدر إلى جهنم؟ المسيح يطلبك رغم خطاياك ويدعوك شخصياً لتقبل كلمته المحيية. فنطلب إليك باسم المسيح: تعال إليه لأنه يحبك، ويجتذبك ويشفيك، وعنده المقدرة أن يخلِّصك إلى التمام.

13: 10 فَتَقَدَّمَ ٱلتَّلامِيذُ وَقَالُوا لَهُ: لِمَاذَا تُكَلِّمُهُمْ بِأَمْثَالٍ؟ 11 فَأَجَابَ: لأَنَّهُ قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ، وَأَمَّا لأُولَئِكَ فَلَمْ يُعْطَ. 12 فَإِنَّ مَنْ لَهُ سَيُعْطَى وَيُزَادُ، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ فَٱلَّذِي عِنْدَهُ سَيُؤْخَذُ مِنْهُ. 13 مِنْ أَجْلِ هٰذَا أُكَلِّمُهُمْ بِأَمْثَالٍ، لأَنَّهُمْ مُبْصِرِينَ لا يُبْصِرُونَ، وَسَامِعِينَ لا يَسْمَعُونَ وَلا يَفْهَمُونَ. 14 فَقَدْ تَمَّتْ فِيهِمْ نُبُوَّةُ إِشَعْيَاءَ: تَسْمَعُونَ سَمْعاً وَلا تَفْهَمُونَ، وَمُبْصِرِينَ تُبْصِرُونَ وَلا تَنْظُرُونَ. 15 لأَنَّ قَلْبَ هٰذَا ٱلشَّعْبِ قَدْ غَلُظَ، وَآذَانَهُمْ قَدْ ثَقُلَ سَمَاعُهَا. وَغَمَّضُوا عُيُونَهُمْ، لِئَلاّ يُبْصِرُوا بِعُيُونِهِمْ، وَيَسْمَعُوا بِآذَانِهِمْ، وَيَفْهَمُوا بِقُلُوبِهِمْ، وَيَرْجِعُوا فَأَشْفِيَهُمْ. 16 وَلٰكِنْ طُوبَى لِعُيُونِكُمْ لأَنَّهَا تُبْصِرُ، وَلآذَانِكُمْ لأَنَّهَا تَسْمَعُ. 17 فَإِنِّي ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ أَنْبِيَاءَ وَأَبْرَاراً كَثِيرِينَ ٱشْتَهَوْا أَنْ يَرَوْا مَا أَنْتُمْ تَرَوْنَ وَلَمْ يَرَوْا، وَأَنْ يَسْمَعُوا مَا أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلَمْ يَسْمَعُوا.

ما أروع الصورة! يسوع جالس في الزورق قرب الشاطيء، والجماهير جالسة على الرمال تصغي لكلماته. فابتدأ يفسِّر لهم قاعدة وقانون نمو المؤمنين، والتناقض الروحي في الذين لم ينموا.

سمع المؤمنون كلمة الله، ووافقوا عليها بنعم، واقتربوا من الإله المتجسِّد بثقة. واتحدوا بالإيمان في عهد جديد. وثبتوا فيه لأن جذورهم تمتد عميقاً إلى كلمته الحية، فيستخرجون قوة فوق قوة لإتمام إرادته، حتى يحرروا باسمه آخرين من سلطة الظلمة. فالمسيح نفسه حل بالإيمان في قلوبهم، وأعطاهم أن يذيعوا خلاصه.

وأرانا يسوع في مَثَله الأول نتيجة كل عمل تبشيري في حقل الله، فالإنجيل للجميع وبدون تمييز، حتى أن الزارع الإلهي زرع بذوره بكثرة، وألقاها أينما كان، على الطريق العام، والصخور، وبين الأشواك، الأمر الذي يستغربه الفلاح. فالله يعطي كل إنسان نفس الفرصة لقبول الإنجيل الكامل الذي هو الزرع الجيد.

13: 18 فَٱسْمَعُوا أَنْتُمْ مَثَلَ ٱلزَّارِعِ: 19 كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ كَلِمَةَ ٱلْمَلَكُوتِ وَلا يَفْهَمُ، فَيَأْتِي ٱلشِّرِّيرُ وَيَخْطَفُ مَا قَدْ زُرِعَ فِي قَلْبِهِ. هٰذَا هُوَ ٱلْمَزْرُوعُ عَلَى ٱلطَّرِيقِ. 20 وَٱلْمَزْرُوعُ عَلَى ٱلأَمَاكِنِ ٱلْمُحْجِرَةِ هُوَ ٱلَّذِي يَسْمَعُ ٱلْكَلِمَةَ، وَحَالاً يَقْبَلُهَا بِفَرَحٍ، 21 وَلٰكِنْ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي ذَاتِهِ، بَلْ هُوَ إِلَى حِينٍ. فَإِذَا حَدَثَ ضِيقٌ أَوِ ٱضْطِهَادٌ مِنْ أَجْلِ ٱلْكَلِمَةِ فَحَالاً يَعْثُرُ. 22 وَٱلْمَزْرُوعُ بَيْنَ ٱلشَّوْكِ هُوَ ٱلَّذِي يَسْمَعُ ٱلْكَلِمَةَ، وَهَمُّ هٰذَا ٱلْعَالَمِ وَغُرُورُ ٱلْغِنَى يَخْنُقَانِ ٱلْكَلِمَةَ فَيَصِيرُ بِلا ثَمَرٍ. 23 وَأَمَّا ٱلْمَزْرُوعُ عَلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجَيِّدَةِ فَهُوَ ٱلَّذِي يَسْمَعُ ٱلْكَلِمَةَ وَيَفْهَمُ. وَهُوَ ٱلَّذِي يَأْتِي بِثَمَرٍ، فَيَصْنَعُ بَعْضٌ مِئَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلاثِينَ.

ماذا أنتَجَت حبة الإنجيل فيك: لا شيء، أو قليلاً، أو كثيراً؟! إدرس هذا المَثَل على ضوء التفسير الذي قدمه لنا يسوع، لتدرك من أنت. واطلب من المسيح أن يجعلك تربة عميقة صالحة للزرع. واطلب منه أيضاً تغيير ذهنك لتدرس كلمة الله بفرح واجتهاد. ليكن اهتمامك الأول منصبّاً على قراءة الإنجيل باستمرار ودقة لتعمل بما قرأته وتأتي بثمر كثير.

اطلب أيضاً من ربك لينصرك على همومك، ويحررك من محبة المال، فتطلب أولاً ملكوت الله وبره، وحينئذ ترى أن الله بذاته يهتم بك ويباركك. ولا شك أن كلمته المباركة تأتي فيك بثمر غزير، كما أن الحبة الواقعة في الأرض الجيدة تأتي بسنبلة ذهبية ممتلئة.

الصلاة: أيها الآب، قلبي قاس بطيء سطحي وشرير. كسِّر كبريائي واغلب نواياي الباطلة، وافتح أذني لسماع كلمتك، وقوّ عزمي لدراسة كتابك المقدس باستمرار. نظِّم وقتي وإرادتي لأتعمق يومياً في إنجيلك المقدس، الذي ينير فؤادي ويثبِّتني في الإيمان الحق والمحبة العاملة والرجاء الحي.

السؤال: 7 - ما هي الصفات الأربع في المستمعين للإنجيل؟

2 - مَثَل الزوان في الحقل (13: 24-30، 36-43)

13: 24 قَالَ لَهُمْ مَثَلاً آخَرَ: يُشْبِهُ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ إِنْسَاناً زَرَعَ زَرْعاً جَيِّداً فِي حَقْلِهِ. 25 وَفِيمَا ٱلنَّاسُ نِيَامٌ جَاءَ عَدُوُّهُ وَزَرَعَ زَوَاناً فِي وَسَطِ ٱلْحِنْطَةِ وَمَضَى. 26 فَلَمَّا طَلَعَ ٱلنَّبَاتُ وَصَنَعَ ثَمَراً، حِينَئِذٍ ظَهَرَ ٱلزَّوَانُ أَيْضاً. 27 فَجَاءَ عَبِيدُ رَبِّ ٱلْبَيْتِ وَقَالُوا لَهُ: يَا سَيِّدُ، أَلَيْسَ زَرْعاً جَيِّداً زَرَعْتَ فِي حَقْلِكَ؟ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ زَوَانٌ؟. 28 فَقَالَ لَهُمْ: إِنْسَانٌ عَدُوٌّ فَعَلَ هٰذَا فَقَالَ لَهُ ٱلْعَبِيدُ: أَتُرِيدُ أَنْ نَذْهَبَ وَنَجْمَعَهُ؟ 29 فَقَالَ: لا! لِئَلاّ تَقْلَعُوا ٱلْحِنْطَةَ مَعَ ٱلزَّوَانِ وَأَنْتُمْ تَجْمَعُونَهُ. 30 دَعُوهُمَا يَنْمِيَانِ كِلاهُمَا مَعاً إِلَى ٱلْحَصَادِ، وَفِي وَقْتِ ٱلْحَصَادِ أَقُولُ لِلْحَصَّادِينَ: ٱجْمَعُوا أَوَّلاً ٱلزَّوَانَ وَٱحْزِمُوهُ حُزَماً لِيُحْرَقَ، وَأَمَّا ٱلْحِنْطَةَ فَٱجْمَعُوهَا إِلَى مَخْزَنِي.

13: 36 حِينَئِذٍ صَرَفَ يَسُوعُ ٱلْجُمُوعَ وَجَاءَ إِلَى ٱلْبَيْتِ. فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلامِيذُهُ قَائِلِينَ: فَسِّرْ لَنَا مَثَلَ زَوَانِ ٱلْحَقْلِ. 37 فَأَجَابَ: اَلزَّارِعُ ٱلزَّرْعَ ٱلْجَيِّدَ هُوَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ. 38 وَٱلْحَقْلُ هُوَ ٱلْعَالَمُ. وَٱلزَّرْعُ ٱلْجَيِّدُ هُوَ بَنُو ٱلْمَلَكُوتِ. وَٱلزَّوَانُ هُوَ بَنُو ٱلشِّرِّيرِ. 39 وَٱلْعَدُوُّ ٱلَّذِي زَرَعَهُ هُوَ إِبْلِيسُ. وَٱلْحَصَادُ هُوَ ٱنْقِضَاءُ ٱلْعَالَمِ. وَٱلْحَصَّادُونَ هُمُ ٱلْمَلائِكَةُ. 40 فَكَمَا يُجْمَعُ ٱلزَّوَانُ وَيُحْرَقُ بِٱلنَّارِ هٰكَذَا يَكُونُ فِي ٱنْقِضَاءِ هٰذَا ٱلْعَالَمِ: 41 يُرْسِلُ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ مَلائِكَتَهُ فَيَجْمَعُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ جَمِيعَ ٱلْمَعَاثِرِ وَفَاعِلِي ٱلإِثْمِ، 42 وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ ٱلنَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ ٱلْبُكَاءُ وَصَرِيرُ ٱلأَسْنَانِ. 43 حِينَئِذٍ يُضِيءُ ٱلأَبْرَارُ كَٱلشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ.

العالم كله حقل الله، ففي كل الشعوب يزرع المسيح زرعه. ليس هذا الزرع تعليماً ولا كتاباً ولا كلاماً، بل أناساً معيَّنين. فكل مولود من الروح القدس يشبه حبة الزرع في يد المسيح، يلقيها إلى حقله. وينبغي أن يموت هذا لأخلاقه الفاسدة وأمنياته الخاصة حتى تأتي قوة الله فيه بثمر كثير، فبدون إنكار النفس لا يكون غلال من خُدَّامه.

وفي مَثَل الزوان كشف المسيح قصد الشيطان في إفساد زرع الله. فالزوان يمثِّل المولودين من روح الشيطان، الذين ألقاهم الشرير وسط المولودين من كلمة الله. وكثيراً ما تعيش الفئتان معاً في عائلة واحده، أو صف مدرسي واحد. فيتشابكون بأفكارهم العلمية والحضارية. ولا يكون واضحاً أول الأمر من هو لإبليس ومن هو لله، ولكن مع الوقت تظهر ثمار الأرواح بوضوح، لأن المحبة والبغضة والتواضع والكبرياء لا تستمر ساكنة في فرد واحد، فمصدر كل منها مختلف. من الواجب علينا تمييز الأرواح، ولكن المسيح منعنا من الفصل السريع، لأن هذا عمل الملائكة في الدينونة الأخيرة. وإلى ذلك الحين علينا احتمال الزوان بصبر. حتى ولو أضرّ بنا. وبما أن الزوان يغتصب من القمح مكاناً وقوة، فابن الإنسان المجيد سيرسل في نهاية الأزمنة ملائكته ليفصلوا بين البشر بعدل تام.

فأبناء المعصية يحترقون كغاعلي الإثم، وأبناء الله يظهرون في جوهرهم، ويشرقون في سلامهم. فما أجمل الوعد «حينئذ يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم». تأمل في كل حرف من هذه الآية، ترجع منكسراً متواضعاً إلى إلهك لتصبح بذرة جيدة.

الصلاة: أيها الآب السماوي، نحن بطبيعتنا أبناء أرواح نجسة. غيِّر مجرى تفكيرنا فنُطهَّر ونمتليء بروحك. نريد أن نكون أولاد محبتك، متواضعين عاملين خُدَّاماً لجميع الناس، ليروا فضائلك الأبوية فينا، ويحمدوك لأجل سلوكنا الموهوب لنا.

السؤال: 8 - كيف يتم حصاد الله؟

3 - مثلان عن حبة الخردل والخميرة (13: 31-35)

13: 31 قَالَ لَهُمْ مَثَلاً آخَرَ: يُشْبِهُ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ حَبَّةَ خَرْدَلٍ أَخَذَهَا إِنْسَانٌ وَزَرَعَهَا فِي حَقْلِهِ، 32 وَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ ٱلْبُزُورِ. وَلٰكِنْ مَتَى نَمَتْ فَهِيَ أَكْبَرُ ٱلْبُقُولِ، وَتَصِيرُ شَجَرَةً، حَتَّى إِنَّ طُيُورَ ٱلسَّمَاءِ تَأْتِي وَتَتَآوَى فِي أَغْصَانِهَا.

عود الثقاب صغير، لكنه قادر أن يحرق الكثير. فكلمة الله تشبه شرارة صغيرة، تسبّب ناراً تلفّ الكرة الأرضية كلها. والمسيح يدلنا عل قوة كلمة الله العاملة بتمهُّل ويقين. فعلى كل من يشهد باسم المسيح وخلاصه أن يأتي، لأن كلمة الصليب مفعمة بالقوة القادرة أن تخلق جنساً جديداً.

يشبِّه المسيح نفسه بحبة الخردل المحتقرة، التي نمت إلى شجرة عظيمة، تمتد على جميع بقاع الأرض، مانحة الشعوب ثماراً يانعة. فتأثير يسوع الغير المباشر على الحضارات الدنيوية بواسطة الأفكار المسيحية، هو أكثر فعالية مما نعلم. والطيور على الأغصان ليست جزءاً من الشجرة، فتطير بعدئذ آخذة أوراقاً بسيطة، بدون وصولها إلى القوة. وهكذا هم الذين يستفيدون من المسيح، ولا يثبتون فيه. ولكن من يؤمن به ويتعمق في كلمته، يبتديء في قلبه السلام والفرح والحق.

13: 33 قَالَ لَهُمْ مَثَلاً آخَرَ: يُشْبِهُ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ خَمِيرَةً أَخَذَتْهَا ٱمْرَأَةٌ وَخَبَّأَتْهَا فِي ثَلاثَةِ أَكْيَالِ دَقِيقٍ حَتَّى ٱخْتَمَرَ ٱلْجَمِيعُ. 34 هٰذَا كُلُّهُ كَلَّمَ بِهِ يَسُوعُ ٱلْجُمُوعَ بِأَمْثَالٍ، وَبِدُونِ مَثَلٍ لَمْ يَكُنْ يُكَلِّمُهُمْ، 35 لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِٱلنَّبِيِّ: سَأَفْتَحُ بِأَمْثَالٍ فَمِي، وَأَنْطِقُ بِمَكْتُومَاتٍ مُنْذُ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ.

وكما أن الخميرة تجعل العجين نافعاً وجاهزاً للخبز، هكذا تغيّر كلمة الله الإنسان الفاسد، ليصبح نافعاً وصالحاً. فبدون عمل المسيح نبقى أشراراً أنانيين وثقلاء. لكن الروح القدس يجعلنا خداماً لنشعر بالمساكين ونصلّي للذين يضايقوننا. ومثلما يكون عمل الخميرة بلا ضجيج، بل هاديء وغير منظور، فكذلك يعمل الروح القدس بهدوء في قلوب المؤمنين.

وبدون كلمة الله يظل العالم فقيراً ضعيفاً ضالاً. ولكن الآن نجد في هذه الأحرف قوة الله كلها، ومواهب ملكوته المختبئة فيها. فالكتاب المقدس هو أثمن من الذهب المصفَّى. إحفظ كثيراً من الآيات غيباً، تجمع كنزاً يدوم إلى الحياة الأبدية. فتصبح هذه الكلمات فيك قوة تغيِّر الآخرين، وتسبّب فرحاً وسروراً في الكثيرين.

الصلاة: أيها الآب، نشكرك لأنك تبذر كلمتك في قلوبنا وبيوتنا، فنؤمن أنها لا ترجع فارغة، بل تحقق قوّتها مفجرة القلوب المتحجّرة، فتصبح شجرة حية، تأتي بثمار كثيرة. خمّر شعوبنا بروحك القدوس وابتديء في عائلاتنا بالتقديس، لنصبح جميعنا أذكياء طيبين.

السؤال: 9 - ماذا يعلّمنا المَثَلان عن حبة الخردل والخميرة؟

4 - مَثَلان عن الكنز في الحقل واللؤلؤة الثمينة (13: 44-46)

13: 44 أَيْضاً يُشْبِهُ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ كَنْزاً مُخْفىً فِي حَقْلٍ، وَجَدَهُ إِنْسَانٌ فَأَخْفَاهُ. وَمِنْ فَرَحِهِ مَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ وَٱشْتَرَى ذٰلِكَ ٱلْحَقْلَ. 45 أَيْضاً يُشْبِهُ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ إِنْسَاناً تَاجِراً يَطْلُبُ لآلِئَ حَسَنَةً، 46 فَلَمَّا وَجَدَ لُؤْلُؤَةً وَاحِدَةً كَثِيرَةَ ٱلثَّمَنِ، مَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ وَٱشْتَرَاهَا.

وُجدت منذ قرون تلة مرتفعة وقربها شارع عام. وكان الناس يمرون بالتلة بدون اهتمام، فقد كانت آثار مدينة مخفية عن الأنظار. وقد تميزت هذه المدينة القديمة بكتاباتها الهامة المنحوتة على جدرانها. وذات يوم فيما كان أحد الفلاحين يعمل لتسوية التلة بالجرّافة والمحراث اكتشف فجأة قلعة أثرية وأواني وكتابات منحوتة على أحجارها. فتراكض العلماء إليه واجتمع مسئولو الدولة وفرحوا معاً بالاكتشافات الجديدة.

وكما أن أهل تلك المدينة كانوا يمرون بالتلة سنين طويلة بدون انتباه، هكذا يمر الناس بالمسيح مهمِلين، دون أن يدركوا أنه كنز الكنوز، الجاعل كل من يلتفت إليه سعيداً مغبوطاً، لأن المصلوب يمنح لكل من ينظر إليه بإيمان الغفران الأبدي، ويبرّره للحياة الأبدية. فلا يلبث المؤمن الملتصق به أن يخرّ ويسجد له، ويسلّمه حياته شكراً لفدائه الفريد. ويمكننا أن نربح المسيح إن وضعنا حياتنا كلها بين يديه حمداً لغفرانه.

إلا أن الناس لا يجدون المسيح لأول وهلة، ولا مصادفة، بل يفتشون بانتظام في كل الكتب ليجدوا معاني أبدية. فأعينهم مهيأة لتمييز الحق الثمين. ولكن عندما يكتشفون المسيح في جوهره، ويرون محبته اللطيفة، يؤخذون بعظمته بحماس كبير، ويدركون سريعاً أن محبة الله المتجسّده ليس لها مثيل في دنيانا. ولهذا يتركون كل فلسفاتهم الفارغة، ومذاهبهم الناموسية، ومبادئهم الفانية ليربحوا المخلّص الفريد الذي يغنيهم عن كل ما عداه.

هل وجدت المسيح فجأة، أو بعد دراسة طويلة؟ اطلبه مصلّياً وقارئاً الإنجيل، ونحن شهود له أنه وجدنا ووهبنا ذاته.

5 - الشبكة المُلقاة في بحر الشعوب (13: 47-53)

13: 47 أَيْضاً يُشْبِهُ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ شَبَكَةً مَطْرُوحَةً فِي ٱلْبَحْرِ، وَجَامِعَةً مِنْ كُلِّ نَوْعٍ. 48 فَلَمَّا ٱمْتَلَأَتْ أَصْعَدُوهَا عَلَى ٱلشَّاطِئِ، وَجَلَسُوا وَجَمَعُوا ٱلْجِيَادَ إِلَى أَوْعِيَةٍ، وَأَمَّا ٱلأَرْدِيَاءُ فَطَرَحُوهَا خَارِجاً. 49 هٰكَذَا يَكُونُ فِي ٱنْقِضَاءِ ٱلْعَالَمِ: يَخْرُجُ ٱلْمَلائِكَةُ وَيُفْرِزُونَ ٱلأَشْرَارَ مِنْ بَيْنِ ٱلأَبْرَارِ، 50 وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ ٱلنَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ ٱلْبُكَاءُ وَصَرِيرُ ٱلأَسْنَانِ.

كان بعض تلاميذ المسيح صيَّادين. ففهموا قصد معلّمهم لما أشار إلى وظيفتهم الجديدة، متخذاً المثَل من مهنة الصيد. عليهم أن يلقوا شبكة كلمته في بحر أمتهم وكل الشعوب، ليصطادوا كثيرين للمسيح. فالكنيسة هي نخبة المختارين من كل الأجيال والأجناس والأزمنة.

وقد حرص يسوع على أن لا يعملوا منفردين، بل في تعاون، وأن يجرّوا الشبكة الضخمة الممتلئة صيداً معاً، لأن واحداً بمفرده لا يقدر أن يسحب الصيد الكثير من بحر الأمم. فيدعوك المسيح اليوم لتلقي معنا ومع كل زملائك في كنيستك، شبكة كلمة الله في محيطك، لتجتذب كثيرين من مواطنيك إلى يسوع. صلِّ لأجلهم، وكلّمهم عن المخلّص وادعهم للاجتماعات.

إنما لا تقرر في خدمتك من هو الشرير والصالح، لأن ملائكة الرب ستحذف المرائين الذين يظهرون متقدسين، وستختار خطاة كثيرين للسماء، إن تابوا وتمسَّكوا بالمسيح مؤمنين.

كان أحد الشباب لا يؤمن بوجود جهنم، ولكنه في الحرب ارتمى على الأرض وقت انهمار القنابل الكبريتية، وكزَّ على أسنانه خوفاً، ولهيب النار يأكل كل شيء حوله. فأدرك فجأة إمكانية جهنم، فإنها نار السعير بلا نهاية. فهل تحب الضالين حولك، وتشتاق إلى خلاصهم، لكيلا يحترقوا في الآخرة؟ وإلا فتكون بلا محبة ومستحقاً دخول النار.

13: 51 قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: أَفَهِمْتُمْ هٰذَا كُلَّهُ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ يَا سَيِّدُ. 52 فَقَالَ لَهُمْ: مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كُلُّ كَاتِبٍ مُتَعَلِّمٍ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ يُشْبِهُ رَجُلاً رَبَّ بَيْتٍ يُخْرِجُ مِنْ كَنْزِهِ جُدُداً وَعُتَقَاءَ. 53 وَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هٰذِهِ ٱلأَمْثَالَ ٱنْتَقَلَ مِنْ هُنَاكَ.

ظن التلاميذ أنهم فهموا كل تعاليم يسوع. فنظر إليهم مبتسماً مشفقاً، لأن المعرفة ليست كل شيء، بل التطبيق العملي في الحياة. فلا تتسرع بقولك إنك قد فهمت المسيح وإنجيله، وإنما عش ما تعرفه، فتدرك حاجتك إلى التعمق أكثر، فتكرر الآيات وتراجع النصوص بانتباه كبير.

والمعلم الناضج لا يأتي بأفكاره الخاصة بل يقدم المسيح، ويشهد عنه بكلمات الرسل القديمة المحترمة، ويعترف باختباراته الجديدة مع المخلّص. لأن كل تدخُّل للمسيح إلى عالمنا هو أعجوبة كبرى، ويستحق الشهادة حمداً ومجداً لربنا الحي. هو يستجيب الصلوات، ويثبِّت الإيمان، ويمطر على أتباعه بالخيرات. فملكوته ليس جامداً، بل إنه حي ونامٍ ومتقدم. فهل أنت عامل في حصاده؟

الصلاة: نعظّمك ونسجد لك أيها الرب الأمين القدوس، لأنك لم تهمل أرضنا الشريرة ولم تتركها، بل ألقيت شبكة إنجيلك إلى كل الشعوب. فنطلب إليك أن تصطاد في أيامنا ملايين، وتستخدمنا أيضاً في خلاص كثيرين، وتساعدنا لنحفظ كلمتك غيباً، ونقدم كلماتك لأصدقائنا، شاهدين بأعمالك أن لك القوة إلى الأبد.

السؤال: 10 - ماذا يعلّمنا المَثَل عن الشبكة؟

6 - أهل الناصرة يرفضون يسوع (13: 54-58)

13: 54 وَلَمَّا جَاءَ إِلَى وَطَنِهِ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ فِي مَجْمَعِهِمْ حَتَّى بُهِتُوا وَقَالُوا: مِنْ أَيْنَ لِهٰذَا هٰذِهِ ٱلْحِكْمَةُ وَٱلْقُوَّاتُ؟ 55 أَلَيْسَ هٰذَا ٱبْنَ ٱلنَّجَّارِ؟ أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ، وَإِخْوَتُهُ يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا؟ 56 أَوَلَيْسَتْ أَخَوَاتُهُ جَمِيعُهُنَّ عِنْدَنَا؟ فَمِنْ أَيْنَ لِهٰذَا هٰذِهِ كُلُّهَا؟ 57 فَكَانُوا يَعْثُرُونَ بِهِ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ لَهُمْ: لَيْسَ نَبِيٌّ بِلا كَرَامَةٍ إِلاّ فِي وَطَنِهِ وَفِي بَيْتِهِ. 58 وَلَمْ يَصْنَعْ هُنَاكَ قُوَّاتٍ كَثِيرَةً لِعَدَمِ إِيمَانِهِمْ.

انتقل المسيح من مدينته المختارة كفر ناحوم، وصعد إلى مدينة طفولته الناصرة، ليدعو أهلها للدخول في ملكوت السموات. فاشترك باجتماعهم في المجمع، حيث كان يجلس من قبل مصغياً متسائلاً. أما الآن فشهد عن نفسه قُدام المندهشين بأنه حامل روح الله في ذاته، وأنه المسيح الموعود المنتظَر (لوقا 4: 18-19). فارتجفت القلوب واضطرب الناس، لأن روح الرب بكَّت ضمائرهم. فشعروا بحضور القدوس وبدعوته.

ولكن عقولهم الناقصة لم تخضع ليسوع، لأنه لم يدرس اللاهوت رسمياً، ولم يحمل بيده شهادة عالية من أساتذة مشهورين، ولم يأت إليهم بكيس ذهبي ممتليء. وكانت عائلته فقيرة وغير مثقفة، فأبوه المتبنِّي مات مبكراً، فلم يرد وجهاء المدينة المحترمون أن يخضعوا له، لأن الافتخار بعائلاتهم العريقة منعهم من أن يؤمنوا به.

ولكن بعد الاجتماع، اقترب منه بعض الفقراء والمحتقرين، فشفاهم برهاناً لمصدره الإلهي. ولكن حيث لا إيمان لا يقدر المسيح أن يعمل ويحرر.

ثالثاً - خدمة يسوع وتجولاته (14: 1-17: 27)

1 - موت يوحنا المعمدان (14: 1-12)

14: 1 فِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ سَمِعَ هِيرُودُسُ رَئِيسُ ٱلرُّبْعِ خَبَرَ يَسُوعَ، 2 فَقَالَ لِغِلْمَانِهِ: هٰذَا هُوَ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانُ قَدْ قَامَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، وَلِذٰلِكَ تُعْمَلُ بِهِ ٱلْقُوَّاتُ. فَإِنَّ هِيرُودُسَ كَانَ قَدْ أَمْسَكَ يُوحَنَّا وَأَوْثَقَهُ وَطَرَحَهُ فِي سِجْنٍ مِنْ أَجْلِ هِيرُودِيَّا ٱمْرَأَةِ فِيلُبُّسَ أَخِيهِ، 4 لأَنَّ يُوحَنَّا كَانَ يَقُولُ لَهُ: لا يَحِلُّ أَنْ تَكُونَ لَكَ. 5 وَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَهُ خَافَ مِنَ ٱلشَّعْبِ، لأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ مِثْلَ نَبِيٍّ. 6 ثُمَّ لَمَّا صَارَ مَوْلِدُ هِيرُودُسَ رَقَصَتِ ٱبْنَةُ هِيرُودِيَّا فِي ٱلْوَسَطِ فَسَرَّتْ هِيرُودُسَ. 7 مِنْ ثَمَّ وَعَدَ بِقَسَمٍ أَنَّهُ مَهْمَا طَلَبَتْ يُعْطِيهَا. 8 فَهِيَ إِذْ كَانَتْ قَدْ تَلَقَّنَتْ مِنْ أُمِّهَا قَالَتْ: أَعْطِنِي هٰهُنَا عَلَى طَبَقٍ رَأْسَ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانِ. 9 فَٱغْتَمَّ ٱلْمَلِكُ. وَلٰكِنْ مِنْ أَجْلِ ٱلأَقْسَامِ وَٱلْمُتَّكِئِينَ مَعَهُ أَمَرَ أَنْ يُعْطَى. 10 فَأَرْسَلَ وَقَطَعَ رَأْسَ يُوحَنَّا فِي ٱلسِّجْنِ. 11 فَأُحْضِرَ رَأْسُهُ عَلَى طَبَقٍ وَدُفِعَ إِلَى ٱلصَّبِيَّةِ، فَجَاءَتْ بِهِ إِلَى أُمِّهَا. 12 فَتَقَدَّمَ تَلامِيذُهُ وَرَفَعُوا ٱلْجَسَدَ وَدَفَنُوهُ. ثُمَّ أَتَوْا وَأَخْبَرُوا يَسُوعَ.

يتعرَّض الملوك والزعماء لتجارب متنوعة، لأنهم يحملون مسئولية كبيرة، ولهم سلطة تنفيذ تخطيطاتهم، ويزدحم حولهم الكذَّابون والمداهنون والمتزلفون. فسلطتهم الدنيوية وفخرهم يُبعدهم غالباً عن الله، إلى مرارة العُزلة والخطايا المتنوعة. فيعيشون في الخوف والأرق والاضطراب. وهكذا سمَّى هيرودس يسوع «روح يوحنا المعمدان، المُقام من بين الأموات» بعد ما قُتل بأمره.

كان يوحنا المعمدان مقيّداً في السجن رغم براءته، لأن هيرودس كان إنساناً مدفوعاً بشهواته، فأخذ امرأة أخيه بحيلة، وبموافقتها، وتزوجها. فسمَّى يوحنا هذا الزنى المزدوج خطية شنيعة، ومثلاً سيئاً للشعب. فتآمرت هيروديا الزانية على يوحنا المبكِّت واستطاعت أن تلقيه في السجن.

أما هيرودس فخاف من يوحنا وصراحته. وكان يستشيره (مرقس 6: 20)، لأنه شعر أن هذا السجين البار الداعي إلى التوبة هو الوحيد الذي يكلّمه بالحق ولا يداهنه كما تفعل حاشيته. فكان يوحنا في الحقيقة ملكاً، أما الملك فأسير لشهواته وللأرواح الشريرة. ولكن هدف تلك الفاجرة كان منحصراً في شيء واحد، هو قتل يوحنا الذي أزعجها.

وأتتها الفرصة فجأة، إذ دعت ابنتها من زوجها الأول، لترقص أمام عمها الملك السكِّير، فحلف أن يعطيها أي شيء تطلبه. وبتوجيه أمها الحقودة، طلبت الفتاة رأس يوحنا المعمدان. وهذه الطلبة انفجرت كقنبلة بين الحاضرين. فاشمأزوا وحزنوا. ولكن الملك حفاظاً على وعد الشرف الخاطيء، وجد أنه لا بد من تنفيذ وعده، ولم يخف الله، فأمر بقطع رأس يوحنا مستشاره الأمين.

وهكذا مات يوحنا المعمدان، أعظم رجل بين البشر وساعي المسيح، شهيداً. مات لأجل خطية الآخرين ودعوتهم إلى التوبة. فهل تحب سلامتك أكثر من الحق؟ أليس عليك أن تبكِّت أصدقاءك لأجل خطاياهم بمحبة وتواضع؟ إن التبشير لا يتضمن إبراز النعمة فقط، بل يتطلب أيضاً التبكيت على الخطايا والذنوب.

الصلاة: نحمدك أيها الآب للقدوة اللامعة التي قدَّمها نبيُّك يوحنا في تضحية نفسه. فنطلب منك الجرأة للحق والهُدى في الخدمة، لنخبر أصدقاءنا بحقيقة خطاياهم. نحن لسنا أفضل منهم، إنما غفرتَ آثامنا وقدّستنا بنعمتك، فنقودهم إلى التوبة والانكسار، كما نحن حصلنا بواسطة التوبة والانكسار على خلاصك في قوة روحك القدوس.

السؤال: 11 - ما هو سبب موت يوحنا؟

2 - إشباع الخمسة آلاف (14: 13-21)

14: 13 فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ ٱنْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ فِي سَفِينَةٍ إِلَى مَوْضِعٍ خَلاءٍ مُنْفَرِداً. فَسَمِعَ ٱلْجُمُوعُ وَتَبِعُوهُ مُشَاةً مِنَ ٱلْمُدُنِ. 14 فَلَمَّا خَرَجَ يَسُوعُ أَبْصَرَ جَمْعاً كَثِيراً فَتَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ وَشَفَى مَرْضَاهُمْ. 15 وَلَمَّا صَارَ ٱلْمَسَاءُ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلامِيذُهُ قَائِلِينَ: ٱلْمَوْضِعُ خَلاءٌ وَٱلْوَقْتُ قَدْ مَضَى. اِصْرِفِ ٱلْجُمُوعَ لِكَيْ يَمْضُوا إِلَى ٱلْقُرَى وَيَبْتَاعُوا لَهُمْ طَعَاماً. 16 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: لا حَاجَةَ لَهُمْ أَنْ يَمْضُوا. أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا. 17 فَقَالُوا لَهُ: لَيْسَ عِنْدَنَا هٰهُنَا إِلاّ خَمْسَةُ أَرْغِفَةٍ وَسَمَكَتَانِ. 18 فَقَالَ: ٱئْتُونِي بِهَا إِلَى هُنَا. 19 فَأَمَرَ ٱلْجُمُوعَ أَنْ يَتَّكِئُوا عَلَى ٱلْعُشْبِ، ثُمَّ أَخَذَ ٱلأَرْغِفَةَ ٱلْخَمْسَةَ وَٱلسَّمَكَتَيْنِ، وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى ٱلأَرْغِفَةَ لِلتَّلامِيذِ، وَٱلتَّلامِيذُ لِلْجُمُوعِ. 20 فَأَكَلَ ٱلْجَمِيعُ وَشَبِعُوا. ثُمَّ رَفَعُوا مَا فَضَلَ مِنَ ٱلْكِسَرِ: ٱثْنَتَيْ عَشَرَةَ قُفَّةً مَمْلُوءةً. 21 وَٱلآكِلُونَ كَانُوا نَحْوَ خَمْسَةِ آلافِ رَجُلٍ، مَا عَدَا ٱلنِّسَاءَ وَٱلأَوْلادَ.

ارتعب تلاميذ يسوع من موت المعمدان، لأنهم كانوا من أتباعه سابقاً لمدة. فاعتزل يسوع مع حوارييه للصلاة، ليعلّمهم أنَّ وظيفتهم الرسولية تستدعي دائماً المجاهرة بالحق، ولو كلَّف ذلك الحياة. غير أن المسيح لم ينعَم طويلاً بالهدوء، إذ سرعان ما تراكضت إليه الجماهير ليستمدوا منه قوة وتعزية وإرشاداً، خاصة بعد قتل المعمدان، الذي اعتبروه نبياً شهيراً. فاجتمع في البرية أكثر من خمسة آلاف رجل مع عائلاتهم، محمولين بجوعهم إلى كلمة الله.

إن العالم حولك مشتاق إلى الخلاص أكثر مما تعلم. فأين شفقتك عليهم؟ إن قوة الله العاملة فيك تؤهلك للخدمة بمقدار محبتك للضالين. وشهادتك عن المخلّص تحرر القلوب.

ولما طال الوقت بدأ التلاميذ يتحيرون، ولم ينته المسيح من موعظته القوية. فخافوا أن تجوع الجماهير، فيسرق بعضهم بعضاً، ويصيح الأطفال عطشاً. فاقترحوا لمعلّمهم أن يصرف الناس المزدحمين حوله. لكن المسيح قال لهم: أعطوهم أنتم ليأكلوا ويشبعوا فظهر فقرهم. والمسيح يقول أيضاً لك: كسِّر خبزك للفقير، وبشِّر الجميع بالإنجيل ليشبعوا. شاركهم بما عندك.

ولا ضَيرْ عليك أن تعترف مع التلاميذ بأن ليس لديك إلا قليل بالنسبة لحاجة الناس حولك. طوبى لك إن كان عندك قليل من مواهب الله! ضعها تحت تصرف المسيح ليباركها، فيشبع بها الآلاف.

ولكن انتبه إلى ما فعله يسوع. أولاً نظّم الجماهير. وبعدئذ أخذ القليل الذي عندهم، وشكر أباه السماوي شكراً قلبياً عليه. وهذا كان السر في الأعجوبة أنه شكر للقليل فصار كثيراً. بعدئذ كسر الخبز بالإيمان فلم ينته حتى شبع الجميع. وبقي كثير من الطعام كافياً لغير الموجودين من الأسباط الاثني عشر الجائعين إلى البر.

هل تشكره على القليل الذي استودعه بين يديك؟ سلّم كل مواهبك وأوقاتك وأموالك ليسوع شكراً لفدائه، فتتعجب كيف يقوى كثيرين بقوتك الصغيرة.

الصلاة: أيها الآب، نخجل لقلّة إيماننا وضعف محبتنا. علّمنا أن ندرك جوع الجماهير إلى الخبز المادي والغذاء الروحي، لنشركهم بالمواهب المعطاة لنا. باركنا وكل تضحياتنا ليتخلّص كثيرون، وينالوا الحياة الأبدية. قوِّ إيماننا ومحبتنا لتعمل قدرتك اليوم بيننا.

السؤال: 12 - كيف أوجد يسوع الخبز لأجل الخمسة آلاف؟

3 - يسوع يمشي على الماء (14: 22-36)

14: 22 وَلِلْوَقْتِ أَلْزَمَ يَسُوعُ تَلامِيذَهُ أَنْ يَدْخُلُوا ٱلسَّفِينَةَ وَيَسْبِقُوهُ إِلَى ٱلْعَبْرِ حَتَّى يَصْرِفَ ٱلْجُمُوعَ. 23 وَبَعْدَمَا صَرَفَ ٱلْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى ٱلْجَبَلِ مُنْفَرِداً لِيُصَلِّيَ. وَلَمَّا صَارَ ٱلْمَسَاءُ كَانَ هُنَاكَ وَحْدَهُ. 24 وَأَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ قَدْ صَارَتْ فِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ مُعَذَّبَةً مِنَ ٱلأَمْوَاجِ. لأَنَّ ٱلرِّيحَ كَانَتْ مُضَادَّةً. 25 وَفِي ٱلْهَزِيعِ ٱلرَّابِعِ مِنَ ٱللَّيْلِ مَضَى إِلَيْهِمْ يَسُوعُ مَاشِياً عَلَى ٱلْبَحْرِ. 26 فَلَمَّا أَبْصَرَهُ ٱلتَّلامِيذُ مَاشِياً عَلَى ٱلْبَحْرِ ٱضْطَرَبُوا قَائِلِينَ: إِنَّهُ خَيَالٌ. وَمِنَ ٱلْخَوْفِ صَرَخُوا! 27 فَلِلْوَقْتِ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: تَشَجَّعُوا! أَنَا هُوَ. لا تَخَافُوا.

اعتزل المسيح عن تلاميذه وعن الجماهير أيضاً ليصلّي في البرية، وعاد التلاميذ سريعاً إلى واقع دنيانا. لأن العاصفة هبَّت ضدهم، والبحر هاج عليهم، فظنوا أن مخلّصهم بعيد عنهم، لأنه غير منظور. ونحن أيضاً نختبر التيار الجاري ضدنا، والظلمة الدامسة المتصاعدة، والخطر المحدق بنا، فيزداد الخوف في العالم أكثر فأكثر.

ولا بد أن التلاميذ صلّوا منادين باسم مخلّصهم الغير موجود معهم، فأعطاهم تعليماً لن ينسوه إلى الأبد، فقد جاء إليهم عياناً كما طلبوا، إلهاً منقذاً. ولم يدركه التلاميذ، لأنهم كانوا غير مؤمنين باستجابة صلاتهم، وظنُّوا أنه شبح. فارتجفوا وصاحوا خوفاً.

فهل تؤمن باستجابة صلواتك، أو تعيش خائفاً من الأشباح في الضيق والمشاكل؟ المسيح عندك، ولو لم تره. آمن به تُحفَظ إلى الأبد.

وقد أعلن يسوع ذاته للخائفين، قائلاً «أنا هو». هي عبارة معروفة لشعب العهد القديم كإعلان الله عن ذاته. فزيادة على خلق الخبز من القليل، أعلن المسيح نفسه لأتباعه إلهاً حقاً، وطرد منهم كل خوف.

14: 28 فَأَجَابَهُ بُطْرُسُ: يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ هُوَ، فَمُرْنِي أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ عَلَى ٱلْمَاءِ. 29 فَقَالَ: تَعَالَ. فَنَزَلَ بُطْرُسُ مِنَ ٱلسَّفِينَةِ وَمَشَى عَلَى ٱلْمَاءِ لِيَأْتِيَ إِلَى يَسُوعَ. 30 وَلٰكِنْ لَمَّا رَأَى ٱلرِّيحَ شَدِيدَةً خَافَ. وَإِذِ ٱبْتَدَأَ يَغْرَقُ صَرَخَ: يَا رَبُّ نَجِّنِي. 31 فَفِي ٱلْحَالِ مَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَأَمْسَكَ بِهِ وَقَالَ لَهُ: يَا قَلِيلَ ٱلإِيمَانِ، لِمَاذَا شَكَكْتَ؟ 32 وَلَمَّا دَخَلا ٱلسَّفِينَةَ سَكَنَتِ ٱلرِّيحُ. 33 وَٱلَّذِينَ فِي ٱلسَّفِينَةِ جَاءُوا وَسَجَدُوا لَهُ قَائِلِينَ: بِٱلْحَقِيقَةِ أَنْتَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ!.

سمع بطرس إعلان المسيح إنه إله حق، وفهم معنى هذا القول وآمن به. ولكنه شكَّ في اختباره وحواسه، طالباً البرهان ليتأكد من حقيقة ألوهية المسيح الماشي على الماء، فجرَّب ربه ليأمره بالمشي إليه على الماء.

فقال المسيح له كلمة واحدة «تعال». وهذه الكلمة دعوة، تخصني وتخصك. تعال إلى شركة المسيح، ولا تختر لنفسك هدفاً غيره، فتصبح أقوى من كل عناصر دنيانا.

وتجاسر بطرس رغم ضعفه وشكوكه ونزل من المركب إلى البحر المتموج. وشَخَصَ مبهوتاً إلى المسيح لأن الماء صار تحت قدميه أرضاً صلبة يمشي عليها. لأن إيمانه ثبت بقوة الخالق القدير.

وبينما هو ماشٍ على سطح البحر تذكّر الخطر فجأة، لأنه عارف باللجج والأمواج، فخاف ولم يعد يفكر بالمسيح، بل تأمل الخطر المُقبل عليه. ولم ينظر إلى هدف مسيره بل للموجة الهاجمة عليه، فابتدأ يغرق!

أيها الأخ، كل ما يصرفك عن المسيح ويشغل بالك يسيطر عليك ويخربك. آمن بالمسيح وحده، واعتبر كل الناس والسلطات بالنسبة له لا شيء. انظر إليه ولا تحوّل عينيك عنه مطلقاً.

ولما ابتدأ بطرس يغرق، صرخ فزعاً «يارب نجّني!» وعاد مرة أخرى ينظر إلى هدفه، فلم يرَ إلا المسيح وحده ماشياً على الماء. فمدَّ يسوع يده، وأمسك به، فنجا. لم يترك المسيح الخائف، ولم يرفض ذلك الفاشل بالإيمان، بل أمسكه ونجَّاه قبل أن يغرق نهائياً، وجعل من تحته الماء مرة أخرى صلباً، حاملاً المؤمن بيسوع. فقد خلّصه المسيح في اللحظة الأخيرة بلا تأخير.

وبعدما تخلّص بطرس وبخه المسيح لأجل شكوكه. لقد اتكل على اختباراته في الصيد أكثر مما على ربه. ولكن يسوع يطلب تسليمنا الكامل، لأنه بالإيمان التام تنتصر قوته فينا. فهل تستسلم لابن الله مؤمناً أنه الرب الحق؟

والتلاميذ الأحد عشر الآخرون، الذين رأوا وسمعوا هذه الحادثة، فتحوا آذانهم وأفواههم بذهول. ولما دخل يسوع سفينتهم، وسكتت العاصفة فجأة، أحاطهم هدوء عظيم، كأنهم دخلوا السماء. فقاموا في سفينتهم، وانحنوا عميقاً، وسجدوا للمنتصر على العناصر، واعترفوا مرتجفين: أنت بالحقيقة ابن الله. وهذه الكلمة لم تخرج من أفواههم إلا في هذا اليوم، حيث شاهدوا معجزة الخبز، وسمعوا قول يسوع «أنا هو». ورأوا مشيه على الماء. فاستناروا مدركين ظهور الله في ابنه بينهم.

14: 34 فَلَمَّا عَبَرُوا جَاءُوا إِلَى أَرْضِ جَنِّيسَارَتَ، 35 فَعَرَفَهُ رِجَالُ ذٰلِكَ ٱلْمَكَانِ. فَأَرْسَلُوا إِلَى جَمِيعِ تِلْكَ ٱلْكُورَةِ ٱلْمُحِيطَةِ وَأَحْضَرُوا إِلَيْهِ جَمِيعَ ٱلْمَرْضَى، 36 وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسُوا هُدْبَ ثَوْبِهِ فَقَطْ. فَجَمِيعُ ٱلَّذِينَ لَمَسُوهُ نَالُوا ٱلشِّفَاءَ.

ظهر سلطان ابن الله أكثر فأكثر، فاسمه ووجهه ورحمته صارت معروفة في كل البلاد. وآمن أهل منطقة جنيسارت بأن لمس هدب ثوبه ينقل قوة الله إلى أجسادهم. وسمع يسوع لطلبتهم فشُفوا بالإيمان وحده بدون أي كلمة. فمن يسمع كلمة الله ويؤمن، يحيا إلى الأبد.

الصلاة: أيها الرب يسوع المسيح ابن الله الحي، نسجد لك لأنك رب العناصر، والرياح والمياه تطيعك، والمرض يمضي من قربك. اغفر لنا قلة إيماننا، وعلّمنا السير المتجه إليك بلا انحراف. لكيلا نغرق في بحر المشاكل، بل نثبت في قدرتك. وإن عثرنا وسقطنا، فخذ بيدنا. لأن ليس منقذ إلا أنت.

السؤال: 13 - ماذا تعني العبارة «أنا هو» وكيف برهن يسوع معناها؟

4 - تطهير الداخل والخارج (15: 1-20)

15: 1 حِينَئِذٍ جَاءَ إِلَى يَسُوعَ كَتَبَةٌ وَفَرِّيسِيُّونَ ٱلَّذِينَ مِنْ أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: 2 لِمَاذَا يَتَعَدَّى تَلامِيذُكَ تَقْلِيدَ ٱلشُّيُوخِ، فَإِنَّهُمْ لا يَغْسِلُونَ أَيْدِيَهُمْ حِينَمَا يَأْكُلُونَ خُبْزاً؟ 3 فَأَجَابَ: وَأَنْتُمْ أَيْضاً، لِمَاذَا تَتَعَدَّوْنَ وَصِيَّةَ ٱللّٰهِ بِسَبَبِ تَقْلِيدِكُمْ؟ 4 فَإِنَّ ٱللّٰهَ أَوْصَى قَائِلاً: أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَمَنْ يَشْتِمْ أَباً أَوْ أُمّاً فَلْيَمُتْ مَوْتاً. 5 وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَقُولُونَ: مَنْ قَالَ لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ: قُرْبَانٌ هُوَ ٱلَّذِي تَنْتَفِعُ بِهِ مِنِّي. فَلا يُكْرِمُ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ. 6 فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ ٱللّٰهِ بِسَبَبِ تَقْلِيدِكُمْ! 7 يَا مُرَاؤُونَ! حَسَناً تَنَبَّأَ عَنْكُمْ إِشَعْيَاءُ قَائِلاً: 8 يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هٰذَا ٱلشَّعْبُ بِفَمِهِ، وَيُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيداً. 9 وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا ٱلنَّاسِ.

غضب زعماء اليهود وخافوا من سلطان المسيح الروحي، ففتشوا عن نقاط الضعف في تلاميذه تمهيداً لإدانته. وقد كان علماء الشريعة يجهّزون الفخ ليصطادوا المسيح بشبكة أحكامهم.

كان تلاميذه قد كسروا بعض أحكام الشيوخ التي استنتجوها من التوراة، إذ لم يكونوا يغسلون أيديهم قبل تناول الطعام. فاشتكى هؤلاء العلماء عليهم، ليس بسبب النظافة، بل لتجاوزهم التقاليد، التي تعتبر من لا يمارس الغسل نجساً، وصلاته وشهادته باطلتين. وبذلك جعلوا تفسيرهم للتوراة أهم من التوراة نفسها، التي لا تتضمن مثل هذه الفرائض.

ولم يجب على أسئلة هؤلاء الفقهاء، بل حكم عليهم بأنهم هم المتعدّون وصية الله بتفسيراتهم. بهذا أراد أن يفتح أعينهم لعلهم يرجعون إليه، هو الحي المتجسد. فأراهم كيف أهملوا خدمة محبة الوالدين، وانكبّوا على جمع المال المختص بالآباء والأمهات، مدَّعين أنه لخدماتهم الدينية، ناسين أن المحبة هي لبّ وصايا الله.

وسمَّى المسيح الناموسيين والكتبة «مرائين». وهذه العبارة أثارت البغضة في نفوسهم، حتى غلت مراجل الحقد في صدورهم. ولكن المسيح لم يلبث أن وبَّخ رياءهم، مستشهداً بكلمة الله في إشعياء 19: 13 ، مظهراً أن صلواتهم ليست إلا كلاماً تردده الشفاه، دون شعور قلبي بحب الله-أي أنهم كانوا ظاهراً أتقياء، وهم في الحقيقة وحوش، فكل عبادتهم باطلة وبلا قيمة وخالية من القوى المخلصة. فخدعوا أنفسهم وأتباعهم، وعلَّموا التقاليد المتجمدة، وتركوا المحبة العملية.

وكذلك لم يعرفوا حقيقة الخلاص المبني على رحمة الله ونعمته، ولم يكن فيهم قلب متجدد، بل حاولوا تبرير أنفسهم بأعمال خالية من المحبة. فرغم صلواتهم الكثيرة وتبرعاتهم الضخمة رفض الله عبادتهم لأنها خالية من المحبة.

15: 10 ثُمَّ دَعَا ٱلْجَمْعَ وَقَالَ لَهُمُ: ٱسْمَعُوا وَٱفْهَمُوا. 11 لَيْسَ مَا يَدْخُلُ ٱلْفَمَ يُنَجِّسُ ٱلإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ ٱلْفَمِ هٰذَا يُنَجِّسُ ٱلإِنْسَانَ. 12 حِينَئِذٍ تَقَدَّمَ تَلامِيذُهُ وَقَالُوا لَهُ: أَتَعْلَمُ أَنَّ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ لَمَّا سَمِعُوا ٱلْقَوْلَ نَفَرُوا؟ 13 فَأَجَابَ: كُلُّ غَرْسٍ لَمْ يَغْرِسْهُ أَبِي ٱلسَّمَاوِيُّ يُقْلَعُ. 14 اُتْرُكُوهُمْ. هُمْ عُمْيَانٌ قَادَةُ عُمْيَانٍ. وَإِنْ كَانَ أَعْمَى يَقُودُ أَعْمَى يَسْقُطَانِ كِلاهُمَا فِي حُفْرَةٍ. 15 فَقَالَ بُطْرُسُ لَهُ: فَسِّرْ لَنَا هٰذَا ٱلْمَثَلَ. 16 فَقَالَ يَسُوعُ: هَلْ أَنْتُمْ أَيْضاً حَتَّى ٱلآنَ غَيْرُ فَاهِمِينَ؟ 17 أَلا تَفْهَمُونَ بَعْدُ أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ ٱلْفَمَ يَمْضِي إِلَى ٱلْجَوْفِ وَيَنْدَفِعُ إِلَى ٱلْمَخْرَجِ، 18 وَأَمَّا مَا يَخْرُجُ مِنَ ٱلْفَمِ فَمِنَ ٱلْقَلْبِ يَصْدُرُ، وَذَاكَ يُنَجِّسُ ٱلإِنْسَانَ، 19 لأَنْ مِنَ ٱلْقَلْبِ تَخْرُجُ أَفْكَارٌ شِرِّيرَةٌ: قَتْلٌ، زِنىً، فِسْقٌ، سِرْقَةٌ، شَهَادَةُ زُورٍ، تَجْدِيفٌ. 20 هٰذِهِ هِيَ ٱلَّتِي تُنَجِّسُ ٱلإِنْسَانَ. وَأَمَّا ٱلأَكْلُ بِأَيْدٍ غَيْرِ مَغْسُولَةٍ فَلا يُنَجِّسُ ٱلإِنْسَانَ.

متى يدرك المراؤون أن بولس اعترف بعد الأصحاح السادس من رسالة رومية، الذي تحدث فيه عن قداسة المؤمن (أي في الأصحاح السابع مباشرة) أن ليس في قلبه شيء صالح حتى ولو بعد التجديد؟ فالصالح الذي أراده لم يعمله، والشر الذي لم يرده فإياه عمل.

والإنسان المؤمن حتى بعد تجديده وتقديسه، إن لم يثبت في رحاب المسيح سيجد نفسه يقول «ويحي أنا الإنسان الشقي! من ينقذني من جسد هذا الموت؟» على أن تمركز المسيح فيه وتسلّطه عليه باستمرار يقدّس حياته.

لا يتخلص الإنسان ولا يتقدس بحفظ الناموس، بل بالإيمان بدم المسيح وحده. فلا يرضى الله إلا بالقلب المنسحق والروح الوديع. ويدفعنا الروح القدس إلى خدمات خيرية، لننظف غرف بيت جارنا المريض، وندفع ديونه، دون أن يعرف، وبدون أن نذكر كلمة واحدة عن خدماتنا.

أيها الأخ، هل تعرف أن قلبك شرير جداً؟ هل عرفت ذنوبك الماضية؟ قدِّم نفسك ليسوع ليغلب خطاياك ويطهّرك من كل خطية. مع العِلم أن الصراع بين جسدك وروح الرب لا ينتهي. أنت في حالة حرب خطيرة فلا تطمئن، بل اسهر وصلِّ لكيلا تسقط في تجربة، لأن الروح نشيط، أما الجسد فضعيف.

الصلاة: أيها الرب يسوع الحنون، أنت عالم بنفسي وماضيَّ أكثر مما أعرف. خلّصني من نفسي والرياء وإظهار «الأنا». حررني إلى حرية أولاد الله للتقديس بالإيمان في دمك الثمين، لأخدم كل محتاج بفرح. قدّسني إلى التمام لكيلا يبقى قلبي ينبوع الشر بل مصدر المحبة والعفّة والتأني.

السؤال: 14 - ما هي الأفكار والأعمال الشريرة النابعة من القلب، وما هو ثمر الروح القدس؟

5 - إيمان المرأة الفينيقية وتواضعها (15: 21-28)

15: 21 ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَٱنْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ. 22 وَإِذَا ٱمْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ ٱلتُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ: ٱرْحَمْنِي يَا سَيِّدُ يَا ٱبْنَ دَاوُدَ. اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدّاً. 23 فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلامِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ: ٱصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا! 24 فَأَجَابَ: لَمْ أُرْسَلْ إِلاّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ ٱلضَّالَّةِ. 25 فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً: يَا سَيِّدُ أَعِنِّي! 26 فَأَجَابَ: لَيْسَ حَسَناً أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ ٱلْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلابِ. 27 فَقَالَتْ: نَعَمْ يَا سَيِّدُ. وَٱلْكِلابُ أَيْضاً تَأْكُلُ مِنَ ٱلْفُتَاتِ ٱلَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا. 28 حِينَئِذٍ قَالَ يَسُوعُ لَهَا: يَا ٱمْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ. فَشُفِيَتِ ٱبْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ.

بعدما وبخ المسيح أهل التقوى الشكلية لأجل نسخ وصية الله بتقاليدهم وخداعهم أنفسهم، ثار هؤلاء في كل المجامع وحرّضوا وجوه الشعب ضد يسوع، ليرفضوه ويتجسسوا عليه ويسلموه للهلاك. والجماهير التي أكلت قبل ذلك من نعمة المسيح، ابتعدت عنه أكثر فأكثر، خائفة من الزعماء، فتأججت البغضة، وابتدأ الارتداد العام.

فترك يسوع أمته، والتجأ إلى عَبَدة الأصنام. فابتدأ الفينيقيون يؤمنون به، بينما أتقياء أمته رفضوه. وجاءت امرأة ريفية غير مثقفة، وجثت عند قدمي يسوع، مؤمنة وطالبة شفاء ابنتها المجنونة جداً. فلم يجبها المسيح بكلمة واحدة. واعتبر تلاميذه استغاثة المرأة إزعاجاً يلفت النظر إليهم. فطلبوا من ربهم أن يساعدها، ليس حباً لها، بل تخلُّصاً من لجاجتها وصوتها.

لكن المسيح أوضح لهم وصية أبيه السماوي، أنه مرسل أولاً إلى الضالّين في شعبه ليخلّصهم من جنون تصلُّبهم وخداعهم لأنفسهم.

أما المرأة فلم تَكُفّ عن صياحها ولم تتركه، بل سجدت له وسط الطريق، معترضة سبيله لتجبره أن يشفي ابنتها - مما يدل على أنها آمنت بقدرته الإلهية الفائقة. وهذا الإيمان غلب، فتحنن المسيح عليها ونقَّى إيمانها، وقادها إلى معرفة نفسها بواسطة امتحان صارم. وسمَّاها وكل الشعوب التي على الأرض كلاباً، إذ يمشون بلا تعقّل بحسب شهواتهم، وليس عندهم ناموس ولا استنارة بوحي الله، فكلمة الله وحدها تنير الناس وتهذّب القلب وتغيّر الذهن. وإلا فكلّنا نشبه الكلاب في عدم معرفة الخالق.

وقبلت المرأة هذا اللقب الدنيء، لأنه قيل لها بالمحبة والحق، موضّحاً حالة البشر بالصواب. فغلبت المؤمنة تباطؤ المسيح لشفائها. لقد خلَّص نفسها أولاً من الكبرياء ثم شفى ابنتها. فتواضَعْ حالاً مثل هذه المرأة الفينيقية، واعتبر نفسك أنجس خاطيء أمام الله، فتعرف الحقيقة وتطلب التطهير لذاتك أولاً.

وبعد ما اجتازت هذه المرأة الامتحان الإلهي وتواضعت جداً، أكرمها يسوع إكراماً كبيراً، لأنها باكورة الأمم، فسمَّى إيمانها عظيماً، قادراً أن ينقل الجبال وينال الشفاء.

ظنَّ البعض أن المسيح هنا يعلن أن خدمته قاصرة على اليهود، ولكن الحقيقة هي أن المسيح كان يعلّم تلاميذه أن حقل الخدمة مفتوح للأمم، فهو مخلّص العالم كله. وكان صوت المسيح هو الذي شجَّع بطرس ليحمل رسالة الإنجيل إلى الوثني كرنيليوس.

الصلاة: أيها الرب العادل الرؤوف، أعترف قدَّامك بكبريائي، التي تمنع حلول خلاصك في شعبي. خلّصني من نفسي لأعرف نجاساتي. لست كاملاً، فاشفني من خبثي لأخدمك بإيمان ثابت، فيتخلّص أصدقائي. ولا نتركك، إن لم تباركهم.

السؤال: 15 - لماذا شبَّه يسوع الأمم بالكلاب؟

6 - إشباع الأربعة آلاف (15: 29-39)

15: 29 ثُمَّ ٱنْتَقَلَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَجَاءَ إِلَى جَانِبِ بَحْرِ ٱلْجَلِيلِ، وَصَعِدَ إِلَى ٱلْجَبَلِ وَجَلَسَ هُنَاكَ. 30 فَجَاءَ إِلَيْهِ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ، مَعَهُمْ عُرْجٌ وَعُمْيٌ وَخُرْسٌ وَشُلٌّ وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ، وَطَرَحُوهُمْ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ. فَشَفَاهُمْ 31 حَتَّى تَعَجَّبَ ٱلْجُمُوعُ إِذْ رَأَوُا ٱلْخُرْسَ يَتَكَلَّمُونَ، وَٱلشُّلَّ يَصِحُّونَ، وَٱلْعُرْجَ يَمْشُونَ، وَٱلْعُمْيَ يُبْصِرُونَ. وَمَجَّدُوا إِلٰهَ إِسْرَائِيلَ.

جلس يسوع على جبل في برية الجليل، ولم يستطع الدخول إلى مدينته كالعادة، لأن الفريسيين اضطهدوه وحرَّضوا الشعب ضده. أما المساكين فتقدّموا إليه سراً ليتخلّصوا من أوجاعهم، فالمسيح هو الرجاء الوحيد لعالمنا المريض. الشلّ طلبوا مَنْ يحملهم إليه فشفاهم، والخرس فكّ عقدة ألسنتهم. وإنجيله بمحبة الله خلّص كثيرين ليرجعوا إليه ويثبتوا فيه.

وهكذا لم تفارقه جماهير المحتاجين والبسطاء ليلاً ولا نهاراً، لأنهم لاحظوا ابتعاده عن الجليل أخيراً. فأرادوا أن يستفيدوا منه، ولو كلّفهم ذلك تحمُّل الجوع والصعوبات وسط الصحراء. فبقوا عند المسيح لينالوا منه القوة. كم تمكث مع المسيح، دقائق، ساعات، أياماً، أو كل حياتك؟ فإنه حيث المسيح تعمل قوة الله للخلاص.

15: 32 وَأَمَّا يَسُوعُ فَدَعَا تَلامِيذَهُ وَقَالَ: إِنِّي أُشْفِقُ عَلَى ٱلْجَمْعِ، لأَنَّ ٱلآنَ لَهُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ يَمْكُثُونَ مَعِي وَلَيْسَ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ. وَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ أَصْرِفَهُمْ صَائِمِينَ لِئَلاّ يُخَوِّرُوا فِي ٱلطَّرِيقِ. 33 فَقَالَ لَهُ تَلامِيذُهُ: مِنْ أَيْنَ لَنَا فِي ٱلْبَرِّيَّةِ خُبْزٌ بِهٰذَا ٱلْمِقْدَارِ، حَتَّى يُشْبِعَ جَمْعاً هٰذَا عَدَدُهُ؟ 34 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: كَمْ عِنْدَكُمْ مِنَ ٱلْخُبْزِ؟ فَقَالُوا: سَبْعَةٌ وَقَلِيلٌ مِنْ صِغَارِ ٱلسَّمَكِ. 35 فَأَمَرَ ٱلْجُمُوعَ أَنْ يَتَّكِئُوا عَلَى ٱلأَرْضِ، 36 وَأَخَذَ ٱلسَّبْعَ خُبْزَاتٍ وَٱلسَّمَكَ، وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى تَلامِيذَهُ، وَٱلتَّلامِيذُ أَعْطَوُا ٱلْجَمْعَ. 37 فَأَكَلَ ٱلْجَمِيعُ وَشَبِعُوا. ثُمَّ رَفَعُوا مَا فَضَلَ مِنَ ٱلْكِسَرِ سَبْعَةَ سِلالٍ مَمْلُوءَةٍ، 38 وَٱلآكِلُونَ كَانُوا أَرْبَعَةَ آلافِ رَجُلٍ مَا عَدَا ٱلنِّسَاءَ وَٱلأَوْلادَ. 39 ثُمَّ صَرَفَ ٱلْجُمُوعَ وَصَعِدَ إِلَى ٱلسَّفِينَةِ وَجَاءَ إِلَى تُخُومِ مَجْدَلَ.

نظر المسيح إلى الجماهير الجائعة، الذين بقوا عنده ثلاثة أيام وثلاث ليال وسمعوا كلماته وشاهدوا أعماله العجيبة، فتألم من ضيقهم وأشفق عليهم وهم مزدحمون حوله. ولما طلب إلى تلاميذه أن يساعدوهم، اعترفوا بعجزهم. أما المسيح فعلّمهم مرة أخرى مبدأه: أنه يعمل من القليل كثيراً إذا وُضِعَ تحت تصرّفه بإيمان. وصلى المسيح أمام المتكئين حوله، وشكر أباه على القليل الذي بين يديه. ولم يكن يسوع محتاجاً إلى هذه الصلاة لأنه الله بالذات. ولكنه كان متواضع القلب، مشتاقاً للتكلم مع أبيه فأخلى نفسه ورفض الحياة منفصلة عنه، ثابتاً في إنسجام كامل معه. فشكره للخبز القليل الذي صار فائضاً متزايداً. ثم أعطى المسيح الخبز والسمك لتلاميذه، فكفى لإشباع الأربعة آلاف رجل مع عائلاتهم.

أيها الأخ، آمن بقدرة محبة المسيح وسلِّمه حياتك، فيستخدم مواهبك الضئيلة، ويجعلها بركة عظيمة للألوف. ضع وقتك ومالك وحياتك تحت تصرف الرب، وكرّس نفسك له على الدوام، فتختبر عجائب من قدرته.

الصلاة: أيها الآب، قد خلقت الكون من لا شيء، ولدتنا ثانية من محبة الغافرة. علّمنا الإيمان والشكر، لكيلا نرفض قدرتك بشكوكنا. أنت تحب المساكين والصغار، وترحمهم دائماً، فساعدنا لنرافقك إلى خدمتهم. ونشكرك للمواهب المُعطاة لنا، ونكرّس حياتنا شكراً لك. فخذ بيدي وقدني كما تشاء.

السؤال: 16 - لماذا وكيف صنع يسوع الخبز والسمك للأربعة آلاف رجل مع عائلاتهم؟

7 - يسوع يهاجم السطحيّة (16: 1-12)

16: 1 وَجَاءَ إِلَيْهِ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ وَٱلصَّدُّوقِيُّونَ لِيُجَرِّبُوهُ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ. 2 فَأَجَابَ: إِذَا كَانَ ٱلْمَسَاءُ قُلْتُمْ: صَحْوٌ لأَنَّ ٱلسَّمَاءَ مُحْمَرَّةٌ. 3 وَفِي ٱلصَّبَاحِ: ٱلْيَوْمَ شِتَاءٌ لأَنَّ ٱلسَّمَاءَ مُحْمَرَّةٌ بِعُبُوسَةٍ. يَا مُرَاؤُونَ! تَعْرِفُونَ أَنْ تُمَيِّزُوا وَجْهَ ٱلسَّمَاءِ، وَأَمَّا عَلامَاتُ ٱلأَزْمِنَةِ فَلا تَسْتَطِيعُونَ! 4 جِيلٌ شِرِّيرٌ فَاسِقٌ يَلْتَمِسُ آيَةً، وَلا تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاّ آيَةَ يُونَانَ ٱلنَّبِيِّ. ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَمَضَى.

حالما سمع أعداء المسيح بعودته إلى وطنه، تآمروا عليه ليهلكوه. وترك الفرقاء المتخاصمون كالفريسيين والصدوقيين، الخصام بينهم جانباً، وتحالفوا معاً ضد المسيح.

كان الأولون ناموسيين متدينين، والآخرون حياديين عصريين، لا يؤمنون بالآخرة ولا بتدخّل قُوى روحية من خارج دنيانا في مسيرة الحياة. أما المتدينون فاعتقدوا بحقيقة الأرواح والرؤى والقيامة من بين الأموات.

حاصر الوفد يسوع ليجربوه، إن كان يعلن نفسه بمعجزة مسيحاً وملكاً. فلم يكتفوا بعجائب الشفاء التي أجراها، كإخراج الشياطين وإقامة الموتى، بل تمنّوا أن يُنزل ناراً من السماء على رؤوس الرومان ليهلكهم، أو يوقف الشمس علامة لإرساله من الله. لأن الناس لا يريدون الإيمان المبني على التوبة، بل على الدلائل الملموسة ليتخلّصوا من مطاليب الإيمان.

فلو أرادوا علم المستقبل لفسَّروا أعماله وقدرته ورحمته ولطفه ولكنهم طلبوا مملكة سياسية مبنية على أسلحة. أما ملكوت الله في الغفران واللطف والتسامح فلم يطلبوه. ولهذا السبب سمَّاهم المسيح بالكلمة القاسية «جيلاً شريراً فاسقاً».

وقد فسَّر يسوع بهذه العبارة جوهر البشر كله. ورغم غلاظة القلوب، فقد أعطى الله المحب للبشر العصاة آية فريدة ينبغي أن ندرك بواسطتها جلال المسيح، لأنه كما لفظ الحوت يونان من فمه بعد العاصفة لخلاص كثيرين، هكذا ابتلع جوف الموت يسوع بعد عاصفة آلامه على الصليب. ولكن الله أجبر الموت أن يسلّمه، ليعطي حياة أبدية للخطاة المتبررين. هذه هي الآية العظمى في تاريخ البشر، وستكون الفاصلة في الدينونة الأخيرة.

16: 5 وَلَمَّا جَاءَ تَلامِيذُهُ إِلَى ٱلْعَبْرِ نَسَوْا أَنْ يَأْخُذُوا خُبْزاً. 6 وَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: ٱنْظُرُوا وَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ وَٱلصَّدُّوقِيِّينَ. 7 فَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ قَائِلِينَ: إِنَّنَا لَمْ نَأْخُذْ خُبْزاً. 8 فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا قَلِيلِي ٱلإِيمَانِ أَنَّكُمْ لَمْ تَأْخُذُوا خُبْزاً؟ 9 أَحَتَّى ٱلآنَ لا تَفْهَمُونَ، وَلا تَذْكُرُونَ خَمْسَ خُبْزَاتِ ٱلْخَمْسَةِ ٱلآلافِ وَكَمْ قُفَّةً أَخَذْتُمْ، 10 وَلا سَبْعَ خُبْزَاتِ ٱلأَرْبَعَةِ ٱلآلافِ وَكَمْ سَلاً أَخَذْتُمْ؟ 11 كَيْفَ لا تَفْهَمُونَ أَنِّي لَيْسَ عَنِ ٱلْخُبْزِ قُلْتُ لَكُمْ أَنْ تَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ وَٱلصَّدُّوقِيِّينَ؟ 12 حِينَئِذٍ فَهِمُوا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنْ يَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ ٱلْخُبْزِ، بَلْ مِنْ تَعْلِيمِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ وَٱلصَّدُّوقِيِّينَ.

مضى يسوع سريعاً من الموضع الذي أشبع فيه الأربعة آلاف، منتقلاً إلى العبر. ولم يتمكن التلاميذ من شراء طعام ليأخذوه معهم في هذه السَّفرة. فعندما تكلم المسيح إليهم عن خميرة الفريسيين والصدوقيين المسمَّمة الأفكار، ظنوا أنه كان يقصد خمير الخبز. فكانوا مهتمين بالدنيا وهو مهتم بالسماء، لأنه قد استودع كل همومه بيد أبيه.

فوبّخ يسوع تلاميذه لاهتمامهم بالخبز أكثر من الروح، ووضّح لهم مرة أخرى أن الفكر الناموسي للفريسيين والحياة العصرية للصدوقيين لا يتفقان مع محبة الله في العهد الجديد، التي ترشد الإنسان إلى سيرة التضحية والتسليم لله. فشدد يسوع على أتباعه ليمتنعوا عن الرياء، الذي له صورة التقوى، ويعترفوا بخطاياهم، ويخدموا الله بالنعمة.

8 - شهادة بطرس عن ألوهية يسوع (16: 13-20)

16: 13 وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى نَوَاحِي قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ سَأَلَ تَلامِيذَهُ: مَنْ يَقُولُ ٱلنَّاسُ إِنِّي أَنَا ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ؟ 14 فَقَالُوا: قَوْمٌ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانُ، وَآخَرُونَ إِيلِيَّا، وَآخَرُونَ إِرْمِيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ ٱلأَنْبِيَاءِ. 15 قَالَ لَهُمْ: وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟ 16 فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: أَنْتَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ.

بعدما ترك أهل الجليل المسيح خوفاً من رؤساء اليهود، قاد يسوع تلاميذه إلى الهدوء في العزلة، ودرَّبهم على الأنظمة الرئيسية الكنسيَّة، ليقدروا بعد موته أن يبشّروا بملكوت الله ويبنوه ويثبتوه.

وسمَّى المسيح نفسه في أكثر الأحيان «ابن الإنسان». وهذا يعني أمرين: أنه إنسان مثلنا، وقريب جداً من تلاميذه والبشر أجمعين. فهذا اللقب يتضمن الأعجوبة الكبرى، أن الله ظهر في هيئة الإنسان ليقترب منَّا، ويغلب تجارب أجسادنا وضعفها ولكن هذه العبارة تعني أيضاً أن يسوع هو القاضي الأزلي الجالس على عرش مجده. وآتياً ثانية بمجد أبيه السماوي محاطاً بربوات من الملائكة التي سيرسلها لتنفيذ الدينونة. وعرف كل عضو في العهد القديم أن هذه العبارة المثيرة «ابن الإنسان»، المأخوذة من نبوة دانيال 7 ، إنما قصد بها «المسيح الآتي بسلطانه العظيم في هيئة الإنسان السماوي» وذكر البشير متى تسمية يسوع نفسه بهذا المعنى واللقب في الأصحاحات 8: 20 ، 9: 6 ، 10: 23 ، 11: 19 ، 13: 41 ، 16: 27 ، 17: 12 ، 22 ، 19: 28 ، 4: 30 ، 26: 64. ونقرأ في العهد الجديد هذه التسمية ليسوع ثمانين مرة، وفي متى وحده ذُكرت ثلاثين مرة.

لما قاد يسوع تلاميذه تدريجياً إلى الاعتراف القاطع بجوهره الإلهي، قام بطرس وضرب بسيف الروح العقدة اليهودية، وسمَّى الشاب الناصري «المسيح» كما كان موعوداً للملك داود قبل ذلك بألف سنة، وكما انتظره الأنبياء الأمناء على توالي الدهور. فصارت هذه الشهادة النقطة الفاصلة في خدمة يسوع، لأن من هذا الوقت فصاعداً عكف على تربية تلاميذه وتثبيتهم في قدرته.

ووضح بطرس شهادته، متجاسراً على تسمية ابن الإنسان بابن الله، مولوداً من الروح القدس ممتلئاً نعمة وحقاً. مع العلم أن هاتين العبارتين «المسيح» و «الابن» كانتا مستوجبتين حكم الموت من قِبَل المجمع اليهودي.

16: 17 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْماً وَدَماً لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لٰكِنَّ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ. 18 وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضاً: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هٰذِهِ ٱلصَّخْرَةِ أَبْنِي كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ ٱلْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. 19 وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى ٱلأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطاً فِي ٱلسَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى ٱلأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي ٱلسَّمَاوَاتِ. 20 حِينَئِذٍ أَوْصَى تَلامِيذَهُ أَنْ لا يَقُولُوا لأَحَدٍ إِنَّهُ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ.

لم ينكر يسوع أنه المسيح، بل ثبت اعتراف بطرس رسمياً وطوَّبه، لأنه لم ينل هذا العلم من عقله أو اختباراته الخاصة، بل بوحي من الروح القدس مباشرة. فكل معرفة حقة وإيمان حي هو من عمل روح الله، الذي يمجد المسيح دائماً. وكل إيمان صحيح هو موهبة من الله، وليس من التحليل المنطقي ولا النسيج الخيالي. وبقبول يسوع هذا اللقب «ابن الله» سمَّى الإله الخالق أباه، ليس كما يظن البعض باتصال جسدي. حاشاه! إنما بولادة روحية قبل كل الدهور فالمسيح هو الابن منذ الأزل، وليست ولادته من مريم العذراء بداية كونه، فلقد تجسَّد لمصالحاتنا مع أبيه.

بهذا الاعتراف الملهَم من الآب، بعمل الروح القدس، تنمو الكنيسة في كل حين فهي ليست مبنيَّة على شخص ضعيف متقلِّب كبطرس، بل على اعترافه الجريء أن يسوع هو المسيح وابن الله القدوس.

وسلَّم يسوع لبطرس كأول تلميذ السلطان لفتح الباب المؤدي إلى السماء أو قفله، لأنه اعترف قبل زملائه باللقب «المسيح وبنوته لله» فهذه الشهادة هي المفتاح. ومن يؤمن بهذه العبارات ويعترف بها يخلص، ومن يرفضها يهلك. علماً أنه لا إنسان ولا بطرس يستطيع أن يفتح باب السماء من تلقاء نفسه. ولكن هاتين الشهادتين أن يسوع هو المسيح الموعود، وأن فيه حلَّ كل ملء اللاهوت جسدياً، يوحّدنا مع قدرته. فمن يلتصق به يتبرر، ومن يعلن اسمه يخلّص كثيرين.

الصلاة: أيها الآب القدوس، نشكرك لأنك أعلنت لبطرس اسم المسيح بإلهام روحك القدس، وأرشدته للاعتراف الخارق ببنوته لك. إفتح قلوبنا وأذهاننا لنسمع صوتك، وندرك في ابنك أبوتك، ونتجاسر أن نشهد للعالمين بحقيقتك ليتحرر كثيرون من فكرهم الخاطيء.

السؤال: 17 - ما هي المعاني الهامة في شهادة بطرس؟

9 - إعلان يسوع الأول عن موته وقيامته (16: 21-28)

16: 21 مِنْ ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ ٱبْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلامِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيراً مِنَ ٱلشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومَ. 22 فَأَخَذَهُ بُطْرُسُ إِلَيْهِ وَٱبْتَدَأَ يَنْتَهِرُهُ قَائِلاً: حَاشَاكَ يَا رَبُّ! لا يَكُونُ لَكَ هٰذَا! 23 فَٱلْتَفَتَ وَقَالَ لِبُطْرُسَ: ٱذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ. أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأَنَّكَ لا تَهْتَمُّ بِمَا لِلّٰهِ لٰكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ.

بعد اعتراف بطرس الشهير، حرَّر يسوع تلاميذه من الرجاء المكتوم في قلوبهم أنه يبتديء بإنشاء دولة مسيحية سياسية، ويجمع ممالك العالم كلها. فأنبأهم جهراً أن شعبه سينكره، وأن الشيوخ سيرفضونه ويتآمرون عليه، وأن عليه آلاماً مُرّه سيتجرعها، فيموت بطريقة فظيعة شنيعة، وأن هذا الموت المقبل قريب، وفيه ستكون نهاية أمنياتهم الدنيوية الفانية.

وكان هذا الإعلان كقنبلة وسط عرس، لأن التلاميذ بعد شهادة بطرس ببنوة المسيح لله، وقبول يسوع هذا اللقب بلا تردد، فكّروا بانتصار المسيح. لكن هاهم يُفاجأون بآلام المسيح التي أخبرهم بها وعن مصيره المميت.

واستمر يسوع بنبوته ليشرح سلطته وعظمة انتصاره. إنه لا يموت كسائر الناس بل سيقوم ويظهر جسدياً، لتبدو نوعية شخصيته الدالة على جوهر ملكوته.

كان مجد المسيح مستتراً، ومقاصده الروحية لم تظهر لعقل الإنسان بسهولة. فلم يدرك بطرس ضرورة آلام يسوع، لأنه لم يفهم-كسائر أمته-معنى ضرورة موت المسيح الكفاري عوضاً عن البشر، طريقاً وحيداً لله. فقد قبض بطرس على مفتاح السماء في شهادته، ولكن لم يعرف أن الصليب هو ثقب الباب الذي ينبغي أن يضع المفتاح فيه ليصل إلى السماء.

فأخذ يسوع إلى جانب وانتهره قائلاً له «حاشاك يارب». مستحيل أن تفكر بالموت! فقد رفعناك للقمَّة لتنتصر على العالم، فكيف تتقهقر وتتكلم متشائماً عن الهزيمة والدمار؟ ولعل بطرس لم يستمع منتبهاً لآخر الحديث، حيث أخبر يسوع عن قيامته المجيدة.

كاد بطرس بحماسه أن يقفل الباب المؤدي إلى السماء عن جميع البشر. لقد جرَّب الشيطان يسوع سابقاً في البرية ثلاث مرات ليرضي الناس ويريحهم بدون الموت الفدائي وهذه المرة حلَّ الشيطان في بطرس عندما حاول أن يمنع يسوع عن الصليب.

أما يسوع فميَّز صوت المجرّب، وانتهره بشدة وطرده من حضرته قائلاً «يا شيطان اذهب عنِّي! أنت أتٍ بأمنياتك البشرية، عكس فكر الله».

إن كل فكرة لا ترتكز على الصليب هي شيطانية، فمن لا يقبل الصليب كالطريق الوحيد إلى الله، فإنه يضل.

وهذا الحكم على بطرس يُرينا أنه ليس هو في شخصيته أساس الكنيسة، بل روح المسيح العامل في شهادته. فقصد يسوع أن يطهّر ويعمّق معرفة مقدام رسله ليفهم وكل التلاميذ معه، أن ابن الله صار إنساناً ليموت.

16: 24 حِينَئِذٍ قَالَ يَسُوعُ لِتَلامِيذِهِ: إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي

لم يحرر المسيح تلاميذه من الصدمة بعدما أعلن لهم موته وسمَّى أنضج تابعيه شيطاناً بل عمَّق الرعب في قلوبهم عندما طلب من كلٍ منهم أن يحمل صليبه الخاص.

إن كل إنسان يحقّ عليه الموت المباشر لأجل تعدياته على الله، فنحتاج إلى إنكار الذات الكامل والاعتراف أننا نستحق الموت القاطع ودينونة الله.

والمسيح يطلب منَّا أن نحكم بأنفسنا على أنفسنا، ونحمل الصليب طوعاً كما يقول بولس «مع المسيح صُلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ». فالمعرفة العابرة بحقيقة هذه الآية والتطبيق المبتور لهذا الاعتراف، هو السبب لضعف الكنائس.

16: 25 فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا.

ذكر المسيح هذا القول في متى 10: 39. إن استعدادنا أن نموت لأجل المسيح يفتح لنا أبواب الحياة الأبدية. فالذي ينكر المسيح ليخلِّص حياته الأرضية يضيّع رجاء الحياة السماوية. والخسارة لأجل المسيح هي ربح (متى 3: 7 ، 8). والموت لأجله هو الحياة، والعار هو المجد، والصليب هو الإكليل.

16: 26 لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ ٱلإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ ٱلْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِي ٱلإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟

رجع أحد الروّاد من القمر وطلب الله، لأنه أدرك أن أرضنا جميلة وغنية. ولكن الناس أشرار، لأنهم يعيشون بدون خالقهم. فاهتدى هذا الرائد وأصبح شاهداً للمسيح وقدرته الفادية.

وماتت سيدة مليونيرة، كانت تعيش في العزلة فوجدوا أنها كانت تلف جسدها بورق جرائد، لأنها أبخل من أن تشتري ملابس لنفسها! فالغِنى والنجاح لا يجعلاننا سعداء.

فماذا ينفعك لو جمعت مالاً وبنيت بيتاً وجئت بشهادات عالية وأنت الخاطيء؟ هل عرفت إفلاس نفسك، وتقر بذلك بألم وخجل شديد؟ ماذا تعمل بخطاياك؟ هل عرفت أن كل خطية صغيرة تشبه الميكروب، تفسد نفسك؟ اعترف أمامه بآثامك، تجد بداية الحياة الجديدة. إنكسر والتجيء لإلهك لأنه ينتظرك.

16: 27 فَإِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلائِكَتِهِ، وَحِينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ.

يخبرك المسيح أنه لا مفرّ من أن تذهب إلى دينونة الله. وهو ابن الله الآتي بهيئة ابن الإنسان، محاطاً بمجد أبيه السماوي، ليدين العالمين. فالمسيح أعلن للمرة الثانية أمام تلاميذه، مجيئه بالبهاء وجلال السماء، وأن هذه الحادثة هي هدف تاريخ البشر كله، فإن مُتَّ اليوم، فكيف ستمثل أمام ربك؟

إن تبعت المسيح في حمل الصليب، فستسمع صوت ابن الله المعزّي القائل: نعم أيها الشرير. أنت خاطيء، ولكن قد اعترفت بذنوبك كلها، وآمنت بصليبي. مغفورة لك خطاياك لأجل ارتباطك الإيماني بي، فأنا عائش فيك، وقوتي غيّرت موتك إلى الحياة، وإلى الصدق.

16: 28 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ مِنَ ٱلْقِيَامِ هٰهُنَا قَوْماً لا يَذُوقُونَ ٱلْمَوْتَ حَتَّى يَرَوُا ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ آتِياً فِي مَلَكُوتِهِ.

أعلن المسيح لتلاميذه موته وقيامته، ووضح لهم مجيئه في المجد وهيمنته على الدينونة وأنه يفتح ملكوته لكل من التصق به وحلّت حياته الأزلية فيه. فلا يذوق الموت، لأنه دخل ملكوت الله ورحاب المسيح.

الصلاة: يا ابن الله القدوس، أنت تعرفني. وأنا شرير منذ حداثتي. لا تطرحني من قُدّام وجهك، وروحك القدوس لا تنزعه منّي. قلباً نقياً أخلق فيّ يا الله، وروحاً مستقيماً جدّد في داخلي. أُعظّمك لأنك القدوس، ورسمت لي طريق إنكار النفس. ضع صليبي عليَّ. وساعدني ألا ألقيه، بل أتبعك مع كل حاملي صلبانهم، وأموت لنفسي على الصليب لتحل بمحبتك فيَّ.

السؤال: 18 - ماذا يعني إنكار النفس وحمل الصليب الخاص؟

10 - تجلّي يسوع (17: 1-8)

17: 1 وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ مُنْفَرِدِينَ. 2 وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَٱلشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَٱلنُّورِ. 3 وَإِذَا مُوسَى وَإِيلِيَّا قَدْ ظَهَرَا لَهُمْ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ. 4 فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقُولُ لِيَسُوعَ: يَا رَبُّ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ هٰهُنَا! فَإِنْ شِئْتَ نَصْنَعْ هُنَا ثَلاثَ مَظَالَّ. لَكَ وَاحِدَةٌ، وَلِمُوسَى وَاحِدَةٌ وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةٌ. 5 وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ، وَصَوْتٌ مِنَ ٱلسَّحَابَةِ قَائِلاً: هٰذَا هُوَ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ ٱلَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ ٱسْمَعُوا. 6 وَلَمَّا سَمِعَ ٱلتَّلامِيذُ سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَخَافُوا جِدّاً. 7 فَجَاءَ يَسُوعُ وَلَمَسَهُمْ وَقَالَ: قُومُوا وَلا تَخَافُوا. 8 فَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ وَلَمْ يَرَوْا أَحَداً إِلاّ يَسُوعَ وَحْدَهُ.

أبقى يسوع تلاميذه خلال ستة أيام يعانون من الصدمة التي حلَّت بهم نتيجة الخبر الذي أعلنه عن محاكمته وموته القريب وضرورة موتهم عن أنفسهم أيضاً. فمعنى كل ذلك إنهيار آمالهم وتعرّضهم للاضطهاد الدموي. ولم يخلّص المسيح هؤلاء المرتعبين من اضطرابهم بسرعة، بل أعطاهم وقتاً كافياً لينكروا أنفسهم، ويدفنوا تخطيطهم، وينسجموا مع فكر «موت المسيح وقيامته».

ثم اختار نفراً منهم، وصعد معهم إلى جبل حرمون العالي ليصلي. وفي أثناء صلاته تغيّرت هيئته وأضاء وجهه كنور الشمس، لأن الحجاب ارتفع حينئذ عن حقيقته، فظهر مجده الأزلي، وحدث التجلِّي وهو يصلّي. فأدرك تلاميذه جوهر حياته التي لا يقدر الموت عليها. وتجلَّى يسوع لتلاميذ المضطربين ليتأكدوا من إمكانية قيامته في المجد.

وفجأة ظهر موسى وإيليا أمامه، لأن الأموات القديسين يحيون، ويفكرون ويتكلمون، ويخدمون الله في القداسة والمجد. وهذا الظهور العجيب ثبَّت إيمان التلاميذ أن المسيح هو تكميل الناموس، وأنه سيموت بريئاً، وأنه المسيح الحقيقي الموعود به للأمم. فإن موت المسيح في إنسجام كامل مع موسى وسيط العهد القديم، وانطباقه على رسالة المعمدان الممهّد للعهد الجديد، دلَّهم على أن الله بالذات أراد موت ابنه.

وعبَّر بطرس عن اشتياق كل الناس لهذا اللقاء الفردوسي مع الأرواح النيِّرة، بحضور مجد المسيح. لأننا جميعاً نشتاق للحياة مع الله في السماء. وهذا ما تتمتم به قلوبنا فأراد بطرس أن يستمسك بالسماء، ويبني بيوتاً للماجدين، ناسياً نفسه ورفاقه. فلم يكن واعياً تماماً، لأن مجد الله يفوق كل عقل.

وثبَّت الله إيمانهم، وظلَّل الجميع بسحابة مجده المفعمة نوراً وحياة وحماية. فليت سحابة محبة الله تغطي أمتنا، فنسمع صوت أبينا يعلن أن يسوع المسيح هم محبة الله المتجسّده، وأن طريق المسيح إلى الصليب هو قصد الله بالتمام لخلاص العالم.

واحتضن المسيح التلاميذ وأقامهم إلى الحياة مجدَّداً. فمن يسمع كلمته يموت عن الخطية ويحيا للبر، وينسى كل الأنوار المتلألئة في دنيانا، ولا يرى إلا نور العالم وحده. فهل رأيته، وتمركز في قلبك، هدفاً لحياتك؟

الصلاة: أيها الآب نشتاق إليك شوقاً عظيماً. علّمنا أن نصلّي مقتربين إليك، وافتح قلوبنا لمسيحك وكلمته، لندرك انتصاره على الصليب، ونموت عن خطايانا، ليعيش هو فينا بملء قدرته. فأقمنا معه، لنخبر أصدقاءنا بحياته، ونعلن رجاءنا العتيد لكل الناس.

السؤال: 19 - ما معنى تجلِّي المسيح؟

11 - تفسير الوعد بمجيء إيليا (17: 9-13)

17: 9 وَفِيمَا هُمْ نَازِلُونَ مِنَ ٱلْجَبَلِ أَوْصَاهُمْ يَسُوعُ قَائِلاً: لا تُعْلِمُوا أَحَداً بِمَا رَأَيْتُمْ حَتَّى يَقُومَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ. 10 وَسَأَلَهُ تَلامِيذُهُ: فَلِمَاذَا يَقُولُ ٱلْكَتَبَةُ إِنَّ إِيلِيَّا يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ أَوَّلاً؟ 11 فَأَجَابَ يَسُوعُ: إِنَّ إِيلِيَّا يَأْتِي أَوَّلاً وَيَرُدُّ كُلَّ شَيْءٍ. 12 وَلٰكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ إِيلِيَّا قَدْ جَاءَ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ، بَلْ عَمِلُوا بِهِ كُلَّ مَا أَرَادُوا. كَذٰلِكَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ أَيْضاً سَوْفَ يَتَأَلَّمُ مِنْهُمْ. 13 حِينَئِذٍ فَهِمَ ٱلتَّلامِيذُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ عَنْ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانِ.

لما نزل التلاميذ من جبل حرمون إلى سهل الأردن، رجعت أفكارهم ببطء إلى الحقيقة الملموسة، وابتدأت عقولهم تشتغل وتتحرك.

وأمر يسوع تلاميذه الثلاثة ألاَّ يتكلّموا بكلمة واحدة عما شاهدوه من مجده حتى يقوم من بين الأموات، فيرى الجميع حقيقته الروحية. لكن التلاميذ لم يفهموا ما قاله عن القيامة، وفهموا أنه يمنعهم عن التكلم بالأعجوبة، فصمتوا أمام التلاميذ الآخرين حسب إرادة ربهم. إنما قيامة يسوع لم يدركوها، لأن الروح القدس لم يكن قد حلّ فيهم بعد.

وأشعل ظهور إيليا رجاءهم بالمعاني الدنيوية، في أن يقيم يسوع الآن مملكته، بإنزال نار من السماء كما عمل إيليا سابقاً، وينتصر مثل نبي الكرمل عندما أباد الكهنة الكذبة.

وأما يسوع فرفض كل رجاء سياسي في تلاميذه من بدايته، وأوضح لهم أن يوحنا المعمدان كرز بروح إيليا الموعود، ومهَّد الطريق للمسيح بندائه للتوبة، وليس بتدريب عسكري لأتباعه في البرية. وأخيراً مات هذا الصارخ في البرية بريئاً على يد الطاغية هيرودس.

وتعميقاً لهذا المبدأ أعلن يسوع أنه سيموت مثله، متروكاً من الناس، مظلوماً من الرؤساء، ومحكوماً عليه من الله لأجل خطايانا. وليس موت المسيح هو النهاية، بل قيامته تفتح لنا حياة الله الذي يحبنا وخلّصنا في ابنه. فاطلب إليه مصلياً، لكي يرتب حياتك ويملأك بروحه القدوس فتثبت إلى الأبد.

الصلاة: يا ابن الله القدوس، نعظمك لأنك مُتَّ ورفعت خطايانا، ونشكرك لأنك تأتي بحياة الآب إلينا. ولن تموت حياتك، فأنت القدوس. وإيماننا يوحّدنا بك وقوتك تجري فينا. أنت الثابت في قلوبنا. احفظنا في ساعة موتنا، لنحيا فيك يا من مُتَّ لخطايانا، وغفرت آثامنا.

السؤال: 20 - ماذا تعلَّمت من إنجيل متى إلى ههنا؟

12 - شفاء الفتى المصروع (17: 14-21)

17: 14 وَلَمَّا جَاءُوا إِلَى ٱلْجَمْعِ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَجُلٌ جَاثِياً لَهُ 15 وَقَائِلاً: يَا سَيِّدُ، ٱرْحَمِ ٱبْنِي فَإِنَّهُ يُصْرَعُ وَيَتَأَلَّمُ شَدِيداً، وَيَقَعُ كَثِيراً فِي ٱلنَّارِ وَكَثِيراً فِي ٱلْمَاءِ. 16 وَأَحْضَرْتُهُ إِلَى تَلامِيذِكَ فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَشْفُوهُ. 17 فَأَجَابَ يَسُوعُ: أَيُّهَا ٱلْجِيلُ غَيْرُ ٱلْمُؤْمِنِ، ٱلْمُلْتَوِي، إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ؟ إِلَى مَتَى أَحْتَمِلُكُمْ؟ قَدِّمُوهُ إِلَيَّ هٰهُنَا! 18 فَٱنْتَهَرَهُ يَسُوعُ، فَخَرَجَ مِنْهُ ٱلشَّيْطَانُ. فَشُفِيَ ٱلْغُلامُ مِنْ تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ.

نزل المسيح من جبل التجلّي إلى أودية الخطاة، فعلى الجبل التقى بالأرواح المنيرة الصالحة، أما في الوادي فقد شاهد الشاب الذي خرَّبه الشيطان. فكان هذا الانتقال صدمة قوية للتلاميذ، الذين كانوا ما يزالون بأفكارهم عائشين بمناخ الرؤية المجيدة، فأعادهم المسيح إلى الواقع، وهو الكفاح لتحرير الملبوسين.

ولم يقدر التلاميذ كلهم أن يشفوا المريض ولا أن يخرجوا الأرواح النجسة منه، رغم أنهم نطقوا في محاولتهم باسم المسيح، لأن أنفسهم كانت مضعضعة منذ أعلن المسيح موته.

وهذا الابتعاد الروحي والنقص في الخضوع لتخطيط الله يسمّيه المسيح عدم إيمان فمن لا يثبت في مشيئة القدوس، ويحاول تنفيذ أفكاره الخاصة، هو الكافر! وكل الحاضرين آنذاك، الأب وابنه المريض، والجماهير، والكتبة المتعلمون، وحتى التلاميذ جميعهم، لم ينسجموا مع محبة الله وخطة خلاصه، فبقوا ضعفاء منفصلين عن قوة المسيح.

واستجاب المسيح لصلاة الأب الضعيف الإيمان فوراً، وطرد الشيطان منه. فقدرة المسيح لا تؤخرها الروح النجسة، إن طلبنا إليه أن يتدخل بالإيمان. فالتجيء إلى المسيح، ولو كنت مضطرب النفس وغير قادر على شيء، واطلب منه تحقيق انتصاره فيك وفي الذين حولك. لا تتشاءم وتستسلم للأوضاع الظالمة، بل آمن بقدرة ربك ملحّاً بصلاتك إليه بالإيمان.

17: 19 ثُمَّ تَقَدَّمَ ٱلتَّلامِيذُ إِلَى يَسُوعَ عَلَى ٱنْفِرَادٍ وَقَالُوا: لِمَاذَا لَمْ نَقْدِرْ نَحْنُ أَنْ نُخْرِجَهُ؟ 20 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: لِعَدَمِ إِيمَانِكُمْ. فَٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهٰذَا ٱلْجَبَلِ: ٱنْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلا يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ. 21 وَأَمَّا هٰذَا ٱلْجِنْسُ فَلا يَخْرُجُ إِلاّ بِٱلصَّلاةِ وَٱلصَّوْمِ.

ربما تستلزمك خدمة المسيح أن تلحّ في صلاتك وتصوم لتحرير الملبوسين، ليستجيب يسوع الشفيع طلبتك. فالصوم يفرّغك من الهموم الدنيوية، ويوّجه أفكارك إلى السماء، فتتكلم بشعور الباطني دائماً مع ربك. وهذه الصلاة لها فاعلية في الدنيا والآخرة، فتختبر أن اسم المسيح ينقل جبال الخطايا من القلوب ويبيدها. وإن كنت تضع يدك بيده، يقودك إلى عجائب غريبة، ويحلّ بواسطتك القيود الشيطانية في كثيرين.

ومن المعلوم أنك لا تستطيع نقل جبال مادية بقدرتك الخاصة. كما أن المسيح ورسله أيضاً لم ينفّذوا هذا الفكر حرفياً من «نقل الجبال» لأن ذلك لا يفيد أحداً. إن محبة الله تدفعك إلى أعمال متواضعة، لينتقل جبل كبريائك فتصبح خادماً للمساكين باسم المسيح ومحبته. فالغير الممكن عند الناس ممكن عند الله، فيخلقك خلقة جديدة لتنسجم مع لطفه وتواضعه فتشترك في قدرة الرحمن بواسطة إيمانك. فالمتواضع يستطيع عمل كل شيء بالمسيح الذي يقويه، لأن القدير لم يجد مانعاً أن يحل في قلبه.

الصلاة: أيها الآب السماوي، نحن أولاد عصرنا. فضعُف إيماننا وقلَّت محبتنا. وها نحن ملتجئون إليك، طالبين تحرير أنفسنا من الالتواء وعدم الإيمان، لنتمسك بيد ابنك، ونمتليء بالمحبة للمساكين، ونغفر لأعدائنا، ونعمل ما تريد أنت لخلاص المتعَبين حولنا.

السؤال: 21 - لماذا لم يقدر التلاميذ على إخراج الروح الشرير من الولد المصروع؟

13 - إعلان يسوع الثاني عن موته وقيامته (17: 22-27)

17: 22 وَفِيمَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ فِي ٱلْجَلِيلِ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي ٱلنَّاسِ 23 فَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومُ. فَحَزِنُوا جِدّاً.

ابن الإنسان هو الله المتأنس، المستمر بمجده. وهو ينبوع القوة الإلهية، وخادم جميع الناس. وقداسته تديننا جميعاً، فيسوع هو الإنسان الحق والإله الحق. ولم يستخدم قدرته لمصالحه الخاصة. فلهذا التواضع دفع أبوه إليه كل السلطان في السماء وعلى الأرض.

والمسيح الوديع، مع أنه القادر على كل شيء، لم يمتنع من أن يسلّم نفسه إلى أيدي الناس الخبثاء، لأن وداعته أقوى من عنف المتسلّطين، فغلب نفسه وبذل ذاته فدية عن كثيرين.

وبهذا الإنكار الذاتي غلب كل القوى الشريرة العاملة في تخريب الكون، فشاء وعزم أن ينتصر بموته الكفاري لتبريرنا وتقديسنا وحفظنا. وهكذا ثبَّت وجهه وتقدَّم نحو أورشليم، وتألم لأجل الذين يبغضونه.

ما أعظم الفداء بموت المسيح على الصليب! فمحبته تكشف فسادنا وكبرياءنا. لكن نعمة حمَل الله تغيّر عيوبنا إلى الطهارة، وقربان نفسه يخلّصنا نحن الهالكين.

17: 24 وَلَمَّا جَاءُوا إِلَى كَفْرَنَاحُومَ تَقَدَّمَ ٱلَّذِينَ يَأْخُذُونَ ٱلدِّرْهَمَيْنِ إِلَى بُطْرُسَ وَقَالُوا: أَمَا يُوفِي مُعَلِّمُكُمُ ٱلدِّرْهَمَيْنِ؟ 25 قَالَ: بَلَى. فَلَمَّا دَخَلَ ٱلْبَيْتَ سَبَقَهُ يَسُوعُ قَائِلاً: مَاذَا تَظُنُّ يَا سِمْعَانُ؟ مِمَّنْ يَأْخُذُ مُلُوكُ ٱلأَرْضِ ٱلْجِبَايَةَ أَوِ ٱلْجِزْيَةَ، أَمِنْ بَنِيهِمْ أَمْ مِنَ ٱلأَجَانِبِ؟ 26 قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: مِنَ ٱلأَجَانِبِ. قَالَ لَهُ يَسُوعُ: فَإِذاً ٱلْبَنُونَ أَحْرَارٌ. 27 وَلٰكِنْ لِئَلاّ نُعْثِرَهُمُ، ٱذْهَبْ إِلَى ٱلْبَحْرِ وَأَلْقِ صِنَّارَةً، وَٱلسَّمَكَةُ ٱلَّتِي تَطْلُعُ أَوَّلاً خُذْهَا، وَمَتَى فَتَحْتَ فَاهَا تَجِدْ إِسْتَاراً، فَخُذْهُ وَأَعْطِهِمْ عَنِّي وَعَنْكَ.

لم يعلن المسيح نفسه أنه ابن الإنسان فقط بل ابن الله أيضاً أثناء قضية جزية الهيكل. ولم يكن مُجبَراً أن يدفع جزية لبيت أبيه السماوي، لأن كل ما هو لأبيه هو له. ولكن محبته لأعدائه ورأفته بضعفهم حملته لدفع الجزية طوعاً، فربط نفسه ببطرس وتلاميذه الآخرين، وسمَّاهم «أبناء الله الأحرار». كما ذُكِرَ ذلك عدة مرات في إنجيل متى. فهل تتمسك أيها الأخ بهذا اللقب والوعد؟ فتقف مع أبناء الله، ليس لصلاحك، بل لأنك آمنت بكلمة يسوع. وكلمته القوية ستقدسك إلى التمام لتكون كما يدعوك الله أن تكون.

الصلاة: أيها الآب، نسجد لك بالمحبة والفرح، لأن ابنك الوحيد صيَّرنا بموته أبناء لك. نحن بطبيعتنا أعداء لك وبعيدون عنك. أما دم يسوع فقرَّبنا إليك. فنعظّمك لنعمتك، ونتهلل لأبوّتك لنا. ساعدنا لنخدم في محبتك كما خدم ابنك العالم لتتحقق ألوهيتك في إنسانيتنا.

السؤال: 22 - كيف أعلن يسوع أنه ابن الإنسان وابن الله؟

رابعاً - المسيح يلقي تعاليم جديدة (18: 1-20: 34)

1 - الكبرياء وتواضع الأطفال (18: 1-14)

18: فِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ تَقَدَّمَ ٱلتَّلامِيذُ إِلَى يَسُوعَ قَائِلِينَ: فَمَنْ هُوَ أَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ؟ 2 فَدَعَا يَسُوعُ إِلَيْهِ وَلَداً وَأَقَامَهُ فِي وَسَطِهِمْ 3 وَقَالَ: اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ ٱلأَوْلادِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ. 4 فَمَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مِثْلَ هٰذَا ٱلْوَلَدِ فَهُوَ ٱلأَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ.

تظهر الخطية في الإنسان عادة باشتياقه إلى الشرف والسلطة والمال والجمال. وهذه خطية الكبرياء. وللغلبة على هذا المرض الروحي أوقف المسيح طفلاً بين الرجال الوقورين وطلب إليهم أن يتمثَّلوا ببساطة الطفل، ليدركوا أن شعار ملكوت الله عكس نيَّة الشيطان: التواضع والثقة المطلقة بالآب. وكما أن الطفل في طبيعته غير بالغ ومحتاج وضعيف، هكذا نحن. وكما أنه يلتجيء إلى حماية وعناية أبيه بكل أموره وآلامه، هكذا نلتجيء إلى الله في كل لحظة. وإن لم ندخل إلى التبنّي السماوي، الذي أعده المسيح لنا شرعاً، فلن ندخل ملكوت السموات. إن يسوع يحاول جذبك لتتكل على أبوة الله، وتضع حياتك على عظمة محبته. ولكن هذه البنوة السامية تظهر في التواضع والوداعة. فطوَّب يسوع الودعاء، لأنهم يرثون الأرض.

18: 5 وَمَنْ قَبِلَ وَلَداً وَاحِداً مِثْلَ هٰذَا بِٱسْمِي فَقَدْ قَبِلَنِي. 6 وَمَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ هٰؤُلاءِ ٱلصِّغَارِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِي فَخَيْرٌ لَهُ أَنْ يُعَلَّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ ٱلرَّحَى وَيُغْرَقَ فِي لُجَّةِ ٱلْبَحْرِ. 7 وَيْلٌ لِلْعَالَمِ مِنَ ٱلْعَثَرَاتِ. فَلا بُدَّ أَنْ تَأْتِيَ ٱلْعَثَرَاتُ، وَلٰكِنْ وَيْلٌ لِذٰلِكَ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي بِهِ تَأْتِي ٱلْعَثْرَةُ. 8 فَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ أَوْ رِجْلُكَ فَٱقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ ٱلْحَيَاةَ أَعْرَجَ أَوْ أَقْطَعَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي ٱلنَّارِ ٱلأَبَدِيَّةِ وَلَكَ يَدَانِ أَوْ رِجْلانِ. 9 وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَٱقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ ٱلْحَيَاةَ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي جَهَنَّمَ ٱلنَّارِ وَلَكَ عَيْنَانِ.

المسيح يحب الأطفال، ليس لصلاحهم الخيالي، بل لأن نفوسهم تنمو وتنفتح لكل تعليم وقدوة وإرشاد. صحيح أن الأولاد خطاة عنيدون مستكبرون ككل الجنس البشري، لكنهم يمتصّون المحبة والحق، ويسرُّون بالجو الطاهر في العائلة السليمة. وكل من يتبنّى يتيماً أو يقبل ولداً مجرّداً من كل عناية، يقبل الله بالذات. ومن يعلّم الصغار الخلاص بكلمات مفهومة وعبارات منسجمة لإدراكهم، يزرع بذور السماء في عقولهم.

ويل لمن يقود ولداً للخطية بالكذب أو النجاسة أو السرقة، فينجم عن ذلك ألف خطية وخطية في مستقبل الولد. فكل الذين يفعلون مثل هذا هم الأشرار الذين عيَّن الله لهم أشدّ العقاب، لأنهم قدوة سيئة للصغار. كان خيراً لهم لو طُوِّقت أعناقهم بحجر الرحى وأُلقوا في لجة البحر من أن يكونوا علة سقوط غيرهم في الخطية والهاوية والهلاك الأبدي.

بالحقيقة كلنا مُدَانون، لأننا معثرة للأولاد. والجميع مسؤول عن بذاءة الأفلام وعار المجلات، لأن الحياة كلها صارت معثرة للصغار. كما أننا لا نقوم بمسؤوليتنا لتهذيب الأولاد في المدرسة والبيت.

فيطلب المسيح منَّا، أن نقدس أنفسنا بقوة الروح القدس، لكيلا نصبح سبباً لخطية الآخرين. وأثناء هذا الكفاح الروحي حول قداسة الجسد، لم يقطع الرسل أيديهم وأرجلهم هرباً من التجارب العديدة، بل كرَّسوا أجسادهم للمسيح. لأنهم اعتبروا أنفسهم أولاداً، وسلّموا ذواتهم لإرشاد أبيهم السماوي. وهكذا حفظتهم ملائكة الله، الذي يحب الضالين التائبين حتى يجدهم.

18: 10 اُنْظُرُوا، لا تَحْتَقِرُوا أَحَدَ هٰؤُلاءِ ٱلصِّغَارِ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ مَلائِكَتَهُمْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ كُلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ وَجْهَ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ. 11 لأَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ. 12 مَاذَا تَظُنُّونَ؟ إِنْ كَانَ لإِنْسَانٍ مِئَةُ خَرُوفٍ، وَضَلَّ وَاحِدٌ مِنْهَا، أَفَلا يَتْرُكُ ٱلتِّسْعَةَ وَٱلتِّسْعِينَ عَلَى ٱلْجِبَالِ وَيَذْهَبُ يَطْلُبُ ٱلضَّالَّ؟ 13 وَإِنِ ٱتَّفَقَ أَنْ يَجِدَهُ، فَٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يَفْرَحُ بِهِ أَكْثَرَ مِنَ ٱلتِّسْعَةِ وَٱلتِّسْعِينَ ٱلَّتِي لَمْ تَضِلَّ. 14 هٰكَذَا لَيْسَتْ مَشِيئَةً أَمَامَ أَبِيكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ هٰؤُلاءِ ٱلصِّغَارِ.

هل تؤمن بوجود الملائكة؟ إنها خدّام الله، وهم أرواح سريعة تتمم أوامر القدوس. ويعلن لنا يسوع السر العظيم، أن الله أمر ملائكته أن يحرسوا الأولاد الصغار، موكلين من الله لأنه الأب الحقيقي الشفوق. وعطفه قبل كل شيء على أولاده الروحانيين، الذين يعيشون تحت حماية الملائكة الجبارة. ومما لا ريب فيه أن الشيطان وجيشه يريد أن يمزّق المولودين من الروح القدس، لولا ملائكة الله الحارسون أولاده القديسين. فأبونا السماوي يشاء بملء إرادته ألا يفقد أحداً من أولاده.

وهذه هي مشيئة الله أن لا يهلك أحد مختاريه. وإرادته عظُمت في أنه فضَّل أن يموت ابنه، من أن يهلك أحد أولاده في غضبه. كل الناس فسدوا. وقد هلكوا لأنه ليس أحد يعمل صلاحاً. ولكن من يسمح للمخلّص أن يجده، ويتجاوب بتفتيش المخلّص عنه بصرخة الخلاص، يخلص حتماً. وبهذه الكلمات أعلن يسوع غاية آلامه وموته. إنه قد أتى ليخلّص أولاد الله الضالين. فقد مات، لنعيش نحن.

ومن هذه البصيرة علّمنا يسوع ألا نحتقر الصغار في الكنيسة ولا في المجتمع، بل نتعلّم خصوصاً من فئات الأولاد. لأنه كما أن الوالدين المسؤولين يهتمان بأولادهما ليلاً ونهاراً، هكذا يعتني الله بالصغار والبسطاء والمتواضعين والودعاء، الذين ولدهم من الروح القدس.

من الأفضل أحياناً أن نفتح صف مدرسة أحد ونرسم محبة يسوع قدام الأعين الشاخصة، من أن نفسر عقائد معقدة للمستمعين المهمِلين. إن أنفس الأولاد منفتحة، ولم يُخَطّ فيها شيء بعد. فسجّل ودوِّن فيها اسم يسوع بخط عريض. وارسم محبته قدوة فيهم، ليصطبغوا بالتواضع والمحبة والطهارة. ولا تنْسَ أن طريق المسيحي لا يصعد إلى العلاء والتكبُّر، بل إلى تحت، للمساكين.

الصلاة: أيها الرب يسوع. أنت ابن الله. وكنت خاضعاً لإرادة أبيك في كل نواحي الحياة. أما نحن فهربنا من حظيرته، وتعلّقنا بخطايا عديدة. اغفر لنا ذنوبنا، وعلّمنا أن لا نستكبر البتة، بل نهتم بالصغار ونتواضع جداً، ونخدم المساكين في قوة روحك القدوس.

السؤال: 23 - ما هي مشيئة أبينا السماوي؟

2 - غفران الإخوة (18: 15-22)

18: 15 وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَٱذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ. 16 وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَخُذْ مَعَكَ أَيْضاً وَاحِداً أَوِ ٱثْنَيْنِ، لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ. 17 وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ ٱلْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَٱلْوَثَنِيِّ وَٱلْعَشَّارِ.

المحبة هي جوهر كنيسة المسيح. إنما حيث يستسلم أحد الأعضاء للأنانية ويسقط في الخطية، يدخل روح غريب إلى الكنيسة. ولكن المؤمنين الواعين يكتشفون سريعاً بتمييز الروح القدس الروح الغريب ويغلبونه باسم المسيح.

فإذا أدركت أن أحد أعضاء كنيستك أو جماعتك يخطيء باستمرار، فعليك أن تصلي لأجله. لا تشهِّر به ولا تشوِّه سمعته، بل صلِّ حتى يعطيك المسيح دعوة خاصة واضحة، ويدفعك أن تتكلم إلى المسيء على انفراد.

وفي هذه المكالمة لا تنس أن قوة إيمانك تظهر في التأني واللطف، فتقول للمخطيء الحق بصراحة ولكن بتواضع وشفقة لتخلّصه، فتربح ثقته. أما الذي يداهن الآخرين فليس صديقهم. والذي يدين بقساوة واستهزاء يُدان أيضاً، لأنه يعمل في استكباره خطية أعظم من خطية الضالين. وإن لم توجد الجرأة لدى أعضاء الكنيسة ليقولوا الحق بعضهم لبعض في المحبة، فإن هذه الكنيسة تموت بسبب الرياء والحقد والمرارة.

وإن لم يستمع المخطيء إليك، فأطع قول المسيح بأخذ أخوين أو ثلاثة من المصلّين معك إلى ذلك العنيد، وتكلموا معه بالوضوح، وحاولوا بالصلاة المشتركة ليتغيَّر في حضور الله القدوس. وإن استمر بقساوة قلبه ولم يصنع الحق، فأحبوه أكثر كما أحب المسيح العشّارين والخطاة ليرجعهم إلى الله، لأن المحبة وحدها تشفي النفس المريضة.

18: 18 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى ٱلأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطاً فِي ٱلسَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى ٱلأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي ٱلسَّمَاءِ. 19 وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضاً: إِنِ ٱتَّفَقَ ٱثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى ٱلأَرْضِ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، 20 لأَنَّهُ حَيْثُمَا ٱجْتَمَعَ ٱثْنَانِ أَوْ ثَلاثَةٌ بِٱسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ.

حيث تنضج المحبة تتحقق وحدة الإيمان في الرجاء الحي. هناك يصلي الأفراد والجماعات في روح المسيح، فيعمل هذا الروح في صلواتهم، ويجعلها مستجابة ومقتدرة في فعلها لدى الله. لأنه بواسطة شهاداتهم يتقدم كثيرون إلى المخلّص غافر خطاياهم. وقد منح يسوع لكل الرسل مفاتيح السماء وليس لبطرس وحده. فكل من يسكن الروح القدس قلبه هو عامل في قوة الله، لأن الرب يعمل بواسطته.

إن محبتكم هي أعظم قوة في العالم. هل في كنيستكم حلقة للصلاة المستمرة؟ إن المسيح شخصياً يحل بملئه بين الذين ينسجمون مع مقاصد محبته. ما أعظم وحدة المحبة في الكنيسة!

18: 21 حِينَئِذٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بُطْرُسُ وَقَالَ: يَا رَبُّ، كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟ 22 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: لا أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ.

أدرك بطرس عظمة وعد المسيح بصلاة الإيمان في وحدة الكنيسة. ولكنه خاف من عدم الحصول على إتمام الشرط الوحيد لإتمام الوعد، وهو الوحدة الأخوية، لأن كل الناس يختلفون ويهينون بعضهم بعضاً سهواً، أو يحدث سوء تفاهم بينهم، أو يفكرون سريعاً أن الآخرين أهانوا كرامتهم.

وتعلم بطرس في الشركة مع المسيح معنى التسامح، وتقدم مستعداً أن يغفر لإخوته سبع مرات-أي علامة الكمال. ولكن يسوع أراه المحبة الكبرى المسيحية، وهي أنه على الإخوة أن يغفروا 490 مرة كل يوم لأخيهم المخطيء في الكنيسة. ما أعظم التسامح والمحبة والعفو!

كان فتى مؤمن يغضب من أخته الصغيرة ويبغضها. ولكن من أجل يسوع قرر مسامحتها حتى 490 مرة يومياً. فابتدأ يسجّل أخطاءها كل يوم وعفوه عنها. ولم يصل إلى 100 مرة. ولكن مع الوقت، صار متعوداً للغفران والاحتمال، ولم يقدر على ترك هذه العادة السماوية بمسامحة الجميع. فمرِّن نفسك في الغفران للمذنبين إليك، واطلب من ربك أن يمكّنك من الاحتمال بفرح. ولا تظن أن أخاك هو الذي أخطأ إليك فقط، لأن في كل مشكلة لا يكون طرف واحد هو المذنب لوحده بل عادة يكون الطرفان مشتركين في الخطأ. فعوّد نفسك لإنحناء رأسك أولاً. وابتديء بالبحث طالباً من عدوك أن يسامحك رغم أنه كثر ذنباً منك، لأن المحبة هي تكميل الناموس.

الصلاة: نشكرك أيها الآب لأنك دعوتنا إلى شركتك في وحدة الروح القدس، ولأن ابنك فدانا للمحبة لنهتم بالضالين ونسامحهم باستمرار. علّمنا الصلاة المشتركة المستجابة، واحفظنا في الانسجام المتبادل لكيلا ننفصل، بل نحب بعضنا بعضاً، كما تحبنا أنت.

السؤال: 24 - ما هي امتيازات وحدة الكنيسة؟

3 - مَثَل العبد غير المتسامح (18: 23-35)

18: 23 لِذٰلِكَ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ إِنْسَاناً مَلِكاً أَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ عَبِيدَهُ. 24 فَلَمَّا ٱبْتَدَأَ فِي ٱلْمُحَاسَبَةِ قُدِّمَ إِلَيْهِ وَاحِدٌ مَدْيُونٌ بِعَشَرَةٍ آلافِ وَزْنَةٍ. 25 وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوفِي أَمَرَ سَيِّدُهُ أَنْ يُبَاعَ هُوَ وَٱمْرَأَتُهُ وَأَوْلادُهُ وَكُلُّ مَا لَهُ، وَيُوفَى ٱلدَّيْنُ. 26 فَخَرَّ ٱلْعَبْدُ وَسَجَدَ لَهُ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ، تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ ٱلْجَمِيعَ. 27 فَتَحَنَّنَ سَيِّدُ ذٰلِكَ ٱلْعَبْدِ وَأَطْلَقَهُ، وَتَرَكَ لَهُ ٱلدَّيْنَ.

فسَّر المسيح لنا وصيته للتسامح المطلَق، وضرب لنا مثلاً أن ملكاً عظيماً أعطى وكيله مبلغاً يساوي اليوم تقريباً عشرين مليون جنيه لتأسيس بنك. وكلنا يشبه هذا الوكيل الموهوب بعطايا ثمينة، لأن الله منحنا العقول والأعين والآذان والأيادي والإرادة. وكل واحدة من هذه الهبات لا تُثمَّن، فأنت وكيل الله على مواهبه المستودعة في جسدك ونفسك وروحك. وحتى عائلتك ومالك وقوتك ووقتك ليس إلا هبة من الله الوهَّاب، ومعطي العطايا الصالحة. لهذا تكون مسؤولاً أمامه.

وأرانا المسيح في مَثَله صورة واضحة عن يوم الحساب، فإن صرفنا عطايا الله لأنفسنا مثل الوكيل اللامبالي، فلا نقدر أخيراً أن نُرجِع لله ما يخصّه، لأننا عشنا لذواتنا. فهل تعيش لله، أم لنفسك؟

وأحال الملك وكيله إلى المحاكمة، وأمر ببيعه وامرأته وعائلته للعبودية ليوفي دينه. هكذا الشأن معك، فلابد من دينونة خطاياك.

وعندما أدرك الوكيل الظالم حالته وإفلاسه وقصاصه، خرَّ أمام ربه والتمس منه النعمة والرحمة، واعترف بذنبه وعصيانه. فمتى تسجد أنت لله قبل حلول الدينونة؟

18: 28 وَلَمَّا خَرَجَ ذٰلِكَ ٱلْعَبْدُ وَجَدَ وَاحِداً مِنَ ٱلْعَبِيدِ رُفَقَائِهِ، كَانَ مَدْيُوناً لَهُ بِمِئَةِ دِينَارٍ، فَأَمْسَكَهُ وَأَخَذَ بِعُنُقِهِ قَائِلاً: أَوْفِنِي مَا لِي عَلَيْكَ. 29 فَخَرَّ ٱلْعَبْدُ رَفِيقُهُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَطَلَبَ إِلَيْهِ قَائِلاً: تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ ٱلْجَمِيعَ. 30 فَلَمْ يُرِدْ بَلْ مَضَى وَأَلْقَاهُ فِي سِجْنٍ حَتَّى يُوفِيَ ٱلدَّيْنَ. 31 فَلَمَّا رَأَى ٱلْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُ مَا كَانَ، حَزِنُوا جِدّاً. وَأَتَوْا وَقَصُّوا عَلَى سَيِّدِهِمْ كُلَّ مَا جَرَى. 32 فَدَعَاهُ حِينَئِذٍ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا ٱلْعَبْدُ ٱلشِّرِّيرُ، كُلُّ ذٰلِكَ ٱلدَّيْنِ تَرَكْتُهُ لَكَ لأَنَّكَ طَلَبْتَ إِلَيَّ. 33 أَفَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّكَ أَنْتَ أَيْضاً تَرْحَمُ ٱلْعَبْدَ رَفِيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنَا؟. 34 وَغَضِبَ سَيِّدُهُ وَسَلَّمَهُ إِلَى ٱلْمُعَذِّبِينَ حَتَّى يُوفِيَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ. 35 فَهٰكَذَا أَبِي ٱلسَّمَاوِيُّ يَفْعَلُ بِكُمْ إِنْ لَمْ تَتْرُكُوا مِنْ قُلُوبِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ لأَخِيهِ زَلاّتِهِ.

تذكّر دائماً أن الله منحك أن تعرف غفرانه لجميع خطاياك منذ ولادتك الثانية بالروح القدس. وهذا الغفران يجعلك تعيش من رحمة ربك في كل لحظة من زمنك، حيث دم يسوع يشفع فيك ويطهّرك.

فكيف تستجيب لمحبة الله العظمى بالنسبة لعلاقتك بأخيك الإنسان؟ أتحب جميع الناس كما يحبك الله؟ هل تغفر لخصمك وتنسى خطاياه كما غفر الله لك ومحا خطاياك من سجلاته؟ أم تطلب من عدوك حقك بلا شفقة وبعنف؟

لعل الحق إلى جانبك، لأن خصمك قد ألحق بك الأذى قولاً وفعلاً، أو أهملك وأهانك وظلمك واستبدَّ بك. فالحق معك. ولكن ويل لمن لا يغفر للمسيء إليه، لأن الله سوف لا يغفر له ذلك.

الصلاة: أيها الآب الغفور، سامحني لبطء قلبي وتجمُّد ذهني، وأذِبْ قساوة ضميري، وغيّر تفكيري لأنسى آثام أعدائي وأحبهم بلا رياء فأطلب إليك أن تباركهم وتخلّصهم، مع كل الذين آذوني. املأهم بروحك القدوس، واخلق روح المصالحة في بلادنا. وغيّر أذهان الجميع لنستطيع حب العدو في قدرتك وحكمتك.

السؤال: 25 - لماذا ينبغي علينا أن نحب أعداءنا؟

4 - نظام الزواج الحق (19: 1-12)

19: 1 وَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هٰذَا ٱلْكَلامَ ٱنْتَقَلَ مِنَ ٱلْجَلِيلِ وَجَاءَ إِلَى تُخُومِ ٱلْيَهُودِيَّةِ مِنْ عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ. 2 وَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ فَشَفَاهُمْ هُنَاكَ. 3 وَجَاءَ إِلَيْهِ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ لِيُجَرِّبُوهُ قَائِلِينَ لَهُ: هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ ٱمْرَأَتَهُ لِكُلِّ سَبَبٍ؟ 4 فَأَجَابَ: أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَراً وَأُنْثَى؟ 5 وَقَالَ: مِنْ أَجْلِ هٰذَا يَتْرُكُ ٱلرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِٱمْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ ٱلاثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً. 6 إِذاً لَيْسَا بَعْدُ ٱثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَٱلَّذِي جَمَعَهُ ٱللّٰهُ لا يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ.

الزواج سر عظيم وسبب للفرح الدائم إن ثبت الفريقان في المسيح. وعندما يتعاهد رجل وامرأة على الزواج بإرشاد الله، ليس ابتغاء المال أو الشرف أو الجمال أو الراحة، أو حسب اقتراحات العشيرة، بل يتحدان في قوة الروح القدس ويصليان معاً، عندئذ يعيشان في سعادة وكأنهما في السماء، لأن محبة الله تتجاوب معهما بالبركات.

إن الله لم يوجد الزواج المتعدد، بل خلق امرأة واحدة للرجل الواحد. ووحدة الزواج تعني وحدة القلوب أولاً. ومستحيل أن نقسم الحبة. ونرى في إبراهيم الخليل أكبر مثل لحلول البؤس عندما تزوج امرأة ثانية مع امرأته الأولى، فحصلت البغضة والحقد والخداع والعذاب والدموع بكثرة على مرّ الأجيال.

إن الوحدة بين الرجل والمرأة ثابتة وخصوصية، حتى لا يحق للوالدين أن يتدخلوا في حياة أولادهم الزوجية، لأن الحكمة الإلهية جعلت للمتزوجين حق وضرورة الانفصال عن أُسرهم. فالأربطة القريبة في العشيرة كثيراً ما تمنع الوحدة الكاملة بين الزوجين.

فإن لم تكن قد تزوجت بعد، فاطلب منذ اليوم من ربك أن يرشدك لامرأة مؤمنة بالمسيح، مصلّية وقنوعة ومتواضعة، تجد في الكتاب المقدس قوة يومية تؤهلها لاحتمالك بصبر وطول أناة، فإن الإيمان المشترك في المخلِّص يكون الأساس المتين للعائلة السليمة، للغلبة على كل المشاكل المقبلة في حياتكما.

هكذا أيضاً يجدر بالفتاة أن تطلب من الله زوجاً يحبها كما أحب المسيح الكنيسة. وإن تمت هذه الشروط يمنح الرب في الزواج وحدة أسمى وأفضل من صلة الجسد.

ولا نتزوج لإرضاء شهواتنا، بل لنخدم بعضنا بعضاً بالمحبة. ومن لا يريد أن يكون الخادم الأول في العائلة فالأفضل أن لا يتزوج البتة. وفي عهد الزواج يعيش الزوجان بغفران متبادل، نابع من محبة الله التي هي سر الزواج السعيد. والعضو الأقوى في الزواج هو من تغلّب أولاً على غضبه، مستغفراً الآخر، وآتياً بوجه لطيف غير مكشّر.

والمحبة لا تعني الضعف والليونة، فلئن أخطأ أحد القرينين أو تكاسل، أو صرف فوق ما ينبغي، أو دلَّع أولاده، أو تقسَّى عليهم بخشونة وفظاظة، فعلى قرينه أن يصلّي بصبر، ويشهد متواضعاً بكل الحق أمام المخطيء. علماً أن كلمة المسيح تشمل الزوجين وأهدافهما، إذ يقول «اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرَّه، وهذه كلها تُزاد لكم». فإن خضع الزوجان للمسيح، وسلَّما حياتهما ذبيحة حيَّة مَرْضيَّة للمسيح الحي، فيتحقق روحه وفضائله وسلامه في هذا الزواج المبني على اسمه.

19: 7 فَسَأَلُوهُ: فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى أَنْ يُعْطَى كِتَابُ طَلاقٍ فَتُطَلَّقُ؟ 8 قَالَ لَهُمْ: إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ. وَلٰكِنْ مِنَ ٱلْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هٰكَذَا. 9 وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ ٱمْرَأَتَهُ إِلاّ بِسَبَبِ ٱلزِّنَا وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي، وَٱلَّذِي يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ يَزْنِي.

ما آلم الطلاق! لأنه يمزّق وحدة القلبين، ويضيّع على الأولاد عشَّهم، ويصبحون غالباً مجرمين، لأن هزيمة المحبة تخلق فيهم البغضة الحاقدة. فالمُطَلّقان لا يذنبان تجاه نفسيهما فقط، بل تجاه أولادهما والمجتمع أيضاً.

وفي العهد القديم كان النظام أنه إذا اكتُشف رجل وامرأة في حالة الزنى رُجِما (التثنية 22: 20). والفريق الطاهر الذي زنى قرينه مع أحد الناس يستحق بعد رجم قرينه أن يتزوج من جديد. لأنه بموت الزاني أو الزانية يُعتبر الطلاق مشروعاً.

لكن موسى، وليس الله بالذات (تثنية 24: 1)، أوجد (بسبب عناد شعبه) حلاً وسطاً: إنه إذا وجد رجل عيباً في امرأته، كان له حق طلاقها. ومن هذا المبدأ طوَّر بعض الكتبة في زمن يسوع الأحكام السيئة، فجعلوا للرجل الحق أن يتخلّى عن امرأته لأتفه الأسباب.

فقاوم يسوع هذا الإلتواء عن النظام الطبيعي، وشرَّع المحافظة على الزواج وصيانته من أي عبث ومنع الطلاق.

فالمسيحي المؤمن لا يطلّق زوجته البتة، لأنه تزوجها بإرشاد الله، وعاش معها في قوة الروح القدس. وغفران الله يخلق فيه الاستعداد للغفران في الزواج، ويمنحه الصبر والتحمّل بفرح وشكر. فنحمد الله لوضعه قانون الزواج الذي يقدّس عائلاتنا بروحه ليوجد فيها جو السماء وسط الفساد.

19: 10 قَالَ لَهُ تَلامِيذُهُ: إِنْ كَانَ هٰكَذَا أَمْرُ ٱلرَّجُلِ مَعَ ٱلْمَرْأَةِ فَلا يُوافِقُ أَنْ يَتَزَوَّجَ! 11 فَقَالَ لَهُمْ: لَيْسَ ٱلْجَمِيعُ يَقْبَلُونَ هٰذَا ٱلْكَلامَ بَلِ ٱلَّذِينَ أُعْطِيَ لَهُم، 12 لأَنَّهُ يُوجَدُ خِصْيَانٌ وُلِدُوا هٰكَذَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَاهُمُ ٱلنَّاسُ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَوْا أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ. مَنِ ٱسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ.

ارعبت كلمات يسوع عن قداسة ومسؤولية النظام الزوجي التلاميذ، حتى فضّلوا ألا يتزوجوا.

وعند ذلك بيّن يسوع لأتباعه إمكانية العزوبة، ليس كهروب من أثقال الزواج بل ليتمكن الإنسان من خدمة الله. مع العلم أن الأعزب ليس أقدس من المتزوج، لأن كليهما يعيشان من غفران المسيح وبره. ولكن إن سمع واحد في محبته لمخلّصه الدعوة للعزوبة الدائمة، فليمتحن نفسه لكيلا تجربه دوافع جسده إلى الخطية. فيوحنا المعمدان وبولس الرسول إختارا طريقة العزوبة. لأنهما لم يعيشا لنفسيهما، بل قدما حياتهما ذبيحة حمد للمسيح. ولا يختار أحد هذه الطريقة إلا من دعاه الله بوضوح، فالقانون الطبيعي هو الزواج.

الصلاة: أيها الرب يسوع المسيح، إغفر لنا كل نجاسة وميل للشهوة. علّمنا الطهارة والاستعداد للزواج الشريف، لنعيش مقدسين بدمك الطاهر، ونخدم بعضنا بعضاً، ولا نبغض ونطلّق أبداً. إحفظ بقوة محبتك كل الزيجات التي تمت باسمك.

السؤال: 26 - لماذا لم يسمح المسيح بالطلاق؟

5 - المسيح يحب الصغار ويباركهم (19: 13-15)

19: 13 حِينَئِذٍ قُدِّمَ إِلَيْهِ أَوْلادٌ لِكَيْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَيُصَلِّيَ، فَٱنْتَهَرَهُمُ ٱلتَّلامِيذُ. 14 أَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ: دَعُوا ٱلأَوْلادَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلا تَمْنَعُوهُمْ لأَنَّ لِمِثْلِ هٰؤُلاءِ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ. 15 فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ. وَمَضَى مِنْ هُنَاكَ.

جاءت أمهات بأولادهن إلى المسيح،طلباً للبركة. كان صغارهن في حاجة ماسة للاقتراب من المسيح وبركته، لأن كل مولود يحمل في نفسه بذرة الخطية. فليس طفل صالحاً في نفسه، حتى ولو لم يقع بعد في التجربة. صحيح أننا نجد في أعين الصغار البراءة الأصلية والسعادة التي تلمع في قلوبهم. ولكن في غضبهم واستكبارهم وبغضتهم أثناء اللعب مع الآخرين تظهر آثار الأنانية التي تنمو.

لهذا يقول المسيح «دعوا الأولاد يأتون إليَّ ولا تمنعوهم» لأنهم يحتاجون إلى الخلاص. ما أوسع بحر النعمة الذي جرى من هذه الكلمات إلى عالم الأولاد. فالمخلّصون يفتحون مدارس الأحد، والأمهات يصلين مع صغارهن، والمعلمون الأمناء يدلُّونهم على المخلّص. كل الصغار يحتاجون إلى المسيح وغفرانه وتجديده، لأنه بدون نعمته ليس ولد باراً. ولكن للولد الامتياز أنه يؤمن بطريقته، واثقاً كلياً بكلمة الذين يُشعِرونه بمحبتهم.

ليت كل الناس يزرعون محبة الله في أولادهم منذ حداثتهم، فالذي علَّمته الأمهات لأولادهن من الكتاب المقدس وقصَّته عليهم من قصص المسيح، هو أعظم كنز وأثمن من كل الشهادات المدرسية والدبلومات الجامعية.

املأوا بيوتكم بكلمة الله وعلِّموا أولادكم الآيات الروحية، لأن المسيح اقتنى لهم حق السماء بدمه. وبعدما صالحنا مع الله، صار لجميع الناس نصيب في السماء وامتياز أن ندعو الخالق «أبانا» فكلنا أولاد. طوبى لك إن تمسَّكت بحقك، فتشعر أن المسيح يضع يده للبركة على رأسك.

6 - الشاب الغني وخطر الغِنى (19:16-26)

19: 16 وَإِذَا وَاحِدٌ تَقَدَّمَ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا ٱلْمُعَلِّمُ ٱلصَّالِحُ، أَيَّ صَلاحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ؟ 17 فَقَالَ لَهُ: لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحاً؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلاّ وَاحِدٌ وَهُوَ ٱللّٰهُ. وَلٰكِنْ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَدْخُلَ ٱلْحَيَاةَ فَٱحْفَظِ ٱلْوَصَايَا. 18 قَالَ لَهُ: أَيَّةَ ٱلْوَصَايَا؟ فَقَالَ يَسُوعُ: لا تَقْتُلْ. لا تَزْنِ. لا تَسْرِقْ. لا تَشْهَدْ بِٱلزُّورِ. 19 أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَأَحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. 20 قَالَ لَهُ ٱلشَّابُّ: هٰذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي. فَمَاذَا يُعْوِزُنِي بَعْدُ؟ 21 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلاً فَٱذْهَبْ وَبِعْ أَمْلاكَكَ وَأَعْطِ ٱلْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي ٱلسَّمَاءِ وَتَعَالَ ٱتْبَعْنِي. 22 فَلَمَّا سَمِعَ ٱلشَّابُّ ٱلْكَلِمَةَ مَضَى حَزِيناً، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ.

اشتاق شاب محترم إلى الحياة مع الله في الطهارة والقداسة مع الأعمال الصالحة، وهذا طموح عظيم. ولكن المسيح أراد أن يحرره أولاً من المقاييس البشرية الخاطئة، لكيلا يظن أن الصالح الاعتيادي عند الناس محسوب أيضاً صالحاً عند الله، فقال يسوع للشاب «ليس أحد صالحاً إلا الله». خاطبه بهذه الجملة المثيرة ليفتح ذهنه فيدرك أن المسيح والله واحد، في صلاح واحد.

يعيش يسوع مع أبيه في وحدة الروح، في جودة وصلاح ومجد كامل. وأما نحن فبالنسبة لقداسة الله فاسدون أشرار، غير قادرين على أي عمل صالح من أنفسنا. فيليق بنا التوبة وإنكار الذات.

ولم يفهم الشاب درس المسيح، فوضع يسوع في وجهه مرآة الناموس، ليرى نقصه في عدم إتمام واجباته اليومية، فظهرت مرة أخرى سطحية الشاب، حيث ظن أنه تمم كل ما طلبه الله منه. ولم ير حقيقته كخاطيء أمام ربه القدوس. فأراه يسوع سلاسل عبوديته الشريرة-أي محبته للمال، وثقته الخاطئة بنفسه. فبيَّن له أن الكمال في التقوى هو المحبة لله والمحتاجين. ولا يمكن بلوغ هذا الكمال إلا في إتّباع يسوع. عندئذ يغيّر السلطان الإلهي عدم المحبة في أتباعه إلى إنسانية مضحّية، ويكسر الثقة بالذات بانياً الاتكال على أبوَّة الله وحده.

لكن الشاب أراد اتِّباع يسوع والاتكال على ماله بنفس الوقت. أما المسيح فيطلب ثقة قلبك كلها. علماً بأن المسيح لا يأمر كل إنسان ببيع أملاكه. إنما دعوته لك أن تسلّم نفسك كلياً له. وهذا يشمل نقودك وأملاكك أيضاً.

19: 23 فَقَالَ يَسُوعُ لِتَلامِيذِهِ: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَعْسُرُ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ. 24 وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضاً: إِنَّ مُرُورَ جَمَلٍ مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ. 25 فَلَمَّا سَمِعَ تَلامِيذُهُ بُهِتُوا جِدّاً قَائِلِينَ: إِذاً مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ؟ 26 فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ يَسُوعُ وَقَالَ: هٰذَا عِنْدَ ٱلنَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ، وَلٰكِنْ عِنْدَ ٱللّٰهِ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ.

كان الغِنى في العهد القديم محسوباً بركة من الله، فأحب الأتقياء الأملاك الكثيرة برهاناً لانسجامهم مع محبته، بينما اعتبروا الفقراء ملعونين مرفوضين. أما يسوع فقلب هذا تماماً، مظهراً أن الغِنى يعني خطية. علماً بأن الأغنياء ليسوا خطاة أكثر من الفقراء الطالبي الغِنى بأسرع وقت. فالجميع يحتاج إلى المخلّص وفدائه، الذي جعل المحبة جوهراً للعهد الجديد، لا المواهب المادية برهاناً للتقوى، كما في زمن العهد القديم وأرشد يسوع الناس إلى المحبة المضحّية لله، وقاد أتباعه للتبرع من أملاكهم وإعطاء المحتاجين. فمن يحب نفسه لا الله، ويتمسك بممتلكاته، ولا يحب المحتاجين إنسان فقير في قلبه.

كل من قبض يده على أمواله وبنى مستقبله على الذهب غبي ومهمل لمحبة الله. لأن ليس أحد يستطيع أن يخدم الله والمال. ولكن المسيح يقول لك إنك تفكّر في شعورك بمستقبلك في المهنة أو زيادة المعاش أو بغلاء الأسعار أو صحتك المتعَبة أو خطر الحروب، وأن تتأكد بجودة الله وعنايته الحنونة بك، وتحمده وتشكره لأجل العطايا الموهوبة لك في جسدك وحياتك وروحك.

ولكن من يتجوّل متكبّراً على سطح الأرض، ويرفع رأسه مشحوناً ببضائع هذه الدنيا، لن يستطيع المرور من ثقب الإبرة-الذي كان في زمن يسوع يُطْلَق على الباب الجانبي من سور المدينة. فهذا الباب الضيق، يبقى مفتوحاً ليلاً، لأنه كان منخفضاً لا يتيح المرور منه إلا لرجل واحد ينحني إلى الأرض حتى يعبره. وهكذا الحال مع كل غني مالاً ومواهباً وقوةً ووقتاً. فإن كنت صغيراً منكسراً متواضعاً تدخل ملكوت الله.

الصلاة: أيها الآب، حررني من الاتكال على المال والصحة والناس. وعلّمني التسليم الكامل لابنك. نجّنا من ارتباطاتنا الدنيوية، وعلّمنا التضحية بواسطة الإيمان في ذبيحة ابنك، الذي بذل نفسه الكريمة عوضاً عنّا. أنت تحبنا فاجعلنا أن نحبك أيضاً وكل المحتاجين في محيطنا، لنستخدم مواهبنا لتمجيد اسمك الرحيم.

السؤال: 27 - ماذا يصعب أن يدخل غني إلى ملكوت الله؟

7 - الأجر المتساوي للفَعَلة (19: 27-20: 16)

19: 27 فَأَجَابَ بُطْرُسُ حِينَئِذٍ: هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ. فَمَاذَا يَكُونُ لَنَا؟ 28 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ تَبِعْتُمُونِي فِي ٱلتَّجْدِيدِ، مَتَى جَلَسَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ، تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً عَلَى ٱثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيّاً تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ. 29 وَكُلُّ مَنْ تَرَكَ بُيُوتاً أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَباً أَوْ أُمّاً أَوِ ٱمْرَأَةً أَوْ أَوْلاداً أَوْ حُقُولاً مِنْ أَجْلِ ٱسْمِي، يَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ وَيَرِثُ ٱلْحَيَاةَ ٱلأَبَدِيَّةَ. 30 وَلٰكِنْ كَثِيرُونَ أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ وَآخِرُونَ أَوَّلِينَ.

يتعب الإنسان لأجل أجرته، ونادراً ما يفكر بعمل طوعي مجّاني، وإذ ذاك يكون عمله غالباً للافتخار. أما المؤمنون فلا يرْجون من خدماتهم الإيمانية أجرة من الله، بل يخدمونه بشكر وحمد. لأنه منحهم الخلاص الأبدي مجاناً. إن الله أعطانا المكافأة مسبقاً، فلا يبقى لنا إلا أن نخدمه ونشكره، ونسلّم أنفسنا له حمداً لنعمته العظيمة. كلنا موهوبون وغِنى نعمته يمطر علينا.

فمن يتبع المسيح ويترك من أجله كل شيء، البيت والأسرة والأقرباء. ويتألم آلاماً كثيرة، حاملاً صليبه محبةً للمسيح، يشترك في تجديد ملكوت الله المقبل علينا. فعندئذ يظهر ملء معنى الولادة الروحية في المؤمنين، حيث يجلس المسيح على عرش مجده وحوله تلاميذه الإثنا عشر الذين رفضتهم أمتهم-فهم الذين سيدينون ويحكمون على الأسباط الإثني عشر بشهادتهم واختباراتهم الروحية، فيتمجّد المحتقرون. وسوف يشرك المسيح أحباءه البسطاء المثقّفين في عمل الدينونة لأنهم أدانوا أنفسهم أولاً.

إن المكافأة الروحية هي عطية على سبيل النعمة فقط. ليس لنا الحق بالقدوم إلى الله لنطلب منه أجرتنا لأننا خُطاة ونستحق الدينونة، ولا يحق لنا أن ندين الآخرين، إلا إذا أنكرنا أنفسنا بإرشاد الروح القدس، الذي يغلب شهواتنا الجسدية ويبكّتنا على زلاتنا ويعزّينا لإيمان حي.

وهكذا أظهر المسيح لتلاميذه أن ليس للمؤمن حق بأجرة خاصة لأجل خدماته، لأنه يدعو الجميع إلى خدمته، ويعطي كل من يلبّي دعوته الحياة الأبدية. فما هي الحياة الأبدية؟ إنها الحياة الإلهية، فالقدوس يهبك جوهره إن وهبت نفسك له.

20: 1 فَإِنَّ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ يُشْبِهُ رَجُلاً رَبَّ بَيْتٍ خَرَجَ مَعَ ٱلصُّبْحِ لِيَسْتَأْجِرَ فَعَلَةً لِكَرْمِهِ، 2 فَٱتَّفَقَ مَعَ ٱلْفَعَلَةِ عَلَى دِينَارٍ فِي ٱلْيَوْمِ، وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى كَرْمِهِ. 3 ثُمَّ خَرَجَ نَحْوَ ٱلسَّاعَةِ ٱلثَّالِثَةِ وَرَأَى آخَرِينَ قِيَاماً فِي ٱلسُّوقِ بَطَّالِينَ، 4 فَقَالَ لَهُمُ: ٱذْهَبُوا أَنْتُمْ أَيْضاً إِلَى ٱلْكَرْمِ فَأُعْطِيَكُمْ مَا يَحِقُّ لَكُمْ. فَمَضَوْا. 5 وَخَرَجَ أَيْضاً نَحْوَ ٱلسَّاعَةِ ٱلسَّادِسَةِ وَٱلتَّاسِعَةِ وَفَعَلَ كَذٰلِكَ. 6 ثُمَّ نَحْوَ ٱلسَّاعَةِ ٱلْحَادِيَةَ عَشَرَةَ خَرَجَ وَوَجَدَ آخَرِينَ قِيَاماً بَطَّالِينَ، فَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا وَقَفْتُمْ هٰهُنَا كُلَّ ٱلنَّهَارِ بَطَّالِينَ؟ 7 قَالُوا لَهُ: لأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْنَا أَحَدٌ. قَالَ لَهُمُ: ٱذْهَبُوا أَنْتُمْ أَيْضاً إِلَى ٱلْكَرْمِ فَتَأْخُذُوا مَا يَحِقُّ لَكُمْ. 8 فَلَمَّا كَانَ ٱلْمَسَاءُ قَالَ صَاحِبُ ٱلْكَرْمِ لِوَكِيلِهِ: ٱدْعُ ٱلْفَعَلَةَ وَأَعْطِهِمُ ٱلأُجْرَةَ مُبْتَدِئاً مِنَ ٱلآخِرِينَ إِلَى ٱلأَوَّلِينَ. 9 فَجَاءَ أَصْحَابُ ٱلسَّاعَةِ ٱلْحَادِيَةَ عَشَرَةَ وَأَخَذُوا دِينَاراً دِينَاراً. 10 فَلَمَّا جَاءَ ٱلأَوَّلُونَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَكْثَرَ. فَأَخَذُوا هُمْ أَيْضاً دِينَاراً دِينَاراً. 11 وَفِيمَا هُمْ يَأْخُذُونَ تَذَمَّرُوا عَلَى رَبِّ ٱلْبَيْتِ 12 قَائِلِينَ: هٰؤُلاءِ ٱلآخِرُونَ عَمِلُوا سَاعَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ سَاوَيْتَهُمْ بِنَا نَحْنُ ٱلَّذِينَ ٱحْتَمَلْنَا ثِقَلَ ٱلنَّهَارِ وَٱلْحَرَّ! 13 فَقَالَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ: يَا صَاحِبُ، مَا ظَلَمْتُكَ! أَمَا اتَّفَقْتَ مَعِي عَلَى دِينَارٍ؟ 14 فَخُذِ ٱلَّذِي لَكَ وَٱذْهَبْ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَ هٰذَا ٱلأَخِيرَ مِثْلَكَ. 15 أَوَ مَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَفْعَلَ مَا أُرِيدُ بِمَالِي؟ أَمْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةٌ لأَنِّي أَنَا صَالِحٌ؟ 16 هٰكَذَا يَكُونُ ٱلآخِرُونَ أَوَّلِينَ وَٱلأَوَّلُونَ آخِرِينَ، لأَنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ.

أعلن المسيح لتلاميذه آلامه وموته، مؤكِداً لهم بنفس الوقت أنه الرب القائم من بين الأموات، والذي سيملك في مجيئه الثاني ظاهراً مجيداً لجميع الأعين. وهذه المملكة الإلهية تسودها مباديء عليا بنسبة الثواب والحقوق، تختلف عما في دنيانا. فها هنا نقبض أجرتنا حسب تعبنا وطاقتنا ووقتنا المصروف في العمل. أما في السماء فكل واحد ينال نفس القيمة، إن استعد ليلبّي دعوة الله بالدخول إلى خدمة ملكوته. إن دعوة الله تفوق مقاييس عقلنا، لأن امتيازنا هو سماح الله لنا أن نخدم في رحابه القدسية. فخدمته فَرَحنا ومكافأتنا، ووجودنا عنده يكفينا.

ولكن الذهن البشري، يرى في أحكام الرب ظلماً، فنظن أن الذي آمن أكثر من الآخرين، وتألم لأجل المسيح وصلّى وصام متقشفاً، سينال مجازاة ورتبة أفضل من الآخرين. ومن ضحّى بأمواله وتبرَّع كثيراً وخدم المرضى بكد وجهد، وشهد باسم يسوع وسط الأخطار، يظن أن اسمه مرفوع إلى قمة السماء. وأما يسوع فغيَّر هذه المقاييس البشرية بنسبة الأجرة والمكافأة تماماً. لا يسود في السماء فِكر السباق، لأننا كلنا خطاة ولا نستحق الدخول إلى شركة الله. فدعوة الرب إلى خدمته نعمة معطاة لنا على أساس الفداء وحده. فليس لأي إنسان الحق أن يخدم الله. وأما يسوع فيبرر المجرمين لتمجيد القدوس بواسطة توبتهم وسلوكهم الطاهر.

وقد فكَّر اليهود أن لهم امتيازاً على الأمم، لأن التوراة أُوحيت إليهم قبل المسيح بألف وثلاثمائة وخمسين سنة، فتمنّوا بركة خصوصية وشرفاً بين الشعوب وغِنى مزدهراً، ولكنهم اختبروا الاستعمار والاحتقار! فكرهوا يسوع لأنه محا امتيازهم، وهددهم أنهم سيكونون الآخِرِين، إن استمروا في الكبرياء وعدم التوبة. وحقاً فقد دخل في خدمة الرب مختارون من الأمم كرَّسوا حياتهم لملك الملوك، في حين أن أبناء إبراهيم تمردوا حتى اليوم وامتنعوا عن السجود لفادي العالمين.

ولكننا نحن المؤمنين لا يجوز أن نرتفع على أحد من آل ابراهيم، لأن إيماننا ليس ملكنا، بل نقتنيه. الذي يظن أنه قائم فلينظر ألاَّ يسقط. وها نحن لا نبني رجاءنا على أعمالنا الصالحة، بل على نعمة الصليب وحده.

الصلاة: أيها الآب السماوي، نسجد لك، ونكرّس حياتنا لمحبتك، لأن ابنك دعانا لنخدم في كرمك. نحبك ونلتمس منك إرشادنا إلى عمل أمين، وإلى جهد مستمر. ساعدنا لندعو زملاءنا إلى خدمة ملكوتك ليشتركوا في تمجيد اسمك القدوس.

السؤال: 28 - ما هو سر مكافأة المسيح؟

8 - إعلان يسوع الثالث عن موته وقيامته (20: 17-28)

20: 17 وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ صَاعِداً إِلَى أُورُشَلِيمَ أَخَذَ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ تِلْمِيذاً عَلَى ٱنْفِرَادٍ فِي ٱلطَّرِيقِ وَقَالَ لَهُمْ: 18 هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِٱلْمَوْتِ، 19 وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى ٱلأُمَمِ لِكَيْ يَهْزَأُوا بِهِ وَيَجْلِدُوهُ وَيَصْلِبُوهُ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومُ.

صعد يسوع بملء إرادته نحو أورشليم ليفدي البشر على الصليب. وهو كنبي الأنبياء علم مسبقاً بالأوجاع التي ستحل عليه حتى موته المرير، فأعلن لتلاميذه للمرة الثالثة بدقة وتوضيح أكثر تفاصيل غريبة: إن رؤساء الكهنة وفقهاء التوراة يبغضونه وأتباعه. ولكن رغم هذا تقدم مع تلاميذه إلى مركز العدو، عالماً أنه يُسلَّم هناك إلى أيديهم حسب إرادة أبيه، وأنهم سيجدون طرقاً ليحكموا بها عليه بالموت وهو البار. فسيتهمونه بالتجديف، دون أن يلاحظوا أنهم هم المجدفون، ويزدادون في الظلم بتقديمهم القدوس إلى أيدي الأمم المعتبرين نجسين. وسيستهزيء الأمم بملك اليهود ويجلدونه بخشونة، ويسمرونه أخيراً على خشبة العار. رأى يسوع كل هذه الحقائق مسبَّقاً، وأنبأ بها حرفياً، لكيلا يُعثر تلاميذه عند حدوثها، فأعدّهم تدريجياً لنهايته المريرة. ولكنه أعلن لهم قيامته المجيدة، التي أنبأ إليها كأنما ببوق الانتصار فوق الضيق واليأس.

20: 20 حِينَئِذٍ تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ أُمُّ ٱبْنَيْ زَبْدِي مَعَ ٱبْنَيْهَا، وَسَجَدَتْ وَطَلَبَتْ مِنْهُ شَيْئاً. 21 فَقَالَ لَهَا: مَاذَا تُرِيدِينَ؟ قَالَتْ لَهُ: قُلْ أَنْ يَجْلِسَ ٱبْنَايَ هٰذَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَٱلآخَرُ عَنِ ٱلْيَسَارِ فِي مَلَكُوتِكَ. 22 فَأَجَابَ يَسُوعُ: لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا ٱلْكَأْسَ ٱلَّتِي سَوْفَ أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِٱلصِّبْغَةِ ٱلَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا؟ قَالا لَهُ: نَسْتَطِيعُ. 23 فَقَالَ لَهُمَا: أَمَّا كَأْسِي فَتَشْرَبَانِهَا، وَبِالصِّبْغَةِ ٱلَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ. وَأَمَّا ٱلْجُلُوسُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلاّ لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ مِنْ أَبِي.

كانت قلوب التلاميذ غليظة وأذهانهم مغلقة، لدرجة أنهم لم يدركوا حقيقة موت يسوع القريب، بل تخيلوا وعد تجديد العالم والعروش المتلألئة الموعودة لهم. فتقدمت إليه أم يعقوب ويوحنا مع ابنيها، طالبين أن يجعل لهما مكاني الشرف عن يمينه وشماله. ولعلهم توهموا أن دالة القُربى التي تربطهم بيسوع تخوّلهم حق التقدم بطلب كهذا (يوحنا 19: 25).

ويبدو أنهم لم يدركوا خطورة طلبهم. لقد قصدوا الشرف والسلطة، أما يسوع ففكر بالآلام والفداء. أرادوا التمتع بالامتيازات والحقوق، والمسيح قصد الخدمة والتضحية. فهم دنيويون وهو سماوي. ولم يدركوا مرارة كأس غضب الله التي عزم الابن أن يشربها إلى الثمالة.

20: 24 فَلَمَّا سَمِعَ ٱلْعَشَرَةُ ٱغْتَاظُوا مِنْ أَجْلِ ٱلأَخَوَيْنِ. 25 فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُؤَسَاءَ ٱلأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَٱلْعُظَمَاءَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. 26 فَلا يَكُونُ هٰكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيماً فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِماً، 27 وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْداً، 28 كَمَا أَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ.

لم يكن التلاميذ الآخرون أفضل من الأخوين وأمهما، لأن هذا الطلب الخصوصي أثار الغيرة والحسد في نفوسهم. فالجميع لم يفهموا المسيح ولم يراعوا المخطط الذي وضعه لموته القريب في أورشليم.

الواقع أن قصد المسيح ليس إعطاءنا مكاناً عن يمينه أو شماله، لكن المقصود أن الابن اختارنا لنصبح كلنا معاً جسده الروحي. اختارنا لنثبت فيه ونعيش معه في وحدة روحية إلى الأبد.

أما هذه الوحدة الإلهية فلا تتحقق في السماء فقط، بل تبدأ على الأرض في أيامنا الآن. فعلينا أن نتبعه وننكر أنفسنا، ونحمل صليبنا بإماتة خطايانا واستكبارنا. فليس بين أولاد الله تسلّط أو تمييز، بل خضوع طوعي وخدمة دائمة. إن أفضل شخص في كنيستكم وجمعيتكم هو الأكثر خدمة، والأقل ذِكراً لما عمل. المصلّي والمحب والخادم وباذل نفسه شكراً للصليب، هو العظيم حقاً.

الصلاة: أيها الرب يسوع، نسجد لك لأنك نبي الأنبياء، وعرفت مسبقاً موتك وأنبأت مختاريك بقيامتك. وأنت العليم بقلبي اليائس. فساعدني لكيلا أريد اللمعان أمام الناس، إنما أصير خادماً حسب قدوتك. نشكرك يا رب ونعظّمك، لأنك لم تأت إلينا ببهاء ألوهيتك، بل خادماً متواضعاً، وبذلت حياتك لأجلنا. ففداؤك رجاؤنا وقوتنا وحقنا. آمين.

السؤال: 29 - كيف أرشد يسوع تلاميذه للتواضع؟

9 - شفاء الأعميين في أريحا (20: 29-34)

20: 29 وَفِيمَا هُمْ خَارِجُونَ مِنْ أَرِيحَا تَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ، 30 وَإِذَا أَعْمَيَانِ جَالِسَانِ عَلَى ٱلطَّرِيقِ. فَلَمَّا سَمِعَا أَنَّ يَسُوعَ مُجْتَازٌ صَرَخَا قَائِلَيْنِ: ٱرْحَمْنَا يَا سَيِّدُ يَا ٱبْنَ دَاوُدَ. 31 فَٱنْتَهَرَهُمَا ٱلْجَمْعُ لِيَسْكُتَا، فَكَانَا يَصْرُخَانِ أَكْثَرَ قَائِلَيْنِ: ٱرْحَمْنَا يَا سَيِّدُ يَا ٱبْنَ دَاوُدَ. 32 فَوَقَفَ يَسُوعُ وَنَادَاهُمَا وَقَالَ: مَاذَا تُرِيدَانِ أَنْ أَفْعَلَ بِكُمَا؟ 33 قَالا لَهُ: يَا سَيِّدُ، أَنْ تَنْفَتِحَ أَعْيُنُنَا! 34 فَتَحَنَّنَ يَسُوعُ وَلَمَسَ أَعْيُنَهُمَا، فَلِلْوَقْتِ أَبْصَرَتْ أَعْيُنُهُمَا فَتَبِعَاهُ.

نزل المسيح من جبال الجليل، إلى وادي الأردن العميق، واجتاز أريحا مدينة النخيل وصعد نحو الصحراء الجرداء، متجهاً إلى أورشليم الجالسة على قمم الجبال. وهذا كان طريق الموت ليسوع، الذي لم ينحرف عنه، لأن ساعة فداء العالم قد اقتربت.

وتبعه كثيرون راغبين في سماع كلماته ورؤية معجزاته، فسمع أعميان ضجيج الموكب، ولما عرفا أن القادم هو يسوع الطبيب الإلهي، صرخا عالياً صرخة استغاثة، ونادياه باللقب الشهير: يا ابن داود ارحمنا.

فهذا الاسم كان معيَّناً لخليفة الملك داود الموعود، الذي يولد من الله، ويجلس على عرش داود وارثاً مملكة أبدية، يحكمها بالحق والسلام (2 صموئيل 7: 12-14). فصرخة الأعميين سبَّبت خطراً سياسياً بالغاً على يسوع. ولم يريا المسيح بأعينهما، وإنما أبصراه بقلبيهما، ونادياه حسب النص اليوناني «يارب». فقد أدركا وآمنا بحضوره العجيب وسلطانه المطلق ومحبته اللطيفة. ولم يثقا به فقط بالخفاء، بل جهراً.

لم تُرِد الجماهير سماع صراخهما المثير الخطير، بل حاولت إسكاتهما. ولم تدرك أنهما يبصران بقلبيهما رغم عماهما. أما الجماهير فعلى العكس، كانوا ناظرين غير مدركين. هكذا يرفض اليوم كثير من الناس الشهادة عن المسيح.

وسمع المسيح الصراخ، وأصغى إلى اعتراف إيمانهما، فوقف وترك الجماهير المكتفية بنفسها، وسأل المسكينين «ماذا تريدان أن أفعل بكما؟».

هذا هو السؤال الذي يوجهه يسوع إليك اليوم أيضاً. فماذا تريد منه؟ أتقصد المال؟ الشرف؟ الملك؟ الطرب؟ أم تطلب عينين مفتوحتين لرؤية ربك والحصول على محبته وقدرته؟ إن يسوع يفتح اليوم أعيناً مغمضة كثيرة في أمتنا. هل تطلب منه فتح أعين جيرانك، ليتقوى كثيرون بواسطة شهاداتكم المشتركة؟

شفى المسيح الأعميين المتوسّلين، وهما برهنا إيمانهما به وتبعاه مباشرة، فلم ينظرا إلى الجمهور، بل شَخَصا في المسيح، ملتصقين به شكراً لشفائهما.

مات المسيح لأجلنا على الصليب، معبراً عن محبة الله الفائقة للخطاة. هل تراه معلّقاً على خشبة العار، سافكاً دمه لأجلك؟ فما شعورك تجاهه؟ هل أدركته وتحبه؟ اطلب عينين مفتوحتين لنفسك وللكثيرين.

الصلاة: أيها الآب، نشكرك لأنك أنرتنا بإنجيل ابنك، ورفعت عنَّا الفترات الدامسة من حياتنا. فنطلب لأجلنا ولكل الناس من حولنا أعيناً مفتوحة مبصرة لترى محبتك وفداء ابنك وقدرة خلاصه، لنقدس اسمك الأبوي، ونطلب مجيء ملكوتك. فتمم إرادتك فينا وفي كل الأرض.

السؤال: 30 - ماذا يعني لقب «ابن داود»؟

مسابقة الجزء الثالث لإنجيل متى

أيها الأخ العزيز، بعد قراءتك شروحنا لإنجيل متى في هذا الكتاب، يمكنك الإجابة على هذه الأسئلة بسهولة.

  1. لماذا شبَّه يسوع الناس في عصره بالأولاد؟

  2. لماذا يسمِّي المسيح عدم الإيمان به أنجس من خطية سدوم وعمورة؟

  3. ما هو نير المسيح الخاص الذي يحمّلنا إياه؟

  4. ما هو الجائز، وما الممتنع؟

  5. ما هي الخطية ضد الروح القدس؟

  6. ما هو الفرق بين المرتدّ وعائلة الله؟

  7. ما هي الصفات الذاتية الأربع في المستمعين للإنجيل؟

  8. كيف يتم حصاد الله؟

  9. ماذا يعلّمنا المثلان عن حبة الخردل والخميرة؟

  10. ماذا يعلّمنا المثل عن الشَبَكة؟

  11. ما هو سبب موت يوحنا؟

  12. كيف أوجد يسوع الخبز لأجل الخمسة الآلاف؟

  13. ماذا تعني العبارة «أنا هو» وكيف برهن يسوع معناها؟

  14. ما هي الأفكار والأعمال الشريرة النابعة من القلب، وما هو ثمر الروح القدس؟

  15. لماذا شبَّه يسوع الأمم بالكلاب؟

  16. لماذا وكيف صنع يسوع الخبز والسمك للأربعة آلاف رجل مع عائلاتهم؟

  17. ما هي المعاني الهامة في شهادة بطرس؟

  18. ماذا يعني إنكار النفس وحمل الصليب الخاص؟

  19. ما معنى تجلِّي المسيح؟

  20. ماذا تعلَّمت من إنجيل متى إلى ههنا؟

  21. لماذا لم يقدر التلاميذ على إخراج الروح الشرير من الولد المصروع؟

  22. كيف أعلن يسوع أنه ابن الإنسان وابن الله؟

  23. ما هي مشيئة أبينا السماوي؟

  24. ما هي امتيازات وحدة الكنيسة؟

  25. لماذا ينبغي علينا أن نحب أعداءنا؟

  26. لماذا لم يسمح المسيح بالطلاق؟

  27. لماذا يصعب أن يدخل غني إلى ملكوت الله؟

  28. ما هو سرّ مكافأة المسيح؟

  29. كيف أرشد يسوع تلاميذه للتواضع؟

  30. ماذا يعني لقب «ابن داود»؟

فهرس الجزء الرابع صلب المسيح وقيامته (متى 21: 1-28: 30)

أولاً - جدال في الهيكل (21: 1-22: 46)

  1. دخول يسوع إلى أورشليم (21: 1-9)

  2. تطهير الهيكل (21: 10-17)

  3. لعن التينة الغير مثمرة (21: 18-22)

  4. شيوخ اليهود يسألون يسوع (21: 23-27)

  5. يسوع يضرب ثلاثة أمثال (21: 28-22: 14)

  6. ما لقيصر وما لله (22: 15-22)

  7. في القيامة لا يتزوَّجون (22: 23-33)

  8. الوصية العظمى (22: 34-40)

  9. المسيح هو الرب (22: 41-46)

ثانياً-المسيح يوبّخ شيوخ اليهود (23: 1-36)

  1. الويل للفريسيين والكتبة (23: 1-33)

  2. نداء يسوع لأورشليم (23: 34-36)

ثالثاً - عظة المسيح على جبل الزيتون (24: 1-25: 46)

  1. سؤالان (24: 1-3)

  2. لا يضلكم أحد (24: 4-8)

  3. يسلّمونكم إلى ضيق (24: 9-14)

  4. خراب أورشليم (24: 15-22)

  5. مسحاء كَذَبَة (24: 23-26)

  6. علامات المجيء الثاني للمسيح (24: 27-41)

  7. اسهروا (24: 42-51)

  8. مَثَل العزارى الحكيمات (25: 1-13)

  9. مَثَل أصحاب الوزنات (25: 14-30)

  10. المسيح الديَّان (25: 31-46)

رابعاً - آلام المسيح وموته (26: 1-27: 66)

  1. نبوة يسوع عن موته (26: 1-13)

  2. خيانة يهوذا (26: 14-25)

  3. العشاء الرباني (26: 26-35)

  4. صلاة المسيح في جثسيماني (26: 36-46)

  5. القبض على يسوع (26: 47-56)

  6. يسوع أمام المحكمة الدينية (26: 57-68)

  7. بطرس ينكر المسيح (26: 69-75)

  8. نهاية يهوذا الخائن (27: 1-10)

  9. يسوع أمام المحكمة المدنية (27: 11-26)

  10. صلب المسيح (27: 27-53)

  11. تأكيد موت المسيح (27: 54-56)

  12. دفن المسيح (27: 57-66)

خامساً - قيامة المسيح (28: 1-20)

  1. اكتشاف القبر الفارغ (28: 1-7)

  2. ظهور المسيح (28: 8-10)

  3. كذب شيوخ اليهود (28: 11-15)

  4. أمر المسيح بتبشير العالم (28: 16-20)

الجزء الرابع: صلب المسيح وقيامته (متى 21: 1-28: 30)

أولاً - جدال في الهيكل (21: 1-22: 46)

1 - دخول يسوع إلى أورشليم (21: 1-9)

21: 1 وَلَمَّا قَرُبُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ وَجَاءُوا إِلَى بَيْتِ فَاجِي عِنْدَ جَبَلِ ٱلزَّيْتُونِ، حِينَئِذٍ أَرْسَلَ يَسُوعُ تِلْمِيذَيْنِ 2 قَائِلاً لَهُمَا: اِذْهَبَا إِلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي أَمَامَكُمَا، فَلِلْوَقْتِ تَجِدَانِ أَتَاناً مَرْبُوطَةً وَجَحْشاً مَعَهَا، فَحُلاّهُمَا وَأْتِيَانِي بِهِمَا. 3 وَإِنْ قَالَ لَكُمَا أَحَدٌ شَيْئاً فَقُولا: ٱلرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِمَا. فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُهُمَا. 4 فَكَانَ هٰذَا كُلُّهُ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِٱلنَّبِيِّ: 5 قُولُوا لابْنَةِ صِهْيَوْنَ: هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِيكِ وَدِيعاً، رَاكِباً عَلَى أَتَانٍ وَجَحْشٍ ٱبْنِ أَتَانٍ.

تمتليء سيرة يسوع بالنبوة والبصيرة. فمن يتعمق في تاريخه يجد أن حياته كلها كانت مخططة حسب برنامج أوقات أبيه، في انسجام كامل، عالماً مسبَّقاً ماذا سيحدث.

وفي التمهيد لدخوله أورشليم قال يسوع كلمة تعبّر عن تواضعه الشديد: الرب محتاج. فابن الله، القادر على كل شيء تواضع إلى درجة منخفضة، ولبس صورة الإنسان الضعيف حتى أصبح فقيراً لا يملك شيئاً، ولا حماراً!

ولإتمام الوعد العظيم في سفر زكريا 9: 9 ، أرسل المسيح اثنين من تلاميذه ليحضرا له حماراً، الذي أوشك أن يكون أهم حمار في العالم! لأنه صار البرهان لعجائب مختلفة. أولها أن ابن الله لم يكن متكبراً بل وديعاً متواضعاً بدون غاية سياسية وعنف. وثانيها أنه الملك الموعود، المسيح المنتظر. والثالثة أن له يحق التهلل والغبطة المفرحة.

21: 6 فَذَهَبَ ٱلتِّلْمِيذَانِ وَفَعَلا كَمَا أَمَرَهُمَا يَسُوعُ، 7 وَأَتَيَا بِٱلأَتَانِ وَٱلْجَحْشِ، وَوَضَعَا عَلَيْهِمَا ثِيَابَهُمَا فَجَلَسَ عَلَيْهِمَا. 8 وَٱلْجَمْعُ ٱلأَكْثَرُ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي ٱلطَّرِيقِ. وَآخَرُونَ قَطَعُوا أَغْصَاناً مِنَ ٱلشَّجَرِ وَفَرَشُوهَا فِي ٱلطَّرِيقِ. 9 وَٱلْجُمُوعُ ٱلَّذِينَ تَقَدَّمُوا وَٱلَّذِينَ تَبِعُوا كَانُوا يَصْرُخُونَ: أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ ٱلآتِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي ٱلأَعَالِي!.

جاء المسيح وفقاً للوعود القديمة ودخل أورشليم في موكب ملك المحبة، حاملاً سلام الله في قلبه، راكباً جحشاً لا فرساً كما يفعل الملوك الفاتحون. وكان على أورشليم أن تفتح له الأبواب، ويسجد سكانها له، فقد أتى ابن الله بجودته وتواضعه، وليس بدينونة وغضب وقساوة. أتى ليريح الضالين والخطاة الدنسين، مزمعاً أن يصير حملاً لله ورئيس الكهنة، ليصنع بنفسه تكفيراً عن ذنوب الشعب.

أما الجماهير فلم تفهم غاية مجيئه، بل تهللت بألسنتها، متمنية عصراً جديداً فائضاً بالرفاهية والسلطة والمجد. فهتفت له بالكلمات المعيَّنة لاستقبال رئيس الكهنة في الهيكل، لمصالحته الأمة مع الله. إلا أنهم أرادوا بهذا نزول بركة الله عليهم ليغلبوا الرومان، بدلاً من حلول الغفران في قلوبهم.

الصلاة: أيها الآب، لست مستحقاً أن تدخل تحت سقفي. لكن طهّرني فتدخل وتتمركز فيَّ إلى الأبد. قدّسنا بقوتك، ولا تمرَّ بنا مروراً، بل امكث معنا ومع كل طالبيك المترقبينك في كل نواحي الأرض.

السؤال: 1 - ماذا نتعلّم من ركوب المسيح على حمار؟

2 - تطهير الهيكل (21: 10-21)

21: 10 وَلَمَّا دَخَلَ أُورُشَلِيمَ ٱرْتَجَّتِ ٱلْمَدِينَةُ كُلُّهَا قَائِلَةً: مَنْ هٰذَا؟ 11 فَقَالَتِ ٱلْجُمُوعُ: هٰذَا يَسُوعُ ٱلنَّبِيُّ ٱلَّذِي مِنْ نَاصِرَةِ ٱلْجَلِيلِ. 12 وَدَخَلَ يَسُوعُ إِلَى هَيْكَلِ ٱللّٰهِ وَأَخْرَجَ جَمِيعَ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي ٱلْهَيْكَلِ، وَقَلَبَ مَوَائِدَ ٱلصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ ٱلْحَمَامِ 13 وَقَالَ لَهُمْ: مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ ٱلصَّلاةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!

حين دخل يسوع أورشليم تقدّم إلى الهيكل، ليصلي ويسجد، لأن الله هو محور المجتمع الصالح. وحيث لا يملك الرب بروحه على المكاتب والبيوت والمصانع والمدارس، فهناك يسود الروح الشيطاني بالأكاذيب والخداع والنجاسة.

وجد المسيح أن هيكل الله تحوَّل إلى سوق تجارية تُباع فيها السلع، وتبعاً لذلك انتفى السجود لله بالروح والحق، وصارت أفكار العابدين تدور حول المال والمشاكل والهموم، فقلَّ عدد الذين يقدّسون الله بقلوبهم.

دخل المسيح إلى الهيكل أولاً وطهَّر مسكن الله فوراً، لأنه لا يصح الشعب إلا بإيمان مجدد، فليس الاقتصاد يبني الأمة، بل الإيمان. فاطلب من ربك أن يصلح طائفتك، لأن الإصلاح أهم موضوع في أيامنا. وهل تعرف من أين يجب أن يبتديء هذا الإصلاح؟ في نفسك أولاً!

21: 14 وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ عُمْيٌ وَعُرْجٌ فِي ٱلْهَيْكَلِ فَشَفَاهُمْ. 15 فَلَمَّا رَأَى رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةُ ٱلْعَجَائِبَ ٱلَّتِي صَنَعَ، وَٱلأَوْلادَ يَصْرُخُونَ فِي ٱلْهَيْكَلِ وَيَقُولُونَ: أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ غَضِبُوا 16 وَقَالُوا لَهُ: أَتَسْمَعُ مَا يَقُولُ هٰؤُلاءِ؟ فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: نَعَمْ! أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ: مِنْ أَفْوَاهِ ٱلأَطْفَالِ وَٱلرُّضَّعِ هَيَّأْتَ تَسْبِيحاً؟. 17 ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَخَرَجَ خَارِجَ ٱلْمَدِينَةِ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا وَبَاتَ هُنَاكَ.

والمسيح هو هيكل الله والله في الهيكل، لأن فيه حلَّ كلُّ ملء اللاهوت جسدياً. كما أن الله عمل بواسطته وخلّص كثيرين. ويسوع هو رئيس الكهنة الصحيح، وحمل الله الذي قدَّم نفسه ليحلّ فينا ملء بركة الروح القدس.

وحيث المسيح هناك العجائب، وسلطانه يشفي المرضى والعمي والعرج. فأعماله في الهيكل كانت آيات دالة على ألوهيته، ليلفت أنظار الشعب من الحجارة الميّتة ويبصروه هيكل الله الحق.

يشعر الأولاد بعض المرّات بحقيقة شخص أسرع من البالغين، وهكذا أخذ الصغار يرتلون كصدى لهتاف اليوم الأسبق «أوصنّا لابن داود». فلم يعرف الأطفال أنهم حيُّوا بهذه الكلمات الملك الإلهي. بل كل قصدهم أنهم يحيُّون يسوع الحنون.

وأما المتدينون وزعماء الشعب فقد خافوا من شغَب سياسي، فترقَّبوا بيقظة: هل ينقضّ على السلطة فيأخذها بالقوة، ويعمل انقلاباً سياسياً؟ ولمَّا لم يحدث شيء، ولم يهبط حشد جيوش من السماء لإبادة الرومان، تقدَّموا إلى يسوع سائلين: ماذا يكون موقفه بإطلاق اسم ابن داود عليه من قِبَل أنصاره؟ فجاوبهم يسوع إن الروح القدس يتكلم بأفواه الأطفال والرُضَّع إن لم يسجد له الرؤساء والأمراء. وبهذه الكلمات طلب من المجمع اليهودي الخضوع الطوعي لجلاله. وعندما لم يتم هذا السجود مضى يسوع من أورشليم مختفياً في بيت عنيا، لأن أعداءه قصدوا قتله.

الصلاة: أيها الآب، نحن في حاجة ماسة إلى التطهير والإنعاش والتجديد، لكيلا نشبه مغارة اللصوص. اطرد أفكارنا التي تخالفك، وبدِّد همومنا الضاغطة من داخلنا، لنتقدس بدم ابنك، فيحل روحك القدوس فينا، جاعلاً أفواهنا وأفئدتنا مرتلة، لأنك تستحق التسابيح في كل حين.

السؤال: 2 - لماذا طهَّر يسوع الهيكل كأول عمل له بعد دخوله أورشليم؟

3 - لعنة التينة غير المثمرة (21: 18-22)

21: 18 وَفِي ٱلصُّبْحِ إِذْ كَانَ رَاجِعاً إِلَى ٱلْمَدِينَةِ جَاعَ، 19 فَنَظَرَ شَجَرَةَ تِينٍ عَلَى ٱلطَّرِيقِ، وَجَاءَ إِلَيْهَا فَلَمْ يَجِدْ فِيهَا شَيْئاً إِلاّ وَرَقاً فَقَطْ. فَقَالَ لَهَا: لا يَكُنْ مِنْكِ ثَمَرٌ بَعْدُ إِلَى ٱلأَبَدِ. فَيَبِسَتِ ٱلتِّينَةُ فِي ٱلْحَالِ. 20 فَلَمَّا رَأَى ٱلتَّلامِيذُ ذٰلِكَ تَعَجَّبُوا قَائِلِينَ: كَيْفَ يَبِسَتِ ٱلتِّينَةُ فِي ٱلْحَالِ؟ 21 فَأَجَابَ يَسُوعُ: اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ وَلا تَشُكُّونَ، فَلا تَفْعَلُونَ أَمْرَ ٱلتِّينَةِ فَقَطْ، بَلْ إِنْ قُلْتُمْ أَيْضاً لِهٰذَا ٱلْجَبَلِ: ٱنْتَقِلْ وَٱنْطَرِحْ فِي ٱلْبَحْرِ فَيَكُونُ. 22 وَكُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ فِي ٱلصَّلاةِ مُؤْمِنِينَ تَنَالُونَهُ.

أراد المسيح أن يوضّح لتلاميذه النقص الروحي في الأمة بمثال منظور، فلعن التينة، لأنه لم يجدها حاملة إلا أوراقاً. وكانت كلمة المسيح على تلك الشجرة نبوة بمستقبل اليهود، وإنذاراً لكل الشعوب في كل عصر بوقوع دينونة الله عليهم، إن هم تكلَّموا كثيراً وكتبوا أوراقاً كثيرة، ولم يعملوا حسب علمهم، فلم يثمروا لله.

فما هي الثمار الصالحة التي يطلبها يسوع فينا؟ إنها الإيمان والمحبة والرجاء. فالحياة مع المسيح تنشيء فينا هذه الثمار.

فالإيمان الحق لا يتم فكراً فقط، إنما الشركة مع قوة المسيح. وكل الذين يعيشون معه يصلّون في انسجام مع إرادته، فيختبرون جريان قوته، لأن حياتهم تصير في ثبات مع ربهم. عندئذ يفكرون معه ويريدون إرادته، وينقلون قوته إلى الآخرين.

الصلاة: أيها الآب، نشكرك للعهد الجديد الذي قطعته معنا في ابنك. نطلب إليك أن ينشيء روحك ثماراً وفيرة فينا وفي كثيرين، فتنتهي من بيوتنا البغضة والكذب ويعمّ سلامك وفرحك بيننا. اخلق الإيمان الحق بألوهية ابنك في أمتنا، لتتحقق كل دوافع روحك القدوس فينا، فلا تقع اللعنة علينا، بل نأتي بثمر كثير لتمجيد اسمك القدوس.

السؤال: 3 - لماذا لعن يسوع التينة غير المثمرة؟

4 - شيوخ اليهود يسألون يسوع (21: 23-27)

21: 23 وَلَمَّا جَاءَ إِلَى ٱلْهَيْكَلِ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَشُيُوخُ ٱلشَّعْبِ وَهُوَ يُعَلِّمُ، قَائِلِينَ: بِأَيِّ سُلْطَانٍ تَفْعَلُ هٰذَا، وَمَنْ أَعْطَاكَ هٰذَا ٱلسُّلْطَانَ؟

اضطرب الزعماء الروحيون عند دخول المسيح إلى أورشليم وتطهيره الهيكل، فتشاوروا كيف يقبضون عليه، قبل أن يذهب كل الشعب وراءه. ولكن المسيح نام خارج المدينة، ثم عاد في النهار إلى الهيكل، وعلَّم وسط أعدائه.

فجاء إليه وفد رسمي من المجمع الأعلى، يسأله عن مصدر سلطانه، ومن فوَّضه للقول والعمل. لقد شعروا بقوته الفائقة ولم يستطيعوا إنكار معجزاته المدهشة، ولكنهم لم يفهموا مصدر سلطانه لأنهم غير مولودين من روح الله.

وحتى اليوم لا يفهم كثير من الناس أن المسيح هو الله المتجسّد. وأنه يحوي في ذاته كل القوى في السماء وعلى الأرض.

21: 24 فَأَجَابَ يَسُوعُ: وَأَنَا أَيْضاً أَسْأَلُكُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ قُلْتُمْ لِي عَنْهَا أَقُولُ لَكُمْ أَنَا أَيْضاً بِأَيِّ سُلْطَانٍ أَفْعَلُ هٰذَا: 25 مَعْمُودِيَّةُ يُوحَنَّا، مِنْ أَيْنَ كَانَتْ؟ مِنَ ٱلسَّمَاءِ أَمْ مِنَ ٱلنَّاسِ؟ فَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ قَائِلِينَ: إِنْ قُلْنَا مِنَ ٱلسَّمَاءِ، يَقُولُ لَنَا: فَلِمَاذَا لَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ؟ 26 وَإِنْ قُلْنَا: مِنَ ٱلنَّاسِ، نَخَافُ مِنَ ٱلشَّعْبِ، لأَنَّ يُوحَنَّا عِنْدَ ٱلْجَمِيعِ مِثْلُ نَبِيٍّ. 27 فَأَجَابُوا يَسُوعَ: لا نَعْلَمُ. فَقَالَ لَهُمْ هُوَ أَيْضاً: وَلا أَنَا أَقُولُ لَكُمْ بِأَيِّ سُلْطَانٍ أَفْعَلُ هٰذَا.

أدرك المسيح الفخ الذي نصبه أعداؤه أمامه، فلم يجاوب مباشرة على سؤالهم، بل فتح لهم الباب للرجوع والاعتراف أن الله قد أرسل المعمدان. وهذا الأسلوب في الجواب يرينا شيئين: أولهما أن يسوع لم يعلّم الناس بكلمات منطقية وبراهين عقلية أنه ابن الله، إنما انتظر منهم تطور إيمانهم تدريجياً من قلب مطيع، ليتأكدوا من ألوهيته، ويستنتجوا هذا الإدراك من تقرّبهم إليه ومحبتهم له. وهذا الأسلوب عكس ما نفعله نحن مع الناس، لأننا نحاول إقناعهم بحقيقة المسيح الإلهية. فالأفضل أن نرسم أمامهم أعماله وتصرفاته وطهارته ولطفه، لتنمو ثقتهم بابن الإنسان، ويدركوا تلقائياً أن الذي يقيم الموتى ويحب الخطاة ويسامح أعداءه ليس إنساناً عادياً، فيستعدوا للإيمان أنه الإله المتجسّد.

والثاني أن المسيح أرشد أعداءه إلى التفكير العقلي، فلو أدركوا أن يوحنا المعمدان أتى من الله، للزمتهم التوبة والرجوع والاعتراف بخطاياهم. ولكنهم تخيّلوا أنفسهم أتقياء صالحين فلم يستعدوا للخضوع ليسوع.

وهكذا اختفى وفد المجمع اليهودي وراء الحجة الكاذبة أنهم لا يعلمون من أين أتى يوحنا. وكان هذا فشلاً كبيراً لهم، لأن الشعب كان يراقب هذه المناقشة مبتسماً من التواء زعمائهم.

أوقع يسوع الوفد في نفس الفخ الذي أعدّوه له. وقد خبَّأ إعلان سلطانه وألوهيته لأنهم لم يؤمنوا به، ولأن ساعته لم تأتِ بعد، التي سيعلن فيها مجده الكامل في جملة واحدة قاطعة أمام أعدائه.

5 - يسوع يضرب ثلاثة أمثال (21: 28-22: 14)

أ - مَثَل الابنين المختلفَيْن (21: 28-32)

21: 28 مَاذَا تَظُنُّونَ؟ كَانَ لإِنْسَانٍ ٱبْنَانِ، فَجَاءَ إِلَى ٱلأَوَّلِ وَقَالَ: يَا ٱبْنِي، ٱذْهَبِ ٱلْيَوْمَ ٱعْمَلْ فِي كَرْمِي. 29 فَأَجَابَ: مَا أُرِيدُ. وَلٰكِنَّهُ نَدِمَ أَخِيراً وَمَضَى. 30 وَجَاءَ إِلَى ٱلثَّانِي وَقَالَ كَذٰلِكَ. فَأَجَابَ: هَا أَنَا يَا سَيِّدُ. وَلَمْ يَمْضِ. 31 فَأَيُّ ٱلاثْنَيْنِ عَمِلَ إِرَادَةَ ٱلأَبِ؟ قَالُوا لَهُ: ٱلأَوَّلُ. قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ ٱلْعَشَّارِينَ وَٱلزَّوَانِيَ يَسْبِقُونَكُمْ إِلَى مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ، 32 لأَنَّ يُوحَنَّا جَاءَكُمْ فِي طَرِيقِ ٱلْحَقِّ فَلَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ، وَأَمَّا ٱلْعَشَّارُونَ وَٱلزَّوَانِي فَآمَنُوا بِهِ. وَأَنْتُمْ إِذْ رَأَيْتُمْ لَمْ تَنْدَمُوا أَخِيراً لِتُؤْمِنُوا بِهِ.

هل تشبه الابن الأول الذي رفض نعمة الله وخدمته، لأنه كسول محب لهواه أكثر من العمل والكد في الحقل الإلهي. فلعلك تندم لقساوة قلبك ضد دعوة محبة الله، وترجع إلى نفسك وتتوب، وتبتديء بالخدمة العملية، شكراً لأبوَّة الله. فأيهما أفضل، من قال نعم ولم ينفّذ، أو من قال لا ثم أطاع؟ فويل للمرائين الذين يقبلون المسيح ظاهراً ولا يحققون وصية محبته، بل يتكلمون كثيراً عن الواجبات ولا يعملون ثمار التقوى.

لم يرفض المسيح اليهود، في محبته، وأعطاهم بمَثَله فرصة أخيرة للرجوع، فدعاهم إلى تغيير الفكر والإيمان وقبول الخلاص. إن محبة المسيح لا تسقط أبداً، فأيقِنْ ذلك في قلبك.

الصلاة: أيها الآب، أشكرك لأنك أبي وقبلتني ولداً لك. اغفر لي عصياني وكسلي وريائي، وحررني لخدمتك لأعبدك بفرح، وأخدمك طيلة حياتي، ولا أتكلم عن الأتعاب بل أجتهد في سبيلك. وأضحي بأموالي وقوتي مع كل المضحين في ملكوتك.

السؤال: 4 - لماذا كان الولد الأول في مَثَل يسوع أفضل من أخيه؟

ب - مَثَل الكرّامين الأردياء (21: 33-46)

21: 33 اِسْمَعُوا مَثَلاً آخَرَ: كَانَ إِنْسَانٌ رَبُّ بَيْتٍ غَرَسَ كَرْماً، وَأَحَاطَهُ بِسِيَاجٍ، وَحَفَرَ فِيهِ مَعْصَرَةً، وَبَنَى بُرْجاً، وَسَلَّمَهُ إِلَى كَرَّامِينَ وَسَافَرَ. 34 وَلَمَّا قَرُبَ وَقْتُ ٱلأَثْمَارِ أَرْسَلَ عَبِيدَهُ إِلَى ٱلْكَرَّامِينَ لِيَأْخُذَ أَثْمَارَهُ. 35 فَأَخَذَ ٱلْكَرَّامُونَ عَبِيدَهُ وَجَلَدُوا بَعْضاً وَقَتَلُوا بَعْضاً وَرَجَمُوا بَعْضاً. 36 ثُمَّ أَرْسَلَ أَيْضاً عَبِيداً آخَرِينَ أَكْثَرَ مِنَ ٱلأَوَّلِينَ، فَفَعَلُوا بِهِمْ كَذٰلِكَ. 37 فَأَخِيراً أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ٱبْنَهُ قَائِلاً: يَهَابُونَ ٱبْنِي! 38 وَأَمَّا ٱلْكَرَّامُونَ فَلَمَّا رَأَوْا ٱلابْنَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: هٰذَا هُوَ ٱلْوَارِثُ. هَلُمُّوا نَقْتُلْهُ وَنَأْخُذْ مِيرَاثَهُ! 39 فَأَخَذُوهُ وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ ٱلْكَرْمِ وَقَتَلُوهُ. 40 فَمَتَى جَاءَ صَاحِبُ ٱلْكَرْمِ، مَاذَا يَفْعَلُ بِأُولَئِكَ ٱلْكَرَّامِينَ؟ 41 قَالُوا لَهُ: أُولَئِكَ ٱلأَرْدِيَاءُ يُهْلِكُهُمْ هَلاكاً رَدِيّاً، وَيُسَلِّمُ ٱلْكَرْمَ إِلَى كَرَّامِينَ آخَرِينَ يُعْطُونَهُ ٱلأَثْمَارَ فِي أَوْقَاتِهَا.

لا يوجد صاحب كرم على الأرض يصبر كما صبر صاحب هذا المَثَل، وما نال ثماراً قط! كل إنسان عادي يرى نفسه مضطراً بعد قتل عبيده الأولين أن يدَّعي على القاتلين أمام المحكمة، التي تتخذ الإجراءات القانونية ضدهم.

ولكن الله كان صبوراً على اليهود العنيدين طيلة ألف سنة! فنتعلم من هذا الصبر عظمة رحمته وطول أناته، لأنه أرسل للمتمردين والطامعين أنبياءه ورسله باستمرار. فكانوا يرفضونهم ويقتلونهم.

وقد أحاط الله شعبه بسور الناموس، واضعاً الهيكل والمذبح كمعصرة في وسطه، وأوقف الأنبياء حرَّاساً منبّهين ووعاظاً. ولكن كل هذه الشعائر ظلت بلا فائدة، لأن قلوب الأفراد لن تتغير.

وأخيراً أرسل الله ابنه، فالمسيح هو رسول الله الأخير وذروة المعلنين، لأن فيه أتى الله نفسه إلى الأرض ليربح الأشرار. فالمسيح سمَّى نفسه بهذا المَثَل «ابن الله» وأبوه مالك الكل. فأعطى الوفد اليهودي الجواب على مصدر سلطانه بطريقة مستترة في المَثَل، وطلب مكرراً خضوعهم وكل الشعب لبنوّته وأبوّة الله.

21: 42 قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي ٱلْكُتُبِ: ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي رَفَضَهُ ٱلْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ ٱلزَّاوِيَةِ. مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ كَانَ هٰذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا؟ 43 لِذٰلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ. 44 وَمَنْ سَقَطَ عَلَى هٰذَا ٱلْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ، وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ. 45 وَلَمَّا سَمِعَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ أَمْثَالَهُ عَرَفُوا أَنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَيْهِمْ. 46 وَإِذْ كَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يُمْسِكُوهُ خَافُوا مِنَ ٱلْجُمُوعِ، لأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ مِثْلَ نَبِيٍّ.

بعد المثل المتطرف عن الكرمة والكرّامين الأشرار عمَّق يسوع دعوته لتوبة الرؤساء بواسطة المثل عن حجر الزاوية المأخوذ من العهد القديم-فهذا الحجر كان له ثلاثة معان مختلفة: فهو الأساس الحامل، والزاوية الصلبة، والحجر الأخير في قمة القنطرة الماسك جميع الحجارة بوجوده. ويصير أحياناً أن نحَّاتي الحجارة يرفضون حجراً ضخماً مرة تلو المرة. ثم أخيراً يرون أن هذا الحجر المرفوض هو أصلح ما يمكن لوضعه حجراً في القمة، ليمسك كل الحجارة الأخرى بنوعيته الفريدة.

وهكذا رفض شيوخ الشعب المسيح مرات متتالية. ولكنه كان في الحقيقة أساس العهد الجديد وقوته والتاج في هيكل الله، الماسك كل الحجارة الحية بقدرته.

وكل من يرفض أن يكون حجراً في هيكل العهد الجديد، يصبح يسوع له حجر عثرة، فكثيرون سقطوا عليه خلال التاريخ فانكسروا وتحطَّموا. وكل حضارة لا تقبل المسيح تنسحق به. ويشبه يسوع أيضاً حجر الدينونة، الذي يسقط من سطح البيت حسب إرادة الله فجأة على المارين تحته بلا مبالاة.

وأنبأ يسوع اليهود جهراً أن الله سيسحب من اليهود مواعيد ملكوته، ويعطيها للأمم الغير المستحقة لتأتي هي بثمار الروح القدس. فلمَّا سمع زعماء الشعب هذا التهديد العلني من يسوع جُنُّوا وحاولوا القبض عليه. ولكن الشعب أحاط به، لأنهم شعروا بقوة محبته، واستعدوا للتوبة والإيمان.

ج - مَثَل وليمة العُرس (22: 1-14)

22: 1 وَجَعَلَ يَسُوعُ يُكَلِّمُهُمْ أَيْضاً بِأَمْثَالٍ قَائِلاً: 2 يُشْبِهُ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ إِنْسَاناً مَلِكاً صَنَعَ عُرْساً لابْنِهِ، 3 وَأَرْسَلَ عَبِيدَهُ لِيَدْعُوا ٱلْمَدْعُوِّينَ إِلَى ٱلْعُرْسِ، فَلَمْ يُرِيدُوا أَنْ يَأْتُوا. 4 فَأَرْسَلَ أَيْضاً عَبِيداً آخَرِينَ قَائِلاً: قُولُوا لِلْمَدْعُوِّينَ: هُوَذَا غَدَائِي أَعْدَدْتُهُ. ثِيرَانِي وَمُسَمَّنَاتِي قَدْ ذُبِحَتْ، وَكُلُّ شَيْءٍ مُعَدٌّ. تَعَالَوْا إِلَى ٱلْعُرْسِ! 5 وَلٰكِنَّهُمْ تَهَاوَنُوا وَمَضَوْا، وَاحِدٌ إِلَى حَقْلِهِ، وَآخَرُ إِلَى تِجَارَتِهِ، 6 وَٱلْبَاقُونَ أَمْسَكُوا عَبِيدَهُ وَشَتَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ. 7 فَلَمَّا سَمِعَ ٱلْمَلِكُ غَضِبَ، وَأَرْسَلَ جُنُودَهُ وَأَهْلَكَ أُولَئِكَ ٱلْقَاتِلِينَ وَأَحْرَقَ مَدِينَتَهُمْ. 8 ثُمَّ قَالَ لِعَبِيدِهِ: أَمَّا ٱلْعُرْسُ فَمُسْتَعَدٌّ، وَأَمَّا ٱلْمَدْعُوُّونَ فَلَمْ يَكُونُوا مُسْتَحِقِّينَ. 9 فَٱذْهَبُوا إِلَى مَفَارِقِ ٱلطُّرُقِ، وَكُلُّ مَنْ وَجَدْتُمُوهُ فَٱدْعُوهُ إِلَى ٱلْعُرْسِ. 10 فَخَرَجَ أُولَئِكَ ٱلْعَبِيدُ إِلَى ٱلطُّرُقِ، وَجَمَعُوا كُلَّ ٱلَّذِينَ وَجَدُوهُمْ أَشْرَاراً وَصَالِحِينَ. فَٱمْتَلَأَ ٱلْعُرْسُ مِنَ ٱلْمُتَّكِئِينَ. 11 فَلَمَّا دَخَلَ ٱلْمَلِكُ لِيَنْظُرَ ٱلْمُتَّكِئِينَ، رَأَى هُنَاكَ إِنْسَاناً لَمْ يَكُنْ لابِساً لِبَاسَ ٱلْعُرْسِ. 12 فَقَالَ لَهُ: يَا صَاحِبُ، كَيْفَ دَخَلْتَ إِلَى هُنَا وَلَيْسَ عَلَيْكَ لِبَاسُ ٱلْعُرْسِ؟ فَسَكَتَ. 13 حِينَئِذٍ قَالَ ٱلْمَلِكُ لِلْخُدَّامِ: ٱرْبُطُوا رِجْلَيْهِ وَيَدَيْهِ، وَخُذُوهُ وَٱطْرَحُوهُ فِي ٱلظُّلْمَةِ ٱلْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ ٱلْبُكَاءُ وَصَرِيرُ ٱلأَسْنَانِ. 14 لأَنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ.

أقام الله لابنه عُرساً فريداً في نوعه، هو عُرس روحي لا جسدي. وكل المدعوين هم العروس بنفس الوقت. فجميع الناس مدعوون ليتحدوا في الإيمان مع ابن الله، وهذا الاتحاد الإيماني يعني فرحاً وسروراً وابتهالاً وشكراً بدون نهاية. إن العهد الجديد كله يشبه عُرساً ممتليء الأفراح، وليس حرباً بالدموع وسفك الدماء. فالمسيح يدعونا لأسمى غبطة.

وقد أرسل الله أنبياءه ورسله أولاً لليهود، وبعدئذ لكل العالم. وسعاة الله يركضون كعبيد حسب إرادة ربهم. وخدمتهم ليست اضطرارية ولا حزينة بل طوعية وبفرح كبير. وهم لا يتعبون بل يتعاونون، لأنهم لا يطلبون ما لأنفسهم، إنما طلبهم لتمجيد ربهم في كل حين.

ورسالتهم هي « كل شيء مُعَدّ لعُرس ابن الله». والغريب في هذا العُرس أن العريس هو ذبيحة العُرس بنفس الوقت، الذي مات ليبرر المدعوين. فقد جهَّز الله كل شيء لحفلة السماء. الخلاص تمَّ وحاضر لأجلك ولكل الناس. ونؤكد لك باسم الله: تعال، كل شيء مُعَدّ.

وهناك يبدأ الأمر الغريب الآخر، وهو أن أكثرية المدعوين لم يأتوا، واحتجّوا بألف سبب لكيلا يحضروا. وكانت حججهم أكاذيب واهية، دلت على أنهم لم يريدوا أن يكونوا مع الله ولم يحبوه، إنما أحبوا أنفسهم، فرغبوا بالاستقلال عن محبته.

وبعد رَفْض المدعوين ابتدأت المفاجأة الكبرى، لأن الله يدعو الدنسين والغرباء والأشرار والمرضى إلى رحابه. خاصته لم تقبل دعوته، فدعا جميع المساكين إلى عُرس ابنه. وأنت أيضاً مدعو من الله العظيم شخصياً. فهل تأتي؟

وزيادة على هذا يهب الله لكل من يقبل دعوته لباس البر المجَّاني. فهل لبست ثوب نعمة الله، وتزينت بجواهر الروح القدس؟ ومن يظن أنه يتقدم إلى الله بدون لباس بر المسيح سيُطرد إلى الفزع اللانهائي.

دعا المسيح الجميع لعُرسه، ولكن قليلين يأتون. وأما الآتون فهم مختارو الله. فهل أنت منهم وتلبس لباس بره الأبيض؟

6 - ما لقيصر وما لله (22: 15-22)

22: 15 حِينَئِذٍ ذَهَبَ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يَصْطَادُوهُ بِكَلِمَةٍ. 16 فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ تَلامِيذَهُمْ مَعَ ٱلْهِيرُودُسِيِّينَ قَائِلِينَ: يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَتُعَلِّمُ طَرِيقَ ٱللّٰهِ بِٱلْحَقِّ، وَلا تُبَالِي بِأَحَدٍ، لأَنَّكَ لا تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ ٱلنَّاسِ. 17 فَقُلْ لَنَا مَاذَا تَظُنُّ؟ أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لا؟ 18 فَعَلِمَ يَسُوعُ خُبْثَهُمْ وَقَالَ: لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي يَا مُرَاؤُونَ؟ 19 أَرُونِي مُعَامَلَةَ ٱلْجِزْيَةِ. فَقَدَّمُوا لَهُ دِينَاراً. 20 فَقَالَ لَهُمْ: لِمَنْ هٰذِهِ ٱلصُّورَةُ وَٱلْكِتَابَةُ؟ 21 قَالُوا لَهُ: لِقَيْصَرَ. فَقَالَ لَهُمْ: أَعْطُوا إِذاً مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّٰهِ لِلّٰهِ. 22 فَلَمَّا سَمِعُوا تَعَجَّبُوا وَتَرَكُوهُ وَمَضَوْا.

كره اليهود الرومان لأنهم وضعوا عليهم الجزية، ولم يتركوا لهم الحرية الكاملة لممارسة أحكامهم وطقوسهم، فاعتبروا سلطة القيصر كفراً ومضادة لسلطة الله.

فأعدَّ أعداء المسيح سؤالاً ماكراً يوقع المسيح بورطة، إما مع الرومان أو مع الشعب. وجاء مع الفقهاء جنود الملك هيرودس ليمسكوه فوراً إن تفوَّه بكلمة ضد السلطة.

وجاوب المسيح المرائين على سؤالهم بكلمات مبنية على حكمة فائقة، وبسلطان الحق القاطع. فانتصر حق الله على مكيدة إبليس أبي الكذَّابين. فلم يرفض يسوع دفع الجزية بل قدَّمها، لأن المال الظالم آت من سكة الدولة ويخصّها. فلا يقدر إنسان أن ينكر شراء الدولة المعادن الثمينة لصك النقود. فإن طلبت الدولة جزءاً من حقها، فعلينا ألاَّ نضنّ به، بل نسلّم ما لا يخصّنا بكل طيبة خاطر. والمسيح يطلب إليك ألا تتمسك بالنقود والكنوز الدنيوية والمواد الميتة، بل سلّمها بفرح.

وأصاب المسيح المرائين في الصميم، فأوقف محبي المال والسلطة في حضرة الله قائلاً «أعطوا إذاً ما لقيصر لقيصر وما لله لله». فكل شيء لله، حتى قيصر نفسه لأنه خلقنا. فأعيننا وأيدينا وأفواهنا وقلوبنا كلها خاصة الله، وليست خاصتنا نحن. ونقودك ووقتك وعضلاتك كلها لربك، ووالدك وجيرانك وعملك وشعبك وزعماؤك كلهم هبة من الله، فأرْجِعْ الكل إلى مصدره. توبوا وأدركوا أنه ليس المال والسياسة هما شعار الحياة، بل الإيمان بالله وابنه. أنت خاصة الله، فمتى تعيش حسب هذا المبدأ؟

إنما نحن ما زلنا عائشين على الأرض لا في السماء، فيحدث أن بعض الدول تطلب من المؤمنين خضوعاً في أمور تخصّ البشر. ففي هذه الحالات ينبغي أن نطيع الله أكثر من الناس، لأن الحق الذي علينا للناس والدولة صغير بنسبة ما لعظمة الله من علو عن كل مخلوقاته. فطاعة الله تتقدم على خدمتنا للدولة. لنخدم الدولة بما لا يتعارض مع قداسة الله وإنجيل سلامه.

الصلاة: أيها الآب نحن نخصّك. والفرق بينك وبين سادتنا الدنيويين كبير بمقدار ما بين السماء والأرض. ساعدنا لنخدم دولتنا ولا نبالغ بأمور دنيانا، بل نعيش أمامك ليتمجد اسمك بسلوكنا الحكيم.

السؤال: 5 - ما الذي يخصّ الدولة، وما الذي يخصّ الله؟

7 - في القيامة لا يتزوّجون (22: 23-33)

22: 23 فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ جَاءَ إِلَيْهِ صَدُّوقِيُّونَ، ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لَيْسَ قِيَامَةٌ، فَسَأَلُوهُ: 24 يَا مُعَلِّمُ، قَالَ مُوسَى: إِنْ مَاتَ أَحَدٌ وَلَيْسَ لَهُ أَوْلادٌ يَتَزَوَّجْ أَخُوهُ بِٱمْرَأَتِهِ وَيُقِمْ نَسْلاً لأَخِيهِ. 25 فَكَانَ عِنْدَنَا سَبْعَةُ إِخْوَةٍ، وَتَزَوَّجَ ٱلأَوَّلُ وَمَاتَ. وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسْلٌ تَرَكَ ٱمْرَأَتَهُ لأَخِيهِ. 26 وَكَذٰلِكَ ٱلثَّانِي وَٱلثَّالِثُ إِلَى ٱلسَّبْعَةِ. 27 وَآخِرَ ٱلْكُلِّ مَاتَتِ ٱلْمَرْأَةُ أَيْضاً. 28 فَفِي ٱلْقِيَامَةِ لِمَنْ مِنَ ٱلسَّبْعَةِ تَكُونُ زَوْجَةً؟ فَإِنَّهَا كَانَتْ لِلْجَمِيعِ! 29 فَأَجَابَ يَسُوعُ: تَضِلُّونَ إِذْ لا تَعْرِفُونَ ٱلْكُتُبَ وَلا قُوَّةَ ٱللّٰهِ. 30 لأَنَّهُمْ فِي ٱلْقِيَامَةِ لا يُزَوِّجُونَ وَلا يَتَزَوَّجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلائِكَةِ ٱللّٰهِ فِي ٱلسَّمَاءِ. 31 وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ قِيَامَةِ ٱلأَمْوَاتِ، أَفَمَا قَرَأْتُمْ مَا قِيلَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ ٱللّٰهِ: 32 أَنَا إِلٰهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلٰهُ إِسْحَاقَ وَإِلٰهُ يَعْقُوبَ. لَيْسَ ٱللّٰهُ إِلٰهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلٰهُ أَحْيَاءٍ. 33 فَلَمَّا سَمِعَ ٱلْجُمُوعُ بُهِتُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ.

في زمننا، كما في زمن المسيح، يوجد فريقان متطرفان، أحدهما يؤمن بالرؤى وظهور الملائكة وقوى الأرواح وتأثير الغيب في الدنيا، بينما الآخرون ينكرون الحياة بعد الموت والآخرة كلها، لأنهم لا يقدرون أن يتصوّروها بعقولهم المحدودة، فيظنون أن ما يلمسونه ويدركونه هو الموجود فقط. وكان الصدوقيون من هذه الفئة. ولم يريدوا القضاء على المسيح بصورة عنيفة، لأنهم مفكرون، بل أرادوا الاستهزاء به ليُضحِكوا الجميع عليه وليُسقِطوه من تقدير المثقَّفين. ولهذا ألَّفوا رواية منطقية غير واقعية، غايتها البرهان على أنه لا حياة بعد الموت. فلو وافق يسوع على إمكانية حدوث هذه القصة، لسقط في نظر كل المثقَّفين، ولو نفاها لحرَّض الفريسيون كل المؤمنين بالآخرة ضده.

فأصاب المسيح مخترعي هذه القصة بالجهل، الذي هو اعتدادهم بذكائهم، قائلاً «تضلّون إذ لا تعرفون الكتب المقدسة ولا قوة الله العظيمة». وبهذه الكلمات دان منطقهم وكسر كبرياءهم وبرهن لهم أن عقلهم البشري المتفلسف لا يقدر أن يستقصي الكتاب المقدس، الذي وحده يعلن قوة الله وأسراره. فمن يؤمن يستطيع أن يدرك أسرار الكلمة الموحاة لنا. ولكن من يجعل عقله مقياساً ومعلماً فوق الأسفار الإلهية يخدع نفسه.

وقال المسيح إن قيامة الأموات لا تعيد البشر كما كانوا، بل تنقلنا إلى درجة أعلى، إلى العالم الروحي، حيث تنتهي شهوات الجسد، فيصبح الإنسان محبة طاهرة مع سرور وسلام، أو يصبح بغضة كاملة مع اضطراب وفزع مستمر. فمن يؤمن بالمسيح الحي يصبح مجيداً حياً يشبه الملائكة طاهر القلب.

وكل الذين يؤمنون بالمسيح إيماناً حقاً يتحدون معه وبقوة حياته، فيصيرون أبناء الله الأحباء، ويعرفون أباهم السماوي بطريقة أفضل مما أُعلِنَت في العهد القديم-وهذا هو امتياز عهد النعمة، إن الله يتبنى كل الذين قَبِلوا المسيح، ويعطيهم حياة أبدية، فلا يأتون إلى الدينونة، بل قد انتقلوا من الموت إلى الحياة.

وعلَّمنا يسوع أن إبراهيم وإسحق ويعقوب ليسوا أمواتاً بل أحياء، لأنهم فتحوا قلوبهم لصوت الروح القدس وآمنوا بالمسيح الآتي. فمن يلتفت إلى يسوع يحيا.

الصلاة: أيها الآب السماوي، نعظّمك ونتهلل بفرح عظيم لأنك أقمتنا من بين الأموات وأشركتنا بحياتك في المسيح. لسنا أمواتاً بالذنوب والخطايا، فقد خلَصْنا بالإيمان بابنك. املأنا بروحك الطاهر، أقم أصدقاءنا وأقرباءنا من موتهم الروحي، ليشتاقوا إلى الطهارة ويتّحدوا بحياة المسيح ومسرته.

السؤال: 6 - كيف برهن يسوع للصدوقيين حقيقة الأحياء عند الله؟

8 - الوصية العظمى (20: 34-40)

22: 34 أَمَّا ٱلْفَرِّيسِيُّونَ فَلَمَّا سَمِعُوا أَنَّهُ أَبْكَمَ ٱلصَّدُّوقِيِّينَ ٱجْتَمَعُوا مَعاً، 35 وَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ نَامُوسِيٌّ، لِيُجَرِّبَهُ: 36 يَا مُعَلِّمُ، أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ ٱلْعُظْمَى فِي ٱلنَّامُوسِ؟ 37 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: تُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. 38 هٰذِهِ هِيَ ٱلْوَصِيَّةُ ٱلأُولَى وَٱلْعُظْمَى. 39 وَٱلثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. 40 بِهَاتَيْنِ ٱلْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ ٱلنَّامُوسُ كُلُّهُ وَٱلأَنْبِيَاءُ.

ما هو جوهر الناموس؟ إنه الله بالذات القدوس الممتليء بالمحبة، فمحبته القدوسة الكاملة هي لُب الناموس وجوهره.

ليس في الله بغضة ولا انتقام. إنه ممتليء بالمحبة العادلة، وهكذا بذل ابنه عوضاً عن الخُطاة ليخلّصهم. فلنحب نحن الخاطيء أيضاً. وأما الخطية فلنرفضها. المسيح يدعوك إلى الشركة مع أبيه لتتقوى وتمتليء بمحبته، فقوته تنعش قوتك ومحبته تقدّس حُبَّك. ومعرفته تملأ قلبك سروراً. لتصبح حياتك كلها شكراً لله.

هل تحب الله؟ فانشر محبته في محيطك عملياً وباستمرار، واطلب من ربك العزم والبصيرة والحكمة لممارسة محبته. وإن تعمَّقت في وصية المحبة لله والناس، سترى أن إلهنا ينتظر منك تسليم قلبك وعقلك له، فلا يبقى مكان للأنانية وحب الذات، لأنك التصقْتَ بالله تماماً.

ولمَّا كان كل إنسان أنانياً متكبراً من صغره، يطلب الرب منك التغيّر، فتصبح محباً للآخرين. ولا يبقى شيء من المحبة لنفسك، بل تتحوَّل إلى تضحية كما بذل المسيح نفسه فدية عن كثيرين.

الصلاة: أيها الآب القدوس، أنت المحبة العظيمة، وخلقتنا وتطهّرنا وتقدّسنا وتحفظنا إلى الآبد. نشكرك لذبيحة ابنك الذي مات لنعيش نحن. نحبك ونسلِّم أنفسنا لخدمتك. استخدم حياتنا لحمد نعمتك المجيدة، ليعمّ لطفك ورحمتك في بيوتنا ومدارسنا، وفي كل نواحي الحياة. ساعدنا حتى لا نحب بالكلام بل بالعمل والحق.

السؤال: 7 - كيف نستطيع أن نحب الله والناس محبة كاملة؟

9 - المسيح هو الرب (22: 41-46)

22: 41 وَفِيمَا كَانَ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ مُجْتَمِعِينَ سَأَلَهُمْ يَسُوعُ: 42 مَاذَا تَظُنُّونَ فِي ٱلْمَسِيحِ؟ ٱبْنُ مَنْ هُوَ؟ قَالُوا لَهُ: ٱبْنُ دَاوُدَ. 43 قَالَ لَهُمْ: فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِٱلرُّوحِ رَبّاً قَائِلاً: 44 قَالَ ٱلرَّبُّ لِرَبِّي ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ؟ 45 فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبّاً، فَكَيْفَ يَكُونُ ٱبْنَهُ؟ 46 فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يُجِيبَهُ بِكَلِمَةٍ. وَمِنْ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ لَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ أَنْ يَسْأَلَهُ بَتَّةً.

ندعو الله يا رب، وحسناً نفعل، لأن الله خلقنا وهو مالكنا وقاضينا. ففي يده كل السلطان في السماء وعلى الأرض، وله كل المجد والجلال، والملائكة تخدمه، والكروبيم ينادي ليلاً ونهاراً «قدوس قدوس قدوس الرب الإله القادر على كل شيء».

وكان ينبغي على البشر أن يقشعِرُّوا عندما سمع الرُعاة إعلان الملاك فوق حقول بيت لحم أن الرب قد حضر، فقد بشَّرهم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب، أنه وُلد في مدينة داود مخلّص هو المسيح الرب. فهذه التسمية تعني أن الرب الإله تجسَّد في يسوع، فالخالق تواضع في صورة عبد. وباتضاعه صار مجرّباً في كل شيء مثلنا، ولكن بلا خطية.

أي محبة أظهرها الله لنا في اقترابه إلينا بيسوع شخصياً! كل قُوى السموات حلَّت في طفل المذود. نقرأ في العهد الجديد اسم المسيح «الرب» أكثر من خمسمائة مرة. وهذا اللقب ينسجم مع نبوات العهد القديم تماماً، حيث أوحى الروح القدس للملك داود أن الله ظهر كشخصين متكلمين في وحدة جامعة بالنبوة العظيمة «قال الرب لربي ...». فاسم الرب ليس صفة أو أقنوماً فقط، بل شخصاً مستقلاً متكلماً عاملاً. وهذه الحقيقة الإلهية تتم في المسيح اليوم. وهو جالس عن يمين الله، مالكاً معه كل العالمين في انسجام المحبة والوحدة الكاملة. إن هذا السر العظيم لا يدركه عقل الإنسان الجامد الجاف، لأن ليس أحد يقدر أن يسمّي المسيح رباً إلا بالروح القدس (1 كورنثوس 12: 3). ففي شركة الروح نشعر بمحبة الله المتأنسة في المسيح، ونشترك بحياة ربنا بهبة الإيمان المعطَى لنا.

لم يستطع اليهود إدراك الكيان الرباني ليسوع، لأنهم قفلوا قلوبهم لمحبته، فكان ينبغي ليسوع أن يعلن لهم أن الله سيضعهم-وهم أعداء المسيح حقاً موطئاً لقدميه، لأن كل إنسان وشعب لا يجثو للرب يسوع يهلك. وإدراك هذا الوحي الإلهي يدفعنا للتبشير، لأننا لا نحب أنفسنا وخلاصنا فحسب، بل ننسجم مع محبة الله، الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبلون.

ثانياً - المسيح يوبّخ شيوخ اليهود (23: 1-39)

1 - الويل للفريسيين والكتبة (23: 1-33)

23: 1 حِينَئِذٍ خَاطَبَ يَسُوعُ ٱلْجُمُوعَ وَتَلامِيذَهُ 2 قَائِلاً: عَلَى كُرْسِيِّ مُوسَى جَلَسَ ٱلْكَتَبَةُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ، 3 فَكُلُّ مَا قَالُوا لَكُمْ أَنْ تَحْفَظُوهُ فَٱحْفَظُوهُ وَٱفْعَلُوهُ، وَلٰكِنْ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ لا تَعْمَلُوا، لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ وَلا يَفْعَلُونَ. 4 فَإِنَّهُمْ يَحْزِمُونَ أَحْمَالاً ثَقِيلَةً عَسِرَةَ ٱلْحَمْلِ وَيَضَعُونَهَا عَلَى أَكْتَافِ ٱلنَّاسِ، وَهُمْ لا يُرِيدُونَ أَنْ يُحَرِّكُوهَا بِإِصْبِعِهِمْ، 5 وَكُلَّ أَعْمَالِهِمْ يَعْمَلُونَهَا لِكَيْ تَنْظُرَهُمُ ٱلنَّاسُ، فَيُعَرِّضُونَ عَصَائِبَهُمْ وَيُعَظِّمُونَ أَهْدَابَ ثِيَابِهِمْ، 6 وَيُحِبُّونَ ٱلْمُتَّكَأَ ٱلأَوَّلَ فِي ٱلْوَلائِمِ، وَٱلْمَجَالِسَ ٱلأُولَى فِي ٱلْمَجَامِعِ، 7 وَٱلتَّحِيَّاتِ فِي ٱلأَسْوَاقِ، وَأَنْ يَدْعُوَهُمُ ٱلنَّاسُ: سَيِّدِي سَيِّدِي!

قال يسوع للفريسيين أنهم حصلوا وقاموا بوظيفة التعليم في العهد القديم كخلفاء موسى، فاعتبر الرب هذه الوظيفة مهمة، ونبَّه تلاميذه أن يتعمَّقوا في دراسة التوراة والأنبياء، ويقبلوا التفسيرات الدقيقة من الكتبة.

إنما الأهم من المعرفة هو تطبيقها. فمن السهل أن يعلّم أو يفسّر أحدٌ الناموس، ولكن إتمامه صعب. فويل للذي يفرض على الآخرين واجبات ثقيلة لا يعمل بها.

علَّم الفريسيون أن من يتجاوز وصية واحدة يكون مستوجب حكم الموت، كأنه تجاوز الناموس كله، لأن التجاوز يعني تعدّياً على الله بالذات.

ورغم أن معلّمي الناموس علموا أنهم جميعاً تحت حكم الموت، إلا أنهم هربوا من الحقيقة، متمسكين بربط الأيدي بسير من الجلد أثناء الصلاة، والوضوء والغسلات، وتخييط أهداب من أسفل الثوب تدل كلٌّ منها على وصية أو أمر أو نهي، فأوجدوا ألوف الأحكام والطقوس ليُسكِتوا صوت ضمائرهم، وبهذا شددوا على حفظ الناموس وتطبيقه وهم لا يعلمون.

23: 8 وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلا تُدْعَوْا سَيِّدِي، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ ٱلْمَسِيحُ، وَأَنْتُمْ جَمِيعاً إِخْوَةٌ. 9 وَلا تَدْعُوا لَكُمْ أَباً عَلَى ٱلأَرْضِ، لأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ. 10 وَلا تُدْعَوْا مُعَلِّمِينَ، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ ٱلْمَسِيحُ. 11 وَأَكْبَرُكُمْ يَكُونُ خَادِماً لَكُمْ. 12 فَمَنْ يَرْفَعْ نَفْسَهُ يَتَّضِعْ، وَمَنْ يَضَعْ نَفْسَهُ يَرْتَفِعْ.

كل من يدَّعي أنه أفضل من الآخرين لأنه معلم أو قسيس يخطيء، إذ ليس بمعرفتنا تظهر درجة صلاحنا، بل بمحبتنا ولطفنا. ومن يبرز نفسه ويرتفع ليكرمه الناس هو مسكين، فلا فرق في الكنيسة بين الأعضاء بالنسبة لشخصياتهم، بل بالنسبة لخدماتهم. كلهم تلاميذ المسيح وهو معلمهم. الكل خطاة وهو مخلّصهم، والكل صاروا إخوة لأن الله أبوهم، والروح القدس يرشد الجميع ليشتركوا في سباق التواضع. فالله منح ضِمْن الكنيسة للجميع نفس الجوهر ونفس الحق وذات القوة، لأن الآب واحد، والصليب واحد، والروح القدس واحد. فماسح الغبار عن مقاعد الكنيسة ربما كان أعظم من المتكلم على المنبر، فليس أحد أفضل من الآخر، لأن الروح يدفعنا نحو الوحدة ليُعين كل عضو الآخر ويسنده ويستره ويكمله. فالمحبة هي رباط الكمال.

23: 13 لٰكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلْكَتَبَةُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ ٱلْمُرَاؤُونَ، لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ قُدَّامَ ٱلنَّاسِ فَلا تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلا تَدَعُونَ ٱلدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ!

عندما يقول الله «ويل» تأتي الدينونة حتماً، وعندما يقول المسيح «ويل» ثماني مرات، فمعناه أن الفساد قد تضاعف، ولا بد من العقوبات الإلهية.

ما هي خطية الأتقياء؟ إنها الرياء. يتصرف كالأبرار بينما يثبت في الخطية، ويتبرع ظاهراً ولكن بلا محبة في قلبه، وفي كل هذه الأعمال الدينية يظن أنه غير محتاج إلى التوبة والتغيير الفكري، مكتفياً بذاته، ومتكلاً على بر نفسه، فلا يطلب مخلّصاً بل يبغضه. ولهذا أحب المسيح الخطاة أكثر من الأتقياء المتظاهرين بالتقوى، لأن الأولين تابوا فطابوا، والآخرون لم يتوبوا فتقسُّوا.

23: 14 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلْكَتَبَةُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ ٱلْمُرَاؤُونَ، لأَنَّكُمْ تَأْكُلُونَ بُيُوتَ ٱلأَرَامِلِ، وَلِعِلَّةٍ تُطِيلُونَ صَلَوَاتِكُمْ. لِذٰلِكَ تَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ.

أحب الفريسيون المال كبرهان لبركة الله في حياتهم، فاستخدموا معرفتهم بالناموس ومهارتهم في الصلاة لإغناء أنفسهم، وذهبوا إلى الأرامل الغنيات ليقدموا لهن مشوراتهم بخصوص الحقوق الشرعية المتعلّقة بالإرث، وختموا اقتراحاتهم بصلوات حفظوها غيباً. وأثناء تلاوتها يدور كل فكرهم حول المبلغ الذي سوف يتناولونه من الأرملة. وقد كشف المسيح هذا الرياء جهراً، وسمّى نتيجة هذه الصلوات، «عدم بركة» بل «دينونة الله» على المرائين.

23: 15 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلْكَتَبَةُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ ٱلْمُرَاؤُونَ، لأَنَّكُمْ تَطُوفُونَ ٱلْبَحْرَ وَٱلْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلاً وَاحِداً، وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ٱبْناً لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفاً!

في زمن يسوع اجتهد كثير من اليهود لنشر دينهم عن وحدانية الله في العالم. وكثيرون من الناس في ذلك الوقت كانوا قد شبعوا من الخرافات اليونانية وآلهتها المتخاصمة فيما بينها، وتلذذوا من معرفة أن الله واحد، والوصايا العشر الواضحة.

ولكن هذا الاحترام المبتديء المكرّس بالمعمودية والختان تلاشى، وحلَّ محلّه الجدل حول المباديء الناموسية، فالتفتوا إلى المظاهر الخارجية، فتقسّوا أكثر من الفريسيين المنافقين.

23: 16 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلْقَادَةُ ٱلْعُمْيَانُ ٱلْقَائِلُونَ: مَنْ حَلَفَ بِٱلْهَيْكَلِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلٰكِنْ مَنْ حَلَفَ بِذَهَبِ ٱلْهَيْكَلِ يَلْتَزِمُ! 17 أَيُّهَا ٱلْجُهَّالُ وَٱلْعُمْيَانُ، أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلذَّهَبُ أَمِ ٱلْهَيْكَلُ ٱلَّذِي يُقَدِّسُ ٱلذَّهَبَ؟ 18 وَمَنْ حَلَفَ بِٱلْمَذْبَحِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلٰكِنْ مَنْ حَلَفَ بِٱلْقُرْبَانِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ يَلْتَزِمُ! 19 أَيُّهَا ٱلْجُهَّالُ وَٱلْعُمْيَانُ، أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلْقُرْبَانُ أَمِ ٱلْمَذْبَحُ ٱلَّذِي يُقَدِّسُ ٱلْقُرْبَانَ؟ 20 فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ بِٱلْمَذْبَحِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِكُلِّ مَا عَلَيْهِ، 21 وَمَنْ حَلَفَ بِٱلْهَيْكَلِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِالسَّاكِنِ فِيهِ، 22 وَمَنْ حَلَفَ بِٱلسَّمَاءِ فَقَدْ حَلَفَ بِعَرْشِ ٱللّٰهِ وَبِالْجَالِسِ عَلَيْهِ!

من يحلف ليقوّي كلماته يكن كاذباً، ويريد بحلفانه تغطية عدم يقين أقواله. فالفريسيون وقعوا في مشكلة. أرادوا منع الأكاذيب الكثيرة بواسطة حلفان قوي. وما كان جائزاً عندهم ذكر اسم الله باطلاً، لأن مجرد نطق هذا الاسم محسوب تجديفاً. فاقترحوا ألا يحلف الإنسان بالهيكل، بل بقشرة الهيكل المذهّبة. وحسبوا أيضاً الحلف بمذبح الله مخيفاً، فاقترحوا الذبيحة المشتراة بالمال للحلف بها.

وأما المسيح فمنعنا من استخدام الحلف لتثبيت الحق، لأنه ينبغي أن تكون أقوالنا أمينة وصادقة، لأننا مسؤولون أمامه، وهو فاحص أقوالنا.

23: 23 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلْكَتَبَةُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ ٱلْمُرَاؤُونَ، لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ ٱلنَّعْنَعَ وَٱلشِّبِثَّ وَٱلْكَمُّونَ، وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ ٱلنَّامُوسِ: ٱلْحَقَّ وَٱلرَّحْمَةَ وَٱلإِيمَانَ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هٰذِهِ وَلا تَتْرُكُوا تِلْكَ. 24 أَيُّهَا ٱلْقَادَةُ ٱلْعُمْيَانُ، ٱلَّذِينَ يُصَفُّونَ عَنِ ٱلْبَعُوضَةِ وَيَبْلَعُونَ ٱلْجَمَلَ!

بالغ الفريسيون في إنشاء البرّ المبني على الأعمال الذاتية، حتى أنهم عشَّروا البهارات! وكل شيء استعملوه في حياتهم، جعلوا منه عُشراً للهيكل، ليحصلوا بذلك على تبريرهم.

أما المسيح فلم يلزمنا بالعُشر، بل أرشدنا لنحقق الحق ونمارس الرحمة ونثبت في الإيمان، فأرشدنا ألاّ نضحّي بالعُشر فقط، بل أن نبذل أنفسنا كلها شكراً لتضحية المسيح الكاملة عوضاً عنَّا. فالإيمان العامل في المحبة هو التقوى المقبولة عند الله.

وسمَّى يسوع الناموسيين الأبرار عند ذواتهم عمياً وأشراراً، لم يروا طريق الله المستقيم ولم يعرفوه. إنما يدَّعون أنهم قادة أفواج السوّاح إلى السماء. وأثناء اجتهادهم يصفّون الماء من البعوض، ولكنهم عمي لا يرون الكؤوس التي يقدمونها لأتباعهم وقد مُلئت حيوانات ضخمة كالجمال.

23: 25 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلْكَتَبَةُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ ٱلْمُرَاؤُونَ، لأَنَّكُمْ تُنَقُّونَ خَارِجَ ٱلْكَأْسِ وَٱلصَّحْفَةِ، وَهُمَا مِنْ دَاخِلٍ مَمْلُوآنِ ٱخْتِطَافاً وَدَعَارَةً! 26 أَيُّهَا ٱلْفَرِّيسِيُّ ٱلأَعْمَى، نَقِّ أَوَّلاً دَاخِلَ ٱلْكَأْسِ وَٱلصَّحْفَةِ لِكَيْ يَكُونَ خَارِجُهُمَا أَيْضاً نَقِيّاً.

اعتاد الفريسيون في بيوتهم أن ينظفوا كل كأس وصحن من الخارج ومن الداخل، ليس بقصد النظافة الصحية الضرورية، بل لأجل الطقوس الدينية، لئلا يتنجسوا إن سقط غبار من إنسان نجس على أوانيهم. وبنفس الوقت لا يهتمون إن كان الذي صبّوه في الكؤوس مسروقاً، أو إن قادهم الجشع إلى الدعارة! فشطب يسوع بجملة واحدة كل الأحكام التطهيرية، وطلب من المرائين تطهير القلب.

23: 27 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلْكَتَبَةُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ ٱلْمُرَاؤُونَ، لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُوراً مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِلٍ مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ. 28 هٰكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً: مِنْ خَارِجٍ تَظْهَرُونَ لِلنَّاسِ أَبْرَاراً، وَلٰكِنَّكُمْ مِنْ دَاخِلٍ مَشْحُونُونَ رِيَاءً وَإِثْماً!

لم يعتبر اليهود الجثث نجسة فقط، بل أيضاً القبور. فمن داس عليها مصادفة كان عليه أن يخضع لأحكام التطهير الطويلة المتعِبة. فكانت العادة عند اليهود أن يدهنوا قبل موسم الفِصح جميع القبور التي حول أورشليم بكلس أبيض لامع، ليقدر الحجاج أن يتقدَّموا إليها بلا عثرة.

ووضح يسوع لأتقياء زمنه أنهم يظهرون من الخارج بيضاً لامعين، ولكن في داخلهم ممتلئين بالموت والرائحة الكريهة. فالمسيح يسمِّي المرائين قبوراً نتنة. وهذه العبارة كانت تُحسب في حينها من أشدّ الإهانات التي يمكن نطقها. ويسوع حاول بهذه القساوة زعزعة شيوخ شعبه عن برّهم الذاتي، ليدركوا حقيقة قلوبهم، ولكنهم لم يتوبوا لأن إيمانهم بذواتهم ارتفع كجبل عالٍ جداً.

23: 29 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلْكَتَبَةُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ ٱلْمُرَاؤُونَ، لأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ ٱلأَنْبِيَاءِ وَتُزَيِّنُونَ مَدَافِنَ ٱلصِّدِّيقِينَ، 30 وَتَقُولُونَ: لَوْ كُنَّا فِي أَيَّامِ آبَائِنَا لَمَا شَارَكْنَاهُمْ فِي دَمِ ٱلأَنْبِيَاءِ! 31 فَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ قَتَلَةِ ٱلأَنْبِيَاءِ. 32 فَٱمْلَأُوا أَنْتُمْ مِكْيَالَ آبَائِكُمْ. 33 أَيُّهَا ٱلْحَيَّاتُ أَوْلادَ ٱلأَفَاعِي، كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْنُونَةِ جَهَنَّمَ؟

في زمن يسوع بنى المسؤولون في الشعب للشهداء الأنبياء الذين قُتلوا من أجل شهادتهم أضرحة عظيمة، لينجوا من العقاب الآتي، لأن آباءهم قتلوا هؤلاء الرسل، فحاول أبناء القتلة تغطية عار عشائرهم وجرائمهم بإنشاء أبنية فخمة للأبرار. وهذه كانت برهاناً على ذنب الأجيال كلها.

وفي غضبه القدوس سمّى أصحاب البر الذاتي «حيَّات وأفاعي» التي هي أنسال الحيَّة الأصلية: الشيطان، الممتليء بالحيلة والغش والخبث والسموم. ورسم قدَّام أعينهم جهنم، كأنها فاتحة فاها لابتلاع الأمة كلها، إن لم يتوبوا بأسرع وقت ممكن.

والمسيح يُنزِل ويلاته حتى اليوم على المدن والقرى المسيحية أولاً، ويحذرّهم من المحبة الناقصة واللامبالاة في الإيمان. فويل لنا نحن المسيحيين إن لم نتب سريعاً ونخدم يسوع القدوس، لتحلّ حياته فينا، فنعيش بالتواضع واللطف والإيمان.

الصلاة: أيها الله القدوس، أنت قدوس. ودينونتك عادلة. نشكرك لصبرك العظيم. علِّمنا التوبة السريعة لننكسر نحن وكل أصدقائنا، لكيلا نشترك في الغضب الآتي. نجّنا من الرياء والاستكبار، واخلق فينا قلباً جديداً، وروحاً مستقيماً جدِّد في داخلنا.

السؤال: 8 - لماذا دان يسوع أتقياء زمنه؟

2 - نداء يسوع لأورشليم (23: 34-39)

23: 34 لِذٰلِكَ هَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ أَنْبِيَاءَ وَحُكَمَاءَ وَكَتَبَةً، فَمِنْهُمْ تَقْتُلُونَ وَتَصْلِبُونَ، وَمِنْهُمْ تَجْلِدُونَ فِي مَجَامِعِكُمْ، وَتَطْرُدُونَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ، 35 لِكَيْ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ كُلُّ دَمٍ زَكِيٍّ سُفِكَ عَلَى ٱلأَرْضِ، مِنْ دَمِ هَابِيلَ ٱلصِّدِّيقِ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا ٱلَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَيْنَ ٱلْهَيْكَلِ وَٱلْمَذْبَحِ. 36 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هٰذَا كُلَّهُ يَأْتِي عَلَى هٰذَا ٱلْجِيلِ!

إن تكريم الإنسان لنفسه رغبة جارية في دمه، فالأناني المتديّن لا بد أن يتظاهر بالتقوى، لأنه لم يتب عن كبريائه. وكل من يستعمل الناموس لتغطية خبثة يقسِّي نفسه.

هل فهمت أنك خاطيء؟ فإن أصابتك كلمة المسيح، فإما أن تتوب أو تتقسّى. ولكن اليهود قتلوا في عماهم عبيد الله، وأخيراً صلبوا القدوس، ظانين أنهم يخدمون الله. فلعنوا أنفسهم في يوم محاكمة المسيح لما صرخوا «دمه علينا وعلى أولادنا». وهكذا صار!

23: 37 يَا أُورُشَلِيمُ يَا أُورُشَلِيمُ، يَا قَاتِلَةَ ٱلأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلادَكِ كَمَا تَجْمَعُ ٱلدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا. 38 هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَاباً! 39 لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لا تَرَوْنَنِي مِنَ ٱلآنَ حَتَّى تَقُولُوا: مُبَارَكٌ ٱلآتِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ!.

أشدّ ما تألم منه المسيح هو غلاظة الناموسيين المتمسكين بشريعة الله، وليس الخطاة.

كم مرة جرَّب المسيح أن يدعوهم إليه! وكم مرة أعطاهم آيات محبته وقدرته! ولكن قد حانت النهاية. وهكذا سمَّى يسوع أورشليم «قاتلة الأنبياء والرسل». فسمَّى محور الحضارة وحامية بيت الله «قاتلة». ما أشد الحكم النازل على القدس والمدن أجمع!

أحب يسوع أولاد القاتلة أيضاً، ورسم محبة الله وعنايته بواسطة احتضان الدجاجة لفراخها تحت جناحيها، حماية من النسر. وبهذه الصورة أعلن يسوع عن استعداده ليجمع الضالين كلهم، ويموت عنهم، ليخلّصهم من غضب الله، إن التجأوا إلى ربهم.

لكنهم أظهروا رفضه أكثر فأكثر، ولم يشاءوا الاعتراف بخطاياهم، فأتت دينونة الله على أورشليم. وقد خربت المدينة المقدسة سنة 70 ب م. وبين السنوات 132-135 م خربت البلاد الباقية كلها. ومنذ ذلك الوقت تشتت أعضاء العهد القديم بين الأمم المحتقِرة منهم. ولن يروا المسيح رجاءهم، إلا إذا تابوا عن شر قلبهم، وآمنوا بابن الله المصلوب. حينئذ فقط ترتفع اللعنة عنهم، فتجري أنهار المياة الحيَّة من مدينة القدس المقدسة، إلى البراري الميتة التي حولها. ولذلك نصرخ: تعال أيها الرب يسوع! إنك آتٍ إلى أرضنا، ونحن في انتظارك. تعال سريعاً!

الصلاة: أيها الرب القدوس نحن متكبرون، أما ابنك فيحب المنكسرين المحتاجين إليه. اغفر لنا نقص محبتنا، واملأنا بقوة محبتك لنخدمك بقلوب تائبة، ونبشّر بملكوتك، ليتوب كل الناس، ويتعالى الصوت: تعال أيها الرب يسوع! مبارك الآتي باسم الرب.

السؤال: 9 - ماذا يعلمنا المسيح عن مجيئه ثانية؟

ثالثاً - عظة المسيح على جبل الزيتون (24: 1-25: 46)

سؤالان (24: 1-3)

24: 1 ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ وَمَضَى مِنَ ٱلْهَيْكَلِ، فَتَقَدَّمَ تَلامِيذُهُ لِكَيْ يُرُوهُ أَبْنِيَةَ ٱلْهَيْكَلِ. 2 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: أَمَا تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هٰذِهِ؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لا يُتْرَكُ هٰهُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لا يُنْقَضُ!.

غادر المسيح الهيكل، ولم يدخله مرة أخرى، فأتمَّ بخروجه نبوة حزقيال النبي الذي رأي في رؤياه مجد الله يترك الهيكل والمدينة المقدسة، متجهاً نحو جبل الزيتون.

فإلى زمن يسوع كان مجد الله حالاً في هذا الهيكل، مستتراً في قدس الأقداس. لكن عصيان أكثرية الشعب اليهودي جلب الدينونة عليهم، حتى خرج المسيح من بينهم، وتركهم لهجوم الأعداء بلا حماية.

فالهيكل العظيم مع قببه المذهبة بقى متلأليء الظاهر، لكن فارغاً من روح الله في داخله، كقنديل بلا نور وسراب بلا حقيقة. فكيف يا ترى حالة قلبك؟ هل أنت هيكل الله وروحه ساكن فيك؟ أم أنك فارغ ميت؟

24: 3 وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ ٱلزَّيْتُونِ، تَقَدَّمَ إِلَيْهِ ٱلتَّلامِيذُ عَلَى ٱنْفِرَادٍ قَائِلِينَ: قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هٰذَا، وَمَا هِيَ عَلامَةُ مَجِيئِكَ وَٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ؟

في طريقهم نحو جبل الزيتون لفت التلاميذ أنظار المسيح إلى الهيكل الفخم. أما المسيح فأبصر الفراغ والخراب لأجل الخطايا، بالرغم من كل المظاهر الرائعة. فرأت بصيرة محبته الدينونة المقبلة على أمّته، وكان لابد أن يسقط هيكل العهد القديم، ليقوم مكانه هيكل العهد الجديد.

2 - لا يضلّكم أحد (24: 4-8)

24: 4 فَأَجَابَ يَسُوعُ: ٱنْظُرُوا، لا يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ. 5 فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِٱسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ ٱلْمَسِيحُ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ.

لم يجاوب المسيح تلاميذه على سؤالهم بكيفية وزمن مجيئه واكتمال ملكوته، بل حذّرهم قبل كل شيء من التجربة والارتداد الآتي، فالشيطان هو عدو الله الذي يجرّب بأنبيائه الكذبة أن يفصل جماهير الناس عن خالقهم.

فليس أهم سؤال للإنسان معرفة المستقبل، بل أن يكون ممتلئاً بروح الله، لكيلا تملكه أفكار الشيطان. فروح الرب يخلق فيك التوبة والإيمان والتواضع والسلام، ويثبتك في الفرح والعفة المبنية على الصدق والصبر والمحبة. ولكن روح الشيطان يظهر في الاستكبار والاتكال على النفس والتخطيط الشخصي. وكذلك في البغضاء والكذب، مع كل النجاسة والأحقاد والانتقام المر. وأخبث ثمار روح الشيطان هي الرياء، لأن فيه يتظاهر الإنسان بالصلاح، رغم أن قلبه مفعم بالخبائث.

24: 6 وَسَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوبٍ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ. اُنْظُرُوا، لا تَرْتَاعُوا. لأَنَّهُ لا بُدَّ أَنْ تَكُونَ هٰذِهِ كُلُّهَا، وَلٰكِنْ لَيْسَ ٱلْمُنْتَهَى بَعْدُ. 7 لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ وَزَلازِلُ فِي أَمَاكِنَ. 8 وَلٰكِنَّ هٰذِهِ كُلَّهَا مُبْتَدَأُ ٱلأَوْجَاعِ.

أهم نصيحة منحها المسيح لتلاميذه في الأيام الأخيرة هي «احترزوا لكيلا يضلّكم أحد». فالتلاميذ طلبوا من ربهم أن يذكر لهم علامات مجيئه ثانية، ليصبحوا عارفين أذكياء، ولكنه لم يجبهم بل أراهم الخطر الهائل وسط الكفاح بين السماء وجهنم. وهو خسارتهم أنفسهم واشتراكهم في الارتداد العام.

والشيطان بعدما يفسد إيمان البشرية بواسطة مسحائه الكذبة، يوقع الشعوب في حروب وضيقات، حتى يعمّ الفزع والاضطراب، فينسى الناس خالقهم ويغرقون في أمواج المشاكل، كما غرق بطرس لما حوَّل نظره عن المسيح، وشخَص إلى الموجة المندفقة نحوه. فلا تخف، لأن المسيح حي. فقد قام، وهو معك ويخلّصك ويحملك ويضمنك. وهو يمنعك من الخوف مهما تراكمت الضيقات، لأن المحبة ليس فيها خوف (1 يو 4: 18-21).

ولا تستغرب كلمة المسيح أنه لابد من الضيقات الأربع: الحروب العالمية، والجوع المتزايد، والأوبئة المنتشرة، والزلازل المدمّرة. إن سياط الله هذه ستضرب حتى ولو أعلن الأنبياء الكذبة والزعماء الفخورون السلام. مع العلم أنهم يقصدون السلام حقيقة، ويجتهدون لتحقيقه، ولكنهم لا يعرفون أن في الحروب غضب الله المنسكب على خطايانا. فينبغي أن تأتي الأمواج المهلكة على كرتنا الأرضية، لأن البشر يتكلون على اختراعاتهم ويهملون الخالق.

اطلبوا الرب فتحيوا. بشّروا بالإنجيل بحكمة، فترافقكم قدرة محبة الله. وويل للأرض بدون الإنجيل! لأن الشعوب تفترس بعضها بعضاً كذئاب جائعة.

الصلاة: أيها الآب، اغفر لنا أنانيتنا، واجعلنا صانعي السلام بواسطة التبشير بصليب ابنك. ارحمنا لنُشبع الجياع بخيراتك، ونضيء للضالين بالحكمة، ونعزّي البائسين. احفظنا من الضلال المزمع أن يهبط على العالم، لأنك أنت الوحيد الذي تخلّصنا من خطايانا. نحن في حاجة ماسة إلى ابنك المخلّص الوحيد.

السؤال: 10 - ما هو أكبر خطر على البشر؟

3 - يسلّمونكم إلى ضيق (24: 9-14)

24: 9 حِينَئِذٍ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى ضِيقٍ وَيَقْتُلُونَكُمْ، وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنْ جَمِيعِ ٱلأُمَمِ لأَجْلِ ٱسْمِي. 10 وَحِينَئِذٍ يَعْثُرُ كَثِيرُونَ وَيُسَلِّمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَيُبْغِضُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً. 11 وَيَقُومُ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ كَثِيرُونَ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ.

يرسل المسيح سلامه إلى الأمم والمدن والقرى والمخيمات، فالمستعدون للإيمان يتوبون ويدخلون إلى رحاب المسيح، ويسلكون في قوة الروح القدس طاهرين، ويصبحون أنواراً في الظلمة المتكاثرة جداً. بيد أن كل الذين يفضّلون المال على الله، ويغتصبون السلطة ويغرقون في النجاسة، ويرفضون التوبة الحقة، مصرّين على ظنونهم أنهم صالحون، فهؤلاء يقسّون أنفسهم تجاه خلاص الإنجيل تدريجياً، ويبغضون النور، ويكرهون رسل الله، ويقتلون الذين أشفقوا عليهم سابقاً، وقسموا الخبز معهم في ساعات الحرج والضيق، لأن الروح الشيطاني يضاد الله والمولودين من روحه. وهذا المبدأ ينطبق على كل الأزمنة والأمكنة حتى لو اختلفت المظاهر الخارجية نوعاً ما.

ولكن في نهاية الزمن ستزداد البغضة ضد المسيح، حتى أن السلطات تحكم على أتباعه، وتجعلهم مسؤولين عن ضيقات العالم.

فلا تتعجب. فإنه بمقدار ما يُجري الله بواسطتك من القوة والمحبة في عالم البغضاء، فبهذا المقدار يرفضونك ويعذّبونك. ليس لنا في هذه الدنيا وعد بحياة مريحة، بل المسيح يدعوك للضيق والموت بدون أن يفارقك سروره.

وخيانة الإخوة هي أشد الأمور مرارة. إن احتقار العالم لسفراء المسيح مفهوم، ولكن الاحتيال وشهادة الزور أمام السلطات من الإخوة يحزّ في نفوسنا ويدميها! فلا تبغض أخاً ولو أنكرك، لأنه قد سقط غنيمة لحيلة الشيطان. فصَلّ لأجله وأحبَّه واحتملهُ كما احتمل المسيح خائنه يهوذا إلى المنتهى قائلاً له: «يا صاحب، لماذا جئت؟».

24: 12 وَلِكَثْرَةِ ٱلإِثْمِ تَبْرُدُ مَحَبَّةُ ٱلْكَثِيرِينَ. 13 وَلٰكِنِ ٱلَّذِي يَصْبِرُ إِلَى ٱلْمُنْتَهَى فَهٰذَا يَخْلُصُ. 14 وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ ٱلْمَلَكُوتِ هٰذِهِ فِي كُلِّ ٱلْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ ٱلأُمَمِ. ثُمَّ يَأْتِي ٱلْمُنْتَهَى.

كلنا عائشون في جو مسمّم، لكن المسيح يضع يده علينا ويحررنا من الحقد ويمنحنا محبته الخاصة، لأن لطف المسيح وحده يقدر أن يغلب ظلمة أيامنا الأخيرة. ولكن من لم يثبت بتصميم في الصبر الإلهي سيسقط من المسيح، لأن أساليب الشيطان ماكرة وقوية.

فيا أخي القاريء، انظر إلى المسيح، كيف غفر على الصليب لأعدائه ذنوبهم، وخلّص اللص التائب، وثبت صابراً في عاصفة غضب الله على ذنوبنا. فالمسيح تألم بلا تذمّر، وأحب بلا انقطاع. فلا تقدر أن تحتمل بغضة زملائك بقدرتك الخاصة، بل الرب يقوّيك إلى محبة فائقة. فالتجيء إلى يسوع ليقوّيك، فيحل في نفسك الضعيفة مانحاً لك التأني واللطف والمحبة السماوية، لأنك بدونه لا تقدر أن تعمل شيئاً بنّاءً.

وأما الصَبور فيخلص. والمسيح مستعد أن يحمل نيرك معك، فتتعلم منه، لأنه وديع ومتواضع القلب، فتجد راحة لنفسك.

والرب يخبرنا أن للأرض والكون نهاية، فلماذا نعيش كأنه لا نهاية لحياتنا وجنسنا؟ المنتهى قريب جداً. لقد أعطانا موسى المفتاح للسلوك الحكيم بقوله «إحصاء أيامنا هكذا علّمنا، فنؤتَى قلب حكمة» (مزمور 90: 12).

الصلاة: أيها الرب يسوع، نشكرك لأنك تأتي إلينا لتحمينا. علّمنا أن نحب كل الناس ونقدّم إليهم قوة الإنجيل الفعَّال. علّمنا الصبر واحتمال الآلام، كما يسهر عبيدك في كل الأرض مصلّين: تعال أيها الرب يسوع.

السؤال: 11 - ما هي الضيقات الواقعة على المؤمنين وكيف يغلبونها؟

4 - خراب أورشليم (24: 15-22)

24: 15 فَمَتَى نَظَرْتُمْ (رِجْسَةَ ٱلْخَرَابِ) ٱلَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ ٱلنَّبِيُّ قَائِمَةً فِي ٱلْمَكَانِ ٱلْمُقَدَّسِ لِيَفْهَمِ ٱلْقَارِئُ 16 فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ إِلَى ٱلْجِبَالِ، 17 وَٱلَّذِي عَلَى ٱلسَّطْحِ فَلا يَنْزِلْ لِيَأْخُذَ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئاً، 18 وَٱلَّذِي فِي ٱلْحَقْلِ فَلا يَرْجِعْ إِلَى وَرَائِهِ لِيَأْخُذَ ثِيَابَهُ. 19 وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَٱلْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ! 20 وَصَلُّوا لِكَيْ لا يَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي شِتَاءٍ وَلا فِي سَبْتٍ، 21 لأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ٱبْتِدَاءِ ٱلْعَالَمِ إِلَى ٱلآنَ وَلَنْ يَكُونَ. 22 وَلَوْ لَمْ تُقَصَّرْ تِلْكَ ٱلأَيَّامُ لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ. وَلٰكِنْ لأَجْلِ ٱلْمُخْتَارِينَ تُقَصَّرُ تِلْكَ ٱلأَيَّامُ.

بعدما لخَّص المسيح مباديء الدينونة التي ستقع على العالم كله في الأيام الأخيرة قبيل مجيئه، أوضح لتلاميذه عقوبات الله المزمعة أن تأتي على أورشليم، لأن الأمة اليهودية صلبت ابن الله.

قال المسيح إنهم عندما يرون «رجسة الخراب» قائمة في المكان المقدس، فليهربوا من أورشليم بدون تباطؤ. ورجسة الخراب هي الرجسة التي تسبّب الخراب. ولذلك تفسيران: (أ) حصار الرومان لأورشليم بجيشهم الذي تتقدمه تماثيل قيصر، وعصي تحمل تماثيل النسور. وهذا التفسير يؤيده قول المسيح كما أورده لوقا «متى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش» (21: 20). (ب) تدنيس اليهود الغيورين للهيكل بأن قتلوا فيه الكهنة فسال دمهم فيه. وقد يكون التفسيران صحيحين. فالتفسير الأول رجسة خارجية، والتفسير الثاني رجسة داخلية.

وقال المؤرخ المسيحي أوسابيوس أن المسيحيين لمَّا رأوا «رجسة الخراب» هربوا إلى بلاّ ;ثممش، المدينة في شمال أرض بيرية، فلم يصبهم سوء.

لقد نجا المسيحيون من الضيق الرهيب الذي حلَّ باليهود، وقال يوسيفوس إن الرومان قتلوا أحد عشر مليون يهودي. ولكن الله قصَّر تلك الأيام عمَّا كان معتاداً في أوقات الحصار التي كانت تطول سنوات. فقد سقطت أورشليم بعد حصار خمسة أشهر فقط. وقد قصَّر الله تلك الأيام لأجل المختارين الذين هم المسيحيون الحقيقيون.

5 - مُسحاء كذَبة (24: 23-26)

24: 23 حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: هُوَذَا ٱلْمَسِيحُ هُنَا أَوْ هُنَاكَ فَلا تُصَدِّقُوا. 24 لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ ٱلْمُخْتَارِينَ أَيْضاً. 25 هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ. 26 فَإِنْ قَالُوا لَكُمْ: هَا هُوَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ فَلا تَخْرُجُوا! هَا هُوَ فِي ٱلْمَخَادِعِ فَلا تُصَدِّقُوا!

آمن اليهود أنه في آخر ساعة الضيق يرسل الله مسيحه مخلّصاً، ومعه جيوش الملائكة لعَوْنهم. ولكنهم خسروا لأن الله لم يكن معهم، إذ صلبوا ابنه الوديع. إنما بقوا ينتظرون المسيح حتى اليوم، غير مدركين أنه قد أتى.

أما نحن فعلينا السهر والحذر والانتباه لكيلا نسقط غنيمة للمسيح الكذَّاب، الدجال المضل، الذي سيكون شخصية تاريخية هائلة، ابن الشيطان بالذات. فلا نقبل رباً آخر إلا يسوع المسيح المُقام من بين الأموات، الجالس عن يمين الآب، وهو آتٍ في سحاب السماء.

وإبليس إذ يعرف أن وقته قصير، وأن العالم يسارع إلى المنتهى، يرسل أنبياءه ورسله ومسحاءه لإضلال الشعوب. وكلمة «المسيح» عادة تعني الممسوح بالدهن، كنبي أو كاهن أو ملك، الذي أصبح مسؤولاً للدين والدولة أمام الله.

ومنذ مات المسيح على الصليب كرئيس الكهنة الحق، أتى مئات الأنبياء ورسل الشيطان، مدَّعين أنهم مسحاء من قِبَل الله، مخلّصين للعالم.

لكن مسيحنا العظيم هو المصلوب الذي صالحنا مع الله، ويقدر على تغيير القلوب، ويدعو أتباعه إلى ملكوته. ولكن المسيح الكذَّاب يعمل عكس ذلك.

قال المسيح ثلاث مرات «احترسوا من المسحاء الكذبة» لأن المضلّين يضلونكم للاتكال على النفس. أما حَمَل الله فيغفر الذنوب، ويمنح الحياة الأبدية للمؤمنين الملتصقين به. فانتبه خاصة من المسيح الكذَّاب الأخير، ولا تنس أن الدجَّال الكبير يأتي قبيل المسيح الحق.

الصلاة: أيها الآب، نشكرك لأنك ولدتنا ثانية بدم الحبيب وقوة روحك القدوس وجعلتنا أهلاً لملكوتك. احفظنا في التواضع لنتمسّك بالصليب. سدّ أذنينا لكيلا نصغي إلى وسوسات المسيح الكذَّاب. أعطنا الثبات في ابنك مع كل مختاريك في العالم.

السؤال: 12 - من هو المسيح الكذَّاب، وما هي صفاته وأعماله؟

6 - علامات المجيء الثاني للمسيح (24: 27-41)

24: 27 لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلْبَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ ٱلْمَشَارِقِ وَيَظْهَرُ إِلَى ٱلْمَغَارِبِ، هٰكَذَا يَكُونُ أَيْضاً مَجِيءُ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ. 28 لأَنَّهُ حَيْثُمَا تَكُنِ ٱلْجُثَّةُ فَهُنَاكَ تَجْتَمِعُ ٱلنُّسُورُ. 29 وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ ٱلأَيَّامِ تُظْلِمُ ٱلشَّمْسُ، وَٱلْقَمَرُ لا يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَٱلنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، وَقُوَّاتُ ٱلسَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. 30 وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلامَةُ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ فِي ٱلسَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. 31 فَيُرْسِلُ مَلائِكَتَهُ بِبُوقٍ عَظِيمِ ٱلصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ ٱلأَرْبَعِ ٱلرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ ٱلسَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا.

تسقط الصواعق على أهدافها فجأة، وهكذا سيكون المجيء الثاني للمسيح، ظاهراً ببهائه بسلطة ومجد عظيم، فتبدو السماء كأنها محترقة ملتهبة، والأرض متزلزلة متضعضعة، لأن الخالق يأتي بكل سلطانه للحصاد الأخير.

والعالم لا يكون مستعداً لمجيء المسيح وقبوله. وكما تطير النسور في الفضاء وتدور حائمة فوق فرائسها، وتسطو عليها وتنهش منها قبل لفظها الروح، هكذا سيأتي المسيح الكذَّاب بجيوشه ليأكل الكنيسة والعالم أجمع قبيل النهاية، ويكون الاضطهاد عظيماً على أتباع يسوع.

وقبيل مجيء المسيح القاطع ستحدث تغيرات كونية طبيعية، فيغطي الدخان والغبار الشمس والقمر، وتزيد البرودة والصقيع على سطح الأرض، لأن أشعة الحرارة الشمسية لا تصل إلى سطح كرتنا بسهولة.

وهذه التغيرات في الفضاء تدل أيضاً على الصراع الروحي، لأن المسيح يأتي مع كل ملائكته منتصراً على جيوش السلطات الظالمة، فتغلي جهنم قبل مجيء ابن الله بغيظ عظيم، لأنها لا تقدر أن تمنع مجيء القاضي الأزلي. وكل الناس سيرون علامة ابن الإنسان في السماء.

في ذلك الوقت سيكمل الروح القدس تعزيته فينا نحن المؤمنين، ويحيينا ويقيمنا لنفرح ونتقدم إلى ربنا المحبوب بالهتاف ويقين الضمير، أما كل إنسان غير مولود بروح الله فييأس ويولول، ويصرخ: يا ليتني متُّ قبلاً. ولا أقدر أن أموت، لأنه لا توجد أماكن للهروب من نور الله!

أيها الأخ، إرجع إلى ربك واعترف له بذنوبك، فيطهّرك دم المسيح تطهيراً أبدياً، وروحه القادر يحييك ويجددك.

24: 32 فَمِنْ شَجَرَةِ ٱلتِّينِ تَعَلَّمُوا ٱلْمَثَلَ: مَتَى صَارَ غُصْنُهَا رَخْصاً وَأَخْرَجَتْ أَوْرَاقَهَا، تَعْلَمُونَ أَنَّ ٱلصَّيْفَ قَرِيبٌ. 33 هٰكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً، مَتَى رَأَيْتُمْ هٰذَا كُلَّهُ فَٱعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى ٱلأَبْوَابِ. 34 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لا يَمْضِي هٰذَا ٱلْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هٰذَا كُلُّهُ. 35 اَلسَّمَاءُ وَٱلأَرْضُ تَزُولانِ وَلٰكِنَّ كَلامِي لا يَزُولُ. 36 وَأَمَّا ذٰلِكَ ٱلْيَوْمُ وَتِلْكَ ٱلسَّاعَةُ فَلا يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلا مَلائِكَةُ ٱلسَّمَاوَاتِ، إِلاّ أَبِي وَحْدَهُ.

تنبأ المسيح لنا أن الأرض والقمر وعوالم النجوم ستزول حتماً، كما ألهم الروح القدس بطرس بهذه الحقائق، فكتبها في رسالته الثانية 3: 8-13. فإن قرأت هذه الحقائق ترَ أن كل مخلوق يزول لأنه خاطيء وبعيد عن خالقه. فلهذا السبب يزول الكون ويحترق كله، لأن جميعنا مستحقون الموت

ولكن الله وعد في نعمته الفائقة أنه سيخلق سماءً جديدة وأرضاً جديدة يسكن فيها البر والسلام.

فعلينا الاعتراف بأن أموراً كثيرة ستحدث تمهيداً لمجيء المسيح، ولو ْننا لا نعرف كل تفاصيلها. والغبي هو الذي يدَّعي معرفة كل شيء. والبصير يوحنا رأى في رؤياه على جزيرة بطمس أن الحَمَل الذبيح هو الوحيد المستحق أن يفتح ختوم دينونات الله. فتاريخ البشر بين يديّ المسيح.

24: 37 وَكَمَا كَانَتْ أَيَّامُ نُوحٍ كَذٰلِكَ يَكُونُ أَيْضاً مَجِيءُ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ. 38 لأَنَّهُ كَمَا كَانُوا فِي ٱلأَيَّامِ ٱلَّتِي قَبْلَ ٱلطُّوفَانِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ، إِلَى ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي دَخَلَ فِيهِ نُوحٌ ٱلْفُلْكَ، 39 وَلَمْ يَعْلَمُوا حَتَّى جَاءَ ٱلطُّوفَانُ وَأَخَذَ ٱلْجَمِيعَ، كَذٰلِكَ يَكُونُ أَيْضاً مَجِيءُ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ. 40 حِينَئِذٍ يَكُونُ ٱثْنَانِ فِي ٱلْحَقْلِ، يُؤْخَذُ ٱلْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ ٱلآخَرُ. 41 اِثْنَتَانِ تَطْحَنَانِ عَلَى ٱلرَّحَى، تُؤْخَذُ ٱلْوَاحِدَةُ وَتُتْرَكُ ٱلأُخْرَى.

قُبَيل الطوفان أمر الله نوحاً أن يصنع فلك الخلاص لنفسه وعشيرته، فاستهزأ أصدقاؤه به وحسبوه مجنوناً، حتى غرقوا في طوفان غضب الله يائسين. أما نوح فآمن بكلمة الله وأطاع هُداه، رغم المستهزئين حوله، فخلص مع عائلته.

والمسيح هو فلك خلاصنا لا غيره. إنه يقدّم لنا الحماية من غضب الله، ويغفر ذنوبنا، ويمنحنا الحياة السرمدية، ويغذّينا بكلمته المقدسة. فتعال إلى مخلّصك، واتحد به في عهده الجديد فتعيش معه إلى الأبد.

ونرى في تاريخ البشر أنه قبل حصول تغيّرات تاريخية هامة، يصير الناس فاسدين سطحيين، رغم شعورهم بأن الخراب قادم! وقد وصف يسوع الوقت قبل مجيئه بأن الناس يكونون آكلين وشاربين ومتزوجين. فلا يعني هذا أن الأكل والشرب والزواج خطية، بل أن الناس يعملون كل ذلك بدون الله، وبعيداً عنه بسطحية وغرور.

ولم يخبر المسيح المؤمنين مسبقاً عن ساعة مجيئه، لأنهم مستعدون لاستقباله في كل حين، سواء كانوا في ساعات اليقظة والشغل حين تشرق الشمس في نصف الكرة الأرضية نهاراً، أو حين ينامون في الليلة الدامسة في النصف الآخر.

إن محبة المسيح ستجتذب الأحياء في الروح من بين الأموات في الخطايا، لتوحيد أبدي مع مخلّصهم الفادي. فهل أصبحت اليوم واحداً مع المسيح في الروح؟ وهل أدركت أن الرب نفسه يشتاق إليك وإلى كل المؤمنين؟

الصلاة: أيها الآب السماوي، نعظّمك لأن ابنك الحبيب أوجد لنا رجاءً حياً. إحفظنا من السطحية والتخيلات؟ وامحُ معاصينا وثبّتنا في ابنك المخلّص لينجينا من ساعات الدينونة ويحفظنا إليه؟ مع كل المتغيّرين من الأنانية إلى المحبة ومن الحقد إلى السماح.

السؤال: 13 - ما هي علامة مجيء ابن الإنسان؟

7 - اسهروا (24: 42-51)

24: 42 اِسْهَرُوا إِذاً لأَنَّكُمْ لا تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ. 43 وَٱعْلَمُوا هٰذَا أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ ٱلْبَيْتِ فِي أَيِّ هَزِيعٍ يَأْتِي ٱلسَّارِقُ، لَسَهِرَ وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. 44 لِذٰلِكَ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لا تَظُنُّونَ يَأْتِي ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ.

يأمرنا المسيح أن ننتبه ونسهر منتظرين مجيئه. وهذا يعني أنه يتأخر وأن أحباءه ينعسون. وليس أحد يعرف بدقة متى يأتي فعلاً، فالبعض يفكرون ويقولون: لا يأتي بتاتاً. وبعضهم يقول: قد أتى وهو بيننا الآن مستتراً. فالمسيح يوبّخنا ويأمرنا بالاستعداد واليقظة الروحية، لأنه يأتي فجأة على غير ميعاد، وبهدوء وسرية كسارق في الليل.

24: 45 فَمَنْ هُوَ ٱلْعَبْدُ ٱلأَمِينُ ٱلْحَكِيمُ ٱلَّذِي أَقَامَهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ ٱلطَّعَامَ فِي حِينِهِ؟ 46 طُوبَى لِذٰلِكَ ٱلْعَبْدِ ٱلَّذِي إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُ يَجِدُهُ يَفْعَلُ هٰكَذَا! 47 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يُقِيمُهُ عَلَى جَمِيعِ أَمْوَالِهِ. 48 وَلٰكِنْ إِنْ قَالَ ذٰلِكَ ٱلْعَبْدُ ٱلرَّدِيُّ فِي قَلْبِهِ: سَيِّدِي يُبْطِئُ قُدُومَهُ. 49 فَيَبْتَدِئُ يَضْرِبُ ٱلْعَبِيدَ رُفَقَاءَهُ وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَ ٱلسُّكَارَى. 50 يَأْتِي سَيِّدُ ذٰلِكَ ٱلْعَبْدِ فِي يَوْمٍ لا يَنْتَظِرُهُ وَفِي سَاعَةٍ لا يَعْرِفُهَا، 51 فَيُقَطِّعُهُ وَيَجْعَلُ نَصِيبَهُ مَعَ ٱلْمُرَائِينَ. هُنَاكَ يَكُونُ ٱلْبُكَاءُ وَصَرِيرُ ٱلأَسْنَانِ.

أبناء الله أمناء لأبيهم منسجمون مع مقاصده، ويخضعون لمسيحهم لأنه ربهم، ويسمّون أنفسهم عبيده. وهذه العلاقة ليست مبنيّة على خوف بل على المحبة والشكر للفداء. والمؤمنون لا يسلّمون أنفسهم للمسيح مرغمين، بل يقبلونه حباً. ويتطور قبوله في قلوبهم، إلى طاعة بفرح.

فمن يسلّم قلبه للرب بلا قيد ولا شرط يؤهّله المسيح لخدمته في ملكوته، أي في الكنيسة. وإحدى هذه الخدمات هي تقديم الغذاء الروحي لأعضاء عائلة الله. ربما يقودك المسيح لشهادة واضحة في مدرستك، ليتشجّع زملاؤك بكلامك. هل في محيطك إنسان جائع لبشرى الخلاص؟ هل سمع زملاؤك في مصنعك كلمة الصليب؟ وهل التقى أصدقاؤك بمخلّصهم، لأنك وضّحت محبته لهم؟ هل أنت أمين في خدمتك الموهوبة لك؟ فإن كنت أميناً في القليل فسيستودعك ربك أنفساً كثيرة وخدمات متنوعة.

ويل لمن دعاه المسيح لخدمة الآخرين، فعاش لنفسه ولم يهتم بدعوة الله! وويل لمن نسي أعضاء كنيسته ولم يحبهم! فهذه التصرفات تدل على أن ذلك العبد الشرير نسي مجيء ربه القريب. فترقُّب إتيان المسيح يحفظنا من الكَسَل، ويثبّتنا في الوعي والتواضع ويحرّضنا إلى الإقامة في خدمات متواصلة وبذل النفس، حتى نشتاق إلى تقديس أنفسنا، لنقف متزيّنين ساعة التقائه. فمن يشتاق إلى مجيء ابن الله، يرتب كل أمور حياته وبيته وكنيسته. ويرجو حصول الموعود بسرور.

الصلاة: أيها الرب يسوع، أعترف إنني لم أكن حكيماً ولا أميناً في الخدمة التي دعوتني إليها وأوكلتني بها. إغفر لي إهمالي وتقصيراتي العديدة، وقدّسني لبداية متجددة في خدمتك، بقوة روحك القدوس، لتتجسد محبتك في ضعفي. فأصبح أميناً كما أنك أمين لي بمحبتك العظيمة.

السؤال: 14 - لماذا أمرنا المسيح باليقظة والسهر؟

8 - مَثَل العذارى الحكيمات (25: 1-13)

25: 1 حِينَئِذٍ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ عَشَرَ عَذَارَى، أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَخَرَجْنَ لِلِقَاءِ ٱلْعَرِيسِ. 2 وَكَانَ خَمْسٌ مِنْهُنَّ حَكِيمَاتٍ، وَخَمْسٌ جَاهِلاتٍ. 3 أَمَّا ٱلْجَاهِلاتُ فَأَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَلَمْ يَأْخُذْنَ مَعَهُنَّ زَيْتاً، 4 وَأَمَّا ٱلْحَكِيمَاتُ فَأَخَذْنَ زَيْتاً فِي آنِيَتِهِنَّ مَعَ مَصَابِيحِهِنَّ. 5 وَفِيمَا أَبْطَأَ ٱلْعَرِيسُ نَعَسْنَ جَمِيعُهُنَّ وَنِمْنَ.

يشبه ملكوت الله عشر عذارى، منهن خمس حكيمات وخمس غبيات. والعشر بتمامهن مختارات، وقد حصلن على الروح القدس، ولبسن لُباس العُرس من غفران المسيح، وتقدمن إلى ابن الله الآتي. فكلهن آمن بالمسيح وترقبْنَه.

ولكن كما أن العريس لا يأتي في حر الظهيرة، بل متأخراً عند برودة الليل، هكذا لم يأت المسيح في زمن ازدهار الكنيسة، بل سيأتي في ليل الاضطهاد وبغضة الشياطين. وكما أننا نسمع في المَثَل أن العذارى العشر كن نائمات جميعهن، سنختبر أن كل المسيحيين الأذكياء والأغبياء جميعاً سوف ينعسون، لأن ابن الله المنتصر لم يأتِ كما ظنّوا، وليس في زمن إنتظارهم.

هذا هو ضعفنا في الرجاء. إننا لا نواظب على انتظار المسيح، بل نيأس وننام. فالكنائس النائمة في الظلمة الكثيفة هي شعار الأيام الأخيرة. وللعجب أن المسيح لم يوبّخ نعسهن، بل اعتبره بديهياً، لأن ثقل الليل والانتظار الطويل وأحمال التجارب ترزح فوق كل المؤمنين.

إنما فرق كبير بين الكنائس النائمة في آخر الزمن. فيعضها ممتليء بالروح القدس، والبعض فارغ - لأن الزيت في المَثَل يدل على الروح القدس. وفتيلة القنديل هي كلمة الله، لأن قوة الروح تأتي بواسطة كلمة الله إلينا وتنيرنا.

25: 6 فَفِي نِصْفِ ٱللَّيْلِ صَارَ صُرَاخٌ: هُوَذَا ٱلْعَرِيسُ مُقْبِلٌ، فَٱخْرُجْنَ لِلِقَائِهِ! 7 فَقَامَتْ جَمِيعُ أُولَئِكَ ٱلْعَذَارَى وَأَصْلَحْنَ مَصَابِيحَهُنَّ. 8 فَقَالَتِ ٱلْجَاهِلاتُ لِلْحَكِيمَاتِ: أَعْطِينَنَا مِنْ زَيْتِكُنَّ فَإِنَّ مَصَابِيحَنَا تَنْطَفِئُ. 9 فَأَجَابَتِ ٱلْحَكِيمَاتُ: لَعَلَّهُ لا يَكْفِي لَنَا وَلَكُنَّ، بَلِ ٱذْهَبْنَ إِلَى ٱلْبَاعَةِ وَٱبْتَعْنَ لَكُنَّ. 10 وَفِيمَا هُنَّ ذَاهِبَاتٌ لِيَبْتَعْنَ جَاءَ ٱلْعَرِيسُ، وَٱلْمُسْتَعِدَّاتُ دَخَلْنَ مَعَهُ إِلَى ٱلْعُرْسِ، وَأُغْلِقَ ٱلْبَابُ. 11 أَخِيراً جَاءَتْ بَقِيَّةُ ٱلْعَذَارَى أَيْضاً قَائِلاتٍ: يَا سَيِّدُ، يَا سَيِّدُ، ٱفْتَحْ لَنَا. 12 فَأَجَابَ: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُنَّ: إِنِّي مَا أَعْرِفُكُنَّ. 13 فَٱسْهَرُوا إِذاً لأَنَّكُمْ لا تَعْرِفُونَ ٱلْيَوْمَ وَلا ٱلسَّاعَةَ ٱلَّتِي يَأْتِي فِيهَا ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ.

سيأتي المسيح من السموات في ساعة متأخرة لا يفكر أحد أن يأتي فيها. فمجيئه المفاجيء يهزّ ويقيم المؤمنين من تخيلاتهم، لأنهم جميعاً يعرفون من قبل أن ابن الله سيأتي، وأن نهاية الكون قريبة.

ولكن كثيرين لا يعتقدون أن مجيء المسيح والدينونة القاطعة هي حقيقة واقعة في أيامنا، فالفزع يعظم عند الذين لم يمتلئوا بكلمة الله. لأنهم لا يجدون في هذه اللحظة القوة للصلاة، ولم يصطلحوا مع إخوتهم، فيشعرون في هذه الساعة الفاصلة أنهم ناقصو المحبة وعديمو الطهارة وفاقدو البر. ويريدون التغطية والغلبة على هذه النقائص بسرعة. بيد أن فضائل الله لا تنمو فينا في لحظة واحدة، ولا يقدر أحد أن يقرضها أو يهبها أو يورّثها لغيره. علينا أن نشتريها بثمن غال هو إنكار النفس والتسليم الكلّي للمسيح مخلّصنا. إن بولس قد درّب ضميره وهو رسول للعيش في القداسة، وأسرع في سباق التقديس ليصل إلى الهدف فمرِّن أنت نفسك أيضاً في حياة الله لتسلك قديساً، لا بقوتك الخاصة بل بامتياز حلول روح الرب فيك.

إن أبواب السموات مقفولة في وجه كل الذين لم يتحدوا مع المسيح بإيمانهم، فمحبة الله عادلة وقدوسة. والمسيح لا يعترف بالذين لم يثبتوا في كلمته، بل يعتبرهم غرباء كأنه لم يسمع عنهم ولا عن صلواتهم شيئاً. وحتى لو تعالت الصرخات والولولة لأجل الفرصة الثمينة المفقودة، فلا يفتح الرب باب السماء.

الصلاة: أيها الآب، نشكرك لأجل أفراح السموات التي تجتذبنا إليها بمجيء ابنك. ساعدنا حتى نثبت فيه بواسطة الإيمان لنغلب قلوبنا القاسية بمحبتك الحارة، ونحب أعداءنا، ونستعد لمجيء يسوع. قدّسنا إلى التمام لنحب الضالين وندعوهم للالتقاء به فلا يهلكون.

السؤال: 15 - ما هو خطأ العذارى الجاهلات؟

9 - مَثَل أصحاب الوَزَنات (25: 14-30)

25: 14 وَكَأَنَّمَا إِنْسَانٌ مُسَافِرٌ دَعَا عَبِيدَهُ وَسَلَّمَهُمْ أَمْوَالَهُ، 15 فَأَعْطَى وَاحِداً خَمْسَ وَزَنَاتٍ، وَآخَرَ وَزْنَتَيْنِ، وَآخَرَ وَزْنَةً كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ. وَسَافَرَ لِلْوَقْتِ. 16 فَمَضَى ٱلَّذِي أَخَذَ ٱلْخَمْسَ وَزَنَاتٍ وَتَاجَرَ بِهَا، فَرَبِحَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخَرَ. 17 وَهٰكَذَا ٱلَّذِي أَخَذَ ٱلْوَزْنَتَيْنِ، رَبِحَ أَيْضاً وَزْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ. 18 وَأَمَّا ٱلَّذِي أَخَذَ ٱلْوَزْنَةَ فَمَضَى وَحَفَرَ فِي ٱلأَرْضِ وَأَخْفَى فِضَّةَ سَيِّدِهِ.

هل شكرت ربك على المواهب العظيمة التي وضعها فيك؟ لو سألك واحد «هل تبيع عينك أو قلبك؟» فلست مستعداً لذلك ولو أعطاك مليارات من الدنانير! فأنت غني أكثر من إدراكك، ومبارك فوق شكرك. فمتى ترتمي إلى الأرض، وتسجد للذي صنعك؟

وكل موهبة نافعة لخدمة الله. فتحرك واعمل واخدم ربك بيديك ورجليك وممتلكاتك ووقتك. أطلب من خالقك الحكمة والبصيرة فتخدمه بطريقة أكثر إثماراً.

25: 19 وَبَعْدَ زَمَانٍ طَوِيلٍ أَتَى سَيِّدُ أُولَئِكَ ٱلْعَبِيدِ وَحَاسَبَهُمْ. 20 فَجَاءَ ٱلَّذِي أَخَذَ ٱلْخَمْسَ وَزَنَاتٍ وَقَدَّمَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخَرَ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ، خَمْسَ وَزَنَاتٍ سَلَّمْتَنِي. هُوَذَا خَمْسُ وَزَنَاتٍ أُخَرُ رَبِحْتُهَا فَوْقَهَا. 21 فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا ٱلْعَبْدُ ٱلصَّالِحُ وَٱلأَمِينُ. كُنْتَ أَمِيناً فِي ٱلْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى ٱلْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ. 22 ثُمَّ جَاءَ ٱلَّذِي أَخَذَ ٱلْوَزْنَتَيْنِ وَقَالَ: يَا سَيِّدُ، وَزْنَتَيْنِ سَلَّمْتَنِي. هُوَذَا وَزْنَتَانِ أُخْرَيَانِ رَبِحْتُهُمَا فَوْقَهُمَا. 23 قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا ٱلْعَبْدُ ٱلصَّالِحُ ٱلأَمِينُ. كُنْتَ أَمِيناً فِي ٱلْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى ٱلْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ.

يستعد المسيحيون للالتقاء بربهم، ويجهّزون أنفسهم ويضاعفون مواهب الروح القدس بواسطة شهاداتهم وسلوكهم وتبرعاتهم وأعمالهم الخيرية. وكل مؤمن قد أصبح غنياً جداً لأن روح الله ساكن فيه. فحيثما تنقل إيمانك بمخلّصك بشهادتك المفرحة إلى الآخرين، فهناك تتحقق حياة الله فيهم. ولكنك لست أنت الذي تخلّص إنساناً من خطاياه بل كلمة الله الممتلئة بالقوة المتمركزة فيه والعاملة بواسطتك. فلا فخر لك إلا امتياز الخدمة.

وأمانتك تلتقي بأمانة الله، لأن من انسجم بدوافع الروح يشترك بالفرح الحال في القديسين اليوم، ويمتليء سروراً غداً حين يعاين الآب السماوي في مجده. والقديسون في السماء لا يتكاسلون ولا يسترخون بل يحصلون على مسؤوليات زائدة لأنهم كهنة وملوك لإلههم مشتركين في حكمته ومجده.

عرفنا أماً غير مثقفة، وليس لها مواهب في الفنون، وهي فقيرة، ولكنها مصلّية ومرتلة ومسبّحة ومجتهدة لتدبير الخبز لعائلتها. وقد ربَّت أولادها في خوف الله ومحبته وصبرت كثيراً، فتضاعفت موهبتها الروحية فيها. فإنها لذلك ستحصل على إكرام الله شخصياً فهل أصبحت أنت سبباً لمسرة الله؟

25: 24 ثُمَّ جَاءَ أَيْضاً ٱلَّذِي أَخَذَ ٱلْوَزْنَةَ ٱلْوَاحِدَةَ وَقَالَ: يَا سَيِّدُ، عَرَفْتُ أَنَّكَ إِنْسَانٌ قَاسٍ، تَحْصُدُ حَيْثُ لَمْ تَزْرَعْ وَتَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ تَبْذُرْ. 25 فَخِفْتُ وَمَضَيْتُ وَأَخْفَيْتُ وَزْنَتَكَ فِي ٱلأَرْضِ. هُوَذَا ٱلَّذِي لَكَ. 26 فَأَجَابَ سَيِّدُهُ: أَيُّهَا ٱلْعَبْدُ ٱلشِّرِّيرُ وَٱلْكَسْلانُ، عَرَفْتَ أَنِّي أَحْصُدُ حَيْثُ لَمْ أَزْرَعْ، وَأَجْمَعُ مِنْ حَيْثُ لَمْ أَبْذُرْ، 27 فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَضَعَ فِضَّتِي عِنْدَ ٱلصَّيَارِفَةِ، فَعِنْدَ مَجِيئِي كُنْتُ آخُذُ ٱلَّذِي لِي مَعَ رِباً. 28 فَخُذُوا مِنْهُ ٱلْوَزْنَةَ وَأَعْطُوهَا لِلَّذِي لَهُ ٱلْعَشْرُ وَزَنَاتٍ. 29 لأَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ يُعْطَى فَيَزْدَادُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَٱلَّذِي عِنْدَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ. 30 وَٱلْعَبْدُ ٱلْبَطَّالُ ٱطْرَحُوهُ إِلَى ٱلظُّلْمَةِ ٱلْخَارِجِيَّةِ، هُنَاكَ يَكُونُ ٱلْبُكَاءُ وَصَرِيرُ ٱلأَسْنَانِ.

كان العبد الشرير في مَثَل يسوع عاصياً متمرداً، لا يحب ربه، فسمَّى «الوهَّاب» إقطاعياً ظالماً، يحصد حيث لم يزرع. فهذا العبد الثائر كذب عندما قال إنه خاف من ربه وارتجف من غضبه. لأنه لو خاف منه حقاً لاشتغل وصلّى طالباً منه حكمة وإرشاداً. ولكنه عاش في اللامبالاة!

فالإنسان إما أن يكون خادماً لله أو عبداً لأنانيته. فخُدَّام الرب لا يجتهدون لربح خاص، بل يبذلون ذواتهم لمجد الله، ويعظمون اسمه المجيد، وينفّذون إرادته. ولكن الثائرين يعملون ويعيشون لأنفسهم، غير مهتمين بالله ولا يصلّون، فيضعِفون أنفسهم ويموت ضميرهم، فيشبهون الذي أخفى كنزه الموهوب من الله ودفنه ونسيه.

أخذ الرب من العبد الكسول الموهبة الصغيرة وأعطاها للذي كان عنده كثير، فزاد ما عنده. وهنا يسأل العقل الإنساني: أليس هذا ضد المساواة والأخوَّة؟ إن الله حكيم، ويعلم مسبَّقاً الأمين في خدمته، فيعطي للذي سيمارس خدماته كثيراً من المواهب، ويعطي للمتمرد قليلاً. فلم يرفض الرب الشرير، بل منحه الفرصة ليمرّن أمانته في القليل. ولكن من يستهزيء بالله ويعيش لنفسه، يختبر أن الرب يأخذ منه آخر فرصة، فتنطفيء فيه المواهب الروحية ويصبح قلبه كحجر صلب.

وزيادة على ذلك، فالمسيح لم يأخذ منه البركات والقوى الإيمانية فقط، بل يسلمه إلى أعدائه الهاجمين عليه كذئاب جائعة لتفترسه. وفسّر المسيح لنا جهنم بهذا المَثَل كظلمة كثيفة ممتلئة بالفزع والخوف، حيث الأرواح الشريرة وأتباع الشيطان يبلعون الثائر ضد الله.

الصلاة: أيها الآب السماوي، أسبّحك لأنك لم ترفضني، بل غفرت عدم أمانتي وقلة شهادتي، ومنحتني الإرادة لخدمتك. ساعدني لكيلا أرعى نفسي وبيتي أولاً، بل أحرس خرافك بالاجتهاد وأهديها وأعتني بها ليلاً نهاراً. سامحني للحكمة الناقصة في الخدمة، وامنحني التواضع والقوة لأعرف مشيئتك وأتممها، ليأتي ملكوتك ويتقدس اسمك فينا.

السؤال: 16 - كيف يحاسب الرب عبيده؟

10 - المسيح الديَّان (25: 31-46)

25: 31 وَمَتَى جَاءَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ ٱلْمَلائِكَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. 32 وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ ٱلشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ ٱلرَّاعِي ٱلْخِرَافَ مِنَ ٱلْجِدَاءِ، 33 فَيُقِيمُ ٱلْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَٱلْجِدَاءَ عَنِ ٱلْيَسَارِ.

هل تنتظر مجيء المسيح؟ لقد دُفع إليه كل السلطان في السماء وعلى الأرض، وهو جالس عن يمين أبيه، وسيأتي حتماً ببهائه ومجده العظيم ملكاً قاضياً، فيراه كل الناس، ويدركون أنه في المصلوب المرفوض كان مجد محبة الله مستتراً لمَّا فدى العالم على خشبة العار. وهكذا نشهد بمجد الله الآب وبمجد الابن أيضاً، الذي ظهر بكونه حَمَل الله الذبيح. وهو يدعو كل إنسان أن يزيد هذا المجد بواسطة خدمته، فتتحقق فينا أهم طلبة من الصلوات الربانية «ليتقدس اسمك».

وسوف يجمع المسيح الشعوب أمام كرسيه. وكما أنه فدى الجميع سيدينهم أيضاً. وكما شملت محبته الكل، هكذا ستصبح نفس المحبة مقياساً لجميع الناس، إذ قبلوها وتغيَّروا بها، أو بقوا قاسين في رفض المصالحة.

المسيح هو الراعي الصالح الذي وضع نفسه عن الخراف، وهي تتبعه وتعرف صوته. وقد أعطاها الحياة الأبدية فلا تهلك أبداً. وليس أحد يخطفها من يده. فكل من يتبع المسيح المضحّي بحياته، يصبح وديعاً ومتواضعاً أيضاً، باذلاً نفسه بلا تكبُّر، ثابتاً في رعوية محبة الله.

ولكن الذي يقسّي ذهنه ضد محبة المسيح وفدائه يشبه تيساً عنيداً ينطح بقرونه كل الناس، ويمضي في طريقه الخاص غير مصغٍ لصوت راعيه الصالح. فالإنسان بدون المسيح يبقى شريراً، ويزداد شراً على شر، ويثبت في الشرير، فيمتليء بروح الكذب والانتقام تابعاً أباه الشرير. فمن تُشبه أنت: حَمَل الله أو تيس الشيطان؟

25: 34 ثُمَّ يَقُولُ ٱلْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا ٱلْمَلَكُوتَ ٱلْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ. 35 لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيباً فَآوَيْتُمُونِي. 36 عُرْيَاناً فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضاً فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوساً فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. 37 فَيُجِيبُهُ ٱلأَبْرَارُ حِينَئِذٍ: يَارَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعاً فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَاناً فَسَقَيْنَاكَ؟ 38 وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيباً فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَاناً فَكَسَوْنَاكَ؟ 39 وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضاً أَوْ مَحْبُوساً فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ 40 فَيُجِيبُ ٱلْمَلِكُ: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هٰؤُلاءِ ٱلأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ.

يسمِّي المسيح القاضي الأزلي أتباعه المخلصين «مباركي أبي» لأنهم أصبحوا بواسطة إيمانهم به أولاد الله بالحق والجوهر. فالقدوس الأزلي هو أبوهم، وسكب روحه في قلوبهم، وملأ فؤادهم بمحبته الحارة، ومنحهم بركاته العديدة وصفاته السامية. فلم يكونوا هم صالحين في ذواتهم، ولكن بواسطة إيمانهم بالمسيح تغيَّروا مبدئياً وتجدَّدوا في كل نواحي حياتهم، فأصبحوا يحملون في قلوبهم ملكوت الله مستتراً، الذي سيظهر في مجيء المسيح مشرقاً من وجوههم، فيتحقق ما قاله المسيح «طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض».

ولا يزن المسيح إيمانك العاطفي في ساعة الدينونة، بل ثماره الظاهرة في أعمال محبتك. ولا يباحثك في العقائد والطقوس، ولا يسألك من أي طائفة تأتي، بل يسألك إن كنت قد أشبعت الجائعين، خبزاً يومياً وغذاء روحياً. وهو عليم بكل كأس ماء قدمته في سبيل الرحمة للمحتاجين، وقد سجَّل كل كلمة لطيفة عزّيت بها المضطربين.

والغريب في يوم الحساب أن مباركي الآب سيسألون المسيح متعجّبين: متى خدمناك؟ فلم يعتبروا أعمال محبتهم مهمة، ولم يكونوا واعين لقيمة خدماتهم التبشيرية، فتكلّموا من قلب فائض المحبة، وساعدوا المساكين بجهد واستمرار وتحنّن. فلم يقتربوا من الأغنياء والكبار والأذكياء والمشهورين، بل تواضعوا إلى الصغار المحتقرين والأشرار المساكين، كما عمل المسيح قبلهم، لأن المخلّص لا يتحد بالمتعجرفين، بل نزل من السماء ليشفي المرضى وليخلّص الخطاة. فإن أردت الالتقاء بالمسيح، ففتّش عن أخيك الإنسان البسيط الصغير في محيطك. هناك تجد رب الأرباب ومخلّص العالمين.

25: 41 ثُمَّ يَقُولُ أَيْضاً لِلَّذِينَ عَنِ ٱلْيَسَارِ: ٱذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاعِينُ إِلَى ٱلنَّارِ ٱلأَبَدِيَّةِ ٱلْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلائِكَتِهِ، 42 لأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي. 43 كُنْتُ غَرِيباً فَلَمْ تَأْوُونِي. عُرْيَاناً فَلَمْ تَكْسُونِي. مَرِيضاً وَمَحْبُوساً فَلَمْ تَزُورُونِي. 44 حِينَئِذٍ يُجِيبُونَهُ هُمْ أَيْضاً: يَارَبُّ مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعاً أَوْ عَطْشَاناً أَوْ غَرِيباً أَوْ عُرْيَاناً أَوْ مَرِيضاً أَوْ مَحْبُوساً وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟ 45 فَيُجِيبُهُمْ: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هٰؤُلاءِ ٱلأَصَاغِرِ فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا. 46 فَيَمْضِي هٰؤُلاءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَٱلأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ.

لربما تقول في تأملاتك عن الدينونة الأخيرة: هل كان الصالحون صالحين تماماً، والأشرار أشراراً فقط؟ هل لم يخطئ الصالحون مراراً ولم يعمل الأشرار صالحات أحياناً؟

فيا أيها الأخ العزيز، كل الصالحين كانوا أشراراً بكل معنى الكلمة، ولكن دم المسيح بررهم، وتجاوباً مع إيمانهم ملأهم روح الله بأعمال البر، فإيمانهم خلَّصهم لا أعمالهم.

أما الأشرار فبقوا أشراراً، لأن كل إنسان شرير إذا قسناه بقداسة الله. وقد كان خلاص الشرير ممكناً لأن المسيح مات لأجله، ولكن الأشرار رفضوا الفادي ولم يفتحوا قلوبهم لروح الله. فالمسيح يدين الأشرار حسب أعمالهم التي اتكلوا عليها خطأ، لأن عدم إيمانهم بالمسيح يدينهم.

وكل من يمتنع عن قبول خلاص المسيح يرفض البر، وكأنه يقول للمصلوب: حاسبني على أعمالي الصالحة. سلوكي يكفيني. أنا غير محتاج إليك!

ولكن بما أن محبة الله هي المقياس الوحيد في الدينونة، فسيظهر جميع الناس بدون غفران المسيح أشراراً، ويسقطون إلى الهلاك الأبدي حيث يعم اليأس والتجديف في البُعد عن النعيم.

وأما الأبرار في المسيح فسيضيئون في الحياة الأبدية كشموس، لأن المسيح حلّ فيهم، وشملهم بمحبته وحقه وقداسته.

الصلاة: أيها الرب يسوع المسيح المُقام من بين الأموات، نعظّمك ونحمدك لأنك فديتنا وخلّصتنا من الذنوب، وفديتنا ليس بفضة ولا ذهب بل بآلامك وموتك، لنكون خاصة لك ونعيش في ملكوتك مع كل القديسين في ملء قدرتك. كما أنك أنت قمت من بين الأموات وتحيا وتملك مع الآب والروح القدس إلهاً واحداً إلى أبد الآبدين.

السؤال: 17 - لماذا يظهر الصالحون في يوم الحساب بدون خطايا، والأشرار يظهرون أشراراً؟

رابعاً - آلام المسيح وموته (26: 1-27: 66)

1 - نبوة يسوع عن موته (26: 1-13)

26: 1 وَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هٰذِهِ ٱلأَقْوَالَ كُلَّهَا قَالَ لِتَلامِيذِهِ: 2 تَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ يَكُونُ ٱلْفِصْحُ، وَٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ يُسَلَّمُ لِيُصْلَبَ.

كان الفِصح عيداً لذكرى تحرير شعب العهد القديم من عبودية فرعون رعمسيس الثاني الطاغية، الذي لم يسمح للفعَلة العبيد أن يمارسوا عيدهم مع الله في البرية، فجاء ملاك الرب المُهلك، وقتل كل بِكر في مصر من الناس والبهائم. ولم يكن أولاد إبراهيم أحسن من الآخرين، ولكنهم آمنوا بقدرة حَمَل الله المذبوح، واحتموا بدمه وتقووا بأكل لحمه، فنجوا من غضب الله ودينونته. فمنذ ذلك الوقت، احتفلوا بعيد الفِصح ليذكروا مرور غضب الله عنهم.

وأكمل المسيح معنى هذا العيد القديم، وشبَّعه بأفكار جديدة عن فداء العالم أجمع. وصار بنفسه الذبيحة الكفارية، التي خلَّصت البشر كلهم من غضب الله الذي يعبّر عن كل الذين يؤمنون بالذبيح الإلهي.

وكان المسيح يعرف مسبَّقاً ساعة موته كما أنبأ بها الأنبياء كمحور التاريخ، كما عرف أيضاً كيفية وفاته: إن اليهود المتعصبين سيسلّمونه إلى أيدي الأمم، الذين سيعلّقونه على خشبة العار، وهو القدوس الحق.

26: 3 حِينَئِذٍ ٱجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةُ وَشُيُوخُ ٱلشَّعْبِ إِلَى دَارِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ ٱلَّذِي يُدْعَى قَيَافَا، 4 وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يُمْسِكُوا يَسُوعَ بِمَكْرٍ وَيَقْتُلُوهُ. 5 وَلٰكِنَّهُمْ قَالُوا: لَيْسَ فِي ٱلْعِيدِ لِئَلاّ يَكُونَ شَغَبٌ فِي ٱلشَّعْبِ.

أبغض زعماء اليهود المسيح لأنه بكَّتهم على ريائهم وذنوبهم، وطلب منهم تغيير الأذهان والتوبة الحقة والإيمان بشخصه، بينما هم لم يعتبروه ابن الله بل مجدّفاً، وحسدوه حقداً لأن الجماهير تبعته والعجائب شهدت لقدرته الكبيرة، فحمقوا في قلوبهم، وسمُّوه مُضلاً شيطاناً، وصمّموا على قتله سراً، وخاصة بعدما كشف للكتبة والفريسيين رياءهم. فاغتاظوا واجتمعوا في بيت رئيس الكهنة قيافا المدَّعي العام ليتشاوروا على خطة ماكرة لإبادته، دون أن يلاحظ الشعب قتله.

وعرف المسيح هذا التآمر السري فاختفى عنهم، لأنه قصد أن يموت في الساعة المعيَّنة من عيد الفِصح كحَمَل الله الفريد، ليعلم الجميع السبب والغاية التي من أجلها أخذ الله جسداً، فمات حسب إرادته الخاصة، وليس حسب تخطيط أعدائه.

26: 6 وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ ٱلأَبْرَصِ، 7 تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ ٱمْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيبٍ كَثِيرِ ٱلثَّمَنِ، فَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ. 8 فَلَمَّا رَأَى تَلامِيذُهُ ذٰلِكَ ٱغْتَاظُوا قَائِلِينَ: لِمَاذَا هٰذَا ٱلإِتْلافُ؟ 9 لأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هٰذَا ٱلطِّيبُ بِكَثِيرٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ. 10 فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا تُزْعِجُونَ ٱلْمَرْأَةَ؟ فَإِنَّهَا قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلاً حَسَناً! 11 لأَنَّ ٱلْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ. 12 فَإِنَّهَا إِذْ سَكَبَتْ هٰذَا ٱلطِّيبَ عَلَى جَسَدِي إِنَّمَا فَعَلَتْ ذٰلِكَ لأَجْلِ تَكْفِينِي. 13 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهٰذَا ٱلإِنْجِيلِ فِي كُلِّ ٱلْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضاً بِمَا فَعَلَتْهُ هٰذِهِ تِذْكَاراً لَهَا.

سكبت مريم أخت لعازر قارورة الطيب على جسد المسيح مندفعة بالروح القدس، لتدهنه كما يُدهَن الملوك ورؤساء الكهنة والأنبياء علامة لامتلائهم بالروح القدس، بالمسحة السماوية، فكان المسيح في وفاته الممسوح الحق، الحال فيه كل ملء اللاهوت جسدياً. وتمَّت هذه المسحة للموت بانسجام مع مشيئة الآب، فجرى هذا الرمز بتضحية امرأة بذلت كل كنوز حياتها لتمجيد المضطَهَد المحبوب.

لم يكن تلاميذ المسيح آنذاك ممسوحين بالروح القدس بعد، فحسبوا سكب قارورة الطيب إتلافاً، قائلين: إنه كان من الأفضل بيعها، ويُنفق ثمنها على الفقراء الجياع. ولكن المسيح مدح عمل مريم بمدح إلهي، وجعل خدمتها شهيرة كمقدمةٍ لصلبه ودفنه.

وبعدئذ وضَّح يسوع بجملة قصيرة أن الفردوس والمساواة لا تأتي بسهولة على الأرض، والفقر لا يُمحى من دنيانا، لأن القلوب تبقى قاسية إن لم تلن بمحبة الله والإيمان بالمسيح. وبما أن الجماهير لا ينفتحون لروح المسيح، فلا ينتهي الضيق في العالم، بل تنفق الشعوب الملايين على الطائرات والصواريخ والدبابات والقنابل، بينما يموت الملايين جوعاً!

الصلاة: أيها الرب يسوع، أنت الملك والقاضي الأزلي. نعترف أن جميعنا نستحق الإبادة لقساوة قلوبنا ونجاسة أفكارنا وبخل أعمالنا. فنعظّمك لأنك لا تديننا حالاً، بل قد نزلت من عرش مجدك وحمَلت خطايانا ومتَّ لأجلنا نحن المجرمين، فنشكر محبتك ونعظّم تضحيتك ونلتمس منك الغفران.

السؤال: 18 - ما الفرق بين نهاية متى 25 وبداية متى 26 ؟

2 - خيانة يهوذا (26: 14-25)

26: 14 حِينَئِذٍ ذَهَبَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ، ٱلَّذِي يُدْعَى يَهُوذَا ٱلإِسْخَرْيُوطِيَّ، إِلَى رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ 15 وَقَالَ: مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُونِي وَأَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ؟ فَجَعَلُوا لَهُ ثَلاثِينَ مِنَ ٱلْفِضَّةِ. 16 وَمِنْ ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ كَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةً لِيُسَلِّمَهُ.

أحب يهوذا المال أكثر من حبه لله. فلم يسمع لإرشادات وتعليمات معلمه خلال سنوات عديدة، بل تقسَّى تدريجياً، وانفصل عنه على مراحل، وعارض محبته بقلبه الثائر.

وكان يهوذا الوحيد الذي من منطقة اليهودية بين التلاميذ الاثني عشر، لأن الآخرين كانوا جليليين. وربما كان يهوذا متعاوناً مع المجلس الديني في العاصمة «القدس» جاسوساً له لحفظ الأمة من الانتقام الروماني، لكيلا يشاهد الرومان تجمُّع الشعب حول يسوع فيقضوا على الأمة.

وبنفس الوقت حاول يهوذا تخليص نفسه من تهديدات المجلس الديني، فعمد إلى تسليم معلّمه. ولعل يهوذا فكَّر أيضاً أن يُجبِر يسوع ليعلن سلطانه وينشيء ملكوته ظاهراً، بمواجهته رغماً مع الأعداء.

فسلَّم «المحكوم عليه» وأتباعه إلى ضيق شديد. وظهرت رداءة موقفه بقبول المال للخيانة. فما أنجسها تجارة، لأنه سلَّم إله المحبة بثمن تافه!

26: 17 وَفِي أَوَّلِ أَيَّامِ ٱلْفَطِيرِ تَقَدَّمَ ٱلتَّلامِيذُ إِلَى يَسُوعَ قَائِلِينَ: أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نُعِدَّ لَكَ لِتَأْكُلَ ٱلْفِصْحَ؟ 18 فَقَالَ: ٱذْهَبُوا إِلَى ٱلْمَدِينَةِ، إِلَى فُلانٍ وَقُولُوا لَهُ: ٱلْمُعَلِّمُ يَقُولُ إِنَّ وَقْتِي قَرِيبٌ. عِنْدَكَ أَصْنَعُ ٱلْفِصْحَ مَعَ تَلامِيذِي. 19 فَفَعَلَ ٱلتَّلامِيذُ كَمَا أَمَرَهُمْ يَسُوعُ وَأَعَدُّوا ٱلْفِصْحَ.

امتنع المسيح أمام يهوذا عن ذِكر المكان المقرر أن يجتمع فيه مع تلاميذه لآخر مرة، لأنه لم يرد إزعاجاً لحفلته الإلهية مع تلاميذه، وقَصَد أن يهيّيء جواً هادئاً لإعلان خُلاصة تبشيره وهدف مشيئته.

والأغلب أن يسوع احتفل مع تلاميذه عشية يوم الخميس، ولكن يوم ذَبْح الحملان كان يوم الجمعة. ويسوع ذاته هو الحَمَل المستعد للذبح لحماية البشر من الغضب الآتي.

26: 20 وَلَمَّا كَانَ ٱلْمَسَاءُ ٱتَّكَأَ مَعَ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ. 21 وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ قَالَ: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ، إِنَّ وَاحِداً مِنْكُمْ يُسَلِّمُنِي. 22 فَحَزِنُوا جِدّاً، وَٱبْتَدَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقُولُ لَهُ: هَلْ أَنَا هُوَ يَا رَبُّ؟ 23 فَأَجَابَ: ٱلَّذِي يَغْمِسُ يَدَهُ مَعِي فِي ٱلصَّحْفَةِ هُوَ يُسَلِّمُنِي. 24 إِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ، وَلٰكِنْ وَيْلٌ لِذٰلِكَ ٱلرَّجُلِ ٱلَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ. كَانَ خَيْراً لِذٰلِكَ ٱلرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ. 25 فَسَأَلَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ: هَلْ أَنَا هُوَ يَا سَيِّدِي؟ قَالَ لَهُ: أَنْتَ قُلْتَ.

عاش المسيح دائماً مع تلاميذه في شركة قريبة، فلقد أحبوا بعضهم بعضاً في القداسة، والله كان حاضراً معهم، وقوته الفعلية صبغت جوَّ شركتهم، فعمَّ الفرح والسلام بينهم، رغم أنهم مضطهَدون ومُلاحَقون.

وفي أثناء العشاء الربَّاني رفع يسوع قليلاً من الستار عن خائنه دون أن يعلن اسمه صراحة لكيلا يشهّره، لعله يرجع عن شر قلبه بتوبة نادمة. وأما إعلان الخيانة المُقبلة عليهم فسقط كقنبلة عليهم!

والمُرعب أنه لم يكن بين التلاميذ واحد متأكداً من أمانته، فشعر كل منهم بإمكانية الخيانة في قلبه. ولربما خطر لهم من قبل أن يفرّوا إلى العدو، لينجوا من غضب الأمة-فكلٌّ منهم رأى نفسه مكشوفاً أمام الرب، فانكسر بخجل.

وبدأ المسيح محاولة لربح نفس يهوذا، ليجذبه للتوبة والاعتراف، فرسم أمامه امتياز شركته ومحبته وقدرته التي اختبرها يهوذا في ربه طويلاً، وحذَّره بنفس الوقت من الدينونة في جهنم التي ستصيبه حتماً، لأنه قد اختبر نعمة الله وها هو يرفضها!

الصلاة: أيها الآب ارحمني أنا الخاطيء، وانزع بذرة كل خطية نفسي. اغفر لي خبثي والشر الساكن فيَّ، فبدون دم ابنك أنا هالك حتماً. خلِّصني من شهواتي، وقدّسني لأتبع بأمانة ابنك مع كل التائبين في الأرض.

السؤال: 19 - ماذا حدث قُبَيل رسم فريضة العشاء الربَّاني؟

3 - العشاء الربَّاني (26: 26-35)

26: 26 وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ ٱلْخُبْزَ، وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى ٱلتَّلامِيذَ وَقَالَ: خُذُوا كُلُوا. هٰذَا هُوَ جَسَدِي. 27 وَأَخَذَ ٱلْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: ٱشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، 28 لأَنَّ هٰذَا هُوَ دَمِي ٱلَّذِي لِلْعَهْدِ ٱلْجَدِيدِ ٱلَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ ٱلْخَطَايَا. 29 وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي مِنَ ٱلآنَ لا أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ ٱلْكَرْمَةِ هٰذَا إِلَى ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيداً فِي مَلَكُوتِ أَبِي.

خلال حفلة الفِصح في الغرفة المنعزلة أخذ يسوع الخبز وشكر لأجله أباه السماوي، وباركه لأجل سر العشاء الربَّاني، الذي سمَّاه المسيحيون الأولون «سرّ الشكر». ليت شكرنا ينمو إلى جانب محبتنا للمسيح، فبقدر محبتنا له يكون شكرنا له.

ووضَّح يسوع معنى الخبز، كأنه يقول لتلاميذه: كما يدخل هذا الخبز إلى جوفكم، أريد أن أحل وأسكن فيكم. وكما أن الخبز الطبيعي يقوّيكم للحياة والعمل والنشاط، أعمل أنا فيكم للحياة الأبدية والخدمات اليومية، فلا تكلُّون وتضعفون، بل تخدمون بفرح. أنا هو قوتكم.

وبعدما شرح يسوع معنى الخبز في العشاء الربَّاني أنه جسده، أخذ الكأس ووضّح لهم معنى الخمر. إنه رمز لدمه، لأن موته الكفاري أوجد لنا المصالحة مع الله. فبرُّنا ليس مبنياً على سفك دم ثيران مثلما حدث في العهد القديم، بل ابن الله تجسَّد ومات عوضاً عنَّا، سافكاً دمه الثمين ليُدخلنا إلى العهد الجديد مع أبيه، فيسكن روحه القدوس فينا.

إن موت المسيح على الصليب هو أساس العهد الجديد. وبذبيحته الفريدة لخَّص يسوع كل أنظمة الذبائح في العهد القديم وأتمّها. فهو في ذاته حَمَل الله الذي يحفظنا من غضب الله القدوس، وهو وحده ذبيحة العهد الجديد. فأوجد المسيح بموته فداءً كاملاً لخلاصنا الأبدي.

وقال يسوع إن فداءه سيتم في مجيئه الثاني، حيث يتكيء معنا كما اتكأ مع تلاميذه في العُلّية. وعندئذ سيظهر ملكوت أبيه بأمجاده وقدرته، فلا ينتهي شكر سجودنا، لأنه معنا وفينا ولن يفارقنا إلى الأبد.

26: 30 ثُمَّ سَبَّحُوا وَخَرَجُوا إِلَى جَبَلِ ٱلزَّيْتُونِ. 31 حِينَئِذٍ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هٰذِهِ ٱللَّيْلَةِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ ٱلرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ ٱلرَّعِيَّةِ. 32 وَلٰكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى ٱلْجَلِيلِ. 33 فَقَالَ بُطْرُسُ لَهُ: وَإِنْ شَكَّ فِيكَ ٱلْجَمِيعُ فَأَنَا لا أَشُكُّ أَبَداً. 34 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ فِي هٰذِهِ ٱللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُنِي ثَلاثَ مَرَّاتٍ. 35 قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: وَلَوِ ٱضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لا أُنْكِرُكَ! هٰكَذَا قَالَ أَيْضاً جَمِيعُ ٱلتَّلامِيذِ.

في أثناء العشاء الأخير مع تلاميذه قطع يسوع العهد الجديد. وإذ رسم وشرَّع سرّ العشاء الربَّاني، ختم الحفلة الفصحية بالتسبيحات المجيدة المكتوبة في المزمور 118. وبعد ذلك قام، وتقدّم نحو موته بتصميم ثابت.

ولم يفكّر أولاً في آلامه المُقبلة، بل في تلاميذه الضعفاء، وحذّرهم من التجربة المزمعة أن تنزل بهم، وعزَّاهم بقيامته الأكيدة التي هي انتصاره. واليوم، يقود المسيح رعيّته في موكب نصرته كما وعد، ويقوِّينا لحياة غالبة، فنسير في خطوات المسيح المُقام من بين الأموات.

لم يكن التلاميذ قد أدركوا الكفاح العنيف الذي ينتظرهم مع الأرواح المضادة لله. ولعلهم ظنوا أن قوتهم الذاتية تكفي للنضال. لهذا كان على المسيح أن ينبئهم بهزيمتهم الكاملة، لأنهم اعتبروا أنفسهم أقوى وأدهى حتى من الشيطان.

ولم يفهم التلاميذ الآية التي اقتبسها يسوع من التوراة، ولم يدركوا أن الله سيضرب الراعي الصالح فتتبدد الرعيّة! لقد فاق هذا الفكر عقولهم، وكان عثرة لهم كبيرة: كيف يُعقل أن الله يقتل مخلّص العالم الوحيد؟

واستاء بطرس من نبوة يسوع وأنه وكل التلاميذ سينكرون المسيح، فاعترض باعتداد، وأخذ يؤكد لربه إخلاصه المطلق. ولكن يسوع سمع مسبَّقاً صياح الديك، وحذَّر بطرس بهذه النبوّة، رغم علمه بأنه سيسقط في الخطية لأنه اتكل على نفسه!

4 - صلاة المسيح في جثسيماني (26: 36-46)

26: 36 حِينَئِذٍ جَاءَ مَعَهُمْ يَسُوعُ إِلَى ضَيْعَةٍ يُقَالُ لَهَا جَثْسَيْمَانِي، فَقَالَ لِلتَّلامِيذِ: ٱجْلِسُوا هٰهُنَا حَتَّى أَمْضِيَ وَأُصَلِّيَ هُنَاكَ. 37 ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَٱبْنَيْ زَبْدِي، وَٱبْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ. 38 فَقَالَ لَهُمْ: نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى ٱلْمَوْتِ. اُمْكُثُوا هٰهُنَا وَٱسْهَرُوا مَعِي.

كان المسيح على علم دقيق بما ينتظره من العذاب، لأن خطية العالم كلها كانت واقعة عليه، منذ أن تقلّد وظيفة حَمَل الله. ومقتضيات الفداء جعلته، وهو الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا، لنصير نحن برَّ الله فيه. وقد تجمَّع كل شر العالم على المسيح، قديمه وحديثه، ولكنه لم يضعف محبة المسيح، ولم يعطله عن القيام بعمل الفداء، فمات موتنا، وحمل دينونتنا.

من يدرك عُمق وعظمة آلام يسوع؟ لقد تعبت نفسه لأجلنا، لأنه انتُزع من وحدة الثالوث الأقدس، ليدخلنا نحن إلى عائلة الله. فمن يشكره لذبيحته الكاملة؟ وكيف تتوب عن خطاياك لتثبت في الله؟

26: 39 ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هٰذِهِ ٱلْكَأْسُ، وَلٰكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ.

سجود المسيح لله لا يعني أنه في ساعات آلامه فقد لاهوته، وإنما متطلبات الفداء كانت تستلزم اتضاعه إلى هذه الدرجة. والعبارات التي نطق بها في صلاته توضح لنا عُمق كفاح المحبة من أجل خلاصنا.

قد استهل يسوع سجوده بهذا النداء الرائع «يا أبتاه» لأنه أراد التمسّك بأبيه. لم يشكّ في بنوته لله ومحبة الآب له. وما يعزّينا نحن أحسن التعزية في أوقات الأحزان أن نعتبر الله العظيم أباً لنا، ونخاطبه بدالة البنين. ويحقّ لنا هذا الالتجاء، لأن المسيح شرب عوضاً عنا كأس غيظ الله على رجاسات الناس وفجورهم. ففي صلاته في جثسيماني رأى يسوع الكأس الممتليء بالغضب المهيأ له أن يشربه.

وتمنى المسيح في إنسانيته أن تعبر عنه هذه الكأس المريرة، وإن أمكن أن تتم إرادة الله الخلاصية دون أن يُصلب. ولكن الابن أخضع إرادته الشخصية لمشيئة أبيه مبدئياً وكاملاً، فظهر في هذا الكفاح الإيماني أن المسيح كان إنساناً تاماً، كما أنه كان إلهاً تاماً. وكذلك كانت له إرادة إنسانية في وحدة مع مشيئته الإلهية.

26: 40 ثُمَّ جَاءَ إِلَى ٱلتَّلامِيذِ فَوَجَدَهُمْ نِيَاماً، فَقَالَ لِبُطْرُسَ: أَهٰكَذَا مَا قَدِرْتُمْ أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟ 41 اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا ٱلرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا ٱلْجَسَدُ فَضَعِيفٌ.

بينما كان المسيح يجاهد متألماً يصارع الموت وإبليس، كان التلاميذ نياماً، حتى المختارين الثلاثة أيضاً. فلم يستطيعوا السهر معه، ولم يقدروا أن يسندوا المسيح ولا أن يقدموا في سبيل الأخوَّة أبسط خدمة للمتضايق، أي الابتهال لأجله.

فعاتبهم الرب، وأعلن لهم من اختباراته الخاصة أن جسد الإنسان ضعيف وخائف وغير مستعد لاحتمال الصليب، فبدون الروح القدس لا يقدر أحد أن يخدم الله، إنما الغلبة تُعطَى لمن يصلّي باستمرار فينال القوة ويتقوَّى في الإيمان ويحب أعداءه. فلذلك اقرأ الكتاب المقدس يومياً، واصغ إلى العظات الصالحة لكيلا تسقط في التجربة.

26: 42 فَمَضَى أَيْضاً ثَانِيَةً وَصَلَّى قَائِلاً: يَا أَبَتَاهُ، إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هٰذِهِ ٱلْكَأْسُ إِلاّ أَنْ أَشْرَبَهَا فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ.

غلب المسيح جسده بواسطة الروح القدس، فصلَّى صلاته الثانية متغيرة عن الأولى، وفي انسجام كامل مع الله. فقد أدرك الابن أنه لا يوجد طريق لخلاص العالم إلا بالصليب، فوافق في محبة لنا أن يشرب كأس الغضب الإلهي ويموت ذبيحة لأجل الخطاة وينفصل عن أبيه الذي فيه وهو فيه.

26: 43 ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُمْ أَيْضاً نِيَاماً، إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً. 44 فَتَرَكَهُمْ وَمَضَى أَيْضاً وَصَلَّى ثَالِثَةً قَائِلاً ذٰلِكَ ٱلْكَلامَ بِعَيْنِهِ. 45 ثُمَّ جَاءَ إِلَى تَلامِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ: نَامُوا ٱلآنَ وَٱسْتَرِيحُوا. هُوَذَا ٱلسَّاعَةُ قَدِ ٱقْتَرَبَتْ، وَٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي ٱلْخُطَاةِ. 46 قُومُوا نَنْطَلِقْ. هُوَذَا ٱلَّذِي يُسَلِّمُنِي قَدِ ٱقْتَرَبَ.

صلَّى يسوع ثلاث مرات في نفس الموضوع، واستخدم في صلاته الثالثة نفس الكلمات التي قالها في الثانية-ليس لعدم الإيمان أو الشك في استجابة كلماته، بل لعلمه اليقين أن المجرّب سيهاجمه في الساعات المُقبلة عدة مرات لينزعه من موقفه المطيع في خضوعه لإرادة الله. فثبَّت يسوع نفسه بصلوات متكررة في مشيئة الله. وتيقّن بالمواظبة في الدعاء أنه الشخص الوحيد الذي يستطيع احتمال غضب الله عوضاً عن جميع الأنام.

الصلاة: أيها الرب المسيح نسجد لك بتهلل وشكر، لأنك احتملت دينونة الله كلها. اقبل أجسادنا وقلوبنا وأذهاننا، شكراً لموتك النيابي عنا، وقدّسنا لكيلا نسقط في التجربة. علِّمنا الصلاة بالمواظبة لنثبت متحدين برأيك، واعين لكل محاولات من الشرير لإضلالنا.

السؤال: 20 - ماذا نتعلّم من صلوات المسيح الثلاث المتتابعة في بستان جثسيماني؟

5 - القبض على يسوع (26: 47-56)

26: 47 وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، إِذَا يَهُوذَا أَحَدُ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ قَدْ جَاءَ وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَشُيُوخِ ٱلشَّعْبِ. 48 وَٱلَّذِي أَسْلَمَهُ أَعْطَاهُمْ عَلامَةً قَائِلاً: ٱلَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ. 49 فَلِلْوَقْتِ تَقَدَّمَ إِلَى يَسُوعَ وَقَالَ: ٱلسَّلامُ يَا سَيِّدِي! وَقَبَّلَهُ. 50 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: يَا صَاحِبُ، لِمَاذَا جِئْتَ؟ حِينَئِذٍ تَقَدَّمُوا وَأَلْقَوُا ٱلأَيَادِيَ عَلَى يَسُوعَ وَأَمْسَكُوهُ.

سمَّى المسيح نفسه مرة أخرى ابن الإنسان، لأن الله دفع إليه دينونة البشر. وقد احتمل ضعفاتنا، ورفع خطية الأنام في جسده، وهو غلب كل خطية وشهوة بواسطة ألوهيته، وثبت قدوساً في كل التجارب. ولهذا السبب ظل مستحقاً أن يموت لأجلنا ذبيحة حية مرضية أمام الله.

وفجأة وهو في الصلاة هجم الجند وزعماء الدين عليه، وقيدوه ودفنوه وضربوه. ما أعظم البلية! الحق الحر رُبط من المربوطين في الخطية. ولكنه بقى حراً رغم قيوده، فقد أتت ساعة الظلمة ودان الظالمون الله بالذات لأجل محبته. ولكن المسيح لم يدن خائنه المحتال الذي قبّله بقبلة الخيانة كاذباً، إنما رمقه بعينه، معطياً له آخر فرصة للخلاص، وقال له «يا صاحب». إن محبة الله كلها ودعوته وغفرانه وخلاصه كان متضمَّناً في هذه الكلمة اللطيفة. فمهما كانت خطيتك عظيمة يسمّيك المسيح «صاحباً». هل تسمع صوته، وتنكسر تائباً باكياً؟

26: 51 وَإِذَا وَاحِدٌ مِنَ ٱلَّذِينَ مَعَ يَسُوعَ مَدَّ يَدَهُ وَٱسْتَلَّ سَيْفَهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ، فَقَطَعَ أُذُنَهُ. 52 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ ٱلَّذِينَ يَأْخُذُونَ ٱلسَّيْفَ بِٱلسَّيْفِ يَهْلِكُونَ! 53 أَتَظُنُّ أَنِّي لا أَسْتَطِيعُ ٱلآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ ٱثْنَيْ عَشَرَ جَيْشاً مِنَ ٱلْمَلائِكَةِ؟ 54 فَكَيْفَ تُكَمَّلُ ٱلْكُتُبُ: أَنَّهُ هٰكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؟.

أراد بطرس حسب وعده الدفاع عن ملكوت الله بالسيف، وظن أن بركة العلي ستحلّ على سلاحه. ولكن المسيح منعه من استعمال العنف. لأن ملكوته يأتي بواسطة اللطف والتأني والمحبة وحدها. والرب لم يستخدم اثني عشر جيشاً من الملائكة تحت تصرفه، ولم يجرّب الروح القدس الذي أنبأ بضرورة موته وقيامته لخلاص العالم، بل تقدّم نحو أعدائه وأحبهم. فلا تجرّب تنفيذ أفكارك بالقوة ولا تحتدّ، بل اصبر وسلّم لربك أمرك، وأحبّ أعداءك إلى المنتهى.

ثم شفى المسيح أذن العبد الذي هاجمه بطرس ليقدر أن يسمع كلمة الله مرة أخرى. تصوَّر تعجُّب العبد إذ رأى أذنه المقطوعة وقد أعادها «عدوه» ملحومة إلى موضعها ولم يقتله. فهذا الشفاء يؤكد لنا أنه بالنعمة يغفر لأعدائه، ويفتح لهم ملكوت الله مجاناً.

26: 55 فِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ قَالَ يَسُوعُ لِلْجُمُوعِ: كَأَنَّهُ عَلَى لِصٍّ خَرَجْتُمْ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ لِتَأْخُذُونِي! كُلَّ يَوْمٍ كُنْتُ أَجْلِسُ مَعَكُمْ أُعَلِّمُ فِي ٱلْهَيْكَلِ وَلَمْ تُمْسِكُونِي. 56 وَأَمَّا هٰذَا كُلُّهُ فَقَدْ كَانَ لِكَيْ تُكَمَّلَ كُتُبُ ٱلأَنْبِيَاءِ. حِينَئِذٍ تَرَكَهُ ٱلتَّلامِيذُ كُلُّهُمْ وَهَرَبُوا.

أحب يسوع مهاجميه ودافع عن نفسه، ليس بإنكار الحق، بل وبَّخهم بكلماته، وأراهم رياءهم وجُبنهم وخوفهم من الشعب. وبعدئذ أعلن لهم أن ليس لهم سلطة عليه. إنما الله وحده هو الذي أظهر بالأنبياء مسبَّقاً أن المسيح سيُسلَّم إلى أيدي الأمم ليفديهم من رجاساتهم.

وإلى تلك اللحظة كان التلاميذ ماكثين قرب يسوع. ولكن لمَّا سمعوا أن الله نفسه سلَّم يسوع إلى أيدي أعدائه هربوا إلى ليل اليأس بائسين.

الصلاة: أيها الرب يسوع، أنت وديع ومتواضع القلب، وسلَّمت نفسك إلى إرادة أبيك. اغفر لنا كل عنف وخبث، وعلّمنا سماع كلمتك والإيمان بك، لنتغيَّر وننجو من سيف دينونتك. فنسلُك ودَعَاء حيث تريد أنت.

السؤال: 21 - ما معنى تقييد يسوع؟

6 - يسوع أمام المحكمة الدينية (26: 57-68)

26: 57 وَٱلَّذِينَ أَمْسَكُوا يَسُوعَ مَضَوْا بِهِ إِلَى قَيَافَا رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ، حَيْثُ ٱجْتَمَعَ ٱلْكَتَبَةُ وَٱلشُّيُوخُ. 58 وَأَمَّا بُطْرُسُ فَتَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ إِلَى دَارِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ، فَدَخَلَ إِلَى دَاخِلٍ وَجَلَسَ بَيْنَ ٱلْخُدَّامِ لِيَنْظُرَ ٱلنِّهَايَةَ. 59 وَكَانَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلشُّيُوخُ وَٱلْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ عَلَى يَسُوعَ لِكَيْ يَقْتُلُوهُ، 60 فَلَمْ يَجِدُوا. وَمَعَ أَنَّهُ جَاءَ شُهُودُ زُورٍ كَثِيرُونَ، لَمْ يَجِدُوا. وَلٰكِنْ أَخِيراً تَقَدَّمَ شَاهِدَا زُورٍ 61 وَقَالا: هٰذَا قَالَ إِنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَنْقُضَ هَيْكَلَ ٱللّٰهِ، وَفِي ثَلاثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِيهِ. 62 فَقَامَ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ بِهِ هٰذَانِ عَلَيْكَ؟ 63 وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ سَاكِتاً.

لم يقدر الشهود الذين مَثَلوا أمام محكمة المجمع الديني أن يُثبتوا علّة واحدة على المسيح، لأن كل أقوالهم تناقضت مع بعضها، فلم يجد الفقهاء والرؤساء والشيوخ سبباً ملموساً لإدانة المسيح. فوقف أمامهم بريئاً.

ولم يفهموا كلمة المسيح عن هدم الهيكل وإعادة بنائه في ثلاثة أيام، لأن المسيح أشار بهذه النبوة إلى موته وقيامته. مع العلم أنه لم يقل بأنه هو شخصياً سيهدم الهيكل، بل إن هدموا هم الهيكل فهو مستعد ليبنيه في ثلاثة أيام. وإنما قصد بذلك جسده الممتليء بلاهوت الله.

وصمت يسوع أمام افتراءات وأكاذيب البشر. ولمَّا وصلت المحاكمة إلى مرحلة فشلها، قام قيافا رئيس الكهنة لتلك السنة، وقد كان لمدة طويلة المدَّعي العام الماكر والماهر في أمته، الذي تلاعب بين الشريعة ومطاليب الرومان، وفي غيظه جرَّب أن يوقع بالمسيح عن طريق استدراجه لقول يدينه. فيحكمون عليه فوراً. ولكن يسوع لم يجاوب على السؤال الماكر، بل رمقه بعينيه وأدانه بلا كلمة!

26: 63 فَسَأَلَهُ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ: أَسْتَحْلِفُكَ بِٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ؟ 64 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضاً أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ ٱلآنَ تُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ ٱلْقُوَّةِ، وَآتِياً عَلَى سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ.

لمَّا انتهى استفهام الشهود وثبتت براءة يسوع، عزم قيافا أن يدفع المسيح لتصريح يعتبره الناموس اليهودي تجديفاً، فاستحلف يسوع المقيّد أمامه ليعلن جوهره ويجاوبه على السؤال القاطع: إن كان هو المسيح المنتظر ابن الله الحي؟

وفي ذروة المحاكمة هذه خرج يسوع عن صمته، وأعلن دينونة قاطعة على قاضيه، إذ قال موجّهاً خطابه أولاً إلى قيافا «أنت قلت. قد عرفت الحقيقة ونطقت بها. ولكن لم تؤمن بألوهيتي. فستهلك بسبب قولك إن لم تتب».

ثم وجّه المسيح خطابه لنواب الأمة المصغين إليه بأكثر انتباه، معلناً نفسه أمامهم بشهادة باهرة أنه المسيح الحق، فسيجلس عن يمين أبيه، الذي هو القوة الوحيدة في العالم رباً ومالكاً معه، وأنه سيأتي ثانية في سحابة المجد ليدين الأحياء والأموات، ومن بينهم القضاة الحاضرين أمامه.

وقد استخدم يسوع لإعلان نفسه نبوة داود في المزمور 110 «قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك». فباستخدام هذه النبوة سمَّى يسوع نفسه رباً والشيوخ أمامه أعداء الله الذين سيرميهم مقيدين أمام كرسي يسوع.

وأكمل يسوع إدانته الإلهية عليهم، وشهد أنه ابن الإنسان المذكور في سفر دانيال، الذي سيأتي في سحاب السماء مفوَّضاً من الله أبيه ومكللاً بالمجد ليدين كل الشعوب والأفراد. فيسوع المقيَّد أعلن نفسه القاضي الأزلي، وقُضاته الذين أمامه محكوماً عليهم.

26: 65 فَمَزَّقَ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ حِينَئِذٍ ثِيَابَهُ قَائِلاً: قَدْ جَدَّفَ! مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ هَا قَدْ سَمِعْتُمْ تَجْدِيفَهُ! 66 مَاذَا تَرَوْنَ؟ فَأَجَابُوا: إِنَّهُ مُسْتَوْجِبُ ٱلْمَوْتِ. 67 حِينَئِذٍ بَصَقُوا فِي وَجْهِهِ وَلَكَمُوهُ، وَآخَرُونَ لَطَمُوهُ 68 قَائِلِينَ: تَنَبَّأْ لَنَا أَيُّهَا ٱلْمَسِيحُ، مَنْ ضَرَبَكَ؟.

بعدما أعلن يسوع مجده في جملة واحدة عظيمة، ودعا وجوه شعبه إلى التوبة والإيمان والسجود، حنقوا وحمى غيظهم، فحكموا عليه بالإعدام لأجل ما سمّوه «تجديفاً» وأهانوا يسوع بكل إهانة.

وكان عليهم بمقتضى متطلبات أحكامهم الشرعية أن يضربوا المجدّف الذي في وسطهم فوراً، رمزاً على أنهم لا يشتركون في ذنبه، بل يرفضون الشرير من بينهم. والبعض بالغ في هذا الاستهزاء حتى سمّوه «نبي الله» طالبين منه نبوة!

فهل أنت أفضل من زعماء شعب العهد القديم؟ ما هو قرارك؟ هل تعترف أن يسوع، هو المسيح المخلِّص ابن الله الحي، أو ترفض ألوهيته وفداءه؟

الصلاة: نشكرك أيها الرب يسوع، لأنك سكتَّ أمام المجلس الأعلى مدة طويلة، وأعلنت لهم بعدئذ بجملة واحدة مجدك الكامل. فاملأ قلوبنا بطاعة الإيمان، لنذهب إلى العالم أجمع وننشر اسمك فيأتي ملكوتك.

السؤال: 22 - ما معنى الجملة الوحيدة التي قالها يسوع أمام المحكمة الدينية؟

7 - بطرس ينكر المسيح (26: 69-75)

26: 69 أَمَّا بُطْرُسُ فَكَانَ جَالِساً خَارِجاً فِي ٱلدَّارِ، فَجَاءَتْ إِلَيْهِ جَارِيَةٌ قَائِلَةً: وَأَنْتَ كُنْتَ مَعَ يَسُوعَ ٱلْجَلِيلِيِّ. 70 فَأَنْكَرَ قُدَّامَ ٱلْجَمِيعِ قَائِلاً: لَسْتُ أَدْرِي مَا تَقُولِينَ! 71 ثُمَّ إِذْ خَرَجَ إِلَى ٱلدِّهْلِيزِ رَأَتْهُ أُخْرَى، فَقَالَتْ لِلَّذِينَ هُنَاكَ: وَهٰذَا كَانَ مَعَ يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيِّ! 72 فَأَنْكَرَ أَيْضاً بِقَسَمٍ: إِنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ ٱلرَّجُلَ! 73 وَبَعْدَ قَلِيلٍ جَاءَ ٱلْقِيَامُ وَقَالُوا لِبُطْرُسَ: حَقّاً أَنْتَ أَيْضاً مِنْهُمْ، فَإِنَّ لُغَتَكَ تُظْهِرُكَ! 74 فَٱبْتَدَأَ حِينَئِذٍ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: إِنِّي لا أَعْرِفُ ٱلرَّجُلَ! وَلِلْوَقْتِ صَاحَ ٱلدِّيكُ. 75 فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلامَ يَسُوعَ ٱلَّذِي قَالَ لَهُ: إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ ٱلدِّيكُ تُنْكِرُنِي ثَلاثَ مَرَّاتٍ. فَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرّاً.

أراد بطرس أن يتبع المسيح بعزم وجرأة وأمانة، وكان متحمساً ومتكلاً على نفسه، فتبع المسيح سراً من بعيد، بينما تملَّك اليأس التلاميذ الآخرين فهربوا. ولعله لم يؤمن بانكسار المسيح، بل رجا أن ينتصر في اللحظة الأخيرة بتأييد ملايين الملائكة، فيساهم في الانتصار، ويكون لديه من المقرَّبين.

فعثر لأول وهلة أمام استجواب خادمة بسيطة عرفته في دار الولاية المضاءة، وشهدت بصوت عال أنه من أتباع يسوع، ولربما جاء لإنقاذه. ولم يرد بطرس النِّقاش مع امرأة، بل فضَّل الكفاح ضد الرجال، فأنكر سيده أمام كل المستمعين قائلاً للمرأة «لا أعلم شيئاً مما تقولين».

وهيَّج سؤال الجارية قلبه بسبب خطر القبض عليه، ولكنه تظاهر بالاطمئنان واللامبالاة. وبعد قليل قام متمهلاً وخرج من الباب إلى الدار الخارجية لينطلق من النور إلى الظلمة. فلحقه الشيطان وأرسل امرأة أخرى إليه كشفته بعين المراقبة، فكذب ثانية، وحلف أنه لم يَرَ المسيح طيلة حياته، فسقط من كذبة إلى أخرى.

ولمَّا التفت إليه الحاضرون وبينهم جنود وهو يحلف ويصيح، تراكضوا عليه وبرهنوا له من طريقة نطقه أنه جليلي ولا بد أنه من أتباع المتهم. عندئذ لعن بطرس وحلف أنه لا صلة به بالمسيح ولم يره ولم يعرفه.

ولكن المسيح في محبته سخَّر ديكاً ليوقظ بطرس، فصاح الديك وذكَّره بنبوّة المسيح، فأدرك جُبنه وشرَّه وضعفه، فانكسر وبكى بكاءً مراً. فهنا مات بطرس لكبريائه، وانسحقت ثقته بنفسه نهائياً. وأنت، ألم يصح الديك لكبريائك وثقتك بنفسك؟ هل عندك جرأة لتقول إن المسيح هو ابن الله الحي، رغم المنكرين الذين حولك؟

الصلاة: أيها الرب يسوع المسيح، اغفر لنا اتكالنا على أنفسنا، واخلق فينا الثقة بالله وحده، لنثبت في حقك أمناء حتى ساعة التجربة. علّمنا أن نبتعد عن كل كذبة بيضاء، ونعترف أنك ابن الله ولا ننكرك بصمتنا.

السؤال: 23 -لماذا أنكر بطرس ربه ثلاث مرات؟

8 - نهاية يهوذا الخائن (27: 1-10)

27: 1 وَلَمَّا كَانَ ٱلصَّبَاحُ تَشَاوَرَ جَمِيعُ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَشُيُوخُ ٱلشَّعْبِ عَلَى يَسُوعَ حَتَّى يَقْتُلُوهُ، 2 فَأَوْثَقُوهُ وَمَضَوْا بِهِ وَدَفَعُوهُ إِلَى بِيلاطُسَ ٱلْبُنْطِيِّ ٱلْوَالِي.

في تلك الليلة، وعلى أساس إعلان يسوع عن نفسه أنه المسيح والرب، أخبرت لجنة التحقيق بهذا الاعتراف الأعضاء الذين لم يحضروا الجلسة، وما قررته بشأنه من حكم الإعدام، حتى يوافقوا عليه. فتراكض رؤساء الكهنة والكتبة والفقهاء والشيوخ ووجوه الأمة وحكموا على يسوع بالموت. وبما أن تنفيذ الحكم بالموت كان محرَّماً عليهم من حكام الرومان، فقد قرروا تسليم «الملك المدَّعي» إلى أيدي الأمم المحتقرين، ليخربوا سمعته في الشعب، لأنه إن لم يقدر على تخليص نفسه من سلطة الرومان، فليس هو المسيح المنتظَر الآتي بملكوت الله، والغالب على كل الأشرار.

27: 3 حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى يَهُوذَا ٱلَّذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ، نَدِمَ وَرَدَّ ٱلثَّلاثِينَ مِنَ ٱلْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلشُّيُوخِ 4 قَائِلاً: قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَماً بَرِيئاً. فَقَالُوا: مَاذَا عَلَيْنَا؟ أَنْتَ أَبْصِرْ! 5 فَطَرَحَ ٱلْفِضَّةَ فِي ٱلْهَيْكَلِ وَٱنْصَرَفَ، ثُمَّ مَضَى وَخَنَقَ نَفْسَهُ.

فزع يهوذا وندم لمَّا رأى أن سيده لم ينشيء انقلاباً، بل قبل الإدانة والحكم بالموت، فأدرك أنه سبب موته. ولكن ندامته أتت متأخرة، كندم قايين على قتله أخيه. وهذا الندم المتأخر يقود إلى اليأس. حقاً إنه قد اعترف بخطيته لرؤساء الكهنة، ولكن لم يجد عندهم شفقة. فهو كأول يهودي شهد ببراءة يسوع، وفوق ذلك أرجع مال خيانته، وردّه إلى الهيكل بين يدي الله. واعترافه لم يكن في الحقيقة بداية لتوبة نصوحة، بل كان اعتراف الخائف من مصيره السيء. فتراكم ذنبه أمام عيني نفسه كجبل عال ضاغط عليه، حتى ربط نفسه بحبل واختنق، فانقطع الحبل وسقط الخائن إلى أسفل، فانشقَّ بطنه وخرجت أمعاؤه (أعمال 1: 18).

27: 6 فَأَخَذَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ ٱلْفِضَّةَ وَقَالُوا: لا يَحِلُّ أَنْ نُلْقِيَهَا فِي ٱلْخِزَانَةِ لأَنَّهَا ثَمَنُ دَمٍ. 7 فَتَشَاوَرُوا وَٱشْتَرَوْا بِهَا حَقْلَ ٱلْفَخَّارِيِّ مَقْبَرَةً لِلْغُرَبَاءِ. 8 لِهٰذَا سُمِّيَ ذٰلِكَ ٱلْحَقْلُ (حَقْلَ ٱلدَّمِ) إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ. 9 حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا ٱلنَّبِيِّ: وَأَخَذُوا ٱلثَّلاثِينَ مِنَ ٱلْفِضَّةِ، ثَمَنَ ٱلْمُثَمَّنِ ٱلَّذِي ثَمَّنُوهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، 10 وَأَعْطَوْهَا عَنْ حَقْلِ ٱلْفَخَّارِيِّ، كَمَا أَمَرَنِي ٱلرَّبُّ.

صفَّى رؤساء الكهنة البعوضة وبلعوا الجمال عندما لم يقبلوا وضع مال يهوذا في الصندوق المكرَّس لله، لأنه كان ملوثاً معنوياً بالدم، فاشتروا به حقلاً لدفن الغرباء النجسين، ليرتبط الظلم بالظلم. ولكن في كل أعمالهم الشرعية الدقيقة لم يدركوا أنهم بتصرفاتهم المنافقة قد أتمّوا نبوّة الله، الذي أعلن لإرميا ثمن المبلغ المقبوض لخيانة يسوع، وهو ثلاثون من الفضة. وكذلك الطريقة التي يُصْرَف لأجلها.

الصلاة: أيها الرب يسوع، عندما أنظر لنهاية يهوذا أرتجف وأقشعر. اغفر لي كل كذب ومحبة مال وخيانة، وإرادة متمردة ضد محبتك. انزعني من كل تجربة لأعترف قدامك بكل خطاياي، وأتوب بإرشاد روحك القدوس وأتبعك متواضعاً قنوعاً وديعاً، وأنشر مملكة محبتك بالأمانة.

السؤال: 24 - ما هو المُحزِن في نهاية يهوذا الخائن؟

9 - يسوع أمام المحكمة المدنية (27: 11-26)

27: 11 فَوَقَفَ يَسُوعُ أَمَامَ ٱلْوَالِي. فَسَأَلَهُ ٱلْوَالِي: أَأَنْتَ مَلِكُ ٱلْيَهُودِ؟ فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنْتَ تَقُولُ. 12 وَبَيْنَمَا كَانَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلشُّيُوخُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ لَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ. 13 فَقَالَ لَهُ بِيلاطُسُ: أَمَا تَسْمَعُ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ؟ 14 فَلَمْ يُجِبْهُ وَلا عَنْ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، حَتَّى تَعَجَّبَ ٱلْوَالِي جِدّاً.

وقف يسوع أمام المحكمة المدنية، الممثلة ببيلاطس الوالي الروماني حاكم فلسطين، وكان عنيفاً جداً يحتقر الشعب ويكرهه الشعب، فلم يتباحث مع الشيوخ ولا مع يسوع، بل سأل المسيح مباشرة عن فحوى الشكوى المقدَمة من المجلس الديني. هل أنت الملك الجديد لهذا الشعب؟ فإن الشيوخ بحيلتهم لم يقدموا الشكوى على يسوع إلى ولاة الرومان لأسباب دينية حسب شريعتهم، بل اتهموه سياسياً بالفتنة، ليُجبروا الوالي أن يصغي إليهم. لأنهم لو قدَّموا إليه شكوى دينية من خصوماتهم الناموسية، لصرفهم بيلاطس بلا مبالاة.

ولو جاوب يسوع على سؤال بيلاطس بالنفي، فلربما كان أطلقه، لكنه أثبت رسمياً أنه الملك المنتَظَر الفريد الإلهي. فموافقته الواضحة لملوكيته أعلن أنه الملك الحق، المالك على ممتلكاته. وله حق الحكم المُطلَق.

ولمَّا سمع بيلاطس كلمة «نعم» من فم يسوع، عكس كل ما توقعه، ابتسم لأنه رأى في هذا الشاب الناصري أحد المتحمّسين النُسّاك الذين لا أهمية لهم. ولم يكتشف بيلاطس فيه أي تجهيز لإنشاء مُلك أو تجمُّع جيش ولا إعداداً لفتنة. وكان بيلاطس قد بثَّ جواسيسه في كل البلاد، فلم يأتوه إلا بأخبار شفاء المرضى، والتكلّم عن الوداعة والعفة والمحبة والحق، وركب على حمار بلا أسلحة قاصداً العاصمة. فلا ضرر منه على الإمبراطورية الرومانية!

وعندما لاحظ الشيوخ استعداد بيلاطس لترك يسوع، ابتدأوا يصيحون ببراهين أن يسوع محرِّض، وأكبر عدو للقيصر. أما المسيح فلم يجبهم على اتهاماتهم بكلمة واحدة. وصمت لما أتاح له الوالي فرصة للدفاع عن النفس، فعلم يسوع أن بيلاطس عرف الحق، وأنه مسؤول أمام الحق للحكم بالعدالة. فصار صمت المسيح دعوة واضحة لضمير الوالي.

27: 15 وَكَانَ ٱلْوَالِي مُعْتَاداً فِي ٱلْعِيدِ أَنْ يُطْلِقَ لِلْجَمْعِ أَسِيراً وَاحِداً، مَنْ أَرَادُوهُ. 16 وَكَانَ لَهُمْ حِينَئِذٍ أَسِيرٌ مَشْهُورٌ يُسَمَّى بَارَابَاسَ. 17 فَفِيمَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ قَالَ لَهُمْ بِيلاطُسُ: مَنْ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟ بَارَابَاسَ أَمْ يَسُوعَ ٱلَّذِي يُدْعَى ٱلْمَسِيحَ؟ 18 لأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُمْ أَسْلَمُوهُ حَسَداً. 19 وَإِذْ كَانَ جَالِساً عَلَى كُرْسِيِّ ٱلْوِلايَةِ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ ٱمْرَأَتُهُ قَائِلَةً: إِيَّاكَ وَذٰلِكَ ٱلْبَارَّ، لأَنِّي تَأَلَّمْتُ ٱلْيَوْمَ كَثِيراً فِي حُلْمٍ مِنْ أَجْلِهِ. 20 وَلٰكِنَّ رُؤَسَاءَ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلشُّيُوخَ حَرَّضُوا ٱلْجُمُوعَ عَلَى أَنْ يَطْلُبُوا بَارَابَاسَ وَيُهْلِكُوا يَسُوعَ.

كان باراباس ثائراً قاتلاً وعدواً لروما. وحاول بيلاطس أن يبعد الشيوخ عن بغضتهم ليسوع، عندما أوقفهم أمام الاختيار الذي ليس اختياراً حقاً. لأنهم لو قرروا المطالبة بتحرير باراباس، يعترفون أنهم أعداء روما. فحاول بيلاطس أن يجتذب شيوخ الشعب إلى فخ، وأن يطلق يسوع بنفس الوقت.

وكان الوالي مثل كثيرين من الموظفين في الوظائف العليا مؤمناً بالأرواح يتكل على الأرواح والعرَّافين. ولم يعرف الله الحق، بل خاف من الآلهة المتعددة والأشباح والأرواح المتنوعة. وقد سمعت امرأته عن أعمال يسوع الرحيمة، واضطربت من القبض عليه، فزاد الله اضطرابها ليلاً، حتى شعرت بوضوح أن زوجها أشرف على أكبر غلطة في حياته، فلم تخجل أن ترسل له مخبراً، وهو جالس على كرسي الولاية في المحكمة، لتحذّره تحذيراً شديداً من الحكم على يسوع.

27: 21 فَسَأَلَ ٱلْوَالِي: مَنْ مِنَ ٱلاثْنَيْنِ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟ فَقَالُوا: بَارَابَاسَ. 22 قَالَ لَهُمْ بِيلاطُسُ: فَمَاذَا أَفْعَلُ بِيَسُوعَ ٱلَّذِي يُدْعَى ٱلْمَسِيحَ؟ قَالَ لَهُ ٱلْجَمِيعُ: لِيُصْلَبْ! 23 فَقَالَ ٱلْوَالِي: وَأَيَّ شَرٍّ عَمِلَ؟ فَكَانُوا يَزْدَادُونَ صُرَاخاً قَائِلِينَ: لِيُصْلَبْ!

جلس بيلاطس على كرسي الولاية ليقرر تحرير أحد الأسرى، فتعجَّب وغضب جداً لمَّا صرخت الحشود بصوت واحد: نختار باراباس الفدائي، محرر الأمة، البطل العظيم!

وعلم الوالي أنه ليس مستحَباً ولا حكيماً أن يقتل بريئاً، فترك قرار الحكم على يسوع للشعب اليهودي، وسمَّى في هذا الاقتراح يسوع أنه «المسيح المنتَظَر» ليلعب بعواطفهم الدينية.

عند ذلك انطلقت لأول مرة الكلمة الفظيعة «اصلبه!». أطلقها الشعب بناءً على تلقين الكهنة.

وتضايق بيلاطس من هذا الطلب لأن الصلب بدون سبب ظلم كبير، ويمكن أن يصير سبباً للحكم على الحاكم الظالم. فطلب من اليهود أن يبرهنوا ذنب المتهم بوضوح، ولكنهم لم يقدروا أن يأتوا بعمل شرير واحد ولا بكلمة رديئة من فم يسوع. فاختاروا الوسيلة المعروفة عبر القرون وهي الشغب والضجيج والصراخ الهائج «اصلبه! اصلبه!».

27: 24 فَلَمَّا رَأَى بِيلاطُسُ أَنَّهُ لا يَنْفَعُ شَيْئاً، بَلْ بِٱلْحَرِيِّ يَحْدُثُ شَغَبٌ، أَخَذَ مَاءً وَغَسَلَ يَدَيْهِ قُدَّامَ ٱلْجَمْعِ قَائِلاً: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هٰذَا ٱلْبَارِّ. أَبْصِرُوا أَنْتُمْ. 25 فَأَجَابَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ: دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلادِنَا. 26 حِينَئِذٍ أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ، وَأَمَّا يَسُوعُ فَجَلَدَهُ وَأَسْلَمَهُ لِيُصْلَبَ.

علم بيلاطس أن يسوع بار وشهد ببراءته عدة مرات فغسل يديه بالماء رمزاً لبراءته من دم المسيح أمام الجميع، رغم أنه ظالم لعدم تركه يسوع. فوضع كل الذنب على الشعب وشهد ببراءة المسيح، فصرخوا بصوت واحد «دمه علينا وعلى أولادنا». وتاريخ اليهود يشهد لبرّ الله وعدالته، فقد جاء على اليهود ما طلبوه!

وأمر بيلاطس بجلد يسوع تمهيداً للصلب. وسيور السياط كان متعلّقاً بها قِطَع حديدية أو عظمية على طول امتدادها لتقشيط اللحم عن العظام، فصار ابن الله البريء نائباً عن كل المعذبين، وتم به قول إشعياء النبي «لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحمّلها. ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومزلولاً. وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه وبحُبُره شُفينا».

الصلاة: أيها الرب يسوع المسيح، أنت مَلِكي وأنا أخصّك، فأضع نفسي تحت تصرفك. اغفر لي إن حاولت خطف نفسي من يدك. اغفر لي كل ظلم فكراً وقولاً وعملاً، وسامحني إذا أهملت حقوق إخوتي في البيت والمدرسة والمهنة.

السؤال: 25 - لماذا حكم بيلاطس على يسوع بالصلب؟

10 - صلب يسوع (27: 27-53)

27: 27 فَأَخَذَ عَسْكَرُ ٱلْوَالِي يَسُوعَ إِلَى دَارِ ٱلْوِلايَةِ وَجَمَعُوا عَلَيْهِ كُلَّ ٱلْكَتِيبَةِ، 28 فَعَرَّوْهُ وَأَلْبَسُوهُ رِدَاءً قِرْمِزِيّاً، 29 وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَصَبَةً فِي يَمِينِهِ. وَكَانُوا يَجْثُونَ قُدَّامَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ قَائِلِينَ: ٱلسَّلامُ يَا مَلِكَ ٱلْيَهُودِ! 30 وَبَصَقُوا عَلَيْهِ، وَأَخَذُوا ٱلْقَصَبَةَ وَضَرَبُوهُ عَلَى رَأْسِهِ.

أرأيت مرة تاجاً في صورة أو متحف؟ إنه جميل جداً ومصنوع من ذهب ومرصّع بجواهر كريمة، تمثّل المجد والسلطة والغِنى للرأس الذي يحمله. وأما ربنا ومخلّصنا فحمل تاج الشوك الذي انغرزت شوكاته عميقة في رأسه وجبينه. وسال دمه. فكان مسكيناً محتقراً. والرداء الأرجواني تخضَّب بدمه، وأكمل العسكر استهزاءهم بقضيب من قصب وضعوه في يده، لأنهم ظنوا أنهم قبضوا على رأس العصابة التي أقلقت الأمن، وجلبت الخطر ليلاً ونهاراً، فصبّوا عليه كل بغضتهم وبصقوا في وجهه، وضربوه على تاجه الشوكي، وسجدوا له كأنه الملك الإمبراطور. ما أعظم الفزع والرعب المتملّك بهؤلاء العساكر، إن شاهدوا في القيامة أن هذا المعذَّب هو ديّانهم الجبّار وملك الملوك المختار!

27: 31 وَبَعْدَ مَا ٱسْتَهْزَأُوا بِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ ٱلرِّدَاءَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، وَمَضَوْا بِهِ لِلصَّلْبِ. 32 وَفِيمَا هُمْ خَارِجُونَ وَجَدُوا إِنْسَاناً قَيْرَوَانِيّاً ٱسْمُهُ سِمْعَانُ، فَسَخَّرُوهُ لِيَحْمِلَ صَلِيبَهُ. 33 وَلَمَّا أَتَوْا إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ جُلْجُثَةُ، وَهُوَ ٱلْمُسَمَّى (مَوْضِعَ ٱلْجُمْجُمَةِ) 34 أَعْطَوْهُ خَلاّ مَمْزُوجاً بِمَرَارَةٍ لِيَشْرَبَ. وَلَمَّا ذَاقَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَشْرَبَ.

في أزقة القدس سقط يسوع تحت حِمل صليبه الثقيل، فأجبر الرومان أحد المارة ليحمل صليبه. وابنا سمعان القيرواني هما ألكسندرس وروفس، اللذان انضمّا إلى الكنيسة في روما (مرقس 15: 21 ورومية 16: 13) فامتلأ بيت سمعان كله بالبركة من حَمل أبيهم صليب يسوع.

ولمَّا وصل موكب الآلام إلى موضع الصلب خارج المدينة، أرسلت نسوة شريفات من المدينة بواسطة خدامهن، ليسوع شراباً ممزوجاً خلاً ومادة مرة، لكيلا يشعر بأوجاع الصليب الفظيع، ولكنه رفض عطية الإنسانية، لأنه أراد أن يحمل خطايانا واعياً، ويغلب تجربة الشيطان مصلياً.

27: 35 وَلَمَّا صَلَبُوهُ ٱقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِٱلنَّبِيِّ: ٱقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً. 36 ثُمَّ جَلَسُوا يَحْرُسُونَهُ هُنَاكَ. 37 وَجَعَلُوا فَوْقَ رَأْسِهِ عِلَّتَهُ مَكْتُوبَةً: هٰذَا هُوَ يَسُوعُ مَلِكُ ٱلْيَهُودِ. 38 حِينَئِذٍ صُلِبَ مَعَهُ لِصَّانِ، وَاحِدٌ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَوَاحِدٌ عَنِ ٱلْيَسَارِ.

لم يهتم العسكر بالمصلوبين، بل كان كل اهتمامهم بالغنيمة. وبما أن رداء المسيح كان أثمن من أن يقتسموه، فقد ألقوا عليه القرعة. ولم يعلموا أن هذا الرداء الغير المخيط، أشبه بلباس رئيس الكهنة الذي يحمله في يوم مصالحة الشعب مع الله لأجل الخطايا الغير المعروفة. فعُلّق يسوع على الصليب ليكفّر عن الآنام أجمع، فصلّى صلاته الشفاعية المستجابة العظيمة «يا أبتاه اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون».

واستهزأ بيلاطس باليهود، فوضع فوق رأس المصلوب لافتة مكتوب عليها الحكم الرسمي بالصلب «يسوع الناصري ملك اليهود». فاشتكى الشيوخ لبيلاطس أنهم لم يعترفوا به ملكاً عليهم، وعارضوا كتابة بيلاطس لأنهم لا يريدون مجرد الفكر أن يكون يسوع الوديع ملكهم، لأنه عُلِّق بين لصين، علَّقه العسكر في وسطهما رمزاً لملك اليهود، رئيس كل العصابات والمجرمين.

27: 39 وَكَانَ ٱلْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ وَهُمْ يَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ 40 قَائِلِينَ: يَا نَاقِضَ ٱلْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، خَلِّصْ نَفْسَكَ! إِنْ كُنْتَ ٱبْنَ ٱللّٰهِ فَٱنْزِلْ عَنِ ٱلصَّلِيبِ!. 41 وَكَذٰلِكَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ أَيْضاً وَهُمْ يَسْتَهْزِئُونَ مَعَ ٱلْكَتَبَةِ وَٱلشُّيُوخِ قَالُوا: 42 خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسُهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا. إِنْ كَانَ هُوَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ فَلْيَنْزِلِ ٱلآنَ عَنِ ٱلصَّلِيبِ فَنُؤْمِنَ بِهِ! 43 قَدِ ٱتَّكَلَ عَلَى ٱللّٰهِ، فَلْيُنْقِذْهُ ٱلآنَ إِنْ أَرَادَهُ! لأَنَّهُ قَالَ: أَنَا ٱبْنُ ٱللّٰهِ!. 44 وَبِذٰلِكَ أَيْضاً كَانَ ٱللِّصَّانِ ٱللَّذَانِ صُلِبَا مَعَهُ يُعَيِّرَانِهِ.

بينما عُلق قدوس الله على خشبة العار وتمزقت عضلاته بثقل جسده حتى الموت، كانت قوات الجحيم تسطو عليه لتنتزع من صدره كلمة أو تصرفاً أنانياً يتعارض مع فكر الفداء فتبطل ذبيحته الفريدة. وانطلقت محاولة جهنم بألسنة اليهود، وبينهم رؤوس الشعب، الذين قالوا «إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب». وكأنهم يقولون له: انزل عن خشبة العار فنؤمن بألوهيتك. هذا التحدي كان تجربة هائلة لأن المسيح قد أتى لينشيء الإيمان في الضالين ويشفي السُقَمَاء. هل يوجد استهزاء وتجربة أشد من هذه: أن يُعلق هؤلاء الأثمة تصديقهم بيسوع أنه ابن الله على نزوله عن الصليب؟ ومما لا ريب فيه أن هذا الطلب من وحي الشيطان، لأن الشرير كان منذ البدء يحاول منع يسوع من تقدمه نحو الصليب ليتعطّل الفداء كله.

إن محبة الله هي التي دفعت يسوع إلى الصليب. فليس هو أنانياً، ولا تفكيره في نفسه، إنما يفكر بالمساكين الضالين. فنزوله من السماء وعيشته بين البشر وعجائبه الرحيمة ليست إلا محبة وخدمة وإنكاراً للنفس. فالشيطان طعن في جوهر المسيح، إذ أرشد الملبوسين ليقولوا «خلَّص آخرين، وأما نفسه فما يقدر أن يخلّصها». كان المسيح قادراً على تخليص نفسه، ولكن حباً لنا وافق على صلبه، وأحب المستهزئين به وغفر خطاياهم، لأن لا خلاص إلا بالمصلوب. فما هو موقفك من الصلب؟

27: 45 وَمِنَ ٱلسَّاعَةِ ٱلسَّادِسَةِ كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى كُلِّ ٱلأَرْضِ إِلَى ٱلسَّاعَةِ ٱلتَّاسِعَةِ. 46 وَنَحْوَ ٱلسَّاعَةِ ٱلتَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: إِيلِي إِيلِي، لَمَا شَبَقْتَنِي (أَيْ: إِلٰهِي إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟) 47 فَقَوْمٌ مِنَ ٱلْوَاقِفِينَ هُنَاكَ لَمَّا سَمِعُوا قَالُوا: إِنَّهُ يُنَادِي إِيلِيَّا. 48 وَلِلْوَقْتِ رَكَضَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَأَخَذَ إِسْفِنْجَةً وَمَلَأَهَا خَلاّ وَجَعَلَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَسَقَاهُ. 49 وَأَمَّا ٱلْبَاقُونَ فَقَالُوا: ٱتْرُكْ. لِنَرَى هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا يُخَلِّصُهُ. 50 فَصَرَخَ يَسُوعُ أَيْضاً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَأَسْلَمَ ٱلرُّوحَ.

صُلب يسوع يوم الجمعة بين الحادية عشرة والثانية عشرة ظهراً. وبما أن الأمة احتفلت بعيد الفصح العظيم يوم السبت، المبتديء من مساء الجمعة في الساعة السادسة، فإن الجماهير تراكضت في الساعات التي كان فيها يسوع على الصليب في ساحة الهيكل، ليذبحوا هناك الحملان ليمرّ عنهم غضب الله. فلم يعرفوا أن حَمَل الله الحق مُعلَّق خارج السور، يصالح كل الناس مع الله. فالمسيح مات قصداً يوم الجمعة قبل عيد الفصح، ليعلن لنا بأكثر وضوح أنه حَمَل الله الوحيد المستحق رفع خطايانا، وأن يجمع غضب الله كله على رأسه لتمر ملائكة الدينونة عنا، فنتتبرر بإيماننا بالذبيح.

ونقل لنا البشير متى واحدة من الكلمات السبع التي نطقها المسيح وهو على الصليب وهي «إلهي إلهي، لماذا تركتني؟»-وهي اقتباس من مزمور 22: 1. وقد جاءت في المزامير عن آلام داود ونصره عليها، كما جاءت نبوة عن آلام المسيح وانتصاره عليها.

لم يقل المسيح «لماذا سمحت بآلامي؟» بل «لماذا تركتني؟» لأن شدة آلامه كانت نتيجة احتماله خطية العالم فصار متروكاً من الله باعتباره نائب الخطاة جميعاً. فذاق المسيح الموت عن كل إنسان (عب 2: 9) والذي لم يعرف خطية جُعل خطية لأجلنا لنصير نحن برّ الله فيه (2 كو 5: 21).

لم يصرخ المسيح من آلامه الجسدية، بل من احتجاب وجه الآب عنه. والحق أن الآب لم يترك المسيح، لأنه في ذلك الوقت كان يقوم بالعمل الذي يُفرح قلب الله. «أما الرب فَسُرَّ بأن يسحقه بالحزن إن جعل نفسه ذبيحة إثم» (إش 53: 10).

وإن كانت صرخة المسيح هذه بسبب احتجاب وجه أبيه عنه، فكم يكون عذاب الهالكين الذين سيحجب الله وجهه عنهم إلى الأبد؟

ونحن ندعوك للتوبة والاحتماء في كفارة المسيح ليقربك إلى الله، فقد احتجب وجه الله عن المسيح الفادي ليبتسم وجهه لك ابتسامة الرضا، إن تبت إليه.

27: 51 وَإِذَا حِجَابُ ٱلْهَيْكَلِ قَدِ ٱنْشَقَّ إِلَى ٱثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ. وَٱلأَرْضُ تَزَلْزَلَتْ، وَٱلصُّخُورُ تَشَقَّقَتْ، 52 وَٱلْقُبُورُ تَفَتَّحَتْ، وَقَامَ كَثِيرٌ مِنْ أَجْسَادِ ٱلْقِدِّيسِينَ ٱلرَّاقِدِينَ 53 وَخَرَجُوا مِنَ ٱلْقُبُورِ بَعْدَ قِيَامَتِهِ، وَدَخَلُوا ٱلْمَدِينَةَ ٱلْمُقَدَّسَةَ، وَظَهَرُوا لِكَثِيرِينَ.

ظهرت نتائج موت المسيح حالاً، إذ انشق الحجاب الذي كان أمام قدس الأقداس في الهيكل. ولهذا معانٍ كثيرة: أن العهد القديم قد اكتمل وابتدأ العهد الجديد، وأن الطريق إلى الله القدوس صار مفتوحاً أمام المؤمنين بالمسيح، لأن الله أصبح أباهم. ولكن بالنسبة للذين يرفضون المسيح، فبعد أن كان الله عدواً مستتراً لهم، ظهرت عداوته واضحة لهم. فليس لهم حماية من قداسة الله وعقابه.

وابتدأ في الحال نمو الإيمان في الأمميين حتى شهدوا بألوهية المصلوب. ومنذ رفض اليهود محبة الله المتجسدة، رجع ملايين الناس إلى ربهم يسوع فخلصوا. هل اتصلت بك موجة النعمة هذه ولمست بيتك وبلدتك؟

الصلاة: أيها الآب، نخجل لأجل أنانيتنا وكبريائنا وجهالتنا. اغفر لنا ذنوبنا، واملأنا بمعرفة محبتك، لنتمسك بنعمتك، ونتغير إلى صورة ابنك، ولنحب الكل ونمجد اسمك القدوس بحياة الخدمة والصبر والشكر.

السؤال: 26 - كيف استهزأ اليهود بالمسيح؟

11 - تأكيد موت المسيح (27: 54-56)

27: 54 وَأَمَّا قَائِدُ ٱلْمِئَةِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ يَحْرُسُونَ يَسُوعَ فَلَمَّا رَأَوُا ٱلزَّلْزَلَةَ وَمَا كَانَ، خَافُوا جِدّاً وَقَالُوا: حَقّاً كَانَ هٰذَا ٱبْنَ ٱللّٰهِ. 55 وَكَانَتْ هُنَاكَ نِسَاءٌ كَثِيرَاتٌ يَنْظُرْنَ مِنْ بَعِيدٍ، وَهُنَّ كُنَّ قَدْ تَبِعْنَ يَسُوعَ مِنَ ٱلْجَلِيلِ يَخْدِمْنَهُ، 56 وَبَيْنَهُنَّ مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ، وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَيُوسِي، وَأُمُّ ٱبْنَيْ زَبْدِي.

علم القائد الروماني أن يسوع صُلب لتهمة التجديف وإضلال الجماهير وادّعائه أنه ملك اليهود وابن الله. ولكن ما الذي اختبره هذا القائد في الساعات التي قضاها تحت الصليب؟ لم يشاهد موت مجرم، بل وفاة شخصية عظيمة. سمعه يدعو الله أباه مرتين في صلاته. وما لعن أعداءه وصالبيه، ولم يحتد على المستهزئين به، فتعجب وصاح: حقاً هذا كان ابناً لله! فكان الضابط الوثني أول من تعلّم من اختبارات الصليب أن يسوع هو ابن الله الفريد.

ولم تكن هذه مشاعر الضابط وحده، فإن الجنود الذين اقترعوا لاقتسام ملابس المصلوب في البداية تأثروا من خسوف الشمس والهزة العنيفة وشخصية الفادي الميّت، حتى رددوا إقرار قائدهم وتمتموا معه: حقاً هذا كان ابناً لله! ونظروا بخجل إلى المعلَّق فوق رؤوسهم.

وما كان الرومان الأجانب هم شهود كلمات يسوع الأخيرة فقط، بل بعض النسوة أيضاً، اللواتي تشجّعن بعد ترك رؤساء الكهنة للمكان فاقتربن من المصلوب خاشعات حزينات. لقد تبعنه في الطريق البعيد من الجليل وخدمنه بتبرعاتهن وتحضير الغذاء وغسل الملابس. وحفظتهن شخصية المسيح وقدرته الإلهية جميعاً في القداسة والطهارة بلا لوم.

ولم تدرك النساء أن المنتصر على كل الأمراض والشياطين تعلَّق ميتاً على الصليب. لكن النساء كنَّ شاهدات منتبهات بدقة لكل الحوادث التي دارت حول الصليب. وعلى شهادتهن توقفت معرفتنا بكلمات المسيح السبع، والكلام الذي نطق به رؤساء الكهنة واللصان والجند، فالنسوة هم شهود العيان لموت المسيح لمصالحتنا.

12 - دفن المسيح (27: 57-66)

27: 57 وَلَمَّا كَانَ ٱلْمَسَاءُ، جَاءَ رَجُلٌ غَنِيٌّ مِنَ ٱلرَّامَةِ ٱسْمُهُ يُوسُفُ وَكَانَ هُوَ أَيْضاً تِلْمِيذاً لِيَسُوعَ. 58 فَهٰذَا تَقَدَّمَ إِلَى بِيلاطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ. فَأَمَرَ بِيلاطُسُ حِينَئِذٍ أَنْ يُعْطَى ٱلْجَسَدُ. 59 فَأَخَذَ يُوسُفُ ٱلْجَسَدَ وَلَفَّهُ بِكَتَّانٍ نَقِيٍّ، 60 وَوَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ ٱلْجَدِيدِ ٱلَّذِي كَانَ قَدْ نَحَتَهُ فِي ٱلصَّخْرَةِ، ثُمَّ دَحْرَجَ حَجَراً كَبِيراً عَلَى بَابِ ٱلْقَبْرِ وَمَضَى. 61 وَكَانَتْ هُنَاكَ مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ ٱلأُخْرَى جَالِسَتَيْنِ تُجَاهَ ٱلْقَبْرِ.

فجأة يظهر في الإنجيل رجل اسمه يوسف من الرامة كان غنياً. ولأجل وجاهته كان عضواً في المجلس الديني، وربما امتنع عن التصويت بالحكم على يسوع لأنه احترم هذا النبي والطبيب الشافي الذي رافقته يد الله. فاغتاظ من معاملات قيافا رئيس الكهنة الماكر وعشيرته المحتالة، وذهب جهراً إلى الوالي بيلاطس. ولمَّا كان له نفوذ فتحوا له، فطلب جثة يسوع. فعمله هذا كان اعترافاً متأخراً بيسوع ضد المجمع اليهودي كله.

ونيقوديموس العضو في المجلس أيضاً والنساء، ساعدوا يوسف في إنزال الجسد عن الصليب وغسله ودهنه وربطه. فكل هذه الأعمال تمّت بسرعة، ثم وضعوه في القبر الجديد الذي كان منحوتاً في الصخر وقد أعده يوسف لنفسه. فالمحكوم عليه كمجرم دُفن كأمير.

لقد مات المسيح موتاً حقيقياً، وقلبه توقف، ودمه انفصل ماء ودماء، وتنفسه انقطع، وجسده أصبح بارداً صلباً. فيسوع كان إنساناً حقاً، مولوداً لأجلنا، وميتاً عوضاً عنا. وبعد دفنه في الصخر دحرجوا حجراً مستديراً أمام الباب.

وها هم أولاء ينطلقون سراعاً إلى بيوتهم، لأن الفصح الكبير قد ابتدأ الساعة السادسة مساء. وكانت كل حركة وعمل ممنوعاً. ولكن المشتركين في الدفن صاروا حسب الناموس نجسين، ولم يستحقوا المساهمة في أفراح الحفلة. ويظهر هنا مرة أخرى ضعف الناموس، لأن العكس هو الحق. فمن يقبل المصلوب يطهر، ومن يأكل جسد المسيح يحيا، ومن يشرب دمه يتقدّس إلى الأبد.

27: 62 وَفِي ٱلْغَدِ ٱلَّذِي بَعْدَ ٱلاسْتِعْدَادِ ٱجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ إِلَى بِيلاطُسَ 63 قَائِلِينَ: يَا سَيِّدُ، قَدْ تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذٰلِكَ ٱلْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ. 64 فَمُرْ بِضَبْطِ ٱلْقَبْرِ إِلَى ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ، لِئَلاّ يَأْتِيَ تَلامِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ، وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ إِنَّهُ قَامَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، فَتَكُونَ ٱلضَّلالَةُ ٱلأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ ٱلأُولَى! 65 فَقَالَ لَهُمْ بِيلاطُسُ: عِنْدَكُمْ حُرَّاسٌ. اِذْهَبُوا وَٱضْبُطُوهُ كَمَا تَعْلَمُونَ. 66 فَمَضَوْا وَضَبَطُوا ٱلْقَبْرَ بِٱلْحُرَّاسِ وَخَتَمُوا ٱلْحَجَرَ.

لقد نسى التلاميذ إنباء يسوع عدة مرات عن قيامته المجيده. وأيضاً الفريسيون ورؤساء الكهنة لم يؤمنوا بإمكانية قيام يسوع، بل حسبوا أن أتباعه قد يحتالون فيسرقون جثة يسوع ويذيعون الخبر عن قيامة معلّمهم.

فأصبح قضاة يسوع المتشككين برهاناً ليسوع، لأنهم أمروا بختم القبر وحفظه. ولا توجد صورة أكثر إضحاكاً من حرَّاس قدَّام قبر ميّت، لكيلا يهرب! فشخصية يسوع غلبت كل العادات. والشيطان الشرير شعر أنه لا يقدر أن يتمسّك برئيس الحياة.

الصلاة: يا ربي ومخلّصي، قد ذقت الموت المرير، واضطجعت في القبر المظلم. أنت سبقتني إلى قبري، لكيلا أكون منفرداً إن متّ، بل ألتقي بك في موتي. أشكرك لأنك غفرت آثامي، ووضعت بذرة حياتك فيَّ.

السؤال: 27 - ما أهم ما حدث بعد موت يسوع مباشرة؟

خامساً - قيامة المسيح (28: 1-20)

1 - اكتشاف القبر الفارغ (28: 1-7)

28: 1 وَبَعْدَ ٱلسَّبْتِ، عِنْدَ فَجْرِ أَوَّلِ ٱلأُسْبُوعِ، جَاءَتْ مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ ٱلأُخْرَى لِتَنْظُرَا ٱلْقَبْرَ. 2 وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ، لأَنَّ مَلاكَ ٱلرَّبِّ نَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ ٱلْحَجَرَ عَنِ ٱلْبَابِ، وَجَلَسَ عَلَيْهِ. 3 وَكَانَ مَنْظَرُهُ كَٱلْبَرْقِ، وَلِبَاسُهُ أَبْيَضَ كَٱلثَّلْجِ. 4 فَمِنْ خَوْفِهِ ٱرْتَعَدَ ٱلْحُرَّاسُ وَصَارُوا كَأَمْوَاتٍ.

الموت عدو كل الناس، وكل مولودي النساء حصدهم الحاصد القبيح العظيم. والموت هو الشيء الوحيد الذي لا بد منه. فاستعد لوفاتك فتُؤتى قلب حكمة.

أفكار مثل هذه تقدمت النسوة في فجر اليوم الأول بعد العيد إلى القبر ليكملن دهن جثة يسوع، لأنهنّ لم يقدرن يوم الجمعة أن يعملن إلا اللازم لوداعه.

وسبت العيد كان لهن وللتلاميذ أسوأ يوم في الحياة. لقد مات ابن الله المسيطر على الأرواح، وانكسر كل رجاء بملكوت الله القريب. فلم يبقَ لهم إلا البكاء واليأس والتشاؤم.

وعالت النساء وهنّ على الطريق فجراً همَّ الحجر الثقيل ومن يدحرجه لهن عن القبر؟ فاستجاب الرب صلاة النسوة واستمع لأسئلة قلوبهن، وأرسل ملاكاً ليفتح لهن الطريق إلى القبر الفارغ. وظهر الملاك بزلزال كبير، ورآه الحراس مقبلاً فارتعبوا ووقعوا كأموات. ودحرج الملاك الحجر وجلس عليه، رمزاً لانتصار المسيح في قيامته.

لم ينزل الملاك من السماء ليقيم المسيح من بين الأموات، لأن رئيس الحياة غير محتاج إلى مُعِين ليغلب الموت. الرب قام بكل هدوء تلقائياً، وانسلّ من أربطته بدون تمزيقها، ومرَّ بلا صوت من وسط الصخور، كما دخل بعدئذ إلى الغرف المغلقة على تلاميذه. فلا إنسان عاين قيامة المسيح من بين الأموات، إلا أن القبر كان فارغاً لمَّا وصلت النساء إليه.

28: 5 فَقَالَ ٱلْمَلاكُ لِلْمَرْأَتَيْنِ: لا تَخَافَا أَنْتُمَا، فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَطْلُبَانِ يَسُوعَ ٱلْمَصْلُوبَ. 6 لَيْسَ هُوَ هٰهُنَا، لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ. هَلُمَّا ٱنْظُرَا ٱلْمَوْضِعَ ٱلَّذِي كَانَ ٱلرَّبُّ مُضْطَجِعاً فِيهِ. 7 وَٱذْهَبَا سَرِيعاً قُولا لِتَلامِيذِهِ إِنَّهُ قَدْ قَامَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ. هَا هُوَ يَسْبِقُكُمْ إِلَى ٱلْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ. هَا أَنَا قَدْ قُلْتُ لَكُمَا.

تتطلب كلمات الملاك الانتباه، لأن الله أرسله خاصة للمرأتين وإلينا أجمعين لندرك الأمر المستحيل: إن الإنسان يسوع قام حقاً. وقبل كل شيء منع الملاك النسوة من الخوف، لأن الله أكرمهن بإرساله إليهن، فأعلن لهن أفكار قلوبهن: إنهن يعرفن يسوع، ويفكرْنَ فيه.

لم يوبّخ الملاك النسوة على عدم إيمانهن بكلام يسوع، بل تكلم معهن كما مع أطفال صغار، لأنهن كنَّ متحيّرات. فالقبر كان مفتوحاً، والحرَّاس الأقوياء على الأرض كأموات، والملاك الساطع كلمهن شخصياً. كل هذا فاق قدرة شعورهن وعقولهن. فأعلن الملاك لهن أن جثة يسوع ليست موجودة هناك، وأرشدهم بلطف إلى المكان حيث كان مضطجعاً ليرين أن القبر في الصخر كان حقاً فارغاً.

وبعدئذ ذكّر الملاك النساء أنه لم يقل لهن شيئاً جديداً، بل كرر ما أنبأ به يسوع قبل موته، فهذا يدلّنا على أن كل كلمة تفوّه بها يسوع في الإنجيل هي مهمة جداً ومستحقة كل الإيمان. فالكافر من لا يؤمن أن يسوع قد غفر كل الذنوب لجميع الناس، ويمنح حياته الأبدية اليوم لكل من يفتح قلبه لحلول الروح القدس.

ولم يسمّ الملاك يسوع «ابن الإنسان» بل «الرب» بكل احترام ومخافة، عالماً أن المسيح نزل من السماء، وفيه أتى المالك إلى المخلوقات ليحرر بمحبته أسرى الشيطان. فالذي كان في القبر هو الرب بالذات لكنه قام. كل الفلاسفة والأنبياء وزعماء الشعوب ماتوا وعظامهم ماكثة في القبور، ولكن ربنا قام حقاً وأكد لنا بقيامته رجاء الحياة.

وبعد هذه الأقوال أمر الملاك النسوة أن يرجعن إلى الرجال الخائفين ليشهدن لهم عن حقيقة قيامة المسيح، فأصبحت النساء المبشّرات الأوليات اللواتي اختارهن الله ليعلن حياة المسيح للعالم. ونؤمن حتى اليوم أن البنات والأمهات المؤمنات يحملن قوة حياة الله في شهادتهن وسط العالم، حتى يكتسب الرجال من شهادتهن رجاءً ويشتركوا في جدة حياة يسوع.

وبعدئذ أعلن الملاك للمرأتين أن يسوع سيسبق تلاميذه إلى الجليل كما أخبرهم عن ذلك قبل أيام ثلاثة. وهناك سيظهر لهم شخصياً. فلم يقصد الرب إخفاء نفسه، بل إعلان ذاته لأحبائه، حالما يؤمنون بخبر قيامته المجيدة.

وأخيراً أكدّ الملاك للنسوة المضطربات ألاَّ ينسين شيئاً مما قاله لهن، لأن الله أرسله إليهن ليعرف كل الناس الخبر المدهش العظيم: إن المصلوب حي، والشاب من الناصرة هو الرب المنتصر على الموت والخطية والشيطان.

الصلاة: أيها الرب يسوع المُقام من بين الأموات، نعظّمك ونتهلل لأن الموت لم يقدر أن يقبض عليك، بل غلبته وجرّدته وقمت حياً. نعظّمك ونفرح لأنك فتحت لنا باب الرجاء، فليس الموت نهايتنا، بل أنت تحيينا وتملأنا بحياتك.

السؤال: 28 - ماذا قال الملاك للمرأتين؟

2 - ظهور المسيح (28: 8-10)

28: 8 فَخَرَجَتَا سَرِيعاً مِنَ ٱلْقَبْرِ بِخَوْفٍ وَفَرَحٍ عَظِيمٍ، رَاكِضَتَيْنِ لِتُخْبِرَا تَلامِيذَهُ. 9 وَفِيمَا هُمَا مُنْطَلِقَتَانِ لِتُخْبِرَا تَلامِيذَهُ إِذَا يَسُوعُ لاقَاهُمَا وَقَالَ: سَلامٌ لَكُمَا. فَتَقَدَّمَتَا وَأَمْسَكَتَا بِقَدَمَيْهِ وَسَجَدَتَا لَهُ. 10 فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: لا تَخَافَا. اِذْهَبَا قُولا لإِخْوَتِي أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى ٱلْجَلِيلِ، وَهُنَاكَ يَرَوْنَنِي.

هربت المرأتان سريعاً فزعتين من داخل القبر وفي قلبيهما فرح عظيم جداً، وأطاعتا كلام الملاك، وركضتا إلى التلاميذ للشهادة لهم بمجد يسوع الحي. وكادتا تطيران فرحاً وهما في الطريق.

وفجأة رأتا يسوع مقبلاً نحوهما، فوقفتا متجمدتين أمام الميّت الذي قام يسير على قدميه، ويتكلم إليهما بكلمات واضحة، ويسلّم عليهما بلطف. فالواقف أمامهما ليس شبحاً ولا خيالاً، بل يخاطبهما بكلمات مفهومة. ولم يلعن أعداءه الذين صلبوه، ولم يشتم تلاميذه الذين هربوا منه، بل أعطي المرأتين سلامه لتقبلا هذا السلام الجديد. فكلمة «سلام» من صميم عيد القيامة.

ولمَّا أدركت المرأتان الفزعتان والمغبوطتان أن يسوع يقف أمامهما، خرّتا وسجدتا وحاولتا التمسّك برجليه. ولم يمنعهما من لمسه لتدركا أنه ليس حلماً جميلاً، ولا روحاً، بل إنساناً بجسد مادي ملموس. فمعرفة ألوهية الإنسان يسوع بعد قيامته أرعبت المرأتين، فقال الرب مرة أخرى ما قاله الملاك لهما عند القبر «لا تخافا!» وبهذا الأمر يمنعنا يسوع أن نخاف من الموت، أو نرتعب مما يجيء بعد الموت، لأنه هو برهان رجائنا.

وبعدئذ نطق يسوع بالكلمة العظيمة الجميلة، لمَّا سمَّى التلاميذ الهاربين «إخوته». فأحبهم حباً جماً. فيسوع منحنا بآلامه وموته وقيامته المساهمة في حقوق بنوَّته الخاصة. فقد أصبحنا أولاداً بإيماننا بالابن. فالله الأزلي لا يغضب علينا لأجل خطايانا، بل أعلن نفسه أبانا القدوس. ما أعظم النعمة لأجلنا نحن الخطاة، إذ نسمع في الدينونة الأخيرة العبارة من فم المسيح «إخوتي وأخواتي».

ثم دعا يسوع المرأتين للخدمة، وأرسلهما إلى تلاميذه مثبتاً رسالة الملاك أنه يريد أن يسبق إخوته في طريقهم إلى الجليل فيلتقي هناك بهم.

وهكذا يلتقي المسيح الحي بك في أيامنا، ليس لتُمتع نفسك فقط، بل يرسلك إلى أنسبائك وأصدقائك ليلتقوا هم أيضاً بربهم التقاءً عظيماً.

3 - كذب شيوخ اليهود (28: 11-15)

28: 11 وَفِيمَا هُمَا ذَاهِبَتَانِ إِذَا قَوْمٌ مِنَ ٱلْحُرَّاسِ جَاءُوا إِلَى ٱلْمَدِينَةِ وَأَخْبَرُوا رُؤَسَاءَ ٱلْكَهَنَةِ بِكُلِّ مَا كَانَ. 12 فَٱجْتَمَعُوا مَعَ ٱلشُّيُوخِ، وَتَشَاوَرُوا، وَأَعْطَوُا ٱلْعَسْكَرَ فِضَّةً كَثِيرَةً 13 قَائِلِينَ: قُولُوا إِنَّ تَلامِيذَهُ أَتَوْا لَيْلاً وَسَرَقُوهُ وَنَحْنُ نِيَامٌ. 14 وَإِذَا سُمِعَ ذٰلِكَ عِنْدَ ٱلْوَالِي فَنَحْنُ نَسْتَعْطِفُهُ، وَنَجْعَلُكُمْ مُطْمَئِنِّينَ. 15 فَأَخَذُوا ٱلْفِضَّةَ وَفَعَلُوا كَمَا عَلَّمُوهُمْ، فَشَاعَ هٰذَا ٱلْقَوْلُ عِنْدَ ٱلْيَهُودِ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ.

سمع رؤساء الكهنة أن يسوع قام، وأن ملاكاً كلّم المرأتين، ففقدوا صوابهم، وقرروا قراراً ممتلئاً بالأكاذيب والأقوال المتضادة، وصرفوا مالاً كثيراً ليُسكتوا الحرَّاس، وأمروهم أن يقولوا إنهم بينما كانوا نياماً قرب القبر وأعينهم مغلقة رأوا التلاميذ يدحرجون الحجر بضجيج! فسمحوا للتلاميذ بسرقة الجثة. إن هذا الخبر مستحيل! ولكننا نرى فيه رعب رجال المجلس اليهودي، لأن ما حاولوا منع تلاميذه منه قد تم، وهو اختفاء الجثة من القبر. ولكن الحق لا يُخنق بالمال والكذب، لأن الحق ليس فكراً بل شخصاً مُقاماً حياً بيننا.

ما أعظم الفرق بين الموقفين: التقاء المسيح بالنسوة، وإقناع رؤساء الكهنة الجنود بالاحتيال. ففي الحادثة الأولى نرى الحقيقة والسلام والفرح. وفي الموقف الثاني نرى الكذب والرشوة!.

الصلاة: أيها الرب يسوع المسيح القدوس الحي إلى الأبد، نسجد لك لأن الموت لم يستطع أن يقيدك، فنحمدك ونتهلل فرحين، لأن بواسطتك أصبح الله أبانا بالحق. أنت جعلتنا بقيامتك أولاداً لله إلى الأبد.

السؤال: 29 - ما معنى ظهور المسيح للنساء؟

4 - أمر المسيح بتبشير العالم (28: 16-20)

28: 16 وَأَمَّا ٱلأَحَدَ عَشَرَ تِلْمِيذاً فَٱنْطَلَقُوا إِلَى ٱلْجَلِيلِ إِلَى ٱلْجَبَلِ، حَيْثُ أَمَرَهُمْ يَسُوعُ. 17 وَلَمَّا رَأَوْهُ سَجَدُوا لَهُ، وَلٰكِنَّ بَعْضَهُمْ شَكُّوا. 18 فَتَقَدَّمَ يَسُوعُ وَكَلَّمَهُمْ قَائِلاً: دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ، 19 فَٱذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ٱلأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِٱسْمِ ٱلآبِ وَٱلابْنِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. 20 وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلأَيَّامِ إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ. آمِينَ

سمع التلاميذ قصة قيامة المسيح، وضحكوا ولم يؤمنوا لا بأقواله ولا بأخبار النساء. ولكن وعوده عملت في قلوبهم حتى مشوا بإطاعة الطريق الطويلة إلى الجليل حيث ابتدأ ربهم خدمته، فأراد أن يعلن هناك مجد قيامته أيضاً.

وفجأة ظهر يسوع لتلاميذه الاثني عشر على الجبل الذي عيَّنه لهم. والأغلب أنه كان معهم أصدقاء مخلصون آخرون. وبعض المفسرين يظنون أن هذا اللقاء هو ما أخبرنا عنه الرسول بولس في كورنثوس الأولى 15: 5 ، حيث يذكر أنه ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمسمائة أخ.

ومع أنهم رأوه بأعينهم لم يؤمن بعضهم فشكّوا، ولكن حضوره الواضح أقنع أكثريتهم فآمنوا وخرّوا وسجدوا للمنتصر على الموت. وقبلوه رب الأرباب وملك الملوك، وشعروا بجلاله وعظمته فارتجفوا خوفاً وفرحاً.

ورغم هذا الظهور الرسمي العظيم لم يفارق الشك بعضهم، لأن الفكر أن الميت حي فاق عقولهم، ففكروا أنه شبح أو روح مضل.

فتقدم يسوع إليهم، وتكلم معهم بلطف وباركهم، وأعلن لهم رغم قلة إيمانهم مجده الكامل، وأشركهم في السر المختوم المستتر على غير المؤمنين به: أنه دُفع إليه كل سلطان في السماء وعلى الأرض، إذ أن ابن الإنسان ضحّى بنفسه ولم يعش لذاته. فهو الرب بكل معنى الكلمة، وهدفه واضح، حيث علّمنا الصلاة «ليأتِ ملكوتك. لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض». فابن الله يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون. وله القدرة الإلهية أن ينفّذ مشيئته، وهي تبشير العالم وتغيير القلوب.

والمسيح يعلم أن مملكة محبته تأتي بالرسل والخدام الأمناء الذين تتجسد فيهم محبته. فأرسل أتباعه إلى العالم القلق، ودفعهم إلى كل القرى والمدن والبراري ليذهبوا ويسرعوا، ليدرك جميع الناس أخبار الفرح السماوي والجودة المسيحية. ويشعروا أنه ينقصهم شيء يجدونه في رسل المسيح، هو محبة الله. فبقدوتهم الصالحة يتلمذون الأمم، فيخجلون من خطاياهم النجسة، ويتوبون ويتغيرون في تفكيرهم، ويشتاقون إلى القداسة والفرح والسلام، فيصبحون بإيمانهم أولاد الآب السماوي، واخوة للابن المسيح، مولودين ثانية بقوة الروح القدس. والمعمودية توحّدهم في الثالوث الأقدس، فيموتون لأنفسهم وأنانيتهم، قائمين أحياء في جدة الحياة الإلهية، لأن قيامة المسيح تتحقق فيهم بإيمانهم.

وعلينا أن ندرك أن الله العظيم هو إله واحد في ثالوثه المقدس، حيث يكون الآب شخصاً والابن شخصاً والروح القدس شخصاً. إنما المحبة الكاملة تربط الأقانيم الثلاثة إلى وحدة كاملة. فمن لا يعرف محبة ونعمة المسيح وشركة الروح القدس لن يفهم الله، فوحدة ثالوثه روحية حقيقية. ونحتاج إلى مسحة الروح القدس لندرك عظمة محبة الله في ثالوثه الواحد.

والمعمودية ليست بأسماء الآب والابن والروح القدس، بل «باسم الآب والابن والروح القدس». فالله واحد في ثالوث. ووحدانيته وحدانية مركبة، وليست وحدانية بسيطة. والوحدانية المركبة هي الآب والابن والروح القدس.

وقد سبق المسيح الأمر بالمعمودية بوعد، وتبعه بوعد آخر. الوعد الأول أنه قد دُفع للمسيح كل سلطان. والوعد الثاني أنه معنا كل الأيام إلى أن ينقضي الدهر الحاضر. وفي الدهر الآتي سنكون معه، ونراه كما هو.

ولا تنس آخر كلمة من إنجيل متى وهي «آمين». لأن هذه الكلمة تؤكد لك الأمن الإلهي المبني على الإيمان. فتكون مؤمناً ما دمت ثابتاً في المسيح، وهو من جهته يؤكد لك أمانته. فربك أمين يحقق وعوده. اثبت فيه وهو فيك، فتختبر معنى العهد الجديد كل يوم من جديد. هذا حق ويقين.

الصلاة: أيها الرب يسوع المسيح، المُقام من بين الأموات، الحي الجالس عن يمين الآب، والحال في قلوبنا بواسطة الروح القدس، نعظمك ونحمدك ونحبك، لأنك أسست خلاصك على الصليب، وبرهنت قدرتك في قيامتك من بين الأموات، وعلّمتنا محبتك السامية. نشكرك لخلاص أنفسنا المجاني، ونقدم لك أجسادنا ذبيحة حية مَرْضِية أمام الله. أرشدنا للتبشير الحكيم، لنحب كل الناس. ارحمهم ليتجددوا ويتوبوا ويتغيروا.

السؤال: 30 - ما هي المعاني الرئيسية في أمر المسيح بتبشير العالم؟

مسابقة الجزء الرابع لإنجيل متى

أيها الأخ العزيز، بعد قراءتك شروحنا لإنجيل متى في هذا الكتاب، يمكنك الإجابة على هذه الأسئلة بسهولة.

  1. ماذا نتعلم من ركوب المسيح على الحمار؟

  2. لماذا طهَّر المسيح الهيكل كأول عمل له بعد دخوله أورشليم؟

  3. لماذا لعن المسيح التينة غير المثمرة؟

  4. لماذا كان الولد الأول في مَثَل يسوع أفضل من أخيه؟

  5. ما الذي يخص الدولة، وما الذي يخصّ الله؟

  6. كيف برهن يسوع للصدوقيين حقيقة الأحياء عند الله؟

  7. كيف نستطيع أن نحب الله والناس محبة كاملة؟

  8. لماذا أدان يسوع أتقياء زمنه؟

  9. ماذا يعلمنا المسيح عن مجيئه ثانية؟

  10. ما هو أكبر خطر على البشر؟

  11. ما هي الضيقات الواقعة على المؤمنين وكيف يغلبونها؟

  12. من هو المسيح الكذَّاب، وما هي صفاته وأعماله؟

  13. ما هي علامة مجيء ابن الإنسان؟

  14. لماذا أمرنا المسيح باليقظة والسهر؟

  15. ما هو خطأ العذارى الجاهلات؟

  16. كيف يحاسب الرب عبيده؟

  17. لماذا يظهر الصالحون يوم الحساب بدون خطايا، والأشرار يظهرون أشراراً؟

  18. ما الفرق بين نهاية متى 25 وبداية متى 26؟

  19. ماذا حدث قبل رسم فريضة العشاء الربَّاني؟

  20. ماذا نتعلم من صلوات المسيح الثلاث المتتابعة في بستان جثسيماني؟

  21. ما معنى تقييد يسوع؟

  22. ما معنى الجملة الوحيدة التي قالها يسوع أمام المحكمة الدينية؟

  23. لماذا أنكر بطرس ربَّه ثلاث مرات؟

  24. ما هو المُحزِن في نهاية يهوذا؟

  25. لماذا حكم بيلاطس على يسوع بالصلب؟

  26. كيف استهزأ اليهود بالمسيح؟

  27. ما أهم ما حدث بعد موت يسوع مباشرة؟

  28. ماذا قال الملاك للمرأتين؟

  29. ما معنى ظهور المسيح للنساء؟

  30. ما هي المعاني الرئيسية في أمر المسيح بتبشير العالم؟

أرسل لنا الإجابة واكتب عنوانك كاملاً وبخط واضح إلى عنواننا التالي:


Call of Hope
P.O.Box 100827 
D-70007 
Stuttgart 
Germany