العودة الى الصفحة السابقة
من هو مؤسس المسيحيّة؟

من هو مؤسس المسيحيّة؟

اسكندر جديد


Bibliography

من هو مؤسس المسيحيّة؟. اسكندر جديد. Copyright © 2007 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى . 1971. SPB 4040 ARA. English title: Who is the Founder of Christianity. German title: Wer ist der Begründer des Christentums. Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 70007 Stuttgart Germany http: //www.call-of-hope.com .

السؤال الأول:

من هو مؤسس المسيحية، يسوع المسيح أم بولس؟ وهل أسس يسوع ديناً عالمياً، أم قصر جهوده على شعب اليهود؟ ألم يستخدم بولس اسم يسوع وشهرته في إذاعة آرائه؟ وهل كان يسوع سيد بولس؟

(ع. م. بيروت - لبنان)

قال بعض النقاد إنَّ بولس استخدم اسم يسوع المسيح ونفوذه لإذاعة آرائه، كما فعل أفلاطون في استخدام اسم سقراط. وبينما يضع بولس يسوع في مرتبة الكرامة العليا، نراه هو يعلو إلى مرتبة أعلى من سيّده. والمعروف أنَّ بولس لم يعرف يسوع بالجسد. أفلا يمكن أن يكون الدين الذي أنشأه بولس تركز حول شخصية خيالية، ليس يسوع التاريخ، بل هو مثل أعلى رسمه بولس في خيالاته؟ - انتهى قول الناقد-

مثل هذا الزعم يمكن دحضه بدراسة بشارة يوحنا ورسائله، فهذا الرسول لا يمت إلى بولس بأية صلة، ولم يتلقَّ مسيحيّته عند قدمي بولس، بل كان أحد صحابة يسوع، وقد لُقّب «بالتلميذ الذي كان يسوع يحبه» وكتب يوحنا لنا شهادته عن أمجاد يسوع بيقين شاهد العيان، إذ يقول: «وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ ٱلآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً» (الإنجيل بحسب يوحنا 1: 14)... «اَلَّذِي كَانَ مِنَ ٱلْبَدْءِ، ٱلَّذِي سَمِعْنَاهُ، ٱلَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، ٱلَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ ٱلْحَيَاةِ. فَإِنَّ ٱلْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ ٱلَّتِي كَانَتْ عِنْدَ ٱلآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا. ٱلَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضاً شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ ٱلآبِ وَمَعَ ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (1يوحنا 1: 1-3)... «نَعْلَمُ أَنَّنَا نَحْنُ مِنَ ٱللّٰهِ، وَٱلْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي ٱلشِّرِّيرِ. وَنَعْلَمُ أَنَّ ٱبْنَ ٱللّٰهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ ٱلْحَقَّ. وَنَحْنُ فِي ٱلْحَقِّ فِي ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. هٰذَا هُوَ ٱلإِلٰهُ ٱلْحَقُّ وَٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (1 يوحنا 5: 19 و20).

وحين نقرأ بشارة يوحنا ورسائله نرى أنَّ يوحنا البشير والرسول الملهم، يضع يسوع في مكانة فائقة السمو، كما يضعه بولس، ويصوره شخصية عالمية عميقة الأثر في تاريخ الإنسانية كما يصوره بولس. ولا نندهش من هذا التوافق، لأن يسوع هو الذي ألهم بولس ويوحنا كليهما. فكيف يزعم مكابر أنَّ بولس هو مؤسس المسيحيّة! على أنَّ مثل هذا الزعم الذي يذهب إليه بعضهم يثبت لنا أنَّ مسيحيّة العصر الرسولي لم تكن صورة مخفضة لمسيحيّة المسيح. أما التعليل الصحيح فهو أنّ المسيح له المجد استمر مع أتباعه بروحه القدوس الذي أرسله إليهم.

ولكي يكتمل اقتناعنا في هذا الاتجاه، لنتعقب تاريخياً العلاقة الصحيحة بين فكرة يسوع العالمية وبين فكرة رسله الأوَّلين. ولدى التأمل بعمق في أعمال ربنا يسوع وتعاليمه في هذا الصدد يجب أن نواجه ثلاثة احتمالات: فإما أن يكون يسوع قد قصد عمداً حصر إنجيله وملكوته في الأمة اليهودية وإقصاء الأمم، وإما أنّه لم يتعرض لمسألة إدخال الأمم في نطاق دعوته، وإما أن يكون قصد فعلاً إدخال البشرية كلها.

لما أرسل الاثني عشر للكرازة، أوصاهم قائلاً: «إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا، وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. بَلِ ٱذْهَبُوا بِٱلْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ ٱلضَّالَّةِ» (الإنجيل بحسب متى 10: 5-6). ولكن هذا التخصيص لم يكن مقصوداً به أمراً دائماً، بل كان مقتصراً على مهمة معينة بالذات، لأننا في نصوص الإنجيل نرى من الأدلة ما يؤكد لنا أنَّ يسوع كان يفتح قلبه وحياته ورسالته لجميع بني البشر على اختلاف جنسياتهم. فقد تحدث بعطف ومودة وكشف ذاته لامرأة من السامريين عند بئر يعقوب، ثم ظل يومين في مدينتها يعلم شعبها (الإنجيل بحسب يوحنا 4: 4-42). وقام برحلة إلى تخوم صور وصيداء، وهناك شفى ابنة امرأة أممية كنعانية وامتدح إيمانها (الإنجيل بحسب متى 15: 21-28).

ومرة كان ماراً بالسامرة والجليل وأبرأ عشرة برص، كان بينهم سامرياً (الإنجيل بحسب لوقا 17: 11-14) وفي كفرناحوم شفى غلام قائد مئة روماني وثني (الإنجيل بحسب متى 8: 5-13). ويخبرنا يوحنا الإنجيلي أنه فرح وتهلل يوم جاء وفد يوناني لمقابلته في أورشليم (الإنجيل بحسب يوحنا 12: 20-23). ويخبرنا متى الإنجيلي أنَّ يسوع بعد القيامة أمر تلاميذه أنَّ يذهبوا ويتلمذوا جميع الأمم ويعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس (الإنجيل بحسب متى 28: 19) ويخبرنا مرقس الإنجيلي أنَّ يسوع قال لتلاميذه قبيل صعوده إلى السماء: «ٱذْهَبُوا إِلَى ٱلْعَالَمِ أَجْمَعَ وَٱكْرِزُوا بِٱلإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» (الإنجيل بحسب مرقس 16: 15). فهذا كله يدل بما لا يقبل الجدل على أنَّ رسالة المسيح هي رسالة عالمية.

قد ينبري بعضهم لاستبعاد كل ما يخالف نظرياتهم، فيقول إن هذه الأخبار دُسَّت في البشائر في وقت متأخر، بواسطة قادة الكنيسة. لذلك أرى لزاماً عليَّ أن أسوق بعض الملاحظات التي يتعذر على أحد الزعم أنها حُشرت بين السطور في وقت متأخر:

فأول ما نرى أنَّ يسوع لم يحصر قط تعاليمه وآماله في أمة اليهود فقط، بل كانت الأرض بأسرها هدفاً له، بدليل قوله: «جِئْتُ لأُلْقِيَ نَاراً عَلَى ٱلأَرْضِ، فَمَاذَا أُرِيدُ لَوِ ٱضْطَرَمَتْ؟» (الإنجيل بحسب لوقا 12: 49). وفي نموذج الصلاة الذي علمه في العظة على الجبل، والذي أُطلق عليه اسم الصلاة الربانية قال: «لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي ٱلسَّمَاءِ كَذٰلِكَ عَلَى ٱلأَرْضِ» (الإنجيل بحسب متى 6: 10). وفي شرح مَثل الزوان قال: الحقل هو العالم (الإنجيل بحسب متى 13: 38). ولعل أروع ما جاء في عظته على الجبل قوله لتلاميذه: «أَنْتُمْ مِلْحُ ٱلأَرْضِ، أَنْتُمْ نُورُ ٱلْعَالَمِ» (الإنجيل بحسب متى 5: 13 و14). كل هذه العبارات ما كان يسوع لينطق بها إلا إذا كان مراده أن تتجاوز رسالته تخوم الأمة اليهودية.

وهناك عبارات صريحة وحاسمة تدل على أنَّ رسالة المسيح عالمية، ولا يمكن أن تقتصر على شعب معين. منها قول ربنا المبارك:

  • «وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَزَ أَوَّلاً بِٱلإِنْجِيلِ فِي جَمِيعِ ٱلأُمَمِ... اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهٰذَا ٱلإِنْجِيلِ فِي كُلِّ ٱلْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضاً بِمَا فَعَلَتْهُ هٰذِهِ، تَذْكَاراً لَهَا» (الإنجيل بحسب مرقس 13: 10، 14: 9).

  • «وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ مِنَ ٱلْمَشَارِقِ وَٱلْمَغَارِبِ وَيَتَّكِئُونَ مَعَ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ، وَأَمَّا بَنُو ٱلْمَلَكُوتِ فَيُطْرَحُونَ إِلَى ٱلظُّلْمَةِ ٱلْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ ٱلْبُكَاءُ وَصَرِيرُ ٱلأَسْنَانِ» (الانجيل بحسب متى 8: 11 و12).

  • «وَهٰكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ ٱلْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ، وَأَنْ يُكْرَزَ بِٱسْمِهِ بِٱلتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ ٱلْخَطَايَا لِجَمِيعِ ٱلأُمَمِ، مُبْتَدَأً مِنْ أُورُشَلِيمَ» (الإنجيل بحسب لوقا 24: 46-47).

يتضح مما تقدم أنَّ رسالة الإنجيل جامعة شاملة، وأنَّ يسوع كان يعد التدابير لامتداد الملكوت إلى الأمم، حتى حان الوقت الملائم. ونفهم من قوله «حيثما يُكرز بهذا الإنجيل في كل العالم» أنَّ ربنا عرف مقدماً أنَّ عالم الأمم، سيقبل رسالة الإنجيل.

السؤال الثاني:

يزعم طبيب الأسنان الذي يعالجني أنَّ المسيح كان منصهراً في بوتقة اليهودية، وأنَّه سكب تعاليمه في قوالب يهودية، وقد شجع على تقوقع المسيحيّة في زمنه وراء الحواجز اليهودية. ثم يقول الطبيب إنه معجب ببطرس، ويرى فيه رائد الدين المسيحي الأول، إذ حطم هذه الحواجز اليهودية لتنطلق المسيحيّة إلى الأمم. ويستشهد الطبيب على تجمد المسيح في اليهودية بقول يسوع للاثني عشر: «إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا، وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. بَلِ ٱذْهَبُوا بٱلْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ ٱلضَّالَّةِ» (الإنجيل بحسب متى 10: 5 و6) فما هو ردّكم على ذلك؟

(م. ا. ع. السقلبية - سوريا)

ما زعمه صديقك طبيب الأسنان غير صحيح، لأنَّ رسالة المسيح جاءت رسالة خلاصية للعالم أجمع. وقد أعلن المسيح هذه الحقيقة بوضوح للرئيس اليهودي نيقوديموس، إذ قال له: «لأَنَّهُ هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ. لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ ٱللّٰهُ ٱبْنَهُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيَدِينَ ٱلْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ ٱلْعَالَمُ» (الإنجيل بحسب يوحنا 3: 16 و17). وأيضاً نرى أممية رسالة المسيح في الموعد الذي قطعه الله لإبراهيم بأنه بالمسيح الآتي من نسله، تتبارك كل قبائل الأرض.

أما قوله إلى الاثني عشر: «إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا، وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. بَلِ ٱذْهَبُوا بِٱلْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ ٱلضَّالَّةِ» (الإنجيل بحسب متى 10: 5 و6) فهو لا يعني حصر رسالته بأمة اليهود، وإنما أراد أن يبدأ عمله الإنجيلي في وطنه فلسطين أولاً، ثم يمتد بعد ذلك إلى الأمم. وإننا لنرى هذا في قوله: «وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هٰذِهِ ٱلْحَظِيرَةِ، يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضاً فَتَسْمَعُ صَوْتِي، وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ» (الإنجيل بحسب يوحنا 10: 16) وكأنّي بالرب يسوع أراد أن يكسر كبرياء وزهو اليهود الذين زعموا أنَّ المسيح يجب أن يجمع خرافه من بينهم. ولهذا قال إنَّ له خرافاً أُخر يجب أن يأتي بها حتى تكون مع مختاري الله من كل الشعوب رعية واحدة. ولإتمام هذا ينبغي أن يخلصهم من ضلالاتهم الوثنية كالخروف الضال (الإنجيل بحسب لوقا 15: 5).

وكان أمره اليومي لرسله بعد قيامته: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ، فَٱذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ٱلأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِٱسْمِ ٱلآبِ وَٱلِٱبْنِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلأَيَّامِ إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ» (الإنجيل بحسب متى 28: 18-20) ففي هذه الآيات نرى ثلاثة أمور مهمة:

  1. أكدّ المسيح للرسل قوته، فمن الطبيعي أنه لا يوجد شيء ليس في متناول يده هو المنتصر على الموت. فهم إذاً يخدمون سيداً له سلطان في السماء وعلى الأرض.

  2. وهو بعثهم في مهمة عالمية، إذ أرسلهم ليجعلوا العالم كله تلاميذ له. وهذا يعني صراحة أنَّ يسوع أراد أن يربح جميع الناس لشخصه.

  3. وقد وعدهم أن يكون معهم حيثما وُجدوا. فقد كان من المذهل أن يستطيع أحد عشر جليليّاً أن يقوموا برسالة كهذه، ولكن وعده لهم بأنهم لن يكونوا وحدهم، بل سيكون معهم ملأهم بالشجاعة. وبالفعل خرجوا إلى العالم وكرزوا بالإنجيل. حتى قيل بين الأمم: إنَّ هؤلاء فتنوا المسكونة (أعمال 17: 6).

أما قول صديقك الطبيب بأنَّ الإنجيل انتشر بين الأمم بواسطة بطرس، فأمر يحتاج إلى إعادة النظر. فأول من بشر بين الأمم بالإنجيل كان المسيح نفسه، إذ يخبرنا يوحنا الإنجيلي أنّه كشف أمره لامرأة سامرية عند بئر يعقوب، وأخبرها بأنَّ عبادة الله غير محصورة في مكان ما، وعلمها أنَّ الله روح، وأنَّ السجود له ينبغي أن يكون بالروح والحق. ثم ظل يومين في مدينتها وعلم شعبها قوانين ملكوت السموات (الإنجيل بحسب يوحنا 4: 4-42). وكان يسوع أول من نقل خلاص الله خارج حدود فلسطين وذلك في نواحي صور وصيدا، حيث شفى فتاة كنعانية (الإنجيل بحسب متى 15: 21-28).

صحيح أنَّ بطرس تلقى إرشاداً إلهياً في رؤيا أن يذهب إلى بيت كرنيليوس الوثني ليعمده (أعمال 10)، ولكن سعة انتشار الإنجيل بين الأمم يعود إلى استخدام الله لبولس الملقَّب برسول الأمم العظيم، بدليل قول الرب لحنانيا، عندما أمره بالذهاب لمقابلة بولس: «لأَنَّ هٰذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ ٱسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ» (أعمال 9: 15). وحين نقرأ سفر الأعمال ورسائل بولس، يتأكد لنا أنَّ بولس قد نشر الإنجيل فعلاً بين الأمم، وأنَّه هو الذي أسس الكنائس في آسيا الصغرى، وأنَّه ورفاقه أول من نشروا الإنجيل في أوروبا، حيث تأسست كنائس مجيدة.

إنّه افتراء عظيم على الحقيقة أن يزعم أحد أنَّ المسيح صهر المسيحية في قوالب يهودية جامدة، لأنَّ أقوال المسيح وأعماله المدونة في الإنجيل تنقض هذا الادِّعاء. وما انتشار المسيحيّة كما صاغها المسيح في كل العالم، ووجود إنجيلها في ما يزيد على 1500 لغة، إلا تتمة لأمر المسيح: «ٱذْهَبُوا إِلَى ٱلْعَالَمِ أَجْمَعَ وَٱكْرِزُوا بِٱلإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» (الإنجيل بحسب مرقس 16: 15)، وهذا برهان ساطع على أمميتها.

ومن السُّخف أن يزعم أحد أنَّ المسيح شجع على تقوقع المسيحية في قوالب يهودية، لأنه لو هادن اليهود، وقبل التقوقع في حرفية ناموس موسى، لأسرع اليهود بالاعتراف به، بأنه المسيا الآتي، بدلاً من أن يصلبوه.

من المعروف أنَّ اليهودية تضع الوصية الخاصة بالسبت في أعلى مكان من الاهتمام والتقدير، ولكن المسيح في تعليمه كسر فريضة السبت، وتبعاً لذلك حكم اليهود عليه بالموت صلباً.

وفي حوار علني مع رؤساء اليهود هدم المسيح ذلك الصرح المجيد الذي بنوه لأنفسهم باعتبارهم أبناء إبراهيم، إذ قال لهم: «لَوْ كُنْتُمْ أَوْلاَدَ إِبْرَاهِيمَ لَكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ إِبْرَاهِيمَ... أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ ٱلْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي ٱلْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ. مَتَى تَكَلَّمَ بِٱلْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو ٱلْكَذَّابِ» (الإنجيل بحسب يوحنا 8: 39-44).

وكم يجب أن نشكر الله لأجل أمر المسيح: «ٱذْهَبُوا إِلَى ٱلْعَالَمِ أَجْمَعَ وَٱكْرِزُوا بِٱلإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» ولأجل الله الذي شاءت عنايته أن يُكرَز بالإنجيل في كل جيل وعصر، ولأجل الرسل الذين جهزهم المسيح للعمل وأيدهم بالروح القدس، وأمرهم بأن يجوبوا البراري والقفار حاملين بشارة الإنجيل. وتبعاً لذلك انتشر إنجيل الله في كل الأرض، ومع إنجيل الله قامت المدنيات، وانتقلت ربوات من البشر من الظلمة إلى النور. والتاريخ شاهد على ذلك، فالمسيح شاء أن تكون المسيحية ديانة أممية، وحينما يشاء المسيح، الذي دُفع إليه كل سلطان في السماء وعلى الأرض، فمشيئة المسيح تتم رغماً عن قوات العالم المضادة.

السؤال الثالث:

نقرأ في الإنجيل: أنَّ امرأة كنعانية جاءت إلى المسيح وسألته أن يشفي ابنتها المجنونة، فقال لها: «لَيْسَ حَسَناً أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ ٱلْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَبِ» (متى 15: 21-26). وكذلك أنَّ امرأة سامرية، جاءت لتستقي من البئر وكان المسيح هناك، فقال لها أعطني لأشرب، لأنّ تلاميذه كانوا قد مضوا إلى المدينة ليبتاعوا طعاماً «َقَالَتْ لَهُ ٱلْمَرْأَةُ ٱلسَّامِرِيَّةُ: كَيْفَ تَطْلُبُ مِنِّي لِتَشْرَبَ، وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ وَأَنَا ٱمْرَأَةٌ سَامِرِيَّةٌ؟» لأَنَّ ٱلْيَهُودَ لاَ يُعَامِلُونَ ٱلسَّامِرِيِّينَ» (يوحنا 4: 7-9).

يتّضح من الاطلاع على الآية الأولى أنَّ المسيح يريد عدم مخالطة اليهود للأجانب لأنه خاطب الكنعانية بقساوة. ويتَّضح من الآية الثانية أنَّه طلب من امرأة سامرية أن يشرب فاعترضت على طلبه كما اعترض هو على الكنعانية، فكيف يتفق ذلك؟

م.ب. حلب - سوريا

لقد وقف كثيرون من الناس حيارى أمام قصة المرأة الكنعانية. ولكي يتسنى لك أن تلّم بالموضوع، أورد لك القصة كما جاءت في الإنجيل: «ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَٱنْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ. وَإِذَا ٱمْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ ٱلتُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ: «ٱرْحَمْنِي يَا سَيِّدُ يَا ٱبْنَ دَاوُدَ. اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدّاً». فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ: «ٱصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!» فَأَجَابَ: «لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ ٱلضَّالَّةِ». فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً: «يَا سَيِّدُ أَعِنِّي!» فَأَجَابَ: «لَيْسَ حَسَناً أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ ٱلْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَبِ». فَقَالَتْ: «نَعَمْ يَا سَيِّدُ. وَٱلْكِلاَبُ أَيْضاً تَأْكُلُ مِنَ ٱلْفُتَاتِ ٱلَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا». حِينَئِذٍ قَالَ يَسُوعُ لَهَا: «يَا ٱمْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ». فَشُفِيَتِ ٱبْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ» (متى 15: 21-28).

ويبدو من ظاهر القصة أنَّ موقف يسوع لا ينسجم مع ما عُهد فيه من لطف ورحمة. ويظهر موقفه الغريب ثلاث مرات: أولاً: حين صمت «ولم يجبها بكلمة» وثانياً حين قال: «لم أُرسَل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة» وثالثاً حين قال: «ليس حسناً أن يُؤخذ خبز البنين ويُطرح للكلاب». ويخيل لنا أنّ يسوع في هذه القصة، ليس يسوع الرقيق الحنون، الذي صوَّره الإنجيل، والذي استجاب دائماً لصيحات المحتاجين والملهوفين، والذي تجسدت فيه الرقة والعذوبة واللطف نحو جميع الناس. وكأنه ليس يسوع الذي خلّد للأجيال مثل السامري الصالح، الذي رسم فيه للإنسانية بخطوط بارزة معنى الخير والإحسان والبر بالقريب، وأهاب بالناس أن يتخطوا العوائق العنصرية، حين يواجهون حاجات البائسين والمحتاجين. إنّه في الواقع لبعيد جداً أن نتصور يسوع يمتنع عن إسعاف امرأة، لمجرد أنّها غريبة عن بيت إسرائيل؟

فكيف نفسِّر هذا الموقف الغريب؟ لقد حاول بعض المفسرين التخفيف من حدة كلام يسوع تارة، وتبرير مسلكه نحو المرأة تارة أخرى. فقيل إنّ الكلمة التي استعملها يسوع للدلالة «على الكلاب» وردت في صورة التصغير، ويُقصد بها الجراء المدللة التي يربونها في البيوت. وقد نطق يسوع بهذه العبارة بأسلوب فَكِهٍ للمداعبة والمباسطة. ولا شك في أنَّ عذوبة مظهره ورقة لسانه وطلاوة حديثه قد لاشت من الألفاظ مظهرها الخارجي الجاف. ولكن يبقى بعد هذا أن نعلل الموقف السلبي الذي وقفه يسوع حيال المرأة، وإنكاره حق الخارجين عن رعوية إسرائيل في التمتع برسالته، بقوله: «لم أُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل»

وقيل أيضاً تعليلاً لمسلك يسوع إزاء المرأة إنّه أراد أن يجرب إيمانها ويمتحنه. وكأنما أراد أن يرغمها، لتكون أشبه بالأرملة الملحة، التي انتزعت الإنصاف من قاضي الظلم باللجاجة والإلحاح. ولكن عهدنا في يسوع أنَّه غير هذا، فهو لا يرضى أن يجرب إيمان امرأة في ساعة من الشدة والضيق، ولا أن يمحصها بهذا الأسلوب. ولا بد أنَّ ضمائرنا لا ترتاح إلى هذا التعليل، الذي لا ينسجم مع شخصية يسوع العذبة الحلوة. سيما وهو قد عرف سرائر الناس، وأدرك لأول وهلة مقدار إيمان هذه المرأة، ولم يكن في حاجة إلى الضغط عليها ليعرف مدى إيمانها وقوته.

ومما قيل أيضاً في تأويل القصة أنَّ صمت يسوع حيال المرأة مرجعه التفكير في ما عسى أن يفعل، وكأنما دخل في حوار صامت مع نفسه، أيتسع مدى حنانه فيتعدى حدود بعثته وتشمل رسالته العالم الوثني؟ وليس يهون علينا قبول هذا الشرح، ولا التسليم بأن يسوع فكر هكذا. أو أنه راح يوازن بين ما يفعل وما لا يفعل، وهل يعطي المرأة سؤلها أم لا يعطيها.

في اعتقادي أنَّ أفضل تأويل لتصرف الرب يسوع هو ما يلي: كانت نهاية أيامه على الأرض تقترب، لذلك كان في حاجة ماسة إلى عزلة قصيرة بعيداً عن الجماهير، ليجهز تلاميذه لهذه النهاية بتعاليمه وإرشاداته. حتى إذا جاء الصليب كانوا على استعداد لفهم هدفه. ولم يجد مكاناً هادئاً في فلسطين، فأينما ذهب كانت الجماهير تلاحقه. وفوق هذا، كانت السلطة الدينية اليهودية قد نبذته وراحت تطارده، فاتجه نحو الشمال، وتخطى الجليل إلى تخوم صور وصيداء. فهناك كان بعيداً عن أعين أعدائه الفريسيين، كما أنّه لم يكن منتظراً أن تتبعه الجماهير إلى أرض الامة الوثنية. وكانت أخبار معجزاته وأعماله الشفائية، قد ذاعت في تلك التخوم.

ولكن ما أن علمت المرأة المنكوبة بقدومه حتى أسرعت إليه تلتمس منه شفاء ابنتها المجنونة. وكانت تصرخ بإلحاح طالبة العون.

وفي البداية ظهر يسوع وكأنه لا يوليها أي اهتمام. وإذا انزعج تلاميذه من صراخها، طلبوا إليه أن يعطيها سؤلها ليستريحوا من صراخها. ولو نظرنا بعمق إلى المسألة، لوجدنا أنّ تلبية رغبة شخص لمجرد التخلص من إزعاجه لا يمكن أن يتفق مع مبدأ المسيح. فقد عرف عن يسوع أنَّ شعوره ممتلئ بالعطف والحب والشفقة.

ولعل الموقف كان محيراً بالنسبة لرسالة المسيح، فقد امتلأ قلبه بالشفقة على المرأة المسكينة. وكان المتوقع أن يقول لها: هاتي ابنتك فأشفيها. ولكن لو أنه فعل لعادت المرأة راضية مغتبطة بشفاء ابنتها، مذيعة بين الناس قصة ذلك الطبيب العظيم الذي جاء من بلد غريب. وهكذا كان سينتهي الأمر عند هذا الحد، ويبقى يسوع في نظر المرأة ذلك الشافي الماهر الطيب القلب. ولو أنَّ يسوع اكتفى بإعطاء المرأة سؤلها تواً، لانقطعت بينه وبينها كل صلة، ما عدا أثر الصنيع الحسن الطارئ الذي عمله لها. ولكن المسيح لم يشأ أن يمنحها جميلاً واحداً عاجلاً، بل أراد أن يقدم نفسه لها مخلصاً ورباً، وليس طبيباً من جنس غريب، أو أميراً من نسل داود. ولعله «لم يجبها بكلمة» لأنه يحب أن يطلبه الناس لذاته وليس لما ينالهم من خيراته.

لما سأله تلاميذه أن يجيب طلبتها، لا حباً بنفعها، بل للتخلص من صياحها، رد وساطتهم بالقول: «لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ ٱلضَّالَّةِ». وهذا الجواب يشير إلى خدمته الشخصية وهو على الأرض في الجسد يعظ ويصنع العجائب. ولا يشير البتة إلى عمله، باعتبار كونه فادياً ووسيطاً بين الله والناس. وقد قضى المخطط الإلهي أن ينادي بالإنجيل بين اليهود أولاً، لإتمام المواعيد الإلهية المقطوعة لإبراهيم وإسحق ويعقوب. والواقع أنه لو عمل بين الأمم أولاً لرفض اليهود كلهم رسالته، لشدة تعصبهم وكرههم للأمم.

فيما المسيح يفكر في هذه الأمور انطرحت المرأة الكنعانية عند قدميه قائلة «يا سيد أعني» ولكن يسوع إذ أراد أن يخلق في قلبها الإيمان الحقيقي، قال لها: «لَيْسَ حَسَناً أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ ٱلْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَبِ» والكلمة «كلاب» في الأصل اليوناني لا تعني الكلاب المتشردة في الطرقات والبراري، بل الجراء المدللة التي تعيش في البيوت. والمسيح بهذا القول لم يوصد الباب في وجه المرأة. وقد لمست المرأة القصد الصالح في لهجة المسيح، فرفعت رأسها وقالت: «نَعَمْ يَا سَيِّدُ. وَٱلْكِلاَبُ أَيْضاً تَأْكُلُ مِنَ ٱلْفُتَاتِ ٱلَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا».

أمام هذا الجواب الرائع، أضاء وجه المسيح بالسرور لأجل إيمانها الذي تبلور سريعاً، فمنحها ما أرادت. ونحن نلاحظ عدة أمور في هذا الإيمان الذي ربح المعركة:

  1. كان إيمانها مرتبطاً بالمحبة... محبة ابنتها، إذ اعتبرت شفاء ابنتها جزءاً من كيانها، رغم أنها كانت أممية. وبهذه المحبة استطاعت أن تتحمل الصد الظاهري البادي من المسيح في البداية. وهذه المحبة قرَّبتها من يسوع، ولا يمكن أن نجد ما يقربنا إلى الله أكثر من المحبة.

  2. كان إيمانها يتزايد كلما اقتربت من يسوع. ابتدأت حديثها بتسميته «ابن داود» وكان هذا لقباً أرضياً. وهكذا كانت نظرتها الأولى إلى يسوع. ومن جهة الشفاء لعلها ظنته أحد السحرة. لكن هذا الإيمان قادها إلى الشعور بجلال الشخص الذي تكلمه، فسجدت له قائلة «يا سيد»... وهذا ما يسر قلب يسوع. فهو لا يريد أن يقترب الناس إليه طالبين، قبل أن يقتربوا نحوه ساجدين مصلين. وعندما تحول الطلب إلى صلاة وسجود، نال رضى السيد.

  3. تميز إيمانها بمثابرة لم تتراجع أمام الصد. فبعض الناس يصلّون، ولكن حين لا يتلقّون الإجابة السريعة يفشلون ويرتدون. وبعض الناس يأتون قائلين لعلنا ننال ما نطلب. أما هذه الكنعانية فقد جاءت وهي مصرة على أن تنال طلبتها.

  4. تدل القرائن على أنَّ إيمان هذه المرأة تميز بطابع الابتهاج، فمع أنها كانت متضايقة جداً، ولكنها مع ذلك كان في وسعها أن تبتسم، والله يحب الإيمان المبتهج، الإيمان الذي يضيء بنور الرجاء والأمل.

هذه صفات الإيمان، الذي ينال البركة. إيمان مرتبط بالحب، إيمان يتزايد مع القرب من يسوع، إلى أن يصير سجوداً وعبادة. إيمان يتصف باللجاجة والصبر، والأمل الذي لا ينطفئ. إيمان مبتهج بالرجاء الحي. هذا هو الإيمان الذي يجد إجابة أكيدة، عندما يدعو ويرجو ويصلي.

أجل، ففي لحظة، في طرفة عين تلاشت الأوهام من نفس الكنعانية، فلم تعد تنظر إلى يسوع، كطبيب أو ساحر يهودي يستطيع أن يشفي ابنتها، بل فهمت أنَّه الرب من السماء وأنَّه يمكنها أن تكون واحدة من صحابته في ذلك الملكوت الواسع الذي يتعدى كل الحواجز القومية والعنصرية، الذي جاء ليؤسسه. وعرفته مخلصاً ورباً، والتقت به في عالم الفكر الصامت، الذي فيه تتفاهم القلوب. وآمنت به، لا كأمير من سلالة داود، بل كرب يمنحها ذاته كخبز الله الواهب حياة للعالم، لا الفتات الساقط من المائدة.

مسابقة كتاب «من هو مؤسس المسيحية؟»

أيها القارئ العزيز،

إن تعمقت في قراءة هذا الكتاب تستطيع أن تجاوب على الأسئلة بسهولة. ونحن مستعدون أن نرسل لك أحد كتبنا الروحية جائزة على اجتهادك. لا تنسَ أن تكتب اسمك وعنوانك كاملين عند إرسال إجابتك إلينا.

  1. برهن اتفاق الرسولين يوحنا وبولس في تعظيم شأن المسيح فادي البشر ومخلّصهم.

  2. عند التأمل العميق في أعمال المسيح وتعاليمه نواجه ثلاثة احتمالات. ما هي، وما هو الصحيح منها؟

  3. من حياة المسيح، هات ثلاثة مواقف تُظهر أنَّ رسالته للعالم أجمع.

  4. من تعاليم المسيح اذكر ثلاث آيات تظهر أنَّ رسالته هي للعالم كله.

  5. اقرأ متى 28: 18-20 واكتب ثلاثة أمور مهمة في هذه الآيات الثلاث.

  6. اذكر بعض آراء المفسرين في تعليل قول المسيح للمرأة الكنعانية «ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويُطرح للكلاب».

  7. اذكر أربع صفات لإيمان المرأة الكنعانية.

عنواننا:


Call of Hope 
P.O.Box 10 08 27 
D-70007
Stuttgart
Germany