العودة الى الصفحة السابقة
تصالحوا مع الله

تصالحوا مع الله

دراسة في رسالة كورنثوس الثانية

الدكتور القس منيس عبد النور


Table of Contents

Bibliography
مقدمة
الجزء الأول: خدمة المصالحة (أصحاحات 1 - 7)
1 - مقدمة لرسالة كورنثوس الثانية (2 كورنثوس 1 : 1 - 11)
2 - تأكيد الضمير الصالح (2كورنثوس 1: 12 - 2: 4)
3 - نداء في صالح الخاطئ التائب (2كورنثوس 2: 5 - 13)
4 - نصرنا يستمر عندما نعلن معرفة الله (2كورنثوس 2: 14 - 17)
5 - الخدمة الحقيقية تثمر تغييراً (2كورنثوس 3: 1 - 5)
6 - مجد خدمة الإنجيل أعظم من مجد خدمة الناموس (2كورنثوس 3: 6 - 18)
7 - رسالة خدمة الإنجيل (2كورنثوس 4: 1 - 6)
8 - قوة خدمة الإنجيل (2كورثنوس 4: 7 - 15)
9 - رجاء خدمة الإنجيل (2كورنثوس 4: 16 - 5: 10)
10 - دوافع خدمة الإنجيل (2كورنثوس 5: 11 - 16)
11 - طبيعة خدمة الإنجيل (2كورنثوس 5: 17 - 21)
12 - تجارب خدمة الإنجيل (2كورنثوس 6: 1 - 10)
13 - دعوة للإنفصال (2كورنثوس 6: 11 - 7: 1)
14 - فرح الرسول بسلوك أهل كورنثوس (2كورنثوس 7: 2 - 16)
المسابقة الأولى في دراسة رسالة كورنثوس الثانية
الجزء الثاني: خدمة العطاء (أصحاحا 8 ، 9)
1 - مثل طيب من أهل مكدونية (2كورنثوس 8: 1 - 6)
2 - مَثَلٌ أعظم من المسيح (2كورنثوس 8: 7 - 9)
3 - نصائح عن العطاء (2كورنثوس 8: 10 - 9: 5)
4 - نتائج حلوة للعطاء (2كورنثوس 9: 6 - 15)
الجزء الثالث: خدمة بولس الرسول (أصحاحات 10 - 13)
1 - بولس يوضح سلطانه الرسولي (2 كورنثوس 10: 1 - 18)
2 - سبب توضيح سلطان بولس (2 كورنثوس 11: 1 - 15)
3 - آلام بولس لأجل المسيح تبرهن رسوليته (2كورنثوس 11: 16 - 33)
4 - إعلان المسيح لبولس يبرهن رسوليته (2كورنثوس 12: 1 - 10)
5 - محبة بولس لأهل كورنثوس تبرهن رسوليته (2كورنثوس 12: 11 - 18)
6 - بولس سيظهر سلطانه الرسولي عند زيارته القادمة (2كورنثوس 12: 19 - 13: 10)
7 - الخاتمة (2كورنثوس 13: 11 - 14)
المسابقة الثانية في دراسة رسالة كورنثوس الثانية

Bibliography

تصالحوا مع الله. الدكتور القس منيس عبد النور. Copyright © 2005 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى . 1985. SPB 3770ARA. English title: Be Reconciled with God (2 Corinthians). German title: Laßt euch versöhnen mit Gott (2 Korintherbrief). Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 70007 Stuttgart Germany http: //www.call-of-hope.com .

مقدمة

يحتوي العهد الجديد على 21 رسالة كتبها خمسة من الرسل. والرسالة خطاب يرسله الرسول إلى شخص أو إلى جماعة من الناس بقصد خاص. ورسائل العهد الجديد نجد فيها:

  1. رسالة مرسَلة الى شخص، مثل رسالة بولس إلى تلميذه تيموثاوس أو تيطس أو إلى فليمون.

  2. رسالة مرسلة إلى كنيسة واحدة، مثل رسائل بولس إلى فيلبي أو كورنثوس، وهي رسالة خاصة تعالج حالة خاصة.

  3. رسالة مرسَلة الى عدة كنائس، واسمها رسالة دورية، بمعنى أنها تدور على كنائس مختلفة، فتقرأها كنيسة ثم ترسلها إلى كنيسة أخرى.

والرسالة إلى كنيسة كورنثوس تردّ على مجموعة من الأسئلة وجّهها أعضاء الكنيسة إلى بولس، وتعالج بعض المشاكل التي كانت في كنيسة كورنثوس.

كاتب الرسالة

كاتب هذه الرسالة هو بولس الرسول، الذي كان قبلاً يحمل اسم شاول الطرسوسي. وشاول معناه المطلوب أو المرغوب فيه. أما بولس فمعناه «صغير». وقد جرى التغيير العظيم في حياة شاول، حتى صار بولس، في لقاءٍ شخصي مع المسيح عندما قابله في الطريق إلى دمشق وتحدث معه وغيّر حياته. وقد ورد ذكر قصة تجديد شاول ثلاث مرات في سفر الأعمال في أصحاحات 9 ، 22 ، 26.

ويقولون إن شاول الطرسوسي أخذ اسم بولس من اسم أول شخص ربحه للمسيح، كما يأخذ القائد اسم المدينة التي انتصر عليها، أو الموقعة التي كسبها في الحرب. وكان بولس اسم أول من تجدد على يدي بولس، وهو والي جزيرة قبرص واسمه الكامل «سرجيوس بولس» ولذلك أخذ شاول اسم «بولس». ونجد قصة تجديد سرجيوس بولس في سفر الأعمال الأصحاح 13.

مدينة كورنثوس

  1. مدينة كورنثوس هي إحدى بلاد اليونان، وهي قائمة على برزخ ضيق يتصل ببحرين، فكانت ميناءً بمعنى مزدوج. وأهل الموانئ يتعرضون لفساد الأخلاق أكثر من أهل المدن الأخرى بسبب الغرباء الذين يزورونهم، وبسبب البحارة والمسافرين الذين يملأون طرقات بلدهم. وحين يتغرب الناس عن بلادهم ويعيشون في مدينة غريبة قد يفرِّطون في الأخلاق، لأنهم غير معروفين لأحد، فهم لا يقيمون وزناً للرأي العام، ولا يشعرون بالضوابط التي تسيطر عليهم في بلادهم. كانت كورنثوس أشبه بميناء تجاري في العصر الحديث، يمتلىء ميناؤها المزدوج بخليط من الغرباء، لا يردعهم إلا القليل من الموانع التي تمنع الفساد.

  2. وهناك صفة ثانية في كورنثوس، وهي أنها كانت تمتلئ بعدد كبير من العبيد الذين كان العالم الوثني القديم يحسبهم أفضل قليلاً من البهائم، ويعاملهم معاملة الأمتعة يتبادلها في الأسواق، فعاشوا غير مسئولين عن أعمالهم، وخلقوا أبشع أنواع الفساد.

  3. ثم كانت كورنثوس مدينة جديدة لم يمض على إنشائها أكثر من مائة عام. فقد بُنيت مكان مدينة قديمة تدمّرت، فلم يكن بها قيادة نابعة من البيئة، ولا تقاليد قديمة صالحة، ولا رأي عام قوي. وأقامت فيها طوائف من الناس لا يهتمون إلا بكسب المال فقط. والأخلاق تنحطّ حين تكون الثروة هي الهدف الوحيد للإنسان.

  4. وكان هناك عنصر رابع في كورنثوس يزيد الشر فيها، وهي أنها كانت مركزاً لعبادة الزهرة - ربَّة الشهوة - والتحق بهيكلها ألفٌ من الراقصات اللواتي كنّ يخرجن ليلاً لإغواء الناس وجذبهنّ إلى حياة الفساد، باسم العبادة الوثنية الفاسدة.

ونتيجة لهذه المؤثرات الأربعة انحدر أهل كورنثوس الى كثير من الخطأ والشر. واشتهرت المدينة بالخلاعة حتى أصبحت مضرباً للمثل، فإذا قالوا «عاش فلان في كورنثوس» كانوا يعنون إنه فاجر. وإذا قالوا «امرأة كورنثية» يقصدون أنها سيئة الأدب والسيرة.

كيف ابتدأت الكنيسة في كورنثوس

زار الرسول بولس مدينة كورنثوس سنة 53 م، (نجد هذه القصة في سفر أعمال الرسل أصحاح 18). وزارها مرة ثانية سنة 54 - 57 م، ولو أن هذه الزيارة لم تُذكر في سفر الأعمال. غير أننا نستنتج أنها حدثت من قراءتنا لكورنثوس الأولى 16: 6 ، 7. وغالباً زار بولس كورنثوس زيارة ثالثة حدثت أثناء بقائه ثلاثة أشهر في بلاد اليونان، (أعمال 20: 2 ، 3) وكانت الزيارة الثالثة في شتاء سنة 57 - 58.

فماذا قال بولس؟ وماذا علّم في كورنثوس ليترك أثراً عظيماً؟ هناك حقائق تاريخية تثبت فساد المدينة قبل وصول بولس. وهناك حقائق تاريخية تبرهن لنا عن التغيير العظيم الذي حدث فيها.

ماذا علّم بولس حتى استطاع أن يُصلح أولئك الناس ويجدّد حياتهم الفاسدة؟ لا شك أن بولس علَّم عن المسيح المخلّص، الفادي، فصحنا الذي ذُبح لأجلنا، الذي يطهر قلب كل من يؤمن به، فتخرج من حياته خميرة الخطية، ليملأه الإخلاص والحق. وهو ما قاله في رسالته الثانية «إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. ٱلأَشْيَاءُ ٱلْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا ٱلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً» (2كورنثوس 5: 17).

ولذلك قال الله لبولس عن كورنثوس «لا تَخَفْ، بَلْ تَكَلَّمْ وَلا تَسْكُتْ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ، وَلا يَقَعُ بِكَ أَحَدٌ لِيُؤْذِيَكَ، لأَنَّ لِي شَعْباً كَثِيراً فِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ» (أعمال 18: 9 ، 10). وقد منح الله هذا الشعب الكثير حياة جديدة، نتيجة لقوة المسيح الحي المغيّر الذي يملأ الحياة بالرجاء.

قضى الرسول بولس ثلاث سنوات ونصف في أفسس، ومنها كتب الرسالة الأولى لكورنثوس - وقد بارك الرب خدمته هناك فآمن كثيرون بالمسيح. كما واجهته مصاعب قاسية جعلته يقول «فَإِنَّنَا لا نُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ ضِيقَتِنَا ٱلَّتِي أَصَابَتْنَا فِي أَسِيَّا، أَنَّنَا تَثَقَّلْنَا جِدّاً فَوْقَ ٱلطَّاقَةِ، حَتَّى أَيِسْنَا مِنَ ٱلْحَيَاةِ أَيْضاً» (2كورنثوس 1: 8).

وسافر بولس من أفسس إلى ترواس حيث كان يتوقَّع أن يقابل تيطس - وكان بولس قد أرسل تيطس الى كورنثوس ليطمئنه على أحوال الكنيسة فيها. ولكنه لم يجد تيطس في ترواس، فانشغل عليه للغاية، فسافر إلى مكدونية حيث قابله. وقد قال لأهل كورنثوس «وَلٰكِنْ لَمَّا جِئْتُ إِلَى تَرُوَاسَ... لَمْ تَكُنْ لِي رَاحَةٌ فِي رُوحِي، لأَنِّي لَمْ أَجِدْ تِيطُسَ أَخِي. لٰكِنْ وَدَّعْتُهُمْ فَخَرَجْتُ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ» (2كورنثوس 2: 12 ، 13).

والتقى بولس بتيطس في مكدونية، وسمع منه أخباراً حسنة عن أهل كورنثوس، فامتلأت نفس بولس بالفرح، كما فرح بسبب فرح تيطس، لأن نفس تيطس استراحت بأهل كورنثوس (2كورنثوس 7: 5 - 11).

كتب بولس الرسالة الأولى لأهل كورنثوس لتصحيح بعض الأخطاء، وكان تقرير تيطس أن هذه الأخطاء قد أُصلحت - ولكن بولس فكرَّ أن يرسل لأهل كورنثوس رسالة ثانية لعدة أسباب. وأغلب الظن أن بولس كتب الرسالة الثانية في أواخر سنة 57م، وعالج المواضيع التالية:

  1. كان بولس يخاف أن يكون أهل كورنثوس قد استخدموا الشدة المتناهية مع الشخص الذي أخطأ في الكنيسة. وكان قد طلب منهم في الرسالة الأولى (أصحاح 5) أن يشتدّوا في معاملة شخص تزّوَج من زوجة أبيه. فكتب في هذه الرسالة يقول إنه يكفي هذا الرجل من العقاب الذي أنزله به العدد الأكثر من أهل الكنيسة، وإنه خيرٌ لهم أن يصفحوا عنه ويشجعوه لئلا يبتلعه الغم الشديد. فهو يطلب منهم تقديم المحبة لذلك الشخص.

  2. أراد الرسول بولس أن يقدم تعليمات بشأن ما يجمعه أهل كورنثوس للفقراء المؤمنين في أورشليم، فقد كان يخاف أن يجئ هو مع بعض أهل مكدونية ليجمعوا تبرع أهل كورنثوس فيجدونهم غير مستعدين، فيخجل الرسول ويخجل أهل كورنثوس. لذلك طلب منهم أن ينظّموا جَمْع ما وعدوا به من إحسان ليكون جاهزاً، لا عن تقتير بل عن سخاء (2كورنثوس 9: 1 - 5).

  3. رأى بولس الرسول نفسه مضطراً أن يدافع عن رسوليته ضد المعلّمين الكذبة الذين كانوا يريدون أن يحتلوا مركزاً سامياً على حساب انتقاد الرسول بولس. فقد قال بعض أولئك المعلمين الكذبة إن رسائل بولس قاسية عنيفة، ولكنه عندما يحضر بنفسه سيكون شخصاً ضعيفاً، وسيكون كلامه سخيفاً (2كورنثوس 10: 10). ويعيب بولس على أهل كورنثوس أنهم يقبلون أولئك المعلّمين رغم أنهم يقدمون لهم رسالة تختلف عن الرسالة الحقيقية، ويقدّمونها بروح شيطاني إذ يظهرون بمظهر رسل المسيح، فيشبهون الشيطان الذي يظهر بمظهر ملاك نور (2كورنثوس 11: 4 ، 13 - 15).

ويبدو أن أهل كورنثوس طلبوا برهاناً على أن المسيح هو الذي أرسل بولس (2كورنثوس 13: 3) فكتب لهم هذه الرسالة الثانية ليقنعهم بصدق رسوليته وبصدق رسالته، فهو رسول من الله، أرسله الله برسالة من عنده، فهو لا يبشر بنفسه بل بيسوع المسيح رباً، ويخدم أهل كورنثوس من أجل المسيح (2كو 4: 5). ويقول إنه سفير المسيح ، كأن الله يعظ بواسطته مناشداً المستمعين باسم المسيح أن يتصالحوا مع الله (2كو 5: 20).

لهذه الأسباب الثلاثة، ولأسباب أخرى، كتب الرسول بولس رسالته الثانية الى أهل كورنثوس. وسوف ندرس على صفحات هذا التفسير بقية الأهداف التي لأجلها كتب الرسول هذه الرسالة.

* * *

على أن مفتاح الرسالة الثانية لكنيسة كورنثوس موجود في القول «فَإِنَّنَا لَسْنَا نَكْرِزُ بِأَنْفُسِنَا، بَلْ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبّاً، وَلٰكِنْ بِأَنْفُسِنَا عَبِيداً لَكُمْ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ إِذاً نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ ٱلْمَسِيحِ، كَأَنَّ ٱللّٰهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ ٱلْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ ٱللّٰهِ. لأَنَّهُ جَعَلَ ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ ٱللّٰهِ فِيهِ» (2كورنثوس 4: 5 ، 5: 20 ، 21).

ومن هذه الآيات الثلاث، مفتاح الرسالة الثانية، يمكن أن نقول إن الرسالة تتحدث عن الخدمة الحقيقية للمسيح.

ونرى فيها ثلاثة أقسام رئيسية:

  1. خدمة المصالحة (أصحاحات 1 - 7)

  2. خدمة العطاء (أصحاحا 8 ، 9)

  3. خدمة بولس الرسول (أصحاحات 10 - 13)

فلنطلب بركة الرب علينا ونحن ندرس هذه الرسالة.

الجزء الأول: خدمة المصالحة (أصحاحات 1 - 7)

  1. مقدمة للرسالة (1: 1 - 11)

    1. تحية (آيتا 1 ، 2)

    2. شكر على تعزيات الله (3 - 7)

    3. شكر على النجاة (8 - 11)

  2. تأكيد الضمير الصالح (1: 12 - 2: 4)

    1. ضمير بولس مستريح (1: 12 - 14)

    2. قَصَد بولس أن يزورهم (1: 15 - 17)

    3. يؤكد بولس أمانته (1: 18 - 22)

    4. يوضح بولس سبب عدم زيارته لهم (1: 23 - 2: 4)

  3. في صالح الخاطئ التائب (2: 5 - 13)

  4. انتصار معرفة الله (2: 14 - 17)

  5. الخدمة الحقيقية مُغيِّرة (3: 1 - 5)

  6. خدمة الإنجيل أمجد من خدمة الناموس (3: 6 - 18)

  7. رسالة خدمة الإنجيل (4: 1 - 6)

  8. قوة خدمة الإنجيل (4: 7 - 15)

  9. رجاء خدمة الإنجيل (4: 16 - 5: 10)

  10. دوافع خدمة الإنجيل (5: 11 - 16)

  11. طبيعة خدمة الإنجيل (5: 17 - 21)

  12. تجارب خدمة الإنجيل (6: 1 - 10)

  13. دعوة للانفصال (6: 11 - 7: 1)

  14. فرح الرسول بسلوك أهل كورنثوس (7: 2 - 16)

1 - مقدمة لرسالة كورنثوس الثانية (2 كورنثوس 1 : 1 - 11)

في هذه الآيات نجد ثلاثة أقسام:

  1. تحية (آيتا 1 ، 2)

  2. شكر على تعزيات الله (3 - 7)

  3. شكر على النجاة (8 - 11)

(أ) تحية

1بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ ٱللّٰهِ، وَتِيمُوثَاوُسُ ٱلأَخُ، إِلَى كَنِيسَةِ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي فِي كُورِنْثُوسَ، مَعَ ٱلْقِدِّيسِينَ أَجْمَعِينَ ٱلَّذِينَ فِي جَمِيعِ أَخَائِيَةَ. 2 نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلامٌ مِنَ ٱللّٰهِ أَبِينَا وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ (2كورنثوس 1: 1 ، 2).

يقدّم الرسول بولس نفسه لأهل كورنثوس باعتبار أنه رسول يسوع المسيح، وذلك بمشيئة الله، لأن المسيح نفسه عيّنه ليعلّم الدين المسيحي وليؤسس الكنيسة. وهو رسول لا من الناس ولا بإنسان بل بيسوع المسيح والله (غلاطية 1: 1).

ويقول الرسول بولس إن تيموثاوس الأخ يكتب معه. لم يكن تيموثاوس أخاً لبولس، لكنه كان ابنه في الإيمان (أعمال 16: 1 - 3). ولكن بولس يعتبره أخاه. وهذا يعلمنا ضرورة احترام المؤمنين لبعضهم، إذ يقدّمون بعضهم بعضاً في الكرامة. وهذا يعلمنا أننا نحتاج لأن نتكمَّل بواسطة الإخوة، فليس أحد كاملاً بذاته - وهذه هي خدمة شركة المؤمنين.

ويدعو بولس كنيسة كورنثوس «كنيسة الله» لأن الله دعا أعضاءها من العالم لينضمّوا إليه ويصبحوا هيكله المنظور في العالم، وأعضاء جسده. فالله سيد الكنيسة وصاحب الكنيسة والذي تنتمي إليه الكنيسة. وكل شركة للمؤمنين بالمسيح هي الكنيسة، لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمه فهناك يكون في وسطهم، ويحل الروح القدس في قلوبهم. فهل أنت عضو إيجابي عامل في عائلة أبيك السماوي؟

ويكتب الرسول بولس إلى «القديسين أجمعين الذين في أخائية». وليس إنسان قديساً من نفسه، ولكنه يتقدس في قوة الروح القدس عندما يحل روح الرب في المؤمن، فيثبت في مصالحة المسيح ويتجدد بواسطة النعمة. إن دم المسيح يطهر من كل إثم، والروح القدس هو الذي يقدس الإنسان للمسيح.

يكتب الرسول بولس هذه الرسالة إلى أهل كورنثوس وإلى جميع المؤمنين في أخائية. كانت اليونان منقسمة إلى قسمين: القسم الشمالي المعروف بمكدونية، والقسم الجنوبي المعروف بأخائية. ولما كانت كورنثوس عاصمة الإقليم الجنوبي «أخائية» فالرسول يوجّه هذا الخطاب إلى أهل كورنثوس وإلى أهل أخائية.

ويعبّر الرسول بولس عن تحيته لمؤمني كورنثوس عندما يقول «نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح». والنعمة هي جمال الحياة، مجاناً، لشخص لا يستحق. فالله يُنعِم علينا من محبته وصلاحه، ثم يمنحنا سلامه نتيجة لهذه النعمة التي تضمن لنا المصالحة مع الله. النعمة والسلام من الله أبينا الذي خلقنا، ولكنه أبونا بنوعٍ خاص لأنه ولدنا ثانية بعمل الروح القدس، فصرنا أولاده بالتبنّي وورثة الملكوت السماوي.

والنعمة والسلام لنا من يسوع المسيح ربنا لأنه صاحب السلطان المطلق، ولأنه اشترانا بدمه الثمين، ولأننا قدّمنا نفوسنا له، وفتحنا قلوبنا لشخصه، حباً فيه وشكراً له.

كانت «النعمة» التحية المعتادة لليونانيين وكان «السلام» التحية المعتادة لليهود. والرسول بولس يحيّي الاثنين معاً. ونلاحظ أن الرسول يضع يسوع المسيح في نفس المستوى الذي يضع فيه الله أبانا، ذلك أن المسيح مساوٍ للآب في الجوهر، فقد قال «أَنَا وَٱلآبُ وَاحِدٌ» (يوحنا 10: 30).

(ب) شكر على تعزيات الله

3مُبَارَكٌ ٱللّٰهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، أَبُو ٱلرَّأْفَةِ وَإِلٰهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ، 4 ٱلَّذِي يُعَّزِينَا فِي كُلِّ ضِيقَتِنَا، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نُعَّزِيَ ٱلَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ ضِيقَةٍ بِٱلتَّعْزِيَةِ ٱلَّتِي نَتَعَّزَى نَحْنُ بِهَا مِنَ ٱللّٰهِ. 5 لأَنَّهُ كَمَا تَكْثُرُ آلامُ ٱلْمَسِيحِ فِينَا، كَذٰلِكَ بِٱلْمَسِيحِ تَكْثُرُ تَعْزِيَتُنَا أَيْضاً. 6 فَإِنْ كُنَّا نَتَضَايَقُ فَلأَجْلِ تَعْزِيَتِكُمْ وَخَلاصِكُمُ، ٱلْعَامِلِ فِي ٱحْتِمَالِ نَفْسِ ٱلآلامِ ٱلَّتِي نَتَأَلَّمُ بِهَا نَحْنُ أَيْضاً. أَوْ نَتَعَّزَى فَلأَجْلِ تَعْزِيَتِكُمْ وَخَلاصِكُمْ. 7 فَرَجَاؤُنَا مِنْ أَجْلِكُمْ ثَابِتٌ. عَالِمِينَ أَنَّكُمْ كَمَا أَنْتُمْ شُرَكَاءُ فِي ٱلآلامِ، كَذٰلِكَ فِي ٱلتَّعْزِيَةِ أَيْضاً (2كورنثوس 1: 3 - 7).

تتكرر كلمة تعزية عشر مرات في هذه الآيات الخمس. والتعزية هي عمل الروح القدس، فهو الروح المعزي (يوحنا 16: 7) بمعنى الشخص الذي يقف إلى جوار إنسان يسنده ويقويه. الله أبونا هو إله كل تعزية وهو أبو الرأفة، بمعنى أنه مصدر الرحمة ومصدر كل تعزية.

ويؤكد الرسول بولس أنه كما تكثر آلام المؤمنين تكثر تعزيتهم بالمسيح، لأن آلامهم هي في سبيل المسيح، فإن كل من يشترك في الألم لأجل المسيح سيشترك في التعزية التي يهبها المسيح. وهكذا يستطيع المؤمنون أن يشاركوا غيرهم في نعمة التعزية التي يمنحها الله لهم. ولا يذكر لنا الرسول بولس كيف يعطي الله تعزيته لأولاده. لا شك أن الله يستخدم طرقاً متنّوعة مع أبنائه المختلفين بحسب الظروف التي يجدون أنفسهم فيها. كثيراً ما تجيئنا التعزية من قراءة الكتاب المقدس. وأحياناً يعّزينا بأن يرفع عنا الضيقة. وفي بعض الأحيان يعطينا قوة من الروح القدس تمكّننا من مواجهة المصاعب والآلام. وفي بعض الأحيان يرسل إلينا واحداً من المؤمنين بكلمة تشجيع من اختبار مرَّ به أو من تعليم علَّمه الله له. على أنه مهما كانت الطريقة التي نجد تعزيتنا بها، فإن الله من خلف هذه كلها صاحبُ القلب المحب الذي في رأفته يعزي ويشجع ويقوي وسط الآلام.

هل أخذت تعزية من الرب؟ هل تحاول أن تشارك فيها غيرك؟

إن تعزيات الله لنا تكفينا في كل أنواع آلامنا، فتكثر تعزيتنا أيضاً. ويقول الرسول «إن رجاءنا من أجلكم ثابت». نعم إن لنا رجاءً عظيماً في المسيح لا يتزعزع أبداً مهما كانت المتاعب، وهو يعلم يقيناً أن الذين يشتركون في الآلام يشتركون في التعزية.

(ج) شكر على النجاة

فَإِنَّنَا لا نُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ ضِيقَتِنَا ٱلَّتِي أَصَابَتْنَا فِي أَسِيَّا، أَنَّنَا تَثَقَّلْنَا جِدّاً فَوْقَ ٱلطَّاقَةِ، حَتَّى أَيِسْنَا مِنَ ٱلْحَيَاةِ أَيْضاً. 9 لٰكِنْ كَانَ لَنَا فِي أَنْفُسِنَا حُكْمُ ٱلْمَوْتِ، لِكَيْ لا نَكُونَ مُتَّكِلِينَ عَلَى أَنْفُسِنَا بَلْ عَلَى ٱللّٰهِ ٱلَّذِي يُقِيمُ ٱلأَمْوَاتَ، 10 ٱلَّذِي نَجَّانَا مِنْ مَوْتٍ مِثْلِ هٰذَا، وَهُوَ يُنَجِّي. ٱلَّذِي لَنَا رَجَاءٌ فِيهِ أَنَّهُ سَيُنَجِّي أَيْضاً فِيمَا بَعْدُ. 11 وَأَنْتُمْ أَيْضاً مُسَاعِدُونَ بِٱلصَّلاةِ لأَجْلِنَا، لِكَيْ يُؤَدَّى شُكْرٌ لأَجْلِنَا مِنْ أَشْخَاصٍ كَثِيرِينَ، عَلَى مَا وُهِبَ لَنَا بِوَاسِطَةِ كَثِيرِينَ (2كورنثوس 1: 8 - 11).

يقدم الرسول شكراً لله لنجاته من الضيقة التي أصابته في أسيا. لقد كان ضيقه ثقيلاً جداً فوق قدرته على الاحتمال حتى يئس من الحياة، بل شعر أنه محكوم عليه بالموت. وعندما وصل إلى هذه الدرجة من الضيق، تعلَّم أن لا يتكل على نفسه، بل على الله الذي يُقيم الأموات. ويقول «إن الله أنقذنا من هذا الموت وسينقذنا منه». إن له رجاءً في الله!

لا ندري ما هي الضيقة التي أصابت بولس. هل كان يقصد آلاماً أخرى صادفته هناك؟ ظن البعض أن هذه الضيقة الشديدة التي جعلت بولس ييأس من الحياة هي المرض الذي أصاب جسمه، وقال عنه إنه شوكة في الجسد (2كورنثوس 12: 7). مهما كان ذلك الضيق فقد كان أكثر من طاقة بولس، حتى انه اقتنع أنه لن يعيش، كأن عليه حكماً بالإعدام. على أن هذا لم يجعل بولس يفشل أو ييأس، بل علّمه كيف يلقي اتكاله تماماً على الله، الذي أقامه من موت خطيته وأقامه من ضيقات كثيرة سابقة. فالذي نجّاه من موت مثل هذا هو ينجي من الموت الحاضر، وسينجي من كل ضيقة قادمة.

عزيزي القارئ، هل تجوز في ضيقة؟ أرجو أن تتذكر ضيقة سابقة مررْتَ بها وأنقذك الله منها... وأرجو أن يمتلئ حاضرك بالسلام وأنت ترى معاملة الله الماضية معك. وأرجو أن تمتلئ بالرجاء في المستقبل، واثقاً بالمسيح وأنت تتأمل في إله الماضي الذي سندك، وتتطلع إلى إله المستقبل الذي يسندك، الذي هو إله الحاضر الواقف إلى يمينك.

ويقدم الرسول بولس شكراً لأهل كورنثوس لأنهم ساعدوه بالصلاة من أجله، فقد رأى لصلوات الكنيسة فعالية عظيمة، فطلب أن يصلّوا من أجله، وأن يرفعوا صلاة شكر لله من أجل نجاته من الخطر. وهذا يعلمنا أن نصلي لأجل الآخرين، وأن نطلب صلواتهم لأجلنا.

آية للحفظ

الرب «نَجَّانَا مِنْ مَوْتٍ مِثْلِ هٰذَا، وَهُوَ يُنَجِّي. ٱلَّذِي لَنَا رَجَاءٌ فِيهِ أَنَّهُ سَيُنَجِّي أَيْضاً فِيمَا بَعْدُ» (2كورنثوس 1: 10).

صلاة

أبانا السماوي، نقدم إليك شكرنا لأنك إله كل تعزية، فعندما تكثر ضيقتنا تكثر تعزيتنا، وعندما تزيد آلامنا تزيد رحمتك علينا. أعنّا لنعترف بفضلك علينا في الماضي، فنراك الآن واقفاً إلى جوارنا. أما المستقبل فإنك تضمنه لنا، فيسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد. ساعدنا لنرفع شكر قلوبنا على النجاة الدائمة التي تمنحها لنا.

سؤال

1 - كيف يعزي الله المؤمنين؟

2 - تأكيد الضمير الصالح (2كورنثوس 1: 12 - 2: 4)

في هذه الآيات يؤكد الرسول بولس أن ضميره مستريح لأن لديه ضميراً صالحاً. استمع الرسول إلى هجوم البعض ضده، الذين قالوا إن كلامه غير صحيح وإنه خفيف، يَعِدُ ولا يفي الوعد - يقول إنه سيزور كورنثوس ولكنه لا يزورها. وهذا الشخص الطائش لا بد أن تعاليمه الدينية ستكون طائشة وخفيفة. ولذلك كتب الرسول هذه الآيات دفاعاً عن نفسه وعن رسالته.

أحياناً نستمع انتقاداً، من الأفضل أن نحتمله في سكوت. لكن في مرات أخرى يجب أن نجاوب، لأن عدم الإجابة يعطل خدمة الله.

كان الرسول قد وعد بزيارة كورنثوس وتأخر، فهاجمه الأعداء بأنه غير مُخْلص في كلامه. وفي هذه الآيات يذكر بولس التهمة، ويوضح سبب التأخير بأنه لم يكن يريد أن يُخجلهم لو جاء. نجد في هذا الجزء أربعة أقسام:

  1. ضمير الرسول مستريح (1: 12 - 14)

  2. قَصَد الرسول أن يزورهم (1: 15 - 17)

  3. يؤكد الرسول أمانته (1: 18 - 22)

  4. يوضح الرسول سبب عدم زيارته لهم (1: 23 - 2: 4)

(أ) ضمير الرسول مستريح

12لأَنَّ فَخْرَنَا هُوَ هٰذَا: شَهَادَةُ ضَمِيرِنَا أَنَّنَا فِي بَسَاطَةٍ وَإِخْلاصِ ٱللّٰهِ، لا فِي حِكْمَةٍ جَسَدِيَّةٍ بَلْ فِي نِعْمَةِ ٱللّٰهِ، تَصَرَّفْنَا فِي ٱلْعَالَمِ، وَلا سِيَّمَا مِنْ نَحْوِكُمْ. 13 فَإِنَّنَا لا نَكْتُبُ إِلَيْكُمْ بِشَيْءٍ آخَرَ سِوَى مَا تَقْرَأُونَ أَوْ تَعْرِفُونَ. وَأَنَا أَرْجُو أَنَّكُمْ سَتَعْرِفُونَ إِلَى ٱلنِّهَايَةِ أَيْضاً، 14 كَمَا عَرَفْتُمُونَا أَيْضاً بَعْضَ ٱلْمَعْرِفَةِ أَنَّنَا فَخْرُكُمْ، كَمَا أَنَّكُمْ أَيْضاً فَخْرُنَا فِي يَوْمِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ (2كورنثوس 1: 12 - 14).

يؤكد الرسول أن ضميره مستريح في هذا الموضوع، وقد سبق أن قال لمجمع اليهود «إِنِّي بِكُلِّ ضَمِيرٍ صَالِحٍ قَدْ عِشْتُ لِلّٰهِ إِلَى هٰذَا ٱلْيَوْمِ» أعمال 23: 1). وهو هنا يقول إن ما يفتخر به هو شهادة ضميره، فضميره يشهد له بأن سيرته في هذا العالم، وخصوصاً بين أهل كورنثوس، هي سيرة مقدسة وتقوى، لا بحكمة بشرية بل بنعمة الله. ففي كورنثوس - كما في كل مكان في العالم - قدَّم الرسول رسالة الإنجيل بوضوح وبساطة في قوة الروح القدس. وفي كورنثوس قام بخدمة نفسه ولم يثقل عليهم في شيء من الماديات، ولذلك فإنه يرجو أن يعرفوه حتى النهاية فيفرحوا به، ويفرح هو بهم في يوم يسوع المسيح (الذي هو يوم الاختطاف) عندما يقف كل المؤمنين في حضرة الله.

الذي يستريح ضميره يفرح حتى إذا ذمّه الناس! والذي يتعب ضميره يحزن حتى إن مدحه الناس! فليكن شعارنا قول بولس «أَنَا أَيْضاً أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي دَائِماً ضَمِيرٌ بِلا عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ ٱللّٰهِ وَٱلنَّاسِ» (أعمال 24: 16).

ويقول الرسول إن أهل كورنثوس يفهمونه الآن بعض الفهم، لكن عندما سيفهمونه تماماً سيفتخرون به كما سيفتخر هو بهم في يوم الاختطاف.

عزيزي القارئ، هل يمكن أن تكون أنت موضع ثقة رجل الدين في كنيستك، وهل تصلي من أجله منتظراً أن تفتخر به في يوم الاختطاف - يوم الرب يسوع؟

(ب) قَصَد الرسول أن يزورهم

15 وَبِهٰذِهِ ٱلثِّقَةِ كُنْتُ أَشَاءُ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ أَّوَلاً، لِتَكُونَ لَكُمْ نِعْمَةٌ ثَانِيَةٌ. 16 وَأَنْ أَمُرَّ بِكُمْ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ، وَآتِيَ أَيْضاً مِنْ مَكِدُونِيَّةَ إِلَيْكُمْ، وَأُشَيَّعَ مِنْكُمْ إِلَى ٱلْيَهُودِيَّةِ. 17 فَإِذْ أَنَا عَازِمٌ عَلَى هٰذَا، أَلَعَلِّي ٱسْتَعْمَلْتُ ٱلْخِفَّةَ، أَمْ أَعْزِمُ عَلَى مَا أَعْزِمُ بِحَسَبِ ٱلْجَسَدِ، كَيْ يَكُونَ عِنْدِي نَعَمْ نَعَمْ وَلا لا؟ (2كورنثوس 1: 15 - 17).

كان بولس ينوي أن يسافر بحراً من أفسس إلى كورنثوس في طريقه إلى الجزء الشمالي من اليونان المعروف باسم مكدونية، وقد ذكر الرسول هذا القصد في كورنثوس الأولى 16: 5. وغالباً يكون قد أبلغهم بهذا شفوياً بواسطة تيطس. كان بولس يريد أن ينتهي من خدمته بمكدونية، ويتَّجه بعد ذلك إلى اليهودية في الجنوب، ماراً بكورنثوس مرة أخرى. ولكن بولس سافر من أفسس إلى مكدونية مباشرة دون أن يمرّ بهم، ونتيجة لذلك فقد اتهمه أهل كورنثوس بالخفَّة، وقال آخرون إنه يقوم بتخطيط خدمته لله حسب رغبته الجسدية، وليس بحسب إرادة الله. وقال البعض إنه غير مُخْلص يقول: نعم! نعم، ولكنه يقصد: لا! لا.

(ج) يؤكد الرسول أمانته

18لٰكِنْ أَمِينٌ هُوَ ٱللّٰهُ إِنَّ كَلامَنَا لَكُمْ لَمْ يَكُنْ نَعَمْ وَلا. 19 لأَنَّ ٱبْنَ ٱللّٰهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ، ٱلَّذِي كُرِزَ بِهِ بَيْنَكُمْ بِوَاسِطَتِنَا، أَنَا وَسِلْوَانُسَ وَتِيمُوثَاوُسَ، لَمْ يَكُنْ نَعَمْ وَلا، بَلْ قَدْ كَانَ فِيهِ نَعَمْ. 20 لأَنْ مَهْمَا كَانَتْ مَوَاعِيدُ ٱللّٰهِ فَهُوَ فِيهِ ٱلنَّعَمْ وَفِيهِ ٱلآمِينُ، لِمَجْدِ ٱللّٰهِ، بِوَاسِطَتِنَا. 21 وَلٰكِنَّ ٱلَّذِي يُثَبِّتُنَا مَعَكُمْ فِي ٱلْمَسِيحِ، وَقَدْ مَسَحَنَا، هُوَ ٱللّٰهُ 22 ٱلَّذِي خَتَمَنَا أَيْضاً، وَأَعْطَى عَرْبُونَ ٱلرُّوحِ فِي قُلُوبِنَا (2كورنثوس 1: 18 - 22).

يؤكد بولس أنه كان أميناً تماماً معهم، وأن الاتهامات التي وجَّهوها ضده باطلة، ويذكّرهم بأن المسيح المخلّص الذي كرز هو لهم به، وكرز معه سلوانس وتيموثاوس، ليس فيه «نعم ولا»، بل فيه «نعم» فقط. أي أن المسيح كله حق. وقد تبرهن لهم صدق ما قاله المسيح، لأنه أنجز ما وعدهم به. ولما كان المسيح هو الحق، فلابد أنه يختار آلات إعلان حقِّه للبشر من أهل الحق، وليس من أهل الخفَّة والتقلُّب. فالمسيح الأمين، الشاهد الأمين الصادق (رؤيا3: 14) يختار أشخاصاً يجعلهم أمناء وشهوداً صادقين. وبهذا يؤكد بولس أنه ليس خفيفاً ولا منافقاً لكن حياته ثابتة في الله، الأمر الذي يَصدُق مع كل المؤمنين. لذلك فإنه يقول «الذي يثبّتنا معكم في المسيح، ومسيحنا هو الله».

لقد مسحنا الله (كما مَسَحَ الأنبياء والكهنة والملوك في القديم) ليؤكد أنه منحنا قوة الروح القدس. ويقول الرسول إن الروح القدس ختمنا. والختم يعني أن المختوم مُلْك لصاحب الختم، كما يعني إثبات صحة الرسالة، وحفظ الشيء المختوم على حاله. وقد ختم الروح القدس كل المؤمنين ليُثِبت صحة ملكيَّتهم للرب، وليحفظهم دوماً ملكاً للرب. ولذلك يقول الرسول «لٰكِنَّ أَسَاسَ ٱللّٰهِ ٱلرَّاسِخَ قَدْ ثَبَتَ، إِذْ لَهُ هٰذَا ٱلْخَتْمُ. يَعْلَمُ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِينَ هُمْ لَهُ» (2تي 2: 19).

ثم أن الله أعطى عربون الروح في قلوبنا. والعربون أول جزء من الثمن، ومعناه أن بقية الثمن سوف يُدفَع. وسكَنُ الروح القدس في قلوب المؤمنين علامة على تأكيد خلاصهم الأبدي، بدليل أن الروح القدس في قلوبهم، ولذلك يقول الرسول «اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضاً يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلادُ ٱللّٰهِ. فَإِنْ كُنَّا أَوْلاداً فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضاً، وَرَثَةُ ٱللّٰهِ وَوَارِثُونَ مَعَ ٱلْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضاً مَعَهُ» (رومية 8: 16 ، 17).

(د) يوضّح الرسول سبب عدم زيارته لهم

23وَلٰكِنِّي أَسْتَشْهِدُ ٱللّٰهَ عَلَى نَفْسِي أَنِّي إِشْفَاقاً عَلَيْكُمْ لَمْ آتِ إِلَى كُورِنْثُوسَ. 24 لَيْسَ أَنَّنَا نَسُودُ عَلَى إِيمَانِكُمْ بَلْ نَحْنُ مُوازِرُونَ لِسُرُورِكُمْ. لأَنَّكُمْ بِٱلإِيمَانِ تَثْبُتُونَ.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي1وَلٰكِنِّي جَزَمْتُ بِهٰذَا فِي نَفْسِي أَنْ لا آتِيَ إِلَيْكُمْ أَيْضاً فِي حُزْنٍ. 2 لأَنَّهُ إِنْ كُنْتُ أُحْزِنُكُمْ أَنَا، فَمَنْ هُوَ ٱلَّذِي يُفَرِّحُنِي إِلا ٱلَّذِي أَحْزَنْتُهُ؟ 3 وَكَتَبْتُ لَكُمْ هٰذَا عَيْنَهُ حَتَّى إِذَا جِئْتُ لا يَكُونُ لِي حُزْنٌ مِنَ ٱلَّذِينَ كَانَ يَجِبُ أَنْ أَفْرَحَ بِهِمْ، وَاثِقاً بِجَمِيعِكُمْ أَنَّ فَرَحِي هُوَ فَرَحُ جَمِيعِكُمْ. 4 لأَنِّي مِنْ حُزْنٍ كَثِيرٍ وَكَآبَةِ قَلْبٍ كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ بِدُمُوعٍ كَثِيرَةٍ، لا لِكَيْ تَحْزَنُوا، بَلْ لِكَيْ تَعْرِفُوا ٱلْمَحَبَّةَ ٱلَّتِي عِنْدِي وَلا سِيَّمَا مِنْ نَحْوِكُمْ (2كورنثوس 1: 23 - 2: 4).

كان الرسول قد عزم فعلاً على زيارتهم، لكنه غيّر الخطة، لأنه أشفق عليهم. فلو أنه ذهب اليهم في حالة خطئهم لأحزنهم واشتدّ عليهم، ولذلك أجّل الزيارة حتى يُصلحوا الخطأ الموجود فيهم. وهو يقول إنه ليس رئيساً عليهم ولا مشرفاً على إيمانهم، فإن الإيمان أمر شخصي بين الفرد وبين الرب، والرب هو الذي يجعلهم بالإيمان يثبتون. ليس الخادم الحقيقي لله سيداً للذين يخدمهم، لكنه يعاونهم ليحبوا الله وليجدوا فرحهم فيه. والإنجيل يوصي رجال الدين بالقول « ٱرْعَوْا رَعِيَّةَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي بَيْنَكُمْ نُظَّاراً، لا عَنِ ٱضْطِرَارٍ بَلْ بِٱلاخْتِيَارِ، وَلا لِرِبْحٍ قَبِيحٍ بَلْ بِنَشَاطٍ» (1بطرس 5: 2). لقد أراد الرسول أن يزورهم، ولكنه لم يكن يريد لزيارته أن تكون ثقيلة محزنة، بل مفرحة لهم وله، ولذلك أخّر الزيارة ليمنحهم فرصة ليصلحوا أخطاءهم. إذاً لم يرفض الرسول زيارتهم ثانية، لكنه لم يكن يريد زيارته الثانية أن تكون زيارة حزينة.

وفي 2: 4 يكشف الرسول بولس عن مشاعره وهو يكتب لهم الرسالة الأولى - كان فيها توبيخ شديد، لكن هذا التوبيخ كان مليئاً بالدموع والمحبة. يقول «كتبت إليكم وقلبي يفيض بالكآبة والضيق، وعيني تسيل منها الدموع، لا لتحزنوا بل لتعرفوا كم أنا أحبكم». وهكذا يجب أن يوبخ المعلّم المسيحي سامعيه، فلم يكن بولس يقصد أن يُخِجل أهل كورنثوس أو أن يُحزِنهم، لكنه في محبته الكاملة لهم أراد أن يصلح أمورهم.

آية للحفظ

«لأَنْ مَهْمَا كَانَتْ مَوَاعِيدُ ٱللّٰهِ فَهُوَ فِيهِ ٱلنَّعَمْ وَفِيهِ ٱلآمِينُ، لِمَجْدِ ٱللّٰهِ، بِوَاسِطَتِنَا» (2كورنثوس 1: 20).

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك لأنك تريد أن تعطينا الضمير الصالح، من نحوك ومن نحو الآخرين. ارفع عيوننا إلى المسيح الذي فيه النَّعَم وفيه الآمين، وفيه كل بركة نحتاج إليها، لأن فيه المواعيد الصادقة والأمينة. ساعدنا لتكون مواعيدنا صادقة و كلماتنا أمينة.

سؤال

2 - اذكر آية عن الضمير الصالح.

3 - لماذا أجَّل بولس زيارته لأهل كورنثوس؟

3 - نداء في صالح الخاطئ التائب (2كورنثوس 2: 5 - 13)

5وَلٰكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ قَدْ أَحْزَنَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُحْزِنِّي، بَلْ أَحْزَنَ جَمِيعَكُمْ بَعْضَ ٱلْحُزْنِ لِكَيْ لا أُثَقِّلَ. 6 مِثْلُ هٰذَا يَكْفِيهِ هٰذَا ٱلْقِصَاصُ ٱلَّذِي مِنَ ٱلأَكْثَرِينَ، 7 حَتَّى تَكُونُوا - بِٱلْعَكْسِ - تُسَامِحُونَهُ بِٱلْحَرِيِّ وَتُعَّزُونَهُ، لِئَلا يُبْتَلَعَ مِثْلُ هٰذَا مِنَ ٱلْحُزْنِ ٱلْمُفْرِطِ. 8 لِذٰلِكَ أَطْلُبُ أَنْ تُمَكِّنُوا لَهُ ٱلْمَحَبَّةَ. 9 لأَنِّي لِهٰذَا كَتَبْتُ لِكَيْ أَعْرِفَ تَزْكِيَتَكُمْ، هَلْ أَنْتُمْ طَائِعُونَ فِي كُلِّ شَيْءٍ؟ 10 وَٱلَّذِي تُسَامِحُونَهُ بِشَيْءٍ فَأَنَا أَيْضاً. لأَنِّي أَنَا مَا سَامَحْتُ بِهِ - إِنْ كُنْتُ قَدْ سَامَحْتُ بِشَيْءٍ - فَمِنْ أَجْلِكُمْ بِحَضْرَةِ ٱلْمَسِيحِ، 11 لِئَلا يَطْمَعَ فِينَا ٱلشَّيْطَانُ، لأَنَّنَا لا نَجْهَلُ أَفْكَارَهُ. 12 وَلٰكِنْ لَمَّا جِئْتُ إِلَى تَرُوَاسَ، لأَجْلِ إِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ وَٱنْفَتَحَ لِي بَابٌ فِي ٱلرَّبِّ، 13 لَمْ تَكُنْ لِي رَاحَةٌ فِي رُوحِي، لأَنِّي لَمْ أَجِدْ تِيطُسَ أَخِي. لٰكِنْ وَدَّعْتُهُمْ فَخَرَجْتُ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ (2كورنثوس 2: 5 - 13).

في الأصحاح الخامس من الرسالة الأولى تحدَّث الرسول عن شخص بينهم ارتكب خطية الزنا، وقال لهم «ٱعْزِلُوا ٱلْخَبِيثَ مِنْ بَيْنِكُمْ» (1كو 5: 13). وقد قام أهل كورنثوس بعزل هذا المؤمن الذي أخطأ، وأبعدوه عنهم وابتعدوا عنه. كان الرسول بولس حزيناً على هذا المؤمن الذي أخطأ، كما كان هو سبب حزن للكنيسة كلها. ويبدو أن مقاطعة أعضاء كنيسة كورنثوس لهذا المؤمن الذي أخطأ كانت شديدة، حتى أنه حزن على خطيته. فطلب الرسول بولس منهم أن يغفروا له، ليؤكدوا له - بمحبتهم - أن الله قبل توبته وأعاده الى الشركة مع المؤمنين. عندما طلب الرسول بولس من أهل كورنثوس أن يعزلوا الرجل الخاطئ كان يريد له أن يتعلم الطاعة، وها هو الآن يطلب منهم أن يغفروا له وأن يقبلوه لأنه تاب. وإنْ كانوا هم قد غفروا له فإن بولس يغفر له أيضاً، كما في محضر المسيح. وعلى المسيحيين أن يكونوا حذرين لئلا يغتنم الشيطان فرصة، فإننا نعرف أفكاره، وأفكار الشيطان هي كالآتي:

  1. يحاول الشيطان أن يجرب المؤمن بشهوة الجسد، وهو يرجو أن يدمّر حياته الروحية، ويدمر شهادته للمسيح.

  2. عندما يخطئ المؤمن يبدأ الشيطان يذكرّه بأن خطيته كبيرة، وأن حالته ميئوس منها، ويقول له إنه قد ابتعد عن الرب، ولا يستحق أن يعود للرب، و لا أمل في توبته.

  3. والشيطان يأتي إلى الكنيسة ويحاول أن يجعل الناس يأخذون طريقاً من اثنين: إما أن يهملوا المخطئ ويتسامحوا معه في خطيته.. أو أنهم يَقْسون على المخطئ ويكونون باردين من نحوه ومتعالين عليه. عادة يحاول الشيطان أن يبعد الخاطئ عن الإحساس بالذنب لئلا يتوب، ولكنه يزيد على المؤمن الإحساس بالذنب حتى ييأس ويفشل تماماً.

بعد أن تحدث بولس عن غفران المؤمنين في كورنثوس وقبولهم للزاني الذي تاب، يمضي فيتحدث عن زيارته لترواس بعد أن ترك أفسس. فقد منحه الله فرصاً عظيمة للكرازة، ولو أنه لم يستمتع بذلك، لأنه كان حزيناً بسبب عدم لقائه بتيطس الذي كان يرجو أن يتقابل معه في ترواس ويسمع منه عن أحوال كنيسة كورنثوس. ولذلك سافر بولس شمالاً الى مكدونية وهو يرجو أن يقابل تيطس هناك. وسوف نقرأ أكثر في الأصحاح السابع عن اللقاء الذي جرى بين تيطس وبولس.

آية للحفظ

«لِئَلا يَطْمَعَ فِينَا ٱلشَّيْطَانُ، لأَنَّنَا لا نَجْهَلُ أَفْكَارَهُ» (2كو 2: 11).

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك لأنك تريدنا أن نتوب و نرجع إليك. وعندما نرجع فإنك تغفر لنا وتنسى الماضي وتقبلنا وتجعلنا أبناء في العائلة السماوية. أعطنا رحمة على الخطاة التائبين، وأعطنا أن نفرح بخاطئ واحد يتوب.

سؤال

4 - اذكر فكرة واحدة من الأفكار التي يهاجمنا الشيطان بها.

4 - نصرنا يستمر عندما نعلن معرفة الله (2كورنثوس 2: 14 - 17)

14وَلٰكِنْ شُكْراً لِلّٰهِ ٱلَّذِي يَقُودُنَا فِي مَوْكِبِ نُصْرَتِهِ فِي ٱلْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ، وَيُظْهِرُ بِنَا رَائِحَةَ مَعْرِفَتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ. 15 لأَنَّنَا رَائِحَةُ ٱلْمَسِيحِ ٱلذَّكِيَّةِ لِلّٰهِ، فِي ٱلَّذِينَ يَخْلُصُونَ وَفِي ٱلَّذِينَ يَهْلِكُونَ. 16 لِهٰؤُلاءِ رَائِحَةُ مَوْتٍ لِمَوْتٍ، وَلأُولٰئِكَ رَائِحَةُ حَيَاةٍ لِحَيَاةٍ. وَمَنْ هُوَ كُفْؤٌ لِهٰذِهِ ٱلأُمُورِ؟ 17 لأَنَّنَا لَسْنَا كَٱلْكَثِيرِينَ غَاشِّينَ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ، لٰكِنْ كَمَا مِنْ إِخْلاصٍ، بَلْ كَمَا مِنَ ٱللّٰهِ نَتَكَلَّمُ أَمَامَ ٱللّٰهِ فِي ٱلْمَسِيحِ (2كورنثوس 2: 14 - 17).

في هذه الآيات ينقل إلينا الرسول بولس صورة ما يحدث للقائد المنتصر في روما. فعندما كان القائد الروماني يعود منتصراً من بلد بعيدة وقد هزم الاعداء وكسب الأرض، كان كبار رجال روما يحكمون أنه بطل منتصر، ويقيمون له احتفالاً عظيماً، ويعلنون يوم رجوعه يوم أجازة عامة يتجمَّع الناس فيها من كل مكان ليحتفلوا بالنصر. وكنت ترى صفاً طويلاً من الأسرى يمثلون الشعب الذي هُزم وهم مقيَّدون بالسلاسل، يحملون في أيديهم المباخر ينبعث منها البخور العطر، ثم يجئ القائد ومن خلفه صف طويل آخر من الأسرى يحملون المباخر. كان الصف الأمامي هو صف الأسرى الذين ينالون الحرية، وكانت رائحة البخور بالنسبة لهم رائحة حياة. أما الذين يجيئون بعدهم فهم صفّ الموت، يرمونهم إلى الوحوش لتفترسهم، فكانت رائحة البخور بالنسبة لهم رائحة موت... يسير القائد منتصراً، أمامه رائحة حياة لمن ينالون الحياة، وخلفه رائحة موت لمن سيهلكهم الموت.

والفكرة التي يريد بولس أن يوضحها هنا هي أن الله يقودنا في النصر. فالمسيح هو القائد المنتصر. ونحن الذين نسير مع المسيح أسرى محبته (لأن صليبه قد جذبنا إليه) نحمل رائحة حياة، لأن المسيح الفادي وهبنا الحياة. وكل من يحيا يُظِهر المسيح به رائحة معرفته، الرائحة التي تنبعث من الشهادة له. أما الذين يرفضون الإنجيل فسيكون لهم ذلك رائحة موت، فإنهم يسمعون عن شخص عاش في زمن بعيد ومات في الماضي السحيق، ولا يفتحون قلوبهم له، فيهلكون!

ويدرك بولس أهمية الرسالة العظيمة التي يعلنها، فهي تجلب الحياة لمن يقبلها، وتتسبَّب في الهلاك لمن يرفضها. ثم يتساءل «ومن هو كفؤ لهذه الأمور؟» فما أكبر المسئولية ونحن نعلن الرسالة، لأننا إما أن نقود الناس إلى الموت، أو نقودهم إلى الحياة! ويقول بولس إنه بكل أسف جاء معلمون كذبة غشّوا كلمة الله عندما خلطوا الحق بالضلال، ولو أنه هو بكل إخلاص تكلم أمام الله في المسيح. ويجاوب الرسول على سؤاله «من هو كفؤ لهذه الأمور؟» في 2كورنثوس 3: 5 عندما يقول: «ليس أننا كُفاة من أنفسنا.. بل كفايتنا من الله».

آية للحفظ

«لأَنَّنَا رَائِحَةُ ٱلْمَسِيحِ ٱلذَّكِيَّةِ لِلّٰهِ، فِي ٱلَّذِينَ يَخْلُصُونَ وَفِي ٱلَّذِينَ يَهْلِكُونَ» (2كورنثوس 2: 15).

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك لأنك تعرض علينا الحياة. أعطنا أن نقبل الحياة فنحيا. أبعدنا عن الهلاك بنعمة وحكمة الروح القدس فينا. ساعدنا لنقدم رسالة الحياة للذين يعيشون في الموت.

سؤال

5 - ما معنى موكب انتصار المسيح؟

5 - الخدمة الحقيقية تثمر تغييراً (2كورنثوس 3: 1 - 5)

1أَفَنَبْتَدِئُ نَمْدَحُ أَنْفُسَنَا، أَمْ لَعَلَّنَا نَحْتَاجُ كَقَوْمٍ رَسَائِلَ تَوْصِيَةٍ إِلَيْكُمْ، أَوْ رَسَائِلَ تَوْصِيَةٍ مِنْكُمْ؟ 2أَنْتُمْ رِسَالَتُنَا، مَكْتُوبَةً فِي قُلُوبِنَا، مَعْرُوفَةً وَمَقْرُوءَةً مِنْ جَمِيعِ ٱلنَّاسِ. 3ظَاهِرِينَ أَنَّكُمْ رِسَالَةُ ٱلْمَسِيحِ، مَخْدُومَةً مِنَّا، مَكْتُوبَةً لا بِحِبْرٍ بَلْ بِرُوحِ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ، لا فِي أَلْوَاحٍ حَجَرِيَّةٍ بَلْ فِي أَلْوَاحِ قَلْبٍ لَحْمِيَّةٍ. 4 وَلٰكِنْ لَنَا ثِقَةٌ مِثْلُ هٰذِهِ بِٱلْمَسِيحِ لَدَى ٱللّٰهِ. 5 لَيْسَ أَنَّنَا كُفَاةٌ مِنْ أَنْفُسِنَا أَنْ نَفْتَكِرَ شَيْئاً كَأَنَّهُ مِنْ أَنْفُسِنَا، بَلْ كِفَايَتُنَا مِنَ ٱللّٰهِ (2كورنثوس 3: 1 - 5).

واضح من هذه الآيات أن بعض الذين انتقدوا الرسول بولس اتهموه بأنه يفتخر بنفسه، ولذلك ختم الأصحاح الثاني بأن قال إنه يتكلم من الله أمام الله في المسيح، ثم تساءل في بداية الأصحاح الثالث «أفنبتدئ نمدح أنفسنا؟».

لا! انه لا يمدح نفسه، وهو لا يحتاج الى رسائل توصية لا من أهل كورنثوس ولا إليهم، كما اقترح البعض وطلبوا ذلك. إنَّ حياة المؤمنين في كنيسة كورنثوس هي شهادة كافية لفعالية عمل الرسول بولس، الذي عمله الله به في وسطهم. حياتهم التي تغيرت واضحة للجميع، ونحن نشكر الله أنه حيثما تُعلَن رسالة الإنجيل بقوة الروح القدس فإن النفوس تخْلُص وتتغيّر. ان المسيح هو كاتب الرسالة ومؤلفها بواسطة قلم بولس الرسول، أما الحبر فهو الروح القدس. والشيء الرائع الذي نراه في هذه الرسائل هو أنها ليست مكتوبة على ألواح من حجر كما كُتبت الوصايا العشر، ولكنها كُتبت على ألواح قلب من لحم. ويقول الرسول بولس إن هذه الثقة التي له في أن حياة الناس تتغير بفعالية كلمة الإنجيل، هي أكبر برهان على صدق إرساليته، والمسيح هو الذي ينشئ هذه الثقة فيه لدى الله.

لقد سأل الرسول بولس في نهاية الأصحاح الثاني: «من هو كفؤ لهذه الأمور؟» وهو يعلم أن الكفاية هي في عمل المسيح الذي سوف يحكم على أعمال الناس. لا بولس ولا إنسان آخر عنده الكفاءة في نفسه، ولكنه ينال الكفاية من عند الله. ولذلك فإن المؤمن يُلقي نفسه في أحضان الله باعتماد كامل على الله.

عزيزي القارئ، هل كتب الروح القدس الرسالة على قلبك؟ هل صرت رسالة حية للمسيح؟ ماذا يقرأ الناس فيك؟ هل تحاول أن تنشر رسالة المسيح للآخرين؟ هذا ما ينتظر الله منك أن تفعله من أجله.

آية للحفظ

«أَنْتُمْ رِسَالَتُنَا، مَكْتُوبَةً فِي قُلُوبِنَا، مَعْرُوفَةً وَمَقْرُوءَةً مِنْ جَمِيعِ ٱلنَّاسِ» (2كور 3: 2).

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك من أجل الكلمة المقدسة التي تكتب في قلوبنا رسالة محبتك. ساعدنا يا أبانا لنذيع الكلمة بحياتنا وبسلوكنا وبتصرفاتنا، واجعل القراءة واضحة للجميع، معروفة لكل من يقرأها، حتى أن من يرانا يرى المسيح فينا.

سؤال

6 - كيف يكون كل مؤمن رسالة للمسيح في محيطه؟

6 - مجد خدمة الإنجيل أعظم من مجد خدمة الناموس (2كورنثوس 3: 6 - 18)

6ٱلَّذِي جَعَلَنَا كُفَاةً لأَنْ نَكُونَ خُدَّامَ عَهْدٍ جَدِيدٍ. لا ٱلْحَرْفِ بَلِ ٱلرُّوحِ. لأَنَّ ٱلْحَرْفَ يَقْتُلُ وَلٰكِنَّ ٱلرُّوحَ يُحْيِي. 7 ثُمَّ إِنْ كَانَتْ خِدْمَةُ ٱلْمَوْتِ، ٱلْمَنْقُوشَةُ بِأَحْرُفٍ فِي حِجَارَةٍ، قَدْ حَصَلَتْ فِي مَجْدٍ، حَتَّى لَمْ يَقْدِرْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى وَجْهِ مُوسَى لِسَبَبِ مَجْدِ وَجْهِهِ ٱلّزَائِلِ، 8 فَكَيْفَ لا تَكُونُ بِٱلأَوْلَى خِدْمَةُ ٱلرُّوحِ فِي مَجْدٍ؟ 9 لأَنَّهُ إِنْ كَانَتْ خِدْمَةُ ٱلدَّيْنُونَةِ مَجْداً، فَبِٱلأَوْلَى كَثِيراً تَزِيدُ خِدْمَةُ ٱلْبِرِّ فِي مَجْدٍ. 10 فَإِنَّ ٱلْمُمَجَّدَ أَيْضاً لَمْ يُمَجَّدْ مِنْ هٰذَا ٱلْقَبِيلِ لِسَبَبِ ٱلْمَجْدِ ٱلْفَائِقِ. 11 لأَنَّهُ إِنْ كَانَ ٱلّزَائِلُ فِي مَجْدٍ، فَبِٱلأَوْلَى كَثِيراً يَكُونُ ٱلدَّائِمُ فِي مَجْدٍ.

12فَإِذْ لَنَا رَجَاءٌ مِثْلُ هٰذَا نَسْتَعْمِلُ مُجَاهَرَةً كَثِيرَةً. 13 وَلَيْسَ كَمَا كَانَ مُوسَى يَضَعُ بُرْقُعاً عَلَى وَجْهِهِ لِكَيْ لا يَنْظُرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى نِهَايَةِ ٱلّزَائِلِ. 14 بَلْ أُغْلِظَتْ أَذْهَانُهُمْ، لأَنَّهُ حَتَّى ٱلْيَوْمِ ذٰلِكَ ٱلْبُرْقُعُ نَفْسُهُ عِنْدَ قِرَاءَةِ ٱلْعَهْدِ ٱلْعَتِيقِ بَاقٍ غَيْرُ مُنْكَشِفٍ، ٱلَّذِي يُبْطَلُ فِي ٱلْمَسِيحِ. 15 لٰكِنْ حَتَّى ٱلْيَوْمِ، حِينَ يُقْرَأُ مُوسَى، ٱلْبُرْقُعُ مَوْضُوعٌ عَلَى قَلْبِهِمْ. 16 وَلٰكِنْ عِنْدَمَا يَرْجِعُ إِلَى ٱلرَّبِّ يُرْفَعُ ٱلْبُرْقُعُ. 17 وَأَمَّا ٱلرَّبُّ فَهُوَ ٱلرُّوحُ، وَحَيْثُ رُوحُ ٱلرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ. 18 وَنَحْنُ جَمِيعاً نَاظِرِينَ مَجْدَ ٱلرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا فِي مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ ٱلصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ ٱلرَّبِّ ٱلرُّوحِ (2كورنثوس 3: 6 - 18).

أشار الرسول في 2كورنثوس 3: 3 الى أن رسالة المسيح ليست مكتوبة في ألواح حجرية. وهو يذكّر المسيحيين من أصل يهودي بمجد رسالة المسيح. لأنهم كانوا قد طالبوا غيرهم من المؤمنين أن يحفظوا الناموس ويكملوا الطقوس. ولا ينكر بولس مجد الناموس، لكنه يرى أن الكنيسة استلمت في العهد الجديد مجداً أعظم. لقد حاولوا أن يرجعوا الى القديم الذي هو أقل (أعمال 15: 1 ، 24) وحاولوا أن يربطوا بين الناموس وبين النعمة. ولكن الرسول بولس يقول إن الله جعلنا كفاة (قادرين) لأن نكون خدام عهد جديد، لا الحرف بل الروح، لأن الحرف يقتل ولكن الروح يحيي. فالذين يخدمون الإنجيل لا يخدمون العهد القديم، ولكنهم يخدمون عهداً جديداً، قال عنه السيد المسيح «هٰذَا هُوَ دَمِي ٱلَّذِي لِلْعَهْدِ ٱلْجَدِيدِ ٱلَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ ٱلْخَطَايَا» (متى 26: 28) فلسنا تحت عهد قديم لكننا تحت عهد جديد. العهد القديم هو الحرف، والجديد هو الروح. القديم هو الناموس، والجديد هو النعمة.

تحت العهد القديم كان الناس تحت دينونة الموت، فقد أعلن لهم الناموس خطاياهم دون أن يمنحهم قوة للانتصار عليها. أما العهد الجديد فهو الروح - روح الرب - الذي يسكن في قلب المؤمن ويُنتِج حياة جديدة، مانحاً قوة جديدة. هذا العهد الجديد ليس جديداً من ناحية الزمان فقط، لكن من ناحية نوعه وصفاته، فهو ينتج شركة جديدة بين الانسان والله، من نوع مختلف تماماً.

كان العهد القديم مؤسساً على وثيقة مكتوبة، فقد أخذ موسى كتاب العهد وقرأه على مسامع الشعب، فوافقوا عليه وقالوا «كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع له». أما العهد الجديد فإنه مؤسس على قوة الروح الذي يهب الحياة.

القانون دائماً شيء خارجي يُفرَض من الخارج على الإنسان الذي يوافق عليه، بينما عمل الروح القدس يغيّر قلب الإنسان من الداخل. قد يحرص الإنسان على طاعة القانون المكتوب، ولكنه في أعماق نفسه يريد أن يكسره. لكن عندما يدخل الروح القدس قلبه ويتحكم فيه ويسود عليه، فإنه لا يُحرص على طاعة القانون في الظاهر فقط، بل يطيعه من كل قلبه، لأنه تغيَّر وأصبح إنساناً جديداً. قد يغير العهد المكتوب تصرفات الإنسان من الخارج، لكن الروح القدس وحده هو الذي يغيّر قلب الإنسان وطبيعته البشرية.

سمَّى الرسول العهد القديم «خدمة موت». فقد قال العهد القديم «إذا كنت أيها الإنسان ترغب أن تحتفظ بعلاقة مع الله، نفِّذ القانون. أما إذا عصيت فإن علاقتك بالله تضيع». بذلك أنشأ وضعاً يقف فيه الله موقف القاضي، ويقف الإنسان دائماً موقف المذنب. لقد شخَّص العهد القديم المرض لكنه لم يقدم العلاج!.

أما في العهد الجديد فيختلف الأمر تماماً. العلاقة فيه علاقة محبة «لأنه هكذا أحب الله العالم». العلاقة فيه بين أب وأبنائه. لم يعد الإنسان مجرماً مقصِّراً في قفص الاتهام، لكنه صار ابناً لله، حتى لو كان ابناً عاصياً.

وقد غيّر العهد الجديد حياة الإنسان بتغيير القلب وخلق إنساناً جديداً، ولذلك لم يقتصر على مجرد إعلان ما ينبغي أن يفعله الناس، بل أعطى القوة لعمله. أي أنه قدّم مع الوصايا القوة التي تمكّن الناس من اتّباعها. ومن الغريب أن أكثرية اليهود فضَّلوا العهد القديم - عهد الناموس والقانون - ورفضوا العهد الجديد، عهد العلاقة الجديدة في المسيح.

لم يكن العهد القديم رديئاً، لكنه كان مرحلة على الطريق. ولكن عيون أغلب اليهود كانت مربوطة فلم يدركوا المسيح. وهم يشبهون موسى الذي وضع برقعاً (حجاباً) على وجهه. لقد انتهى مجد العهد القديم بالمجئ الأول للمسيح لأن الابن هو الإله، فمن يرفض المسيح يرفض الله!

وكثير من الناس اليوم عميٌ كاليهود، لا يقدرون ولا يريدون أن يروا المسيح، لأنهم يظنون أنهم على حق، فيظلون بلا مجد الله، غارقين في الخطية.

لقد كانت خدمة موسى في مجد، فعندما كان موسى يلتقي بالله على جبل سيناء كان وجهه يلمع، ولكن هذا اللمعان كان يزول. وعلى هذا فإن مجد العهد القديم كان لابد أن يزول لأنه خدمة دينونة، وخدمة موت، وخدمة حرف. ويقول سفر الخروج 34: 33 «وَلَمَّا فَرَغَ مُوسَى مِنَ ٱلْكَلامِ مَعَهُمْ جَعَلَ عَلَى وَجْهِهِ بُرْقُعاً». ويفسر الرسول بولس ذلك بقوله إنه كان يضع البرقع حتى لا يرى بنو إسرائيل أن مجده يزول. ويسمِّي الرسول مجد العهد الجديد المجد الفائق، الدائم، الخالد، ولذلك فإنه يتحدث عنه بكل مجاهرة.

وبالرغم من مجاهرة إعلان بولس فإن اليهود يضعون على عيونهم برقعاً (حجاباً) يمنعهم من رؤية المعنى الحقيقي. ولا زالت عيون الكثيرين يغطيها برقع التعصب للفكر الذي يجعلهم يرفضون قبول الحقائق الإلهية. والبعض الآخر يغطون عيونهم بحجاب التفكير في رغباتهم الشخصية، فكثيراً ما يتركون كلمة الله لأنها توبخهم وتعلن عيوبهم. والبعض يضعون على عيونهم برقع رَفْض تعلُّم شيء جديد.

ويختم الرسول بولس هذا الجزء بقوله «إننا ننظر مجد الرب بوجه مكشوف. ولهذا السبب نتغير من مجد إلى مجد». والرسول يقصد أنه إذا كنا نُطيل النظر في المسيح، فإن صورته في النهاية تنطبع فينا وتظهر في حياتنا. فإذا كنا ننظر الى المسيح ونثبّت عيوننا عليه، فسنجد أننا قد بلغنا مجد الحياة المسيحية، التي هي انعكاس شخصية المسيح في حياتنا.

يقول الرسول إن الرب هو الروح. ويقصد هنا بالرب «المسيح» مشيراً إلى ما قاله في 2كورنثوس 3: 6 «الروح يحيى» وما قاله في 1كو 15: 45 «صَارَ آدَمُ ٱلإِنْسَانُ ٱلأَّوَلُ نَفْساً حَيَّةً، وَآدَمُ ٱلأَخِيرُ رُوحاً مُحْيِياً».

عزيزي القارئ، دعنا نرى أنه حيث روح الرب فهناك حرية، لأن المحبة هي التي تدفع الإنسان وتربطه ليعمل بسرور وسعادة. عندما نعمل عملاً متواضعاً بسيطاً لشخص عزيز علينا، نعتبر هذا امتيازاً. ان المحبة تُلبِس أقل الأعمال ثوباً من المجد، فدعنا نملأ قلوبنا حباً للمسيح، لنستطيع أن نتحرر من الخوف، ونحيا في ثقة ومحبة وطاعة.

آية للحفظ

«وَأَمَّا ٱلرَّبُّ فَهُوَ ٱلرُّوحُ، وَحَيْثُ رُوحُ ٱلرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ» (2كورنثوس 3: 17).

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك من كل القلب لأجل العهد الجديد الذي لنا بيسوع المسيح ربنا، الذي بذل نفسه عنا ليغّير حياتنا، وليكتب على قلوبنا بروحه القدوس رسالة محبته. أبانا، أعطنا أن نقدّر مجد الحرية التي لنا في المسيح فنسعى لنحرر كثيرين بالحرية التي حررتنا بها.

سؤال

7 - لماذا نقول إن الخدمة في العهد الجديد أمجد من الخدمة في العهد القديم؟

8 - لماذا كان موسى يغطي وجهه ببرقع (راجع 2كورنثوس 3: 13)؟

7 - رسالة خدمة الإنجيل (2كورنثوس 4: 1 - 6)

1مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ، إِذْ لَنَا هٰذِهِ ٱلْخِدْمَةُ كَمَا رُحِمْنَا، لا نَفْشَلُ. 2بَلْ قَدْ رَفَضْنَا خَفَايَا ٱلْخِزْيِ، غَيْرَ سَالِكِينَ فِي مَكْرٍ، وَلا غَاشِّينَ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ، بَلْ بِإِظْهَارِ ٱلْحَقِّ، مَادِحِينَ أَنْفُسَنَا لَدَى ضَمِيرِ كُلِّ إِنْسَانٍ قُدَّامَ ٱللّٰهِ. 3 وَلٰكِنْ إِنْ كَانَ إِنْجِيلُنَا مَكْتُوماً، فَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُومٌ فِي ٱلْهَالِكِينَ، 4 ٱلَّذِينَ فِيهِمْ إِلٰهُ هٰذَا ٱلدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ، لِئَلا تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي هُوَ صُورَةُ ٱللّٰهِ. 5 فَإِنَّنَا لَسْنَا نَكْرِزُ بِأَنْفُسِنَا، بَلْ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبّاً، وَلٰكِنْ بِأَنْفُسِنَا عَبِيداً لَكُمْ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ. 6 لأَنَّ ٱللّٰهَ ٱلَّذِي قَالَ أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ، هُوَ ٱلَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ ٱللّٰهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ (2كورنثوس 4: 1 - 6).

يجاوب بولس في هذا الجزء الذين اتهموه بالغش والخداع، وفي الوقت نفسه يشرح رسالة خدمة الإنجيل. والخدمة التي يتحدّث عنها في بدء هذا الأصحاح هي التي تكلَّم عنها في 2كورنثوس 3: 8 ، 9 ، خدمة الروح، خدمة البر، خدمة المجد. وكلما تذكر بولس رحمة الله عليه امتلأ بالشجاعة وأخذ ينبذ كل تصرُّف خفي شائن، ولا يسلك في المكر ولا يغش كلام الله - كما يفعل كثيرون من المعلمين الكذبة الذين يهاجمون بولس (2: 17). والذين يغشون كلام الله هم الذين يضيفون اليه تعاليم ليست منه (1كور 15: 12)، وهم الذين يحاولون أن يفسروا كلمات الإنجيل بطريقة خاطئة، بغير المعنى الأصلي الذي يقصده (2بطرس 3: 16).

على أن الخادم الحقيقي هو الذي يقدّم حق الله بأمانة ووضوح، بدرجة تجعل الذين يسمعونه يقبلون ما يقول، لأنه يمدح نفسه لدى ضمير كل إنسان بفضل صدق الكلمة المقدسة التي يعلنها.

ويتساءل الرسول: إن كان يقدم رسالة الإنجيل بمثل هذا الوضوح، فلماذا لا يفهمها البعض؟

والإجابة هي: إن بعض الناس يرفضون الإيمان بالإنجيل، ويبتعدون بمحض إرادتهم عنه، لأن الشيطان أعمى أفكارهم، فلم يعودوا يرون جمال الإنجيل ولا قوته. ويسمِّي الرسول بولس الشيطان «إله هذا الدهر» بمعنى أنه صاحب السلطان على أغلبية البشر. والذين يرفضون إنجيل المسيح هم الذين يخدمون إبليس ويتعبّدون له، سواء شعروا بذلك أو لم يشعروا. فإن إبليس لا يريد لنور الإنجيل أن يشرق على قلوب الناس.

وعندما يشرق نور الإنجيل على قلب إنسان، يقدر أن يرى مجد المسيح، فالمسيح هو صورة الله (آية 4) ومن رآه فقد رأى الآب (يوحنا 14: 9). وهو بهاء مجد الله ورسم جوهره (عبرانيين 1: 3) وهو معادل لله (فيلبي 2: 6) وباعتبار أنه إله متجسد فهو صورة الله، لأن فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً (كولوسي 2: 9) وعلى هذا فإن رسالة خادم الإنجيل هي عن حق الله، وعن إنجيل مجد المسيح. وخادم الله الأمين لا يعظ بأفكاره، ولا يقدم نفسه، ولكنه يعظ بيسوع المسيح المصلوب. ويعتبر نفسه خادماً للجميع لأجل خاطر المسيح.

وكما حدث في اليوم الأول من الخليقة عندما أشرق نور الله وسط الظلام (تكوين 1: 1 - 5) هكذا يشرق االله على قلب الذي يؤمن بالإنجيل، ويعلن له معرفة مجد الله. وهذا المجد موجود في وجه يسوع المسيح. لما كنا لا نستطيع أن نرى وجه الله ونحيا (خروج 33: 20) فإن الله يعلن لنا نفسه بواسطة ابنه المتجسد. «اَللّٰهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ ٱلْوَحِيدُ ٱلَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ ٱلآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يوحنا 1: 18) وبدون المسيح لا نقدر أن نعرف الله حق المعرفة، لأن كل من ينكر الابن ليس له الآب أيضاً (1يوحنا 2: 23).

آية للحفظ

«فَإِنَّنَا لَسْنَا نَكْرِزُ بِأَنْفُسِنَا، بَلْ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبّاً، وَلٰكِنْ بِأَنْفُسِنَا عَبِيداً لَكُمْ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ» (2كورنثوس 4: 5).

صلاة

نشكرك أيها الآب الصالح لأنك أشرقت على قلوبنا فعرفنا مجدك، الذي ظهر واضحاً في وجه المسيح. ساعدنا لننظر إلى المسيح باستمرار لندرك مجدك أكثر، ولنعيش في نورك.

سؤال

9 - لماذا لا يدرك كثيرون جوهر المسيح؟

8 - قوة خدمة الإنجيل (2كورثنوس 4: 7 - 15)

7وَلٰكِنْ لَنَا هٰذَا ٱلْكَنْزُ فِي أَوَانٍ خَزَفِيَّةٍ، لِيَكُونَ فَضْلُ ٱلْقُّوَةِ لِلّٰهِ لا مِنَّا. 8مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لٰكِنْ غَيْرَ مُتَضَايِقِينَ. مُتَحَيِّرِينَ، لٰكِنْ غَيْرَ يَائِسِينَ. 9 مُضْطَهَدِينَ، لٰكِنْ غَيْرَ مَتْرُوكِينَ. مَطْرُوحِينَ، لٰكِنْ غَيْرَ هَالِكِينَ. 10 حَامِلِينَ فِي ٱلْجَسَدِ كُلَّ حِينٍ إِمَاتَةَ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ، لِكَيْ تُظْهَرَ حَيَاةُ يَسُوعَ أَيْضاً فِي جَسَدِنَا. 11 لأَنَّنَا نَحْنُ ٱلأَحْيَاءَ نُسَلَّمُ دَائِماً لِلْمَوْتِ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ، لِكَيْ تَظْهَرَ حَيَاةُ يَسُوعَ أَيْضاً فِي جَسَدِنَا ٱلْمَائِتِ. 12 إِذاً ٱلْمَوْتُ يَعْمَلُ فِينَا، وَلٰكِنِ ٱلْحَيَاةُ فِيكُمْ. 13 فَإِذْ لَنَا رُوحُ ٱلإِيمَانِ عَيْنُهُ، حَسَبَ ٱلْمَكْتُوبِ «آمَنْتُ لِذٰلِكَ تَكَلَّمْتُ» - نَحْنُ أَيْضاً نُؤْمِنُ وَلِذٰلِكَ نَتَكَلَّمُ أَيْضاً. 14 عَالِمِينَ أَنَّ ٱلَّذِي أَقَامَ ٱلرَّبَّ يَسُوعَ سَيُقِيمُنَا نَحْنُ أَيْضاً بِيَسُوعَ، وَيُحْضِرُنَا مَعَكُمْ. 15 لأَنَّ جَمِيعَ ٱلأَشْيَاءِ هِيَ مِنْ أَجْلِكُمْ، لِكَيْ تَكُونَ ٱلنِّعْمَةُ وَهِيَ قَدْ كَثُرَتْ بِٱلأَكْثَرِينَ، تَزِيدُ ٱلشُّكْرَ لِمَجْدِ ٱللّٰهِ (2كورنثوس 4: 7 - 15).

يمتلك خادم المسيح الأمين كنزاً هو نور معرفة مجد الله، لكن هذا الكنز يكون في آنية من خزف. وكأن بولس يقول: «وما نحن إلا آنية من خزف تحمل هذا الكنز، ليظهر أن تلك القدرة الفائقة هي من الله لا منّا». فجسد الرسول ضعيف. وكما كان القدماء يخبئون كنوزهم من ذهب وجواهر في أوان من خزف، هكذا أودع الله كنوزه في صدور البشر من المؤمنين به الذين يخدمونه. وربما كان بولس يفكر في الأواني الخزفية التي وضع فيها رجال جدعون المصابيح. وعندما انكسرت الأواني ظهر النور واضحاً (قضاة 7). وعندما يتحمّل المؤمنون الآلام من أجل المسيح في جسدهم، فإن نور محبة الله سيشرق من حياتهم. وهكذا تظهر قوة الإنجيل المجيدة من الله لا من البشر.

ويمضي الرسول فيقول إن هذه القوة الإلهية التي تحل عليه تجعل الضيق يشتد عليه من كل جانب، ولكنه لا ينسحق. يحار في أمره ولكنه لا ييأس. يضطهده الناس ولكن الله لا يتخلى عنه. يسقط في الصراع ولكنه لا يهلك. يحمل في جسده كل حين آلام موت يسوع لتظهر حياة يسوع في جسد هذا المتألم من أجل المسيح.

هذه الأواني الخزفية ضعيفة ولكن قوة الله تسندها. ويصّور بولس نفسه كجندي يمرُّ بأصعب المعارك، ولكن نعمة الله تنقذه. وهو يشرح أنواع المعارك التي جاز فيها. فهو مُحاصَر تحت ضغوط، يُطرَد من حقل خدمته، يضربه سيف عدوه، يكاد يصل الى الموت، ولكن في كل مرة ينقذه صديق غير منظور.

كان بولس وأصحابه دوماً في خطر من أن يقتلهم أعداؤهم، ولكن الرب في كل مرة نجَّاهم لتستمر شهادتهم للرب (أعمال 23: 11). ويقول الرسول إن الموت يعمل فيه حتى تعمل الحياة في غيره من أمثال أهل كورنثوس الذين يقدم لهم رسالة الإنجيل. وهو مستعد أن يتألم من أجل نشر الإنجيل، وهو يمرُّ في ذات الاختبار الذي مرَّ به صاحب مزمور 116 عندما قال في الآية العاشرة التي اقتبسها الرسول هنا «آمنتُ لذلك تكلمت». إنه يثق تماماً في كل كلمة يقولها، ولذلك يعلنها بكل قوة. وحتى لو أن أعداءه أخذوا منه حياته وقتلوه، فإنه واثق أن الرب سوف يقيمه من بين الأموات كما قام المسيح. وسوف يجئ اليوم الذي يكون فيه بولس وجميع المؤمنين عروس المسيح التي تُحضَر إليه في مجده، بعد أن تكون قد تطهرت بالآلام والاضطهادات. وبولس يحتمل كل الألم من أجل الذين يؤمنون بالمسيح عن طريقه، حتى تزيد النعمة ويزيد الشكر لله ولمجد الله.

آية للحفظ

«آمَنْتُ لِذٰلِكَ تَكَلَّمْتُ» (2كورنثوس 4: 13)

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك من كل القلب لأنك معنا. في وسط ضيقنا تنقذنا وترفعنا. نشكرك لأننا نثق أن الذي أقام المسيح من الأموات لابد أنه يقيمنا، حتى لو حل بنا الموت.

سؤال

10 - ما هو موضوع إيمان بولس الذي جعله يتكلم عنه؟

9 - رجاء خدمة الإنجيل (2كورنثوس 4: 16 - 5: 10)

16لِذٰلِكَ لا نَفْشَلُ. بَلْ وَإِنْ كَانَ إِنْسَانُنَا ٱلْخَارِجُ يَفْنَى، فَٱلدَّاخِلُ يَتَجَدَّدُ يَوْماً فَيَوْماً. 17 لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا ٱلْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيّاً. 18وَنَحْنُ غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى ٱلأَشْيَاءِ ٱلَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى ٱلَّتِي لا تُرَى. لأَنَّ ٱلَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا ٱلَّتِي لا تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ 1لأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا ٱلأَرْضِيُّ، فَلَنَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ ٱللّٰهِ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، أَبَدِيٌّ. 2فَإِنَّنَا فِي هٰذِهِ أَيْضاً نَئِنُّ مُشْتَاقِينَ إِلَى أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا مَسْكَنَنَا ٱلَّذِي مِنَ ٱلسَّمَاءِ. 3وَإِنْ كُنَّا لابِسِينَ لا نُوجَدُ عُرَاةً. 4فَإِنَّنَا نَحْنُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْخَيْمَةِ نَئِنُّ مُثْقَلِينَ، إِذْ لَسْنَا نُرِيدُ أَنْ نَخْلَعَهَا بَلْ أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا، لِكَيْ يُبْتَلَعَ ٱلْمَائِتُ مِنَ ٱلْحَيَاةِ. 5وَلٰكِنَّ ٱلَّذِي صَنَعَنَا لِهٰذَا عَيْنِهِ هُوَ ٱللّٰهُ، ٱلَّذِي أَعْطَانَا أَيْضاً عَرْبُونَ ٱلرُّوحِ. 6فَإِذاً نَحْنُ وَاثِقُونَ كُلَّ حِينٍ وَعَالِمُونَ أَنَّنَا وَنَحْنُ مُسْتَوْطِنُونَ فِي ٱلْجَسَدِ فَنَحْنُ مُتَغَرِّبُونَ عَنِ ٱلرَّبِّ. 7لأَنَّنَا بِٱلإِيمَانِ نَسْلُكُ لا بِٱلْعَيَانِ. 8فَنَثِقُ وَنُسَرُّ بِٱلأَوْلَى أَنْ نَتَغَرَّبَ عَنِ ٱلْجَسَدِ وَنَسْتَوْطِنَ عِنْدَ ٱلرَّبِّ. 9 لِذٰلِكَ نَحْتَرِصُ أَيْضاً مُسْتَوْطِنِينَ كُنَّا أَوْ مُتَغَرِّبِينَ أَنْ نَكُونَ مَرْضِيِّينَ عِنْدَهُ. 10 لأَنَّهُ لا بُدَّ أَنَّنَا جَمِيعاً نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ ٱلْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِٱلْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْراً كَانَ أَمْ شَرّاً (2كورنثوس 4: 16 - 5: 10).

لما كنا نعلم أن الله معنا يباركنا وينقذنا فإننا لا نفشل ولا تضعف عزائمنا. فمع أن الإنسان الظاهر - الذي هو جسدنا - يضعف ثم يفنى، الا أن إنساننا الباطن (الذي هو النفس) يستمر ويبقى، لأننا كلما نسير مع الرب يوماً بعد يوم نتجدد وتزداد نفوسنا نجاحاً، ونرى أن ضيقتنا الحاضرة خفيفة ومؤقتة، إنْ نحن قارناها بما ننتظره من ثقل مجد أبدي لا ينتهي. ولقد صّور الرسول بولس خفة ضيقتنا الوقتية في 2كورنثوس 11: 23 - 29 ، ولكنه يعلم أن نتيجة هذه الضيقات الوقتية الخفيفة ثقل مجد أبدي لا ينتهي. ونستطيع أن نرى ثقل المجد الأبدي عندما نحّوِل أنظارنا عن الأشياء التي تُرى لنرفعها الى الأشياء التي لا تُرى، فننتقل من التركيز على الماديات إلى رؤية الروحيات، لأن الماديات وقتية أما الروحيات فهي أبدية.

وما هي الروحيات الأبدية؟ الإجابة: المسيح المخلص - الله الآب - الروح القدس - السماء - المحبة - الحياة الأبدية - الخلاص بالمسيح - وكثير من أمثال هذه الأبدية الباقية.

ويمضي الرسول بولس في الأصحاح الخامس ليتكلم عن خيمة الجسد التي يسكن فيها، وهي الإنسان الخارج الظاهر (الجسد). ويتطلع إلى بناءٍ من الله، بيتٍ غير مصنوع بيد، أبدي - هو الإنسان الداخل الروحي الذي يتجدد يوماً فيوماً. واضح أن الرسول يعاني من ضعفات جسدية جعلته يرى أن الإنسان الخارجي يفنى، لكنه واثق أنه حتى إذا سقطت هذه الخيمة ونُقضت بالموت فإن بناءً ينتظره، هو جسده المقام الذي سيبقى إلى الأبد. والجسد المقام لا يشبه مباني الناس المصنوعة باليد، لكنه صنعة الله. ولذلك فإن الرسول في هذا الجسد يئن كما يئن غيره من المؤمنين، يتوقعون جسد القيامة. هذا الأنين ليس شوقاً للموت، لكنه شوق لأن نلبس فوق خيمتنا مسكناً من السماء، عندما تتحول أجسادنا بغير موت وقت الاختطاف (1تسالونيكي 4: 17، 1كورنثوس 15: 51 ، 52) عندئذ تصبح أجسادنا وأرواحنا خالدة باقية. يتطلع بولس الى الجسد الممجد الذي يعطيه المسيح للمؤمنين به عندما يجئ ثانية، فإن الذهاب للوجود في حضرة المسيح من هذا العالم أفضل من البقاء في هذه الأرض (فيلبي 1: 13)، ولكن لا زال جسد المجد هو أروع الأمور على الاطلاق. وسيغيّر المسيح شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده.

كان بولس يعلم أنه سوف يموت ويمضي الى حضرة الرب، حيث ينتظر مجئ المسيح ثانية ليقيم جسده من التراب وليعطيه جسداً ممجَّداً (2تيموثاوس 4: 6).

لقد عمل الله فينا وخلصنا وأرشدنا لحياتنا المسيحية لذات الهدف الذي يكتبه بولس في هذه الآيات، وهو مستقبلنا المجيد مع الله. وسوف يحقق الله وعده لنا في المجد القادم. أما الآن فقد أعطانا الروح القدس عربوناً لهذا المجد العظيم (والعربون معناه أن بقية الثمن سوف تجئ) فقد وهبنا الله مجداً، وبقية المجد ستتبع هذا المجد الأول الذي نلناه. ولذلك فإننا نحيا في شجاعة وسعادة، ونحرص أن نُرضي الرب، سواء كنا في هذا الجسد أو سواء كنا عنده. ونحن هنا في الجسد متغرِّبون عن الرب، ولو أن الرب موجود معنا وجوداً روحياً. وعندما نموت ونترك هذا الجسد نكون في محضر الرب في السماء، ولهذا السبب نحرص على أن نرضيه، سواء أُخذنا بدون موت لنكون معه، أو متنا وانتقلنا روحياً الى محضره، حتى إذا جاء المسيح ثانية نقف أمام كرسيه بدون خوف، لينال كل واحد جزاء ما عمله وهو في الجسد (1كورنثوس 3: 11 - 15).

آية للحفظ

«لِذٰلِكَ نَحْتَرِصُ أَيْضاً مُسْتَوْطِنِينَ كُنَّا أَوْ مُتَغَرِّبِينَ أَنْ نَكُونَ مَرْضِيِّينَ عِنْدَهُ» (2كورنثوس 5: 9).

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك من أجل الرجاء الذي لنا هنا والذي لنا هناك، فإذا سلمناك حياتنا تمتعنا بمجد عظيم هنا، ونتوقع أن ننال مجداً عظيماً معك. ساعدنا لنكون مرضيين عندك، حتى إذا وقفنا أمام كرسي المسيح العادل ننال جزاء الخير الذي صنعناه.

سؤال

11 - ماذا يقصد الرسول بولس بالخيمة وبالبيت؟

10 - دوافع خدمة الإنجيل (2كورنثوس 5: 11 - 16)

11فَإِذْ نَحْنُ عَالِمُونَ مَخَافَةَ ٱلرَّبِّ نُقْنِعُ ٱلنَّاسَ. وَأَمَّا ٱللّٰهُ فَقَدْ صِرْنَا ظَاهِرِينَ لَهُ، وَأَرْجُو أَنَّنَا قَدْ صِرْنَا ظَاهِرِينَ فِي ضَمَائِرِكُمْ أَيْضاً. 12 لأَنَّنَا لَسْنَا نَمْدَحُ أَنْفُسَنَا أَيْضاً لَدَيْكُمْ، بَلْ نُعْطِيكُمْ فُرْصَةً لِلٱفْتِخَارِ مِنْ جِهَتِنَا، لِيَكُونَ لَكُمْ جَوَابٌ عَلَى ٱلَّذِينَ يَفْتَخِرُونَ بِٱلْوَجْهِ لا بِٱلْقَلْبِ. 13 لأَنَّنَا إِنْ صِرْنَا مُخْتَلِّينَ فَلِلّٰهِ، أَوْ كُنَّا عَاقِلِينَ فَلَكُمْ. 14 لأَنَّ مَحَبَّةَ ٱلْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا. إِذْ نَحْنُ نَحْسِبُ هٰذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ ٱلْجَمِيعِ. فَٱلْجَمِيعُ إِذاً مَاتُوا. 15 وَهُوَ مَاتَ لأَجْلِ ٱلْجَمِيعِ كَيْ يَعِيشَ ٱلأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لا لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَامَ. 16 إِذاً نَحْنُ مِنَ ٱلآنَ لا نَعْرِفُ أَحَداً حَسَبَ ٱلْجَسَدِ. وَإِنْ كُنَّا قَدْ عَرَفْنَا ٱلْمَسِيحَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ، لٰكِنِ ٱلآنَ لا نَعْرِفُهُ بَعْدُ (2كورنثوس 5: 11 - 16).

عندما يذكر بولس أننا لابد أن نقف أمام كرسي المسيح العادل لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع، يتذكر دافعَيْن للخدمة المسيحية الصالحة:

1 - الدافع الأول هو مخافة الله، أي احترام الرب (آيات 11- 13) فإن المؤمن الذي يحب الله لا يريد أن يُحزِنه، لكنه يريد أن يرضيه. فنحن لم نأخذ روح العبودية للخوف، بل أخذنا روح التبني الذي به نصرخ: يا أبا الآب (رومية 8: 15).

قال واحد من رجال الله إنه كان يخاف أن يَمْثُل في حضرة الله لأنه خاطئ، ولكن عندما فتح قلبه للمسيح وصار إنساناً جديداً كان يخاف الله إنما بطريقة أخرى، فقد كان يخاف أن يبتعد عن إرادة الله.

لقي الرسول بولس كثيراً من الهجوم، ولم يكن محتاجاً أن يدافع عن نفسه أمام الله، لأن الله كان يعرف دوافعه. كما أنه لم يكن محتاجاً إلى دفاع أمام أهل كورنثوس، لأنه لم يكن يطلب مدح نفسه، بل كان يريد أن يخبر بما فعل الرب معه وبواسطته. وكان يجب على أهل كورنثوس أن يفتخروا بكرازة بولس وهم يدافعون عنه أمام الذين يقاومونه، فقد افتخر مقاومو بولس بأشياء خارجية سطحية مثل الحكمة البشرية، لأنه لم يكن لهم شيء عميق ثابت يفتخرون به.

قال بعض أعداء بولس عنه إنه مختلّ العقل، مجنون. وهاجمه البعض الآخر أنه عاقل، أي أن عنده خطة في جنونه. ويقول بولس جواباً على الانتقاد الأول «إن كنا مجانين فلله». ويقول جواباً على الانتقاد الثاني «إن كنا عقلاء فمن أجلكم».

2 - الدافع الثاني لخدمة الإنجيل عند بولس هو محبة المسيح (آيات 14 - 16) يتذكر بولس محبة المسيح له، ويردّ على محبة المسيح بمحبة مشابهة تدفعه لأن يقوم بخدمة المسيح، فمحبة المسيح لنا تلهمنا بأن نحبه، فقد سبق أن مات لأجلنا فأحببناه واتحدنا به، حتى أن الجميع ماتوا فيه. إن العمل الفدائي الذي قام به المسيح يشمل الجميع، ولو أن المؤمنين وحدهم هم الذين يتمتعون ببركاته. عندما مات المسيح تحمَّل عقوبة الخطية حتى ننال نحن الحياة الجديدة، ونحن الذين آمنا به اتحدنا معه في موته كما نتحد معه أيضاً في قيامته، فنحن لا نحيا للذات لكننا نحيا للمسيح. أما الآن فإننا لا نعرف أحداً حسب الجسد، وننظر إلى العالم نظرة مختلفة عن نظرة غير المؤمنين، الذين ينظرون إلى الناس ليقيمّوهم بعظمتهم وغناهم ومقدراتهم، وينظرون إلى بعض الناس نظرة تحقير لأنهم فقراء أو جهال أو أغبياء أو أصحاب مواهب أقل. أما نحن فإننا عندما ننظر إلى العالم لا نرى فرقاً بين إنسان وإنسان، لأننا نرى الجميع خطاةً مات المسيح لأجلهم، ونرى البشر جميعاً أغنياء وفقراء، جهالاً وحكماء، متحضِّرين وبرابرة، كثيري المواهب أو قليلي المواهب، كلهم أعّزَاء في عيني الله. وهكذا فإننا ننظر إليهم جميعاً بمحبة، ونجد أنفسنا نضحّي من أجلهم بل نموت من أجلهم إذا لزم الأمر، لنجتذبهم إلى معرفة المسيح المخلص.

ونحن لا نعرف المسيح حسب الجسد، بمعنى أننا لا ننظر إليه في حياته الأرضية التي عاشها في فلسطين منذ سنين كثيرة، لكننا ننظر إليه في مجده، إذ قام من بين الأموات وجلس عن يمين عظمة الله.

آية للحفظ

«لأَنَّ مَحَبَّةَ ٱلْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا» (2كورنثوس 5: 14).

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك من كل القلب، لأن مخافتك في قلوبنا تدفعنا أن نخدمك، ونعمل لنرضيك، لأننا نحب أن نكون في مشيئتك الصالحة. املأ قلوبنا حباً لشخصك، وساعدنا لنخدمك ونوصّل رسالة حبك للنفوس البعيدة.

سؤال

12 - في هذه الآيات، ما هو أول دافع جعل بولس يخدم المسيح؟

13 - وما هو الدافع الثاني؟

11 - طبيعة خدمة الإنجيل (2كورنثوس 5: 17 - 21)

17إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. ٱلأَشْيَاءُ ٱلْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا ٱلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً. 18 وَلٰكِنَّ ٱلْكُلَّ مِنَ ٱللّٰهِ، ٱلَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ ٱلْمُصَالَحَةِ، 19 أَيْ إِنَّ ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعاً فِينَا كَلِمَةَ ٱلْمُصَالَحَةِ. 20 إِذاً نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ ٱلْمَسِيحِ، كَأَنَّ ٱللّٰهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ ٱلْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ ٱللّٰهِ. 21 لأَنَّهُ جَعَلَ ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ ٱللّٰهِ فِيهِ (2كورنثوس 5: 17 - 21).

خدمة الإنجيل هي خدمة إحضار الضالين إلى المسيح ليجدوا فيه الحياة الجديدة. والشخص الذي صار «في المسيح» أصبح «خليقة جديدة». الأشياء العتيقة التي كان يسلك فيها تمضي وتنتهي، وتبدأ حياة جديدة. وكل هذا من الله بواسطة يسوع المسيح الذي صالحنا معه.

والمصالحة هي رجوع الأوضاع الطبيعية إلى مكانها، والله هو الذي يصالح الإنسان الضال لنفسه. إن الله لا يصطلح مع الإنسان، لأن الله لم يدخل في عداوة مطلقاً مع الإنسان، فالله دوماً يحب الإنسان ويفتش عنه، وابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلّص ما قد هلك. ولكن الإنسان هو الذي يحتاج أن يصطلح مع الله، لأنه هو الذي قطع صلته بالله وهرب منه. إن آدم يمثلنا جميعاً عندما سقط وهرب من وجه الرب، ولم يعد يأتي ليلاقيه، حتى نادى الرب عليه: «أين أنت؟» وكسا عريه وستر ذنبه. وعلى هذا فإن الله يدعو الإنسان الهارب ليرجع اليه دائماً.

بعد أن تنال صلحاً مع الله، وتصبح في علاقة سليمة معه، يمنحك الله امتيازاً وهو أن تخبر الآخرين عنه، ويعطيك «خدمة المصالحة» أي رسالة المصالحة مع الله، لأن الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه. المسيح هو أعظم من إنسان، وقال «أَنَا وَٱلآبُ وَاحِدٌ» (يوحنا 10: 30) وقال «أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي ٱلآبِ وَٱلآبَ فِيَّ؟ ٱلْكَلامُ ٱلَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي، لٰكِنَّ ٱلآبَ ٱلْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ ٱلأَعْمَالَ» (يوحنا 14: 10) ولقد كفَّر المسيح عن خطايا البشر، فصالحهم مع الله، لكي لا تُحسب عليهم خطاياهم، ولقد تمَّت هذه المصالحة للبشر جميعاً. والذين يخدمون الإنجيل هم سفراء عن المسيح يمِّثلونه في البلد التي يوجدون فيها.

هل تصالحت مع الله بواسطة المسيح؟ إذاً أنت ممثل الله وممثل للمسيح الذي عاد إلى السماء، وأنت تنادي بدلاً من المسيح قائلاً للبشر «تصالحوا مع الله». لقد أخذت العمل الذي أكمله المسيح لكي توصله الى الآخرين ليرجعوا إلى الله في علاقة سليمة.

صالح الله العالم لنفسه عندما جعل ابنه خطية لأجلنا، هذا لا يعني أن الابن صار خاطئاً، لأنه لا يعرف خطية. لكنه يعني أن المسيح على الصليب قد أخذ مكاننا وحمل خطايانا، وعمل هذا كله ليحّوِلنا نحن من خطاة أشرار إلى جماعة من الأبرار الذين وجدوا بر الله في المسيح.

كيف يمكن أن يصالح الله العالم لنفسه؟ يوضح الإنجيل أن الذبيحة البشرية لا تكفي، والتوبة الإنسانية لا تطهرنا، وأن أعمالنا الصالحة لا تتمم مطاليب الناموس. ولكن بتجسُّد ابن الله حدثت أعجوبة العجائب، وصار القول «ان الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه، غير حاسب لهم خطاياهم». هذه الآية تبيّن لنا سر مخلّصنا، لأن في الإنسان يسوع حلَّ منذ البداية كل ملء اللاهوت جسدياً، بدون أن يلاحظ الناس ذلك - إلا أتباعه، الذين رأوا مجده بالإيمان، أدركوا أن المصلوب هو إلهنا الحقيقي - مثل اللص التائب الذي صلى «اذكرني يا رب» (لوقا 23: 42).

وُلد المسيح ليموت، وحمل خطية العالم، ومحا تعدياتنا بموته، ودفع ثمن مصالحة العالم مع الله. فأنت وأنا وكل الناس مفديون، لأن الله لا يحاسبنا في الدينونة، ولن يحمل في يديه ميزاناً للأعمال الصالحة والطالحة، لأنه قد غفر خطايانا - أي أنه حصل عفو عام لكل البشر، بواسطة موته النيابي عنا على الصليب. لقد فدانا مرة واحدة. وإلى الأبد. فهل تفتح قلبك لهذه النعمة المجانية؟

آية للحفظ

«إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. ٱلأَشْيَاءُ ٱلْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا ٱلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً» (2كورنثوس 5: 17).

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك على ما فعل المسيح لأجلنا على الصليب، لأنه أوجد المصالحة معك، وأعاد الوضع الذي يجب أن يكون بيننا وبينك. أبانا أغفر لنا بُعْدَنا وتقصيرنا، وساعدنا لنجتذب الآخرين إليك بمحبة كاملة.

سؤال

14 - على أي أساس تمَّت مصالحة البشر مع الله؟

15 - كيف نصير خليقة جديدة في المسيح؟

12 - تجارب خدمة الإنجيل (2كورنثوس 6: 1 - 10)

1فَإِذْ نَحْنُ عَامِلُونَ مَعَهُ نَطْلُبُ أَنْ لا تَقْبَلُوا نِعْمَةَ ٱللّٰهِ بَاطِلاً. 2 لأَنَّهُ يَقُولُ: «فِي وَقْتٍ مَقْبُولٍ سَمِعْتُكَ، وَفِي يَوْمِ خَلاصٍ أَعَنْتُكَ». هُوَذَا ٱلآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا ٱلآنَ يَوْمُ خَلاصٍ. 3 وَلَسْنَا نَجْعَلُ عَثْرَةً فِي شَيْءٍ لِئَلا تُلامَ ٱلْخِدْمَةُ. 4 بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ نُظْهِرُ أَنْفُسَنَا كَخُدَّامِ ٱللّٰهِ، فِي صَبْرٍ كَثِيرٍ، فِي شَدَائِدَ، فِي ضَرُورَاتٍ، فِي ضِيقَاتٍ، 5 فِي ضَرَبَاتٍ، فِي سُجُونٍ، فِي ٱضْطِرَابَاتٍ، فِي أَتْعَابٍ، فِي أَسْهَارٍ، فِي أَصْوَامٍ، 6 فِي طَهَارَةٍ، فِي عِلْمٍ، فِي أَنَاةٍ، فِي لُطْفٍ، فِي ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، فِي مَحَبَّةٍ بِلا رِيَاءٍ، 7 فِي كَلامِ ٱلْحَقِّ، فِي قُّوَةِ ٱللّٰهِ بِسِلاحِ ٱلْبِرِّ لِلْيَمِينِ وَلِلْيَسَارِ. 8 بِمَجْدٍ وَهَوَانٍ. بِصِيتٍ رَدِيءٍ وَصِيتٍ حَسَنٍ. كَمُضِلِّينَ وَنَحْنُ صَادِقُونَ. 9 كَمَجْهُولِينَ وَنَحْنُ مَعْرُوفُونَ. كَمَائِتِينَ وَهَا نَحْنُ نَحْيَا. كَمُؤَدَّبِينَ وَنَحْنُ غَيْرُ مَقْتُولِينَ. 10 كَحَزَانَى وَنَحْنُ دَائِماً فَرِحُونَ. كَفُقَرَاءَ وَنَحْنُ نُغْنِي كَثِيرِينَ. كَأَنْ لا شَيْءَ لَنَا وَنَحْنُ نَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ (2كورنثوس 6: 1 - 10).

في هذا الجزء نجد ثلاثة أقسام:

  1. في الآيات 1 - 5 يوضح الرسول بولس التجارب التي تصيب سفراء المسيح، والتي يجب أن يحتملوها. فهؤلاء السفراء «عاملون معه» في المناداة بالإنجيل، وفي حث الناس على قبول خلاص المسيح. لقد قال بولس عن نفسه وعن أبلوس إنهما عاملان مع الله (1كور 3: 9) وهذا يعني أن الله يعمل بالمؤمنين به ليخلص العالم بالمسيح، لا لأن الله محتاج إلى مساعدة البشر، لكن لأنه يعطيهم أن يشتركوا في شرف الخدمة.

    ويعمل خدام المسيح على أن يكون قبول المؤمنين لنعمة الله ليس باطلاً، حتى يقبلوا النعمة بطريقة صائبة، ويقبلوا الإنجيل الذي أعلنه بولس، ويعيشوا حياةً تُظهِر أنهم قبلوا نعمة الله في المسيح، وأن محبة المسيح تحصرهم. ويقتبس الرسول كلمات جاءت في إشعياء 49: 8 «في وقت مقبول سمعتك، وفي يوم خلاص أعنتك». ويقول الرسول إن هذا الوقت المقبول قد جاء «هوذا الآن وقت مقبول. هوذا الآن يوم خلاص». حل الوقت الذي تحقَّقت فيه النبّوة. وعلى الذين يخدمون الله أن لا يضعوا عثرة تُعثِر الناس حتى لا تُلام خدمتهم للمسيح.

    ثم يوضح الرسول ما نفحص به الخدمة الحقيقية للخادم:

    هل هو صبور؟ «في صبر كثير» - فعندما تواجهه الضرورات والضيقات، أو عندما تلاقيه الضربات والسجون والاضطرابات والأتعاب والأسهار والأصوام، هل يحتمل هذه كلها في سبيل خدمة المسيح؟

  2. ويمضي الرسول ليذكر بعض الصفات التي تميّز الخادم الحقيقي (آيتا 6 ، 7). هل هو طاهر؟ هل هو عالم بكلمة الله؟ هل هو طويل الأناة، صبور في مواجهة المواقف المؤلمة؟ هل هو لطيف يساعد الآخرين ليجدوا سلامهم النفسي؟ هل هو في الروح القدس ممتلئ بقوته؟ هل هو في محبة بلا رياء؟ يحب من كل قلبه بدون تظاهر؟ هل يقول كلمة الحق التي أُعلنت في الإنجيل؟ هل هو في قوة الله وليس في قوة نفسه أو قوة الإقناع العقلي؟ هل يلبس سلاح البر حتى يحمي نفسه من الهجوم الذي يجئ عليه من اليمين ويجئ عليه من اليسار؟ وهل يمسك في يمينه سيف الروح ويمسك بيده اليسرى ترس الإيمان الذي يستطيع به أن يطفئ جميع سهام الشرير الملتهبة؟ (أفسس 6: 16 ، 17).

  3. أما في الآيات 8 - 10 فإن الرسول بولس يقدّم مجموعة من الصفات التي تبدو متناقضة في الظاهر، لكنها جميعاً ليست متناقضة بل مطلوبة في خادم المسيح الحقيقي. فهو يلْقَى أحياناً الكرامة وفي أحيان أخرى يلقى الهوان. أحياناً تكون سمعته حسنة وأحياناً يسيء الناس إلى سمعته. يصدّقه بعض الناس بينما يعتبره البعض الآخر كاذباً. مجهول عند بعض الناس ومعروف عند البعض الآخر. يحسبه البعض ميتاً لا حياة فيه، بينما يجده آخرون مليئاً بحياة المسيح. كثيراً ما يصل به الحال قريباً إلى الموت ولكنه يبقى حياً. يحزن بسبب تجارب ومتاعب كثيرة، ولكن فرح الله يملأ قلبه. لا يملك كثيراً من أمور هذه الدنيا، ولكن عنده كنزاً من النعمة يُغني كثيراً من الناس. يبدو أنْ لا شيء عنده من الثروة، لكنه يملك كل شيء، لأنه يملك الثروة الحقيقية.

آية للحفظ

«هُوَذَا ٱلآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا ٱلآنَ يَوْمُ خَلاصٍ» (2كورنثوس 6: 2).

صلاة

أبانا السماوي، لا نستحق أن نُدعَى لك أولاداً ولا خداماً، لكنك رحمتنا وفتحت لنا باباً واسعاً للسماء والعالم. نشكرك لأجل هذه النعمة، ونسبحك لأنك تخلص اليوم ألوفاً من طالبيك. لا تدخلنا في تجربة واحفظنا في الإيمان لنمجدك في كل لحظة من حياتنا، شهداء وشهوداً لمحبتك العظيمة.

سؤال

16 - اذكر بعض الصفات اللازمة في خادم الله الأمين؟

17 - ما معنى «كفقراء ونحن نغني كثيرين»؟

13 - دعوة للإنفصال (2كورنثوس 6: 11 - 7: 1)

11فَمُنَا مَفْتُوحٌ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلْكُورِنْثِيُّونَ. قَلْبُنَا مُتَّسِعٌ. 12 لَسْتُمْ مُتَضَيِّقِينَ فِينَا بَلْ مُتَضَيِّقِينَ فِي أَحْشَائِكُمْ. 13 فَجَزَاءً لِذٰلِكَ أَقُولُ كَمَا لأَوْلادِي: كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً مُتَّسِعِينَ! 14 لا تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ، لأَنَّهُ أَيَّةُ خِلْطَةٍ لِلْبِرِّ وَٱلإِثْمِ؟ وَأَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ ٱلظُّلْمَةِ؟ 15 وَأَيُّ ٱتِّفَاقٍ لِلْمَسِيحِ مَعَ بَلِيعَالَ؟ وَأَيُّ نَصِيبٍ لِلْمُؤْمِنِ مَعَ غَيْرِ ٱلْمُؤْمِنِ؟ 16 وَأَيَّةُ مُوَافَقَةٍ لِهَيْكَلِ ٱللّٰهِ مَعَ ٱلأَوْثَانِ؟ فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ هَيْكَلُ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ، كَمَا قَالَ ٱللّٰهُ: «إِنِّي سَأَسْكُنُ فِيهِمْ وَأَسِيرُ بَيْنَهُمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلٰهاً وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْباً. 17 لِذٰلِكَ ٱخْرُجُوا مِنْ وَسَطِهِمْ وَٱعْتَزِلُوا، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. وَلا تَمَسُّوا نَجِساً فَأَقْبَلَكُمْ، 18 وَأَكُونَ لَكُمْ أَباً وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي بَنِينَ وَبَنَاتٍ» يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.

(ص 7: 1) فَإِذْ لَنَا هٰذِهِ ٱلْمَوَاعِيدُ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ لِنُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا مِنْ كُلِّ دَنَسِ ٱلْجَسَدِ وَٱلرُّوحِ، مُكَمِّلِينَ ٱلْقَدَاسَةَ فِي خَوْفِ ٱللّٰهِ (2كورنثوس 6: 11 - 7: 1).

قبل أن يطلب الرسول بولس من مؤمني كورنثوس أن ينفصلوا عن العالم، يعبّر لهم عن حبه الشديد. إن قلبه وفمه مفتوح لهم، فهو يكتب إليهم، وهو يحفظهم في قلبه. فإن كان هناك ما يمنع وصول حبه إليهم فليس العيب فيه. وهو يطلب منهم أن يوسِّعوا قلوبهم ليدركوا محبته، وكأنه يقول لهم «عاملونا بمثل ما نعاملكم، وافتحوا أنتم أيضاً قلوبكم لنا، كما فتحنا نحن قلوبنا لكم».

يقدم الرسول بولس لأهل كورنثوس سبباً من أسباب ضعفهم الروحي، وهو اختلاطهم بغير المؤمنين، فإنهم كانوا معهم تحت نير واحد. ولعله يقتبس ما جاء في التثنية 22: 10 حيث يقول الله «لا تحرث على ثور وحمار معاً». لقد كانوا يستعملون الثور والحمار في حمل نير المحراث، ولكن لما كان حجمهما مختلفاً، وقوتهما مختلفة، فلم يكن من المناسب أن يضعوا الثور والحمار معاً تحت نير المحراث الواحد، فهذا ظلم كبير لكليهما. وليس المقصود هنا أن المؤمنين يقاطعون غير المؤمنين تماماً، وإلا فيلزمهم أن يخرجوا من العالم (1كورنثوس 5: 9 ، 10) وقد قال بولس إنه إنْ دعاكم شخص غير مؤمن لوليمة وتريدون أن تذهبوا، فكلُّ ما يُقدَّم لكم كُلُوا منه غير فاحصين من أجل الضمير (1كور 10: 27). على أن الرسول يحذر من انضمام المؤمنين إلى غير المؤمنين في أهداف الحياة أو في الصفات. وهو يقصد أنه لا يجب أن المؤمن يتزوج من غير المؤمن، كما لا يجب أن ينضم المؤمن إلى غير المؤمنين في صداقة عميقة، فإن مثل هذه الصداقة العميقة - وإن بدت بريئة - إلا أنها ستؤذي حياة المؤمن أذى كبيراً، فالمعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة (1كورنثوس 15: 33).

ويسأل الرسول خمسة أسئلة توضح ضرورة انفصال المؤمن الروحي عن غير المؤمنين، وبعد ذلك يقدم بعض الوعود المباركة التي يقدمها الله للذين ينفصلون عن غير المؤمنين من أجله.

والأسئلة الخمسة ترينا أشياء مختلفة: ففي جانب نرى البرَّ والنور والمسيح والإيمان وهيكل الله، وفي الجانب الآخر نرى الإثم والظلمة وبليعال وغير المؤمن والأوثان. والمقصود ببليعال إبليس. ما أكبر التناقض بين هاتين القائمتين، لا يمكن أن نجمع بين الاستقامة والعَوَج، النور والظلمة، المسيح وإبليس. ان الذي يحاول أن يجمع بين الاثنين يشبه من يحاول الجمع بين النار والماء، ولا يسبب لنفسه إلا العذاب والمتاعب. إن المؤمنين بالمسيح هياكل روحية، يسكن الله في وسطهم، ويسير بينهم كما كان المسيح يتمشى وسط المنائر السبع، ولذلك فإنهم يجب أن ينفصلوا عن العالم الشرير ليتمتعوا ببركة حضور الله في وسطهم... كمؤمنين بالمسيح يجب أن نكون في العالم، دون أن نكون من العالم. وعلينا أن نبتعد عن الأشياء التي تلّوِثنا في هذا العالم، فإذا أخذنا هذا الموقف فإننا نكون فعلاً أبناء الآب، ويظهر لجميع الناس من عملنا أننا أبناء الله وبناته. وما دام الله قد وهبنا كل هذه المواعيد فإننا يجب أن نطهّر أنفسنا من كل ما يدنس الجسد والروح، وعلينا أن نسعى إلى القداسة الكاملة في مخافة الله.

آية للحفظ

«لا تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ» (2كورنثوس 6: 14).

صلاة

إلهنا القدوس وأبانا المحب، ساعدنا لننفصل عن الشر ونبتعد عن الخطية لأننا أبناؤك. متِّعنا بهذه البنّوَة وأعطنا بركاتها.

سؤال

18 - اذكر سؤالين من الأسئلة الخمسة التي يثيرها الرسول لكي تبعدنا عن الاختلاط بالعالم.

14 - فرح الرسول بسلوك أهل كورنثوس (2كورنثوس 7: 2 - 16)

2اِقْبَلُونَا. لَمْ نَظْلِمْ أَحَداً. لَمْ نُفْسِدْ أَحَداً. لَمْ نَطْمَعْ فِي أَحَدٍ. 3لا أَقُولُ هٰذَا لأَجْلِ دَيْنُونَةٍ، لأَنِّي قَدْ قُلْتُ سَابِقاً إِنَّكُمْ فِي قُلُوبِنَا لِنَمُوتَ مَعَكُمْ وَنَعِيشَ مَعَكُمْ. 4 لِي ثِقَةٌ كَثِيرَةٌ بِكُمْ. لِي ٱفْتِخَارٌ كَثِيرٌ مِنْ جِهَتِكُمْ. قَدِ ٱمْتَلأْتُ تَعْزِيَةً وَٱزْدَدْتُ فَرَحاً جِدّاً فِي جَمِيعِ ضِيقَاتِنَا. 5 لأَنَّنَا لَمَّا أَتَيْنَا إِلَى مَكِدُونِيَّةَ لَمْ يَكُنْ لِجَسَدِنَا شَيْءٌ مِنَ ٱلرَّاحَةِ بَلْ كُنَّا مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ. مِنْ خَارِجٍ خُصُومَاتٌ. مِنْ دَاخِلٍ مَخَاوِفُ. 6 لٰكِنَّ ٱللّٰهَ ٱلَّذِي يُعَّزِي ٱلْمُتَّضِعِينَ عَّزَانَا بِمَجِيءِ تِيطُسَ. 7 وَلَيْسَ بِمَجِيئِهِ فَقَطْ بَلْ أَيْضاً بِٱلتَّعْزِيَةِ ٱلَّتِي تَعَّزَى بِهَا بِسَبَبِكُمْ وَهُوَ يُخْبِرُنَا بِشَوْقِكُمْ وَنَوْحِكُمْ وَغَيْرَتِكُمْ لأَجْلِي، حَتَّى إِنِّي فَرِحْتُ أَكْثَرَ. 8 لأَنِّي وَإِنْ كُنْتُ قَدْ أَحْزَنْتُكُمْ بِٱلرِّسَالَةِ لَسْتُ أَنْدَمُ، مَعَ أَنِّي نَدِمْتُ. فَإِنِّي أَرَى أَنَّ تِلْكَ ٱلرِّسَالَةَ أَحْزَنَتْكُمْ وَلَوْ إِلَى سَاعَةٍ. 9 اَلآنَ أَنَا أَفْرَحُ، لا لأَنَّكُمْ حَزِنْتُمْ، بَلْ لأَنَّكُمْ حَزِنْتُمْ لِلتَّوْبَةِ. لأَنَّكُمْ حَزِنْتُمْ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ ٱللّٰهِ لِكَيْ لا تَتَخَسَّرُوا مِنَّا فِي شَيْءٍ. 10 لأَنَّ ٱلْحُزْنَ ٱلَّذِي بِحَسَبِ مَشِيئَةِ ٱللّٰهِ يُنْشِئُ تَوْبَةً لِخَلاصٍ بِلا نَدَامَةٍ، وَأَمَّا حُزْنُ ٱلْعَالَمِ فَيُنْشِئُ مَوْتاً. 11 فَإِنَّهُ هُوَذَا حُزْنُكُمْ هٰذَا عَيْنُهُ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ ٱللّٰهِ، كَمْ أَنْشَأَ فِيكُمْ مِنَ ٱلاجْتِهَادِ، بَلْ مِنَ ٱلاحْتِجَاجِ، بَلْ مِنَ ٱلْغَيْظِ، بَلْ مِنَ ٱلْخَوْفِ، بَلْ مِنَ ٱلشَّوْقِ، بَلْ مِنَ ٱلْغَيْرَةِ، بَلْ مِنَ ٱلٱنْتِقَامِ. فِي كُلِّ شَيْءٍ أَظْهَرْتُمْ أَنْفُسَكُمْ أَنَّكُمْ أَبْرِيَاءُ فِي هٰذَا ٱلأَمْرِ. 12 إِذاً وَإِنْ كُنْتُ قَدْ كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ، فَلَيْسَ لأَجْلِ ٱلْمُذْنِبِ وَلا لأَجْلِ ٱلْمُذْنَبِ إِلَيْهِ، بَلْ لِكَيْ يَظْهَرَ لَكُمْ أَمَامَ ٱللّٰهِ ٱجْتِهَادُنَا لأَجْلِكُمْ. 13 مِنْ أَجْلِ هٰذَا قَدْ تَعَّزَيْنَا بِتَعْزِيَتِكُمْ. وَلٰكِنْ فَرِحْنَا أَكْثَرَ جِدّاً بِسَبَبِ فَرَحِ تِيطُسَ، لأَنَّ رُوحَهُ قَدِ ٱسْتَرَاحَتْ بِكُمْ جَمِيعاً. 14 فَإِنِّي إِنْ كُنْتُ ٱفْتَخَرْتُ شَيْئاً لَدَيْهِ مِنْ جِهَتِكُمْ لَمْ أُخْجَلْ، بَلْ كَمَا كَلَّمْنَاكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ بِٱلصِّدْقِ، كَذٰلِكَ ٱفْتِخَارُنَا أَيْضاً لَدَى تِيطُسَ صَارَ صَادِقاً. 15 وَأَحْشَاؤُهُ هِيَ نَحْوَكُمْ بِٱلّزِيَادَةِ، مُتَذَكِّراً طَاعَةَ جَمِيعِكُمْ، كَيْفَ قَبِلْتُمُوهُ بِخَوْفٍ وَرَِعْدَةٍ. 16 أَنَا أَفْرَحُ إِذاً أَنِّي أَثِقُ بِكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ (2كورنثوس 7: 2 - 16).

في هذا الأصحاح نجد أربعة أقسام:

  1. في الآيات 2 - 4 يطلب الرسول من أهل كورنثوس أن يفسحوا له مكاناً في قلوبهم لأنه يحبهم، وهو مستعد أن يحيا معهم ويموت معهم. هم فخره وفرحه. وهذه هي صورة خدمة الإنجيل كما يجب أن تكون.

  2. وفي الآيات 5 - 8 تحدث الرسول عن نفسه، وذكر متاعبه ومحاكمته في مكدونية، وقال كيف أنه وجد عزاءه عندما جاءه تيطس يحمل تقريراً سعيداً عما يجري في كورنثوس. وقد ملأ هذا التقرير نفس الرسول بالفرح، لأنه عرف أن الرسالة الأولى التي أرسلها اليهم أثمرت فيهم ثمراً مباركاً - مع أنها أحزنتهم.

  3. وفي الآيات 9 - 12 يقول الرسول بولس إنه سعيد أنهم حزنوا، لأن هذا يعني توبتهم عن أخطائهم وتصحيحهم لعيوبهم. فالحزن المقدس بحسب مشيئة الله ينتج توبة، أما الحزن الذي ينشئه العالم فهو سبب الموت. لقد كان حزنهم بسبب توبيخ الرسول لهم حزناً مباركاً نافعاً.

    أظهر أهل كورنثوس حباً للخير ورغبة في عمل مشيئة الله، وأظهروا في سبيل ذلك كل حماسة وغيرة. ويوضح الرسول أن هدفه الأول ليس معاقبة المذنب لكن توبته، وعلى الكنيسة أن تُظهر محبة كاملة من نحو الشخص الذي أخطأ وتاب. كان وجود الزاني في وسط الكنيسة خطراً على الكنيسة كلها، لأن خميرة صغيرة تُخمّر العجين كله (1كور 5: 6). أما الآن وقد تاب فإنه سيكون بركة للمؤمنين جميعاً، وعليهم هم أيضاً أن يكونوا بركة له، بأن يقدموا له المحبة.

    لقد حزنوا على المخطئ، وأدّى بهم ذلك إلى الاعتذار والاستنكار والخوف والغيرة والعقاب، الأمر الذي برهن على أنهم أبرياء من كل ما حدث، وها هم يجدونه تاب، فعليهم أن يؤكّدوا له المحبة.

  4. ويختم بولس هذا الجزء بآيات 13 - 16 بقوله إن قلبه استراح بتصرف أهل كورنثوس. كان قد قال لتيطس إن أهل كورنثوس طيبو القلوب، يحبّون أن ينفذوا مشيئة الله في كنيستهم، وكان ذلك كلام فخره عنهم لتيطس. وكم كان سروره عظيماً عندما عاد تيطس ليقول إن فخره بأهل كورنثوس كان فخراً في محله. والرسول بفرح يقول إنه يثق فيهم في كل شيء.

آية للحفظ

«ٱلْحُزْنَ ٱلَّذِي بِحَسَبِ مَشِيئَةِ ٱللّٰهِ يُنْشِئُ تَوْبَةً لِخَلاصٍ بِلا نَدَامَةٍ» (2كورنثوس 7: 10).

صلاة

أبانا السماوي، أعطنا أن نفرح ونحن نسمع عن تقدم الإنجيل وعن نجاح الكنائس. ساعدنا لنكون ناجحين، ولنفرح بنجاح الآخرين حيثما نجده وحيثما يكون، في كنيستنا وطائفتنا أو في كنائس وطوائف أخرى.

سؤال

19 - ما هو الحزن النافع للإنسان؟

20 - ماذا كان تقرير تيطس لبولس عن كنيسة كورنثوس؟

المسابقة الأولى في دراسة رسالة كورنثوس الثانية

أيها القارئ العزيز

إنْ تعمقتَ في دراسة الكتاب المقدس وتفسيره تستطيع أن تجاوب بسهولة على الأسئلة الموجودة في نهاية كل جزء من أجزاء الرسالة.

إن جاوبت إجابة صحيحة على 15 سؤالاً من الأسئلة العشرين، نرسل لك كتاباً جائزة.

  1. كيف يعزي الله المؤمنين؟

  2. اذكر آية عن الضمير الصالح.

  3. لماذا أجّل بولس زيارته لأهل كورنثوس؟

  4. اذكر فكرة واحدة من الأفكار التي يهاجمنا الشيطان بها.

  5. ما معنى موكب انتصار المسيح؟

  6. كيف يكون كل مؤمن رسالة المسيح في محيطه؟

  7. لماذا تقول إن الخدمة في العهد الجديد أمجد من الخدمة في العهد القديم؟

  8. لماذا كان موسى يغطّي وجهه ببرقع؟ (راجع 2كورنثوس 3: 13).

  9. لماذا لا يدرك كثيرون جوهر المسيح؟

  10. ما هو موضوع إيمان بولس الذي جعله يتكلم عنه؟

  11. ماذا يقصد بولس بالخيمة وبالبيت؟

  12. في هذه الآيات، ما هو أول دافع جعل بولس يخدم المسيح؟

  13. وما هو الدافع الثاني؟

  14. على أي أساس تمَّت مصالحة البشر مع الله؟

  15. كيف نصير خليقة جديدة في المسيح؟

  16. اذكر بعض الصفات اللازمة في خادم الله الأمين.

  17. ما معنى «كفقراء ونحن نغني كثيرين»؟

  18. اذكر سؤالين من الأسئلة الخمسة التي يثيرها الرسول لكي تبعدنا عن الاختلاط بالعالم.

  19. ما هو الحزن النافع للإنسان؟

  20. ماذا كان تقرير تيطس لبولس عن كنيسة كورنثوس؟

أرسل اجاباتك لنا بخط واضح، ولا تنس أن تكتب عنوانك كاملاً وبوضوح. أرسل الإجابة فقط، بدون تعليقات أخرى، لئلا تُهمَل. ونحن بانتظار اجاباتك.

عنواننا:


Call of Hope
P.O.Box 100827 
D-70007 
Stuttgart 
Germany

الجزء الثاني: خدمة العطاء (أصحاحا 8 ، 9)

  1. مثلٌ طيب من أهل مكدونية (8: 1 - 6)

  2. مثلٌ أعظم من المسيح (8: 7 - 9)

  3. نصائح عن العطاء (8: 10 - 9: 5)

  4. نتائج حلوة للعطاء (9: 6 - 15)

1 - مثل طيب من أهل مكدونية (2كورنثوس 8: 1 - 6)

1ثُمَّ نُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ نِعْمَةَ ٱللّٰهِ ٱلْمُعْطَاةَ فِي كَنَائِسِ مَكِدُونِيَّةَ، 2 أَنَّهُ فِي ٱخْتِبَارِ ضِيقَةٍ شَدِيدَةٍ فَاضَ وُفُورُ فَرَحِهِمْ وَفَقْرِهِمِ ٱلْعَمِيقِ لِغِنَى سَخَائِهِمْ، 3 لأَنَّهُمْ أَعْطَوْا حَسَبَ ٱلطَّاقَةِ، أَنَا أَشْهَدُ، وَفَوْقَ ٱلطَّاقَةِ، مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، 4 مُلْتَمِسِينَ مِنَّا، بِطِلْبَةٍ كَثِيرَةٍ، أَنْ نَقْبَلَ ٱلنِّعْمَةَ وَشَرِكَةَ ٱلْخِدْمَةِ ٱلَّتِي لِلْقِدِّيسِينَ. 5 وَلَيْسَ كَمَا رَجَوْنَا، بَلْ أَعْطَوْا أَنْفُسَهُمْ أَّوَلاً لِلرَّبِّ، وَلَنَا، بِمَشِيئَةِ ٱللّٰهِ. 6 حَتَّى إِنَّنَا طَلَبْنَا مِنْ تِيطُسَ أَنَّهُ كَمَا سَبَقَ فَٱبْتَدَأَ، كَذٰلِكَ يُتَمِّمُ لَكُمْ هٰذِهِ ٱلنِّعْمَةَ أَيْضاً (2كورنثوس 8: 1 - 6).

في الأصحاح الأخير من رسالة كورنثوس الأولى قدم الرسول بعض النصائح عن الجمع لفقراء كنيسة أورشليم. وكان أهل كورنثوس يجمعون التبرعات لتلك الكنيسة.

وفي أصحاحي 8 ، 9 من هذه الرسالة يقدم الرسول نصائح أخرى بشأن العطاء. ومع أن الرسول عالج في هذه الآيات حالة حدثت في كورنثوس منذ زمن طويل، إلا أن ما قاله هنا من مبادئ باقٍ حتى اليوم. فتلك المبادئ التي كانت نافعة لكورنثوس لا زالت تنفعنا اليوم.

ولو أن المسيحيين اليوم عرفوا هذه المبادئ واستناروا بهُداها، فإنهم لن يحتاجوا إلى قوانين جديدة للجمعيات الخيرية، أو إلى حضٍّ على تنظيمات إدارية للجَمع.

عندما كتب بولس رسالة كورنثوس الثانية كان في مكدونية، ولذلك يبدأ الحديث في خدمة العطاء بأن يذكر مثلاً من أهل مكدونية الذين كانوا كرماء كثيراً في المال. لقد منح الله نعمة كبيرة للمسيحيين في مكدونية (الجزء الشمالي من اليونان) مع أنهم كانوا يعانون من متاعب كثيرة. فمع أنهم كانوا فقراء ومضطهدين إلا أنهم كانوا في قمة الفرح. ومن هذا الاختبار كان سخاؤهم العظيم. لقد أعطوا ليس فقط بقدر ما يستطيعون، لكن بأكثر مما كانوا يستطيعون، وأعطوا برغبتهم الشخصية دون أن يكون هناك أي ضغط عليهم.

ويبدو أن بولس الرسول لم يقترح على أهل مكدونية أن يجمعوا لفقراء كنيسة أورشليم، لكنهم هم من أنفسهم وهم يشعرون بضغط الاحتياج الشديد في أورشليم بدأوا يجمعون. وأكثر من ذلك أنهم توسلوا للرسول بولس أن يقبل عطاءهم. أما السر فهو أنهم كانوا قد قدّموا نفوسهم أولاً للرب، ونتيجة تقديم النفس للرب، أمكن أن يقدموا الأموال للمحتاجين، فقدموا المعونة لبولس في خدمته. ويبدو أن المعونة الحبّية التي قدمها أهل مكدونية لبولس (خصوصاً كنيسة فيلبي) جعلت الرسول يرسل تيطس إلى كورنثوس مرة ثانية ليشجعهم على خدمة العطاء.

ونرى أربعة أوصاف لعطاء أهل مكدونية:

  1. إنه عطاء من الأعواز

  2. إنه عطاء بمحض الإرادة

  3. إنه عطاء برجاء وتوسُّل للرسول أن يقبله!

  4. إنه عطاء أكثر من المنتظر

عزيزي القارئ، كم تقدّم في صندوق عطايا كنيستك؟ ما مقدار ما تعطيه لله بالنسبة لما تنفقه على نفسك وعلى طعامك وملابسك؟ هل تحب الله؟ امتحن عطاياك، فإن عطاياك تُظهر إنْ كنتَ قد تحررت من محبة العالم، أو إن كنت ما زلت مستعبداً لمحبة العالم. إنْ أنت سلمت قلبك لله فسوف تستطيع أن تعطي للرب بسخاء.

آية للحفظ

«أَعْطَوْا أَنْفُسَهُمْ أَّوَلاً لِلرَّبِّ، وَلَنَا، بِمَشِيئَةِ ٱللّٰهِ» (2كورنثوس 8: 5).

صلاة

يا الهنا العظيم، لقد خلقت كل شيء، فأنت مالكه. ساعدنا لكي لا نكون لصوصاً أنانيين، نأخذ خيراتك لأنفسنا دون أن نشارك فيها الآخرين، بل ساعدنا لنضع ما لنا وكل ما عندنا تحت تصرفك. اغفر لنا قلقنا على مستقبلنا، واغفر لنا بُخْلنا، وأملأنا بملء فرحك لأنك أنت معنا.

سؤال

1 - كيف صارت كنائس مكدونية قدوة لنا في التضحية؟

2 - مَثَلٌ أعظم من المسيح (2كورنثوس 8: 7 - 9)

7لٰكِنْ كَمَا تَزْدَادُونَ فِي كُلِّ شَيْءٍ: فِي ٱلإِيمَانِ وَٱلْكَلامِ وَٱلْعِلْمِ وَكُلِّ ٱجْتِهَادٍ وَمَحَبَّتِكُمْ لَنَا، لَيْتَكُمْ تَزْدَادُونَ فِي هٰذِهِ ٱلنِّعْمَةِ أَيْضاً. 8 لَسْتُ أَقُولُ عَلَى سَبِيلِ ٱلأَمْرِ، بَلْ بِٱجْتِهَادِ آخَرِينَ، مُخْتَبِراً إِخْلاصَ مَحَبَّتِكُمْ أَيْضاً. 9 فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ ٱفْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ (2كورنثوس 8: 7 - 9).

قبل أن يطلب الرسول بولس من أهل كورنثوس أن يكونوا كرماء في العطاء، يشكرهم أولاً على العطايا التي قدموها. لقد كان إيمانهم كثيراً، وتكلموا بكلمة الله، وعرفوا حق الله، وكانوا مجتهدين في خدمة المسيح وفي محبتهم لخدام الرب. ويضيف الرسول بولس إلى ذلك قوله إنه يرجو أنهم يزيدون في نعمة العطاء.

من المؤلم أن عدداً كبيراً من المسيحيين اليوم يمتلكون الصفات التي يمدحها الرسول بولس في أهل كورنثوس، لكنهم يحتاجون أن يزيدوا في نعمة العطاء للكنيسة وللمحتاجين. على أن الرسول بولس لا يُصدر أمراً في هذا الموضوع، فإن العطاء نعمة تجعل الإنسان من ذات نفسه يعطي، ولذلك فقد قدّم الرسول مَثَلاً من أهل مكدونية الذين أعطوا من نفوسهم بدون إجبار، فأعطوا بحسب الطاقة وفوق الطاقة.

على أن المثل الأعظم في العطاء هو الرب يسوع المسيح، لأنه أعطى نفسه. كان غنياً في مجده السماوي، لكنه تنازل عن هذا المجد وافتقر وتواضع وصار إنساناً مثلنا ليرفعنا وليعيننا. لقد رضي المسيح بمحض إرادته، حراً مختاراً، أن يفتقر في سبيل إسعاد الآخرين، فافتقر ليُغنينا، فكم يجب أن نضحي نحن من أجل المحتاجين... إنه مثالنا الأعظم.

آية للحفظ

«فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ ٱفْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ» (2كورنثوس 8: 9).

صلاة

نشكرك يا أبانا السماوي لأنك بذلت المسيح ليُحْيينا. ترك سماء مجده ليعطينا حق البقاء في بيت الآب. حررنا من خطيتنا لنضحي نحن ونخدم ونساعد الآخرين، فتكون حياتنا حياة الشكر والحمد للنعمة العظيمة.

سؤال

2 - كيف كان المسيح مثالاً لنا في العطاء؟

3 - نصائح عن العطاء (2كورنثوس 8: 10 - 9: 5)

10أُعْطِي رَأْياً فِي هٰذَا أَيْضاً، لأَنَّ هٰذَا يَنْفَعُكُمْ أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ سَبَقْتُمْ فَٱبْتَدَأْتُمْ مُنْذُ ٱلْعَامِ ٱلْمَاضِي، لَيْسَ أَنْ تَفْعَلُوا فَقَطْ بَلْ أَنْ تُرِيدُوا أَيْضاً. 11 وَلٰكِنِ ٱلآنَ تَمِّمُوا ٱلْعَمَلَ أَيْضاً، حَتَّى إِنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلنَّشَاطَ لِلإِرَادَةِ، كَذٰلِكَ يَكُونُ ٱلتَّتْمِيمُ أَيْضاً حَسَبَ مَا لَكُمْ. 12 لأَنَّهُ إِنْ كَانَ ٱلنَّشَاطُ مَوْجُوداً فَهُوَ مَقْبُولٌ عَلَى حَسَبِ مَا لِلإِنْسَانِ، لا عَلَى حَسَبِ مَا لَيْسَ لَهُ. 13 فَإِنَّهُ لَيْسَ لِكَيْ يَكُونَ لِلآخَرِينَ رَاحَةٌ وَلَكُمْ ضِيقٌ، 14 بَلْ بِحَسَبِ ٱلْمُسَاوَاةِ. لِكَيْ تَكُونَ فِي هٰذَا ٱلْوَقْتِ فُضَالَتُكُمْ لإِعْوَازِهِمْ، كَيْ تَصِيرَ فُضَالَتُهُمْ لإِعْوَازِكُمْ، حَتَّى تَحْصُلَ ٱلْمُسَاوَاةُ. 15 كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «ٱلَّذِي جَمَعَ كَثِيراً لَمْ يُفْضِلْ، وَٱلَّذِي جَمَعَ قَلِيلاً لَمْ يُنْقِصْ». 16 وَلٰكِنْ شُكْراً لِلّٰهِ ٱلَّذِي جَعَلَ هٰذَا ٱلٱجْتِهَادَ عَيْنَهُ لأَجْلِكُمْ فِي قَلْبِ تِيطُسَ، 17 لأَنَّهُ قَبِلَ ٱلطِّلْبَةَ. وَإِذْ كَانَ أَكْثَرَ ٱجْتِهَاداً مَضَى إِلَيْكُمْ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ. 18 وَأَرْسَلْنَا مَعَهُ ٱلأَخَ ٱلَّذِي مَدْحُهُ فِي ٱلإِنْجِيلِ فِي جَمِيعِ ٱلْكَنَائِسِ. 19 وَلَيْسَ ذٰلِكَ فَقَطْ، بَلْ هُوَ مُنْتَخَبٌ أَيْضاً مِنَ ٱلْكَنَائِسِ رَفِيقاً لَنَا فِي ٱلسَّفَرِ، مَعَ هٰذِهِ ٱلنِّعْمَةِ ٱلْمَخْدُومَةِ مِنَّا لِمَجْدِ ذَاتِ ٱلرَّبِّ ٱلْوَاحِدِ، وَلِنَشَاطِكُمْ. 20 مُتَجَنِّبِينَ هٰذَا أَنْ يَلُومَنَا أَحَدٌ فِي جَسَامَةِ هٰذِهِ ٱلْمَخْدُومَةِ مِنَّا. 21 مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ، لَيْسَ قُدَّامَ ٱلرَّبِّ فَقَطْ، بَلْ قُدَّامَ ٱلنَّاسِ أَيْضاً. 22 وَأَرْسَلْنَا مَعَهُمَا أَخَانَا، ٱلَّذِي ٱخْتَبَرْنَا مِرَاراً فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ، وَلٰكِنَّهُ ٱلآنَ أَشَدُّ ٱجْتِهَاداً كَثِيراً بِٱلثِّقَةِ ٱلْكَثِيرَةِ بِكُمْ. 23 أَمَّا مِنْ جِهَةِ تِيطُسَ فَهُوَ شَرِيكٌ لِي وَعَامِلٌ مَعِي لأَجْلِكُمْ. وَأَمَّا أَخَوَانَا فَهُمَا رَسُولا ٱلْكَنَائِسِ، وَمَجْدُ ٱلْمَسِيحِ. 24 فَبَيِّنُوا لَهُمْ، وَقُدَّامَ ٱلْكَنَائِسِ، بَيِّنَةَ مَحَبَّتِكُمْ، وَٱفْتِخَارِنَا مِنْ جِهَتِكُمْ

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ 1فَإِنَّهُ مِنْ جِهَةِ ٱلْخِدْمَةِ لِلْقِدِّيسِينَ هُوَ فُضُولٌ مِنِّي أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ. 2 لأَنِّي أَعْلَمُ نَشَاطَكُمُ ٱلَّذِي أَفْتَخِرُ بِهِ مِنْ جِهَتِكُمْ لَدَى ٱلْمَكِدُونِيِّينَ، أَنَّ أَخَائِيَةَ مُسْتَعِدَّةٌ مُنْذُ ٱلْعَامِ ٱلْمَاضِي. وَغَيْرَتُكُمْ قَدْ حَرَّضَتِ ٱلأَكْثَرِينَ. 3 وَلٰكِنْ أَرْسَلْتُ ٱلإِخْوَةَ لِئَلا يَتَعَطَّلَ ٱفْتِخَارُنَا مِنْ جِهَتِكُمْ مِنْ هٰذَا ٱلْقَبِيلِ، كَيْ تَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ كَمَا قُلْتُ. 4 حَتَّى إِذَا جَاءَ مَعِي مَكِدُونِيُّونَ وَوَجَدُوكُمْ غَيْرَ مُسْتَعِدِّينَ لا نُخْجَلُ نَحْنُ - حَتَّى لا أَقُولُ أَنْتُمْ - فِي جَسَارَةِ ٱلٱفْتِخَارِ هٰذِهِ. 5 فَرَأَيْتُ لازِماً أَنْ أَطْلُبَ إِلَى ٱلإِخْوَةِ أَنْ يَسْبِقُوا إِلَيْكُمْ، وَيُهَيِّئُوا قَبْلاً بَرَكَتَكُمُ ٱلَّتِي سَبَقَ ٱلتَّخْبِيرُ بِهَا، لِتَكُونَ هِيَ مُعَدَّةً هٰكَذَا كَأَنَّهَا بَرَكَةٌ، لا كَأَنَّهَا بُخْلٌ (2كورنثوس 8: 10 - 9: 5).

لا يأمر الرسول بولس أهل كورنثوس بالعطاء، لكنه ينصحهم بأن يقدموا. لقد بدأ الكورنثيون يجمعون في السنة السابقة. وبولس يطلب منهم أن يستمروا في العطاء بمحبته. فإن الله يهتمُّ بنيَّة المعطي أكثر من العطاء الظاهر الذي يقدمه. أحياناً نحب أن نقدم أكثر مما نستطيع، والرب يعرف رغبتنا في العطاء، فيكافئنا على ذلك. فليس من المهم كم ندفع، ولكن المهم نوعية وروح العطاء الذي نقدّم به.

ويقول الرسول بولس إن المسيحيين يجب أن يقدّموا بعضهم لبعض، لأن المقتدر اليوم يمكن أن يفتقر غداً - كما أن الفقير اليوم يمكن أن يصبح مقتدراً غداً، فيقدم المساعدة لغيره، فالعطاء المسيحي يخلق نوعاً من الأمان للمؤمنين بعضهم مع بعض. ويقدم الرسول بولس مثلاً من العهد القديم عندما كان بنو إسرائيل يجمعون المنّ في البرية (خروج 16: 18). لقد جمع بعضهم كثيراً ولكن لم يفضل عنهم، لأن الذي جمعوه أكثر من حاجتهم تعفَّن في اليوم التالي. ولا يزال القانون صحيحاً ليومنا هذا، فعندما يكون شخص جشعاً، ويجمع أكثر مما يحتاج إليه، فإنه لن يستعمله. بالعكس انه سيفسد منه نتيجة أنانيته وطمعه. فعندما يجمع انسان أكثر مما يحتاج، فإنه لا ينال بركة. إن الله لا يريدنا أن نكون كسالى، بل يريدنا أن نفكر في الآخرين الذين يحتاجون.

وفي أصحاح 8 : 16 - 24 يذكر الرسول بولس ثلاثة من المؤمنين الذين عيَّنهم للجمع للمحتاجين في أورشليم، وهو يوصي وصية حسنة بكل واحد من هؤلاء الثلاثة لأنه يعرفه معرفة جيدة. وهذا يعطينا مبدأً من مبادئ الجمع، وهو أن المبالغ التي نجمعها من المسيحيين يجب أن تُعطَى لأشخاص أمناء، وتُنفَق بعناية وأمانة.

كان تيطس أول هؤلاء الثلاثة الذين استأمنهم بولس على الجمع، وكان هو متحمساً لهذه الخدمة، فذهب من تلقاء نفسه باجتهاد، لأنه كان يحب أهل كورنثوس، ويريد لهم أن يعبّروا عن اعتنائهم بالمسيحيين في أورشليم.

ويقدم الرسول بولس شخصاً ثانياً مع تيطس لا يذكر لنا اسمه، لكنه كان معروفاً بين الكنائس المختلفة، وكان موضع احترام. وقد سبق أن اختارته الكنائس ليسافر مع بولس ليساعده في خدمة الجمع. وهذا يظهر لنا أن عملية الجمع يجب أن تكون لمجد الله، ويجب أن تكون واضحة للناس ليعرفوا أن المبالغ التي تُجمع تُنفَق تماماً في الأهداف التي جُمعت من أجلها. ولا تسبب لوماً لأحد.

ثم يقدّم الرسول بولس توصية عن أخ ثالث لا يذكر اسمه، ولكنه يصفه أنه مجتهد كثيراً ومحل ثقة. والرسول بولس يرجو أن أهل كورنثوس يبيّنون محبتهم وسخاءهم حتى يظهر افتخار بولس بهم أنه افتخار في محله.

وفي الآيات الخمس الأولى من الأصحاح التاسع يقول الرسول بولس إنه من الفُضول أن يكتب لهم عن إعانة الإخوة القديسين، لأنه يعرف رغبة أهل كورنثوس، وقد افتخر بها أمام أهل مكدونية عندما قال لهم إن أعضاء كنيسة كورنثوس كانوا مستعدين منذ العام الماضي أن يقدموا تقدمتهم. وكان حديثه عن أهل كورنثوس وأهل أخائية في محبتهم وعطائهم سبباً في تشجيع الكنائس الأخرى على أن تدفع. ويرجو الرسول أن يتم الجمع قبل مجيئه لزيارة كورنثوس حتى عندما يجئ لا يصرف وقتاً في جمع المال، بل يصرف الوقت كله في التعاليم الروحية والوعظ. وهو يطلب منهم أن يقدموا عن سخاء وليس عن تقتير.

عزيزي القارئ، كم تقدم للمسيح؟ كم تقدم للمحتاجين؟ هل تقدم من قلب محب كأنه عن بركة وليس كأنه بُخْل.

آية للحفظ

«لِكَيْ تَكُونَ فِي هٰذَا ٱلْوَقْتِ فُضَالَتُكُمْ لإِعْوَازِهِمْ، كَيْ تَصِيرَ فُضَالَتُهُمْ لإِعْوَازِكُمْ، حَتَّى تَحْصُلَ ٱلْمُسَاوَاةُ» (2كورنثوس 8: 14).

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك لانك تريدنا أن نشارك بعضنا بعضاً فيما أعطيتنا من بركة. أعطنا أن نعطي بقدر ما نستطيع وأكثر مما نستطيع لتحصل المساواة، وليكون جسدك مرتبطاً في محبة، ويشعر الواحد منا باحتياج الآخرين.

سؤال

3 - لماذا يتأخر بعض المؤمنين عن العطاء؟

4 - اذكر مبدأً من مبادئ الجمع في الكنيسة؟

4 - نتائج حلوة للعطاء (2كورنثوس 9: 6 - 15)

6هٰذَا وَإِنَّ مَنْ يَزْرَعُ بِٱلشُّحِّ فَبِٱلشُّحِّ أَيْضاً يَحْصُدُ، وَمَنْ يَزْرَعُ بِٱلْبَرَكَاتِ فَبِٱلْبَرَكَاتِ أَيْضاً يَحْصُدُ. 7 كُلُّ وَاحِدٍ كَمَا يَنْوِي بِقَلْبِهِ، لَيْسَ عَنْ حُزْنٍ أَوِ ٱضْطِرَارٍ. لأَنَّ ٱلْمُعْطِيَ ٱلْمَسْرُورَ يُحِبُّهُ ٱللّٰهُ. 8 وَٱللّٰهُ قَادِرٌ أَنْ يَزِيدَكُمْ كُلَّ نِعْمَةٍ، لِكَيْ تَكُونُوا وَلَكُمْ كُلُّ ٱكْتِفَاءٍ كُلَّ حِينٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، تَزْدَادُونَ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ. 9 كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «فَرَّقَ. أَعْطَى ٱلْمَسَاكِينَ. بِرُّهُ يَبْقَى إِلَى ٱلأَبَدِ». 10 وَٱلَّذِي يُقَدِّمُ بِذَاراً لِلّزَارِعِ وَخُبْزاً لِلأَكْلِ، سَيُقَدِّمُ وَيُكَثِّرُ بِذَارَكُمْ وَيُنْمِي غَلاتِ بِرِّكُمْ. 11 مُسْتَغْنِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِكُلِّ سَخَاءٍ يُنْشِئُ بِنَا شُكْراً لِلّٰهِ. 12 لأَنَّ ٱفْتِعَالَ هٰذِهِ ٱلْخِدْمَةِ لَيْسَ يَسُدُّ إِعْوَازَ ٱلْقِدِّيسِينَ فَقَطْ، بَلْ يَزِيدُ بِشُكْرٍ كَثِيرٍ لِلّٰهِ 13 إِذْ هُمْ بِٱخْتِبَارِ هٰذِهِ ٱلْخِدْمَةِ يُمَجِّدُونَ ٱللّٰهَ عَلَى طَاعَةِ ٱعْتِرَافِكُمْ لإِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ، وَسَخَاءِ ٱلتَّوْزِيعِ لَهُمْ وَلِلْجَمِيعِ. 14 وَبِدُعَائِهِمْ لأَجْلِكُمْ، مُشْتَاقِينَ إِلَيْكُمْ مِنْ أَجْلِ نِعْمَةِ ٱللّٰهِ ٱلْفَائِقَةِ لَدَيْكُمْ. 15 فَشُكْراً لِلّٰهِ عَلَى عَطِيَّتِهِ ٱلَّتِي لا يُعَبَّرُ عَنْهَا (2كورنثوس 9: 6 - 15).

  1. النتيجة الحلوة الأولى للعطاء هي الحصاد بالبركات. ويستعير الرسول بولس مثلاً من الزراعة، فالذي يزرع بذوراً كثيرة يحصد كثيراً. وعندما نقدم من أموالنا لعمل الرب فإننا يجب أن نعلم أننا نستثمر مالنا في أفضل شيء لمجد الله، وهكذا تعود بركة كبيرة على الآخرين وعلينا نحن أيضاً.

  2. وهناك نتيجة أخرى للعطاء وهي الفرح. فإن المعطي المسرور يحبه الله. لقد أعطت أرملة فقيرة فلسيْن فكان عطاؤها وافراً (لوقا 21: 1 - 4). إن الذي يعطي بفرح يفرح ويُفرح غيره، بينما الذي يعطي بتذمّر لا يجد فرحاً في عطائه، كما أن الذي يأخذ منه يكون حزيناً.

  3. ويذكر الرسول نتيجة ثالثة للعطاء وهي أن الله يزيد النعمة للذي يعطي بفرح وسخاء. ويقتبس الرسول بولس آية جاءت في مزمور 112: 9 يصف فيها المرنم شخصاً صالحاً يحب الله ويساعد المساكين، ولذلك فإن برَّه - أي عمله الصالح - يبقى إلى الأبد. فإن الله يعطي الزارع بسخاء محصولاً كبيراً. وعلى هذا فإن المعطي المسرور ينال نعمة عظيمة في كل شيء، وهذا ينشئ بنا شكراً لله.

  4. ثم يذكر الرسول نتيجة رابعة للعطاء (آيات 12 - 14) هي أن احتياجات الفقراء من القديسين سوف تتسدد، فتجعلهم يرفعون شكراً لله. وبواسطة هذه الخدمة يمجِّد المؤمنون من أورشليم الله على محبة أهل كورنثوس لهم، ويصلّون من أجلهم، كما أن هذا سيجعل الكنيسة تتفهّم بعضها بعضاً وتترابط معاً.

ويختم الرسول بولس هذا الجزء بأن يذكّر المؤمنين بالعطية التي أعطاها الله لهم، فهي أعظم العطايا على الإطلاق. «هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد». وما أجمل ما قاله الرسول بولس لأهل رومية: «الله اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ٱبْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لا يَهَبُنَا أَيْضاً مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟» (8: 32) هذه عطية الله لنا.

وإن كان الله مستعداً أن يعطينا بكل هذا السخاء، فكم يجب أن يكون عطاؤنا سخياً دائماً!

إن خير ما نختم به هذا الجزء عن العطاء هو ما قاله الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس ليوصي به الأغنياء «أَنْ يَصْنَعُوا صَلاحاً، وَأَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فِي أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، وَأَنْ يَكُونُوا أَسْخِيَاءَ فِي ٱلْعَطَاءِ كُرَمَاءَ فِي ٱلتَّوْزِيعِ، مُدَّخِرِينَ لأَنْفُسِهِمْ أَسَاساً حَسَناً لِلْمُسْتَقْبَلِ، لِكَيْ يُمْسِكُوا بِٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ» (1تيموثاوس 6: 18، 19).

آية للحفظ

«فَشُكْراً لِلّٰهِ عَلَى عَطِيَّتِهِ ٱلَّتِي لا يُعَبَّرُ عَنْهَا» (2كورنثوس 9: 15).

صلاة

أبانا السماوي، كم نشكرك من كل قلوبنا لأنك لم تشفق على ابنك بل بذلته لأجلنا أجمعين. نشكرك لأجل عطيتك التي لا يُعبَّر عنها. علمنا أن نحب الآخرين وأن نشاركهم فيما عندنا. وكما أعطيتنا بسخاء لنعط نحن أيضاً الآخرين بسخاء.

سؤال

5 - اذكر فائدة تعود على المعطي من العطاء؟

6 - اذكر فائدة تعود على الذي يأخذ؟

الجزء الثالث: خدمة بولس الرسول (أصحاحات 10 - 13)

في هذا الجزء نجد:

  1. بولس يوضح سلطانه الرسولي (10: 1-18)

    1. بولس لا يعاقب المعاندين (1 - 6)

    2. بولس يصرح أن له سلطة من الله (7 - 11)

    3. بولس لا يفرض سلطانه (12 - 18)

  2. سبب توضيح هذا السلطان (11: 1 - 15)

  3. آلام بولس لأجل المسيح تبرهن رسوليته (11: 16 - 33)

  4. إعلان المسيح لبولس يبرهن رسوليته (12: 1 - 10)

  5. محبة بولس لأهل كورنثوس تبرهن رسوليته (12: 11- 18)

  6. بولس سيُظهر سلطانه الرسولي عند زيارته القادمة (12: 19-13: 10)

    1. بولس يريد أن يبنيهم (12: 19 - 21)

    2. بولس سيمارس سلطانه (13: 1 - 6)

    3. بولس يصلي لأجلهم (13: 7 - 10)

  7. الخاتمة (13: 11 - 14)

1 - بولس يوضح سلطانه الرسولي (2 كورنثوس 10: 1 - 18)

في هذا الجزء الأول من الرسالة كان بولس يمدح أعضاء كنيسة كورنثوس. ولكن يبدو أن هناك معلّمين كذبة صغّروا من شأن الرسول بولس لينشروا تعاليمهم الخاطئة، ولذلك خصَّص الرسول بولس الأصحاحات الأربعة الأخيرة من رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس ليدافع عن سلطانه الرسولي.

في هذا الأصحاح العاشر نجد ثلاثة أقسام رئيسية:

  1. بولس لا يريد أن يستعمل سلطانه الرسولي ليعاقب المعاندين (آيات 1 - 6)

  2. بولس يصرح بأن له سلطة من عند الله (آيات 7 - 11)

  3. بولس لا يفرض سلطته الرسولية على الذين ليسوا تحت إرادته (آيات 12 - 18).

(أ) بولس لا يعاقب المعاندين

1ثُمَّ أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ بِوَدَاعَةِ ٱلْمَسِيحِ وَحِلْمِهِ، أَنَا نَفْسِي بُولُسُ ٱلَّذِي فِي ٱلْحَضْرَةِ ذَلِيلٌ بَيْنَكُمْ، وَأَمَّا فِي ٱلْغَيْبَةِ فَمُتَجَاسِرٌ عَلَيْكُمْ. 2 وَلٰكِنْ أَطْلُبُ أَنْ لا أَتَجَاسَرَ وَأَنَا حَاضِرٌ بِٱلثِّقَةِ ٱلَّتِي بِهَا أَرَى أَنِّي سَأَجْتَرِئُ عَلَى قَوْمٍ يَحْسِبُونَنَا كَأَنَّنَا نَسْلُكُ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ. 3 لأَنَّنَا وَإِنْ كُنَّا نَسْلُكُ فِي ٱلْجَسَدِ، لَسْنَا حَسَبَ ٱلْجَسَدِ نُحَارِبُ. 4 إِذْ أَسْلِحَةُ مُحَارَبَتِنَا لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً، بَلْ قَادِرَةٌ بِٱللّٰهِ عَلَى هَدْمِ حُصُونٍ. 5 هَادِمِينَ ظُنُوناً وَكُلَّ عُلْوٍ يَرْتَفِعُ ضِدَّ مَعْرِفَةِ ٱللّٰهِ، وَمُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ ٱلْمَسِيحِ، 6 وَمُسْتَعِدِّينَ لأَنْ نَنْتَقِمَ عَلَى كُلِّ عِصْيَانٍ، مَتَى كَمِلَتْ طَاعَتُكُمْ (2كورنثوس 10: 1 - 6).

يؤكد الرسول في هذه الآيات أنه لا يسلك حسب الجسد. ومع أنه يذكر في هذا الجزء كثيراً من التوبيخ، إلا أنه يبدأه بقوله «أطلب إليكم بوداعة المسيح وحِلمه» فهو يذكّرهم بحِلْم المسيح ووداعته، ويطلب منهم أن يسلكوا بحسبها كما يسلك هو أيضاً بحسبها. لقد قالوا إن بولس عندما يحضر يكون ذليلاً، ولكنه في غيبته يكون متجاسراً. وكان بولس قد جاوب في الرسالة الأولى على هذا الانتقاد الذي وجّهوه ضده، ولكن يبدو أن المعلمين الكذبة استمروا في انتقادهم له. وجوابه هنا هو أنه لا يحتاج أن يستخدم جسارته عندما يأتي إليهم مرة أخرى - مع أنه يستطيع أن يشتدَّ ضدهم في حضوره وفي كتاباته على السواء. وهو يقصد أن يشتد على المعلمين الكذبة الذين انتقدوه بأنه يسلك حسب الجسد وليس حسب الروح.

ويقول الرسول بولس إنه يسلك «في الجسد» ولكن ليس «حسب الجسد». يسلك «في الجسد» لأن جسمه ضعيف، لكنه يحارب بأسلحة روحية قوية يهدم بها حصون الأشرار، حصون الظنون التي ترتفع ضد معرفة الله والتي تقوم ضد طاعة المسيح. ويقول الرسول للمؤمنين المخلصين من أهل كورنثوس انه عندما يطيعون الله وكلمته طاعة كاملة، فإن بولس مستعد أن يهاجم المعلمين الكذبة وينتقم على كل عصيان فيهم.

(ب) بولس يصرّح أن له سلطة من الله

7أَتَنْظُرُونَ إِلَى مَا هُوَ حَسَبَ ٱلْحَضْرَةِ؟ إِنْ وَثِقَ أَحَدٌ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ لِلْمَسِيحِ، فَلْيَحْسِبْ هٰذَا أَيْضاً مِنْ نَفْسِهِ: أَنَّهُ كَمَا هُوَ لِلْمَسِيحِ، كَذٰلِكَ نَحْنُ أَيْضاً لِلْمَسِيحِ! 8 فَإِنِّي وَإِنِ ٱفْتَخَرْتُ شَيْئاً أَكْثَرَ بِسُلْطَانِنَا ٱلَّذِي أَعْطَانَا إِيَّاهُ ٱلرَّبُّ لِبُنْيَانِكُمْ لا لِهَدْمِكُمْ، لا أُخْجَلُ. 9 لِئَلا أَظْهَرَ كَأَنِّي أُخِيفُكُمْ بِٱلرَّسَائِلِ. 10 لأَنَّهُ يَقُولُ: «ٱلرَّسَائِلُ ثَقِيلَةٌ وَقَوِيَّةٌ، وَأَمَّا حُضُورُ ٱلْجَسَدِ فَضَعِيفٌ وَٱلْكَلامُ حَقِيرٌ». 11 مِثْلُ هٰذَا فَلْيَحْسِبْ أَنَّنَا كَمَا نَحْنُ فِي ٱلْكَلامِ بِٱلرَّسَائِلِ وَنَحْنُ غَائِبُونَ، هٰكَذَا نَكُونُ أَيْضاً بِٱلْفِعْلِ وَنَحْنُ حَاضِرُونَ (2كورنثوس 10: 7 - 11).

يعلن الرسول أن له قوة من الله، وأنه مستعد أن يستعمل هذه القوة عند اللزوم. فبعض أهل كورنثوس كانوا يميلون أن ينظروا إلى ما هو «حسب الحضرة» (أي حسب المظهر الخارجي) وهو يقصد أن هؤلاء الكذبة كانوا يسرعون بالحكم بحسب المظهر الخارجي. وهو يقول لهم «واجهوا حقائق الأمور. من اعتقد أنه للمسيح فليتذكر أنه بمقدار ما هو للمسيح كذلك بولس أيضاً للمسيح». والرسول يكلم القادة المخطئين الذين جرّوا وراءهم أقلية من الأتباع المخدوعين في كنيسة كورنثوس ليقول لهم إنه هو أيضاً للمسيح، وهو لا يخجل إن بالغ بعض المبالغة في الافتخار بسلطانه الذي وهبه الرب له ليبني أهل كورنثوس لا ليخربهم كما يفعل المعلّمون الكذبة، وهو لا يحاول أن يظهر كأنه يخيفهم برسائله. فقد قال واحد من المعلمين الكذبة إن رسائل بولس قاسية عنيفة، لكنه متى حضر بنفسه كان شخصاً ضعيفاً وكلامه سخيفاً. ولكن بولس يريد أن يعرِّف هذا الذي يقول هذه الكلمات أن ما يكتبه في رسائله، وهو غائب، هو نفسه ما يفعله عندما يحضر. ولقد قال البعض إنه يبدو أن منظر بولس كان منفِّراً ولم يكن جميلاً، على أن ما جاء في الآية الحادية عشرة يُظهر أن بولس قوي «في الحضرة» في شكله كما هو قوي في كتابته. لقد كان عنيفاً عندما وبَّخ أهل كورنثوس على أخطائهم في الرسالة الأولى، ولكنه عندما كان بينهم كان محباً ودوداً لطيفاً، ربح قلوبهم للمسيح.

(ج) بولس لا يفرض سلطانه

12لأَنَّنَا لا نَجْتَرِئُ أَنْ نَعُدَّ أَنْفُسَنَا بَيْنَ قَوْمٍ مِنَ ٱلَّذِينَ يَمْدَحُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَلا أَنْ نُقَابِلَ أَنْفُسَنَا بِهِمْ. بَلْ هُمْ إِذْ يَقِيسُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَيُقَابِلُونَ أَنْفُسَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، لا يَفْهَمُونَ. 13 وَلٰكِنْ نَحْنُ لا نَفْتَخِرُ إِلَى مَا لا يُقَاسُ، بَلْ حَسَبَ قِيَاسِ ٱلْقَانُونِ ٱلَّذِي قَسَمَهُ لَنَا ٱللّٰهُ، قِيَاساً لِلْبُلُوغِ إِلَيْكُمْ أَيْضاً. 14 لأَنَّنَا لا نُمَدِّدُ أَنْفُسَنَا كَأَنَّنَا لَسْنَا نَبْلُغُ إِلَيْكُمْ. إِذْ قَدْ وَصَلْنَا إِلَيْكُمْ أَيْضاً فِي إِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ. 15 غَيْرَ مُفْتَخِرِينَ إِلَى مَا لا يُقَاسُ فِي أَتْعَابِ آخَرِينَ، بَلْ رَاجِينَ إِذَا نَمَا إِيمَانُكُمْ أَنْ نَتَعَظَّمَ بَيْنَكُمْ حَسَبَ قَانُونِنَا بِزِيَادَةٍ، 16 لِنُبَشِّرَ إِلَى مَا وَرَاءَكُمْ. لا لِنَفْتَخِرَ بِٱلأُمُورِ ٱلْمُعَدَّةِ فِي قَانُونِ غَيْرِنَا. 17 وَأَمَّا مَنِ ٱفْتَخَرَ فَلْيَفْتَخِرْ بِٱلرَّبِّ. 18 لأَنَّهُ لَيْسَ مَنْ مَدَحَ نَفْسَهُ هُوَ ٱلْمُزَكَّى، بَلْ مَنْ يَمْدَحُهُ ٱلرَّبُّ (2كورنثوس 10: 12 - 18).

ليس المهم أن يفتخر الإنسان بالبشر، أو أن يمدحه البشر، لكن أن يفتخر بالله، وأن يجد المدح من الله. ويقول الرسول بولس إن التهمة التي وجّهها إليه أعداؤه هي ضعفه، ولكنها تهمة باطلة، فهو شجاع في استعماله سلطانه الرسولي عند الحاجة إلى ذلك. ولكنه يعترف أنه ليست لديه الشجاعة أن ينضم إلى صفوف الذين يمدحون أنفسهم، وهو لا يريد أن يقارن نفسه بهم، فهم يضعون مقاييس شخصية لنجاحهم، ثم يمدحون أنفسهم لأنهم نجحوا بمقتضى تلك المقاييس. يبدو أن أولئك كانوا ينظمون جمعية «الإعجاب المتبادل»! فكل واحد منهم يُعجب بأخيه ليستمع إلى إعجاب أخيه به، دون أن يهتم إن كان الله راضياً عنه.

والحقيقة يا عزيزي القارئ أننا لسنا مطالبين أن نقارن أنفسنا بالناس. فما أكثر الأشخاص الذين يمكن أن نجد أننا أفضل منهم، ولكننا مطالبون أن نقيس أنفسنا على «قياس قامة ملء المسيح».

لم يكن أولئك المعلمون الكذبة يقومون بعمل بنائي، ولكنهم كانوا يحاولون أن يضللوا المتجددين الذين ربحهم الرسول بولس. فقد دعا الله رسوله إلى عمل معَّين في حقل معين، وكانت كورنثوس ضمن تلك البلاد التي دعاه الله ليخدم فيها. ويجب أن نتذكر أن بولس لم يذهب الى أوربا إلا بعد أن رأى رجلاً مكدونياً يطلب أن يمضي إليه ليعينه (أعمال 16: 6 - 10). إذاً لم يكن بولس «يمدِّد نفسه» بمعنى أنه لم يكن يدَّعي أكثر مما له، لأنه زارهم بدعوة من الرب، ومعه بشارة الرب. وهو لا يتعدى الحدود ويفتخر بعمل غيره، ولو أنه يرجو أن يزداد إيمان أهل كورنثوس فيتّسع مجال العمل بينهم في الحدود التي حدَّدها الله لبولس، حتى يحمل البشارة إلى أبعد من كورنثوس، فلا يفتخر بما أنجزه غيره في حدود عمله.

أما المعلمون الكذبة فلا اهتمام عندهم بأن يقوموا بعمل تبشيري رائد. إنهم يفضلون أن يأخذوا عمل غيرهم، ويفتخرون به، عن أن يبدأوا عملاً جديداً، مع أن الله لم يكلفهم به.

ويختم الرسول هذا الجزء بقوله إنه يفضل أن يَلْقَى المدح من الله لا أن يمدح نفسه، لأن من يمدحه الرب هو المقبول عند الرب، ومن أراد أن يفتخر فليفتخر بالرب.

آية للحفظ

«وَأَمَّا مَنِ ٱفْتَخَرَ فَلْيَفْتَخِرْ بِٱلرَّبِّ» (2كورنثوس 10: 17).

صلاة

نشكرك أيا الرب لأنك دعوت رسولك في ضعف جسده وملأته بقوتك وبكلمتك المقدسة ليكون المجد كله لاسمك فساعدنا نحن أيضاً لنمجدك بإخلاص وأمانة، لأنك دعوتنا أن نكون أتباعك. ساعدنا لنغلب باسمك كل الحصون وكل ما يرتفع ضد طاعة المسيح، ليتحرر كثيرون من الأسرى ويدخلوا في رحاب ملكوتك.

سؤال

7 - ما معنى أن الإنسان يسلك «حسب الجسد»؟

8 - بمن قاس المعلمون الكذبة أنفسهم؟

9 - ما هو المقياس الصحيح الذي يجب أن نقيس نفوسنا به؟

2 - سبب توضيح سلطان بولس (2 كورنثوس 11: 1 - 15)

1لَيْتَكُمْ تَحْتَمِلُونَ غَبَاوَتِي قَلِيلاً! بَلْ أَنْتُمْ مُحْتَمِلِيَّ. 2 فَإِنِّي أَغَارُ عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ ٱللّٰهِ، لأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ. 3 وَلٰكِنَّنِي أَخَافُ أَنَّهُ كَمَا خَدَعَتِ ٱلْحَيَّةُ حَّوَاءَ بِمَكْرِهَا، هٰكَذَا تُفْسَدُ أَذْهَانُكُمْ عَنِ ٱلْبَسَاطَةِ ٱلَّتِي فِي ٱلْمَسِيحِ. 4 فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ ٱلآتِي يَكْرِزُ بِيَسُوعٍ آخَرَ لَمْ نَكْرِزْ بِهِ، أَوْ كُنْتُمْ تَأْخُذُونَ رُوحاً آخَرَ لَمْ تَأْخُذُوهُ، أَوْ إِنْجِيلاً آخَرَ لَمْ تَقْبَلُوهُ، فَحَسَناً كُنْتُمْ تَحْتَمِلُونَ. 5 لأَنِّي أَحْسِبُ أَنِّي لَمْ أَنْقُصْ شَيْئاً عَنْ فَائِقِي ٱلرُّسُلِ. 6 وَإِنْ كُنْتُ عَامِّيّاً فِي ٱلْكَلامِ فَلَسْتُ فِي ٱلْعِلْمِ، بَلْ نَحْنُ فِي كُلِّ شَيْءٍ ظَاهِرُونَ لَكُمْ بَيْنَ ٱلْجَمِيعِ. 7 أَمْ أَخْطَأْتُ خَطِيَّةً إِذْ أَذْلَلْتُ نَفْسِي كَيْ تَرْتَفِعُوا أَنْتُمْ، لأَنِّي بَشَّرْتُكُمْ مَجَّاناً بِإِنْجِيلِ ٱللّٰهِ؟ 8 سَلَبْتُ كَنَائِسَ أُخْرَى آخِذاً أُجْرَةً لأَجْلِ خِدْمَتِكُمْ، وَإِذْ كُنْتُ حَاضِراً عِنْدَكُمْ وَٱحْتَجْتُ، لَمْ أُثَقِّلْ عَلَى أَحَدٍ. 9 لأَنَّ ٱحْتِيَاجِي سَدَّهُ ٱلإِخْوَةُ ٱلَّذِينَ أَتَوْا مِنْ مَكِدُونِيَّةَ. وَفِي كُلِّ شَيْءٍ حَفِظْتُ نَفْسِي غَيْرَ ثَقِيلٍ عَلَيْكُمْ، وَسَأَحْفَظُهَا. 10 حَقُّ ٱلْمَسِيحِ فِيَّ. إِنَّ هٰذَا ٱلافْتِخَارَ لا يُسَدُّ عَنِّي فِي أَقَالِيمِ أَخَائِيَةَ. 11 لِمَاذَا؟ أَلأَنِّي لا أُحِبُّكُمْ؟ اَللّٰهُ يَعْلَمُ. 12 وَلٰكِنْ مَا أَفْعَلُهُ سَأَفْعَلُهُ لأَقْطَعَ فُرْصَةَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ فُرْصَةً كَيْ يُوجَدُوا كَمَا نَحْنُ أَيْضاً فِي مَا يَفْتَخِرُونَ بِهِ. 13 لأَنَّ مِثْلَ هٰؤُلاءِ هُمْ رُسُلٌ كَذَبَةٌ، فَعَلَةٌ مَاكِرُونَ، مُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ إِلَى شِبْهِ رُسُلِ ٱلْمَسِيحِ. 14 وَلا عَجَبَ. لأَنَّ ٱلشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاكِ نُورٍ! 15 فَلَيْسَ عَظِيماً إِنْ كَانَ خُدَّامُهُ أَيْضاً يُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ كَخُدَّامٍ لِلْبِرِّ. ٱلَّذِينَ نِهَايَتُهُمْ تَكُونُ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ (2 كورنثوس 11: 1 - 15).

في الجزء الأول من هذه الآيات يوضح الرسول بولس أن المعلمين الكذبة كانوا يحاولون أن يضيِّعوا ثقة الناس في بولس، ليضللوا الناس عن رسالة الإنجيل البسيطة. وأراد الرسول أن ينفي اتهاماتهم حتى يلغي العمل السيء الذي قصدوه. لقد قال في نهاية الأصحاح العاشر إنه لا يجب أن يمدح الإنسان نفسه، لكنه وجد نفسه مضطراً لأن يفتخر بما عمل ليحتفظ بثقة مؤمني كورنثوس به، ولهذا لجأ الى البراهين لإثبات سلطته الرسولية على أهل كورنثوس وفضله على خصومه، مع أنه يكره أن يفتخر. وعلى هذا فقد التمس من أهل كورنثوس أن يحتملوه وهو يمدح نفسه، لأن فعل هذا كله حباً لأهل كورنثوس واهتماماً بنفعهم. إنه يغار عليهم ويخاف عليهم، وغيرته غيرة مقدسة لله، فلم يكن غيوراً لنفسه ولكنه غيور على الكنيسة التي خطبها عذراء عروساً للمسيح، فهو صديق العريس.

وكان بولس خائفاً لئلا ينخدع أهل كورنثوس من الشيطان الذي خدع حواء بمكرها قديماً. فقد خلط الشيطان الكذب الكثير بالحق القليل ليضلل حواء، وهكذا فعل المعلمون الكذبة مع أهل كورنثوس إذ خلطوا الحق بالباطل. وفي الآية الرابعة يقول الرسول «إذا أتاكم معلمٌ كاذب ونادى بمسيحٍ جديدٍ كاذب، وروحٍ آخر كاذب، وإنجيلٍ مزّوَر، احتملتم افتخاره بنفسه وقبلتم تعليمه!». وبولس هنا يتكلم بلغة سُخْرية من أهل كورنثوس، فلا يوجد إنجيل آخر ولا مسيح آخر ولا روح قدس آخر. إن المسيح واحد، والروح القدس واحد والإنجيل واحد، وهو ما نادى بولس به.

ويمضي الرسول فيقول إنه مساوٍ لأحسن الرسل، وليس أقل في شيء من الذين ادّعوا أنهم أفضل منه. لقد قال أعداؤه إنه عاميّ في الكلام، بمعنى أنه تعوزه الفصاحة. ولكنه يقول «إن أعوزتني الفصاحة فلا تعوزني المعرفة». فلقد ظهرت معرفته في التعليم الذي علَّم به.

وفي الأعداد 7 - 11 يقول الرسول بولس إنه حمل الرسالة لهم على نفقة نفسه، ولم يتقاض منهم أي مبالغ مقابل خدمته لهم - مع أنه كان يحقّ له ذلك. ويؤكد بولس أنه رسول المسيح، ويتساءل «هل أخطأت حين حملت إليكم مجاناً رسالة الله وبشارته وأذللت نفسي لترتفعوا أنتم؟!». لقد اشتغل بولس دون أن يتقاضى أجراً لأنه يحب أهل كورنثوس، ولأنه أراد لهم أن يرتفعوا الى درجة أبناء الله نتيجة لقبول رسالة الإنجيل. ولقد ساعدت كنائس أخرى الرسول بولس في خدمته - خصوصاً كنائس مكدونية.

ويقول الرسول بولس إنه اشتغل في كورنثوس دون أن يأخذ أجراً لسببين:

  1. أن لا يكون ذلك عثرة للذين يظنون أنه يبشر في سبيل ربح دنيوي مادي.

  2. ليمتحن المعلمين الكذبة. هل يقدرون أن يفعلوا مثل ما فعل برهاناً على إخلاصهم للمسيح. لقد ادّعى أولئك المعلمون أنهم رسل، دون أن يكون لهم الحق في ذلك، تماماً كما أنه ليس من حق الشيطان أن يدَّعي أنه ملاك نور - مع أنه يفعل ذلك.

ويوضح الرسول أن أولئك المعلمين الكذبة هم رسل كذبة وعاملون مخادعون، يظهرون بمظهر رسل المسيح، وستكون عاقبتهم على قدر أعمالهم.

آية للحفظ

«وَلٰكِنَّنِي أَخَافُ أَنَّهُ كَمَا خَدَعَتِ ٱلْحَيَّةُ حَّوَاءَ بِمَكْرِهَا، هٰكَذَا تُفْسَدُ أَذْهَانُكُمْ عَنِ ٱلْبَسَاطَةِ ٱلَّتِي فِي ٱلْمَسِيحِ» (2كورنثوس 11: 3).

صلاة

أبانا السماوي، حرِّرنا من خطية الشيطان - خطية الكبرياء والمكر - اغفر لنا افتخارنا، وادفعنا للتضحية والخدمة والتواضع بمحبة. احفظنا من أن نظهر كإبليس الذي يغيّر شكله إلى شبه ملاك نور، وأعلن نفسك لنا في إنجيلك، وقّونا لكي لا يجد العدو الشرير مكاناً له في قلوبنا.

سؤال

10 - اذكر سببين جعلا بولس يفتخر بأنه رسول لأهل كورنثوس؟

11 - لماذا اشتغل بولس بيديه وتعب للحصول على معيشته؟

3 - آلام بولس لأجل المسيح تبرهن رسوليته (2كورنثوس 11: 16 - 33)

16أَقُولُ أَيْضاً: لا يَظُنَّ أَحَدٌ أَنِّي غَبِيٌّ. وَإِلا فَٱقْبَلُونِي وَلَوْ كَغَبِيٍّ، لأَفْتَخِرَ أَنَا أَيْضاً قَلِيلاً. 17 ٱلَّذِي أَتَكَلَّمُ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ بِحَسَبِ ٱلرَّبِّ، بَلْ كَأَنَّهُ فِي غَبَاوَةٍ، فِي جَسَارَةِ ٱلافْتِخَارِ هٰذِهِ. 18 بِمَا أَنَّ كَثِيرِينَ يَفْتَخِرُونَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ أَفْتَخِرُ أَنَا أَيْضاً. 19 فَإِنَّكُمْ بِسُرُورٍ تَحْتَمِلُونَ ٱلأَغْبِيَاءَ، إِذْ أَنْتُمْ عُقَلاءُ! 20 لأَنَّكُمْ تَحْتَمِلُونَ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَسْتَعْبِدُكُمْ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْكُلُكُمْ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْخُذُكُمْ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَرْتَفِعُ! إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَضْرِبُكُمْ عَلَى وُجُوهِكُمْ! 21 عَلَى سَبِيلِ ٱلْهَوَانِ أَقُولُ كَيْفَ أَنَّنَا كُنَّا ضُعَفَاءَ. وَلٰكِنَّ ٱلَّذِي يَجْتَرِئُ فِيهِ أَحَدٌ، أَقُولُ فِي غَبَاوَةٍ: أَنَا أَيْضاً أَجْتَرِئُ فِيهِ. 22 أَهُمْ عِبْرَانِيُّونَ؟ فَأَنَا أَيْضاً. أَهُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ؟ فَأَنَا أَيْضاً. أَهُمْ نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ؟ فَأَنَا أَيْضاً. 23 أَهُمْ خُدَّامُ ٱلْمَسِيحِ؟ أَقُولُ كَمُخْتَلِّ ٱلْعَقْلِ: فَأَنَا أَفْضَلُ. فِي ٱلأَتْعَابِ أَكْثَرُ. فِي ٱلضَّرَبَاتِ أَوْفَرُ. فِي ٱلسُّجُونِ أَكْثَرُ. فِي ٱلْمِيتَاتِ مِرَاراً كَثِيرَةً. 24 مِنَ ٱلْيَهُودِ خَمْسَ مَرَّاتٍ قَبِلْتُ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً إِلا وَاحِدَةً. 25 ثَلاثَ مَرَّاتٍ ضُرِبْتُ بِٱلْعِصِيِّ. مَرَّةً رُجِمْتُ. ثَلاثَ مَرَّاتٍ ٱنْكَسَرَتْ بِيَ ٱلسَّفِينَةُ. لَيْلاً وَنَهَاراً قَضَيْتُ فِي ٱلْعُمْقِ. 26 بِأَسْفَارٍ مِرَاراً كَثِيرَةً. بِأَخْطَارِ سُيُولٍ. بِأَخْطَارِ لُصُوصٍ. بِأَخْطَارٍ مِنْ جِنْسِي. بِأَخْطَارٍ مِنَ ٱلأُمَمِ. بِأَخْطَارٍ فِي ٱلْمَدِينَةِ. بِأَخْطَارٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ. بِأَخْطَارٍ فِي ٱلْبَحْرِ. بِأَخْطَارٍ مِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ. 27 فِي تَعَبٍ وَكَدٍّ. فِي أَسْهَارٍ مِرَاراً كَثِيرَةً. فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ. فِي أَصْوَامٍ مِرَاراً كَثِيرَةً. فِي بَرْدٍ وَعُرْيٍ. 28 عَدَا مَا هُوَ دُونَ ذٰلِكَ: ٱلتَّرَاكُمُ عَلَيَّ كُلَّ يَوْمٍ. ٱلٱهْتِمَامُ بِجَمِيعِ ٱلْكَنَائِسِ. 29 مَنْ يَضْعُفُ وَأَنَا لا أَضْعُفُ؟ مَنْ يَعْثُرُ وَأَنَا لا أَلْتَهِبُ؟ 30 إِنْ كَانَ يَجِبُ ٱلٱفْتِخَارُ، فَسَأَفْتَخِرُ بِأُمُورِ ضُعْفِي. 31 اَللّٰهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى ٱلأَبَدِ، يَعْلَمُ أَنِّي لَسْتُ أَكْذِبُ. 32 فِي دِمَشْقَ وَالِي ٱلْحَارِثِ ٱلْمَلِكِ كَانَ يَحْرُسُ مدِينَةَ ٱلدِّمَشْقِيِّينَ يُرِيدُ أَنْ يُمْسِكَنِي، فَتَدَلَّيْتُ مِنْ طَاقَةٍ فِي زَنْبِيلٍ مِنَ ٱلسُّورِ، وَنَجَوْتُ مِنْ يَدَيْهِ (2كورنثوس 11: 16 - 33).

أوضح بولس أن حياته برهان على أمانته، كما أن حياة المعلمين الكذبة برهان على كذبهم. وقد أجبروه على هذا الافتخار، وهو يرجوهم أن يقبلوه كجاهل ليكون له شيء يفاخر به. وهو في هذا لا يتبع مثال المسيح (الذي لم يفتخر أبداً بنفسه). ولو أن الرسول يرى أن هناك أسباباً جعلته يفتخر. ولما كان أهل كورنثوس يقولون إنهم عقلاء ويحتملون الجهلاء، فقد طلب منهم أن يحتملوه وهو يكلمهم. لقد احتملوا المعلمين الكذبة الذين استعبدوهم ونهبوهم وسلبوهم وتكبرَّوا عليهم ولطموهم! ويمضي الرسول فيقول إن هؤلاء المعلمين كَذَبة يفتخرون بأشياء موجودة في بولس نفسه! فهو عبراني مثلهم، من نسل إبراهيم مثلهم. وإنْ كانوا قد خدموا المسيح فهو خدم أكثر. لقد جاهد أكثر منهم جميعهم، وزار بلاداً كثيرة جداً - وفي 1كورنثوس 15: 9 ، 10 يقول بولس إنه اشتغل أكثر من المعلمين الكذبة وأكثر من الرسل الصادقين. والذي يقرأ سفر الأعمال يجد صحَّة هذا الكلام، فقد تعب بولس أكثر من الجميع، وتألم أكثر من الجميع: دخل السجن أكثر من أي شخص آخر، ونحن نذكر ما حدث معه في سجن فيلبي. ثم يقول إنه في الضرب تحمل أكثر، حتى أنه تعرَّض للموت مراراً، كما هو مكتوب «إننا من أجلك نُمَاتُ كل النهار» (رومية 8: 36). لقد جلده اليهود خمس مرات تسعاً وثلاثين جلدة، وكانوا يضربون المذنب 13 جلدة على صدره و13 على جنبه الأيمن و13 على جنبه الأيسر. وكان الناموس حسب التثنية 25: 3 يسمح بأربعين جلدة. ولما كان اليهود يخافون من الخطأ في العدّ، فقد جعلوا الجلد 39 جلدة، يستمع أثناءها المجلود قراءة من سفر التثنية 28: 58 ، 59 ، وتثنية 29: 9. وضُرب الرسول ثلاث مرات بالعصى، ورجموه مرة واحدة بالحجارة، وانكسرت به السفينة ثلاث مرات. وكم سافر رحلات طويلة على قدميه، فتعرَّض لخطر فيضانات الأنهار وسطو اللصوص واضطهاد اليهود والوثنيين، في المدن والصحارى وفي البحر. وإلى جوار الكدّ والتعب والسهر الدائم والجوع والعطش والصوم الكثير والبرد والعري، كان بولس يعاني من متاعب الخدمة والعمل الكثير بسبب غيرته العظيمة على عمل الرب. فقد كان يحب الكنائس جميعاً ويهتم بمصلحتها، فإذا سمع أن بعض المسيحيين ضعفوا في إيمانهم كان قلبه يمتلئ غيرة عليهم حتى يصيبه الضعف. وعندما كان يسمع أن البعض وقع في خطيئة كان يحترق حزناً عليه.

وبالرغم من افتخار بولس بكل الخدمة التي أدّاها، الا أنه دائم الاعتذار عن هذا الافتخار الذي اضطرّوه إليه اضطراراً ودفعوه إليه دفعاً. فإن كان لابد من الافتخار فهو يقول إنه يفتخر بضعفه. والله يعرف أنه لا يكذب.

ويختم الرسول هذا الاصحاح بقصة هروبه من دمشق، التي نجد جانباً منها في سفر الأعمال 9: 24 ، 25 . فإن والي الملك الحارث على دمشق أمر بحراسة المدينة للقبض على بولس، ولكن الإخوة وضعوه في قفة وأنزلوه من كّوَة في السور فنجا. ونستغرب أن الرسول يختم هذا الأصحاح بهذه القصة التي هي أقل بكثير من المعاناة التي عاناها في سبيل الإنجيل. وهناك سببان محتملان لذلك: (1) إن نزوله من حائط عال داخل قفة والجنود يحيطون به من كل جانب يفتشون عنه، أمر أكثر خطورة مما نظن. (2) أو لعل بولس يذكر هذه الحادثة باعتبار أنها أول ما قاساه بعد تجديده. فقد دخل مدينة دمشق كرجل دين تحيطه السلطة اليهودية، وها هو يهرب منها ذليلاً هارباً في قفة من على السور!

آية للحفظ

«اَللّٰهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى ٱلأَبَدِ، يَعْلَمُ أَنِّي لَسْتُ أَكْذِبُ» (2كورنثوس 11: 31).

صلاة

أبانا السماوي، محبتك ملجأنا. خذ بيدي وقُدْني كما تشاء لأسلك في طرق محبتك وأسعى لخلاص كثيرين. اغفر لي اهمالي وادفعني للتبشير لأوصّل رسالة محبتك مهما كلَّفني ذلك من متاعب.

سؤال

12 - لماذا اضطر بولس أن يفتخر؟

13 - لماذا ذكر بولس قصة نزوله من سور دمشق أخيراً؟

4 - إعلان المسيح لبولس يبرهن رسوليته (2كورنثوس 12: 1 - 10)

1إِنَّهُ لا يُوافِقُنِي أَنْ أَفْتَخِرَ. فَإِنِّي آتِي إِلَى مَنَاظِرِ ٱلرَّبِّ وَإِعْلانَاتِهِ. 2 أَعْرِفُ إِنْسَاناً فِي ٱلْمَسِيحِ قَبْلَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً. أَفِي ٱلْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ، أَمْ خَارِجَ ٱلْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ. ٱللّٰهُ يَعْلَمُ. ٱخْتُطِفَ هٰذَا إِلَى ٱلسَّمَاءِ ٱلثَّالِثَةِ. 3 وَأَعْرِفُ هٰذَا ٱلإِنْسَانَ. أَفِي ٱلْجَسَدِ أَمْ خَارِجَ ٱلْجَسَدِ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ. ٱللّٰهُ يَعْلَمُ. 4 أَنَّهُ ٱخْتُطِفَ إِلَى ٱلْفِرْدَوْسِ، وَسَمِعَ كَلِمَاتٍ لا يُنْطَقُ بِهَا، وَلا يَسُوغُ لإِنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا. 5 مِنْ جِهَةِ هٰذَا أَفْتَخِرُ. وَلٰكِنْ مِنْ جِهَةِ نَفْسِي لا أَفْتَخِرُ إِلا بِضَعَفَاتِي. 6 فَإِنِّي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَفْتَخِرَ لا أَكُونُ غَبِيّاً، لأَنِّي أَقُولُ ٱلْحَقَّ. وَلٰكِنِّي أَتَحَاشَى لِئَلا يَظُنَّ أَحَدٌ مِنْ جِهَتِي فَوْقَ مَا يَرَانِي أَوْ يَسْمَعُ مِنِّي. 7 وَلِئَلا أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ ٱلإِعْلانَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي ٱلْجَسَدِ، مَلاكَ ٱلشَّيْطَانِ، لِيَلْطِمَنِي لِئَلا أَرْتَفِعَ. 8 مِنْ جِهَةِ هٰذَا تَضَرَّعْتُ إِلَى ٱلرَّبِّ ثَلاثَ مَرَّاتٍ أَنْ يُفَارِقَنِي. 9 فَقَالَ لِي: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُّوَتِي فِي ٱلضُّعْفِ تُكْمَلُ». فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِٱلْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُّوَةُ ٱلْمَسِيحِ. 10 لِذٰلِكَ أُسَرُّ بِٱلضَّعَفَاتِ وَٱلشَّتَائِمِ وَٱلضَّرُورَاتِ وَٱلٱضْطِهَادَاتِ وَٱلضِّيقَاتِ لأَجْلِ ٱلْمَسِيحِ. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ (2كورنثوس 12: 1 - 10).

يرى بولس أنه لابد أن يستمر في افتخاره، فيتقدم ليتحدث عن اختبارٍ رائع مرَّ به، هو منظر من مناظر الرب وإعلاناته له، فقد رأى بولس رؤيا كشفت له شيئاً إلهياً عظيماً. و قال أحد رجال الدين تعليقاً على رؤيا بولس: يسألني بعضهم إنْ كنتُ أنا قد مررْتُ باختبارٍ مشابه.. هذا لم يحدث. يسألونني إن كنت أظن أن أشخاصاً آخرين مرّوا بمثل هذا الاختبار، وأجيب أن البعض مرَّ بمثله. لا شك أن مثل هذا الاختبار قد أُعطي لبعض الناس تحت ظروف معيّنة، ودائماً بهدف معين. لقد حاول كثيرون أن يخبروني برؤاهم ولكنني لم أكن مهتماً بأن أسمعها. وهناك كثيرون رأوا رؤى مقدسة ولكنهم ظلوا صامتين عن روايتها. لقد مضت أربع عشرة سنة منذ أن رأى بولس رؤياه قبل أن يتحدث عنها، وكان يودّ أن لا يتكلم عنها، لولا أن معارضيه اضطرُّوه إلى ذلك. فقد سمع كلاماً لا يقدر بشر أن ينطق به ولا يجوز له أن يذكره. وفي تواضع يقول الرسول بولس «أعرف إنساناً في المسيح» ولا يقول «أنا». ولا نستطيع أن نتأكد من أنه يتكلم عن نفسه إلا في الآية السابعة عندما يقول «لئلا أرتفع بفرط الإعلانات». لقد اختُطف بولس إلى السماء الثالثة. ترى هل كان هذا الاختطاف جسدياً أم روحياً؟ يؤكد الرسول مرتين أنه لا يعرف إن كان ذلك جسدياً أو روحياً.

ويجيئنا سؤال: لماذا أعطى الرب بولس هذا المنظر؟ الإجابة: ليقويه ويعزيه. كان يمكنه أن يفتخر بمثل هذا الاختبار، ولكنه يقول «أما أنا فلا أفتخر إلا بضعفي. وإذا أردت أن أفتخر فلست جاهلاً، لأني أقول الحق، ولكني لن أفتخر، لئلا يظن أحد أني فوق ما يراني عليه أو يسمعه مني». ولا يتوسَّع الرسول بولس كثيراً في وصف اختباره هذا، حتى لا ينتفخ أكثر، وحتى لا يرفعه المؤمنون في كورنثوس بأكثر مما يجب. على أن هذا الاختبار الرائع في الرؤيا التي رآها بولس أقوى برهان على مسرَّة الرب به في كل ما فعله وما قدَّمه من خدمة للرب.

* * *

ويمضي الرسول ليتكلم في الآيات 7 - 10 عن شيء آخر أعطاه الرب له إلى جوار منظر الرب وإعلاناته، فقد أعطاه شوكة في الجسد. لا ندري ما هي هذه الشوكة. ربما كانت مرضاً. ولا شك أن الرب قاد الرسول بولس ليكتب لنا هذه الحقيقة حتى نتعزى ونحن نحتمل ما يصيبنا من أشواكٍ في الجسد. وعندما جاءت هذه الشوكة على بولس أول الأمر لم يكن يرى أنها شيء صالح، فقد طلب من الرب ثلاث مرات أن يرفعها عنه، ولكن الرب رفض طلبه. واستمرت الشوكة في جسده. وبعد مرور سنوات كشف الرب لبولس السبب الذي من أجله سمح له بهذه الشوكة. فقد كانت عطية إلهية تحفظه من الافتخار والكبرياء. لم يرفع الرب الشوكة عن بولس، ولكنه أعطاه نعمة ليعيش حياة الانتصار بالرغم من تلك الشوكة. وهكذا بدأ الرسول يفتخر بالضيقة التي مرّ بها لأنها قرّبته أكثر إلى الرب، وجعلته أكثر قوة في الروح.

هذا الاختبار الذي مرَّ به بولس يعلّمنا أن الله لا يعطي المؤمن دوماً شفاء من المرض استجابة لصلاته، فإن الله أحياناً يشفي، ولكنه لا يشفي دائماً. وليس المرض رديئاً بالضرورة، فإنه في مرات كثيرة يكون سبب بركة لنا. صلى الرسول ثلاث مرات أن ينال الشفاء، ولكن الرب أجابه بالقول: «تكفيك نعمتي. في الضعف يعمل كمال قدرتي». وهكذا افتخر الرسول راضياً مبتهجاً بضعفه حتى تظلله قوة المسيح.

آية للحفظ

«فَقَالَ لِي: تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُّوَتِي فِي ٱلضُّعْفِ تُكْمَلُ» (2كورنثوس 12: 9).

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك من كل القلب لأنك تعلن لنا إعلانات عظيمة تعطينا التشجيع والقوة. ونشكرك لأنه اذا كنا نمرُّ بضيقات تسمح لنا بها، وترضى أن تصيبنا، فإنك تعطينا النعمة والقوة التي تساعدنا أن ننتصر وسط التجربة. لك الشكر.

سؤال

14 - لماذا حكى الرسول بولس قصة إعلان الرب له بعد مرور أربع عشرة سنة؟

15 - كيف استجاب الله صلاة بولس من أجل شوكة الجسد؟

5 - محبة بولس لأهل كورنثوس تبرهن رسوليته (2كورنثوس 12: 11 - 18)

11قَدْ صِرْتُ غَبِيّاً وَأَنَا أَفْتَخِرُ. أَنْتُمْ أَلْزَمْتُمُونِي! لأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ أُمْدَحَ مِنْكُمْ، إِذْ لَمْ أَنْقُصْ شَيْئاً عَنْ فَائِقِي ٱلرُّسُلِ، وَإِنْ كُنْتُ لَسْتُ شَيْئاً. 12 إِنَّ عَلامَاتِ ٱلرَّسُولِ صُنِعَتْ بَيْنَكُمْ فِي كُلِّ صَبْرٍ، بِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ وَقُّوَاتٍ. 13 لأَنَّهُ مَا هُوَ ٱلَّذِي نَقَصْتُمْ عَنْ سَائِرِ ٱلْكَنَائِسِ، إِلا أَنِّي أَنَا لَمْ أُثَقِّلْ عَلَيْكُمْ؟ سَامِحُونِي بِهٰذَا ٱلظُّلْمِ. 14 هُوَذَا ٱلْمَرَّةُ ٱلثَّالِثَةُ أَنَا مُسْتَعِدٌّ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ وَلا أُثَقِّلَ عَلَيْكُمْ. لأَنِّي لَسْتُ أَطْلُبُ مَا هُوَ لَكُمْ بَلْ إِيَّاكُمْ. لأَنَّهُ لا يَنْبَغِي أَنَّ ٱلأَوْلادَ يَذْخَرُونَ لِلْوَالِدِينَ بَلِ ٱلْوَالِدُونَ لِلأَوْلادِ. 15 وَأَمَّا أَنَا فَبِكُلِّ سُرُورٍ أُنْفِقُ وَأُنْفَقُ لأَجْلِ أَنْفُسِكُمْ، وَإِنْ كُنْتُ كُلَّمَا أُحِبُّكُمْ أَكْثَرَ أُحَبُّ أَقَلَّ! 16 فَلْيَكُنْ. أَنَا لَمْ أُثَقِّلْ عَلَيْكُمْ. لٰكِنْ إِذْ كُنْتُ مُحْتَالاً أَخَذْتُكُمْ بِمَكْرٍ! 17 هَلْ طَمِعْتُ فِيكُمْ بِأَحَدٍ مِنَ ٱلَّذِينَ أَرْسَلْتُهُمْ إِلَيْكُمْ؟ 18 طَلَبْتُ إِلَى تِيطُسَ وَأَرْسَلْتُ مَعَهُ ٱلأَخَ. هَلْ طَمِعَ فِيكُمْ تِيطُسُ؟ أَمَا سَلَكْنَا بِذَاتِ ٱلرُّوحِ ٱلْوَاحِدِ؟ أَمَا بِذَاتِ ٱلْخَطَوَاتِ ٱلْوَاحِدَةِ؟ (2كورنثوس 12: 11 - 18).

بعد أن انتهى بولس من تسجيل فخره، يعترف مرة أخرى أنه قد صار غبياً وهو يفتخر. ولكن أهل كورنثوس هم الذين أجبروه على ذلك، مع أنهم كان يجب أن يدافعوا عنه عندما يسمعون الهجوم المصّوَب ضده، ويعلنوا الأشياء الجميلة التي فيه، ولا يتركون بولس ليقولها عن نفسه. لقد رأى أهل كورنثوس علامات الرسول كلها في بولس، عندما رأوا خدمته المضحية، بكل أناة، وهو يقدم رسالة الإنجيل، وكيف أجرى الله معجزات على يديه. وكان الضعف الوحيد الذي رآه أهل كورنثوس في بولس أنه لم يأخذ منهم معونة مالية. ويقول الرسول «اغفروا لي هذه الإساءة» - أي إساءة أني لا أتقاضى منكم أجراً - كأنه شك في كرمهم ومحبتهم - مع أنه أخذ من غيرهم.

ويعود الرسول بولس يؤكد محبته لأهل كورنثوس، المحبة الحانية الرفيقة، التي لا يمكن أن يجدوها في المعلّمين الكذبة. ويقول الرسول «ها أنا مستعد أن أجيئكم للمرة الثالثة». وإثباتاً لمحبة الرسول لهم يقول إنه عندما يزورهم لن يثقل عليهم، ولن يطلب منهم مالاً، لسببين:

  1. لأنه لا يطلب ما لهم، بل يطلب خلاص نفوسهم.

  2. لأنه أب، والأبناء لا يوفرون لآبائهم بل الآباء هم الذين يوفرون لأبنائهم. وبولس مستعد أن يبذل كل ما عنده راضياً مبتهجاً، بل إنه مستعد أن يبذل حياته نفسها في سبيلهم لأنه يحبهم.

ويضيف بولس تعليقاً لعله يثير حبهم له، يقول فيه: «وإن كنت كلما أحبكم أكثر أُحَبُّ أقل» وكأنه يسألهم: «أيكون أن حبكم لي قليل لأن حبي لكم كثير؟».

ويوضح الرسول نقطة أخرى - يبدو أن الذين انتقدوه قالوا إنه برغم أن بولس لا يأخذ مالاً لنفسه، إلا أنه يحصل على مال عن طريق مساعديه، مثل تيطس. وبولس يدعو أهل كورنثوس ليقفوا ضد هذه الكذبة الموجَّهة ضده، فقد كان أحباؤه الذين أرسلهم إلى أهل كورنثوس يشابهونه تماماً في أنهم يسلكون طريقه، ويعملون بالروح الذي يعمل هو به.

آية للحفظ

«وَأَمَّا أَنَا فَبِكُلِّ سُرُورٍ أُنْفِقُ وَأُنْفَقُ لأَجْلِ أَنْفُسِكُمْ» (2كورنثوس 12: 15).

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك من كل القلب من أجل الخدمة المضحية التي قام بها رجالك القديسون، الذين يعلموننا كيف نقوم بخدمة مضحية نحن أيضاً. ساعدنا لنخدمك بالرغم من كلام الناس وانتقادهم. ساعدنا لكي لا نتأثر بالانتقادات فنتوقَّف عن الخدمة، وأعطنا أن نعمل مشيئتك في حياتنا دائماً.

سؤال

16 - ما هي علامات الرسول التي أظهرها بولس لأهل كورنثوس؟

17 - اشرح كيف يعبّر بولس عن حبه لأهل كورنثوس عندما يقول لهم «لست أطلب ما هو لكم بل إياكم» (آية 14).

6 - بولس سيظهر سلطانه الرسولي عند زيارته القادمة (2كورنثوس 12: 19 - 13: 10)

في هذا الجزء يورد بولس ثلاثة أفكار:

  1. بولس يريد أن يبنيهم (12: 19 - 21)

  2. بولس يمارس سلطانه (13: 1 - 6)

  3. بولس يصلي لأجلهم (13: 7 - 10)

(أ) بولس يريد أن يبنيهم

19أَتَظُنُّونَ أَيْضاً أَنَّنَا نَحْتَجُّ لَكُمْ؟ أَمَامَ ٱللّٰهِ فِي ٱلْمَسِيحِ نَتَكَلَّمُ. وَلٰكِنَّ ٱلْكُلَّ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ لأَجْلِ بُنْيَانِكُمْ. 20 لأَنِّي أَخَافُ إِذَا جِئْتُ أَنْ لا أَجِدَكُمْ كَمَا أُرِيدُ، وَأُوجَدَ مِنْكُمْ كَمَا لا تُرِيدُونَ. أَنْ تُوجَدَ خُصُومَاتٌ وَمُحَاسَدَاتٌ وَسَخَطَاتٌ وَتَحَّزُبَاتٌ وَمَذَمَّاتٌ وَنَمِيمَاتٌ وَتَكَبُّرَاتٌ وَتَشْوِيشَاتٌ - 21أَنْ يُذِلَّنِي إِلٰهِي عِنْدَكُمْ، إِذَا جِئْتُ أَيْضاً وَأَنُوحُ عَلَى كَثِيرِينَ مِنَ ٱلَّذِينَ أَخْطَأُوا مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَتُوبُوا عَنِ ٱلنَّجَاسَةِ وَٱلّزِنَا وَٱلْعَهَارَةِ ٱلَّتِي فَعَلُوهَا! (2كورنثوس 12: 19 - 21).

يؤكد الرسول بولس أنه لا يكتب بهذه الطريقة ليدافع عن نفسه، فإنه لا يأتي بقضيته أمام قضاة ليحاكموه، لكنه يتكلم أمام الله، بهدف أن يساعد أهل كورنثوس وأن يبنيهم في الإيمان. وهو يخشى أنه عندما يقوم بزيارتهم التي وعدهم بها يجدهم في حالة روحية سيئة، على غير ما يجب أن يكونوا. وعندئذ سوف يجدونه على غير ما يحبُّون أن يكون. هو يخاف أن يكون بينهم خلاف وحسد وغضب ونزاع وذمّ ونميمة وكبرياء وبلبلة، ويخاف أن يجد فيهم دعارة وزنا وفتوراً. هناك خطايا الكبرياء وخطايا الجسد التي لا يريد أن يراها بين أهل كورنثوس، لأن بولس عندما يرى مثل هذه الخطايا في الأشخاص الذين قبلوا المسيح على يده، وعندما يراهم غير تائبين عنها، سيكون خَجِلاً مذلولاً حزيناً يبكي على كثيرين منهم.

(ب) بولس يمارس سلطانه

13: 1هٰذِهِ ٱلْمَرَّةُ ٱلثَّالِثَةُ آتِي إِلَيْكُمْ. عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ وَثَلاثَةٍ تَقُومُ كُلُّ كَلِمَةٍ. 2 قَدْ سَبَقْتُ فَقُلْتُ، وَأَسْبِقُ فَأَقُولُ كَمَا وَأَنَا حَاضِرٌ ٱلْمَرَّةَ ٱلثَّانِيَةَ، وَأَنَا غَائِبٌ ٱلآنَ، أَكْتُبُ لِلَّذِينَ أَخْطَأُوا مِنْ قَبْلُ، وَلِجَمِيعِ ٱلْبَاقِينَ: أَنِّي إِذَا جِئْتُ أَيْضاً لا أُشْفِقُ. 3 إِذْ أَنْتُمْ تَطْلُبُونَ بُرْهَانَ ٱلْمَسِيحِ ٱلْمُتَكَلِّمِ فِيَّ، ٱلَّذِي لَيْسَ ضَعِيفاً لَكُمْ بَلْ قَوِيٌّ فِيكُمْ. 4 لأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ صُلِبَ مِنْ ضُعْفٍ لٰكِنَّهُ حَيٌّ بِقُّوَةِ ٱللّٰهِ. فَنَحْنُ أَيْضاً ضُعَفَاءُ فِيهِ، لٰكِنَّنَا سَنَحْيَا مَعَهُ بِقُّوَةِ ٱللّٰهِ مِنْ جِهَتِكُمْ. 5 جَرِّبُوا أَنْفُسَكُمْ، هَلْ أَنْتُمْ فِي ٱلإِيمَانِ؟ ٱمْتَحِنُوا أَنْفُسَكُمْ. أَمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ أَنْفُسَكُمْ أَنَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ هُوَ فِيكُمْ، إِنْ لَمْ تَكُونُوا مَرْفُوضِينَ (2كورنثوس 13: 1 - 6).

ويقول الرسول إنه عندما سيأتي لزيارة كورنثوس سيمارس سلطانه الرسولي، دون أن يشفق على أحد من الذين أخطأوا. فبعد أن يستمع إلى شهادة شاهدين أو ثلاثة سيصدر حكمه كرسول للمسيح، غير ضعيف في معاملتهم، بل بكل قوة بينهم. وهو يذكر مثلاً عن المسيح الذي وإن كان قد صُلب من ضعف، لكنه حيٌّ بقوة الله. فلم يكن المسيح ضعيفاً ليساعد نفسه لينتصر على الصليب، لكنه بتواضع أخلى نفسه آخذاً صورة عبد قابلاً حكم الصليب. وبهذا «الضعف» تقبّل الله قربان فدائه للبشر. وقد قام المسيح من الأموات مُظهراً قوة قيامته. ويقول الرسول بولس إنه مثل المسيح. انه إناء خزفي ضعيف، لكن المسيح القوي المقام الحي المنتصر يسكن فيه، ويبيّن قوة الله في ضعفه.

ويطلب الرسول من أهل كورنثوس أن يمتحنوا أنفسهم وأن يحاسبوها، وأن يقيّموا إيمانهم. هل هم متمسّكون بالإيمان الحق؟ إن المسيح فيهم، ولكن سلوكهم اليومي يُظهر الفشل، والرسول يرجو أن لا يكونوا فاشلين كما أنه هو غير فاشل، وهو يريدهم أن يعرفوا أنه منتصر في المسيح وأنهم قادرون على أن يجدوا نصرتهم في شخص المسيح.

(ج) بولس يصلي من أجلهم

7وَأُصَلِّي إِلَى ٱللّٰهِ أَنَّكُمْ لا تَعْمَلُونَ شَيْئاً رَدِيّاً، لَيْسَ لِكَيْ نَظْهَرَ نَحْنُ مُزَكَّيْنَ، بَلْ لِكَيْ تَصْنَعُوا أَنْتُمْ حَسَناً، وَنَكُونَ نَحْنُ كَأَنَّنَا مَرْفُوضُونَ. 8 لأَنَّنَا لا نَسْتَطِيعُ شَيْئاً ضِدَّ ٱلْحَقِّ بَلْ لأَجْلِ ٱلْحَقِّ. 9 لأَنَّنَا نَفْرَحُ حِينَمَا نَكُونُ نَحْنُ ضُعَفَاءَ وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ أَقْوِيَاءَ. وَهٰذَا أَيْضاً نَطْلُبُهُ كَمَا لَكُمْ. 10 لِذٰلِكَ أَكْتُبُ بِهٰذَا وَأَنَا غَائِبٌ، لِكَيْ لا أَسْتَعْمِلَ جَزْماً وَأَنَا حَاضِرٌ، حَسَبَ ٱلسُّلْطَانِ ٱلَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهُ ٱلرَّبُّ لِلْبُنْيَانِ لا لِلْهَدْمِ (2كورنثوس 13: 7 - 10).

في هذه الآيات يعلن الرسول أنه يصلي من أجل أهل كورنثوس ليحيوا حياة مقدسة لكي لا يعملوا شراً. وصلاته من أجلهم ليست بهدف أن يظهر عمله ناجحاً، ولكن لأن يعملوا هم العمل الصالح الذي يُظهر نجاحهم الروحي. انه يرجو لهم النجاح الروحي بغضّ النظر عن رفض بعضهم لسلطان بولس كرسول، واتبِّاعهم لرسل كَذَبة. والرسول يقول «فنحن لا نقدر على مقاومة الحق. فإذا لقي الحق مقاومة فلابد أن ينتصر في النهاية».

عزيزي القارئ، دعنا نخدم الحق ونحن متأكدون أن الانتصار دوماً إلى جانبنا. إن بولس يرجو أن لا يمارس سلطانه الرسولي حتى لو ظهر ضعيفاً، لكنه يرجو أن يكون أهل كورنثوس كاملين. ويوضح الرسول أنه كتب كلمات التوبيخ هذه راجياً أن يتوبوا لئلا يعاملهم بقسوة عندما يحضر، حسب السلطة التي وهبها الرب له للبنيان لا للهدم، ولو أن الرسول عمل على هدم الخطأ لكي يبني الصواب.

آية للحفظ

«جَرِّبُوا أَنْفُسَكُمْ، هَلْ أَنْتُمْ فِي ٱلإِيمَانِ؟ ٱمْتَحِنُوا أَنْفُسَكُمْ» (2كورنثوس 13: 5).

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك من كل القلب لأنك تريد لنا أن نكون كاملين ناضجين أقوياء. تريد أن تبنينا بمحبتك وبكلمتك. ساعدنا لننمو دوماً في النعمة، ولنكون موفَّقين ببركتك.

سؤال

18 - لماذا يقول بولس إنه سينوح على كثيرين من الذين أخطأوا ولم يتوبوا؟

19 - ماذا يقصد الرسول عندما يقول إن المسيح صُلب عن ضعف لكنه حي بقوة الله؟

7 - الخاتمة (2كورنثوس 13: 11 - 14)

11أَخِيراً أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ ٱفْرَحُوا. اِكْمَلُوا. تَعَّزَوْا. اِهْتَمُّوا ٱهْتِمَاماً وَاحِداً. عِيشُوا بِٱلسَّلامِ، وَإِلٰهُ ٱلْمَحَبَّةِ وَٱلسَّلامِ سَيَكُونُ مَعَكُمْ. 12 سَلِّمُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَةٍ. 13 يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ جَمِيعُ ٱلْقِدِّيسِينَ. 14 نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ ٱللّٰهِ، وَشَرِكَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ (2كورنثوس 13: 11 - 14).

يختم الرسول رسالته بهذه العبارات الوداعية، فيطلب من أهل كورنثوس أن يفرحوا بالمسيح فاديهم، ويطلب منهم أن يسعوا إلى الكمال بإصلاح الخطأ الذي فيهم في النظام وفي السيرة. ويطلب منهم أن يتعّزوا ويتشجعوا في ضيقاتهم. والإنجيل مملوء بالتعزية للحزانى والمتعبين، فالله إله كل تعزية. ويطلب أن يهتموا اهتماماً واحد بأن يتّحدوا برئيسهم المسيح، الذي يجعلهم إخوة ذوي فكر واحد. ويطلب أن يعيشوا في سلام، بعيدين عن التحّزب والانقسام. ويرجو لهم أن إله المحبة واله السلام يكون معهم ليمنحهم الفرح والسعي إلى الكمال والتشجيع والرأي الواحد.

ثم يطلب منهم الرسول أن يسلّموا على بعضهم البعض بقُبْلة مقدسة، لأنها علامة الاتحاد المقدس. ثم يهديهم سلام جميع القديسين المؤمنين الذين كانوا معه في مكدونية حيث كتب هذه الرسالة. وقد قال في الرسالة الأولى: «تسلم عليكم كنائس آسيا» لأنه كتب الرسالة الأولى من آسيا.

ويختم رسالته بالبركة الرسولية التي يقول فيها: «نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله، وشركة الروح القدس مع جميعكم». وقد امتازت البركة هنا بأن ذكر فيها كلاً من الأقانيم الثلاثة. وقد اتخذت الكنائس المسيحية خاتمة رسالة كورنثوس الثانية بركة للعبادة الجمهورية. هذه الآية تشتمل على كل فوائد الفداء، وتُطلب النِّعم المذكورة من الإله الواحد المثلث الأقانيم. النعمة من يسوع المسيح - الرب - والنعمة هنا هي رضاه ومحبته المنقذة التي لا نستحقها. ويهديهم محبة الآب أصل عمل الفداء - «ٱللّٰهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ ٱلْمَسِيحُ لأَجْلِنَا» (رومية 5: 8). ويطلب لهم شركة الروح القدس، فالروح القدس يوصّل إلينا كل فوائد الفداء، ويقدّرنا أن نؤمن بالفادي ونتمسك بالخلاص. وعطية الروح القدس هي شركة ، لأنها عطية يشترك فيها كل شعب الله، والروح القدس هو الذي يجعل المؤمنين جسداً واحداً. وهذه الشركة هي اتحاد عام كامل دائم، يجمع المؤمنين في كل العالم.

هذه البركة التي تُستعمل في العبادة في كل الكنائس تذكّر المؤمنين أنهم اشتُروا بدم واحد، ودُعوا من أب واحد، وقُدِّسوا بروح واحد، فيجب أن يتَّحدوا بعضهم ببعض وبرأسهم الالهي.

والكلمة الأخيرة: آمين. تعني أن الله يوافق على تمنياتك، ويستجيب صلواتك، إذ تثبت مع جميع القديسين في شركة الروح القدس. عندئذ تعظّمون الله أباكم وتشكرونه لخلاص المسيح الظاهر لكم في نعمة الروح القدس ومحبته السرمدية.

آية للحفظ

«أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ ٱفْرَحُوا. اِكْمَلُوا. تَعَّزَوْا. اِهْتَمُّوا ٱهْتِمَاماً وَاحِداً» (2كورنثوس 13: 12).

صلاة

يا أبانا السماوي، نشكرك ونسجد لك بفرح لأنك أحببتنا فبذلت ابنك عنا، ولأن ابنك فدانا من عبودية الشيطان ومن أسر الخطية، ونعمته غمرتنا. ونشكرك لأن المسيح يسكن في قلوبنا بالإيمان، ليجعل منا قديسين كاملين في قوة روحك القدوس في فضائل المحبة والسلام والفرح.

سؤال

20 - كيف ترى عمل الثالوث الأقدس في البركة الرسولية في الآية الأخيرة من الرسالة؟

المسابقة الثانية في دراسة رسالة كورنثوس الثانية

أيها القارئ العزيز

إن تعمقت في دراسة الكتاب المقدس وتفسيره تستطيع أن تجاوب بسهولة على الأسئلة الموجودة في نهاية كل جزء من أجزاء الرسالة.

إن جاوبت إجابة صحيحة على خمسة عشر سؤالاً من الأسئلة العشرين، نرسل لك كتاباً جائزة.

  1. كيف صارت كنائس مكدونية قدوة لنا في التضحية؟

  2. كيف كان المسيح مثالاً لنا في العطاء؟

  3. لماذا يتأخر بعض المؤمنين عن العطاء؟

  4. اذكر مبدأً من مبادئ الجمع في الكنيسة؟

  5. اذكر فائدة تعود على المعطي من العطاء؟

  6. اذكر فائدة من العطاء تعود على الذي يأخذ؟

  7. ما معنى أن الإنسان يسلك «حسب الجسد»؟

  8. بمن قاس المعلّمون الكذبة أنفسهم؟

  9. ما هو المقياس الصحيح الذي يجب أن نقيس نفوسنا به؟

  10. اذكر سببين جعلا بولس يفتخر بأنه رسول لأهل كورنثوس؟

  11. لماذا اشتغل بولس بيديه وتعب للحصول على معيشته؟

  12. لماذا اضطر بولس أن يفتخر؟

  13. لماذا ذكر بولس قصة نزوله من سور دمشق أخيراً؟

  14. لماذا حكى الرسول بولس قصة إعلان الرب له بعد مرور أربع عشرة سنة؟

  15. كيف استجاب الله صلاة بولس من أجل شوكة الجسد؟

  16. ما هي علامات الرسول التي أظهرها بولس لأهل كورنثوس؟

  17. اشرح كيف يعبّر بولس عن حبه لأهل كورنثوس عندما يقول لهم «لست أطلب ما هو لكم بل إياكم» آية 14.

  18. لماذا يقول بولس إنه سينوح على كثيرين من الذين أخطأوا ولم يتوبوا؟

  19. ماذا يقصد الرسول عندما يقول إن المسيح صُلب عن ضعف لكنه حي بقوة الله؟

  20. كيف ترى عمل الثالوث الأقدس في البركة الرسولية في الآية الأخيرة من الرسالة؟

أرسل اجاباتك لنا بخط واضح، ولا تنْسَ أن تكتب عنوانك كاملاً وبوضوح. أرسل الإجابة فقط، بدون تعليقات أخرى، لئلا تُهمَل. ونحن بانتظار إجاباتك.


Call of Hope
P.O.Box 100827 
D-70007 
Stuttgart 
Germany