العودة الى الصفحة السابقة
كيف نصلّي؟

كيف نصلّي؟

اسكندر جديد


Bibliography

كيف نصلّي؟. اسكندر جديد. Copyright © 2007 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى . 1971. SPB 4665 ARA. English title: How Do We Pray?. German title: Wie beten wir?. Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 70007 Stuttgart Germany http://www.call-of-hope.com .

السؤال:

ما هي الصلاة؟ كم عدد الصلوات المفروضة في اليوم مع أوقاتها؟

التوقيع ا. ا. من المغرب

أوّلاً - ما هي الصلاة؟

قال أحد المفكّرين: الصلاة هي أعمق وأسمى مظهر طبيعيّ من مظاهر النفس، وستبقى هكذا إلى ما شاء الله. وتظهر طبيعة الصلاة في الإنسان في عموميّتها وشمول استعمالها بين أصناف جميع الناس وطبقاتهم ولغاتهم وأديانهم. فهي وإن اختلفت صورها وأشكالها ومواضيعها، تُستعمَل في كلّ زمان ومكان، حتّى بين أكثر الشعوب بدائيّة.

قد يفشل بعض الناس لأنّهم لم يروا جواباً أو نتيجة لصلواتهم، ولكنّهم مع ذلك لا ينقطعون كلّيّاً عن الصلاة، لأنّ في إنسانهم الباطن ميلاً فطريّاً إلى الصلاة.

ولعلّه بوحي من هذه الحقيقة حين سُئل صموئيل جونسن عن الأدلّة التي تؤيّد الصلاة، قال: إنّ الصلاة لا تحتاج إلى دليل خارجيّ عنها. لأنّ أدلّتها فيها، وهي من طبائع الإنسان ووظائفه، كالتنفّس والأكل والشرب. فيمارسها كأنّها جزء من أجزاء وجوده.

ويخبرنا التاريخ القديم أنّ العالم اليونانيّ الذي كان مهد التمدّن والفلسفة، كان مملوءاً من روح الصلاة. فكزنوفون الفيلسوف كان يفتتح كلّ يوم من أيّام أسفاره بكلمة صلاة. وبركليس كان يفتتح كلّ خطاب من خطبه بصلاة. وهوميروس الشاعر افتتح إلياذته بكلمة صلاة. وأفلاطون نفسه قال « على كلّ عاقل أن يطلب العون من الإله قبل أن يبتدئ بأيّ عمل من أعمال حياته».

وممّا يبرهن لنا أنّ الصلاة طبيعيّة في الإنسان وليست اكتسابيّة، وهو أنّ الإنسان مهما ارتقى وتقدّم في الحضارة والعلوم، لا يحسب ذاته أرقى من أن يصلّي. فقد عُرِف بالاختبار أنّ الإنسان مهما تقدّم في الفكر والتمدّن، يجد أنّ الصلاة بغاية الملائمة والموافقة لأحواله.

ثانياً - كيف نصلّي؟

يخبرنا لوقا الإنجيليّ أنّ المسيح كان يصلي في موضع خلاء، فلمّا فرغ قال واحد من تلاميذه «يَا رَبُّ، عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ» (الإنجيل بحسب لوقا 11: 1).

ولعلّ التلاميذ أدركوا أنّ هناك علاقة بين حياة سيّدهم العجيبة وبين الصلاة، فأتوا إليه ملتمسين أن يعلّمهم الصلاة. ولا ريب في أنّهم أصابوا كبد الحقيقة في طلبهم هذا، لأنّ يسوع معلّم ناجح مختبِر. والمعلّم الناجح هو من علّم الناس من اختباراته. فلا يشير عليهم بماذا يفعلون لبلوغ الهدف، بل يريهم بالمثال كيف يمكنهم بلوغ الهدف.

فبهذا الأسلوب المشبَّع بروح الإختبار قدّم لهم نموذجاً حيّاً للصلاة، ضمّنه عبارات موجزة جعلها قاعدة لما يليق التفوّه به أمام عرش النعمة.

وهذا النموذج البسيط بكلماته العميق بمعانيه لُقِّب بالصلاة الربّانيّة، نسبة للربّ الذي وضعه وهو يحتوي على:

  1. المقدّمة «أبانا الذي في السموات»، وهذا النداء يضعنا في مركز النسبة العجيبة، التي جاء المسيح ليعلنها بينه وبين الآب وليمنحها لنا نحن أيضاً. إنّها تتضمّن سرّ الفداء، وهو أنّ المسيح منقذنا من اللعنة، حتّى صرنا أولاداً لله. وتحوي أيضاً سرّ التجديد، وهو أنّ الروح القدس في الولادة الجديدة يهب لنا حياة جديدة. وكذلك فيها سرّ الإيمان.

    ونفهم من هذه المقدّمة، أنّ الصلاة هي شركة المحبّة الشخصيّة، بين المصلّي والربّ الإله، وأنّ أساس قوّتها ونمائها هو معرفة أبوَّة الله مُعلَنة بالروح القدس. لذلك يجب أن نتأمّل طويلاً بكلّ عمق إلى أن يجعل الروح القدس هذه الكلمة «أبانا الذي في السموات» روحاً وحقّاً، يملآن قلوبنا، حتّى إذا خاطبنا الله بهذا النداء، نكون في محراب القوّة السرّيّ حيث يتأتّى للصلاة أن تقتدر كثيراً في فعلها.

  2. ثلاث طلبات تختصّ بالله «ليتقدّس اسمك، ليأتِ ملكوتك، لتكن مشيئتك» - فغاية الطلبة الأولى أن يقدّس البشر اسم الآب في قلوبهم وعلى ألسنتهم وفي تصوّراتهم. أمّا الطلبة الثانية، فهي نتيجة طبيعيّة للطلبة الأولى، لأنّه متى صار اسم الله مقدَّساً في القلوب والأفكار وعلى الألسنة، فإنّ سلطانه يمتدّ وينتشر. والطلبة الثالثة تعني تسليم الإنسان ذاته كلّيّاً لله. إنّ مشيئة الله تجري في السماء، ومعلّمنا يسوع يعلّمنا أن نصلّي حتّى تتمّ مشيئته على الأرض، كما في السماء، في روح الخضوع العباديّ والطاعة الكاملة. لأنّ مشيئة الله هي مجد السماء، وإجراؤها غبطة السماء. وحينما تجري هذه المشيئة يأتي ملكوت السماء إلى القلب.

  3. ثلاث طلبات تختصّ بالإنسان. الأولى تتناول حاجات الجسد «خبزنا كفافنا اعطِنا اليوم» وغايتها أن يُعطى الجسد حقّه الواجب من الحياة، تمكيناً للإنسان أن يقوم بواجباته الروحيّة.

    والطلبة الثانية تختصّ بالغفران: «اغفر لنا ذنوبنا». فكما أنّ الخبز حاجة الجسد الأولى هكذا الغفران حاجة النفس الأولى. صحيح نحن أولاد الله، ولكنّنا خطاة أيضاً. وحقّنا بالمثول في حضرة الآب مبنيّ على دم يسوع الذي حصّل لنا المغفرة.

    والطلبة الثالثة تعالج الخطيّة في إغراءاتها التي تجتذبنا بالتجربة «لا تدخلنا في تجربة لكن نجِّنا من الشرّير». هذه الطلبة تحمل معها التزامها الخاصّ، لأنّ الذي يتقدّم بها ينبغي أن يهرب من التجربة.

  4. الخاتمة. وفيها سبب الصلاة كلّها، أو سبب تقديمها لله. لأنّ لله المُلك أي الحقّ والسلطة المطلقة على العالم. وله القوّة لكي يستجيب هذه الطلبات. وله المجد، ونحن نطلب هذه الأشياء من أجل مجده.

وعقّب المسيح على عبارات الصلاة النموذجيّة بتحريض على الطلب، فقال «اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ». ثمّ أتبع التحريض بتأكيد جازم أنّ مَن «يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ» (الإنجيل بحسب متى 7: 7 و8). لَكَأنّ الربّ أراد أن يرسّخ في أذهاننا أنّ للصلاة قانوناً لا يتغيّر وهو أنّ كلّ مَن يسأل يأخذ.

ولكن إن سأل أحد ولم يأخذ، فالمعنى أنّ هنالك معطِّلاً لصلاته، كعدم اليقين بأنّ الله قريب من الذين يدعونه. أو في حالة شك المصلّي، لأنّ المرتاب لا يمكن أن ينال شيئاً من عند الربّ. أو في حالة وجود خطايا لم يعترف بها المصلّي للربّ، لأن الخطايا تحجب وجه الرب عن الإنسان، كقول المرنم «إِنْ رَاعَيْتُ إِثْماً فِي قَلْبِي لاَ يَسْتَمِعُ لِيَ ٱلرَّبُّ» (مزمور 66: 18).

وقد تفشل الصلاة، حين يطلب المصلّي أشياء رديّة، كما قال الرسول يعقوب «تَطْلُبُونَ وَلَسْتُمْ تَأْخُذُونَ، لأَنَّكُمْ تَطْلُبُونَ رَدِيّاً» (يعقوب 4: 3). أو لأنّ المصلّي يمارسها كفريضة يجب عليه أداؤها، وليس بدافع حبّه وأشواقه لله.

ثالثاً - كيف نؤدّي الصلاة؟

في حديثه مع المرأة السامريّة، قال الربّ يسوع إنّ الآب السماويّ طالب ساجدين، ويسرّه أن نتعبّد له، شرط أن يكون سجودنا بالروح والحقّ. الله روح، قال المسيح «ٱلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَٱلْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا» (الإنجيل بحسب يوحنّا 4: 23، 24). ومعنى كلام المسيح، أنّه من اللازم أن يوجد توافق بين الآب والساجدين له. لأنه كما أنّ العين ملائمة داخليّاً لقبول النور، وكما أنّ الأذن ملائمة داخليّاً لقبول الصوت. هكذا الساجد الذي يروم التمتّع بالسجود الروحيّ، يجب أن يكون ملائماً داخليّاً لقبول الروح القدس. وحينئذٍ يشفع الروح المبارَك فيه ويجعل عبادته سجوداً لله بالروح والحقّ.

ولعلّ المسيح أراد أن يعلّمنا أنّ مؤهّلات الساجدين في العهد الجديد تختلف عمّا كانت عليه في العهد القديم سواء بالنسبة لليهود أم للسامريّين. فالعبادة في الدين اليهوديّ كانت قائمة على الحرف. والعبادة في الديانة السامريّة كانت خاضعة لأوهام كثيرة. أمّا العبادة في المسيحيّة فهي بالروح (أي بعكس ما في اليهوديّة) وبالحقّ (أي بعكس ما هي في العبادة السامريّة).

وطريقة العبادة التي وضعها المسيح معقولة تماماً ومتحرّرة من شكليّات الطقوس التي كانت تعرقل عبادة العهد القديم، فإنّ المسيحيّين الحقيقيّين يعبدون الله لا في طقوس الناموس الموسويّ بل في فرائض روحيّة تضع أهمّيّة أقلّ على الممارسات الجسديّة. فهي مفعمة بالقوّة الإلهيّة والنشاط الإلهيّ.

ويقيناً فإنه لا يوجد مشجّع على العبادة أقوى من هذه العبارة «لأنّ الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له». فإذا كانت الروح تطلب إلهها الذي منه أتت، لتلتقي به، فإنّ الله الذي منه خرجت الروح يطلب هذه الروح ليلتقي بها في العبادة.

رابعاً - كيف تكون الصلاة؟

بعد أن قدّم يسوع لتلاميذه نموذجاً حيّاً للصلاة، انتقل بهم إلى درس آخر فأراهم أنّ الصلاة يجب أن تؤدّى في التعطّش والتشوّق إلى الله. وشرح لهم هذا بمثل الصديق اللجوج، إذ قال «مَنْ مِنْكُمْ يَكُونُ لَهُ صَدِيقٌ، وَيَمْضِي إِلَيْهِ نِصْفَ ٱللَّيْلِ وَيَقُولُ لَهُ: يَا صَدِيقُ أَقْرِضْنِي ثَلاَثَةَ أَرْغِفَةٍ، لأَنَّ صَدِيقاً لِي جَاءَنِي مِنْ سَفَرٍ، وَلَيْسَ لِي مَا أُقَدِّمُ لَهُ. فَيُجِيبَ ذٰلِكَ مِنْ دَاخِلٍ وَيَقُولَ: لاَ تُزْعِجْنِي! اَلْبَابُ مُغْلَقٌ ٱلآنَ، وَأَوْلاَدِي مَعِي فِي ٱلْفِرَاشِ. لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَقُومَ وَأُعْطِيَكَ. أَقُولُ لَكُمْ: وَإِنْ كَانَ لاَ يَقُومُ وَيُعْطِيهِ لِكَوْنِهِ صَدِيقَهُ، فَإِنَّهُ مِنْ أَجْلِ لَجَاجَتِهِ يَقُومُ وَيُعْطِيهِ قَدْرَ مَا يَحْتَاجُ» (الإنجيل بحسب لوقا 11: 5-8).

وقال لهم أيضاً مثلاً في أنّه ينبغي أن يُصلّى كلّ حين ولا يُملّ «كَانَ فِي مَدِينَةٍ قَاضٍ لاَ يَخَافُ ٱللّٰهَ وَلاَ يَهَابُ إِنْسَاناً. وَكَانَ فِي تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ أَرْمَلَةٌ. وَكَانَتْ تَأْتِي إِلَيْهِ قَائِلَةً: أَنْصِفْنِي مِنْ خَصْمِي. وَكَانَ لاَ يَشَاءُ إِلَى زَمَانٍ. وَلٰكِنْ بَعْدَ ذٰلِكَ قَالَ فِي نَفْسِهِ: وَإِنْ كُنْتُ لاَ أَخَافُ ٱللّٰهَ وَلاَ أَهَابُ إِنْسَاناً، فَإِنِّي لأَجْلِ أَنَّ هٰذِهِ ٱلأَرْمَلَةَ تُزْعِجُنِي، أُنْصِفُهَا، لِئَلاَّ تَأْتِيَ دَائِماً فَتَقْمَعَنِي» وَقَالَ ٱلرَّبُّ: «ٱسْمَعُوا مَا يَقُولُ قَاضِي ٱلظُّلْمِ. أَفَلاَ يُنْصِفُ ٱللّٰهُ مُخْتَارِيهِ، ٱلصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَاراً وَلَيْلاً، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يُنْصِفُهُمْ سَرِيعاً» (الإنجيل بحسب لوقا 18: 1-8).

نتعلّم من هذين المثلَين أنّ هناك فرقاً كبيراً بين تكرار الكلام باطلاً في الصلاة وبين اللجاجة التي في رفضها سماع كلمة تتحّول إلى نوع من الجهاد. كالذي نتلوه في سفر إشعياء النبيّ: «يَا ذَاكِرِي ٱلرَّبِّ لاَ تَسْكُتُوا وَلاَ تَدَعُوهُ يَسْكُتُ، حَتَّى يُثَبِّتَ وَيَجْعَلَ أُورُشَلِيمَ تَسْبِيحَةً فِي ٱلأَرْضِ» (إشعياء 62: 6-7).

ينبِّر المسيح في كلا المثلين بقوّة الجهاد وصلابة العزم. لَكأنّه أراد أن يرسّخ في أذهاننا كلمته: «لأنّ مَن يسأل يأخذ ومن يطلب يجد ومَن يقرع يُفتَح له».

لعلّ مثل الصديق اللجوج يعلّمنا درساً جديداً في الإيمان العامل بالمحبّة. فقد ذهب الرجل في منتصف الليل يطلب خبزاً لأجل غيره. والتضرّع لأجل الغير عمل مجيد جدّاً لأنّه يستنهض فينا قوى الإيمان، ويحدونا للصلاة المقتدرة في فعلها.

والتشفّع لأجل الغير هو أكمل صور الصلاة، لأنّه يستصرخ اسم المسيح الحيّ، للقيام بعمله في عرش الله.

وفي مثل الأرملة وقاضي الظلم يعلّمنا المسيح أنّ المثابرة وعدم الملل في الصلاة من الأمور التي يأمر بها الله. وأنّ الله لا يمكن أن يغفل عن طلبات مختاريه، لأنّه إن كانت لجاجة الأرملة قد اقتدرت على قاضٍ ظالم، فكم بالحريّ تقتدر صلاة المختارين لدى الآب السماويّ الكثير الرحمة؟

ونتعلّم أيضاً أنّ مركبات الله قد تسير على مهل، ولكن عند الرب وقتاً معيّناً حسب حكمته يستجيب فيه. وقد يتمهّل الله في استجابة الصلاة، لأنّه يريد أن يحرّض فينا الانتظار ويقوِّي عندنا الرجاء.

خامساً - أين نصلّي؟

يعلّمنا الإنجيل أنّه في مجيء المسيح تحرّرت العبادة من التقاليد التي كانت تحصر السجود في أمكنة خاصّة، وتفرض على الناس أن يمارسوها في أوقات معيّنة. فقد قال للسامريّة «يا امرأة، صدّقيني أنّه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب». وكأنّي بالذي جاء من الله معلّماً أراد أن يوضح للسامرية التي سألته أيّهما المكان الواجب أن يؤدَّى فيه السجود، جبل نابلس أم جبل القدس؟ أراد أن يفهمها أنّ الله مالئ الوجود، بحيث نستطيع أن نسجد له أنّى وُجِدنا.

بيد أنّ يسوع أعطى أهمّيّة للصلاة الفرديّة في المخدع. قال له المجد: «وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَٱدْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ ٱلَّذِي فِي ٱلْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ ٱلَّذِي يَرَى فِي ٱلْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً» (الإنجيل بحسب متّى 6: 6).

والقصد من هذه العزلة، أن يتهيّأ للمصلّي مكان هادئ للإنفراد بالآب السماويّ. وحين نتأمّل في موضوع الصلاة على ضوء ما جاء في العظة على الجبل نرى أنّ الربّ يسوع قد صوّر مخدع الصلاة متلألئاً بأنوار الآب. إذ نلاحظ أنّه كرّر اسم الآب ثلاث مرّات «صلِّ إلى أبيك - أبوك يجازيك - أبوكم يعلم ما تحتاجون».

فانعم بالمخدع من مكان هادئ يطيب للمؤمن أن يجتمع فيه بأبيه القدّوس. فالنور الذي يسطع فيه هو نور محيّاه. والهواء المنعش الذي يملأ جوّه هو نسمة الروح القدس الوديع، وهو يسكب محبّة الله في القلب.

ادخل إلى مخدعك واغلق بابك وصلِّ. والمسيح يأمر المصلّي بالتكتّم، لئلاّ يكون كالمرائين، فإنّهم يحبّون أن يصلّوا في المجامع أو في زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس (الإنجيل بحسب متّى 6: 5) هؤلاء يدلّلون على رغبتهم في اكتساب تقدير الناس أكثر من رضى الله. أمّا المعلّم الإلهيّ فيقول اغلق بابك لكي تنفصل عن العالم، فتتسنّى لك خلوة مع الآب، الذي ينتظر قدومك إليه بشوق.

قال الفيلسوف ألتيوس «حين تغلق بابك وتنفرد في مخدعك لا تقل في نفسك أنا وحدي، بل اذكر أنّ الله هناك».

بيد أنّ قول الربّ «ادخل إلى مخدعك واغلق بابك» لا يعني بتاتاً أنّ الإنفراد مع الله لا يجوز إلاّ ضمن غرفة مُقفلة، وإنّما يُقصَد به أن يُهيّأ للمصلّي مكان خلوة هادئ ليسجد فيه. ويمكن أن يكون ذلك في الحقل كما فعل إسحاق، أو تحت التينة كما فعل نثنائيل، أو على السطوح كما فعل بطرس، أو على الجبل كما فعل يسوع.

صلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء، لأنّ الله الذي لا يُرى بعين الجسد يُرى بعين الإيمان. ويشرق نوره في قلب كلّ ساجد ينفصل عن العالم المنظور، ويسلّم قياده لروح المسيح الذي يدخله إلى حضرة العزّة الإلهيّة.

الواقع أنّ المخدع السرّيّ والباب المغلق والإنفصال عن كلّ ما حولنا ما هي إلاّ وسائل تهيّئ لنا المقدس الروحيّ الهادئ الذي يتيح لنا التأمّل العميق في كمالات الله وفي حبّه الذي اتّخذ شكل الأبوّة.

سادساً - ما هي شروط استجابة الصلاة؟

قال الربّ يسوع «إِنْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كَلاَمِي فِيكُمْ تَطْلُبُونَ مَا تُرِيدُونَ فَيَكُونُ لَكُمْ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 15: 7) وقال رسوله المحبوب يوحنّا «إِنْ لَمْ تَلُمْنَا قُلُوبُنَا فَلَنَا ثِقَةٌ مِنْ نَحْوِ ٱللّٰهِ. وَمَهْمَا سَأَلْنَا نَنَالُ مِنْهُ، لأَنَّنَا نَحْفَظُ وَصَايَاهُ، وَنَعْمَلُ ٱلأَعْمَالَ ٱلْمَرْضِيَّةَ أَمَامَه. وَهٰذِهِ هِيَ وَصِيَّتُهُ: أَنْ نُؤْمِنَ بِٱسْمِ ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً كَمَا أَعْطَانَا وَصِيَّةً» (1 يوحنّا 3: 21-23).

هنا في دنيانا تتوقّف قوّة وساطة أيّ شخص على صفاته وعلاقته بمن يتوسّط لديه. أي أنّ شخصيّة الوسيط هي العامل الأساسيّ في قبول وساطته. هكذا الأمر مع الله إذ تتوقّف استجابة صلواتنا على شخصيّة يسوع المسيح الذي هو الوسيط الوحيد، والذي يشترط للقيام بالوساطة «أن نثبت فيه وتثبت كلمته فينا».

وقد شرح الربّ المعلّم هذا الثبات في مثل الكرمة حيث يقول «أَنَا ٱلْكَرْمَةُ ٱلْحَقِيقِيَّةُ وَأَبِي ٱلْكَرَّامُ. كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لاَ يَأْتِي بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ، وَكُلُّ مَا يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ. أَنْتُمُ ٱلآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ ٱلْكَلاَمِ ٱلَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ. اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ. كَمَا أَنَّ ٱلْغُصْنَ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرٍ مِنْ ذَاتِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي ٱلْكَرْمَةِ، كَذٰلِكَ أَنْتُمْ أَيْضاً إِنْ لَمْ تَثْبُتُوا فِيَّ. أَنَا ٱلْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ ٱلأَغْصَانُ. ٱلَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هٰذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 15: 1-5).

فالمؤمنون الحقيقيّون أغصان في المسيح الذي هو الكرمة الحقيقيّة حتّى يمكن أن تكون لهم الصلاة المُستجابة. نعم إنّه مفروض في المؤمن أن يثبت في المسيح ويحفظ وصاياه ويسلك في طاعة كاملة في القلب والحياة. وحينئذٍ يستطيع أن يصلّي باستقامة والربّ يعطيه سؤله.

قد يتساءل البعض عن سبب إخفاقهم في أن تكون لهم هذه الحياة المباركة، حياة الغصن الثابت في الكرمة. هؤلاء يحسن بهم أن يتأمّلوا في كلمة مهمّة من مَثَل الكرمة، وهو قول المسيح «أنا الكرمة الحقيقيّة وأبي الكرّام... وأنتم الأغصان» وهذا يعني أنّ لنا الابن المجيد في ملء لاهوته، ولنا الآب الكرّام الذي يسهر علينا كأغصان مراقباً نموّ كلّ غصن وأثماره. ولكن إن كانت الظروف تتخللنا وتعيق نمونا وبالتالي تحد من أثمارنا، فلا بد للكرام الإلهي أن يتناولنا بمقصه لينقينا.

ويقدّم لنا الكتاب المقدّس أمثلة عن قوّة الصلاة في حياة إبراهيم وموسى وإيليّا. ويذكر لنا الثمار التي كانت لهم. ولكنّنا حين نتأمّل سيرة حياتهم نعلم أنّهم قبل حصولهم على هذه الإمتيازات قبلوا تأديبات الربّ بفرح، وأطاعوا أوامره بالانفصال عن العالم الذي وُضِع في الشرّير.

فإن كنتَ يا صديقي تريد الحصول على امتياز رجال الصلاة، فاخضع للكرّام الإلهيّ حين يمدّ مقصّه لكي ينقّيك. لا تخشَ شيئاً، فالمقصّ هو كلمة الربّ بدليل قول المسيح «أنتم الآن أنقياء بسبب الكلام الذي كلّمتكم به». وقال أيضاً في صلاته الشفاعيّة «قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كَلاَمُكَ هُوَ حَقٌّ» (يوحنا 17: 17).

سابعاً - ما هو سرّ الصلاة الفعّالة؟

قال الربّ يسوع لتلاميذه ذات يوم: «لِيَكُنْ لَكُمْ إِيمَانٌ بِٱللّٰهِ. لأَنِّي ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ قَالَ لِهٰذَا ٱلْجَبَلِ، ٱنْتَقِلْ وَٱنْطَرِحْ فِي ٱلْبَحْرِ، وَلاَ يَشُكُّ فِي قَلْبِهِ، بَلْ يُؤْمِنُ أَنَّ مَا يَقُولُهُ يَكُونُ، فَمَهْمَا قَالَ يَكُونُ لَهُ. لِذٰلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ، فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ، فَيَكُونَ لَكُمْ» (الإنجيل بحسب مرقس 11: 22-24). إنّها لكلمات رائعة تؤكّد لنا أنّ الإيمان هو سرّ الصلاة الفعّالة التي تحرّك قلب الله.

وفيها يعطينا السيّد الربّ خمسة عناصر ضروريّة للصلاة:

  1. رغبة القلب «تَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ... يَقُولُ ٱلرَّبُّ» (إرميا 29: 13) فالرغبة القلبيّة هي روح الصلاة. فإن كانت الرغبة في الربّ ضعيفة فلا بدّ أن تكون الصلاة ضعيفة.

    قد توجد في اهتمام المؤمن رغبات صادقة في البركات الروحيّة، ولكن عنده إلى جانب ذلك رغبات أخرى عالميّة يضعها في المقام الأوّل. إنسان مثل هذا يجب أن لا يتوقّع قوّة في صلاته، لأنّه لم يتقيّد بأمر الربّ حين قال «ٱطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ وَبِرَّهُ، وَهٰذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ» (الإنجيل بحسب متّى 6: 33).

  2. الإيمان، «كلّ ما تطلبونه حين تصلّون فآمنوا أن تنالوه» فبالإيمان نعرف الله، وبالإيمان نقبل الربّ يسوع، وبالإيمان نحيا الحياة المنتصرة. وكذلك بالإيمان تكون لنا حياة الصلاة وقوّة الصلاة. علينا أن نتعلّم من جديد ما هو الإيمان، وأن نبدأ أن نحيا بالإيمان وأن نصلّي بالإيمان.

«ليكن لكم إيمان بالله» هكذا قال الربّ حين تحدّث عن الإيمان الذي يزيل الجبال، والذي مُنح لتلاميذ الربّ في كلّ جيل وعصر، والذي به صنع المسيحيّون الأوائل أعمالاً عجيبة فشفوا المرضى وأخرجوا الشياطين. وكانت هذه الأعمال بمثابة نقل الجبال.

بالإيمان نعرف الله، وبالإيمان نقبل الربّ يسوع، وبالإيمان نحيا الحياة المسيحيّة. إذا كنّا نرغب في أن ندخل حياة التضرّع والتشفّع حيث البهجة والقوّة والبركة، علينا أن نتعلّم من جديد ما هو الإيمان. لأنّ الإيمان يتعامل مع الله.

الإيمان يقبل الإجابة من الله قبل أن يراها بالعيان، لأنّ الإيمان يرى الذي لا يُرى. قد يبدو هذا الأمر غريباً ولكنّه في صميم صلاة الإيمان. ونحن نعلم أنّ الأمور الروحيّة لا تُدرَك إلاّ روحيّاً. كذلك بركة السماء باستجابة الله للصلاة تُدرَك روحيّاً قبل أن تُلمَس بالعيان. الإيمان يعمل ذلك. والنفس التي تطلب الله وتنتظر الجواب توهب القدرة على اليقين بأنّ الأشياء متى طلبتها من الله تُعطى لها وفقاً لقول المسيح «اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتَح لكم».

«كلّ ما تطلبونه حين تصلّون فآمنوا أن تنالوه فيكون لكم» وفي هذا تأكيد للمصلّي أنّ الآب السماويّ يسمع صلاة الإيمان ويعطيها سؤلها. فابدأ بهذا الإيمان يا صديقي ولو بضُعْف. ابدأ حياة الصلاة الجديدة ولك اليقين أنّك سألت الله ونلت النعمة في المسيح. وهذه النعمة تعدّك خطوة خطوة على أن تكون أميناً في الصلاة. تمسّك بهذا ببساطة وتوقّع من الروح القدس أن يعمل في داخلك. والله الذي قال «وَيَكُونُ أَنِّي قَبْلَمَا يَدْعُونَ أَنَا أُجِيبُ، وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بَعْدُ أَنَا أَسْمَعُ» (إشعياء 65: 24) لا بدّ أن يصنع لك كما قال.

ثامناً - مَن يقود صلواتنا؟

نقرأ في الرسالة إلى رومية 8: 26: «وَكَذٰلِكَ ٱلرُّوحُ أَيْضاً يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلٰكِنَّ ٱلرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا». ونقرأ في الرسالة إلى أفسس 6: 18 «مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي ٱلرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهٰذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ ٱلْقِدِّيسِينَ».

فالروح القدس هو روح الصلاة، روح النعمة والتضرّعات الذي ينسكب في قلب المؤمن، ولهذا قيل في الكتاب المقدّس إنّه: يشفع في القديسين بحسب مشيئة الله بالروح والحق (رومية 8: 27).

الصلاة في جوهرها هي تعبير عن الروح القدس فينا. وقوّة الصلاة تأتي من قوّة الروح القدس فينا، إذ ننتظره ونثق فيه ونؤمن به. والفشل في الصلاة ينشأ عن عدم خضوعنا لإرشادات الروح المبارك. فالصلاة المقتدرة في فعلها تتوقّف على مدى امتلائنا بالروح القدس.

تاسعاً - باسم مَن يجب أن ترفع الصلاة؟

قال المسيح «وَمَهْمَا سَأَلْتُمْ بِٱسْمِي فَذٰلِكَ أَفْعَلُهُ لِيَتَمَجَّدَ ٱلآبُ بِٱلٱبْنِ. إِنْ سَأَلْتُمْ شَيْئاً بِٱسْمِي فَإِنِّي أَفْعَلُهُ» (الإنجيل بحسب يوحنّا 14: 13 ، 14). وكأنّ السيّد الربّ أراد أن نثق حقّاً في قوّة اسمه الذي له ينبغي أن تجثو كلّ ركبة، وبه تُستجاب كلّ صلاة.

ولا يُراد بالصلاة باسم المسيح مجرّد ذكر اسم المسيح في بداية الصلاة أو نهايتها، وإنّما يُراد بها أن يصلّي المؤمن بروح المسيح واستحقاقاته وشخصه كما لو كان المصلّي هو المسيح. على أن يتمّ ذلك في نور الإعلانات التي أفضى بها لمختاريه عن شخصه المبارك وعمله.

قال المسيح «إن سألتم شيئاً باسمي فإنّي أفعله». وكلمة «أفعله» تعني أنّ الصلاة وإن قُدِّمَت إلى الآب إلاّ أنّ المجيب عنها هو المسيح العامل باسمه وسلطانه. فالمؤمنون يصلّون باسم المسيح، والمسيح يعمل باسم الآب.

والإنسان حين يؤمن فإنّه يفكّر أولاً في استحقاق المسيح وشفاعته، وهذا هو أساس إيماننا. ولكن كلّما نما المؤمن في النعمة وفي معرفة المسيح يدخل إلى عمق الوحدة مع المسيح، وبالتالي يتعلّم أنّ الصلاة باسم المسيح هي الصلاة بروح المسيح. وفي تعبير آخر إنّ الاتّحاد مع المسيح يعطينا الشركة في طبيعته، وحينئذٍ تصير فينا قوّة صلاته.

لقد قال له المجد «إن ثبتّم فيّ وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم». ومعنى هذا أنّ المؤمن الذي حلّ المسيح بالإيمان في قلبه يستطيع أن يتمتّع بكلّ قوّة اسم المسيح. ولا عجب، فالمسيح علّمنا ماهيّة الصلاة، ومعنى الصلاة باسمه أن نصلّي كما صلّى هو، وأيضاً علّمنا أن نصلّي في اتّحادٍ معه.

عاشراً - مَن هو شفيعنا؟

علّمنا المسيح كيف نصلّي، ومن خلال كلامه الإلهيّ عرّفنا معنى الصلاة باسمه. بقي أن نعرف المسيح في وظيفته الشفاعيّة.

لقد عقّب المسيح على خطابه الوداعيّ لخاصّته بصلاةٍ شفاعيّةٍ ختم بها على كلّ أعماله الماضية، ثمّ تشفّع بالذين هم له قائلاً «مِنْ أَجْلِهِمْ أَنَا أَسْأَلُ... ٱحْفَظْهُمْ فِي ٱسْمِكَ...قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ» (يوحنا 17: 9 ، 11 ، 17).

فلا ريب في أنّ هذه الصلاة عيّنة من شفاعته في السماء. ولعلّه بوحي من هذه الحقيقة، قال الرسول «فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضاً إِلَى ٱلتَّمَامِ ٱلَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى ٱللّٰهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ» (عبرانيّين 7: 25). ونفهم من هذه الآية أنّ المسيح ما برح يجري عمله الخلاصيّ في السماء كما كان يجريه على الأرض في شركة مستمرّة مع الآب، وفي شفاعةٍ مباشرة لديه. فكلّ عملٍ من أعمال النعمة في المسيح يكون دائماً مسبوقاً بشفاعته، وكلّ بركة تنزل علينا من الأعالي تحمل الطابع الإلهيّ إنما هي بشفاعة المسيح.

وشفاعة المسيح هي ثمر الكفّارة ومجدها، فحين بذل نفسه فدية عن البشر أظهر أنّ له هدفاً موحّداً هو مجد الله في خلاصهم. وفي الشفاعة يتحقّق هذا الهدف لأنّ الله يتمجّد بخلاص الخاطئ الأثيم الذي بخلاصه يصبح وسيلة لمدح مجد الله.

حادي عشر - ما هي شروط الصلاة المقبولة؟

للصلاة شروط لا بدّ من مراعاتها لقبولها وإلاّ فلا فائدة منها. وأخصّ هذه الشروط:

  1. أن تكون من القلب. فإنّ الله فاحص القلوب لا يرضى بالألفاظ أو بالمظهر الخارجيّ. فإن كانت الصلاة خالية من شعور القلب فإنّ الله لا يُسرّ بها، وبالتالي لا يقبلها.

  2. أن تكون بالوقار لتليق بالله غير المحدود في عظمته وقداسته وعلمه وقدرته. ولمّا كانت مشيئته تعالى المبدأ الأوّل في كلّ ديانة صحيحة، وبين كلّ قوم يعرفون الله ويعظّمون اسمه القدّوس ويسجدون له بخشوع ملائكة السماء، لا يجوز لنا أن نخاطبه بألفاظ خالية من الاحترام.

  3. أن تكون بالتواضع الذي يتضمّن الشعور بأنّنا غير مستحقّين بسبب فسادنا وعدم أهليّتنا في عينَي الله. ولهذا يجب أن نتمثّل برجل الله أيّوب حين وضع يده على فمه وقال «أَنْدَمُ فِي ٱلتُّرَابِ وَٱلرَّمَادِ» (أيوب 42: 6). وبنبيّ العليّ إشعياء إذ قال «وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ ٱلشَّفَتَيْنِ» (إشعياء 6: 5). وأن نصلّي بروح ذلك العشّار الذي لم يتجاسر أن يرفع عينيه إلى السماء بل قرع على صدره قائلاً: « ٱللّٰهُمَّ ٱرْحَمْنِي أَنَا ٱلْخَاطِئَ» (لوقا 18: 13).

  4. أن تُقتَرَن بالتسليم الكلّيّ لله. فإنّ من سلّم أمره لله مهما كان سؤله يقول «يا ربّ، لتكن لا إرادتي بل إرادتك». فإن كان الولد يشعر بوجوب تسليم أموره لأبيه الأرضيّ فكم بالحريّ يجب أن تخضع إرادتنا لأبينا السماويّ، الذي وحده يعلم ما هو الأوفق لنا؟

  5. أن تُقترَن بالإيمان، لأنّ صلاة الإيمان فقط هي التي تقتدر في فعلها لدى الله، لأنّ المرتاب لا يمكن أن ينال شيئاً من عند الربّ (يعقوب 1: 6-7). وعلى المصلّي أن يؤمن:

  1. أنّ الله موجود.

  2. أنّه قادر أن يسمع صلواتنا ويستجيبها.

  3. أنّه يحبّ الاستجابة.

  4. أنّه لا بدّ أن يستجيب لصلواتنا إن كانت حسب مشيئته ولخيرنا.

  5. أن يطلب المصلّي مجد الله لا مجد نفسه أو غرضه الأناني الصادر عن الطمع

  6. أن تكون باسم المسيح الذي أعلنَتْهُ الكتب المقدّسة وسيطاً وشفيعاً وحيداً.

  7. أن تكون موافقة لمقاصد الله وحقوقه.

ثاني عشر - كم عدد الصلوات المفروضة كلّ يوم؟

جاء في التلمود اليهوديّ أنّه محظور على الإنسان أن يصلّي أكثر من ثلاث مرّات في النهار، لأنّ الله يملّ من الصلاة كلّ ساعة! ولكن المسيح الذي جاء من الله معلِّماً قال: «يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ» (الإنجيل بحسب لوقا 18: 1). طبعاً إنّ المسيح لم يقصد أن نقضي ساعات اليوم الأربع والعشرين جثواً على الركب، وإنّما أراد أن لا نملّ من الصلاة.

أمّا من جهة عدد الصلوات وأوقاتها فإنّ الكتاب المقدّس لم يحدّدها. ولكنّنا نجد فيه أمثلة عديدة عن رجال الله المصلّين. فدانيال النبيّ كان يصلّي صبحاً وظهراً ومساء. وقال داود في المزمور 119 164: «سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي ٱلنَّهَارِ سَبَّحْتُكَ عَلَى أَحْكَامِ عَدْلِكَ».

وحين نتأمّل بعمق في حياة رجال الصلاة عبر الكتاب المقدّس نرى أنّ أكثر الأوقات ملائمة للصلاة هي ساعات الصباح الأولى أي قبل القيام بأيّ عمل.

ويخبرنا الإنجيل أن الرب يسوع كان ينهض في الصباح باكراً جدّاً ويذهب إلى موضع خلاء ليصلّي (الإنجيل بحسب مرقس 1: 35). في الواقع أنّ الصباح الباكر أحسن وقت للتأمّلات الروحيّة، لأنّ أرواحنا في الصباح الباكر تكون نشيطة ومنتعشة. وإنّه لحسن جدّاً أن نعطي الله باكورات أوقاتنا.

قال أحد الأتقياء «الصباح هو باب النهار، وحسناً نفعل في أن نحرس باب يومنا بالصلاة». وقال آخر «الصباح هو أحد طرفَي الخيط الذي يربط أعمالنا اليوميّة. لذلك يحسن بنا أن نربطها جيّداً بصلواتنا».

فديانة الإنجيل لم تحدّ الصلاة بأوقات معيّنة، بل تركتها لأشواق القلب. فالذي قلبه علق بالربّ يصلّي ولا يملّ. فإن لم تكن صلاته كلاماً يسبّح الله به، فليس ما يمنع أن تكون أعمالاً يمجّد الله بها.

والصلاة كما فهمتها من أمثلة المسيح هي حالة أكثر منها صورة. إنّها روح أكثر ممّا هي كلمات. إنّها شركة محبّة مع الله أكثر منها فريضة.

صحيح أنّ المسيح أعطى تلاميذه نموذجاً حيّاً للصلاة، وإنّما لم يجعل من هذا النموذج قالباً تُفرَغ فيه الصلوات فتتجمّد وتتحجّر، بل قصد أن يكون نواةً تنبت منها الصلوات وتتفرّع. لأنّه حين أعطاهم هذا النموذج قال «صَلُّوا أَنْتُمْ هٰكَذَا» (الإنجيل بحسب متى 6: 9) أي بهذا الروح.

مسابقة كتاب كيف نصلّي؟

أيها القارئ العزيز،

إن قرأت هذا الكتيب بانتباه، تدرك طرق وأساليب الصلاة المسيحيّة بسهولة. طبعاً أهم من المعرفة التطبيق. فنتمنى ان يمنحك الله روح الصلاة لتتضرع اليه بالحمد والاعتراف والابتهال.

ولكنّ الصلاة بدون معرفة، تموجات وعواطف فارغة. ونتمنى أيضا منك أن تجاوبنا على الأسئلة التالية بدقة وتمعّن. فنرسل لك أحد كتبنا الروحية جائزة.

لا تنس كتابة عنوانك الكامل على ورقة المسابقة. ونحن في انتظار جوابك.

  1. كيف تكون الصلاة في الإنسان: طبيعية أم اكتسابية؟

  2. ما هي الصلاة؟

  3. كيف نقف أمام الله في الصلاة؟

  4. كم مرة ينبغي أن نصلّي؟

  5. أين نصلّي؟

  6. ما هي شروط الصلاة المقبولة؟

  7. ما هو السر في الصلاة الفعالة؟

  8. ما سبب عدم استجابة الصلوات؟

  9. ماذا تعني الصلاة باسم المسيح؟

  10. ما هي خدمة ووظيفة المسيح الآن في السماء؟

  11. بماذا ينبغي أن يؤمن المصلّي؟

  12. كيف نغلب الكسل لنصلّي؟

عنواننا:


Call of Hope 
P.O.Box 10 08 27 
D-70007
Stuttgart
Germany