العودة الى الصفحة السابقة
الموعظة على الجبل

الموعظة على الجبل

عبد المسيح


Bibliography

الموعظة على الجبل. عبد المسيح . Copyright © 2006 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى. . SPB 3501ARA. English title: . German title: Berg Predigt . Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 70007 Stuttgart Germany http: //www.call-of-hope.com .

الموعظة على الجبل

أ - التطويبات (5: 1 - 12)

5: 1 ، 2 تحنّن المسيح على الشعب الضال الذي لم يعرف ربه ولا نفسه، فاختار تلاميذ من الجماهير ودعاهم وأفرزهم وقادهم إلى الجبل، حيث جلس رسمياً كمعلم للتوراة ليعلّم النخبة ومَنْ حولهم من الشعب. وفي أحضان الطبيعة أعلن المسيح مبادئ الملكوت الإلهي، وهو الدستور السماوي.

لقد بدأ عظته على الجبل بكلمة «طوبى». ثم ردَّدها تسع مرات، كصوت جرس مجلجل من السماء، معلناً لنا أن الغبطة والسعادة هما أساس ملكوته. فليس عليك أن تتمم نواميس وفرائض ثقيلة بكد وتعب لتدخل ملكوت الله، إلا أن تقبل كلمته اللطيفة ببساطة الإيمان. عندئذ تنجو من الدينونة، وتتحرر من العقاب. والمسيح يدعوك إلى غمرة الفرح، لأنه لم يأت ليهلك الخطاة، بل ليخلّصهم ويشفيهم ويرحمهم. فدستور الله للأرض مبني على السرور والشكر والتهلل. وليس على فرائض ودموع.

  1. طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات (5: 3) يُرينا المسيح قبل كل شيء، أن ليس إنسان يقدر أن يدخل ملكوت السماوات إلا بواسطة الروح القدس. وهذا الروح المُعلَن يُظهِر لنا خطايانا وخبثنا، حتى أنه يكسر كبرياءنا، فننسحق ونعترف أننا نحن المساكين هالكون أمام قداسة الله، ونجسون بنسبة طهارته ولطف قداسته. فندرك أنانيتنا في ضوء محبته، وكذبنا أمام نور حقه. طوبى لك إن كشف روح الله خطاياك، وقادك إلى التوبة الأمينة، وشفاك من عماك. عندئذ تنفتح أبواب السماوات أمامك على مصراعيها، لأن التائب وحده يستطيع القدوم إلى الله.

  2. طوبى للحزانى لأنهم يتعزون (5: 4) والرنين الثاني لجرس محبة الله يخصّ الحزانى، وبالحري كل إنسان، لأننا كلنا حزانى. أما المسيح فيقول لك: لقد ابتدأ عصر جديد، لأني غلبت بموتي الكفاري أسباب الضيق والحزن. ويحل روح الله فيكم معزياً، ولا يبرح منكم. وهو عربون رجائكم. فالحزن في قلبك مهما كان كبيراً يغلبه فرح السماء. والمسيح يعطي الرجاء الأكيد لعالمنا الحزين. فافرح واشكر وابتهج للخلاص العظيم. وانتظر مجيء الرب القريب، عندئذ يحقق رجاءنا المجيد.

  3. طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض (5: 5) لا ينظر الله إلى العالم من خلال الزمن. وإنما ينظر إليه من أبديته السرمدية، فيرى كيف يتشامخ السلاطين في دنيانا، ويعامل الكبار الضعفاء بعنف. وأما الله فهو وداعة وجودة ولطف. فمن يرد العيش معه عليه أن يسلك وديعاً كالمسيح، الذي حين سيق كخروف إلى الذبح لم يتذمّر ولم يلعن. ونتيجة طاعته فدى العالم، ونتيجة أمانته وهبه الله كل الأنام إرثاً. فمن يلبس من روحه ثوب الوداعة والتأني وإخلاء النفس، سيلمع في مجيئه كشمس البر، ويملك معه على الأرض. لأن المصلين الأمناء والمبتهلين لأجل الآخرين، هم بالحقيقة ملوك الله وكهنته المستترون. ولكن الأقوياء والزعماء والأغنياء والشبعانين، سينوحون عند مجيء المسيح الثاني وييأسون، لأنهم لم يدركوا دستور الله وخالفوه، فيسقطون إلى أقسى العذاب. وأما الودعاء فيرثون الأرض.

  4. طوبى للجياع والعِطاش إلى البر لأنهم يُشبعون (5: 6) والرنين الرابع لجرس محبة الله يلهم الرجاء للجياع إلى البر، المستيقظين من نومهم في الخطايا. كل الناس يودّون عمل الخير ويشتاقون إلى نجاح الإنسانية، ولكن لا يقدر أحد أن يحققها، لأننا جميعاً عبيد الخطايا. وأما المسيح فبرر الخطاة بموته على الصليب. فمن يشتاق إلى البر والقداسة يجد في المسيح ملء البر الإلهي، والقوة لتنفيذ المحبة الحقة. تعال إلى يسوع فيُطهّر قلبك ويجددك إلى الثبات في الله. وعندئذ لا تبني فرحك على طاقاتك الشخصية، بل على نعمة الله وحدها. فإيمانك قد خلّصك، وفرح المسيح يحل فيك.

  5. طوبى للرُحماء لأنهم يُرحمون (5: 7) كل من تبرر بدم المسيح تحل رحمة الله في قلبه، ومن يحب يسوع لأجل مصالحته العظيمة لا بد أن يغفر لأعدائه كل ذنوبهم. ومن حصل على مسحة الروح القدوس، لا يحتقر إنساناً بسيطاً، بل يعينه ويباركه ويعزيه، ويضحّي لأجله بما عنده. فالله محبة، ومن يؤمن به يتغير إلى تلك المحبة. والذي لم يعرف الله، يبقى في البغضة والاحتقار والقساوة. هل أصبحت إنساناً رحيماً كما أن المسيح هو الرحيم؟ عندئذ تجري قوة الله من قلبك إلى عالمنا الميت، وبإيمانك بالمسيح تقوم من بين الأموات إلى الحياة الأبدية. وستخلص من الدينونة الأخيرة برحمته، حسب المحبة المنسكبة في قلبك بواسطة الروح القدس المُعْطَى لك.

  6. طوبى لأنقياء القلب لأنهم يُعاينون الله (5: 8) هل أنت طاهر القلب وماذا تحلم ليلاً ونهاراً؟ يريد المسيح تنقية قلبك وتطهير شعورك الباطني ليملأك بطهارة روحه، فلا تسيطر عليك الشهوة والطَمَع، بل تتحرر إلى حرية أولاد الله، وتعترف أنه مستحيل عليك السلوك في الطهارة تلقائياً. ولكن روح الله يستطيع إماتة أعمال جسدك الشريرة، ويجعل لسانك صادقاً، ويضبط كل أفكارك وينَقّي شعورك.

    وحينئذ يخبرك الله بالفرح أنك ستعاينه بجلاله. ليس لصلاحك ولا لبرك الذاتي، بل لأن دم المسيح طهّرك من كل إثم. وروحه القوي غلب نزوات جسدك. هل تشترك في كفاح روح الله ضد خطاياك؟ فمن يغلب بواسطة اسم يسوع، سيرى الله أباً حنوناً ويمكث معه إلى الأبد. هل تشتاق إلى رؤية مجد الله، أو تدور حول ذاتك الممتلئة بالنجاسة والفساد؟

  7. طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون (5: 9) والرنين السابع لجرس سرور الله يدعوك إلى امتياز خدمة السلام، فالمؤمن لا يعيش لنفسه ولا يسترخي بالكسل والأنانية، بل يسعى كوسيط بين الله والناس، ويدعو كل الهالكين إلى الصلح مع الله. أخبر الناس كيف حلّ السلام السماوي في قلبك، ادعهم إلى الجوع والإيمان والرجاء. فتتناغم مع روح المسيح وتكون من إخوته. لأنه قد صالح بموته العالم مع القدوس، ويريد نشر سلامه في كل نواحي العالم. والله في جودته يستقبلك في عائلته، ويرسلك إلى الآخرين لتطفئ الخصام والحروب بينهم. ولكن لا تنس أنه ليس سلام بدون الصليب. وكل من يريد صنع سلام بدون رئيس السلام يفشل حتماً.

  8. طوبى للمطرودين من أجل البر لأن لهم ملكوت السموات (5: 10) الرنين الثامن للفرح يبدو مراً، لأنه موجَّه إلى رسل الله صانعي سلامه، الذين يُضرَبون لأجل محبتهم، ويُستهزأ بهم لأجل بشارتهم بالمصالحة مع الله، ويُحتقرون لعفوهم عن زلات الآخرين. هل تظن أن نتيجة تبشيرك ستكون أفضل مما كان للمسيح وأتباعه؟ فطوبى لك إن تألمت لأجل شهادتك وأنت في شركة المسيح، عندئذ يرافقك مخلّص العالم نفسه ويقّوِيك ويعّزِيك، ويحفظك كحدقة عينه. فلا تتمرمر بأحقاد في قلبك على آخرين، بل افرح لأن ربك أعظم من كل ممتلكاتك الأرضية المفقودة، وقد جهَّز لك مملكة روحية في حضوره إلى الأبد.

  9. طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات (5: 11 ، 12) يكرر الرب التطويب لرسله المرفوضين، لأن روح العالم يبغض الله والمولودين من روحه. فأبناء عصرنا يعذبون أبناء القدوس كما عذَّب الشيطان المسيح ورسله. ففي ساعة الآلام المرة عند فقدان بيتك ومكان عملك إن طُردت، فان ابن الله يأمرك بالسرور والابتهاج، لأن آلام هذا الدهر لا شيء بالنسبة للمجد الإلهي العظيم الذي سيظهر فيك وفي كل المؤمنين المخلصين. وربك نفسه هو أجرة إيمانك. والروح القدس يحل فيك. فلماذا تنوح؟ افرح واغتبط وتهلل واشكر، لأن إعلان ملكوت السموات قريب.

الصلاة: نشكرك أيها الآب السماوي لأنك جعلتنا أولاداً بالنعمة. اغفر لنا خوفنا وعنادنا وتمسُّكنا بالأمور الدنيوية. علّمنا رحمة المسيح وصبره وطهارته. وامنحنا القوة والجرأة للتبشير بإنجيل سلامك. واحفظنا في ساعة الرفض من أصدقائنا وأهل بيتنا، لنبارك مبغضينا، ونحب ضاربينا، ونصلي لأجل طاردينا. ثبّتنا بفرح وغبطة، لأنك أنت معنا وتتمركز فينا. وعّزِ كل الذين يتألمون اليوم لأجل اسمك القدوس.

السؤال: 1 - ما هو أجر المؤمنين؟

ب - هدف الموعظة على الجبل (5: 13 - 16)

5: 13 الطعام بلا ملح لا نكهة له. كذلك العالم إذا خلا من المسيحيين يفقد المحبة الحقة. وكما أن الملح يحفظ الغذاء من الفساد، هكذا تحفظ رسالة المسيح وحاملوها العالم من الزوال. وكما أن الملح يعّوِض فقدان بعض المواد من الجسد، هكذا يبني الإنجيل الحياة الجديدة في الأموات بالخطايا.

يدعوك المسيح لتشترك بإنشاء عالم جديد وحفظه، وسط فساد حضارتنا. ولكن لا تغتّر بالظن أنك تستطيع إصلاح سكان أرضنا بطاقتك البشرية، فكل من يتَّكِل على النشاطات البشرية يخسر رسالته، ويصبح باطلاً قولاً وسلوكاً، ويهزأ الناس به، لكن الله يمدحه. فلا ترفض رسالة الإنجيل، لأنها تخلق فيك قدرتك لتكون ملح الأرض.

5: 14 - 16 ما أعظم النعمة من المسيح! إذ أوقد في أتباعه نور محبته اللطيفة وأشعة حقه القدوس. فلا تظن أن الضوء الذي فيك هو منك، بل عطية من ربك. فلا تخبّئ الموهبة الإلهية المُعطاة لك، خائفاً من نقمة الجماهير، لأن المسيح منحك رجاء ثابتاً، لتنير العالم المتشائم بمسرته. ولا تتكبر، فانك تشبه عود ثقاب صغير لكنه يُرى من مسافات بعيدة في الليل المظلم. وإذا اجتمع بعض المسيحيين في شركة إيمانهم، يشبهون المدينة الموضوعة على الجبل، المضيئة ككوكب متلألئ، ترشد الضالين إلى حياة الله.

ودعوة المسيح لك أن تكون نوراً للظالمين، تغيّرك إلى شاهد لفضائل ربك، لتعلن اسمه في بيتك ومدرستك ومحل عملك، ثم في المجتمع عامة. اشتغل مرة فتى مؤمن في محيط رجال ليسوا أتقياء، حاولوا إفساده بكلامهم النجس. فحذّره أصدقاؤه وقالوا له: «اترك هذا العمل، لكيلا تسقط في بؤرة الشقاء». فجاوبهم: «لست وحدي هنا بل المسيح يقف بجانبي ويحميني، ويسكن فيَّ، ويحفظني. ولي وعده أنه لن يتركني. وحيث أكون أنا يكون هو أيضاً، فلا أخاف شراً».

إن ملك الملوك الإلهي يأمرك أن تتشجع، وتشع بالنور المضيء فيك، فاسْعَ مطمئناً كمُرسَل من قِبَل الرب إلى محيطك، والتق بالناس، وتكلّم معهم. وماذا يا ترى يرى زملاؤك فيك طيلة النهار؟ هل يضيء المسيح فيك بوضوح؟

يدعوك المسيح إلى سلوك طاهر، عندئذ يعظّم الناس الله لأجل لطفه وقدرته الموضوعة فيك، ويؤمنون بواسطة تصرفاتك. فسيرتك تجذب الناس إلى الإيمان بالله أنه الآب المُحِب، الذي له أولاد روحيون في دنيانا. وإذا لم يجدوا فيك فضائل أبيك السماوي، فإنهم يكفرون بالإنجيل.

والله أعطاك فرصة وامتيازاً لتشترك في تمجيد اسمه، لأننا نقرأ لأول مرة في الموعظة على الجبل السر الكبير أن الله هو الآب. فليس القدوس بعيداً عنا ولا مخيفاً لنا. إنه المحبة المُقبلة علينا باسم «الآب». وهو يتيح لك أن يؤمن الناس ببنوة المسيح وأبوة الله بواسطة سلوكك في قوة الروح القدس. فإما أن تكون برهاناً للثالوث الأقدس، أو سبباً لكفر الآخرين. ولا شك أنك منذ صغرك في طبيعتك خاطىء بكل نواياك، ولكن روح المسيح غيَّرك من إنسان ظلام إلى ابن النور، فيبدو من قولك وعملك الروح العامل فيك. ليت الوعد الأعظم يتحقق فيك، حسب الكلمة «الله محبة. من يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه» (1 يوحنا 4: 15).

الصلاة: أيها الآب السماوي. أنت النور الطاهر القدوس الكامل، أرسلت ابنك يسوع إلى عالمنا نوراً للعالم. وقد كنا ظلمة، لكن روح ابنك أنارنا، لنشعَّ نورك إلى محيطنا، فيتحرر كثيرون من ذنوبهم ويصبحون نوراً لطيفاً أيضاً. نعظّمك لخلاصك العظيم، ونلتمس منك الإرشاد إلى سلوك النور، لكيلا يكفر أحد بسبب تصرفاتنا، بل أن يروك فينا. آمين.

السؤال: 2 - كيف يمكن للإنسان أن يكون نوراً للعالم؟

ج - طلب كمال سلوكنا (5: 17 - 48)

1 - حفظ الناموس (5: 17 - 20)

5: 17 - 20 لا تبشِّر وتعلِّم الإنجيل للناس بتحمّس، إنْ لم تتيقن أن المسيح دعاك شخصياً لهذه الخدمة، لأنه لا يزن كلماتك فحسب، بل أعمالك أيضاً. فإن لم تفعل ما تقوله، تكن مرائياً خداعاً. وإن لم تسلك طاهراً تصبح شهادتك فارغة. فأعمالك مقياس أقوالك.

المسيح وحده هو المعلّم الكامل للناموس والإنجيل. إنه قدوتنا ولم ينقض وصية واحدة من الناموس القدوس، بل تممها تفسيراً وتعليماً، وعاشها بحياته المثالية. وهكذا حمى المسيح كلمات الوحي في العهد القديم بشخصيته الفائقة. فمن الغباوة أن يحتقر أحد التوراة ومواعيدها ووصاياها، المعلنة لآباء الإيمان والأنبياء المختارين. لأنه منذ القديم كلم الله البشر خلال تاريخهم وأحوالهم المعينة. فكلمة الله ليست فلسفية خيالية ولا موضوعاً عاماً، إنما القدوس اختار أناساً خطاة، وتعاهد معهم في العهد القديم، وأرشدهم بالناموس. فالذين يهاجمون العهد القديم ويرفضونه مساكين، لأنهم يرفضون كلمة الله نفسه.

وويل للإنسان الذي لا يبشّر بكلمة الله الكاملة، بل يغيّرها قليلاً، أو يُنقص معاني الوحي. فخير له إن عُلِّق في عنقه حجر رحى، ويُغرق، لأن من يبدِّل كلمة الله أو يزّورها وينتقدها، لا يضر نفسه فقط، بل كل مبتدئ بالإيمان أيضاً. فإن دعاك المسيح للتبشير، فأعلِنْ كلمته بخوف ورعدة، لكيلا تصبح سبباً لهلاك نفسك وأنفساً أخرى.

ولا يدعونا المسيح إلى العهد القديم، بل إلى شخصه الكريم. وهو في ذاته كلمة الله المتجسّد، والناموس المتجّول بيننا، ومحبة أبيه المتأنسة. فلا نلتصق بأحرف ميتة، بل بابن الله الحي الحاضر معنا. وهو قد أكمل الناموس بسيرته على الأرض، ويتممه اليوم بشفاعته الأمينة. وسيتممه غداً في مجيئه الثاني. عندئذ تنتهي ضرورة الناموس، لأن السماوات والأرض تزول كلها، فينشئ ربنا أرضاً جديدة وسماءً جديدة يسكن فيها الروحانيون الممتلئون بالبر والحق.

ولكننا ما زلنا على الأرض نستعد للسماء. فلا تغتر وتبني مستقبلك على استقامتك البشرية أو اجتهاداتك بالأمور الدينية، لكيلا تصبح متعصباً ومن قُساة القلوب والعُمي. بل التجئ إلى المخلّص الأمين واعترف بذنوبك طالباً منه الغفران، فتختبر قدرته. لأن ابن الله يضع يده عليك، ويكتب اسمه الخاص على جبينك، فيكون لك الاسم «مسيحي».

عندئذ يثبت فيك ناموس الرب، وتجد في قلبك دوافع ناموس المسيح والقوة لإتمام متطلباته. فناموس المسيح هو قوة لحفظ الوصايا، حتى لإتمام قول الله «كونوا قديسين لأني أنا قدوس». وهكذا منحنا المسيح لإتمام هذا الشرط الإلهي الطهارة الحقة بدمه وروحه القدوس.

الصلاة: أيها الآب، نشكرك ونعظّمك لأن المسيح أكمل بمحبته وحكمته كل الوصايا. اغفر لنا تقصيراتنا وآثامنا العديدة. وعلّمنا التأني والرحمة في قوة روحك، لنسلك كما سلك المسيح، ونعيش بدوافع قوته، حسب الناموس المتمركز في قلوبنا.

السؤال: 3 - كيف نحفظ ناموس الله؟

2 - منع القتل هدفه المصالحة (5: 21 - 26)

5: 21 - 26 غلب المسيح بسلطانه أحكام الناموس الشكليَّة. ووضعنا في نوره الساطع كاشفاً نوايا قلوبنا. ولم يقدم لنا تفاسير علمية موضوعية لدستور ملكوت الله، ولم يصف مبادىء الإيمان وعقائده، بل جعل المحبة هي المقياس لحياتنا اليومية. إن المحبة هي تكميل الناموس، والجوهر الأساسي لملكوت السماوات. وطبيعي أن القاتل يستحق الحكم والقصاص الصارم في دنيانا، وسيختبر غضب الله في الدينونة الأخيرة، ويعيش مضطرباً وبلا راحة إلى الأبد، إن لم يبرره المسيح.

ولكن من يقول كلمة رديئة واحدة لأخيه الإنسان، ليس أفضل من أي قاتل، لأن في ضميره نفس الدوافع لإفناء الخصم. حين يمتحن الله قلبك ماذا سيجد فيه، محبة أم بغضة؟ كم مرة شتمت إنساناً ملقّباً إياه حيواناً؟ تأكد أن كل كلمة مثل هذه تستوجب عليها العقاب في لهيب الجحيم. إن الله محبة، وكل من لا يحب مثله تماماً يخالفه. وجميع النوايا الغير مبنية على محبته تسقط، لأنها منسوجة بالأنانية. فمن لا يحب يكون قاتلاً في قلبه، وسينال أجرة القاتل. لا تظن أن هذه الأفكار فلسفة وتخيلات، بل هي تفسير للدستور الإلهي من القاضي الديَّان. فأنت قاتل في عيني الرب، وفيك يدق قلب قاتل.

هل تحب عدوك؟ إن جاوبت بنعم، فبرهن على قولك واذهب إليه واصطلح معه حالاً. ولا تقل بسطحية، إنه شيء بيننا، بل اذهب إليه ودق بابه وزُرْهُ. وإن أخطأت، ولو واحداً بالمائة في القضية التي بينكما، فتواضع واطلب أنت منه الغفران، لأن هذه هي طريقة محبة الله. فكيف تقدر أن تصلي لله وأنت عائش في خصام مع إنسان؟ والدينونة أكبر شدّة على المصلين مما على الخطاة، إن لم يتغيروا، لأن الرياء أمام الله أنجس من الجُرم. فويل لك إن كنت تحمد الله وتبغض أخاك الإنسان! اطلب من ربك ليغفر كبرياءك ويقودك إلى الصلح الكامل.

الله محبة. وإن تمتلئ بمحبته يجعلك ابناً له رحوماً مسامحاً متواضعاً. وإن لم تتجاوب مع غاية الله هذه، تسقط فريسة للروح المبغض القاتل منذ البدء. هل سمحت لله أن يذيب قلبك؟ فاذهب حالاً واصطلح مع خصمك، ما دمت حياً وهو موجود. وإن لم يتم الصلح بينكما تندم لتأخرك إلى الأبد، وتبكي في الآخرة على كل فرصة ضاعت لإنشاء السلام.

الصلاة: أيها الرب القدوس، من أنا؟ لست إلا قاتلاً مبغضاً رافضاً. اغفر لي أحقادي، وطهّر قلبي واجعله نقياً بدم ابنك الوحيد، الذي أحبنا حتى الموت رغم أننا أعداؤه. ونلتمس منك أن تجدد قلوبنا بقدرة روحك القدوس، فنمتلىء محبة وعزماً، لنصطلح مع خصومنا ونعيش معهم في سلام على الدوام.

السؤال: 4 - من هو القاتل؟

3 - منع الزنا يعني طلب الطهارة (5: 27 - 32)

5: 27 - 30 المسيح هو المشرِّع الإلهي في العهد الجديد، وقد أبان المعاني المستترة في الناموس القديم، وأوضحها بقداسة محبته. فلم يترك واحدة من الوصايا. بل أكملها تعليماً وسلوكاً. أحب المسيح الساقطين في الخطية، ودعاهم إلى الخلاص. فلا يجوز لنا أن نحتقر أحد الخطاة. والناس عادة يشيرون إلى البنت التي ولدت ابناً غير شرعي، مستنكرين عملها، غير عالمين أنهم أكثر شراً منها، لأن كل من ينظر إلى إنسان آخر بعين الشهوة، يُعتبر أمام الله زانياً.

ولو قطعت يدك المشتهية، يبقى لسانك رغم ذلك ملوثاً بالدعارة. وليس أحد من الرسل قد أتم مشورة المسيح هذه، ولكنهم حصلوا على قلب جديد وطهارة الروح القدس والعفة الإلهية. إن جسدك دنس، ونفسك خبيثة منذ حداثتك. إنما دم المسيح قادر أن يُنقّي ضميرك من كل أعمال ميتة. وروحه القدوس ينشيء فيك النّيّة الصالحة، المتغلبة على شهواتك الملتهبة. فإن سقطت في الخطية فلا تبق في أوحالها، بل قم والتجئ إلى ربك، وهو عالم شوقك إلى العفة، ويسندك لنصر مبين على ذاتك. اثبت في المسيح، لأنه هو الطريق الوحيد إلى حياة طاهرة، وهو المخلّص الحق.

5: 31 ، 32 أوجد الله في رحمته نظام الزواج من واحدة، ليخدم كل من الزوجين قرينه بمحبة مستمرة وإكرام متبادل. فليست الوحدة الجسدية هي الأهم في الرباط الزوجي، بل الاحترام والتقدير من كليهما نحو الآخر. والروح القدس يقدّس العلاقة بين الزوجين، إن ثبتا في كلمة الإنجيل.

وإذا زنى أحدهما نتج الانفصال النفسي الذي يضيّع الثقة والاحترام والخدمة والاهتمام. أما إن عاشا في تقوى الله، فمحبته تبارك حبهما، وتحفظهما في انسجام وتعاطف، فالمسيح هو الكفيل في الزواج، إن ثبت الزوجان فيه مخلصين، لأنه يعلّمنا الغفران والتسامح والصبر والاحتمال.

إن كل طلاق لغير علة الزِنى يُحسب زِنى، لأن ما جمعه الله لا يفرقه الإنسان. وبما أن الوحدة الزوجية لا تتم بالجسد فقط، بل في النفس بالدرجة الأولى، فإن المرأة تظل مرتبطة بزوجها الأول (أمام الله) حتى ولو تزوجت رجلاً آخر. فويل للطرف الذي يطلّق ولا يسامح، فهو المجرم الأكبر. كلنا مصبوغون بخطايانا، ونحتاج إلى غفران الله وتنقية شعورنا الباطني. والروح القدس يقدر أن يشفي أمراضنا النفسانية، ويطهّرنا. وبدون روح المسيح لا نقدر أن نمارس الزواج ولا الطهارة. لأن هذا الروح يكرم الخالق، ولا ينكر المبادئ الطبيعية.

4 - منع الحلف يعني الوصية بالصِّدْق (5: 33 - 37)

5: 33 - 37 يفيض العالم بالكذب، وكل إنسان يداهن الآخر. الطلاب يغشون في امتحاناتهم. والتجارة والسياسة، ومختلف نواحي الحياة الاجتماعية، تغلغلت فيها جراثيم الخداع والغش. والنجاسة الكبرى أن يحلف الناس على أقوالهم الملتوية بالله كاذبين، لشعورهم بضعف موقفهم. فالحلف في الحديث يدل في الأغلب على الكذب المبطن.

وكثيراً ما يظن الناس أن الحق معهم، وأن أفكارهم عن الأشياء والناس صحيحة لا ريب فيها. ولكن الله هو العليم بذات الصدور، العارف بنوايانا والأسباب الحقة التي وراء الأحداث. إن معرفتنا غير كاملة، وقراراتنا ليست سليمة بنسبة علو السماوات عن كرتنا الأرضية، وعجزنا عن أن نخلق شعرة واحدة في رأسنا، أو أن نغيّر لونها!

ويعلمنا الروح القدس أن ننطق بالصدق دائماً بتواضع وبدون مبالغة، ويرشدنا إلى تمجيد الله وإكرامه. وهنا نجد الفرق المبدئي بيننا وبين الكاذبين. إنهم يستكبرون، مشتاقين للشهرة، كما استكبر أبوهم الشرير آدم أولاً، وخدع نفسه متخيلاً عظمته. لكننا نحن المؤمنين انكسرنا معترفين بضعفنا وذنوبنا. ونتعلق بخلاص الله، راجين إرشاده، فنخدم الجميع بالحق، لأن المسيح وحده هو القادر أن يخلّصنا من كل كذب ومبالغة. ومن يدخل مدرسة الحق الإلهي، يتعلم رفض الكذب، حتى الكذب الأبيض، ولا ينطق باسم الله باطلاً، بل يكرمه بشهاداته الحارة، فيصبح لساننا صادقاً، وصميمنا مقدساً، لأننا لسنا أولاد أبي الكذب، بل أولاد المسيح الحق.

الصلاة: أيها الآب السماوي، ألسنتنا كاذبة. احرق منها كل المبالغة والالتواءات والأكاذيب. وعلّمنا التواضع لنصبح صادقين، بروحك القدوس. وأنرنا لنعرف الحق. وأرشدنا إلى كل الحق. واملأنا باسمك، لأنك أنت الحق الكامل، فنصبح صادقين في نوايانا وأفكارنا، ونسلك في الصدق والحق والعدالة.

السؤال: 5 - كيف نصبح صادقين، قولاً وعملاً وسلوكاً؟

5 - الوداعة تغلب الانتقام (5: 38 - 42)

5: 38 ، 39 يعرف المسيح جوهر الحق أنه المحبة، لأنه في ذاته الحق المتجسد. كان الناموس اليهودي لا يمنع أن ينتقم إنسان لنفسه، أما في العهد الجديد فقد شرع المسيح ناموس المحبة الذي يعطينا قوة الرحمة، وقوة التواضع، لنتنازل عن حقوقنا. فالروح القدس يمنعنا من تنفيذ أفكارنا وأهدافنا البشرية بالعنف، فالله محبة، وروحه بعيد عن فكر الانتقام، وهو ينبوع الصبر والاحتمال، فننتظر تدبير الله ونستسلم لهداه. ولربما تساءلت، أليس هذا الموقف ضعيفاً وفشلاً لإرادة الإنسان، ودَوْساً لحقوقه، مما يفتح الباب للشر أن يزداد؟

كلا! فالوديع هو الأقوى، إذا تغلّب على ذاته، وأما المنتقم فهو الضعيف، لأنه سمح بدخول البغضة إلى قلبه. ومن يجازي عمل الشر بشر مثله، هو شرير مثل خصمه. أما من قابل الظلم بمحبة، فهو المنتصر على أنانيته. إن الحروب والخصومات لا تبني مجتمعنا بل تخربه وتسممه. لكن المحبة والثقة والتواضع والتنازل والصبر، يفتح لنا باب الرجاء.

ولا ينتظر منا دائماً تطبيقاً حرفياً لقوله «من لطمك على خدك الأيمن، فحّوِل له الآخر أيضاً» لأنه عندما ضُرب أثناء المحاكمة أمام الرئيس حنان، لم يطلب من الخادم أن يضربه ثانية (يوحنا 18: 32 وأعمال 23: 2). فالمسيح يوضّح لنا أن حساسيتنا ينبغي أن تموت، إذا أردنا الدخول إلى ملكوت الله. فتنازل عن حقوقك، ولا تدافع عن نفسك كثيراً. سلّم أمرك للرب، فيستلم هو المسئولية عنك. والروح القدس يغلب نفسك الهائجة الثائرة. وإن ضربك أحد فعلاً، ففكر: حقاً إنني أستحق الضرب لأجل آثامي المتعددة، التي عملتها في الماضي. والحمد لله قد حمل المسيح الوديع ضرباتي الأليمة عوضاً عنِّي على الصليب.

5: 40 - 42 يحررنا المسيح أيضاً من تشبثنا بممتلكاتنا الفانية، لأنه عاش بيننا قنوعاً فقيراً متواضعاً. ويخلقنا اليوم على صورته. وغايته هذه تمت في نجَّار عاد من بيته ذات يوم، فشاهد سارقين يحملان أخشاباً من مصنعه. فغلب هذا النجَّار نفسه وساعدهما وأضافهما. وأخيراً رافقهما إلى السيارة، مما حملهما على الظن أنه لص يريد الاشتراك في الربح. ولكنهما اندهشا بخجل عندما أخبرهما أنه صاحب المصنع. وقد قابل سرقتهما بتواضع ومحبة. فاستحى أحدهما من نفسه وتاب وسلَّم نفسه للمسيح معترفاً بذنوبه. فلا تنس أن المسيح يقصد تحرر قلبك من حقوقك وأموالك، إلى تضحية حبية وخدمات صامتة. فليس ما تملكه من عقارات وأرصدة تؤمِّن لك المستقبل، بل عناية أبيك السماوي.

ويربينا الروح القدس لنعطي بسخاء من قوتنا ومالنا لكي لا نطمع بل نساعد غيرنا. ولم يطلب منَّا أبونا السماوي الصدقة والصوم والصلوات، شرطاً لخلاصنا. إنما هو المُحب والمُعطي، يباركنا ويخلّصنا وجميع الذين يقبلون لطفه الكريم. وقصده أن نصير نحن أيضاً ينبوعاً فائضاً، فنقرض المحتاجين، ونرفض حب المال. ونعظم اسمه بحياة التضحية.

ولربما ساعدت صديقاً مرة، وتعبت من أجله، وضحيت بوقتك، ووجدت أنه لا يزال ضائقاً بك. استمر في تضحية وقتك الثمين وباركه، واطلب من ربك أن يملأ الوقت ببركاته وثماره الأبدية.

الصلاة: أيها الآب السماوي، أنت الصبر والمحبة، وابنك هو الوديع اللطيف المتجسد. اغفر لنا عصياننا وحساسيتنا، وأمِتْ أنانيتنا لنتقوى إلى تضحية وتنازل، ونحتمل الخطاة ونغلب قلوبهم للتوبة بالمحبة، لكي يتصرفوا أيضاً كأولاد روحك القدوس.

السؤال: 6 - من هو المتحرِّر من ذاته؟

6 - بغضة العدو تستبدل بمحبته (5: 43 - 48)

5: 43 - 48 لم يرد في العهد القديم تعليم بوجوب بغضة العدو، غير أن الفريسيين والكتبة استنتجوا من سفر اللاويين 19: 18 إن الوصية بمحبة القريب تستلزمهم بغضة العدو. لكن المسيح حطَّم قالب القومية، وشمل كل الشعوب بمحبة الله، ودعانا لاتِّباعه. فإيمانك بالمسيح يظهر من محبتك لخصمك، وليس فقط باحتماله. إن محبة العدو ليست فضيلة إنسانية، بل هي أسمى من ذلك، ومستحيلة التطبيق على الإنسان الطبيعي، لأن الإنسان إن أراد أن يحب صديقه، فعليه أن يترك أنانيته ويفكر بالمحبوب، مهتماً به اهتماماً عملياً. فكم بالحري إن طلب ربك منك أن تحب عدوك؟ ولولا أن الشركة الروحية بين المسيح والمؤمن ثابتة، لما استطاع أحد أن ينفذ هذه الوصية. فشكراً لمخلّصنا، لأن روحه الذي يقودنا يغلب بغضتنا، ويساعدنا لنحب الجميع. ولكن احذر، فما دمت في غضب على أحد أو على جماعة معينة، فلا يكون روح الله قد غلب دوافعك الشريرة.

صلِّ لأجل مضطهديك. هذه هي الدرجة الأولى في تحقيق محبة العدو. حدث أن رجلاً أساء إلى رجل وعائلته، مما سبب خراب مستقبلهم. ولكن روح الله دفع المظلوم إلى الابتهال لأجل خصمه يطلب ربه باستمرار البركة عليه، أكثر من بركته على عائلته الخاصة. فيريد الله منك أن تبارك خصمك، بواسطة دعوات قلبك الفرحة.

إن تحررت من الحقد، وأنزلت بصلواتك البركة على خصمك، تستطيع زيارته. وإن وقع في ضيق فساعده بطريقة لا يلاحظ بها عونك، حتى لا يخجل منك. ضحّ بالكثير لتخلّصه وبيته جسداً ونفساً وروحاً، حتى إن لم يقبلك واستمر يرفضك، لأن الله يعاملنا نحن البشر هكذا.

الله محبة، وقد دعانا ليرشدنا لإكمال وصيته عندما يسكب محبته الكاملة إلى قلب المؤمن. فليس المسيح فيلسوفاً نظرياً، يتكلم عن مُثُل عليا غير ممكنة التطبيق، بل هو كامل في ذاته، ويهبك في عربون روحه القدوس مسحة الكمال الظاهرة في محبتك للعدو. المحبة هي السر الكبير في الثالوث الأقدس، حيث أن كل أقنوم يحب الآخر في الوحدة الكاملة. فهل يجتمع مع المؤمنين في صبر المسيح ومحبته العظمى؟ وكيف تظهر فيكم محبة الله الكاملة؟

الصلاة: أيها الآب نشكرك لأنك دعوتنا بابنك لنصبح كاملين مثلك. لكننا عُصاة خطاة مجرمون. أما محبتك فترفعنا من وحل خطايانا بواسطة تطهيرنا بدم يسوع، لنكون طاهرين بالكمال. وروحك القدوس هو عربون كمالك. اجعلنا نحقق المحبة تجاه أعدائنا وخصومنا، لكي يكمل فرحك فينا.

السؤال: 7 - كيف نكون كاملين مثل الله؟

د - العبادة الحقَّة لله وحده (6: 1 - 18)

1 - الصَّدَقة في الخفاء (6: 1 - 4)

6: 1 - 4 لا تضع قلبك على أملاكك، بل احمد ربك، وقدِّم له مواهبك حسب إرشاد روحه الحكيم. وإن كنت إنساناً ممتلئاً بالمحبة، ستصير حياتك تقدمة الحمد لله.

إن خدمت الرب تحصل على مكافأة عظيمة، لأن الله نفسه أجرتك، ونعمته تكفيك. فالله ضحَّى بكل ما عنده. فإلى متى تبقى بخيلاً، ولا تضحي بكل ما عندك له؟ وأجرتك السماوية قد تحققت في المسيح. فليس عليك أن تجتهد لإنشاء خلاصك. إنما لك امتياز الشكر لربك، الذي أكملك إلى الأبد بذبيحته. وبالحقيقة لسنا قادرين أن نشكر الله كما يجب، لكن الروح القدس يسند ضعفنا. إن أرشدك الروح القدس لتبرعات معينة، فلا تتكلم عن تضحياتك ولا كلمة واحدة. ولا تسجل اسمك في قائمة المتبرعين، ولا تسمح أن تُقام لك لوحة تكريمية لأجل عظمتك. بل اسع طالباً البسطاء في الضيق، وفتش عن المحتاجين، ودبِّر لهم عملاً، وساعدهم بمشورتك وخبرتك. وذلك كله بشرط ألاَّ يلفت اسمك الأنظار نحوك، فإن المسيح وحده هو فخرك.

كان بعض الأغنياء من اليهود يدفعون تبرعاتهم جهراً، ليخرج الموكب بأسمائهم وتبّوِق لأجلهم الأبواق وتضرب الطبول. لكننا اليوم نضحِّي لله بحياتنا بالخفاء، وبلا كلام ولا تبوَّق. ضحِّ إذاً لربك بمالك، ولا تخبر أحداً عن خدماتك. أنت للرب والرب لك.

2 - الصلاة في العُزْلة (6: 5 - 8)

6: 5 - 8 لكل دين طقوس خاصة لممارسة الصلاة، فالصلاة من أركان الدين. رفع اليهود أيديهم ليتلقوا بركة الله الهابطة عليهم مباشرة. وكانوا أحياناً يصلّون جهراً في الطرقات والأزقة ليتباهوا بتقواهم. أما نحن المسيحيين فليس لنا تنظيم روتيني معيَّن للصلاة، لأن المسيح حررنا من الطقوس والأشكال. فلسنا عبيداً في نظر الله. نحن أبناء نتكلم مع أبينا السماوي، سواء في جلوسنا أو مسيرتنا أو وقوفنا أو سجودنا. فجوهر الصلاة هو التكلم مع الله كما يتكلم الأبناء مع أبيهم، مقدمين له الشكر والحمد والاعتراف، والاستغفار والدعاء والابتهال لأجل الآخرين.

نحن عادة لا نصلي جهراً، لأننا لا نصلي للناس بل لله وحده. فأبوك السماوي يسمعك دوماً. ويعرف حاجاتك قبل تلفُّظك بها. وفي أثناء الصلاة تزول خطاياك وأمنياتك الباطلة، وشهواتك المثيرة، وتدرك حضور الله معك. ومن المستحسن الركوع، ولك الحق بالسجود كما فعل المسيح في جثسيماني. ولكن الله لا يخلّصك لأجل سجودك، بل لأنه يحبك وبذل ابنه الوحيد لأجلك من قبل سجودك له.

انعزِلْ في مكان خفي هاديء وأغلق بابك، واسكب بين يدي أبيك ما في قلبك من هموم وأثقال. وإن لم يكن لك غرفة خاصة فانطلق للبرية، وتكلم إلى إلهك وهو يستمع لك. لا تستطيع الحياة بدون الصلاة، لأنه كما أن جسمك لا يحيا بدون التنفس، هكذا نفسك لا تحيا بدون الصلاة. صلِّ عدة مرات في اليوم، مع التأمل في الكتاب المقدس، لتصبح صلاتك رداً على كلمات أبيك إليك. إن كنت لا تحب الصلاة وتمتنع عن قراءة الإنجيل فإنك تشرف على خطر كبير، لأن هذا معناه أنك لا تحب أن تنفرد مع الله. ألا تشتاق للتحدُّث مع أبيك السماوي؟ إنه ينتظر كلماتك وشكرك وثقتك ويغفر خطاياك.

اعترف للرب بذنبك، وقل شكراً يا أبي السماوي. اطلب المعرفة والقوة والحكمة، لتحقيق المحبة في حياتك. وليكن معلوماً عندك أن أباك يعرفك، أكثر مما تعرف نفسك. أتصلي؟ هذا هو السؤال القاطع لامتحان إيمانك، فهناك تصبح نفسك وضميرك في مرض شديد. اعترف لربك بذنبك. واطلب تطهيرك وشفاءك كاملاً لتمتلىء بروحه القدوس، الذي يعلمك الصلاة المستجابة. عندئذ يملأ فرح الرب قلبك، فتصلي ليس لنفسك فقط، بل لكل الذين وضعهم الرب على ضميرك.

3 - الصلاة الربَّانية (6: 9 - 13)

6: 9 فَصَلُّوا أَنْتُمْ هَكَذَا .. تَقَدّم تلاميذ المسيح إليه طالبين نموذجاً للصلاة. فتواضع وأشركنا في صلاته الخاصة العظيمة. فمن يدرك معنى «الصلاة الربَّانية» يعرف الله.

6: 9 أَبَانَا ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ ٱسْمُكَ. لم يعلّمنا المسيح أن ننطق باسم الله، وإنما علّمنا الاسم الفريد لله، الذي يلخص غنى العهد الجديد بكلمة واحدة «أبانا». وبديهي أننا غير مستحقين لندعو الله أبانا، ولا نقدر أن نتقدم إليه تلقائياً، ولكن المسيح نزل من السماء مولوداً من الروح القدس، وأشركنا في امتيازه، وأدخلنا في حقوقه، وحمل الخطية عوضاً عنَّا لنصبح نحن أولاد الله شرعاً بالتبني، وروحياً بالولادة الثانية.

من يتأمل كلام الرب يسوع المذكور في الإنجيل يلاحظ باندهاش أنه في صلواته أو حديثه مع تلاميذه، استعمل غالباً في تعبيره عن الله، كلمة آب أو أبي أو أبانا تقريباً 175 مرة. ولكنه حين كان يخاطب أعداءه أو يطرد الشياطين من الملبوسين كان يذكر اسم الله القدوس. ولمَّا حجب أبوه وجهه عنه وهو معلَّق على الصليب صرخ «إلهي إلهي، لماذا تركتني؟». ففي تلك الساعة كان يحمل في جسده خطايا العالم، فتحّوَل حنان أبيه إلى غضب ملتهب، لأنه ظهر كديَّان أزلي، مسلّماً ابنه للموت عوضاً عنَّا.

ورغم أن الآب حجب وجهه عنه فقد كافح يسوع مؤمناً، وتمسك بأبّوة الله، وصلى أخيراً قائلاً: «يا أبتاه، في يديك أستودع روحي». ومنذ ذلك الوقت يسكب الروح القدس علينا، لنصرخ بفرح «أبانا الذي في السماوات» لأن الروح القدس يعلّمنا سرَّ أبّوَته للمؤمنين، فنصلي بشكر وغبطة للآب الحنون. وهو يؤكد لنا العفو الكامل وعطية الحياة الإلهية فينا. وبهذا الموقف الجديد أصبحنا أعضاء في عائلة الله وأهلاً لملكوته، وصار لنا حق القدوم إلى القدوس بدم المسيح في قوة الروح القدس الذي يدفعنا إلى التسامح والثقة.

والآباء في دنيانا آباء لأن لهم أولاداً. فبالطلبة الأولى، نطلب أن يولد لله أولاد كثيرون في كل أنحاء العالم، ويتقدس اسمه الأبوي، إن عاش أولاده في كل البلدان والمدن والقرى حسب فضائله.

الصلاة: أيها الآب، اسمك أحلى في حلوقنا من العسل المُصفَّى. كنا خطاة وأصبحنا أولادك. نشكرك لمحبتك ولنعمة ابنك ولرحمة روحك القدوس. لأننا أصبحنا بفدائك الثابت أبناءك بالحق والجوهر. ضع على قرانا ومدننا اسمك الأبوي، لكي يولد لك اليوم أولاد كثيرون. فيتعظم اسمك القدوس.

السؤال: 8 - كيف نقدس اسم الآب؟

6: 10 لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. خلق الله العوالم كلها وهي ملكه الخاص. ولكن الناس عصوا ربهم وتركوه، كأنهم سرقوا أنفسهم من يده. ورغم هذا العصيان فإنهم ملكه. وأنت أيها الأخ خاصة الله بكل معنى الكلمة. ولم يشأ الله أن يكون بعيداً عن ملكه، فأرسل مسيحه ليكون الملك في ملكوته، فشفى المرضى ورحم المساكين، وكرز للمستعدين، وبكى على العصاة ومات عوضاً عنَّا. فملكوت أبينا مبنيّ على كفارة الابن الذي أهَّل الخطاة للدخول في حظيرته. ويحقق الروح القدس بقدرته وتنظيمه الملكوت في العالم.

وهذه المملكة الإلهية مستمرة اليوم في أولاد الله. وكما أن ملكوته ليس من هذا العالم، هكذا نحن غرباء في دنيانا، وننفصل عنها إذا طلبنا تقديس اسم الآب. وبهذه الطلبة نريد بنفس الوقت نشر ملكوته على الأرض، ليتقدم لطفه إلى كل الشعوب والأفراد. فالآب السماوي يعطي الامتياز لأولاده وكنائسه أن يكرزوا بإنجيل الملكوت، مصلين أن يتحقق في دنيانا. إن الله محبة، ويشاء أن يتقدس كل الناس بقوة نعمته. فهل تفكر بهذه المعاني الواسعة عندما تصلي: ليأت ملكوتك. فقصد الله هو تحريك قلبك لتتشوق للتبشير في محيطك وفي كل أنحاء العالم.

6: 10 لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي ٱلسَّمَاءِ كَذَلِكَ عَلَى ٱلأَرْضِ. يُتعِب كثير من أهل الأديان أنفسهم ليعرفوا مشيئة ربهم، وبذلك نشأت النواميس والطقوس لتُعلِّم الناس تنفيذ أوامر الله، وفقاً لشرائع الوحي. وهذه السنن والنواميس تطالب بشدة: اعمل هذا، ولا تعمل ذاك. وبالحقيقة لا يستطيع إنسان أن يتمم إرادة الله ولا أن يعرفها، لأن البشر خطاة جاهلون.

شكراً لله الذي حررنا من لعنة الناموس وثقله المرهق، وأرسل لنا ابنه ليعلن لنا مشيئته الأبوية اللطيفة. فهو لا يطلب منَّا أن نعمل شيئاً لإرضائه، بل هو العامل والمعطي والمبارك على الدوام. إنه الخالق والمخلّص الرحيم. ولا يطلب منَّا عملاً مشروطاً ليقبلنا، بل هو مصدر كل العطايا. ويشاء أن يرحمنا ويباركنا ويساعدنا. وإن قصَّرنا في حفظ وصاياه فنعمته وحبه الرحيم يشملنا بالغفران. هل فهمت مشيئة أبيك السماوي؟ إنه يشتاق أن يباركك ويخلّصك ويملأك بقوة روحه القدوس.

6: 11 خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا ٱلْيَوْمَ. لم يكن المسيح فيلسوفاً خيالياً، لكنه عاش إنساناً حقاً على هذه الأرض. كان له جسد يجوع ويحتاج إلى العناية والاهتمام والراحة. فعرف أن المريض والجائع والضعيف يصعب عليهم تسبيح الله وخدمته بفرح. ولم يحتقر المسيح الجسد البشري. لأنه جعله هيكلاً للروح القدس وطلب حفظه ونشاطه.

لم يعلمنا يسوع أن نطلب الغنى والثروات، لكيلا تمتلىء بطوننا بطراً وسكراً، إنما علّمنا القناعة لنصلي إلى أبينا: أعطنا كفاف الأكل والشرب واللبس، والعمل والراحة والسكن وكل ضروريات الحياة، لأن كلمة «خبز» تشمل كل حاجات الإنسان الجسدية والروحية والنفسية. فلسنا حيوانات نكتفي بالأكل والشرب، بل إننا بحاجة إلى أصدقاء وكتب وفن وصحة. فعلَّمنا يسوع أن نطلب بالتواضع كل ما نحتاجه لحفظ حياتنا لنعيش لله وخدمته فرحين مكتفين بضروريات الحياة.

وقد حرَّض أن تخلو طلبات الصلاة الربَّانية من الضمير «أنا». ليحل محلها ضمير الجمع «نحن». لأن الروح القدس يعلّمنا الاهتمام والابتهال لأجل الآخرين، فليس الله هو أبي فقط، بل أبو جميع المؤمنين على السواء، أي أن محبته لا تقتصر عليَّ، إنما تشمل جميع الناس. والروح القدس يحررنا من الصلاة الأنانية فلا نطلب من أبينا خبزنا فقط، بل نطلب البركة لكل البشر، مع الاستعداد أن نشاركهم بمؤونتنا.

ليس الإنسان سيد حياته ولا مالك بيوته ولا رب وقته وعضلاته، لأنه مخلوق من الله، ومولود من أبيه السماوي. لهذا فأنت ملك له، مع كل ما لديك. وقد أوجدك أبوك السماوي لخدمة المحبة، وينتظر منك أن تشارك إخوانك بمواهبك، لأنه لا يجوز لك أن تطلب من أبيك معونتك وخلاص نفسك، إن كنت لا تطلب نفس الشيء للآخرين. اطلب أولاً ملكوت الله وبره، وهذه كلها تُزاد لك.

وبما أن من الشروط لكسب الخبز اليومي العمل المتواصل، فنطلب بهذه الطلبة من أبينا أن يعطينا وكل الناس عملاً شريفاً ووظيفة بعرق الجبين. وأبونا السماوي غني فوق الإدراك، ولكن بسبب طمع أولاده وقساوة قلوبهم تتأخر بركاته عنّا. فالروح القدس يعلمك أن تصلي لأجل الجائعين والبردانين في كل مكان، وبعدئذ اطلب الكفاف اليومي واترك الاهتمام بالغد، لأن أباك المُحب القدير يعتني بك.

6: 12 وَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضاً لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. طوبى للإنسان الذي أدرك خطاياه واعترف بها. اطلب من أبيك السماوي أن يغفر لك أعمالك الشريرة، وآمن باستجابة صلاتك، لأن المسيح كفَّر عنك على الصليب. اقبل النعمة التامة في ضميرك، فيعزيك الروح القدس، ويؤكد لك سلام الله. اعترف بذنوبك وآمن بغفرانها في المسيح، فتتبرر إلى الأبد.

هل تختص طلبة الغفران بالمجرمين والملحدين فقط، أم هي شاملة أيضاً أولاده المتبررين؟ إن أبناء الله في ألحّ الحاجة أن يطلبوا كل يوم وفي كل لحظة التقديس بدم المسيح. وليس إنسان طاهراً من تلقاء نفسه أمام الله. فذبيحة المسيح أساسنا الوحيد لحياتنا مع الله. ولا تعزية لضميرنا إلا في دم الحَمَل المذبوح لأجلنا، فلهذا نطلب يومياً تطهيرنا من كل أفكار وأقوال وأعمال شريرة.

ولا تطلب الغفران لنفسك فقط. بل أيضاً لأجل الآخرين. هل تطلب عملياً السماح الإلهي لأجل أصدقائك وأقربائك. وتترقب تطهيرهم الفعلي. لا تنس أن الصلاة الربَّانية، تعلّمك النطق بصيغة «نحن» لا «أنا». إن أباك يدعوك لتغفر لكل إنسان كل أخطائه وتباركه وتصلي لأجله ليصبح هو أيضاً إنساناً رحمه الله. فثورة المحبة الإلهية بدأت بموت المسيح على الصليب، وتتحقق اليوم بإيمانك وغفرانك لأعدائك. وإن لم تغفر لمضادّيك كل ذنوبهم تحرم نفسك من نعمة الله، لأنك بطلبتك في الصلاة تقول: اغفر لنا تماماً كما غفرت للمذنبين إليَّ. فإذا لم تنس آثامهم تتجاوز عن قاعدة هذه الصلاة، وكأنك تحكم على نفسك قائلاً: أيها الآب لا تنس خطاياي، كما أنا لا أنسى أخطاء الآخرين. وإن غفرت لهم ظاهراً فقط فكأنما تطلب من الله أن يعاملك بنفس الطريقة. فالحرف «كما» هو أخطر كلمة في الصلاة الربَّانية.

والله لا يطلب منك أعمالاً مستحيلة لتبرير نفسك، بل ينتظر منك أن تصبح رحيماً كما هو رحيم. وهذا هو مبدأ المحبة. ألاَّ تعيش لنفسك. بل تتشارك مع الآخرين الغير المستحقين. إن جميع خطاياك مغفورة لك، إن كنت تغفر لخصمك حقاً.

6: 13 وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ ٱلشِّرِيرِ. لا يضلُّ الله أحداً ولا يدخله في تجربة ما، لأن محبته قدوسة تخلّصنا ولا تهلكنا. ولكن إن كان أحد أبناء الله لا يتجاوب بجذب وتبكيت الروح القدس للطهارة والحق والمحبة، فإنه يسقط في الخطايا والعار، وهكذا يدرك أنه غير صالح في نفسه، فيبكي ويتوب ويرجع إلى أبيه، ملتمساً منه الغفران، وطالباً التغيير والتقديس الكامل.

إن أباك السماوي يشاء أن يصيّرك على صورته. وقد وهب المسيح لك اسمه الخاص ويدعوك «مسيحياً» لتسلك ممسوحاً بروحه القدوس، قديساً في المحبة وفرح السلام والصبر اللطيف. وحيثما لا تتحقق فضائل أبيك فيك لقساوة قلبك، فإنه يؤدّبك لتتعقل وترجع نادماً طالباً خلاصك وتقديسك في قوته. فإن طلبت لأجلك ولأجل كل المؤمنين التوبة المستمرة، وحفظك من التجارب والسقوط في الأخطاء، فإنك بهذا تطلب تغيير القلوب وتقديسها معاً. فإن الرسول بولس، بعد تفسيره مبدأ التبرير مطّوَلاً في الرسالة إلى رومية، وضح التقديس وتجديد أذهان المؤمنين، ليقدموا أجسادهم ذبيحة حية مرضية عند الله. فلابد من تقديسك، لأن هذه هي إرادة الله قداستنا.

والتجارب من حولك عديدة. لأن الأفلام والدعايات والكتب والملابس وكل الحياة أصبحت صرخة واحدة ضد قداسة الله. ومن قلبك أيضاً تخرج أفكار شريرة مضادة لوصايا الرب. فكلنا نحتاج إلى الطلبة للحفظ من التجارب. والهدف الأخير لكل تجربة هو عصياننا ضد الله وخروجنا من عهده، والابتعاد عن الآب لنحيا في استقلال عنه.

لا تظن أنك تقدر أن تتغلب على الشيطان، لأننا كلنا أمام ملاك النور الساقط ضعفاء عاجزون. فاطلب من المسيح غالب الموت وقاهر إبليس أن يشركك في انتصاره. فمن يؤمن بيسوع المقتدر يكون واقفاً إلى جانب المنتصر. والمسيح يلقّب الشيطان بالشرير لأنه مصدر كل الشر، ولا يصدر منه إلا الخراب والهلاك. فالعالم واقف في المعركة بين الله والشرير، الخير والشر. كما أن أول كلمة في الصلاة الربانية هي الآب وآخرها الشرير. فحياتك تجري بين هاتين الكلمتين، المعبّرتين عن شخصية الله العظيمة، وشخصية الشيطان عدوه. فإلى من تلتجئ؟

لا تطلب لنفسك فقط الخلاص من قدرة إبليس ومكره، بل اطلب لكل البشر التحرير من قبضة الخبيث وقيود الظلمة، لينتقلوا إلى حرية أبناء الله. فالمسيح هو المنجّي القادر على كل شيء، ويفدي كنيسته المبتهلة من سلطات الظلمة المتربّصة. اطلب حلول الروح القدس على أصدقائك ليمتلئوا بالمحبة الحقة، لأنه بدون الروح القدس لا يقدرون أن يعملوا شيئاً.

وعندما سيأتي المسيح في المجد، نتقدم إليه بهتاف، لأنه بحضور ملكوته تنتهي سلطة الشيطان نهائياً. فلا يفصلنا عندئذ الموت ولا الخطية ولا التجارب عن محبة الله. فبهذه الطلبة الأخيرة نلحّ على مجيء المسيح سريعاً، ليظهر ملكوت أبيه علانية بقوة مجده. فهدف الصلاة الربانية هو تحقيق هذا الملكوت الأبوي، الذي يغلب كل القوى المضادة له.

6: 13 ... لأَنَّ لَكَ ٱلْمُلْكَ وَٱلْقُّوَةَ وَٱلْمَجْدَ إِلَى ٱلأَبَدِ. نعترف أن أبانا السماوي هو مالك العالم، لأنه خلقه. وهو حي ويملك من الأزل إلى الأبد. وحقه ثابت في كل الشعوب. حتى ولو تعترف بحقه. والله قوي قوة بلا حدّ. وكما أن الشمس ترسل أشعتها ليلاً ونهاراً إلى الفضاء، ولا تقلّ قوتها النووية، هكذا يشرق الله بمحبته على كل الناس ليجذبهم ويخلّصهم ويحفظهم، ولو لم يريدوا. فقوة الله أعظم من إدراكنا.نشعر أحياناً بهولها إذا زلزلت الأرض أو قصف الرعد. فهل تؤمن بعمله وحكمته وحضوره معنا، وإرادته خلاصك؟ إن القادر على كل شيء هو أبوك. فإلى متى أنت غافل عن إكرامه ومحبته؟

والله مجيد، لا يقدر أحد على رؤيته لأننا فانون، فالإنسان الطبيعي لا يستطيع الدخول إلى ملكوت الله، بل يحتاج إلى خلق جديد وولادة روحية، وقيام مع المسيح. فبدون الولادة بكلمة الله والروح القدس لا يمكننا أن نرى مجد الله. ولكن المولود جديداً سيكون مجيداً كشمس. وليس ذلك من ذاته، بل لقربه من الله المجيد. فيدرك أن رب المجد هو محبة مقدسة. تقصد تغييرنا إلى صورته لنكون مجيدين كما هو مجيد.

الصلاة: أبانا الذي في السموات، ليتقدس اسمك. ليأت ملكوتك. لتكن مشيئتك. كما في السماء كذلك على الأرض. خبزنا كفافنا أعطنا اليوم. واغفر لنا ذنوبنا، كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا. ولا تدخلنا في تجربة. لكن نجنا من الشرير. لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد. آمين.

السؤال: 8 - ماذا يعلمنا تعظيم الآب في آخر الصلاة الربَّانية؟

4 - الطلب المؤكَّد للمصالحة (6: 14، 15)

6: 14 ، 15 كم هو مخجل أن يخبرنا يسوع مكرراً أن المحبة الغافرة هي وحدها تكميل الناموس. امتحن نفسك أيها الأخ. هل جددك الله وملأك برحمته؟ وكيف يبدو هذا التجديد؟ ولكن لمحبة الله هدف فوق ذلك، وهو أن تنشر حولك السلام السماوي، لأن أبناء الله هم صانعو السلام. هل هناك إنسان تكرهه؟ هذا أهم إنسان في حياتك، لأن الله أرسله لامتحانك واختبار قلبك، ليعلّمك التسامح والغفران والتأني والحلم والوداعة.

غفران الله للجميع، وغفراننا لبعضنا هو أساس العهد الجديد. وحيث لا يتحقق هذا الشرط فهناك لا يحل ملكوت الله. إن محبة العدو هي ثمر إيمانك. وفي امتناعك عن التسامح تعارض عمل الروح القدس فيك وحولك. أحب أعداءك. بارك لاعنيك، أحسن إلى مبغضيك، وصلّ لأجل الذين يسيئون إليك ويضطهدونك. تمم هذه الوصية الحبية، فتكون ابناً لله وأخاً للمسيح.

لما أُلقي بولس في سجن فيلبي مع رفيقه سيلا رتلا بفرح ترانيم الشكر، رغم أن أرجلهما كانت في المقطرة، وقد جُلد ظهراهما، حتى سال الدم منهما. ومع ذلك أحبّا جَالدِيهما ورئيس السجن، وصلَّيا لأجلهم. فتاب السجَّان الأكبر. ولما رُجم استفانوس صلى لأجل قاتليه، لأن كل أولاد الله يتبعون صرخة المصلوب «يا أبتاه اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون»!

لقد غفرت لنا محبة الله كل الذنوب. فمن ينسجم معها ويفتح قلبه للأعداء، يرى السماء مفتوحة كاستفانوس، ويختبر قدرة الله العاملة كبولس وسيلا، اللذين بسبب صبرهما اهتدى كثيرون وأدركوا أن الله هو الآب. فامتحن نفسك. هل هناك مانع لجريان روح الله في حياتك؟

الصلاة: أيها الآب، نتوب بندامة قلوبنا، وبعزيمة صادقة. اغفر لنا تكبّرنا، وعلّمنا قداستك وسماحك وتواضع ابنك. وساعدنا لنغفر لكل إنسان ما أساء به إلينا، كما غفرت لنا، لتصبح محبتنا شكراً لنعمتك الممطرة علينا باللطف والرحمة والجودة.

السؤال: 9 - ما هو الشرط لثباتنا في الشركة مع الله؟

5 - الصوم والفرح (6: 16 - 18)

6: 16 - 18 لماذا نصوم؟ ليس صيامنا لتبريرنا أو تطهير أنفسنا، بل ندامة وتوبة وابتهالاً. إن الصوم هو صلاتك في شعورك الباطني. فإن اهتزت أعصاب معدتك جوعاً، وظلت روحك متجهة لله دائماً، تصير نفسك خفيفة من أثقالها، طائرة مرفرفة بالإيمان والصلاة والشكر. فالذي يصوم حقاً يتعمق في نعمة الله، ويتحرر من الدينونات، ويشترك في الألوهيات.

لكن انتبه أثناء صومك، لتكون نفسك ممتلئة بكلمة الله. فالصوم لا يخلّصك، بل كلمة الله وحدها، التي تجعل صومك جزءاً من إيمانك، فتنال قوة كبيرة من ربك. لا تتحدث للناس عن صومك لتظهر لهم درجة عالية من تقواك، بل اسلك كما في كل يوم. زيّن نفسك لأن الله يلتقي بك ويشركك في انتصار المسيح بصومك. عندئذ تمتلئ بفرح حضور الله ولا تفشل من ممارسة التقوى.

والله يعلن نفسه للمصلي الصائم، المتعمق في كلمة الإنجيل وهذا أعظم درجات الإعلان، فترى في سيرة المسيح أباه، حسب قوله «من رآني فقد رأى الآب». وهذا اشتياق قلوبنا، أن نراه كما هو. والصائم ينقل قوة المسيح للآخرين. وكلما اجتهدت أكثر في سبيل التبشير، تكون مصلياً وصائماً أكثر، لأنك تختبر أن قوة الظلمة تتسلط على الأفراد، ولا تخرج منهم إلا بالصوم والصلاة في الإيمان.

ولا يقتصر صومك على الأكل والشرب فقط بل عن كل لهو تافه، فتوفر مالك، وتقدر أن تضحّي به لنشر ملكوت أبيك. وامتناعك عن أمور كهذه هو أهم من الصوم وترك الأكل والشرب. كرِّس وقتك وقدرتك لله بلا تظاهر، فتر ثمار مجده نامية في الآخرين.

الصلاة: أيها الآب، أنت تسكن فينا بروحك اللطيف. نسجد لك بفرح، ونشكرك بتهلل، لأنك دعوتنا لشركتك. فعلّمنا السلوك المُرضي لك والصلاة لأجل الآخرين، والصوم في سرور وثقة، ليخلص كثيرون، وينالوا الحياة الأبدية.

السؤال: 10 - ما معنى الصوم في العهد الجديد؟

هـ - تحريرنا من عبودية المال (6: 19 - 34)

1 - من يجمع مالاً يخدم الشيطان (6: 19 - 24)

6: 19 - 24) يجمع بعض الأغنياء كنوزهم بالطمع، ويبنون بيوتاً ضخمة، ويلبسون ثياباً ثمينة، ويزدادون غِنى بأساليبهم الاقتصادية الملتوية، ويستخدمون المال لتتكاثر ثروتهم أضعافاً، ويصبحون وعشيرتهم أقوياء، ويتسلطون على الآخرين بقدرة ممتلكاتهم.

وليس الفقراء بأحسن من الأغنياء، لأنهم يحاولون عمل ما يعمله الأغنياء، فكلاهما يبنيان المستقبل على أساس ممتلكات دنيوية، ولا يدركون أن نفوسهم أبدية محتاجة إلى غذاء روحي. فكل شيء زائل إلا الله، وغفران المسيح أضمن لحياتك من بيت مصنوع من أسمنت وحديد، تخربه القنابل وتزيله الزلازل. فإيمانك أهم من شهاداتك المدرسية، ومحبتك بالروح القدس أثمن من أرقام رصيدك في البنوك، وخدمتك للمحتاجين تمجد الله، وتقدماتك لا تضاعف كنزك في البنك السماوي، لأن الله حصتك، وهو أعظم كنز.

لقد أصبح عصرنا مادياً أكثر من ذي قبل، ويجاري البشر تطور الاقتصاد والاكتشافات الحديثة، ويشتاقون إلى الرفاهية والمدنية، وينسون الله القدوس وعظمته، فيبتعدون عن الروح القدس ويمتلئون بروح هذا العالم النجس. ولا يعني المال المادة فقط، بل الروح العامل ضد الله أيضاً. وسمّاه المسيح «المامون» الظالم، المتسلط على كل الذين لا يثبتون في الله.

الصلاة: أيها الآب الغني. نسجد لك لأجل صبرك علينا، نحن الماديين. اغفر لنا محبتنا للمال، وحررنا من ثقتنا بممتلكاتنا، وعلّمنا أن نحبك ونثق بك وحدك لنقدم لك كل ما هو لنا، ونربحك أنت كنزنا الوحيد، وولينا في الدنيا والآخرة.

السؤال: 11 - لماذا لا نستطيع خدمة الله والمال في نفس الوقت؟

2 - ملكوت الله أولاً (6: 25 - 34)

6: 25 - 34 من يمتلئ بمحبة الله ويتحرر من تجربة جمع المال ويضحّي باستمرار، يجربه الشيطان بطريقة أخرى، ويوسوس إليه: مالك لا يكفيك. إن مرضت من يهتم بك؟ ملابسك مهترئة والأسعار مرتفعة، والتطور الاقتصادي ينتقل من كارثة إلى كارثة. فاضمن نفسك. ادرس. اجتهد. وفر، لتعيش محظوظاً في مالك.

لكن روح الله يكسر اهتمامك الزائد بهمومك، ويدلك على جودة الله الأبوية الذي يعتني بك كل العناية. وهذا لا يعني أن تجلس كسولاً دون أن تشتغل، منتظراً أن يفتح الله نوافذ السماء. إنما محبة المسيح تحررك للاجتهاد والعمل بروح الاطمئنان، وبلا خوف أو طمع. فشركتك مع المسيح تخلّصك من همومك فتثق بمحبة أبيك السماوي، خالق الكل وضابطه.

راقب العصافير يلتقطون ما لا يزرعونه، ويطيرون بسهولة حيثما يجدون غذاء. وبأكثر من ذلك فأبوك السماوي يحرر نفسك لتطير إليه، لأنه وحده يعتني ويهتم بك، فترى أنه يفكر فيك ويمنحك عملاً ويساعدك.

لقد منحك أبوك السماوي جسداً، الحياة فيه سر لم تستقصه العلماء بعد. انظر إلى النباتات تحت الميكروسكوب واندهش. شم رائحة الوردة واعلم أن كل جمال ونظام الكون ما هو إلا لمعان مجد الخالق القدير على كل شيء، الذي يقود النجوم في طريقها، ويعرف عدد الذرات الدائرة حول محورها، وهو يعرفك ويحبك لأنه أبوك. كل الأشياء في الدنيا مخلوقة، أما أنت فمولود منه. وقد ضحَّى بمسيحه لأجلك، ألعله ينساك؟! مستحيل ألا يفكر أبوك السماوي بك، في كل لحظة من لحظات حياتك. فالهموم قلة إيمان، وتذمرك تجديف. إن محبة الله كبحر ورحمته كالسماء وهو يقول لك: «لا تخف لأني فديتك دعوتك باسمك، أنت لي».

اهتم بالله ومبادئه، فتنتظم حياتك تلقائياً، لأن حضور الله يقدسها. ادرس تسلسل الطلبات في الصلاة الربَّانية، فتعرف معنى الملكوت في حياتك، واهتمام أبيك بك. قدّس اسمه واهتم بمملكته، وانشر الإنجيل، قولاً وصلاةً وتضحيةً. ولا تهتم بنفسك أولاً، إنما عظّم بر الملك السماوي واشهد بحقوق وقدرة ملكوته، ليدخل الضالون إلى رحاب الخلاص. عندئذ يهتم الملك بأمورك ويحمل المسؤولية عنك، ويبارك كل نواحي حياتك.

الصلاة: أيها الآب، نشكرك للطفك الأبوي، واهتمامك بنا، ولغفران خطايانا، نشكرك لأنك ساعدتنا في كل ضيق، ومنحتنا الكافي للحياة في الدنيا والآخرة. احفظنا من التذمّر وقلة الإيمان، وثبّتنا بثقة عظيمة في محبتك، وحررنا من الاهتمام الزائد بأنفسنا، لنهتم بملكوتك ونشر برك أولاً وآخراً.

السؤال: 12 - لماذا يمنعنا المسيح من الاستسلام للهموم؟

و - النتائج الفاصلة لحياتنا مع الله (7: 1 - 27)

1 - لا تدينوا (7: 1 - 6)

7: 1 - 5 يدعونا المسيح لتمييز الأرواح لكيلا نتبع روحاً مضلاً، وبنفس الوقت نحب هؤلاء المضلين، لأن المسيح غفر على الصليب خطاياهم. وينتظر توبتهم.

وإن كان عليك القرار في أمور تمييز الأرواح، وإعلان الأكاذيب والذنوب، فلا تقل الحق في وجه إنسان بدون محبة. ولا تتكلم بالمحبة خالية من الحق، لأن الذي يشدد على الحق فقط يدين الآخر بقساوة، ولا يساعده ليقبل الغفران. ومن يحب الآخر دون إعلانه له حقيقة أخطائه يغرقه في أخطائه وظلمة أكثر.

إحذر التسرُّع في قرارك بخصوص أي إنسان، فإنك لا تعرف تاريخ حياته، ولا عناصره الموروثة، ولا مؤثرات محيطه التي شَكَّلته منذ صغره. إن الله أرحم منك، ويحب الساقطين والزناة والسارقين واللصوص. تذكر أن المسيح قد أكل مع العشَّارين والخطاة المرفوضين، وبقي قدوساً ممتلئاً بالمحبة للضالين.

لسنا جميعاً أفضل من أي خاطئ. لا تدن إنساناً ولا تقبحه، بل اطلب من ربك ليريك فتتواضع. لا تظن أنك أفضل من الخطاة. تذكّر كيف غفر يسوع آثامك. إنك تعيش بالنعمة، وليس من صلاحك.

7: 6 لا تسرع في تقديم الخلاص للآخرين، ولا تظن أنك قادر على خلاص فاسد واحد، لأن المسيح وحده هو المخلّص. أما نحن فآلات في يده اللطيفة. وكثيرون ليسوا مستعدين لسماع كلمة الله ويرفضونها باستهزاء. حاذر أن تقول لهم كل البشارة للمرة الأولى، فلا يقدرون على احتمالها دفعة واحدة. لا تجبرهم على قبول أفكارك إن رفضوها. ولا تتكلم بمبالغة عن اهتدائك وتجديدك، لأنهم لا يفهمون إن لم يفتح روح الرب آذانهم للأسرار الروحية.

إهد كل طالب خلاص إلى المسيح مباشرة، لا لتقواك الخاصة، إذ أن الأرواح الشريرة تتربص لتخربك، ومن يفتح نفسه إلى إرشاد هذه الأرواح المضادة لله يشبه الكلاب والخنازير أكثر من بني آدم.

لا تدن إنساناً، ولا تحاول أن تخلّصه بقدرتك الخاصة، لأن كليهما عمل الله وحده. والله يدعوك لتتبع مسيحه، وتعلن قدرته، وتحقق قوته بإيمانك. فصلّ أكثر مما تفكر، وتعمّق في الإنجيل أكثر مما تتكلم. ولا تدن أحداً البتة، بل أحبه وباركه واحتمله، وصل لأجله لتتجلى محبة الله فيه.

2 - صلاة الإيمان (7: 7 - 11)

7: 7 - 11 هل أنت متورط بمشكلة أو ضيقة، ولا تجد لنفسك خلاصاً ولا فكاكاً منها؟ تعال إلى ربك وحدثه عنها، فهو الوحيد الذي يستطيع حل مشاكل نفسك وجسدك وروحك. لقد أرسل مسيحه بسلطان فائق إلى العالم، ليمحو خطاياك، ويسكب من روح محبته فيك، ليرشدك إلى القناعة والحكمة والصدق. صل أكثر مما تتكلم، ولا تشغل بالك ليلاً نهاراً في همومك، بل اصغ لكلمة الله، وآمن بوعوده الأمينة، فلا تضطرب، ولا تخاف. تعال إلى أبيك السماوي وثق به فاتحاً لديه ضميرك، ملتمساً منه الغفران، وطالباً بر خلاصه. إنه ينتظر قدومك إليه. فمتى تأتي؟ إن أباك السماوي يساعدك في مشاكلك الخاصة. وأكثر من ذلك، فهو يساعدك بفرح إن صليت لأجل الآخرين بدافع روحه، لأن الله في ذاته محبة، ويعزم أن يملأ قلبك بحنانه. كم صلاة تصلّيها لأجل نفسك، وكم واحدة ترفعها سائلاً الله لأجل الآخرين؟ فبالجواب على هذا السؤال يظهر لك السبب لعدم استجابة صلواتك بسرعة.

كثيراً ما يتباطأ الله بالاستجابة للذين يدعونه، وذلك ليمتحن قلوبهم إن كانوا يحبونه شخصياً، أو يحبون هباته فقط. وقد علَّمنا المسيح أن نتدرج في صلواتنا، ونلحّ أكثر فأكثر في طلباتنا فردياً وجماعات. فتعالوا واجتمعوا للصلاة المشتركة، ليبارككم أبوكم السماوي بملئه. إنه يترقب الأدعية من أبنائه، فاسألوه عن أفضل حل لمشاكلكم، واطلبوا قوة الله لخلاص الكثيرين، واقرعوا باب الله بصلواتكم، ملتمسين منه الغفران والتجديد للجائعين إلى البر في محيطكم. لأن بدون محبة للضالين تكون صلاتك بلا قوة.

ما أجمل الصورة التي حكاها المسيح عن الآب الدنيوي، إذ يقدم لأولاده عوناً ورزقاً حسناً رغم إهمالهم وأنانيتهم في طفولتهم، ولا يهلكهم في غضبه إن أخطأوا، بل يشبعهم لأنه يحبهم. وهكذا بفارق كبير يمنحك الله كل عطايا صالحة، لأنه هو أبونا.

السؤال: 13 - لماذا يطلب يسوع منَّا الصلاة المُلحّة بالمواظبة؟

3 - القاعدة الذهبية (7: 12)

7: 12 هل عرفت أن الله يحبك ويستجيب صلواتك ويحررك من حقد حسدك ويخلّصك من روح همومك ويجرّدك من حساسيتك البغيضة إلى حياة مستقيمة في الاطمئنان والخدمة والطهارة؟ فجواباً على هذه المحبة العظمى لا تفكر بنفسك دائماً، بل تغيِّر تفكيرك، وتتأمل في حالة قريبك. وكما أنك تحب نفسك، هكذا تبذلها في سبيل التضحية لأجل الآخرين. انظر إلى المسيح الذي بذل نفسه لأجل الخطاة. فبقدوته يتغيّر مبدأ الحياة. عندئذ لا تنتظر من الناس خدمات ومساعدات وملاطفات، بل تسبقهم في الاحترام والعون والتواضع، وتعمل لهم المعروف بسرعة.

وهذه القاعدة الذهبية، أن تعامل الناس حسب شوقك أن يعاملوك، هي خلاصة الناموس، كما أن هذا المبدأ يغيّر الجو في عائلتك، وعندئذ يبتدىء السلام في محيطك. والفرح يدخل إلى قلبك، وتتبع المسيح الذي عامل الناس كما أراد هو أن يعاملوه. ولم يكفّ عن إجراء محبته عندما خالفوا مبدأ الناموس هذا، بل استمر في تأدية لطفه وإعلان حقه إلى المنتهى.

4 - الطريقان (7: 13 ، 14)

7: 13 ، 14 يدعوك الله لتتقدم إليه. ولكن أين هو باب السماء؟ قال المسيح «أنا هو الباب». وليس أحد يدخل إلى الفردوس إلا إذا التجأ إلى محبة الله المتجسدة في يسوع. هو الذي حمل خطاياك. فيه تستطيع القدوم إلى الله خالياً من ذنوبك. وبدون خلع خطاياك لا تستطيع المرور من الباب الضيق. فعلينا أن نأتي معترفين بخطايانا ليجعلنا مطهَّرين قدّيسين.

قليلون هم تابعو المسيح، لأن الناس لا يعرفون أن طريق محبته جميلة، فيسرعون في طرق الشهوات والأمنيات الكاذبة، مفتخرين وعاصين الله.

الصلاة: أيها الآب العظيم، أنت المحبة المقدسة. اغفر لي كل اهتمامي بنفسي وإهمالي للآخرين. ساعدني للالتجاء إلى ابنك المصلوب ليحررني من ثقل أحمالي، فأسير مع كل أولادك في دروب القداسة، تابعين رئيس سلامنا وآتين إليك رغم المخاوف والتجارب، لأن ابنك ارتبط بنا في عهده الجديد.

السؤال: 14 - لماذا يكون الباب والطريق المؤدي إلى الله ضيقاً؟

5 - الأنبياء الكذبة (7: 15 - 20)

7: 15 - 20 يحذرك المسيح من المعلمين الخاطئين، الذين يُضِلّون طلاب البر، لأن الشيطان الذي اعتاد الغش والتزوير لا يرسل فجاراً ولا بسطاء إلى الكنيسة، بل أناساً مرائين متظاهرين بالإنسانية والعلم، ويلهمهم موهبة الخطابة، ليجتذبوا الجماهير برؤى ونبوات، ويجري بواسطتهم قوى ساحرة وعجائب بارعة.

إحذر ولا تسلّم نفسك لأي روح، بل قارن التعاليم المختلفة بالإنجيل، لأن الكنيسة ورعاتها لا يخلّصونك، إنما المخلّص هو المسيح الحي وحده. كل كاهن أو مبشّر يربط سامعيه بنفسه بروح التحّزب هو من الروح السفلي، لأن سفراء المسيح الحقيقيين يحّولون المؤمنين من النظر إليهم، للإيمان بشخص المسيح وحده. فلا تتأثر بعظمة شخصية ما، بل اطلب المصلوب وحده. إن طهارة قلبك ونظافة قولك دليل واضح على أن مصدرك هو الله، لأن من يتكلم بقوة الروح القدس، يعش من فضائله سعيداً محفوظاً.

الصلاة: أيها الآب السماوي، نشكرك لأن ابنك أنقذنا من الكذبة، ورسله قد أرشدونا إليك. افتح قلوبنا لروحك الحق لكيلا نضل، بل نميز الأرواح بسرعة، ونأتي بأثمار صالحة كثيرة. ولا نُعثِر إنساناً ما، إنما نرشده إلى ابنك المخلّص الوحيد.

السؤال: 15 - من هو المُضِلّ؟

6 - تطبيق الناموس بقوة الروح (7: 21 - 27)

7: 21 - 23 خلّصك المسيح لتعمل أعمال محبته، فإيمانك بالمخلّص نقلك إلى حياته. وموته بررك ليحل روحه القدوس في جسدك. فكيف تثبت أنك ابن الله؟

أولاً: بواسطة صلاتك. لأن أولاد الله لا يصرخون كل حين «يا رب يا رب» بل يدعون الله أباهم، ويستودعون أمورهم وأنفسهم بين يديه، ويثقون بعنايته الدائمة، فيهتدون ويتقون لأعمال صالحة، ويتعمقون في رسالة الإنجيل، وينمون في ثقة ومحبة ورجاء. لم يحررنا المسيح لنصلح أعمالنا الشريرة قليلاً بقوتنا الذاتية، بل لنستسلم للروح القدس الذي ينشىء ثماره فينا.

حدث مرة أن كاذباً آمن. وكان أصدقاؤه من قبل يقولون عنه إن ثمانين بالمائة من أقواله مبالغة. ولكن بعد اهتدائه قال أحد أصدقائه إن عشرين بالمائة من أقواله مبالغة. ففرح المؤمن المنسحق أنه نما في الصدق، وطلب من المسيح بالدموع أن يخلّصه من المبالغة تماماً، ويجعله صادقاً لآخر كلمة وحرف، مستقيماً في كل كيانه.

فإن كنت ترى ضعفاً وعلة في أخلاقك، فاذكرها لدى المسيح معترفاً بندامة، طالباً شفاءك وتقديسك. وارفض كل إثم بعزم. يدعوك الرب لتكون شاهداً أميناً له وقد عمَّرت قلبك بمحبته، فالمحبة هي تكميل الناموس. الإيمان سينتهي حين يأتي المسيح ثانية إلى عالمنا. والرجاء سينتهي حينما نرى مخلّصنا ونعاين أبانا المجيد. لكن المحبة ستبقى خالدة، لأن الله محبة. فاطمح للامتلاء بالمحبة الإلهية، لتطبقها في حياتك.

الصلاة: أيها الآب القدوس، نشكرك لأنك سكبت محبتك في قلوبنا بالروح القدس المُعطَى لنا، وطهرتنا بدم ابنك الحبيب. سامحنا لقلة صبرنا، واهتمامنا بأنفسنا واستكبارنا. ثبّتنا في يسوع. لنتمم مشيئتك في قوته، ونثبت في عنايته محروسين محفوظين.

السؤال: 16 - من هو الذي يدخل إلى السماء؟

7: 24 - 27 ويل للإنسان الذي يبني حياته على فلسفات ومذاهب غير مؤسسة على الصليب، لأنها تخدعه وتكلمه عن تفوق الإنسان ونجاحه بأعماله الخاصة، وتنفخه إلى أن ينفجر. وعندئذ يدرك أن لا شيء صالح في نفسه.

ولكنك تعرف صوت الراعي الصالح، الذي لا يضج ولا يصرخ، بل يحفظ أتباعه في حقه إلى الأبد، ويقّويهم للأعمال الصالحة الصادرة من قوة محبته وصبر رجائه، فلا يقدر أحد أن يخطفهم من يده. فهو والآب واحد. ولا يقدر أحد أن يخطفنا من يد أبينا السماوي. والمسيح حي ومالك مع أبيه والروح القدس، إلهاً واحداً، إلى أبد الآبدين. وسيأتي قريباً ليُدخل الذين يعملون حسب الإنجيل إلى ملكوته، إذ ينتظرونه بترقُّب ممهدين طريقه بسلوك طاهر، ومقدمين له ثمار روحه القدوس.

7: 28 ، 29 المسيح إنسان حق وإله حق، فكلامه عامر بالسلطان. يحرك القلوب المتحجّرة، ويخلّص الجياع إلى البر، ويقود المنكسرين لمعرفة أنفسهم. ولنا الامتياز أن نّوزع إنجيل الفداء بين المشتاقين إليه، لنوضّح عظمة لطف مخلّصنا الفريد، الذي بنفس الوقت القاضي الأزلي، في الدينونة الأخيرة.


Call of Hope  P.O.Box 10 08 27
70007 
Stuttgart
Germany