العودة الى الصفحة السابقة
تعظم نفسي الرب

تعظم نفسي الرب

أم سلام


Bibliography

تعظم نفسي الرب. انجيل لوقا 1: 46. أم سلام. الطبعة الأولى. 1972. Order Number SPB5415ARA. German title: Meine Seele erhebt den Herrn. English title: My Soul Magnifies the Lord. Copyright © 1972 All Rights Reserved Call of Hope. P.O. Box 100827 D-70007 Stuttgart Germany http://www.call-of-hope.com .

هل تصلي؟

القليل من الناس يصلّون اليوم، لأن الأشغال البيتية والمهنية تتكاثر، والتفكير والتأملات تتلاشى في عصرنا السريع. وإن طلبت من ولدك خدمة يجيبك: لا يوجد وقت.

فيسرنا أن نقدم إليك في هذا الكتاب من سلسلة الأبحاث النسائية، للسيدة أم سلام، بحثاً عن مشاكل العائلة في بحر اليوم، وحلولها في طلبات الصلاة الربانية. فليس مهماً معرفتنا بهذه الصلاة غيباً فقط، إنما يجب أن نمارسها عملياً، لنزداد إيماناً، وصبراً، ولطفاً، وفرحاً، واطمئناناً من الله. أُدرس هذه الفصول، لأنها تساعدك لتتعمق في الصلاة الربانية، وتطبقها في الحياة، فتعظم ربك بفضائلك الروحية. والله الموفق للصواب.

دمتم في الرب،

عبد المسيح

أبانا الذي في السموات

منى: ابنتي عمرها أربع سنوات وتريد أن تأخذ كل شيء لنفسها دون أن تستأذن أحداً قط.

العمة: نعم، هذا بالتمام تصرف كل إنسان!

منى: أتعنين بقولك، أنه لا أحد يريد أن يتواضع ملتمساً قضاء حاجياته، ولا يطلب مساعدة غيره؟

العمة: نعم، هذا ما قصدت. فكل يريد الاستقلال، ويعمل ما يشاء ولا يستأذن أحداً.

منى: حقاً، إني أعرف هذا من نفسي. فأنا لا أريد أن أطلب من امرأة عمي، أي شيء. وأفضل أن أعمل الكل بنفسي، مهما تعبت، لا أطلب منها مساعدة.

العمة: لقد فهمت فكرك الآن، كل الناس مثلك. ولما جرب الشيطان أبوينا الأولين، كان هدف التجربة، الاستقلال. فأكلا من الثمرة الممنوعة، فانفصلا بهذا عن الله. لقد استقلا، وباستقلالهما فقدا الشركة مع الله.

منى: أتظنين أننا لهذا السبب، لا نريد طلب عون من أحد؟

العمة: نعم، هو ذاك. فالإنسان الطبيعي، منفصل عن الله، ويغار على استقلاله. وقصده أن يكون هو سيد نفسه، ويقرر ما يعمل في كل لحظة من حياته.

منى: ألا يمكن، أن تزول هذا الانانية من النفوس؟

العمة: نعم، إن هذا ممكن، إن تقدمت إلى الله، وقبلت العلاقة به.

منى: ولكن كيف أقدر، أن أقدم إليه؟

العمة: إن صليت، ففي صلاتي، أقدم طلباتي بين يديه. وإذا طلبت منه شيئاً، أعترف بارتباطي به.

منى: ماذا أقول في صلاتي؟

العمة: علمنا المسيح نموذجاً عظيماً للصلاة. فهو كابن الله، علمنا النطق بهذه العبارة «أبونا الذي في السماوات»؟

منى: هل يجوز، أن أدعو الله أباً، بهذه السهولة؟

العمة: هذا هو الشيء الجديد والعظيم، الذي أعلنه المسيح لنا، أن ندعو الله القدوس أباً، ونكون أبناءه بالحق.

منى: كيف يمكن هذا؟

العمة: لقد تم هذا، لأن المسيح ابن الله، شاركنا في اللحم والدم. وحمل ذنوبنا، ومحاها بالغفران، وطهرنا من خطايانا. فإن آمنا به وبعمل فدائه، نصبح أولاد الله، ولنا الحق أن ندعو القدوس الأزلي أبانا.

منى: ألا تظنين أن هذا مبالغ فيه، أن نتمنى تدخّل الله بأمورنا النسائية؟

العمة: أكيد لا، لأنه يدعو نفسه أبانا. فقولي له: يا أبي، إبني مريض أعنه واشفه. أو يا أبي، عليّ اليوم مسح بلاط البيت، وأشعر بتعب كبير. فقوني، لأتمم عملي.

منى: وهل هو يريد، أن ندخله في مثل هذه الأمور البسيطة؟

العمة: ألست أما لثلاثة أولاد؟ أولا تريدين أن يصارحوك إذا تعبوا، أو جاعوا، أو توجعوا، أو احتاجوا إلى شيء؟؟

منى: طبعا، أريد ذلك.

العمة: وتماماً، كما تريدين أنت، أن أولادك يأتون إليك بكل ضيقاتهم، هكذا يريد الله، أن نتقدم إليه بكل مشاكلنا الصغيرة والكبيرة، ونطلب مساعدته.

منى: وهل يساعدنا؟

العمة: نعم، إنه يفعل. إذ يقول في المزمور 50: 15 «ٱدْعُنِي فِي يَوْمِ ٱلضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي» . وفي إشعياء 49: 15، يقول: «هَلْ تَنْسَى ٱلْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلا تَرْحَمَ ٱبْنَ بَطْنِهَا؟ حَتَّى هٰؤُلاءِ يَنْسِينَ، وَأَنَا لا أَنْسَاكِ».

منى: هذا عجيب، إن كان صحيحاً! كم أتمنى أن يتنازل لعوننا وخلاصنا! انظري، أمس مررت بيوم صعب، إذ كان عندي غسيل، وطفلي مريض. وكان عليّ تحضير الغذاء في الوقت المعين. وفي هذه اللحظة بالذات، كسر ابني الصغير زجاجة الزيت، فانسكبت في أرض المطبخ. فاغتظت وضربته بشدة، وأخذت أصرخ وأشتم، وتوتر جو المنزل. ليت الرب يعينني في لحظات مشابهة، لأبقى هادئة مطمئنة!

العمة: اطلبيه، فيساعدك!

منى: لكن ليس لديّ المتسع من الوقت، لأصلي دائماً.

العمة: أبونا السماوي، يعلم كثرة أشغال سيدات البيت، وأتعاب الأمهات. ويعرف أن يومنا ممتلئ بالأشغال. ويشعر أن أطفالنا، يحتاجون إلينا في كل لحظة. ولكن إن نام أطفالنا صباحاً ومساءً، فعندئذ يكون لدينا وقت هادئ للصلاة. حتى ولو كانت صلواتنا قصيرة، يقبلها الله، المهم أن نصلي. وإن اجتزت بحالة صعبة، كما اختبرت أمس، فصلي سريعا في قلبك: يا أبي، يا أبي أعنّي، لأهدأ.

منى: أتفتكرين إذاً، أنه يمكنني الصلاة وسط أعمالي؟

العمة: لا شك، صلي كل حين في أثناء الجلي والغسيل ومسح البلاط. لك الحق، أن تدعي أباك في كل لحظة. لأن الله القدوس، ينظر إلى القلب، الذي يقترب منه بالإيمان، ويثق به، متكلاً عليه.

منى: عندئذ، لا أكون منفردة ولا متروكة في كل مشاكلي؟

العمة: أبداً، لأن أباك يريد، أن يكون معك كل حين، ويحميك كل يوم من أيام حياتك، كما قال موسى في المزمور 90: 1 و17 «يَا رَبُّ، مَلْجَأً كُنْتَ لَنَا فِي دَوْرٍ فَدَوْرٍ، وَلْتَكُنْ نِعْمَةُ ٱلرَّبِّ إِلٰهِنَا عَلَيْنَا، وَعَمَلَ أَيْدِينَا ثَبِّتْ عَلَيْنَا، وَعَمَلَ أَيْدِينَا ثَبِّتْهُ».

ليتقدس اسمك

منى: يا للأسف! كيف يصرخ ويشتم أبناء الجيران، ويسبون في الطريق، فيستمع أولادي إلى هذه الشتائم البذيئة، ويتعلمونها.

العمة: نعم، الأولاد يقلدون كل شيء. وهم يقلدون، أولاً أباهم وأمهم. فليت الأبوين، يقدمان لهم القدوة الصالحة أولاً. فإن لم يشتم الأب ولم تسب الأم يكون سهلاً منع أولادك من تعلم سفاهة الجيران.

منى: كلماتك تؤثر عليّ، وأعترف بأني في بعض المرات، أشتم وقت الغضب، حتى أمام أولادي.

العمة: اعترافك جيد، وإن عرفنا أخطاءنا واعترفنا بها فالعون قريب. لقد حزنت، حين سمعت أولادك يسبون. وها أنت أيضاً تحزنين إذ تسبين.

منى: نعم، حقاً، كثيراً ما يتراكم كل شيء عليّ، كأمواج البحر الهائل. فحين أحضر الطبيخ، يختصم الأولاد فيما بينهم، ويبكي الرضيع. عندئذ أثور وأفور، ولا أعرف ماذا أقول، ليتني أقدر، أن أتماسك أكثر!

العمة: هذه هي أزمات سيدات البيوت والأمهات، إذ يتراكم عليهن كل شيء. فمن أعمالهن، إعداد الطعام، في الوقت المعين. ويأتي ضيوف كثيرون، ويرن التلفون، ومشاكل ومشاكل كثيرة، وبلا نهاية. فيثرن، ويفقدن راحة النفس. وكما قلت لك سابقاً، إنه من الخير أن نعرف ونعترف بأننا أخطأنا، وخصوصاً إذا شتمنا. لأننا «إِنِ ٱعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ (الله) أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ» (1 يوحنا 1: 9).

منى: وإن طهرني الله من كل إثم، وغفر لي خطاياي، فهل تظنين أنه ينسى كل كلماتي التافهة، التي قلتها في لحظات غير واعية؟

العمة: نعم إن الله مستعد لمحو آثامك، لأنه قال على لسان النبي إشعياء 43: 24 و25 «ٱسْتَخْدَمْتَنِي بِخَطَايَاكَ وَأَتْعَبْتَنِي بِآثَامِكَ. أَنَا أَنَا هُوَ ٱلْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لا أَذْكُرُهَا».

منى: لكن ماذا أعمل لكيلا أشتم مطلقاً، إن وصلت مرة أخرى إلى حالة سيئة؟

العمة: قد ابتدأ الله أن يخلصنا. لأنه يعرف أننا لا نقدر أن نخلص أنفسنا من جبلتنا الشريرة، بقوتنا الذاتية.

منى: هذا ما أشعر به، إنني لا أقدر أن أهذّب نفسي بعمق باطني. لأني كم مرة جربت ألا أخطئ وفشلت! وأحيانا دون أن ألحظ.

العمة: كلنا حُبل بنا، ولدنا بالخطية. لهذا السبب لسنا قادرين أن نعيش حياة طاهرة مقدسة. ولهذا أرسل الله ابنه المسيح الذي قال في يوحنا 17: 19 «وَلأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتِي، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضاً مُقَدَّسِينَ فِي ٱلْحَقِّ» . فإنه يقول هنا عن الذين يؤمنون به، قد مات لأجل خطاياهم، ليتطهروا، ويتقدسوا.

منى: فإن آمنت بالمسيح، أفلا أسبّ فيما بعد؟

العمة: إمكانية الخطية، موجودة دائماً ولكن إن أطعت ربك، واتبعت كلماته، فيطهرك مرة تلو الأخرى. ويهبك القوة، لكيلا تخطئي.

منى: الشتم، ليس الخطأ الوحيد، الذي أحبّ التخلص منه.

العمة: لقد حمل المسيح كل خطاياك، وحررك من كل آثامك. آمني بهذا الحق، فتختبري عونه، لتقدسي اسم أبيك السماوي.

منى: ما معنى هذا؟

العمة: لما علم المسيح تلاميذه الصلاة النموذجية، أرشدهم أن يصلوا هكذا «أبانا الذي في السموات». وأكمل مباشرة، «ليتقدس اسمك».

منى: كيف أقدر أنا المرأة البسيطة، أن أقدس اسم الله؟ هذا مستحيل.

العمة: بالعكس، إن لم تشتمي تكرمين اسم الله، وتقدسينه. لأن كل لعن، هو سوء لاستعمال اسم الله.

منى: وهكذا يمكنني أن أقدس اسم الله وسط أعمالي؟

العمة: طبعاً خصوصاً إن اضطربت أوضاع المنزل فتواجهين أكبر تجربة.

منى: حقاً، لم أتذكر، أني فكرت وسط أشغالي بالله الحي. لقد ظننت دائما هذا التأمل، متعلق بالدقائق الهادئة النادرة لسيدات البيوت.

العمة: إن الأوقات الهادئة أمام وجه الله، نحتاجها بإلحاح. ومن هذا الهدوء، يرافقنا الله في بحر يومنا. ويكون معنا في غرفة الغسيل، وأثناء التنظيف ومتاعب الكي وأبخرة الطبخ. إنه معنا في كل لحظة من حياتنا، ويقدسنا. وإن عملنا أعمالنا المتعددة تحت عينيه المفتوحتين، نقدس اسمه بكل تصرفاتنا، وليس في أوقات الراحة فقط. هكذا تصبح حياتنا، كلها خدمة لله.

منى: ربما أساهم بتقديس اسم الآب، إن أطعته، ووضعت حياتي تحت تصرفه.

العمة: أكيد! وتقدسين اسم الآب أيضاً، إن قدمت لأحد خدمات المحبة.

منى: لا يبقى لديّ وقت لهذا.

العمة: هذه الخدمات صغيرة عادة، فعلينا أن نطلب من الله أبينا، أن يفتح أعيننا، لنرى الفرصة الذهبية للمساعدة. وقد شاهدت أمس، كيف أن بنتاً راجعة من المدرسة، أعانت عجوزاً بحمل كيسه الثقيل. وحملته مسافة، فأدركت أن هذه البنت قد قدست اسم الله بعملها.

منى: الآن قد فهمت، ماذا تقصدين، إن عملت ما أوصى الله به في كلمته، أكرمه وأقدس اسمه.

العمة: لا تنسي أن المسيح مستعد، ليساعدك لتتكلي على أبيك السماوي في كل حين، وتعملي أعمال محبته في محيطك، كما تقرآين في رسالة العبرانيين الأصحاح 2: 18 عن المسيح نفسه، فيما هو تألم مجرباً يقدر أن يعين المجربين.

ليأت ملكوتك

منى: حين افتح الراديو وأصغي إلى الأخبار أسمع عن اضطرابات وغليان العالم. فهنا حرب طاحنة، وهناك اشتباكات مروعة، وهنالك إطلاق نار حامية، أليس هذا مخيف؟

العمة: قولك صحيح، لأن دول هذا العالم عندها الموضوع الأهم، من هو الأقوى، ومن يتسلط على الآخرين.

منى: ألا نهاية لهذا المصير الأمض؟ ألا يتعلم البشر شيئاً من حروب العالم الماضية؟

العمة: كلا، لا يتعلمون شيئاً. ولا تتغير الحال، إلا إذا أعلن الله ملكوته ظاهراً.

منى: لم أفهم ماذا تعنين؟

العمة: العالم الذي نعيش فيه فاقد السلام، لأن معظم الناس قد كفروا بربهم. فالشيطان، الذي هو رئيس هذا العالم، يحرض دولة ضد الأخرى، فتعم الحروب. ولكن ليست الشعوب هي التي تتحارب فقط. بل أيضاً الأفراد في كل شعب، يتخاصمون ويتقاتلون. كم عائلة تبغض الأخرى! وكم جار يلعن جاره! وحتى في نفس العائلة الواحدة نجد التباغض والصراع. وحتى بين الرجل والمرأة، نجد التوتر وسوء التفاهم.

منى: نعم، يا للأسف!

العمة: أما الله فيقيم مملكته الحقة. لأنه ناظر إلى عذاب الآنام، وآلام الحروب، ومصائب النفوس.

منى: نتمنى من كل قلوبنا، ابتداء السلام، وتغير الكراهية والحقد والبغضاء والخصومات والظلم والتنافر والتناحر.

العمة: قد أرسل الله ابنه الوحيد إلى عالمنا البارد، وأنشأ بمجيئه ملكوت سلامه.

منى: لكني لا أرى شيئا من ذلك.

العمة: معك حق، لا تقدرين أن تري ملكوت الله. لأن المسيح نفسه قال «مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هٰذَا ٱلْعَالَمِ» (يوحنا 18: 36) لأنه لم يؤسس مملكة متسلطة، كما تسعى الدول في هذا العالم. بل وهب لنا رحاباً فسيحة، يعم فيها التواضع والمحبة والوداعة، كما قال المسيح نفسه «إِنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ ٱلْقَلْبِ» (متى 11: 29).

منى: لا أقدر أن أتصور كيف أن مملكة تتطور، بدون سلطة، وبتصرفات متواضعة فقط.

العمة: يا حبيبتي منى، لو أن زوجك عاد من عمله متعباً، وربما متضايقاً من المشاكل ماذا يحدث لو كنت خشنة التصرف معه، وطالبته بمطالبك بشدة؟

منى: طبعاً يبتدئ الخصام والشتم، إلى حد الخلاف.

العمة: أترين؟ فهكذا تجري حرب صغرى.

منى: نعم، نعم.

العمة: ولكن إن سكتّ واستقبلته بابتسام، وسايرته بمعاونة ولطف، وقدمت له الوسائل ووضعت بين يديه الطعام الشهي، فماذا يحدث؟

منى: لا بد أنه يتغير يفرح وينشرح ويحل السلام في البيت بدل النقار والحقد.

العمة: فإن تواضعت، وصمتِّ عن الرد والإجابة العنيفة، ولم تبرري نفسك أمامه فقد ربحت الحرب.

منى: ماذا تقصدين؟

العمة: الشيطان جرب توريطكما بالنزاع. لو فكرت في نفسك، وطالبت بحقك، تبتدئ الحرب بينك وبين زوجك والغلب هو الشيطان.

منى: فهمت الآن، إنني بتنازلي عن حقي، أمنع الحرب أن تنشب.

العمة: بارك الله فيك يا ابنتي، لأنك إن لم تفكري في نفسك، تربحين السلام والوئام في بيتك وقلبك.

منى: هذا غريب، لأننا نرى الحياة العكس دائماً.

العمة: صحيح، لكن المسيح مثل بتصرفاته أمامنا الطريق الوحيد إلى السلام، ووضح لنا كيف نسلك في ملكوت الله.

منى: ليت ملكوته يبتدئ بسرعة، فتنتهي الخصومات والحروب.

العمة: لهذا السبب علمنا المسيح أن نصلي أبانا الذي في السموات، ليأت ملكوتك.

منى: إذاً هذا واجب، أن نطلب حلول ملكوت الله. ولكن هل لصلواتنا استجابة، حتى يأتي هذا الملكوت سريعاً؟

العمة: ألم تعرفي ماذا قال المسيح في إنجيل لوقا الأصحاح 17: 20 و21؟ «لا يَأْتِي مَلَكُوتُ ٱللّٰهِ بِمُرَاقَبَةٍ، وَلا يَقُولُونَ: هُوَذَا هٰهُنَا أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ، لأَنْ هَا مَلَكُوتُ ٱللّٰهِ دَاخِلَكُمْ» . لقد أوضحت لك سابقاً إن ملكوت الله ابتدأ بمجيء المسيح. وكل إنسان يقبل المسيح فادياً له من خطاياه، ويؤمن به ويثبت في قوله، ويعمل إرادته، هذا يعيش اليوم في ملكوت الله حقاً.

منى: نعم، هذا فهمته جيداً.

العمة: وإن صلينا «يا أبانا، ليأت ملكوتك» فنطلب بهذا دخول كل الناس حولنا في ملكوته. لأنك إن التصقت بملكوت الله، تشتاقين إلى زوجك وأولادك وأهلك وكل عشيرتك، أن يلتصقوا به أيضاً.

منى: أكيد أريد هذا، ما أجمله!

العمة: أترين أنك، كامرأة وأم، ليس لديك وقت لأعمال اجتماعية كبيرة، وإنما تستجيبين بدعوة الله وتصلين «ليأت ملكوتك إلى بيتي وجيراني»، فتساهمين بإنشاء هذا الملكوت.

منى: حقاً، إنه لأمر عظيم.

العمة: فلنصل ونطلب بكل قلوبنا، إن كثيرين من أصدقائنا وجيراننا يسمعون الدعوة إلى ملكوت الله، ويدخلون إلى سلامه ومحبته، فيظهر ملكوته في عالمنا عما قريب.

لتكن مشيئتك

منى: يا عمتي، أترين كيف أن ابني الصغير عنيد، لا يطيعني؟ وإن قلت له: اعمل هذا، لا يعمله، ويجاوبني لا.

العمة: قلب الإنسان يظهر من الصغر عاص متمرد.

منى: عندما أفكر بتصرفات ابني الصغير لا يسعني إلا أن أقول، الحق معك فيما تقولين.

العمة: إنه يريد أن يعمل ما يشاء، ولا يطيع إرادتك.

منى: هذا تماماً ما هو عليه.

العمة: وُجد واحد فقط في العالم، الذي لم ينفذ إرادته الخاصة، بل إرادة أبيه الذي أرسله. هو المسيح الذي قال عن نفسه في يوحنا 5: 30 «لا أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ ٱلآبِ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي» . وقد علمنا أيضا الدعاء: «يا أبتاه لتكن مشيئتك، كما في السماء، كذلك على الأرض».

منى: إن أراد المسيح أن نمارس إرادة الله على الأرض، فضروري أن يعلمنا ما هي.

العمة: قد أعلن الله مشيئته بوضوح في كلمته، وتقدرين أن تقرأيها في الكتاب المقدس يومياً. وإن آمنت بكلماته فزت بعملها. ونقرأ في رسالة العبرانيين 1: 1 و2 «اَللّٰهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ ٱلآبَاءَ بِٱلأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هٰذِهِ ٱلأَيَّامِ ٱلأَخِيرَةِ فِي ٱبْنِهِ» . وهذا الابن، هو المسيح يسوع.

منى: وهل يمكنني إدراك إرادة الله، بقراءتي الكتاب المقدس وأنا إنسانة صغيرة؟

العمة: من كل بدّ، يا ابنتي.

منى: وإن آمنت بكلماته، وأطعته بكل إرادتي، وصليت له أيستجيب لي دائما؟

العمة: نعم بكل تأكيد، يتسجيب لك. ولكن أحياناً يدبر الأمور بطرق لا تريدينها.

منى: وإذا مرضت، أو مرض أحد أفراد العائلة أفيشفينا إذا طلبته؟

العمة: سيشفي ويستجيب صلواتك، ويعمل كما يشاء هو.

منى: وإن أطعته، فعليه إذاً أن يعطيني ما أطلب؟

العمة: إن رأى أحد أولادك شفرة حلاقة، وطلبها منك مُلحاً، أفتعطيه إياها؟

منى: لا، كيف أعطيه؟!

العمة: لماذا؟ أليس ابنك طالبها منك بالدموع ويريد أن يلعب ويلهو بها؟

منى: لأنها ضارة وخطيرة.

العمة: ولكنه، مطيع لك طول النهار، أفلا تستجيبين لطلبه؟!

منى: كلا، كلا! لأن الولد لا يعرف أن هذه تجرحه، فعقله غير ناضج.

العمة: أرأيت؟ فإن كنت تعلمين ما هو نافع أو ضار بولدك، فكم بالحري أبوك السماوي، يعرف ما هو نافع لنا، وما يضر. لأنه يحبنا ويعتبرنا أولاده.

منى: لقد فهمت، الآن، واتضحت لي حكمة تدبير الله.

العمة: بورك فيك، با ابنتي العزيزة. فأنت لا تريدين إلا الخير لابنك، ولو لم يدرك تصرفك.

منى: بالتأكيد يا عمتي.

العمة: هكذا علينا أن نؤمن بأن أبانا السماوي لا يريد لنا شيئاً آخر، إلا الخير، كما أنبأ إرميا عن الله 29: 11-13 «لأَنِّي عَرَفْتُ ٱلأَفْكَارَ ٱلَّتِي أَنَا مُفْتَكِرٌ بِهَا عَنْكُمْ يَقُولُ ٱلرَّبُّ، أَفْكَارَ سَلامٍ لا شَرٍّ، لأُعْطِيَكُمْ آخِرَةً وَرَجَاءً. فَتَدْعُونَنِي وَتَذْهَبُونَ وَتُصَلُّونَ إِلَيَّ فَأَسْمَعُ لَكُمْ. وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ» .

منى: فنتأكد أن الله إن لم يستجب صلاتنا كما نطلب، فذلك لأنه يريد لنا الأفضل دائما.

العمة: نعم، نتأكد بهذا الامتياز أنه يعتني بنا روحياً وجسدياً. وكما نقصد لأولادنا تربية صالحة ممتازة، هكذا يشاء أبونا السماوي أن يرينا بأحسن طريقة ممكنة.

منى: هذا ينير لي طريق حياتي.

العمة: وكما أن ابنك لم يفهم سبب عدم إعطائه الشفرة البراقة، كذلك علينا أن نفهم أن الله يريد لنا الخير، وإن غمض علينا.

منى: لذلك نصلي لتكن مشيئتك، لا مشيئتي.

العمة: أبونا السماوي وحده يعلم الأفضل لنا. وسنشكره لأنه لم يلب كل طلباتنا. فكري ثانية بأولادك ماذا يحدث لو أعطيتهم ما يطلبونه في النهار؟

منى: يصبحون عندئذ غير محتلمين ومدلوعين.

العمة: نحن كأمهات نعطي أولادنا الصالح لتربيتهم، ونتجنب الضار، هكذا يشاء الله أبونا السماوي، أن نثق بإرشاده كاملاً.

منى: نعم، ولكن هذا ليس سهلاً دائماً.

العمة: ماذا تقولين لو أتى أولادك إليك قائلين: يا أماه، إنك لا تعطينا التربية الحقة، فلا نثق بك فيما بعد، فلنفترق ولنتبع طريقنا الخاص؟

منى: هذا غريب إنهم يضلون ويفسدون ويموتون جوعاً.

العمة: هكذا نحن، إن لم نسمح لإرادة أبينا السماوي، إن تتم في حياتنا، فنفسد ونموت روحيا وجسدياً. ولهذا نثق فيه ثقة تامة، حتى وإذا لم نفهم طرقه وننطق أيها الآب لتكن مشيئتك في كل حياتي وأثق بك وأؤمن من أنك تعمل الأفضل لأجلي.

خبزنا كفافنا أعطنا اليوم

منى: إني متعبة هذا النهار، فتحضير الطعام استنفد وقتاً كبيراً مني، إذ طبخت كوسى محشياً باللبن.

العمة: تصوري أنه لو لم يكن بإمكانك الطبخ والنفخ، لما انشغلت وتعبت هكذا.

منى: نعم ولكن كنا سنبقى بلا طعام أيضاً يا عمتي.

العمة: أرأيت فإن علينا أن نظل دائما شاكرين، لأن عندنا القدرة، لنطبخ ونسوي الطعام.

منى: حقا لم أفكر بهذا من قبل.

العمة: بولس الرسول يعلمنا يا عزيزتي أن نشكر ربنا في كل حين (1 تسالونيكي 5: 18).

منى: لعلنا نفتكر أقل من اللازم، ولا نتعمق في أمورنا كما يجب. إني متعبة من الشغل والطبيخ، وأئن وأتوجع. لكن كنت سأئن وأتوجع أكثر لو لم تكن المواد التي أهيئها للطعام حاضرة.

العمة: يستاء كثير من الناس إن طلبنا منهم أن يشكروا ربهم. لأنهم قد نسوا الله المعطي كل البركات والطيبات.

منى: وهل يهتم الله أيضاً يا عمتي بكفاية كل إنسان وغذائه لهذا الحد.

العمة: من كل بد أنه يهتم بنا، لأن المسيح يعلمنا أن نصلي أيها الآب السماوي: خبزنا كفافنا أعطنا اليوم.

منى: وهل يعني هذا أن من يطلب منه الخبز يناله حقاً.

العمة: طبعاً وقبل كل شيء، فإن المسيح يدلنا على المصدر الواهب للعطايا، والذي ننال منه حاجاتنا وغذاءنا.

منى: ولكن الناس بالحقيقة هم الذين يزرعون القمح، ويحصدونه ويدرسونه، ويطحنونه، ويعجنونه، ويخبزونه، ثم يبيعونه للناس.

العمة: حقاً كل إنسان يخدم الآخر، ولكن الله هو خالق القمح وينميه. يستطيع الإنسان أن يزرع ويحصد وينتج، وليس أكثر من ذلك. أما البركة في العطاء، فمن الله وبدونه تكون كل جهودنا عبثاً وباطلاً.

منى: نعم، يجب علينا أن نعترف بأنه هو الذي أوجد الكل ويضبطه.

العمة: أيقدر الإنسان أن يخلق الفاكهة، كالتفاح والبرتقال والأيدكيدنيا مثلاً. إنه يقدر فقط، أن يغرس شجرة ويسقيها. ولكن الإنماء والإزهار والإثمار، عمله من الله وحده.

منى: لقد اكتشفت اليوم، من حديثك شيئا مهماً. وهو أن الله يصنع ويطور الطبيعة كلها. لكن ما معنى هذه الطلبة «خبزنا كفافنا أعطنا اليوم» هل يريدنا أن نطلب منه فقط الخبز الكفاف، وهل نقنع بالخبز وحده فقط؟!

العمة: بالتأكيد لا، فإن أبانا السماوي لم يخلق كل طيبات الحياة وفواكهها الشهية، ومآكلها اللذيذة إلا لمعيشتنا، وإنماء أجسادنا وإدامتها يا ابنتي المحبوبة.

منى: هذا صحيح، فإني أتذكر ما حدثتني به سابقاً، عن حاجيات جسد الإنسان لأنواع الأغذية المختلفة، كالحليب واللحومات والأرز والبرغل والزيت والزبدة والفاكهة والخضراوات.

العمة: الله عالم بالإنسان لأنه خلقه، فيعرف ما يحتاج إليه ليستمر. وإن علمنا المسيح الصلاة «خبزنا كفافنا أعطنا اليوم» فيعني بهذا كل الحاجيات التي تديم وتحفظ الإنسان.

منى: ولهذا نحتاج أيضاً إلى ملابس حصوصاً في أيام البرد والزمهرير حتى لا نمرض.

العمة: والله يعيننا ويعطينا الألبسة الصوفية السميكة، ليقينا من شدة البرد. وأيضاً يريد الله لنا أن نعيش في بيت يحفظنا من الحرارة أو الأمطار، كما اعترف داوود الملك «الرب يهتم بي، عوني ومنقذي أنت، يا إلهي لا تبطئ».

منى: إن هذا الأمر مثير! لم يهمل الله شيئاً، بل هيأ لنا كل ما نحتاجه، للمحافظة على حياتنا. فالحمد والشكر له، على أنعامه وأفضاله، التي لا تُعد ولا تُحصى.

العمة: نعم لقد حضّر الله كل شيء، أما الإنسان فعليه أن يحسن استخدام ما وهبه الله إياه، فيزرع الحب ويحصده في أوانه. الله هو خالق الخبز، لكنه يشرك الإنسان في تحضيره ومسؤوليته، حتى لا يركن إلى الكسل والاتكالية.

منى: فمن هذا نعلم إذاً يا عمتي، إننا إن جلسنا كسولين مكتفين أيدينا بلا عمل، ودعونا الله لإعطائنا الخبز، فإنه لا يستجيب دعاءنا، لا يرد علينا البتة.

العمة: صح، خلق الله الغذاء. ولكن علينا أن نحرك أيدينا، أو نموت جوعاً. وهذا ينطبق على الخبز لإشباع الجسد، كما الخبز الروحي لإحياء نفوسنا.

منى: أتظنين أن نفس الإنسان محتاجة إلى غذاء أيضاً، وأن الله يعتني بنا، بإعطائه غذاء وخبزاً روحياً كذلك، فكيف يكون هذا؟

العمة: لقد أعلن المسيح لنا، بكل بساطة القول «لَيْسَ بِٱلْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا ٱلإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ ٱللّٰهِ» (متى 4: 4).

منى: لكن كيف يكلمنا الله؟ إنني لم أسمعه بتاتاً، يتكلم معي.

العمة: بلى إننا نسمعه، في كلمته المكتوبة المعلنة لنا، بواسطة أنبيائه ورسله الأكرمين. وبواسطة هذا الكتاب المقدس، يكلمنا الله جهراً، ويرشدنا يومياً.

منى: أو تظنين أيضاً أن هذه الكلمة، هي غذاء لنفسي وخبز لها.

العمة: نعم يا عزيزتي، لأن بواسطة كلمة الله، تحصل أنفسنا على الحياة الأبدية. فبواسطة كلمته، يخبرنا بغفران خطايانا. لأننا بدون تطهير أنفسنا، لا نحصل على الحياة الأبدية.

منى: ماذا تقولين: أنَفسي ميتة، إن لم أحصل على كلمة الله؟

العمة: ليست ميتة تماماً، أو غير قادرة على الحياة. إنما تشارف على الهلاك، فعليك أن تطلبي من ربك كلمته يومياً وتسمعين صوته الحنون، فتنتعش وتفرح نفسك.

منى: هل كلمة الله سهلة الفهم؟

العمة: ليس دائماً، ولكن جائز أن نطلب من أبينا السماوي، أن يفسرها لنا، ويكلمنا يومياً بالكلمة، التي نحتاج إليها. فتشبع أنفسنا وتستريح، ونرى كل مجده في كلامه.

منى: ما أعظم حنان الله ومحبته لنا، إذ أعطانا كل ما نحتاج إليه لنعيش حياة روحية أبدية. فالله لم يتركنا هباء، كما يفتكر ويظن الجاهلون.

العمة: ولكن لا تنسي، أن التعامل بالغذاء الروحي كما بالغذاء الجسدي، علينا أن نعمل بالكلمة ونهضمها، وإلا فلا تنفعنا شيئاً. أما إن اشتركنا بتحضير وتناول الغذاء المادي والروحي، فإن الرب يباركنا، إذ نصلي أبانا الذي في السموات: خبزنا كفافنا أعطنا اليوم.

خبزنا كفافنا أعطنا اليوم

منى: بالأمس يا عمتي طبخت مربى المشمش. وأنا سعيدة إذ حضرت مؤونة لكل الشتاء، ووضعتها في البرطمانات.

العمة: جيد جداً، فإن ربة البيت، يعظم فرحها إن صنعت شيئاً لفائدة العائلة.

منى: نعم وأثناء الشغل، خطر لي خاطر، أنه لو لم يوجد السكر في البلاد، فماذا كنت صانعة؟

العمة: في مثل هذه الحالة يا ابنتي، لا تستطيعين أن تعملي شيئاً، مهما فكرت وحاولت. لأن كل أفكارك ومحاولاتك، لا تصنع سكراً.

منى: نعم نحتاج إلى معين أعظم من عقولنا.

العمة: هو ذاك يا عزيزني، فإن المسيح قد علمنا أن نصلي، طالبين ليعطينا خبزنا كفاف اليوم. فكُتبت هذه الكلمة خاصة لنا نحن سيدات الأسرة، لأننا نسقط بسرعة في الهموم والمتاعب وانشغال البال، بماذا نطبخ، وماذا نأكل ونلبس.

منى: هذا صحيح يا عمتي، لأنه واجب أن نحضر الطعام للعائلة دواماً، في أوقاته المحددة.

العمة: إن واجبنا يا عزيزتي، هو أن نعمل ما نستطيع عمله بقدر الإمكان. وعلينا أن ندرس كل الإمكانيات، لتنظيم البيت وتدبير شؤونه ولوازمه. والله يتولى ما نعجز عنه بطاقتنا العاجزة. الثقة بالله، أفضل من قلقنا وتخوفنا المضطرب، في كيفية تدبير الطعام والشراب.

منى: لكن عليّ أن أستخدم، وأحرك عقلي، وأفتكر، وأخطط، وأهيئ المواد الغذائية والأطعمة، للأيام المقبلة، وليس فقط لهذا اليوم.

العمة: حقاً، ولكن لا تقدرين أن تخططي، إلا بما هو متوفر لديك الآن. لأنك إن تعذر عليك شراء السكر مثلاً هذا اليوم، فكيف تقدرين أن تطبخي المربيات اللذيذة للمؤونة غداً.

منى: صحيح يا عمتي معك حق.

العمة: تستطيعين الآن، أن تدركي معنى كلمة المسيح بطلب الخبز اليومي. فيعلمنا بذلك عدم القلق لمشاكل الغد. كما قال «فَلا تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ، لأَنَّ ٱلْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي ٱلْيَوْمَ شَرُّهُ» (متى 6: 34).

منى: ولكن، لا يمكننا يا عمتي أن نطبق هذه الكلمة، لأننا دائما مشغولون بما يجب وما يلزم أن نفعله غداً.

العمة: لا يمنعنا الله من أن نخطط للغد، ونفكر ملياً بمستقبلنا. ولكنه يحذرنا من الاهتمام الزائد والقلق والتخوف، الذي يدل على ضعف الإيمان فإننا غير متأكدين أن يطلع علينا فجر الغد ونحن بصحة جيدة، أو واقعون في فراش المرض.

منى: نعم هذا صحيح، فإن المرض يحوم حولنا كالذباب.

العمة: أرأيت يا ابنتي العزيزة، فكل همومك سابقة لأوانها، ولا تنفعك فتيلاً. ولو أن ابنتك، خطر ببالها فكرة فهل ستستمرون بالحنو والعطف عليها، فيما بعد كاليوم، فبماذا تجاوبينها؟

منى: سأقول لها حتماً يا ابنتي، ألم نقدم لك كل يوم من أيام حياتك الماضية قوتك وكسوتك كاملة، فكيف تشكين بإخلاصنا لك واهتمامنا بك؟!

العمة: أرأيت يا منى، فإن اهتمام الأبوين بأبنائهم أمر محتم لا شك ولا ريبة فيه.

منى: وأنا لا أظن أن ابنتي، يتطرق إليها هذا الفكر بتاتاً.

العمة: إن شاء الله يكون كما تقولين. لأن الولد في العادة له تمام الثقة بوالديه، إذ اختبر بالزمن عناية أهله واقعياً.

ومن الطبيعي، أن نتكل على أبينا السماوي، كما الولد على أبيه. إنه يعطينا كل يوم حاجياتنا قوتاً وكساءً وصحة وعافية.

منى: أشكرك لهذا التوضيح الذي شرح صدري، وأدخل الاطمئنان إلى قلبي. فإن آمنا بهذه العناية، نظل مطمئنين مرتاحين، حتى في وسط أعمالنا ومشاكلنا المتراكمة.

العمة: لك الحق يا منى، أن تعيشي كل لحظات حياتك مسرورة هانئة. لأنك تعلمين أنه يوجد من يعتني ويفتكر بك، ويفهمك، ويعرف ما أعد لك في مستقبل الأيام.

منى: جميل هذا الفكر، يا عمتي.

العمة: نحن النساء ربات البيوت، نحتاج إلى وقت للتعمق أكثر في عناية أبينا السماوي، بنا وبعائلاتنا. استمعي إلى كلمة المسيح حيث يقول «اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ ٱلسَّمَاءِ: إِنَّهَا لا تَزْرَعُ وَلا تَحْصُدُ وَلا تَجْمَعُ إِلَى مَخَازِنَ، وَأَبُوكُمُ ٱلسَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا. أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِٱلْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا؟» (متى 6: 26).

منى: ولكن الطير لا عقل له يا عمتي، حتى يهتم ويعتني بنفسه. ورغم ذلك يعيش. حقاً إن الدنيا مليئة بالعجائب والغرائب.

العمة: والطير يعيش صيفاً وشتاءً ويجد ما يحتاجه يومياً، فمن يرزقه إلا الله؟!

منى: وإذا فكرت ملياً بهذه الأشياء، فعليّ أن أعترف أن الله قد أعطاني طيلة حياتي في الخمس والعشرين سنة الماضية، في كل يوم منها ما احتجت إليه، رغم أنني لم أطلب منه، ولم أسأله.

العمة: أعرفت إذاً كيف أن الله يهتم بمخلوقاته؟ فإن اهتم بك، دون أن تسأليه، فكم بالحري يعتني بك لو تقدمت إليه بكل إيمانك!؟

منى: حقاً أنا أيضاً أعطي ابنتي أكلاً وشرباً، ولو لم تفكر من أين جاءها هذا الطعام.

العمة: ماذا تقولين إذاً إن جاءتك ابنتك، وقالت لك يوماً بكل حنوّ ومحبة: يا أماه أشكرك من صميم قلبي، لأنك أشبعتني كل يوم، والبستني بلطفك. لم أفكر من قبل بما أنعمت عليّ، ولكن الآن أشكرك شكراً جزيلاً، وأثق أنك ستعطينني في المستقبل كل ما أحتاج إليه.

منى: فإن قالته لي مرة، تذيب قلبي، وأضمها إلى صدري، وأهتم بها، ألف مرة أكثر مما الآن.

العمة: هكذا تعالي إلى ربك، وحدثيه بكل أمورك، واشكريه لكل عنايته بك، واطرحي كل همومك بين يديه، واتكلي عليه تماماً، في كل أيام حياتك. فيباركك، ويكافئ ثقتك بالرحمة الأبدية.

اغفر لنا خطايانا

منى: هل سمعت يا عمتي، أن اللصوص الثلاثة الذين أغاروا على البنك الأسبوع الماضي قد اعتقلوا؟

العمة: هذا جزاؤهم الذي يستحقونه. لعلهم ما كانوا ارتكبوا هذه الجريمة، لو علموا أنه سيُقبض عليهم قبل أن يتصرفوا بالمال الذي سرقوه.

منى: لا يقدر أحد أن يعرف ماذا في عقل اللصوص.

العمة: أتعلمين يا ابنتي العزيزة، بأننا جميعاً نستحق السجن؟

منى: ماذا تقولين، أنحن مجرمون؟ وهل ارتكبنا عملاً شنيعاً حتى نستحق السجن، أسوة باللصوص؟!

العمة: ألم تأخذي في حياتك شيئاً لم يكن من أشيائك وممتلكاتك الشخصية؟

منى: بلى أحيانا كنت آخذ بعض الدراهم من محفظة والدي وجيبه، دون أن يعلم ذلك. ومن أخي الكبير أيضاً. ولكن هذه أشياء تافهة، لا قيمة لها.

العمة: ولكن في عيني الرب، كل سرقة خطيئة، سواء كانت صغيرة أو كبيرة. لأنه غير مشروع للإنسان أن يأخذ ما لا يخصه.

منى: ولكن ماذا تقولين؟! لا يمكن أن يكون ابتزاز بعض الدراهم، كاقتحام البنوك، واغتصاب أموالها بعشرات الألوف. ففرق كبير بين الحالتين، كالليل والنهار.

العمة: صحيح أن الفرق موجود في كمية المال المسروق، ولكن الباعث واحد. لأن الإنسان يشتاق إلى الشيء، ولا يقدر أن يمنع شهوته فيأخذ ما لا يخصه.

منى: نعم هذا صحيح.

العمة: وإذا أخذت شيئاً، لا يخصني وقد أعطاه الله لغيري، فأكون قد تجاوزت واعتديت على حدود الله. وأخطأت إليه، لأنه يقول: «لا تشته ولا تسرق» وداود النبي يعترف في المزمور 51: 4 «إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ وَٱلشَّرَّ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ صَنَعْتُ».

منى: إذا اعتبرنا كل إثم بهذا المقياس، فحق أننا جميعاً نستحق الحبس والقصاص. لأن البشر كلهم خطاة، أمام الله الحي.

العمة: معك حق، وإذا تعمقنا في تصرفاتنا، نجد أننا غير مستقيمين وأنانيون.

منى: لكن لا علاقة لهذا كله بالسجن.

العمة: ولم لا يا عزيزتي، إذ أن الكتاب المقدس يعتبر كل عدم محبة في تصرفاتنا خطية. لأن الرب أمرنا، لنحب قريبنا كأنفسنا. كم نحن بعيدون عن هذا المبدأ!

منى: نعم هو ذاك، فأحياناً أعالج أولادي بقسوة وعنف، إذا كنت في حالة غاضبة، أو حزن. لكن ضميري، يبكتني بعدئذ.

العمة: حين نتعمق في دراسة كل هذه الأمور، نلاحظ سريعاً لماذا علمنا المسيح، أن نصلي قائلين: يا أبانا اغفر لنا خطايانا. فكلنا نشعر أننا أخطأنا خطايا متنوعة، عدة مرات.

منى: أيغفر الله لي كل خطاياي، إن صليت هذه الصلاة؟

العمة: إن قلت هذه الصلاة بلسانك فقط، فلا يغفرها لك بتة.

منى: وكيف إذاً؟

العمة: ينبغي أن يكون فيّ شعور بالندم والتوبة، فأعترف أمام الله بأنني أنا المجرمة الخاطئة وأندم على عملي الآثم، وأحزن لخطيتي. وعندئذ أتشوق إلى التخلص من خطأي. لا أقدر أن ألغي وأبطل ما صنعت. ولكن يمكنني أن أطلب الغفران. وإذا تعمقت في حالتي الخاطئة بهذا الشكل، لا يتكلم لساني فقط بل يصرخ كل قلبي: يا أبتاه اغفر لي خطيئتي، فيغفرها الله عندئذ، كما تقرئين ذلك في المزمور 51: 17 «ذَبَائِحُ ٱللّٰهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ. ٱلْقَلْبُ ٱلْمُنْكَسِرُ وَٱلْمُنْسَحِقُ يَا اَللّٰهُ لا تَحْتَقِرُهُ».

منى: عندما تهدأ الضوضاء مساء، وينام أطفالي الصغار، يبتدئ رأسي بالتفكير. أين وكيف، لم أكن هذا النهار صبورة مع أولادي وعائلتي. فأحزن وأبتئس لكل مرة، لم أضبط فيها نفسي ولم أتمالك زمامها.

العمة: كل يوم مساء عند العشاء، تجدين الوقت المناسب للصلاة، فاجمعي أفكارك وحوليها إلى الصلاة، وقدميها للقدوس. واستغفريه، واطلبي عونه، لليل والنهار المقبلين عليك.

منى: جميل هذا الرأي! فسوف أجربه، لأنني أريد أن أتخلص من أثقالي الرابضة على قلبي. فكثير من الأمور جاثمة فوق صدري، وأشعر أنها ذنوب مرهقة.

العمة: لقد قال المسيح تعالوا إليّ أيها المتعبون والثقيلو الأحمال وأنا أريحكم، إنه رفع حمل خطايانا، لما حمل القصاص عوضاً عنا. فلنيابته نستحق التقدم، إلى الله، وننال غفراناً بنعمته.

منى: وتظنين أنه يكفيني فقط أن أصلي وأؤمن حتى يغفر الله لي. ألا يلزمني أن أعمل أي شيء آخر؟

العمة: إن ارتكب طفل لك عملاً سيئاً، ألا تزعلين منه؟ بلى، ولربما لا تكلمينه مدة من الزمن. لكن إن لاحظ ولدك أنه أخطأ، وأراد إصلاح العلاقة معك وأتاك طائعاً قائلاً: أماه إنني أخطأت، وجدُّ متأسفٍ لما فعلت. سامحيني، فماذا تقولين عندئذٍ؟

منى: عندئذ سأكون مسرورة جداً، وأسامحه وأنسى خطيته وأقبّله.

العمة: هكذا يعاملك الله أيضاً، وإن استحسنت مسامحة ولدك، فكم بالأحرى أبونا السماوي، الذي يسامحنا ويغفر لنا حالما نعترف بأخطائنا نادمين. وسؤالك، ألا يلزم أن نضيف إلى الاستغفار أي عمل، يدل على اعتقادك بأن الحصول على الغفران ليس أمراً سهلاً. لذلك تريدين أن تجشمي نفسك مشقة عمل زائد.

منى: نعم اعتقدت ذلك، لأنه إن أوقفت سيارة في مكان ممنوع، يوقع بصاحبها غرامة، وعليه أن يدفعها مرغماً.

العمة: نعم لأن كل ذنب يستلزم الغرامة. ولأن الله قدوس وعادل، شدد على وجوب دفع الثمن لذنوبنا.

منى: أرأيت اذاً؟ فعلينا أن نعمل شيئاً ما، للحصول على الغفران والتبرير.

العمة: نعم يا عزيزتي، كان ذلك واجباً علينا. ولكن بعد أن دفع المسيح بحياته ودمه غرامة ذنوبنا، أصبحنا متحررين وأبراراً. فكل من يقبل مؤمناً موت المسيح النيابي عنه يتبرر أمام الله، لأن المسيح قال «إن ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدم بل ليَخدم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين».

منى: أتظنين، أنه دفع عني أيضاً ثمن ديوني الروحية؟

العمة: لا شك في ذلك لأن محبته شملتك، وقداسته بررتك.

منى: هذا عجيب! كم يجب أن أشكره لرحمته ولطفه العظيم!؟

العمة: إن أكبر شكر تقدمينه له، هو أن تتقربي منه، وتعملي بإرشاده، وتؤمني به،إنه بذل نفسه فدية عنك وعن كل البشر.

واغفر لنا خطايانا كما نغفر نحن ايضاً للمذنبين إلينا

منى: ذبائح الله هي روح منكسرة،، القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره أيتها العمة العزيزة أمس ضربت جارتي حنة ابني جورج لأنه أخذ الطابة من يد ابنها يوسف. طبعاً لم يكن حسناً من ولدي أن يأخذها ولكنه صغير والعيب على تلك الجارة إذ أنه رغم سنها نزلت إلى مستوى الأطفال وضربت ولدي بشدة. والعجيب كأنه لم يحدث منها أي عمل سوء، فزعلت ولم أردّ على تحيتها، ولم ألقِ عليها نظرة واحدة.

العمة: لقد تكلمت بالصواب عن حالة الإنسان، فإنه رغم حصوله على الغفران من الله فهو غير مستعد أن يعفو عن أمثاله من بني الإنسان.

منى: ماذا تقولين، كيف تقولين هذا؟

العمة: المسيح نفسه، ذكر لنا قصة مماثلة عن الملك الذي يحاسب عبيده.

منى: ماذا، من هو هذا الملك؟

العمة: الملك هو الله، وعبيده الناس. فأحد عبيده جاءه وهو مديون بعشرة ملايين من الليرات.

منى: ولكن هذا مبلغ ضخم!

العمة: هذا مثل ذنبنا أمام الله. وبما أن هذا العبد، لم يقدر أن يوفي ويدفع ديونه، أمر الملك بأن تباع كل أملاكه وزوجته وأولاده ونفسه لكي يدفع ثمن دينه.

منى: الملك معه حق في ذلك.

العمة: طبعاً يا عزيزتي، وهذا ما نستحقه نحن أيضاً. ولكن اسمعي تتمة القصة، فالعبد ارتمى على قدمي الملك صارخاً بالدموع: تمهل عليّ أيها الملك. فأنا مستعد أن أدفع كل قرش من ديوني. فتحنن الملك على العبد المسكين، فأطلقه حراً، وسامحه بكل ديونه الهائلة.

منى: عجباً لهذا فقد كان الملك رحيماً جداً! وخصوصاً إذ عرف أن هذا العبد غير قادر أن يسدد دينه أبداً.

العمة: نعم هو لا يقدر أن يدفع دينه كما أننا نحن غير قادرين أن نبرر ذنبنا أمام الله.

منى: كم كان هذا العبد فرحاً ومسروراً يا عمتي، لما نال مسامحة الملك ورضاه.

العمة: نعم إنه كان جم السرور فائض الفرح لأنه لا توجد حالة أكثر فرحاً من أن تنزاح أحمال الذنوب عن فرد معذب كما قال الملك داود «طوبي لرجل لا يحسب له الرب خطية، ولا في روحه غش».

منى: إن معنى غفران الخطايا يتضح لي بكل جلاء في هذه القصة الرمزية التي قصصتها علي، يا عمتي الحنونة.

العمة: ولكن، انتبهي يا منى لتتمة القصة! فلما خرج العبد من قصر الملك، التقى مصادفة بأحد أصدقائه وكان مديوناً له بمئة ليرة.

منى: لا بد أنه في فرحته قال لزميله: لقد سامحني الملك بمبلغ عظيم، فأنا أسامحك أيضاً مثله.

العمة: ليت هذا قد كان. خاصة أن دينه للملك، أكثر بكثير من دين صاحبه له. ولكن العبد القاسي عمل العكس من ذلك، إذ أمسك بتلابيب خصمه وبخناقه وشده قائلاً: إدفع الآن ديني الذي عليك، وإلا أبيعك وأسترد حقي. فصرخ المديون مولولاً، وجثا قدامه قائلاً: تمهل، سوف أرد لك دينك الذي عليّ، ولكن الدائن لم يرد التمهل، ولم يتزحزح عن موقفه الصلب، وألقى بالمديون في غياهب السجن، ليسترد كل حقوقه.

منى: ما أفظع هذا! وكيف يعقل هذا؟! كيف يسامحه الرب، وهو لا يسامح البشر أمثاله!؟

العمة: أرأيت كيف أن قلبك يستاء لسماع مثل هذه الحادثة؟ ولكن كيف كان تصرفك في هذا الصباح مع جارتك؟ أليس تماماً كهذا العبد القاسي؟

منى: حقاً لقد بينت لي حقيقة قساوتي، وفوق هذا أخبرتني في زيارتك الأخيرة لي أن المسيح قد غفر ذنوبي، وفرحت جداً، لأنه رفع أثقالي. وكم هو بشع مني أنني لم أسامح جارتي، بسبب بسيط تافه بنسبة ذنبي العظيم أمام الله القدوس.

العمة: فالآن قد فهمت حقاً ما قال المسيح لما علم تلاميذه أن يصلوا: أيها الآب اغفر لنا ذنوبنا، كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا.

منى: ولكن ألا يعني هذا، أن الله لا يغفر لي، إن لم أغفر لمن أذنب إليّ؟

العمة: طبعاً يا منى، بكل تأكيد. لأن الرب يغفر لنا كما نغفر نحن أخطاء الآخرين. فاسمعي نهاية القصة يا عزيزتي: لما شاهد عبيد الملك تصرف ذلك العبد القاسي ومعاملته القاسية لمديونه لأجل مبلغ زهيد ذهبوا إلى ملكهم واشتكوه حانقين لسوء أخلاقه.

منى: طبعاً، هذا أمر متوقع.

العمة: فدعا الملك العبد القاسي، وقال له: أيها العبد الشرير، كل ذنوبك غفرتها لك لأنك استسمحتني. ألم يكن عليك أنت أيضاً أن ترحم زميلك كما رحمتك أنا، وتتنازل له عن المبلغ، كما أنا تنازلت لك عن ذلك المبلغ الكبير. وبعدئذ سلم الملك هذا العبد الظالم ليُجلد جزاء لعمله السيء. ووضعه في السجن إلى أن يدفع كامل ما عليه من الدين.

منى: لو افتكرت أنا بهذه القضية التي اسمعتنيها الآن، لحكمت أيضاً بسجنه وقتله أشد القتل.

العمة: أليس كذلك يا منى؟ والمسيح لخص هذه القصة بقوله: هكذا سيعاملكم أبي السماوي أيضاً، إن لم تغفروا زلات بعضكم لبعض من كل قلوبكم.

منى: لو أخبرني أحد بهذه القصة ساعة غضبي عند الصباح لما سمعت له ولرفضته رفضاً باتاً. ولكن الآن آخذ هذه القضية وأبصرها بعين التقدير والاعتبار. فليس لي حق بأن أحقد وأزعل من أحد، لأن الله لم يحقد عليّ، أو يزعل مني، وهو له كل الحق أن يغضب عليّ، ويدينني إن أراد.

العمة: حقاً يا ابنتي المحبوبة الآن عرفت جوهر القضية، إنها توجهنا لعلاقة طيبة مع الله، وتصلح علاقتنا مع بني الإنسان. فكلمة الله كالسراج المنير، الذي يضيء طريقنا، فنرجع من وسط ظلمات العالم إلى بيت أبينا السماوي.

ولا تدخلنا في تجربة

منى: البارحة، ذهبت الى المدينة برفقة زوجة أخي، واشترينا أحذية للأولاد، لم أكن أنوي شراء أي شيء لنفسي، لكن لما وقفت أمام واجهة بائع الأحذية، رأيت حذاءً أنيقاً جداً. ولم أستطع كبح جماح رغبتي في اقتنائه، لذلك اشتريته.

العمة: أكيد، لأنك لا بد قد كنت بحاجة إليه.

منى: أبداً بتاتاً، لكني أخذته لأنه سحرني. وزوجي لم يكن مسروراً من شراءه. لأنني صرفت مبلغاً من المال، أكثر مما تتيحه لنا ميزانية البيت.

العمة: إن قلبنا ينجذب بسرعة للأشياء المغرية، ويشتاق لتملكها. وشهوة التملك أحياناً تتقوى وتتزايد، حتى تسيطر علينا، ولا نقدر أن نمتنع عن شراء الأشياء الكثيرة ولو على حساب ميزانية البيت.

منى: نعم هذا ما يحدث، ويا للأسف.

العمة: اللهم احفظنا من شهوة العين وامنح لنا فكر المسيح الذي يعلمنا أن نصلي «... ولا تدخلنا في تجربة».

منى: آمين، ولكن، ما علاقة الصلاة بالأحذية يا عمتي؟

العمة: إن احتجب إلى حذاء، وتكلمت مع زوجك فسيوافق على شرائه، ويعطيك المبلغ اللازم.

منى: أكيد هو لطيف وطيب.

العمة: وعند ذلك تذهبين بموافقته وتفرحين عندما تشترين حوائجك.

منى: وكيف عرفت، إنني لم أفرح بالحذاء الأنيق، الذي اشتريته مساء أمس؟

العمة: هذا ما لاحظته لما أخبرتني أن زوجك لم يكن مسروراً لما بذَّرت من الأموال، أكثر مما اتفقتما عليه.

منى: صحيح، وهذا ما نزع كل فرح عندي.

العمة: وليس زوجك هو الذي أحزنك بل أنت نفسك.

منى: ولماذا أليس لي الحق أن أتصرف بأموري كما أشاء ولو مرة واحدة في الزمن؟ إنني دائماً مرهقة بالعمل، فيجب أن أفرح أيضاً وأعزي نفسي بشراء الأشياء الجميلة والسرور بها.

العمة: إنك تريدين أن تفرحي وقبل قليل اعترفت أن شراءك الحذاء لم يفرحك.

منى: صحيح، إن ما تقولينه حق، أنا مضطربة وضائعة، ولا أعرف حقيقة شعوري بالضبط.

العمة: هذا هو الواقع تماماً، فالقلب يرى شيئاً ويشتهيه ويشجع قائلاً: هلم خذيه مهما كلف الأمر، لأن لك الحق بالفرح واللهو.

منى: هكذا تماماً الحالة، كما تصفين.

العمة: ولكن بالحقيقة إنني أعلم أن هذا الاشتهاء غير محق، لأن في القلب صوتاً آخر، يقول: لا، لا تفعلي.

منى: نعم هذا الصوت لا يصمت.

العمة: ولكن شهوة تملُّك ما نراه، تغلبنا رغم أننا لا نفرح تماماً بما فعلناه. لأننا نشعر أنه غير صواب.

منى: هكذا شعرت أنا أيضاً، تماماً.

العمة: والرسول يعقوب يفسر هذه الدوافع في قلب الإنسان بدقة، لما كتب في رسالته 1: 14 و15 «وَلٰكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا ٱنْجَذَبَ وَٱنْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ ثُمَّ ٱلشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً».

منى: ماذا؟ يبدو أن الكتاب المقدس يوضح تماماً شعور الإنسان.

العمة: نعم إنه يكشف قلبنا، ويفسر لنا حالتنا بلا مداهنة أو رياء.

منى: وأنا ماذا أعمل وكيف أقدر أن أقاوم نفسي، لأن هذا لم يحدث لي مرة واحدة، بل تكرر مرات؟

العمة: الكتاب المقدس يقدم لك عوناً يا عزيزتي منى. لأن المسيح علمك أن تصلي: أيها الآب لا تدخلنا في تجربة. ربما لم تفهمي هذه الكلمة من قبل، أما الآن فإنك تفهمينها جيداً.

منى: نعم إنني محتاجة لهذه الطلبة.

العمة: والله أصبح بواسطة المسيح أبانا السماوي، يريد أن يساعدك ويقويك.

منى: هذا عظيم، إن كان يريد مساعدتي عملياً!

العمة: نعم إن الله يعتني بنا ويقدم لنا المسيح عوناً وخلاصاً لنا.

منى: ماذا يعني هذا القول؟

العمة: المسيح أصبح إنساناً، ونزل إلى مستوانا، وهو يشعر معك ومعي. لأنه مجرب مثلنا، ولكنه بقي بدون خطية. وقد غلب كل تجربة أتت من الأنانية. وبذل حياته، لنتخلص من سلطة الخطية وعثرات الموت. وإن آمنا به، يحل في قلوبنا بروحه القدوس.

منى: أتظنين أنه يحل فيّ أنا أيضاً؟

العمة: بكل تأكيد يا منى يحل فيك. لأنه يحبنا، وقد غفر لنا خطايانا، ويأخذنا بيدنا، ويقودنا.

منى: وإن لم أجد قوة فيّ لمقاومة التجربة، فماذا أعمل؟

العمة: كلميه في قلبك وقولي: يا رب، هأنذا أفشل مرة أخرى. ساعدني وخلصني. عندئذ يقوي إرادتك، ويساعدك لتقدري أن تقولي للتجربة. لا، بكل قوته الممنوحة لك.

منى: ولكني لا أقدر أن أتصور كيف يتم هذا فأصبح قوية غالبة التجارب.

العمة: المسيح نفسه فسر لك هذه الغلبة، إذ قال في إنجيل يوحنا 15: 5 «أَنَا ٱلْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ ٱلأَغْصَانُ» فإن سكن المسيح فينا، نمتلئ بقوته الفاعلة كما تمتد قوة عصير الكرمة إلى أغصانها. وأكمل يسوع قوله «من يثبت فيّ وأنا فيه، هذا ياتي بثمر كثير لأنكم بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئاً». لقد فهمنا أننا نكون ضعفاء بدونه، وساقطين في التجربة. ولكن إن ثبتنا في المسيح، فهو فينا، فهو الذي عمل كل شيء فينا، فننتصر في قوته المجيدة ونغلب في التجارب العملية.

ولكن نجنا من الشرير

منى: إنني متعبة اليوم يا عمتي، ومهدمة ومتراخية. لأن زوجي عمل حادثة بسيارته وابننا الصغير كُسرت يده، وأنا حزينة مسحوقة. فلا تنتهي المشاكل، ولا تحل عنا، حتى أنني ظننت بأن الله غير موجود، أو أنه لا يهتم بنا.

العمة: هذا الفكر يحبه ويشجعه الشيطان لأن غايته ومبتغاه أن يقودك إلى الاعتقاد بأنه ليس إله.

منى: ولماذا إذاً لا يحمينا الله من كل هذه المشاكل المريعة يا عمتي؟

العمة: لأننا نعيش في عالم للشر فيه سلطة عظمى.

منى: نعم هذا ما اختبرناه بالضبط يا عمتي، ويا للأسف الشديد، ولكن لِمَ يسمح الله بذلك؟

العمة: إنه سؤال غير جائز لنا أن نطرحه، لأنه ليس من خصوصياتنا أن نخطط لله ما يعمله وما لا يعمله. ولا يكون الله إلهاً حقاً إن لم يصنع ما يريده.

منى: نعم، إن ما تقولينه صحيح يا عمتي.

العمة: لكن الله لا يرضى عن الشر المتملك في العالم. لأن المسيح يعلمنا أن نصلي: أيها الآب نجنا من الشرير.

منى: وهذا يعني بكل وضوح أنه يريدنا أن نتحرر من كل شر وشبه شر.

العمة: تماماً، ولكن كما قلت سابقاً، للشرير سلطة في عالمنا. وهو حريص على أن يمارسها ليجرف أكبر عدد ممكن من المؤمنين عن الإيمان بالله تعالى، ويضمهم إلى جيشه الشرير.

منى: ونحن واأسفاه، لا نعرف قصده وإضماره الشر لنا! كم كنت مستعدة، في هذه الأيام الصعبة، التي مررنا بها لأن أقول: ليس الله باراً، وإلا فما كان ليسمح بهذه الصعوبات الهاجمة علينا.

العمة: نعم كما تقولين يا منى، فإن الشيطان يضلنا إلى الإلحاد، بدون أن نلاحظه، هذا مكره العظيم. لهذا فعلينا الانتباه كل لحظة، لكيلا نسقط ونتذمر.

منى: نعم يا عمتي ولكن لما وقعنا في المشاكل كان صعباً علينا جداً الاحتمال وعدم السقوط إلى التضجر والتذمر.

العمة: وكذلك ينشط الشيطان في أيام الرخاء أيضاً. انظري كيف يضلنا بكل بساطة فنكذب.

منى: نعم وأصعب الأشياء حرجاً، أن أولادي يلاحظون سريعاً أقل ميل عن الصدق في أقوالي وأحاديثي، فيتعلمون قول الكذب.

العمة: هكذا تجلب الخطية خطية أخرى، كما أن الغضب يمتلكنا في الرخاء بسهولة لا متناهية.

منى: نعم، فكل يوم يجري على غير ما خططت له من طريق. مما يجعلني أتضايق، وأتنرفز، فأنفجر.

العمة: فترين من هذا كله أيضاً يا ابنتي، أن الشرير لا يهاجمنا في الأيام الصعبة فقط، بل في الأيام الرغيدة كذلك. فكل ما يعاكس إرادتنا، يجربنا للشتم والسباب واللعن والكلمات القبيحة، فيفرح الشرير عندئذ.

منى: لهذا فإنني أفهم الآن أكثر فأكثر، لماذا نصلي: نجنا من الشرير، يا أبانا السماوي.

العمة: أنا الكرمة وأنتم الأغصان وترين أيضاً عمل الشرير حولك بكل سهولة. فهو يثير الخصومة في العائلات، فتنشب البغضاء بين الأخوة والأقربين فلا يكلم بعضهم بعضاً.

منى: هذا ما يحدث تماماً في عائلة زوجي، حيث لا يتكلم عمه مع أبيه، منذ أكثر من أربع سنوات، يا للأسف.

العمة: الشرير يحرض الشعوب كذلك ضد بعضها البعض، فتشتعل الحروب، وتُسفك الدماء، وتربض البغضاء في الصدور. وكم من أمهات ربيّن أولادهن بتعب وتضحية، ولما بلغوا أشدهم، أُخذوا طعاماً وقوداً للحروب.

منى: هذا أصعب الأمور على قلب الأمهات.

العمة: معك حق، فإن الحروب قد سببت أحزاناً مريرة بدون توقف ولا اصطبار.

العمة: إن هدفه هو حيازة السلطة والجلوس على عرش الله، واختلاس كل كرامة ومجد منه.

منى: يا لطيف، ماذا سيحل بنا إن استمر الشرير في جرنا إليه؟ أتظنين أنه يقدر أن يصل إلى هدفه يا عمتي؟

العمة: لا، أبداً. وهو عارف ذلك. ونقرأ في رؤيا يوحنا القول: إن إبليس به غضب عظيم لعلمه بأن له زماناً قليلا. وفي سفر يعقوب نقرأ أيضاً قوله 2: 19 «أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ ٱللّٰهَ وَاحِدٌ. حَسَناً تَفْعَلُ. وَٱلشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ».

منى: الشرير إذاً، يعرف أنه لم يكن الأول البتة.

العمة: نعم من كل بد فهو المغلوب، لأننا نقرأ في سفر الرؤيا عن المسيح، أنه غلبه بمحبته. لأن يسوع كان متواضعاً، وحمل ذنوبنا طوعاً. ومات عن الجميع، فلم يجد الشيطان قوة فيه.

منى: لكن لماذا يسمح للشيطان أن يعثر الناس مع أنه مغلوب؟

العمة: هذا يعلمه الله وحده، والمهم لنا أن نصلي لأبينا السماوي: نجنا من الشرير. لأننا بهذه الطلبة نطلب إظهار ملكوت الله، حيث لا يجد الشرير مكاناً أبداً. وعندئذ نتحرر من كل الضيقات والآلام والأحلام المرعبة.

لك الملك

العمة: خير انشاء الله! أراك تلبسين الأسود.

منى: يا عمتي، نحن في حداد وحزن كبير. فقد ماتت حماتي، وكنت حاضرة موتها، وشعرت أن الموت له السلطان الأكبر في هذه الدنيا، لأنه لا مهرب منه.

العمة: نعم يبدو كذلك يا حبيبتي، ولكن هذا بالنظر لمقاييسنا وإدراكنا البشري المحدود.

منى: وحيث إنني إنسانة، فإني عملاً بهذا المقياس أنظر نظرة إنسانية فترينني في حزن شديد.

العمة: نحن البشر لا ندرك إلا مشاهداتنا الدنيوية. ويلوح أمامنا، أنه بالموت ينتهي كل شيء. وهذه هي النظرة الإنسانية السطحية. ولكن ما يأتي بعد الموت، فلا ندركه.

منى: ماذا يحدث هناك؟ لا أحد يعرف.

العمة: حقاً الإنسان لا يعرف شيئاً عن الحياة بعد الموت. ولكن الله أعطانا بكلمته نوراً لنبصر، ونعرف الهدف الذي نتقدم إليه. فالله هو العليم العارف بما وراء الموت.

منى: أمتأكدة أن الله أقوى من الموت؟ لأننا نرى الموت أعظم قوة، وهي حاصدة كل مخلوق.

العمة: نعم أنا أعرف أن الله هو القادر على كل شيء. وإن الموت يخضع لتدبيره، كما قال المسيح «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ» (متى 28: 18).

منى: ولكنه لم يقل شيئاً عن سلطته على الموت.

العمة: إنما بولس الرسول قد كتب إلى تلميذه تيموثاوس أن المسيح أبطل الموت نهائياً.

منى: عظيم هذا الخبر المفرح، فإنه يعزيني ويغلب حزني.

العمة: لقد أعطانا الله كلمته، لنطمئن ونتيقن. لأنه لا يقدر إنسان ما أو أي كتاب، أن يعلن لنا شيئاً عن مستقبلنا إلا ما يعلنه الله لنا.

منى: هل يعني هذا أننا سنلتقي بالله القدوس بعد الموت؟

العمة: نعم يتحتم على الإنسان أن يمثل أمامه بالتأكيد، في الدينونة الأخيرة، ويُدان.

منى: هل يخبرنا الله في كلمته شيئاً عن الدينونة؟

العمة: طبعاً، لأن المسيح يقول في يوحنا 5: 24 «اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلامِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلا يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ ٱنْتَقَلَ مِنَ ٱلْمَوْتِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ».

منى: أفهم من هذه الآية أن مقياس الدينونة هو الإيمان بالمسيح؟

العمة: نعم لأن من يؤمن به، يختص بملكوته، ولا يُدان.

منى: فهذا شيء سهل تطبيقه على ما أعتقد.

العمة: حقاً، إن الإيمان بيسوع المسيح ابن الله يخلصنا ويمنحنا الحياة الأبدية.

منى: ولماذا إذاً، لا يؤمن به الناس جميعاً؟

العمة: لأن الشيطان أعمى عيونهم، ويوسوس لهم أن الخلاص ليس هيناً بهذا المقدار، بل بصعوبة وجهود جبارة، قد يمكن الحصول عليه.

منى: فهذا خداع عظيم.

العمة: تماماً، فأكثر الناس ضالون. تصوري أن أولادك الذين ولدتهم وربيتهم، لو ذهبوا يوماً إلى المدرسة، ثم ضلوا الطريق عند رجوعهم إلى البيت، فماذا كنت تفعلين؟

منى: أركض، واسأل الناس جميعاً في كل شوارع المدينة، هل رأوهم؟

العمة: ولعلك تذهبين إلى البوليس؟

منى: بكل تأكيد.

العمة: ولو عثر أحد الأصدقاء عليهم، وقال لهم: تعالوا إلى أمكم التي تنتظركم على أحرّ من الجمر، فبماذا يجيبه أولادك؟

منى: سيبكون من الفرح، ويركضون معه إليَّ.

العمة: هذا ما نتوقعه. لكن ما قولك، لو قال الأولاد للصديق: «لا نصدقك إننا نستطيع الرجوع إلى البيت بكل سهولة» ثم تركوه وانصرفوا عنه بلا مبالاة؟

منى: مستحيل ذلك.

العمة: هذا ما يعلمه أكثر الناس. لقد هيأ الله ملكوته لهم، وهم أعضاء هذه المملكة المجيدة العظيمة، ولكن الكل أخطأوا وضلوا عن الطريق الصواب. فأرسل الله في رحمته عبيده وابنه، ليرجعهم إليه. والابن بنفس الوقت، حمل شخصياً على قلبه كل أثقالنا وذنوبنا، ومات تحت هذا الثقل لنرجع بسهولة إلى ملكوت أبيه. فالطريق مفتوح، لكل من يؤمن.

منى: هذا الخبر العميق، علينا أن نخبر به كل الناس، في كل حين. فلربما يسمعون، ويرجعون، ويؤمنون، ويخلصون.

العمة: حقاً فإن الله يرسل رسله إلى كل أنحاء العالم ولكن الناس يتصرفون كأولاد عنيدين، ولا يؤمنون بخلاصهم المعدّ.

منى: يا للمصيبة، ما أسوأهم!

العمة: نعم وأسوأ من ذلك، أنهم يقررون برفضهم المسيح مستقبلهم، كما أخبرنا يسوع «من له الابن فله الحياة، ومن ليس له الابن، فليست له الحياة». أما نحن المؤمنين به، فنشترك بالسجود العظيم: أبانا الذي في السماوات، لك الملك، ونشكرك لأنك منحتنا حق الرعوية في ملكوتك، بواسطة إيماننا بالمسيح ابنك.

منى: آمين، أشكر الرب لأجل عنايته، وأشكرك يا عمتي من أجل هذه التعزيات والأخبار المفرحة عن رعوية الملكوت.

لك القوة يا أبانا

منى: ما أجمل الزهور في حديقتك يا عمتي العزيزة! إنها كبساط من سندس متعدد الألوان.

العمة: شكراً للرب الذي أعطانا صورة بهاء خلقه، لأنه هو خالق كل نبتة وزهرة وثمرة.

منى: ولكنك مع ذلك قد تعبت، وحرثت، وزرعت وسقيت. فبسبب أتعابك، ازدهرت حديقتك.

العمة: نعم، لقد تعبت كثيراً. ومع ذلك، فلست أنا التي أنبتُّ البذور، وأنميتُ الشتلة. لأن سر الحياة الكامنة في داخل كل نبتة وبذرة، لا يطلع شيء.

منى: صحيح!

العمة: وأنت تعلمين أن هناك أشجاراً برية وأعشاباً تنمو، بلا مساعدة من الإنسان مطلقاً.

منى: نعم، فإن الأرض ممتلئة الحياة.

العمة: فلله القوة أن يخلق ما يريد. لهذا نسجد له، ونقول أيها الآب لك القوة المطلقة.

منى: إني أرتعد من فكرة أن الله له القوة ليعمل كل ما يريد.

العمة: حقاً إننا لنخاف من الله إن لم نثق به، فهل ابنك يخافك؟

منى: طبعاً لا.

العمة: ولم لا؟

منى: لأنه يعرف أنني أحبه.

العمة: صحيح أن ابنك يعرف أنك تحبينه. ولكنك تقدرين أن تعملي معه ما تشائين.

منى: طبعاً طبعاً، ولكنني لا أعمل شيئاً يضره، بل كل ما يفيده.

العمة: أو تظنين إذاً أن أبانا السماوي يفكر بنا نحن أولاده بغير ما تفكرينه أنت نحو أولادك!؟

منى: فيا للعجب! إن افتكرت بهذه الطريقة أتأكد أن الله لا يشاء إلا المحبة.

العمة: وهذا عين ما أعلنه للنبي إرميا قبل ألفين وخمسمائة سنة حيث خاطبه بقوله: إني عرفت الأفكار التي أنا مفتكر بها عنكم أفكار سلام لا شر، لأعطيكم آخرة ورجاء.

منى: هل معنى هذا أن الله يستعمل قوته وقدرته لأجلنا نحن البشر، ولخلاصنا من مآسينا المهلكة؟

العمة: بالتمام، كما قلت يا عزيزتي.

منى: ولكن لماذا يسمح إذاً بالأمراض والآلام؟

العمة: لأنه بدون الآلام والضيقات لا يفكر الناس بمعنى حياتهم وكثرة خطاياهم وخطورتها.

منى: أتظنين أن ضربات الله غايتها المحبة إذاً؟

العمة: بكل تأكيد ويقين، لأن أبانا السماوي يؤدبنا، ليربينا. لقد منحنا الحياة، ويريدنا أن نعيش منسجمين معه. وإذا خالفناه، يضربنا لنرجع إليه. وأنت أيضاً في تربية أبنائك، لا تستغنين عن القصاص، مع أن العقوبات أليمة لأولادك وموجعة لهم.

منى: أكيد وقلبي يحزّ بالتوجع عليهم أيضاً.

العمة: هكذا يعمل الله بنا، ليربينا وغاية محبته أن تحل الحياة الأبدية الجديدة فينا، بواسطة قوته.

منى: لم أدرك قصدك تماماً، ولم أفهم ما تعنين.

العمة: يريد الله أن ندرك حقيقتنا، أننا خطاة.

منى: ولكن هذا يعرفه الناس كلهم، من أنفسهم.

العمة: هذا صحيح ولكن مقدار وقباحة خطايانا، لا نعرفها إلا في نور الله الكاشف.

منى: وكيف يمكن للإنسان، يا عمتي العزيزة، أن يرى نفسه في نور الله؟

العمة: إن تعمقنا في كلمته، نسلك في النور، وندرك أن الله قدوس وأما نحن ففاسدون، غير مستحقين القدوم إليه.

منى: وماذا نفعل بعدئذ؟

العمة: بعدئذ ترينا كلمة الله المسيح، الذي أوجد لنا غفراناً عظيماً وتطهيراً لضمائرنا المبكتة. لنطمئن، ونصطلح مع القدوس.

منى: وكيف يتم ذلك؟

العمة: إن فهمت حالتي الخاطئة أمام الله، واستغفرته طالبة الغفران باسم المسيح، فقد أتممت ما يشاء القدوس. فيغيرني بواسطة قوته، إلى إنسانة جديدة كما اعترف بولس الرسول «إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديداً».

منى: أنا لا أقدر أن أغيّر نفسي، رغم أنني أتمنى ذلك.

العمة: عند الله وحده القوة المحيية. وكما أنه أوجد في النبتة بذرة الحياة بنعمته. وبولس الرسول يقول لنا أما هبة الله، فهي حياة أبدية في المسيح يسوع. لهذا يتهلل كل الذين اختبروا قوته بواسطة إيمانهم، ويسجدون له قائلين: لك القوة الأبدية أيها الآب السماوي.

أيها الآب السماوي لك المجد

منى: البارحة ذهبنا يا عمتي إلى إحدى القرى، لزيارة بعض الأقرباء من عائلة سلام، وكان جميلاً أن تركنا المدينة بضوضائها وضجيجها وهوائها.

العمة: صحيح، فالهواء النقي خارج المدينة.

منى: والمناظر الخلابة الفخمة، والحقول المترعة الخصبة وكان أولادي يرقصون فرحاً، ويقفزون طرباً.

العمة: حقاً أننا عندما نكون خارج المدينة، نشعر أننا أقرب إلى مجد الله.

منى: وقد أريت أولادي أيضاً، كيفية نمو شتلات البندورة والخيار والبصل، لأنهم لم يروها من قبل.

العمة: طبعاً لأن هذا غير مشاهد في المدينة.

منى: وافتكرت أمس، يا ليتنا نستطيع أن نسكن جميعنا في الريف. فأظن أن سكانه يكونون أفضل. لأنهم لا يعيشون مزدحمين على بعض في أبنية متراصة الطبقات، بل منفردين في راحة العزلة.

العمة: أكيد، لأننا لا نشاهد في القرى المشاكل والنجاسات بنفس المقدار، كالتي تحدث في أوساط المدينة. حتى الصحة تكون في الريف أحسن، ولكن الناس سواء في القرى أو المدن أنانيون مستكبرون خطاة.

منى: لماذا؟

العمة: لأن الواقع والتاريخ يشهدان، والكتاب المقدس يعلن لنا أنه ليس بار ولا واحد. ليس من يفهم، ليس من يطلب الله. الجميع زاغوا وفسدوا معاً، ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد.

منى: ولكن أعرف أناساً كثيرين أخلاقهم طيبة، وليس الجميع فاسدين كما تحكم بذلك الآية التي قرأتها عليّ.

العمة: أتنكرين إذاً كلمة الله! فأسألك هذا السؤال: هل يعيش أقرباؤك القرويون في سلام مع جيرانهم وفيما بينهم؟

منى: لا يا للأسف! لأنهم في خصومة ونزاع عنيف مع جارهم على حدود الأرض.

العمة: حتى في القرية، لا يقدر الناس أن يعيشوا في سلام، أرأيت إذاً؟

منى: ولكن الحق، ليس على أقربائي، بل على جارهم.

العمة: نعم فإن أفضل إنسان، لا يستطيع العيش في سلام، إن لم يُرض جاره الشرير عنه.

منى: أسفي على الدنيا، وأناسها الحقودين!

العمة: ولكن، لا ينبغي أن تظل الحالة هكذا. لأننا نصلي بالإيمان: يا أبتاه لك المجد إلى الآبد.

منى: ولكنني، لا أرى الكثير من مجده.

العمة: إنما حيث يفتح الناس قلوبهم لله ويعلمون إرادته، ويطيعون كلمته، هنالك تظهر أشعة مجد الله. أما أنا فأعرف امرأة ساكنة بالقرب منا واسمها فريدة قد مات زوجها، وتيتم أطفالها الستة الصغار. ولم يكن لديها ما يكفيهم للحياة، ويقيم بأودهم. فكان عليها واجب ثقيل، أن تذهب إلى البيوت وتخدم لإعالتهم.

منى: انه مخيف ومرعب.

العمة: ولكن هذا الأرملة المسكينة، اتكلت بكل ثقتها على الله. وصلّت يا أبي، الذي في السماء، لك المجد وأنا أؤمن بك، فأظهر مجدك فيّ وفي أولادي لأنني واثقة بك.

منى: وماذا حدث بعدئذ؟

العمة: استجاب الله لها، ولم يترك ثقتها بلا مكافأة. والأولاد كلهم الستة، تعلموا في المدارس وانخرطوا في المهن الحرة.

منى: عظيم، بركة بركة!

العمة: نعم فالمستحيل عند الناس، هو سهل عند الرب الذي لم يهمل ثقة الأرملة، لأنه أبو الأرامل واليتامى، فهي قد شعرت بعنايته وأحست بمجده.

منى: وهذه المسكينة، ألم ترهق نفسها بالشغل كثيراً؟

العمة: الشغل والتعب ليس عيباً. والله أعطاها الصحة والقوة، وهي كانت شاكرة لهذه الهبة.

منى: صحيح إن من أعظم هبات الله على الإطلاق، الصحة الجيدة. فعندما أكون مريضة أشعر بنعمة الله عليّ التي منحني إياها في السابق.

العمة: ولهذا السبب يعلمنا المسيح الشكر والثقة بالله الآب لكيلا نطرح أمامه طلباتنا وحاجياتنا بأنانية، بل نثق في أبوته، ونتكل على عنايته بنا. ونؤمن بأنه له الملك والقوة والمجد.

منى: هل يعلمنا المسيح بهذا أن لا نؤمن بوجود سلطة أكبر من سلطة أبينا السماوي؟

العمة : تماماً، هذا ما قصده المسيح، لنقدس اسم أبينا، الذي خلق الأرض وما فيها والشمس والنجوم والقمر. وخلقنا نحن أيضاً، على أحسن تكوين. ويحمينا ويحفظنا في أحضانه، كما أنه يهتم بأصغر زهرة وعشبة. إنه وحده المستحق أن نسجد له ونعبده، وهو القدوس المتعالي. وعندئذ نصلي بطريقة صحيحة فيقبلنا أبونا ويستجيب طلباتنا.

منى: أتظنين أننا قد نقدم صلاة ناقصة فلا يقبلها الله؟

العمة: نعم بالتأكيد، أكثر الناس يصلون صلاة مبتورة مغلوطة بخوف وأنانية.

منى: غريب هذا لم أسمع به من قبل.

العمة: ولكن من يتكل على الآب السماوي ويثق بلطفه وعونه وأبوته، هذا قد وجد العلاقة الصائبة والمقبولة عند ربه. وإن وثقت به ثقة كاملة ترين مجده، كما قال بولس الرسول في فيلبي 4: 19 «يَمْلأُ إِلٰهِي كُلَّ ٱحْتِيَاجِكُمْ بِحَسَبِ غِنَاهُ فِي ٱلْمَجْدِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ وَلِلّٰهِ وَأَبِينَا ٱلْمَجْدُ إِلَى دَهْرِ ٱلدَّاهِرِينَ. آمِينَ».

مسابقة كتاب تعظم نفسي الرب

أيها القارئ العزيز،

إن تعمقت في قراءة هذا الكتاب تستطيع أن تجاوب على الأسئلة بسهولة. ونحن مستعدون أن نرسل لك أحد كتبنا الروحية جائزة على اجتهادك. لا تنسَ أن تكتب اسمك وعنوانك كاملاً عند إرسال إجابتك إلينا.

  1. ماذا يميّز الإنسان الطبيعي في علاقته بالله؟

  2. كيف تزول الأنانية من النفوس؟

  3. لماذا يريدنا الله أن نتقدّم له بمشاكلنا الصغيرة؟ هاتي آية تبرهن ردّك.

  4. كيف ننتصر على خطية السبّ والغضب؟

  5. كيف نقدّس اسم الله بعملنا؟

  6. كيف يسود السلام بيتنا؟

  7. كيف نتأكد من محبة الله لنا، رغم أنه لا يستجيب كل طلباتنا؟

  8. ما معنى «خبزنا كفافنا أعطنا اليوم»؟

  9. اذكري خطيئتين صغيرتين، لكن أثرهما كبير.

  10. كيف نسهِّل على أنفسنا الغفران للذين يسيئون إلينا؟

  11. كيف ننتصر على التجارب؟

  12. من اختبارك، كيف تجلب الخطية خطية أخرى؟


Call of Hope 
P.O.Box 10 08 27 
D-70007
Stuttgart
Germany