العودة الى الصفحة السابقة
مهارة اليد المحبة

مهارة اليد المحبة

باخت سنغ

القس وسلي اسطاسي


Bibliography

مهارة اليد المحبة. باخت سنغ. Copyright © 2006 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى. 1979. SPB 7850 ARA. English title: The Skillful, Kind Hand. German title: Die begabte, freundliche Hand. Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 70007 Stuttgart Germany http: //www.call-of-hope.com .

القسم الأول: كيف وجدتُ الفرح الأعظم

قصّة تجديدِ شابٍّ هنديّ

«لَيْسَ أَنْتُمُ ٱخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا ٱخْتَرْتُكُمْ» (يوحنّا 15: 16).

يؤكّد لنا الربّ في هذا القول أنّه هو الذي يخطو الخطوة الأولى. نحن لا نعرفه أوّلاً، ولا نحن نختاره أوّلاً. إنّه هو الذي يختارنا أوّلاً - ولمّا نقبله سيّداً ومخلّصاً لنا عندئذٍ نفهم ذلك السرّ. وأريد أن أقصّ عليكم كيف اختارني الربّ.

الأيّام الأولى

لقد كنتُ في شبابي أشعر بمرارة شديدة نحو إنجيل المسيح. ذلك بالرغم من أنّني تربّيت في مدرسة إحدى المرسليّات في البنجاب، وصرفتُ هناك سبع سنوات. ولكنّني لم أهتمّ أن أعرف أيّ شيء عن المسيح. ومعظمنا نحن الذين كنّا نتعلّم في المدرسة كنّا نكره المسيحيّين، وكنّا نسخر من مدرّسِي الكتاب المقدّس ومن رجال الدين.

صرفتُ في القسم الداخلي خمس سنوات. وكان الهندوس والمسلمون معاً في جناح، وكان المسيحيّون يسكنون في الجناح الآخر. ولا أذكر أنّني زرتُ الجناح المسيحيّ طول مدّة الخمس سنوات. وهذا يعطيك فكرة عن مقدار كراهيّتي للمسيحيّين. وأنا لا أتذكّر شيئاً ممّا تعلّمته في تلك السنوات، ولكنّني أتذكّر أنّني كنت أكره الأولاد المسيحيّين الذين كانوا يدرسون معي. وكان معظمنا نحن الهندوسيّين يتحامل على المسلمين ويشكّ فيهم. وبينما كنّا نلعب مع الأولاد المسلمين ونتكلّم معهم بكلّ حرّيّة، فإنّني لا أتذكّر أبداً أنّنا صادقنا الأولاد المسيحيّين.

حلم

وحدث أن قُدّم إليّ كتاب مقدّس كهديّة بعد أن نجحت في امتحان القسم الإبتدائيّ. فمزّقتُ محتويات الكتاب واحتفظت بالغلاف الذي كان من الجلد الجميل. وفي مرحلتَي الإبتدائيّ والثانويّ بقيت عدوّاً لدوداً لإنجيل المسيح، وبقيت محافظاً ومتمسّكاً بديانتي. وكنتُ أصرف ساعات كثيرة في معابد السيخ أمارس كلّ الفروض الدينيّة.

وربّما يعرف بعضكم بأنّ السيخ مشهورون بخدمتهم الإجتماعيّة. ولقد قمتُ بالكثير من تلك الخدمات، ولكنّي لا أستطيع أن أقول بأنّني حصلتُ على أيّ شيء من الفرح الحقيقيّ وأنا أقوم بتلك الخدمات. وفي سنِي الدراسة تعوّدت أن أرى حلماً. كنتُ أحلم أنّني أتسلّق تلّة عالية ومنحدرة. وكنت بكلّ صعوبة، وبكثير من الصراع، أصل إلى القمّة. وكنتُ كلّما وصلت إلى القمّة جاءني شخص ودفعني إلى أسفل. وبينما كنت أنحدر إلى أسفل كانت الصخور تمزّق ضلوعي. وكذلك كنت أتألّم كثيراً لدرجة أنّني كنت أصرخ. وعندما كنت أصحو كنت أجد نفسي نائماً على المخدّات الناعمة الحريريّة التي كنت أغوص فيها لشدّة نعومتها. وكان هذا النوم على المخدّات الناعمة يمنحني شعوراً سماويّاً. وكنت أقول بأنّه إذا كان المرء يستطيع أن يحصل على فرح كهذا من المخدّات الحريريّة فعليه أن يتحمّل بكلّ سرور كلّ الألم الذي يرافق الانحدار من فوق التلّة.

رأيتُ هذا الحلم وأنا في التاسعة أو العاشرة من عمري. ورأيته ثانية بعد تجديدي. وقال لي الصوت: «هذه هي شهادتك».

طموح

وكأيّ تلميذ كان لي طموحي وكانت لي مُثُلي العليا. وكان بعضها عالياً جدّاً وكان بعضها منخفضاً جدّاً، وبعضها شريفاً وبعضها غير شريف. وأستطيع أن أقول بكلّ تواضع بأنّني حقّقتُ كلّ ما كنت أحلم به وأرغب فيه. وكان ذلك كثيراً ولكنّني لم أترك رغبة واحدة لم أحقّقها. ويمكن تشبيه جهودي وخططي لإشباع رغباتي بتسلّق التلّة المنحدرة كثيراً. فإنّني في كلّ فرصة لإشباع النفس وتحقيق الرغبة كنتُ أُصاب بالفشل والأوهام. والفشل والأمل الكاذب يرمز لهما سقوطي من فوق التلّة.

ولكن جاء اليوم الذي أختبرتُ فيه لذّة النوم على المخدّات الحريريّة الناعمة. وكان ذلك اليوم لمّا دخل روح يسوع المسيح في قلبي فأحياني.

كنتُ أطمح في الذهاب إلى أنجلترا، وأن أسافر حول العالم وأن أحصل على تعليم عالٍ، وأن أتمتّع بمصاحبة جميع أجناس الناس، وأن أظلّ أميناً لديني. وكذلك كنتُ أرغب رغبة صادقة في أن ألبس الملابس الفاخرة وأن آكل الطعام الفاخر. ولم تتحقّق هذه الرغبات وأنا صغير السنّ، ولكنّها تحقّقت بعد ذلك، واستطعتُ أن أشبع رغباتي جميعها.

لم يكن أبي موافقاً أبداً على ذهابي إلى أنجلترا. وقال لي أنّه مستعدّ أن يدفع لي أيّ مبلغ من المال إذا لم أذهب. لقد كان يريدني أن أساعده في أعماله. كان قد شيّد مصنعاً جديداً للنسيج، وأخبرني أنّه كان يعتمد عليّ كابنه الأكبر لمساعدته. ولكنّني كنتُ دائماً أصرّ على وجوب ذهابي إلى أنجلترا.

وبعد أن حصلتُ على درجة البكالوريوس، حزنتُ جدّاً لأنّ أبي رفض أن يسمح لي بالذهاب إلى أنجلترا، خاصّة وأنّه لم يكن هناك شيء آخر يعوّضني عن ذلك. كان لي خمسة أخوة وكانت أمّي تحبّني أكثر من باقي أخوتي. وقالت لي «سأساعدك على الذهاب إلى أنجلترا، ولكن عدني أن لا تغيّر دينك. إنّني سمعتُ أنّ الأولاد الذين يذهبون إلى أنجلترا يغيّرون دينهم». وقلتُ لأمّي «هل تعتقدين بحقّ أنّني سأغيّر ديني؟» قلتُ ذلك لأنّني كنتُ أفاخر بديني السيخيّ. ولمّا أكّدّتُ لها صدقي وإخلاصي أقنعتْ أبي أن يسمح لي بالذهاب. ولمّا كان أبي رجل أعمال فإنّه كان يفكّر كثيراً في المال. أمّا أمّي فبالنسبة لأنّها كانت سيّدة متديّنة فإنّها كانت تفكّر في الدين. وقال لي أبي رغم ذلك بأنّه سيحاول أن يرسل إليّ كلّ المال الذي أحتاج إليه. ووعدتُ أنا أن أقتصد في معيشتي بقدر الإمكان.

أنجلترا

وفي سبتمبر سنة 1926 وصلتُ أنجلترا والتحقتُ بكلّيّة الهندسة بلندن. ولمّا دخلت اكتشفتُ أنّه في الإمكان أن يعيش الفرد بكلّ ارتياح على 80 روبيّة شهريّاً. ولذلك أخبرتُ صديقي بأنّني سأكتب إلى والدي بِأَن لا يرسل لي أكثر من ثمانين روبيّة شهريّاً. وقال لي صديقي: «لا تستعجل! انتظر بضعة شهور قليلة وأنت تعرف كلّ شيء». وقبلت نصيحته. ونتيجة لذلك كنتُ مضطرّاً أن أرسل حسابات مزوَّرة. وتعوّدتُ أن أكتب إلى أبي بأنّني صرفت 295 روبيّة وكذا من كسر الروبيّة هذا الشهر. وكان ذلك بالرغم من أنّني صرفت فعلاً روبيّة فقط. وبعد سبعة شهور على هذه الطريقة أستطعتُ أن أوفّر 200 روبيّة في بعض الشهور و250 روبيّة في بعض الشهور الأخرى. وأتذكّر أنّ رصيدي في البنك في آخر المدّة وصل إلى 1600 روبيّة.

وبقيت أميناً لديني مدّة الشهور الثلاثة الأولى لإقامتي في أنجلترا. فاحتفظتُ بشعري الطويل ولحيتي، فإنّ السيخ لا يقصّون أبداً الشعر النابت في أيّ جزء من الجسم. ثمّ تغيّر اعتقادي في الاحتفاظ بلحية طويلة وشعر رأسي طويل. ولكن لم تكن لديّ الشجاعة الكافية لأَن أقصّه. وبقي الحال على ما كان عليه مدّة ستّة شهور. وذلك لأنّني كنت أخاف ممّا يقوله أصدقائي إذا أنا حلقت ذقني. وأخيراً فكّرتُ في حلّ. قلتُ لصديق لي بأنّني سأقصّ شعري تدريجيّاً. فأقصّ بعضه اليوم، وأقصّ بعضه يوماً آخر، وفي شهر أكون قد تخلّصت من شعري كلّه. وفكّرتُ أنّني بذلك لا أشعر بالخجل. ولكن الذي فعله صديقي هو أنّه قصّ لحيتي من جانب وترك الجانب الآخر. ولذلك قلتُ له: «خير لك أن تقصّه كلّه». ولمّا أصبحت حليق اللحية تماماً أصبحت كافراً، واشتراكيّاً. وقلت أنّه في إمكاني الآن أن أكون أوروبيّاً بمعنى الكلمة وبدأت أدخّن، وذلك بالرغم من أنّني كسيخٍ لم أمسّ التبغ بالمرّة. وبدأت أشتري السجاير الغالية. واشتريت علبة ذهبيّة للسجاير وكنت أفخر باطلاع كلّ شخص عليها. والشيء الذي تعلّمتُه بعد ذلك، كان شرب الخمر. ثمّ أصبحت أشتري الملابس الغالية جدّاً: فأدفع 400 روبيّة ثمن للبدلة الواحدة، وحوالي 35 روبيّة للقميص، و20 روبيّة لرباط الرقبة، و50 روبيّة للحذاء. وبذلك صرفت كلّ ما وفّرتُهُ في مدّة الشهور السبعة في شهر واحد. وعندئذٍ علمت لماذا قال لي صديقي بأَن لا أستعجل.

ستار الثقافة

وبصعوبة كبيرة تعلّمتُ كلّ العادات والتقاليد الغربيّة ومع أنّني لم أتلذّذ قطّ بطعامهم، ولكنّني تعلّمتُ أن آكل بالشوكة والسكّين. وكنت أواظب على الذهاب إلى المسارح والسينمات وصالات الرقص. وكان عليّ أن أتقن كلّ شيء. وبمعنىً آخر كان عليّ أن أعمل كما كانوا يعملون وأن أعيش كما كانوا يعيشون وبقيت على هذه الحال ما يقرب من سنتين.

وقبل أن أنهي دراساتي بقليل سألت نفسي: ماذا ربحت في أنجلترا؟ كنتُ أعرف أنّني تعلّمت أن ألبس رباط الرقبة (كرافاتا) وأن ألمّع حذائي، وأن أرتّب شعري، وأن أقول «شكراً» و «متأسف» مرّات كثيرة كلّ يوم. ذلك لأنّك كلّما أكثرت من هاتين الكلمتين قال الناس أنّك مثقّف ومهذّب. وتعلّمتُ أيضاً أن أتمشّى مع المودة وأن أشرب كما يشربون. وبمعنى آخر تعلّمتُ كيف أعبد جسدي ثمّ أخذت أسأل نفسي هل أنا الآن أكثر سعادة ممّا كنت عليه أوّلاً؟ لكنّ عقلي كان يقول لي أنّني صرتُ أردأ جدّاً، لأنّني أصبحت أكثر حبّاً لذاتي، وأكثر كبرياء وشرهاً. ثمّ أنّ احترام الوالدين كان قد تلاشى تماماً وتعلّمت أن أكذب بتأدّب وأن أخدع والدي. وتعلّمت كذلك أنّ الشخص يستطيع أن يعمل الشرّ ما دام يعمله في الخفاء وفي السرّ.

باطل الأباطيل

سافرت إلى كلّ أنحاء أنجلترا وأوروبا وزرتُ المتاحف ومعارض الفنون الجميلة والقصور حيث الصور الشهيرة وأكلتُ وجبات فاخرة. واتّخذت لي أصدقاء من الأغنياء والفقراء، والعال والدون. واشتركتُ في نشاطات إجتماعيّة، وانغمستُ في الملذّات وحصلت على أكبر قسط من التعليم طمعتُ فيه. ومع ذلك كلّه فإنّني كنت غير سعيد. فافتكرتُ أنّ ذلك راجع ربّما إلى أنّني لم أكن متحضّراً تماماً. ولذلك بدأت أسأل أصدقائي الإنجليز واحداً واحداً هذا السؤال: «هل أنت سعيد؟» قدّمتُ هذا السؤال إلى الأساتذة والطلبة والموظّفين. كنتُ أقول لهم: «إنّ لكم أطفالاً حلوين وبيوتاً جميلة، ومنتزهات متّسعة، ويمكنكم أن تحصلوا على كلّ شيء تقريباً للتسلية والمتعة فهل أنتم سعداء؟» وبالرغم من ذلك كلّه لم أستطع أن أتقابل مع أيّ شخص سعيد حقّاً. ولذلك قلتُ لنفسي بأنّ العالم كلّه «باطل الأباطيل».

كنت أفتكر بأنّه إذا دخلت المدنيّة والحضارة الهند فإنّها سوف تصبح سماءً. كما أنّ الوسائل الحديثة للمحافظة على الصحّة سوف تمحو كلّ الشرور من الهند. والآن وجدتُ أنّ أنجلترا نفسها لا يمكنها أن تتخلّص من شرورها بواسطة التعليم وقواعد الصحّة. وبالعكس رأيت في أنجلترا شروراً أكثر ممّا في الهند. فاقتنعتُ أنّ الثقافة والتعليم لن يحلاّ تلك المشكلة. وتعوّدتُ أن أنظر إلى المشكلة بهذه الطريقة: إنّ الرجل الفقير في الهند يستعمل خرقة متّسخة ليغطّي جروحه، بينما الرجل الغنيّ في أنجلترا يغطّي جروحه برباط ناصع البياض طوله ثلاث ياردات. والمعروف أنّ هذا الرباط لا يقدر أن ينظّف الصديد والوساخة التي يخفيها.

زيارة كندا

وفي سنة 1928 فكّرتْ فرقة من الطلبة أن تزور كَنَدا في العطلة. ورغبتُ في الذهاب معهم، ولكنّ السكريتير لم يسمح لي بالذهاب وقال: «إنّ الأمريكيّين لا يعرفون كيف يعاملون الهنود». ولذلك نصحني أن لا أذهب مع الفريق. فأخبرته أنّني مستعدّ لتقبّل أيّ نوع من المعاملة. ولحقتُ بالطلبة وهم في السفينة مقرّراً في نفسي أن أتظاهر بأنّني أستطيع أن أعمل أيّ شيء يعملونه هم. ولمّا كانت الجماعة كبيرة على سطح السفينة كانوا يستخدمون كلّ وسائل التسلية، وبدأت أشترك معهم في كلّ شيء.

وفي العاشر من أوغسطس سنة 1928 رأيت إعلاناً عن إجتماع للصلاة يُقام في صالون طعام الدرجة الأولى. وقلتُ لنفسي ما دام إخواني ورفقائي سيذهبون إلى الإجتماع فإنّه ينبغي عليّ أن أذهب. ولكن اعتراني خوف لأنّني لم أدخل كنيسة من قبل. ورغم ذلك قلت لنفسي: «لقد ذهبتُ إلى قصور الصور، وإلى صالونات السكر والرقص ولم يصبني أيّ ضرر وأفتكر أنّ مكان العبادة المسيحيّ كذلك لا يضرّني». وعلاوة على ذلك كنتُ قد سمعت أنّ صالة الطعام للدرجة الأولى مكان فخم جدّاً، وافتكرت أنّها فرصة طيّبة لأراها. وإذ أقنعتُ نفسي بهذه الحجج ذهبت وجلست في أحد المقاعد الأخيرة.

وعندما وقفوا جميعاً للترنيم وقفتُ أنا أيضاً. وعندما جلسوا جلستُ أنا أيضاً. وعندما بدأ الوعظ نعست لأنّني لم أرد أن أسمع. ولمّا انتهت العظة ركعوا جميعهم ليصلّوا وكنت أنا الشخص الوحيد الذي ظلّ جالساً على كرسيّه. كنتُ أقول لنفسي: «إنّ هؤلاء الناس لا يعرفون شيئاً عن الدين. إنّهم استغلّوا بلادي ورأيتهم يأكلون ويشربون. ماذا عساهم يعرفون؟ وفوق الكلّ فإنّ ديانتي هي أفضل الديانات». وهكذا منعتني كبريائي الوطنيّة والعقليّة والدينيّة من الركوع، ورغبت في الخروج. ولكنّني وجدت رجلاً راكعاً على يميني وآخر على يساري، وقلتُ أنّه لا يصحّ أن أزعجهما. ومع ذلك لم أستطع أن أركع. ثمّ بدأت أقول «لقد ذهبتُ إلى مساجد المسلمين وإلى هياكل الهندوس. لقد خلعتُ حذائي وغسلتُ قدميّ لكي أعلن احترامي لتلك الأماكن. ويجب عليّ أن أحترم هذا المكان أيضاً من قبيل التأدّب». وتغلّبت على كبريائي الوطنيّة والعقليّة والدينيّة وركعت.

اسم يسوع

أرجو أن تعلم أيّها القارئ أنّ هذه كانت أوّل مرّة أشترك في عبادة مسيحيّة. ولم أكن قد قرأت الكتاب المقدّس من قبل. ولم يحدّثني أحد عن خلاص نفسي. وعندما ركعت شعرت بتغيير كبير في داخلي.. كان جسمي كلّه يرتعش.. كنت أشعر بقوّة إلهيّة تدخل فيّ وترفعني. وأوّل تغيير لاحظته في نفسي هو الفرح الذي فاض في داخلي والتغيير الثاني هو أنّني كنت أكرّر اسم يسوع. وابتدأتُ أقول: «أيّها الربّ يسوع! ليتبارك اسمك، ليتبارك اسمك، ليتبارك اسمك». وأصبح أسم يسوع حلو جدّاً لي، وقبل ذلك كنتُ أحتقر ذلك الإسم، وفي أثناء المباحثات والمناقشات كنت أسخر به.

ورأيت تغييراً آخر وهو أنّني شعرت بأنّني أصبحت كأيّ شخص من الأوروبيّين وفي أثناء إقامتي في لندن لم أشعر قطّ بأنّني مساوٍ لهم. بعض الأوقات كنت أشعر أنّني أعظم منهم، وفي بعض الأوقات الأخرى كنتُ أشعر أنّني أقلّ منهم. فعندما كنت أتكلّم مع الإنجليز كنت أشعر أنّني أسمى منهم. وكنت أقول بأنّني أنتمي إلى بلاد قديمة عريقة لها ثقافة قديمة عريقة ولكنّني لمّا كنت أتكلّم مع الهنود كنت أشعر بحقارتي، وكنت أقول بأنّنا لا نعرف كيف نأكل أو نلبس كما يجب. ولكن هذه هي المرّة الأولى التي شعرت فيها بأنّني مساوٍ لهم تماماً.

مسيحيّة بدون فرح

ومكثنا ثلاثة شهور في كندا. وسافرنا كثيراً، ثمّ رجعنا إلى أنجلترا. وهناك قرّرت أن أذهب إلى الكنيسة. وفي شهر نوفمبر سنة 1928 حضرت أوّل إجتماع يُقام داخل كنيسة ولمّا خرج الناس بعد العبادة بدأت أنظر إليهم، ولكنّني لم أستطع أن أجد أيّ علامات للفرح على وجوههم. فقلتُ: «لا بدّ أنّ أولئك الناس حضروا لجنازة». ذلك لأنّني لم أستطع أن أفهم لماذا كان يبدو على وجوههم هذا القدر الكبير من الوقار. شعرت أنّ هناك شيئاً غير صواب لأنّني كنت أعتقد أنّ الذين يعرفون يسوع يجب أن يكونوا سعداء جدّاً. ومن ذلك اليوم امتنعت عن الذهاب إلى الكنيسة أيّام الآحاد، واكتفيت بالذهاب باقي أيّام الأسبوع الأخرى حين كانت الكنيسة تكون فارغة تقريباً. وتوجد في مدينة لندن كنائس قديمة فخمة وهناك كنت أجلس ساعات على المقاعد الخالية، وكنت أشعر بسلام عظيم.

حياة جديدة

مرّ عام ولكنّني لم أحدّث أحد قطّ عن اختباري المسيحيّ.. ولم تكن لديّ الشجاعة لأفعل ذلك. أمّا الرغبة في التدخين وشرب الخمر فقد فارقتني. لم يطلب منّي أحد أن أبطّل ذلك، ولكنّني كنت سعيداً جدّاً فلم أشعر بالحاجة إلى منبِّهات.

وفي سنة 1929 رجعت إلى كندا. وكان عليّ أن أذهب هناك لكي أتمّم دراسة منهج الهندسة الزراعيّة. كان عليّ أن أصرف بعض الوقت في المصانع حيث ينتجون الآلات الزراعيّة. وكان عليّ أن أذهب إلى المزارع حيث تُستعمَل تلك الآلات.

وفي شهر ديسمبر أتيت إلى مدينة وينبيج. وفي 14 من ديسمبر سنة 1929 قلتُ لصديق لي: «هل تستطيع أن تسلّفني كتاباً مقدّساً؟» ونظر إليّ باستغراب شديد وقال: «أنت الهنديّ الهندوسيّ تريد أن تقرأ الكتاب المقدّس؟» وأجبته قائلاً: «أنت على حقّ.. إنّ هاتين اليدين قد مزّقتا كتاباً مقدّساً، وهاتين الشفتين جدّفتا على المسيح. لكنّني لمدّة الثمانية عشر شهراً الماضية كنت أحبّ الربّ يسوع حبّاً شديداً. إنّني أحبّ اسمه ورنينه حلو في أذنيّ ولكنّني لا أعرف شيئاً عن حياته وتعاليمه». ووضع الصديق يده في جيبه وأعطاني العهد الجديد وحفظته معي منذ ذلك اليوم إلى الآن. وكان ذلك هو أوّل إنجيل جيب امتلكته. أخذتُ نسخة العهد الجديد إلى غرفتي وبدأت أقرأ في بشارة متّى. وواصلت القراءة حتّى الثالثة صباحاً إذ كنت قد انهمكت في قراءة كلمة الله. وفي الصباح وجدت الأرض كلّها مغطّاة بالثلج وبقيت كلّ اليوم في الفراش ولم أعمل شيئاً إلاّ القراءة في الإنجيل.

التبكيت على الخطيّة

وفي اليوم التالي كنت أقرأ في بشارة يوحنّا الأصحاح الثالث. وعندما وصلت إلى العدد الثالث وقفت عند الجزء الأوّل منه. إنّ كلماته القائلة: «الحقّ الحقّ أقول لكم» وبّختْني وبمجرّد أن قرأت هذه الكلمات بدأ قلبي يضرب بأكثر سرعة. وشعرت أنّ شخصاً كان يقف بجانبي قائلاً لي المرّة بعد الأخرى: «الحقّ الحقّ أقول لك» لقد تعوّدتُ أن أقول أنّ الكتاب المقدّس ملك للغربيّين، ولكنّ الصوت قال لي «الحقّ الحقّ أقول لك».

ولم أشعر في أيّ وقت من حياتي بخجل مثل شعوري في ذلك الوقت.. إنّ كلّ كلمات التجديف التي تعوّدتُ أن أنطق بها ضدّ المسيح جاءت أمامي.. وكلّ خطاياي في سنوات القسم الإبتدائيّ والكلّيّة مرّت أمام ذهني. وتعلّمتُ لأوّل مرّة بأنّني كنت أعظم الخطاة.. واكتشفتُ أنّ قلبي شرّير وفاسد. كما أنّ حسدي لأصدقائي أو أعدائي وأيّ شرور فيّ، كلّها اتّضحت أمامي. إنّ والديّ كانا يعتقدان بأنّني ولد طيّب، وأصدقائي كانوا يعتبرونني صديقاً مخلصاً، والعالم اعتبرني عضواً صالحاً في الهيئة الإجتماعيّة. لكنّني إذ وجدتُ يسوع عرفت حقيقة نفسي وكانت الدموع تتساقط على وجنتيّ. وكنت أقول: «يا سيّد اغفر لي.. حقّاً إنّني خاطئ كبير». ولمدّة من الزمن كنت أشعر أنّه لا يوجد رجاء لخاطئ كبير مثلي. وبينما كنت أصرخ قال الصوت ثانية: «هذا هو دمي المسفوك من أجلكم، هذا هو دمي المسفوك لغفران خطاياك». ولقد عرفت أنّ دم يسوع وحده هو الذي يستطيع أن يمحو خطاياي. لم أكن أعرف كيف يتمّ ذلك، ولكنّني عرفت فقط أنّ دم يسوع يقدر أن يخلّصني، لم أقدر أن أشرح الأمر ولكن فرحاً وسلاماً جاءا إلى نفسي، وتأكّدت أنّ كلّ خطاياي قد غُفِرَت. وعرفت أنّ الربّ يسوع قد ملك على قلبي. واكتفيت بأن أستمرّ في تقديم الشكر لله.

وبعد يومين جاء إليّ نفس ذلك الصديق وقال: «جاء وقت عيد الميلاد ومن عادتنا أن نقدّم لأصدقائنا بعض الهدايا» وقلتُ «أرجوك أن لا تقدّم لي أيّ هدايا». وذلك لأنّه لم يكن لديّ أيّ نقود لأردّ له الهديّة. ولكنّه أصرّ فقلت له «حسناً وإذا كنت تريد أن تقدّم لي هديّة اعطني الكتاب المقدّس، لأنّه ليس عندي سوى العهد الجديد». وأخذني إلى المكتبة وقال لي: «اختر أنت ما يعجبك». وأهداني الكتاب المقدّس الذي معي الآن، الكتاب الذي أحبّه أكثر من أيّ شيء آخر، والذي هو أغلى ما أمتلك. ورجعت إلى غرفتي وبدأت بقراءة سفر التكوين وانشغلتُ بقراءة الكتاب لدرجة أنّني كنت أصرف بعض المرّات 14 ساعة وأنا متمدّد أقرأ فيه. وفي 22 من فبراير سنة 1930 أتممت قراءة كلّ الكتاب، وفي نفس الوقت درست العهد الجديد عدّة مرّات. ثمّ أعدتُ قراءة الكتاب المقدّس مرّة ثانية وثالثة. وأوقفت قراءة الجرائد والمجلاّت والروايات. قبلت الكتاب المقدّس ككلمة الله من أوّل عبارة من سفر التكوين إلى آخر عبارة في سفر الرؤيا ولم يخامرني شكّ من جهة أيّ عبارة.

شفاء

كنت من قبل أستغرب لماذا يتمتّع بعض المسيحيّين بالفرح بينما البعض الآخر ليس لهم فرح. ولكنّي بعد ذلك وجدت أنّ الآخرين كان لديهم بعض الشكوك من جهة الكتاب المقدّس، ولذلك لم يكن لهم فرح حقيقيّ. وقبل ذلك لم أكن أفهم الشرور التي كنت ألاحظها حولي، لكنّ الكتاب المقدّس حلّ كلّ المشاكل. ولمدّة سنتين واصلت قراءة الكتاب المقدّس، وفي أثناء قراءتي الثانية مررت بالعدد 8 من عبرانيّين 13 «يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد». وكنت أتألّم من التهاب بالأنف لازمني سنوات عديدة. واستشرت أحسن الأطبّاء الإنجليز ولكنّني لم أنتفع شيئاً. وكذلك ضعف نظري. ولذلك صلّيت قائلاً «يا ربّ! ألا تسمح بشفاء أنفي وحلقي وتعطيني بصراً؟» وفي الصباح عندما استيقظت من النوم وجدت أنّني شفيت، وما كان أعظم فرحي! وأعلن لي ذلك حقيقة القول بأنّ ربّي يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد. ومنذ ذلك الوقت منحني الله امتياز الصلاة لأجل شفاء الكثيرين، واستجاب الربّ صلواتي بطريقة عجيبة.

دعوة للخدمة

وفي الرابع من فبراير سنة 1932 تعمّدت في فانكوفر بكندا وبعد المعموديّة كنت أنتقل من مكان إلى مكان أشهد للمسيح. وفي أثناء الأسبوع الأوّل من أبريل سنة 1932 دُعِيت لألقي محاضرة عن الهند. وفي نهاية الاجتماع انهالت عليّ الأسئلة، مثل: «ما هو رأيك في العمل التبشيريّ في الهند؟» وبدأت أنتقد العمل بشدّة. وعندما عدتُ إلى غرفتي وركعتُ لأصلّي وجدت أنّني لا أستطيع الصلاة. وقال لي الصوت: «من أنت حتّى تتدخّل في عملي؟ أنّك تريد الآخرين أن يضحّوا أمّا أنت فتريد أن ترجع إلى الهند كمهندس وتحيا حياة رغد وراحة». واخترقت هذه الكلمات قلبي كسيف وكانت كلمات حقّ. فلقد كانت لي خطط كثيرة بأَن أرجع كمهندس. وكنت قد قلت أنّني سأعطي كلّ أموالي لعمل الربّ. ولكنّ الصوت قال لي: «أنّني لا أريد مالك.. أنا أريدك أنت». وفي ذلك الصباح ركعت وطلبت الصفح وقلت «أيّها السيّد الربّ، هل تقبلني؟ أنا مستعدّ بأن أذهب إلى أيّ مكان في الهند أو الصين، أو أفريقيا. إنّني أترك كلّ شيء من أجلك: الأصدقاء، والأهل، والممتلكات». وقال الربّ: «عليك أن تعيش بالإيمان. وعليك أن لا تطلب أيّ شيء من أيّ شخص، لا الأصدقاء ولا الأقارب، يجب أن لا تطلب شيئاً حتّى فنجان قهوة. وليس عليك أن تضع أيّ خطط». وقلت: «يا سيّد، إنّك من جهة تريدني أن لا أطالب بممتلكاتي وبيتي، ومن الجهة الأخرى تريدني بكلّ بساطة أن أحيا حياة الإيمان، فمَن إذاً سيهتمّ بسدّ احتياجاتي؟» وقال الربّ: «ليس هذا شغلك» وبالرغم من مرور ستّ سنوات على ذلك أستطيع أن أشهد لمجد الله بأنّني لم أطلب شيئاً قطّ من أيّ إنسان، ولا حتّى أحسن أصدقائي. ولكنّ الربّ كان يملأ كلّ احتياجاتي بغنى وفيض. وبقيت في أمريكا كمبشّر لمدّة سنة، وذلك لأنّي طلّقتُ كلّ خططي بأن أصبح مهندساً.

الشهادة في الوطن

وفي 19 من أكتوبر سنة 1932 كتبت لأبي أخبره بتجديدي وفي 15 من نوفمبر صلّيت إلى الربّ حتّى يرسل شخصاً إلى أبي ليشرح له خطابي. ذلك لأنّ الخطاب كان طويلاً ونقلت فيه آيات من سفر التكوين إلى سفر الرؤيا. وفي نفس اليوم ذهب والدي لمقابلة مرسل أمريكيّ في بلدنا الأصليّة. وفي يوم 21 من نوفمبر سنة 1932، عندما استلم أبي خطابي، ذهب ثانية إلى نفس المرسَل الذي تعرّف إليه واختلط به، وقال له «وصلني هذا الخطاب الذي يحوي كثيراً من الاقتباسات من الكتاب المقدّس. هل يمكنك أن تشرحها لي؟» وأعطاه المرسَل نسخة من الكتاب المقدّس بلغة الأردو وأوضح له كيف يعرف بنفسه مكان الاقتباسات. وبعد الاطّلاع على كلّ الاقتباسات تأكّد بأنّ تجديدي كان بناء على اقتناعي التامّ، وكتب إليّ قائلاً بأنّه ليس لديه أيّ اعتراض، وأنّه كان مسروراً بأن يعرف أنّني مسرور في عقيدتي الجديدة.

وفي اليوم السادس من أبريل سنة 1933 وصلت بومبي بعد غياب سبع سنوات. وجاء أبي وأمّي لمقابلتي. ولمّا نزلت من السفينة كان أوّل شيء قاله لي أبي: «إنّ أمّك وأنا فقط اللذان نعرف عن تجديدك.. هل يمكنك، من فضلك، أن تحتفظ بهذا الأمر سرّاً وتدعو نفسك سيخاً من أجل شرف العائلة؟ يمكنك أن تقرأ الكتاب المقدّس وأن تذهب إلى الكنيسة ولكن لا تخبر أحداً بأنّك مسيحيّ». وقلتُ «هل أستطيع أن أعيش بدون تنفّس؟ إذا كان المسيح هو حياتي فكيف يمكنني أن أعيش بدونه؟» وأخبرت أبي بأنّني وهبت كلّ حياتي ليسوع. وسألني: «هل تنوي أن تصبح مرسَلاً أم قسّيساً؟» فأجبتُهُ: «لا هذا ولا ذاك» وقال والدي: «إذا كنت لا تنفعنا فلماذا لا تنفع نفسك؟ إنّك إذا أصبحت قسّيساً أو مرسلاً فإنّ البعض، على الأقلّ، سوف يحترمونك. ولكنّك عندما تذهب من مكان إلى مكان فمَن يسمع لك؟ وكيف تعول نفسك؟» فشرحتُ له كيف أنّ الله اختارني لهذا العمل، ولكنّه لم يستطع أن يفهم، وقال: «إذا كنتَ لا تستطيع أن تحفظ الأمر سرّاً، فأنّك لن تدخل بيتي وعليك أن ترجع لبلدك». وهكذا تركني أبي وأمّي في بومبي. وبدأت أعمل بعض العمل المسيحيّ هناك.

وبعد أسبوعين أو ثلاثة حصلت على خطاب من أختي. كتبت إليّ تقول: «سمعت بأنّك رجعت. وأرجوك أن تحضر وتقابلني» ولم تكن تعرف بأنّني صرتُ مسيحيّاً. وكانت تظنّ أنّني كنت فقط أحاول أن أجد عملاً في بومبي. فذهبت إلى كراتشي لأراها. ولمّا رأتني أختي أبشّر في السوق وأذهب إلى الكنيسة كتبت إلى أبي قائلة: «الأمر أصبح خطيراً، ويجب أن تحضر حالاً».

وحضر أبي إلى كراتشي بسرعة. وفي نفس المساء عقدنا إجتماعاً عائليّاً. اجتمعتْ أختي وزوجها وإخوتي وأبي. وغضبت أختي جدّاً وبدأت تسيء إليّ. قالت لي «لقد تركت ديانة رفيعة وشريفة، وصرتَ متشرّداً». فقلت «تقولون أنّني أردأ من متشرّد لأنّكم لا تستطيعون أن تروا قلبي. ولقد أخبرني الربّ يسوع بأنّني أعظم الخطاة». ولمّا قلتُ ذلك، زاد غضب أختي كثيراً وبدأتْ تقول بعض الكلمات ضد المسيح. وطلب منّي أبي كتابي المقدّس بلغة الأردو فأعطيته له. وبدأ يقرأ من العهد الجديد بعض الفصول المعيّنة فقالت أختي «إنّني أرسلت إليك لكي تأتي وتزجر ابنك ولكنّك تبشّر بالمسيح». وردّ أبي قائلاً «ليس من حقّكم أن تقولوا أيّ شيء ضدّ الربّ يسوع لأنّكم لا تعرفون شيئاً عنه. قولوا ما تريدون ضدّ أخيكم، ولكن لا تقولوا شيئاً ضدّ المسيح». واندهش الجميع ثمّ انتهى الإجتماع.

تجديد أبي

وفي اليوم التالي حضر أبي إجتماع الكنيسة. وبعد الإجتماع كنّا نسير في الشارع، وتقابلنا مع رجل من السيخ كان لي شرف هدايته إلى المسيح. وأخبر أبي باختباره. وقال له أبي بأنّه عندما تركني في بومبي شعر بأنّه غير سعيد. ولذلك ذهب إلى بعض الصادهو ورجال الدين وسألهم كيف يحصل على السلام الحقيقيّ. ولكنّهم جميعهم قالوا أنّ ذلك مطلب عسير التحقيق. وحدث أن مرّ أبي في أحد أيّام الآحاد بكنيسة في لاهور وكانت العبادة على وشك أن تبتدئ. فدخل دون أن يلاحظه أحد بنوع خاصّ. وجلس في أحد المقاعد الخلفيّة. وبمجرّد أن بدأت الخدمة رأى نوراً عظيماً. وإذ رأى النور الباهر يلمع صرخ «أيّها الربّ، أنت مخلّصي أنا أيضاً». وشعر بسلام عظيم يغمره.

وقبل ترك كراتشي قال لي أبي «تستطيع أن تأتي إلى البيت متى أردت». فذهبت إلى البيت. وجاء كلّ أصدقائي وأقاربي لمقابلتي وأخذوا يلومونني من الصباح حتّى المساء. وكان لكلّ رجل وسيّدة ما يقوله. ومع ذلك فأنّني بقيت صامتاً.

وبعد ذلك قال لي أبي: «لماذا لا تقدّم شهادتك في الكنيسة؟» ولكنّ القسّيس الهندي، راعي الكنيسة المحلّيّة لم يوافق على ذلك وقال «إنّ لك كثيراً من الأقارب والأصدقاء في المدينة، وهذا العمل سوف يكون خطيراً فلا بدّ أنّهم يحدثون اضطراباً». وقلت «أنا مستعدّ لكلّ شيء». وهكذا كان، وشهدت في الكنيسة الجديدة حيث كانت تُعَد الإجتماعات، وكان يحضرها أناس من كلّ الطبقات. ولم يكن هناك مقاعد ولا أماكن خالية لا في الخارج ولا في الداخل. هناك قدّمتُ شهادتي. وبعد أن أنصرف الإجتماع، اجتمع كثيرون حولي وقالوا: «إنّنا نريد أن نسألك بعض الأسئلة». فقلت «وأنا أرحّب بأسئلتكم».

وكان أوّل سؤال هو: «هل تسمح لك ديانتك بأن تعصى والديك؟» وتلاه الأسئلة: هل تسمح لك محبّتك أن تخيّب آمال والديك؟ «عندما صرف والدك 25000 روبيّة على تعليمك كان واجبك بالتأكيد يقضي عليك أن تنتظر موافقته قبل أن تصبح مسيحيّاً». «انظر إلى أبيك فإنّ قلبه منكسر.. هل تسمّي هذا محبّة؟» وكنتُ على وشك أن أردّ عليهم لولا أنّ أبي تكلّم. وقال بأعلى صوت ممكن، رغم أنّ صوته قويّ ومرتفع كصوتي تماماً، قال: «إنّني لستُ منكسر القلب بأيّ حال. ولماذا تحشرون إسمي؟ أنا مقتنع أنّ ابني يتمتّع بالسلام الحقيقيّ. وقبل أن تسألوا أيّ أسئلة أخرى أريد أن أعرف إن كان هناك شخص من بين الواقفين يستطيع أن يقول أنّ لديه السلام الأبديّ في داخله. أنا أعلم أنّ ابني له السلام الحقيقيّ. أرجوك أن تتقدّم إلى الأمام يا مَن لك ذلك السلام. واعلموا أنّني لن أسمح لأحد أن يسأل أيّة أسئلة ما لم يكن له السلام الحقيقيّ». ولمّا سمع الناس تلك الكلمات نظروا إلى والدي وإليّ، وانصرفوا واحداً بعد الآخَر.

ومنذ ذلك الوقت سعدت بزيارة بلدتي مرّات كثيرة، وعقدت اجتماعات كثيرة في الكنيسة المحلّيّة. وذهبت الكراهية القديمة التي كانت فيهم. وعلى وجه التحديد وُلِد أبي ثانية وهو يشهد للمسيح. وهو أمين ومخلص جدّاً ولكنّه لم يعتمد بعد، وهو يقول إنّه ينتظر أمّي. وكانت أمّي متديّنة جدّاً تقول بأنّها أعطت ابناً للربّ يسوع وأنّها تؤمن بيسوع. وحدث أن أُصيبت أمّي بحمّة التيفود. وأحضر أخي طبيباً إنجليزيّاً ليعالجها. وبعد خروجه قالت أمّي: «إنّني لا أريد دواء من أيّ نوع. صلّوا فأنال الشفاء». وفي تلك الليلة شفاها الربّ. واستمرّ أبي يقرأ لها من الكتاب المقدّس كلّ يوم وهي تصغي بانتباه. ولكنّها لم تولد ثانية حتّى كتابة هذا الكتاب. هل أطمع في صلواتكم من أجلها؟ إنّ أبي قد وُلِد الميلاد الثاني، وأحد إخوتي الصغار تعمّد.

«فَمَعَ أَنَّهُ لاَ يُزْهِرُ ٱلتِّينُ، وَلاَ يَكُونُ حَمْلٌ فِي ٱلْكُرُومِ، يَكْذِبُ عَمَلُ ٱلّزَيْتُونَةِ، وَٱلْحُقُولُ لاَ تَصْنَعُ طَعَاماً. يَنْقَطِعُ ٱلْغَنَمُ مِنَ ٱلْحَظِيرَةِ، وَلاَ بَقَرَ فِي ٱلْمَذَاوِدِ، فَإِنِّي أَبْتَهِجُ بِٱلرَّبِّ وَأَفْرَحُ بِإِلَهِ خَلاَصِي» (حبقوق 3: 17-18).

كان لي الشرف بأن أعمّد أبي في 25 من ديسمبر سنة 1945 في مدراس في جنوب الهند. ولقد انتقل إلى المجد في يوم 3 من يوليو سنة 1946.

الولادة الجديدة

كثيراً ما نندهش كيف أنّنا ندرك حضور الله المستمرّ، وكيف نعرف مشيئة الله الكاملة، وكيف نصير واسطة لخلاص الأحبّاء والأصدقاء والجيران والأعداء. «كُلُّ مَا يُعْطِينِي ٱلآبُ فَإِلَيَّ يُقْبِلُ، وَمَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجاً» (يوحنّا 6: 37). والربّ يسوع المسيح يؤكّد لنا في تلك الكلمات بأنّه يرحّب بكلّ شخص يريد أن يعرف وأن يجعله ملكاً على حياته. ولذلك فإنّ الدعوة تُقدَّم إلى التعابى منكم بالخطيّة والهموم العالميّة بأن يأتوا إلى يسوع الآن بدون تردّد. وهل تسمح لي أن أخبرك بأنّ قوّات الشرّ سوف تبدأ بغرس الشكوك والمخاوف والهواجس في قلبك منذ اللحظة الأولى التي فيها تفكّر أن تأتي إلى الربّ يسوع المسيح؟ ولكنّنا نحصل على اليقين من نفس السيّد الربّ الذي يقول «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ» (متّى 28: 18). وكذلك نجد في إرميا 29: 13 القول «وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ». ثمّ يقول السيّد: «اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ» (يوحنّا 6: 47). وكلّ المطلوب منك هو أن تسجد له وتؤمن به، وهو يعطيك الحياة الأبديّة المقدّمة للجميع مجّاناً. «لأَنَّكُمْ بِٱلنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِٱلإِيمَانِ، وَذٰلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ ٱللّٰهِ» (أفسس 2: 8).

وهكذا أيّها القارئ العزيز، إذا كان الروح القدس قد أنّبك وعنّفك على خطيّتك وطبيعتك الشرّيرة، فلا تخف من جميع الشكوك والمخاوف التي وضعها العدوّ في ذهنك. اقبل الربّ يسوع في قلبك وهو يأتي إليك كرجاء المجد. «ٱلَّذِينَ أَرَادَ ٱللّٰهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ مَا هُوَ غِنَى مَجْدِ هٰذَا ٱلسِّرِّ فِي ٱلأُمَمِ، ٱلَّذِي هُوَ ٱلْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ ٱلْمَجْدِ» (كولوسي 1: 27).

إنّ دخول الربّ يسوع المسيح وسكنه في قلوبنا يُسمّى «الولادة الجديدة» إنّه الإختبار البسيط بقبول الربّ يسوع المسيح في قلوبنا. يقول الربّ يسوع «هَئَنَذَا وَاقِفٌ عَلَى ٱلْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ ٱلْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِيَ» (رؤيا 3: 20). والربّ يسوع لن يدخل بالقوّة إلى قلوبنا. فإذا سمعت صوته فأرجوك أن لا تقسّي قلبك. وتأكّد أنّ نفس اللحظة التي تقرأ فيها هذا الكتاب هي الوقت المناسب لخلاصك. لأنّه يقول «فِي وَقْتٍ مَقْبُولٍ سَمِعْتُكَ، وَفِي يَوْمِ خَلاَصٍ أَعَنْتُكَ. هُوَذَا ٱلآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ. هُوَذَا ٱلآنَ يَوْمُ خَلاَصٍ» (كورنثوس الثانية 6: 2).

وإذ كنت لا تطيع صوته الآن فإنّ قلبك يصبح أقسى، والنور الذي ترفضه يصبح ظلاماً. إنّ روح الله لا يبقى دائماً في الإنسان. «فَقَالَ ٱلرَّبُّ: لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي ٱلإِنْسَانِ إِلَى ٱلأَبَدِ» (تكوين 6: 3). إنّ روح الله كان دائماً يجاهد معك.. كان يضع أمامك كلّ خطاياك وفساد طبيعتك البشريّة الخاطئة. وتذكّر أنّه في يوم ما عظامك نفسها ستبتدئ تتعفّن بفساد الخطيئة. وتذكّر أنّ الخطيّة التي تخفيها بلباس الثقافة والمدنيّة والآداب والعادات والابتسامات والكلمات الناعمة. هذه الخطيّة سوف تنكشف في أحد الأيّام. «فَلَيْسَ مَكْتُومٌ لَنْ يُسْتَعْلَنَ، وَلاَ خَفِيٌّ لَنْ يُعْرَفَ»(لوقا 12: 2). والناس في كلّ العصور وفي كلّ العالَم اجتهدوا أن يغطّوا خطاياهم. تأمّل الأبرص إنّه ربّما ينجح في إخفاء برصه في دوره الأوّل، ولكن في يوم ما سوف ينتشر البرص ويظهر على أصابع يديه ورجليه وأجزاء أخرى من جسمه وبنفس الطريقة فإنّ خطايانا تُكشَف للنور بواسطة عينَي الله الفاحصتين. ولذلك اسمح لي أن أتضرّع إليك أن تركع على ركبتيك وتردّد هذه الكلمات قدّام الربّ «ٱخْتَبِرْنِي يَا اَللّٰهُ وَٱعْرِفْ قَلْبِي. ٱمْتَحِنِّي وَٱعْرِفْ أَفْكَارِي. وَٱنْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَٱهْدِنِي طَرِيقاً أَبَدِيّاً» (مزمور 139: 23 و24).

وحالما تركع وتقول تلك الكلمات كن مستعدّاً أن تكسر كبرياءك، وأن تقتلع جذور خطيّتك بواسطة دم المسيح الثمين. ولمّا يضع الروح القدس قدّامك الخطايا التي ارتكبتَها منذ طفولتك، اعترف بها مردّداً هذه الكلمات «أَعْتَرِفُ لَكَ بِخَطِيَّتِي وَلاَ أَكْتُمُ إِثْمِي. قُلْتُ: «أَعْتَرِفُ لِلرَّبِّ بِذَنْبِي» وَأَنْتَ رَفَعْتَ أَثَامَ خَطِيَّتِي» (مزمور 32: 5).

اعتراف

والاعتراف معناه التواضع. ولا يستطيع الله أن يستثني أحداً. وما لم نعترف بخطايانا ونحن على ركبنا، وما لم نعترف بخطايانا كلّها، فإنّ شيئاً من الكبرياء يبقى في قلوبنا. والله لا يدخل إلى القلب المتكبّر «لأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْمُرْتَفِعُ، سَاكِنُ ٱلأَبَدِ، ٱلْقُدُّوسُ ٱسْمُهُ: فِي ٱلْمَوْضِعِ ٱلْمُرْتَفِعِ ٱلْمُقَدَّسِ أَسْكُنُ، وَمَعَ ٱلْمُنْسَحِقِ وَٱلْمُتَوَاضِعِ ٱلرُّوحِ، لأُحْيِيَ رُوحَ ٱلْمُتَوَاضِعِينَ وَلأُحْيِيَ قَلْبَ ٱلْمُنْسَحِقِينَ» (إشعياء 57: 15). وكلّما اقتربنا أكثر من الربّ كلّما أدركنا أكثر مقدار فساد طبيعتنا. إنّ أيّوب لمّا رأى الله قال هذه الكلمات «بِسَمْعِ ٱلأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَٱلآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. لِذٰلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي ٱلتُّرَابِ وَٱلرَّمَادِ» (أيّوب 42: 5 و6).

وبعد الاعتراف يجب أن نكون مستعدّين أن نقبل رئيس السلام في قلوبنا. وفي نفس اللحظة التي نقبله ربّاً لنا نصبح أولاده. «أَمَّا كُلُّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ ٱللّٰهِ، أَيِ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ» (يوحنا 1: 12). وهكذا فإنّ الإيمان باسم الربّ يسوع المسيح يعني قبوله ربّاً وملكاً في قلوبنا وهو يغسل ويمحو خطايانا بدمه. ونحن نُجتَذَب قريباً منه بواسطة دمه: «وَلٰكِنِ ٱلآنَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً بَعِيدِينَ صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ ٱلْمَسِيحِ» (أفسس 2: 13). «فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلّٰهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا ٱللّٰهَ ٱلْحَ» (عبرانيّين 9: 14).

نصرة مثلّثة

وطالما بقي ضميرنا غير مطهّر فأنّنا لا نقدر أن نهزم الخطيّة ولذلك، يا عزيزي، حالما تقبل بالإيمان دم الربّ يسوع المسيح لتطهير الخطيّة فإنّك تصبح حرّاً من عبوديّة الخطيّة وعبوديّة الفساد. وحينئذٍ تُمنَح حرّيّة من كلّ أنواع الخوف. وأعلمُ أنّه توجد ثلاثة أشياء مقدّمة لنا كهبات مجّانيّة، نتيجة لقبولنا الربّ يسوع المسيح مخلِّصاً شخصيّاً لنا:

النصرة على العالَم

الهبة الأولى هي النصرة على العالم: «لأَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ ٱللّٰهِ يَغْلِبُ ٱلْعَالَمَ. وَهٰذِهِ هِيَ ٱلْغَلَبَةُ ٱلَّتِي تَغْلِبُ ٱلْعَالَمَ: إِيمَانُنَا» (يوحنّا الأولى 5: 4).

النصرة على الخطيّة

والهبة الثانية هي النصرة على الخطيّة: «نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ ٱللّٰهِ لاَ يُخْطِئُ، بَلِ ٱلْمَوْلُودُ مِنَ ٱللّٰهِ يَحْفَظُ نَفْسَهُ، وَٱلشِّرِّيرُ لاَ يَمَسُّهُ» (يوحنّا الأولى 5: 18).

النصرة على الموت

والهبة الثالثة هي النصرة على الموت «أَمَّا شَوْكَةُ ٱلْمَوْتِ فَهِيَ ٱلْخَطِيَّةُ، وَقُّوَةُ ٱلْخَطِيَّةِ هِيَ ٱلنَّامُوسُ. وَلٰكِنْ شُكْراً لِلّٰهِ ٱلَّذِي يُعْطِينَا ٱلْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (كورنثوس الأولى 15: 56 و57).

وعندما نحصل على هذه الهبات الثلاثة فإنّنا نصبح شركاء في العمل مع الربّ يسوع المسيح «فَإِنَّنَا نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ ٱللّٰهِ، وَأَنْتُمْ فَلاَحَةُ ٱللّٰهِ، بِنَاءُ ٱللّٰهِ» (كورنثوس الأولى 3: 9). وإذ نصبح عاملين معه فإنّنا نملك معه «وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ» (أفسس 2: 6). والذين يصبحون في العمل مع المسيح يصبحون أيضاً ورثة لملكوته السماويّ ولكلّ شيء «إِذاً لاَ يَفْتَخِرَنَّ أَحَدٌ بِٱلنَّاسِ، فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَكُمْ: أَبُولُسُ، أَمْ أَبُلُّوسُ، أَمْ صَفَا، أَمِ ٱلْعَالَمُ، أَمِ ٱلْحَيَاةُ، أَمِ ٱلْمَوْتُ، أَمِ ٱلأَشْيَاءُ ٱلْحَاضِرَةُ، أَمِ ٱلْمُسْتَقْبَِلَةُ. كُلُّ شَيْءٍ لَكُمْ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلِلْمَسِيحِ، وَٱلْمَسِيحُ لِلّٰهِ» (كورنثوس الأولى 3: 21-23). وإذ يصبح فينا اليقين بامتلاك هذه الأشياء كلّها يكون لنا سلام كامل داخل قلوبنا «سَلاَماً أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي ٱلْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ» (يوحنّا 14: 27).

عزيزي القارئ

عزيزي القارئ! إنّني أدعوك بأن تقبل الآن، وفي هذه اللحظة، هذه الكلمات باسم الربّ يسوع المسيح. وعندما تقرأ هذه الكلمات اركع على ركبتيك معترفاً به ربّاً للأرباب، ورئيساً للسلام، وملكاً للملوك، وصديقك الشخصيّ. وأنا أستطيع أن أقول عن اختبار شخصيّ بأنّه لا يوجد فرح في العالم يساوي الفرح الذي نحصل عليه عندما يدخل المسيح في قلوبنا ويسكن فيها. إنّ المسيح يحلّ كلّ مشاكلي، ويجيب على أسئلتي، ويحمل أثقالي، ويعطيني القدرة لأتغلّب على التجارب، ويقدّرني على أن أشرك الآخرين معي في أفراحي. وفي نفس الوقت فإنّ المسيح أعطاني شرف التحدّث إليه والسير معه كلّ خطوات حياتي. فهل تقبله أنت مخلِّصاً وربّاً لك هذا اليوم بالذات؟ الربّ يباركك. وأسأل الله أن يمنحك فهماً لأسراره الخفيّة، وإيماناً بسيطاً لتعلن أشياء عظيمة عن الإله العظيم.

القسم الثاني: الخطوة الأولى في حياة الإيمان

وفي أثناء السنوات التي مرّت منذ أن عرفتُ الربّ يسوع المسيح أصبح شخصه أغلى وأكثر واقعيّة عن طريق التجارب الكثيرة التي أصابتني كطوفان. وذكرت في شهادتي كيف أنّني حصلت على فرح لا يُنطَق به، وكيف أنّني كنت ممتلئاً فرحاً، وكيف أنّ الربّ يسوع فتّش عليّ وخلّصني. ووجدتُ فرحاً عظيماً، وسلاماً عظيماً كالنهر. واكتشفت أنّه كان يجب أن أقابل تجارب قاسية بعد تجديدي.

الفقر

وفي شهر ديسمبر من عام 1929 أصبح الربّ يسوع مخلّصي وبالتحديد حدث ذلك في 16 من ديسمبر سنة 1929 في حوالي منتصف الساعة الثانية عشر صباحاً.

ومنذ البداية الباكرة لاختباري المسيحيّ كان عليّ أن أواجه كلّ نوع من التجارب. وأوّل تلك التجارب كان الفقر. قبل تجديدي كان يرسل إليّ أبي كلّ ما أحتاج إليه من مال وكان يرسل إليّ مالاً لأربعة شهور أو خمسة دفعة واحدة. وعندما كنت أحتاج إلى زيادة كنتُ أرسل إليه برقيّة فأحصل على الزيادة التي أريدها. ولكن بعد تجديدي لم يستطع أبي أن يرسل إليّ أيّ مبلغ من المال. وكان هو نفسه لديه قضيّة كبرى أمام محكمة البنجاب العليا. وهكذا مرّت شهور كثيرة ولم أسمع أيّ أخبار من عائلتي. كتبت خطابات عديدة ولكن لم أستلم أيّ ردّ. ولم أعرف ماذا جرى في مسقط رأسي. وجالت بفكري كلّ الخواطر في ذلك الوقت. لم أدرِ ماذا جرى لوالدي ووالدتي حتّى أنّهم لم يردّوا حتّى ولا على برقيّاتي. ولم يبقَ معي شيء من النقود حتّى أتمكّن من إرسال الخطابات. كنت أعيش في مدينة غريبة حيث لا يعرفني أحد ولا أستطيع أن أقول عن أيّ شخص بأنّه صديقي. وقرّرتُ أنّني لن أذهب إلى أيّ شخص لأطلب منه مساعدة. ولذلك فكّرتُ أنّه من الأفضل أن أبحث عن عمل.

كانت سنة 1929 هي أصعب سنِي الأزمة في كلّ أنحاء أمريكا حيث أصبح الآلاف عاطلين بدون عمل. ورأيت بنفسي رجالاً كانوا قبلاً أغنياء جدّاً ينتقلون من بيت إلى بيت يبيعون البسكويت والكعك ليحصلوا على قوتهم. كانت هذه تجربة الفقر وكنت أذهب باكراً في الصباح أبحث عن عمل وكنت أصرف النهار مارّاً بالمحلاّت التجاريّة والورش والمصانع وأنا أسأل «سيّدي هل يمكن أن تمنحني عملاً؟» وكانت الإجابة دائماً: «ليس لديّ عمل». وذهبتُ من دكّان إلى دكّان وكنت أسمع نفس الجواب: «آسف جدّاً لأنّه ليس لديّ عمل لك». وكان عليّ أن أسمع هذا الردّ من الصباح الباكر إلى المساء، سائراً على قدميّ ساعات وساعات، من بيت إلى بيت، ومن دكّان إلى دكّان لمدّة أربعة شهور وبعد الأربعة شهور وجدتُ عملاً كطبّاخ. ولم يكن هذا هو العمل الذي أختاره لو تُرِكَت لي الحرّيّة.

معجون البصل

حدث ذلك هكذا، لمّا كنت مسافراً من أنجلترا إلى كندا تقابلت مع بعض الأشخاص في الباخرة. دعوني يوماً إلى منزلهم وطلبوا منّي أن يذوقوا نوعاً من البهار الهنديّ الأصليّ. وكان الإجتماع حبّيّاً لا أكثر ولا أقلّ. وأعددت البهار الهنديّ للشخصين أو الثلاثة الموجودين في ذلك الوقت، وأحبّوه. وبعد أربعة شهور قابلتهم مرّة أخرى وقالوا لي أنّهم مستعدّون أن يساعدوني في إيجاد عمل إذا كنت أقبل أن أشتغل كطبّاخ وكان ذلك أوّل عمل تسلّمته.

وأنا أشكر الله لأنّه ساعدني وتحدّث إليّ بواسطة البصل والفلفل الأحمر الحارّ والبهارات الأخرى. كان عليّ أن أجهّز عجينة مكوّنة من جردلين من البصل حتّى جرت الدموع كأنهار على خدّيّ وكان عليّ أن أضيف الزبدة إلى العجينة أو البهار المسحوق لعمل مرقة توابل التي تصبح لذيذة جدّاً عندما تُطبَخ وتنضج. وعندئذٍ خطر ببالي الفكر بأنّنا جميعاً كالبصل أو كالتوابل الحارّة التي تُستَخدَم في الطبخ. فالبعض حارّون جدّاً كالفلفل الأحمر الحارّ.. والبعض لهم رائحة شديدة كالبصل.. والبعض زكيّ الرائحة كالعطور. ولكنّنا عندما نختلط كلّنا معاً ونُطبَخ بالروح القدس عندئذٍ نستطيع كلّنا أن نقدّم محبّة الله. وبهذه الطريقة بدأ الربّ يتكلّم إليّ، وأصبحت كلمة الله حقيقة مائلة أمامي. وكنت أعرف أنّ هذا كلّه إعداد لي للخدمة في المستقبل. لم أقدر أن أدرك كيف ينوي الربّ أن يستخدمني، ولكن كان عندي شعور داخليّ بأنّ الربّ يدعوني لخدمته.

وفي أحد الأيّام، وبينما كنت في غرفتي في أمريكا نائماً في فراشي، رأيت فجأة على الحائط أمامي خريطة الهند وبها صليب لامع برّاق في الوسط، وسمعتُ صوتاً يقول «إذا كنتَ تريد أن تخدمني عليك أن تلقي بحياتك عند الصليب». وحدث ذلك في حوالي أوائل مارس 1930. ولم أستطع أن أفهم كيف يمكنني بأيّ حال من الأحوال أن أخدم الربّ. ولكنّ الصليب البرّاق كان دائماً يذكّرني بأنّني يوماً ما سوف يتحتّم عليّ أن أجوب كلّ أنحاء الهند حاملاً رسالة الله. ورغم هذا فإنّني واصلتُ محاولاتي لأجد عملاً لتدبير طعامي اليوميّ.

رجل بوليس في تورنتو

إستلمتُ خطاباً من مكان اسمه تورنتو وهي مدينة تبعد حوالي 2000 ميلاً شرق وينيبق. وقال مدير المصنع أنّني إذا ذهبت إلى هناك فأنّهم سوف يدرّبونني على العمل بالمصنع. وكم كنت مشتاقاً أن أتدرّب على الهندسة الزراعيّة. وعرضوا عليّ مركزاً في شركتهم. ولكنّني لم أكن أملك أيّ نقود في ذلك الوقت لأشتري تذكرة السفر إلى مكان بعيد هكذا. وركعتُ وصلّيت «يا ربّ إذا كنتَ تريدني أن أذهب إلى هناك فأرجوك أن تدبّر لي مصاريف السفر».

وفي صباح الأحد التالي ذهبت إلى أحد الإجتماعات الدينيّة القريبة. وبعد ما انتهت مدرسة الأحد تقدّم نحوي رجل طويل جدّاً اسمه مستر «فلين» وسلّم عليّ وقال: أخي، إنّك إذا أردت أن تذهب إلى تورنتو فإنّني مستعدّ أن أرسلك. ولم أكن قد أخبرته عن رغبتي. ثمّ سألني إذا كنت أقبل أن أشتغل كرجل بوليس في مدينة تورنتو، فلقد كان هو مدير البوليس في تورنتو، وكان في حاجة إلى رجلين للعمل في البوليس يذهبان بقطار خاصّ من ونيبق إلى تورنتو، وكان هذا هو تدبير الله لسفري. وأصبحت رجل بوليس لمدّة يومين. وأنا أعتقد أنّك وأنت تعمل عمل الربّ يجب أن تكون ساهراً ومستيقظاً كرجل البوليس. ولم أكن أعرف هذا في ذلك الوقت ولكنّ الله عرّفني. وكان الله يدرّبني وأنا أعمل كرجل بوليس. ولكي أذهب إلى تورنتو كنت في حاجة إلى مصاريف السفر لاتّجاه واحد ذهاباً. ولكنّ الربّ دبّر مصاريف السفر ذهاباً وإياباً. واستطعت أن أرى يد الله تقودني خطوة خطوة في تلك الاتّجاهات. وابتدأت أقابل أشخاصاً، هنا وهناك، كان الربّ يعدّهم لخدمتي. وهكذا وصلت إلى تورنتو. ومع أنّهم أعطوني عمل رجل البوليس، لكنّهم لم يعطوني لا أجراً ولا طعاماً.. أعطوني فقط تذكرة العودة. وتركوني هناك وسط مدينة كبيرة بدون نقود. كنت لا أزال أحتفظ من السنتيمات (الملّيمات)، فاشتريتُ بها علبة كاكاو صغيرة. وخلطتُ الكاكاو بالماء الساخن من حنفيّة الحمّام. وشربتُ السائل بدون سكّر صباحاً وظهراً ومساء وعشت عشرة أيّام على علبة الكاكاو، مع أنّني كنت أشتغل في الورشة وكنت أعود إلى البيت متعباً جدّاً. وعرفت أنّ لله قصداً خاصاً وأنّه كان يجهّزني لشيء معيّن لم أكن أعرفه في ذلك الوقت. ورغم كلّ هذا كانت تلك الأيّام من أسعد أيّامي. كان عليّ أن أمشي أميالاً كثيرة من الورشة وإليها، لأنّه لم تكن لديّ أجرة البص. وأنا الآن أنظر إلى الوراء بالشكر لله لأجل تلك التجارب لأنّ ربّي وسيّدي صار أقرب إليّ أكثر فأكثر.

حذاء جديد

وجاء الشتاء، والشتاء في كندا قارص، وما لم يكن لدى الشخص ملابس صوفيّة كافية فمن الصعب أن يشعر بالدفئ. وكنت أصلّي كلّ يوم صباحاً ومساء حتّى يحفظني الله دافئاً، حيث أنّه لم يكن لديّ نقود لأشتري فنلاّ صوف (سويتر) ولا كوفيّة ولا معطفاً. وكنت أجذب ركبتيّ إلى صدري كلّ ليلة حتّى أشعر بالدفء. وابتدأ الربّ يتكلّم إليّ في الساعات الأولى. ولا أذكر يوماً واحداً فيه دخلني الشكّ. وكنت أعلم أنّ للربّ قصداً سامياً أخفاه عنّي وهو يسمح لي بمقابلة تلك المشقّات.

وكنت مضطرّاً أن أمشي عدّة أميال وأنا أرتدي حذاء به فتحات كبيرة في نعله. وأنت تعلم أنّك عندما تخرج ونعل حذائك مقطّع فأنّك تتعرّض للإصابة بالبرد بسبب الثلج والمطر. لقد كان وجه الحذاء في حالة مقبولة نوعاً ما. ولكنّ النعل كان بالياً جدّاً.

وصلّيت إلى الله أن يعطيني حذاء جديداً. وفي ذلك اليوم كنت على موعد مع أحد الشبّان فما كان منّي إلاّ أنّني لمّعتُ حذائي القديم وذهبت لمقابلته في مكتبه. وفي أثناء الحديث الذي دار بيننا قاطعني الشابّ قائلاً: «هل تسمح لي أن أشتري لك حذاء جديداً؟ أرجوك أن لا ترفض. إنّ شخصاً أعطاني نقوداً لأشتري حذاء جديداً». وبهذه الكيفيّة أعطاني الله حذاء جديداً. وأخذتُ أفهم أنّ الربّ يتحدّث بالنيابة عنّي من أجل الأشياء البسيطة. ذلك لأنّني عزمت وصمّمت أن لا أشير بشيء إلى أنّني جوعان أو عطشان أو أنّني في احتياج إلى لباس. وكنت أقول في قلبي: «إن كان الربّ يسوع المسيح قد غسّلني من كلّ خطاياي، فلا بدّ أنّه يعطيني أيّ شيء وكلّ شيء بدون قلق وبدون همّ. وإذا كنتُ الآن أتألّم فذلك إنّما بقصد إلهي معروف لديه هو».

عملة غريبة

ومضى وقت.. وفي صباح أحد الأيّام شعرت بدافع قويّ بأن أكتب لأمّي. ولكن لم تكن لديّ نقود لأشتري ورق الخطاب أو الطوابع اللازمة وركعتُ وصلّيت: «يا ربّ، أنا أعتقد أنّ أمّي تفكّر فيّ وأنا أحبّ أن أكتب لها. ولكن ليس لديّ نقود لأشتري الورق أو الطوابع». وقمت واقفاً ووضعت يدي في جيبي وإذا بي أجد في أحد جيوبي عملة صغيرة. وإذ كنت أشكّ أنّ تلك العملة كافية لشراء الطوابع، ناديت طفلاً وطلبتُ منه أن يشتري لي الطوابع. وبعد قليل جاءت سيّدة تسألني لماذا أعطيت العملة للطفل. واعتذرت لها مبدياً أسفي لأنّ تلك العملة هي كلّ ما كان عندي من النقود. ثمّ قالت السيّدة إنّ تلك العملة ذهبيّة وإنّها لم ترها منذ عدّة سنوات. وذكرت السيّدة أيضاً أنّها رأت تلك العملة آخر مرّة في البنجاب منذ سنوات كثيرة. وبدأت أناقش إمكانيّة وجود عملة ذهبيّة في جيبي وقلتُ أنّها ولا بدّ عملة نحاسيّة وليست ذهبيّة. لكنّ السيّدة أكّدت إنّها كانت عملة من الذهب، ولقد كانت كذلك فعلاً. ولا أستطيع أن أقول لكم كيف وجدت العملة الذهبيّة في جيبي. وهكذا ملأ الربّ احتياجي في ذلك اليوم.

الصلاة كسرتِ الآلة

في أثناء تمريني في الزراعة كان عليّ أن أشتغل في مزارع كثيرة مختلفة وأن أحرث الحقول. وهكذا أخذني الربّ إلى أماكن كثيرة مختلفة. ففي كندا عندما ينضج المحصول يُحصَد بواسطة الآلات ويُربط حزماً صغيرة. وتنقل تلك الحزم بواسطة اللوري حيث تُدرَس بواسطة الآلات ثمّ تُنظَّف الحبوب من القشّ. وكنت أعمل مرّة في إحدى المزارع حيث مدّة الصيف قصيرة فكان الناس يعملون ويتعبون كثيراً لكي يتمّموا الحصاد قبل فوات الأوان.. كان العمل يبدأ حوالي الساعة الرابعة صباحاً ويستمرّ حتّى الساعة السابعة أو الثامنة مساء. ولم أكن قد عملت كثيراً هكذا من قبل، ولكنّني شعرت أنّه لا بدّ لي أن أحتفظ بعملي. وكان عملي هو أن أذهب إلى الحقل ومعي حصانان وأن أحضر كلّ الحزم، وهي كثيرة، وأن أملأ آلة الدراسة. وكان عليّ أن أمدّ المكينة بالحزم وهي تدور. وحدث في أحد الأيّام أنّني تعبتُ كثيراً. وكانت ساقاي وذراعاي تؤلمانني بشدّة وشعرت بأنّني منهوك القوى للغاية. وكان لا يزال باقياً أربع ساعات على نهاية الشغل اليوميّ.. بدأت أصلّي «يا ربّ! أتضرّع إليك أن تهبني القوّة على الاستمرار في العمل وإلاّ فاكسر الماكينة». وانكسرتِ الآلة فعلاً وحصل كلّ العمّال على إجازة لمدّة أربعة أيّام بينما كان المهندسون الميكانيكيّون يصلحون الماكينة. لكن أرجوك أيّها القارئ العزيز أن لا تصلّي هكذا كلّ يوم. وعندما تذهب إلى الورشة غداً، لا تطلب من الله أن يكسر الآلة.. توجد مناسبات خاصّة فيها يخلّصنا الله بطريق معجزيّة من الإحراج.

وعشتُ مع العمّال حوالي شهرين، وهم أناس تعوّدوا على كلّ الأعمال الشرّيرة كالتدخين والسكر والقمار وكلّ الرذائل الأخرى. وكان سبعة منّا يسكنون في غرفة صغيرة كانت مخزناً للغلال. وأُعطيَت لكلّ اثنين منّا فرشة صغيرة واحدة. وكان شريكي متعوّداً أن ينام بزاوية وبشكل ملتوي، وكان عليّ أن أنتقل إلى حافّة الفرشة. وكان لزاماً عليّ أن أصلّي قائلاً: يا ربّ! اعطني قليلاً من النوم. واستجاب الله صلاتي وأعطاني نوماً بالرغم من أنّ المرتبة كانت مملوءة من الفيران والقمل. وكنت أعلم أنّ الربّ يعدّني لعمل خاصّ في المستقبل. وبسبب هذا الإختبار فإنّني الآن عندما أخرج لعمل الإنجيل إلى أيّ مكان في القرى فإنّه لا يهمّني المكان الذي أنام فيه ولا كيف أنام. وكان الربّ دائماً يعطيني نعاساً، حتّى ولو كنت أنام على البلاط الحجري.

أبواب مفتوحة

وفي ذلك الوقت لم أكن أعلم أنّ الربّ كان يدعوني لخدمته. لأنّني كنت أفكّر أن أعمل وأكسب مالاً وفيراً وأن أعطي كلّ أموالي لله. وقال لي الربّ: «أنا لا أريد مالك، أنا أريدك أنت! أنا أريدك أنت!» وأنا أشكر الله لأنّني في الرابع من أبريل سنة 1932 في منتصف الساعة الثالثة صباحاً، سلّمتُ حياتي كلّها وبتمامها إلى الله لخدمته، قائلاً: «يا ربّ! أنا لا أعرف كيف تريد أن تستخدمني ولكنّني مستعدّ أن أخدمك. ويمكنك أن تأخذني إلى أيّ قطر وإلى أيّ مكان وسأذهب». وقال لي الله ثلاثة أشياء: أوّلاً: تنازل عن كلّ حقّ لك في أملاكك وأرضك في البنجاب ولا تشر بشيء قطّ ولا تحدّث أحداً قطّ عن إحتياجك. ثانياً: لا تنضمّ إلى أيّة إرساليّة أو جمعيّة أو طائفة. ثالثاً: لا تضع لنفسك أيّ برنامج للعمل. وقبلتُ تلك الشروط الثلاثة. ومنذ ذلك اليوم بدأ الربّ يفتح أمامي أبواباً للعمل في نفس تلك المدينة.

ومرّة واحدة في حياتي جهّزتُ بعض المذكّرات عن عظتي. فقد طُلِبَ منّي أن أذهب وأتكلّم في مدرسة ثانويّة. وافتكرت بأنّهم كطلبة ثانوي سيضحكون عليّ ويهزأون بي. فأخذت ورقة وقلماً وجهّزتُ بعض المذكّرات بكلّ دقّة، حوالي 12 صفحة. وذهبت واثقاً من أنّني سوف أقدّم رسالة طيّبة. وبدأتُ رسالتي بقراءة الصفحة الأولى ثمّ الثانية ثمّ الثالثة. وانتقلت من الصفحة الثالثة إلى الصفحة التاسعة، ولا أدري كيف حدث ذلك. واضطربتُ لدرجة أنّني لم أستطع أن أجد الصفحة الصحيحة. لذلك وضعت كلّ الأوراق في جيبي وبدأت أقدّم رسالة بسيطة. ومنذ ذلك اليوم لم أستخدم مذكّرات في وعظي. وبدأت أصلّي: «يا ربّ! فرّغني وابعد أفكاري وآرائي، وأعطني أفكارك وكلماتك». وفي المدارس والكلّيّات وفي الإجتماعات الأخرى علّمني الله ماذا أقول إذ كنت في كلّ مرّة أصلّي «يا ربّ! خذ منّي كلامي وأعطني كلامك». ولم يخيّب الربّ أملي ولا مرّة.

أفتكرَ أناس كثيرون أنّني مبشّر هنديّ مشهور جدّاً، وكانوا بسبب هذه الفكرة الخاطئة يدعونني للكلام. وعندما كنت أقبل الدعوة كانوا يأتون إليّ ويسألون: هل أنت باخت سنغ؟ وعندما كنتُ أردّ عليهم بالإيجاب كانوا يقولون: لقد كنّا نتصوّرك رجلاً طويلاً يرتدي ملابس طويلة فضفاضة. كان هذا تصوّرهم لكنّهم قلّما أدركوا أنّني لم أكن أعرف أن أنطق بكلمة واحدة.. كان يتحتّم عليّ أوّلاً أن أصلّي «يا ربّ! ألمس شفتيّ.. ألمس لساني.. أعطني أفكارك وكلامك». «ولم يخيّب الربّ رجائي أبداً».

إنّ فانكوفر ميناء بحريّة مشهورة. وكان لي امتياز وبهجة التبشير بالإنجيل هناك للزنوج واليابانيّين والصينيّين والطليان والهنغاريّين وغيرهم. ذلك لأنّ تلك الميناء كانت تجمع كلّ الأجناس من كلّ البلدان. ولم يكن هذا تدبيري أنا ولكنّه كان تدبير الربّ.

وبعد صلوات كثيرة قال لي الله: «أنا أريد منك أن تسافر إلى الهند يوم 6 من فبراير». وذهبت إلى مكتب البواخر وسألت إذا كانت هناك باخرة تغادر فانكوفر إلى الهند يوم 5 من فبراير. وأخبروني أنّه توجد باخرة تقوم يوم 6. وسجّل الشخص المسؤول اسمي، وقال لي أنّني أستطيع أن أدفع ثمن تذكرة السفر في نفس يوم السفر. وبعد ذلك أخبرتُ أصدقائي بأنّني عازم على السفر إلى الهند يوم 6 من فبراير. وبسرعة أعدّوا لي حفلة وداع يوم 4 من فبراير وقبل يوم الحفلة جاءوا وسألوا إذا كان لديّ نقود لأجرة السفر. وعندما سمعوا بأنّه ليس لديّ النقود وأنّني أعتقد أنّ الله لديه الكثير، قالوا لي أنّني لا أستطيع أن أسافر بهذه الطريقة وألغوا حفلة الوداع. وأخبرتهم أنّهم يستطيعون أن يلغوا الحفلة ولكنّني سأسافر. وتحدّثتُ إلى الربّ وكنتُ أعلم أنّه سوف يدبّر النقود اللازمة لتذكرة السفر في الوقت الذي يراه هو مناسباً. ولكنهم لم يصدقوني وألغوا الاجتماع. وبعد يومين وصلني أكثر مما أحتاج إليه لشراء التذكرة. وكما كشف لي الرب من قبل، سافرت فعلاً يوم 6 من فبراير. وأعطاني الله أوقاتاً سعيدة في فانكوفر ويوكوهاما وشنغهاي وهونج كونغ وسنغافوره ووجدت أن الله قد تقدمني إلى كل تلك المدن وجهز أصدقاء لي. ووجدت بحسب وعده المجيد،أنه يوجد أصدقاء في كل مكان. واختبرت صدق الكلمة القائلة «وَبِمَهَارَةِ يَدَيْهِ هَدَاهُمْ» (مزمور 78: 73).

بلا مأوى في بومباي

عندما وصلتُ بومباي يوم 6 من أبريل 1933 وعلمتُ أنّ والديّ لن يسمحا لي أن أرجع إلى البيت بسبب رفضي أن أحتفظ بإيماني سرّاً، بدأت عملي في بومباي. وضعتُ عفشي في ركن من الشارع وبدأت أوزّع نشرات في الطريق العامّ في أماكن عديدة من المدينة. واستغرق هذا العمل من الفجر حتّى منتصف الليل. وكان عندما يشعر أحدهم بلذّة أو يظهر اهتماماً بما يقرأه كان يقول لي «هل تسمح أن ندخل ذلك الفندق لنتحدّث معا؟» وكنّا نجلس ونتحدّث معاً. وكان يقدّم لي فنجاناً من الشاي. وكان ذلك الفنجان من الشاي في أغلب الأحيان هو فطوري وغدائي وعشائي أيضاً. واستمرّ الحال هكذا لمدّة سبعة أسابيع في بومباي بينما واظبت على التنقّل في شوارعها أوزّع النبذ وأتحدّث إلى الأفراد. وفي بعض الحالات الأخرى عندما كان يظهر أحدهم اشتياقاً إلى المزيد من المعرفة كنت أرافقه إلى أقرب مصباح للنور في الشارع وكنّا نتحدّث هناك إلى الساعة الثانية صباحاً. وبهذه الطريقة شرحت طريقة الخلاص من الكتاب المقدّس للهندوس وللمسلمين أثناء مرورهم بي. كان الشارع بيتي، وكان عامود النور هو مصباحي. وهناك كنت أصرف فرصة الاختلاء مع الله. ومع ذلك فلقد كانت تلك الأيّام من أسعد أيّامي. وأنا أشكر الله لأجل تلك الأيّام التي أصبح فيها الربّ أقرب إليّ وأعزّ إلى نفسي من أيّ وقت مضى.

وبعد بضعة أسابيع قلائل استلمت خطاباً من أختي في كراتشي تطلب منّي أن أصرف بضعة أيّام معها. وكانت قد سمعت من أبي أنّني قد رجعت إلى الهند، وأنّني كنت أبحث عن عمل في بومباي. ولم يكن أبي قد أخبرها أنّني أصبحت مسيحيّاً. وعندما وصلتُ إلى بيتها، وعرفَتْ أنّني صرتُ مسيحيّاً، ندمَتْ وتأسّفَت واعتبَرَت بأنّها لا تستطيع أن تبقيني في بيتها خوفاً من والد زوجها. واضطررت أن أترك بيتها، وأن أصرف أيّاماً في المنتزه العامّ.

وبدأت عملاً في كراتشي بأجر مقداره ستّ أنّات. وبهذا المبلغ اشتريت نسخة من البشائر، وبعتها واشتريت بالثمن بشائر أكثر. وبهذه الطريقة بقيت أشتري البشائر وأبيعها. وإذا قابلت شخصاً يريد أن يعرف المسيح كنت أرافقه إلى ظلّ شجرة وأخبره عن الربّ يسوع. وابتدأ الربّ يعمل عجائب.

ربح النفوس في كراتشي

بينما كنت أسير في السوق رأيت شابّاً يسير نحوي.. حاولتُ أن أوقفه ولكنّه لم يقف. وكلّما ألححت عليه بالوقوف زاد من سرعته في السير. وأخيراً قال لي «ماذا تريد؟» وأجبته قائلاً «أنا مسيحيّ والربّ قد خلّصني. أريد أن أخبرك كيف خلّصني الربّ». فقال لي «أنا لا أريد دينك. إنّني أكره الحياة وأنوي الانتحار بإلقاء نفسي في البحر». ورددتُ عليه بإلحاح قائلاً «ولماذا لا تنتظر إلى الغد؟ بضع ساعات أكثر أو أقلّ لا تعمل فرقاً» وقَبِل أقتراحي هذا، فأخذته إلى منتزه صغير حيث قرأت له بعض الآيات من الكتاب المقدّس. وأخبرني بعدها بأنّه يشعر بتحسّن وأنّه يستطيع الانتظار إلى الغد وأراد أن يعرف منّي إذا كان في استطاعتي أن أقابله في اليوم التالي. واتّفقنا أن نتقابل في نفس المنتزه في نفس المكان، وبعد ذلك يستطيع أن ينتحر. والذي حدث بعد ذلك أنّه قرّر أن لا ينتحر وينهي حياته ذلك لأنّه كان يرغب في معرفة المزيد عن الفرح السماويّ الذي كنت أحدّثه عنه. وبهذه الكيفيّة العجيبة إبتدأ الربّ يمنحني نفوساً.

وأذكر أنّه في الصباح الباكر في أحد الأيّام حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل كنت أشعر بتعب شديد. وسمعت صوتاً يقول «قم واذهب خارجاً». وأجبتُ بأنّني متعب جدّاً، وأنّ ساقيّ تؤلمانني، وأنّني أشعر بميل شديد إلى النعاس لكنّ الصوت جاءني ثانية قائلاً: «قم واخرج». وفي تذمّر كثير قمت من فراشي وارتديت معطفي الذي تمتلئ جيوبه بالنبذ من كلّ اللغات لأهالي تلك المدينة الدوليّة، كراتشي. وحالما خرجت وجدت شابّين أمامي. ناديت عليهما وطلبت إليهما أن يقفا لأنّ لديّ شيئاً أريد أن أخبرهما به. وعندما اقتربا منّي أخبرتهما كيف أنّني كنت على وشك النوم عندما ناداني صوت الله وأمرني بالخروج. وأخبرتهما كيف أشعر أنّ الله أرسلني إليهما وقال الشابّان لا بدّ وأن يكون الصوت هو صوت الله بالفعل لأنّ الساعة غير مناسبة للخروج. وتضرّعا إليّ أن أقدّم لهما رسالة الله. وفتحت كتابي المقدّس وقرأت بعض الآيات، وحكيت لهما كيف تجدّدت، مقدّماً شهادتي الشخصيّة. وقال أحدهما واسمه كول كارني «أنا أعلم أنّ الله أرسلك من أجل خاطري أنا. لقد كنت تعساً وحزيناً وكنت أشتاق للحصول على الكتاب المقدّس. فهل في إمكانك أن تعطيني نسخة من الكتاب المقدّس؟» واشترى منّي الكتاب المقدّس وآمن بالربّ يسوع المسيح. وكم كان سروري عظيماً أن أجد تلك النفوس الباحثة عن الله في الهند!

سفريّات في الهند

وعن طريق الصلاة وجدتُ مرّة أخرى أنّه يجب عليّ أن أذهب إلى قرية صغيرة تبعد حوالي 155 ميلاً عن كراتشي. وطلبت من صديق لي أن يرافقني إلى تلك القرية.. وهكذا سافرنا. وكانت لغة تلك المقاطعة «السندهي» وكنت أعرف بعض الكلمات القليلة الدارجة من تلك اللغة. وخطر ببالي أنّه يوجد كثيرون من المسلمين الذين كانوا يعرفون اللغتين «السندهي» «والأردو»، وربّما أستطيع أن أجد شخصاً مستعدّاً أن يترجم لي. وبمجرّد وصولي إلى القرية سألت عن شخص يعرف اللغتَين. وعلمنا أنّه يوجد شخص مسلم يعرف اللغتَين. وعندما سألنا عن مكان إقامته عرفنا أنّه كان قد مات في الليلة السابقة.

وسألنا الله ماذا نفعل. وذهبنا معاً إلى شاطئ النهر وصلّينا لمدّة حوالي ساعتين. وامتلأت ملابسنا بالرمال. وقال لي الله «أنا أريدك أن تذهب وتتكلّم بالسندهي» وقلت «وكيف أتكلّم (السندهي)، يا ربّ؟ أنّني أعرف فقط كلمات قليلة». ولكنّ الله قال لي «اذهب وتكلّم» وذهبنا إلى داخل القرية وجمعنا عدداً قليلاً من الناس. وقلت لهم أنّني آسف لأنّني لا أعرف التحدّث بلغتهم بطلاقة. ولكنّني استطعت أن أتكلّم وأن أفكّر، ولا أعرف كيف كان ذلك. وكنّا كلّ الوقت نرى بكلّ وضوح يد الله الماهرة تقودنا وتتقدّمنا.

وفي الصباح التالي جاءني صوت يقول: «اعبر النهر واذهب إلى قرية بانو». وعبرنا النهر في قارب. وفي وقت الغروب وصلنا إلى القرية الصغيرة. وذهبنا إلى وسط القرية. حيث قمنا نحن الاثنين ببيع أجزاء الإنجيل في مكانين مختلفين وجاء إلينا شخص مسلم وخاطبنا بلهجة حازمة. ففهمنا أنّه غضبان جدّاً. سألنا «لماذا حضرتما إلى هذه القرية؟ أنتم المسيحيّين لا تقدرون أن تبشّروا بالسماء هنا». وأخبرناه أنّنا لم نذهب إلى هناك من أنفسنا، وإنّنا قد أُرسِلنا من الله. سمعنا صوت الله وأطعناه وأتينا لنقدّم رسالة الله. لم نكن مبشِّرين ولكنّنا فقط حملنا رسالة الله. وسألنا الرجل عن المكان الذي ننزل فيه. وأخبرناه بأنّنا سننتظر حيثما كنّا واقفين. وسألنا عن طعامنا. وأخبرناه بأنّنا لا نعرف شيئاً. وبعد ذلك طلب منّا أن ننزل في منزله. وقال أنّه سيدعو الناس ليسمعوا رسالة الله. وعرض علينا أن يقوم بترجمة الرسالة. وظننت أنّ الرجل يحاول أن يوقع بنا، ولذلك صلّينا. وأخبرنا الله أن لا نخاف وأن نذهب مع الرجل. وكان في بيته حوش كبير. وبعد أن قدّم لنا الطعام، أخرج مقاعد في الساحة وأرسل خدّامه ليدعوا القرويّين. وقام كبير القرية بترجمة الرسالة.

وبعد أن أنتهيت من الصلاة الختاميّة، ورجع كلّ الناس غلى بيوتهم، جاء رجل بوليس مسلم وقال «هل أستطيع أن أتحدّث غليك سرّاً؟» كنت أنتظر لمدّة تزيد عن خمس سنوات أن يأتي شخص ما ويشرح لي عن الربّ يسوع المسيح. لقد أعطاني أحدهم غنجيل لوقا الذي قرأتُهُ مرّات عديدة، ولكنّني لم أستطع أن أفهمه. وكم أنا شاكر لأنك أتيت إلى قريتنا. واستمرّ ذلك الرجل جالساً ومصغياً إلى كلّ كلمة طول الليل. وبعد ذلك اشترى نسخة كاملة من الكتاب المقدّس بلغة الأردو.

ينابيع ماء في الصحراء

سافرنا إلى قرى كثيرة في صحراء السند القاحلة حيث لم يذهب أحد قطّ للتبشير بالإنجيل. وكم كنّا فرحين أن نسافر في تلك الطريق الضيّقة وأن نزور تلك القرى الصغيرة بالرغم من أنّه كان علينا أن نواجه ونختبر كلّ أنواع المتاعب والصعوبات. وبعد أن مشينا ثلاثين ميلاً بعيداً عن «بانو» دخلنا واحدة من تلك القرى الصغيرة. وإذ كنّا نشعر بالجوع الشديد ذهبنا مباشرة إلى سوق القرية. ولكنّ جميع التجّار رفضوا أن يبيعوننا أيّ كمّيّة من الرزّ أو القمح بأيّ ثمن. وبعد جهد كبير استطعنا أن نحصل على قليل من دقيق الرزّ الأحمر وصنعناه رغيفين كبيرَين، ولكن لم يكن لدينا شيء من الأدام. وعندما طلبنا من صاحب المتجر أداماً باعنا قليلاً من الشحم الذي كان مختلطاً بكثير من الرمل والحصى والذي يُقدَّم عادة للحمير والجمال. وأعطانا ذلك بغرض امتحاننا. وبهذه الأكلة سرنا عشرة أميال أخرى. وبالرغم من رداءة نوع الدقيق والشحم فإنّنا تلذّذنا بكلّ قطعة من الأكل لأنّنا كنّا جوعانين جدّاً.

وأتينا إلى القرية ثانية وصلّينا «يا ربّ! إذا كان هنا شخص مسيحيّ فارشدنا إليه». وتقدّم بعد ذلك صبيّ صغير إلينا وتطوّع أن يقودنا إلى منزل شخص مسيحيّ. وتقابلنا مع الرجل المسيحيّ وقدّم لنا طعاماً. وأخبرناه أنّ الله قد أرسلنا إلى هناك لنقدّم الإنجيل. ورافقنا الرجل المسيحيّ. وأمام معبد للهندوس عقدنا اجتماعاً، بالرغم من أنّنا كنّا قد مشينا أكثر من ثلاثين ميلاً وكنّا مثقلين جدّاً. وبعد الصلاة قدّمنا رسالة الله. ولا نعرف كم نسخة من الكتاب المقدّس بيعت في ذلك اليوم لأنّ الناس جاءوا بأعداد كبيرة لشرائها. وأرجو أن تتذكّروا أنّ كلّ تلك الترتيبات كانت تجرى لنا نتيجة الصلاة، يوماً فيوماً. ومن ذلك المكان أرسلنا الربّ بواسطة الصلاة أيضاً إلى قرية أخرى اسمها جويشاي. وكانت قرية صغيرة جدّاً يسكنها رجال يعملون في قطع الأحجار. وفي إحدى الليالي عرف عدد كبير من الناس المسيح إذ كان قد اجتذبهم إليه.

وفتح الله أبواباً كثيرة في السند، فزرنا المديريّات واحدة فواحدة. والسند هي من أكثر البلاد الهنديّة عطشاً إلى العمل التبشيريّ. ولمدّة سبعين سنة لم يكن هناك عمل تبشيريّ. وتخلّص عشرون فقط من أهلها، وبعضهم رجع إلى دينه القديم. وهكذا قادني الله بمهارة يده الإلهيّة إلى تلك المناطق المقفرة. وصرفنا ساعات بعد ساعات نمشي في شوارع كراتشي وحيدر أباد والمدن الأخرى في السند. وكنتُ أعلم أنّ الله يجهّزني ويعلّمني بواسطة تلك الشدائد. ولقد أصبحت تلك الاختبارات موضوع فرحي ولذّتي بعد ذلك.

وأتينا إلى «تشيكاربال». وفي الصباح الباكر في أحد الأيّام سمعتُ صوتاً يخبرني بأن أرسل شخصاً ما إلى مكان مجاور اسمه «جاكباكار» وهي مدينة صغيرة على الطريق من «كويتا» إلى شمال الهند. أخبرني الربّ أن أرسل شخصاً ما ومعه نسخة من الكتاب المقدَّس بلغة الأردو. وجمعت أصدقائي وأخبرتهم أن يذهبوا إلى القرية وأن يأخذوا معهم نسخاً من الكتاب المقدَّس بالأردو. وقال أصدقائي أنّ القرية من السند وأنّهم يشكّون إذا كان هناك أيّ شخص يعرف اللغة الأرديّة. وقلتُ لهم لا أعرف ولكن هذه هي رغبة الربّ. وفي ذلك الصباح ساروا إلى تلك القرية وأخذوا معهم صندوقاً صغيراً من الكتب. وتركوا صندوق الكتب في مكان ما وكانوا يمشون في السوق يبيعون البشائر. وما أن ساروا مسافة قصيرة حتّى تقدّم منهم شابّ اسمه محمّد حسين، وطلب منهم نسخة من الكتاب المقدّس بالأردو. وأخبروه أنّ لديهم نسخة في الصندوق الموجود في مكان آخر وإذا كان يستطيع الانتظار فإنّهم سوف يحضرونها له. وسأل عن الثمن ودفعه وأخذهم إلى فندق وأضافهم مقدّماً لهم الكيك والشاي تعبيراً عن شكره لهم. وجاء إليّ نفس الشخص بعد ذلك وأخبرني أنّه تاجر سجّاد وكان في زيارة للسند لأغراض تجاريّة. وكان الرجل يشتاق للحصول على الكتاب المقدَّس بلغة الأردو منذ سنوات. وصار مسروراً جدّاً لمّا أُتيحت له الفرصة للحصول عليه. وجاء ليشكرني ومكث يومين وعرف الربّ يسوع المسيح واعتمد في مدينة «الله أباد» بعد ذلك. إنّ الله يهدي بيده الماهرة. ولا تفتكر أنّ الله يرضى أن يتركك لوحدك، بل أنّه يهديك يوماً فيوماً. لقد جرّبناه بطرق كثيرة.

زلزال كويتا

حدث في شهر أبريل عام 1935 أن ذهبت إلى «كويتا». وصلتني دعوات كثيرة من هناك ومن أنحاء كثيرة من الهند. وقرّرتُ ألاّ أذهب إلى «كويتا» لأنّني كنت هناك سنة 1934 وأقمنا مدّة 19 يوماً في حملة تبشيريّة. ولكنّ الربّ أظهر لي أنّه يريدني أن أذهب إلى «كويتا». لذلك أطعت صوته وذهبت. وبدأت الحملة يوم 4 من مايو وحدثت زلزلة في الساعة الثالثة صباحاً يوم 31 من مايو. وقُتِل 58000 شخصاً في ثوانٍ قليلة. وحضر الاجتماع في ليلة الزلزال عدد كبير من الناس. وأعلنتُ للناس في عظتي، أنّ الله يطلب منهم أن يأتوا إليه. وطلبتُ من الذين يرغبون في الخلاص والتجديد أن يتأخّروا بعد الانصراف للصلاة. وصلّى 58 شخصاً في تلك الليلة، واحد بعد الآخَر، باقتناع عميق كبير، تائبين طالبين من الله أن يغفر لهم خطاياهم.

وفي الساعة 12 ونصف كنت في خيمتي وكنتُ أشعر بتعب شديد وبإرهاق.. لكنّني لم أستطع أن أنعس. وطلب منّي الربّ أن أصلّي من أجل الذين ذهبوا دون أن ينالوا الخلاص. وهكذا ركعتُ مرّة ثانية وبدأتُ أصلّي قائلاً «يا ربّ! لعلّك تهزّهم وتوقظهم.. حرّكهم حتّى يسجدوا لك. أولئك الذين لا زالوا في خطيّتهم أيقظهم وحرّكهم». وفي حوالي الساعة الثالثة صباحاً أقتنعتُ بأنّ الله استجاب صلاتي وشعرتُ بسلام. وحدثت الزلزلة في الساعة الثالثة. حدثت كما لو كان هناك شخص قد دخل تحت الأرض وهزّ كلّ المكان هزّاً عنيفاً. ولم أكن أفتكر أنّ الذي حدث زلزلة.. ظننتُ أنّ الربّ استجاب صلاتي وأنّه كان يهزّ الناس. وصديقي الساكن جواري مباشرة طُرح بعيداً عن فراشه. وكان الناس رجالاً وسيّدات يصرخون ويبكون. وظللت على ركبتيّ. وبعد نصف ساعة جاء إليّ صديقي وأنا في خيمتي وقال لي: «حدثت زلزلة عظيمة مريعة.. تشقّقت حوائط بيت جارنا.. وكلّ شيء سقط من مكانه». لكنّ شيئاً ما لم يحدث في خيمتي. وطلبت من صديقي أن يشترك معي في الصلاة. وظللنا نصلّي حتّى الساعة الخامسة صباحاً، مخبرين الربّ أنّنا لم نكن نعرف ماذا حدث، وكنّا نطلب من الربّ أن يخلّص النفوس التي ترغب في الخلاص.

وخرجنا لنرى الخسائر التي حدثت. لقد سقطت كلّ الأبنية الطينيّة والحجريّة وأصبحت أكواماً. وكان محزناً ومؤلماً أن نرى أشخاصاً معلَّقين ورؤوسهم مدلاّة إلى أسفل.. وآخرين أرجلهم أو أذرعهم مبتورة. حدث كلّ هذا في ظرف 18 ثانية فقط. وكانت نسبة الوفيّات بين غير المسيحيّين 95 في المائة، وكانت بين المسيحيّين 8 في المائة فقط. وذهبت أنا بنفسي وعملت إحصائيّات. ووجدتُ أنّ من جميع الذين حضروا اجتماعاتنا مات إثنان فقط، وأنّ الذين حضروا لم يُصَب أحد منهم بكسر في عظامه. أمّا الآخَرون فكثيرون منهم كُسِرت أرجلهم أو أذرعهم أو ظهورهم. وهكذا يحفظ الربّ أولاده دائماً.

وكان علينا أن ننتظر هناك نحو أسبوعين متنقّلين هنا وهناك نوزّع أجزاء الكتاب المقدّس ونقوم بعمليّات الانقاذ. والذين نجوا من الموت كان عليهم أن يعيشوا في مخازن غلال قذرة ولم يكن لهم ما يأكلونه ولا ما يلبسونه. ولم تكن هناك متاجر. وكانوا يستعملون بطّانيّات قديمة كغطاء لأولادهم. والبعض لم يكن لديهم أيّ شيء. وصلّيت قائلاً «يا ربّ هل تعطينا أربع أو خمس بطّانيّات من أجل هؤلاء الأطفال المساكين؟» وفي الصباح التالي قابلت رجلاً اسمه مستر «ايفان» فسألني إذا كنت في حاجة إلى بطاطين فإنّه يستطيع أن يساعدني للحصول على بعضها. وأفهمني أنّ بعض الرجال العسكريّين كانوا قد أرسلوا إليه بعض البطاطين الجديدة، وأنّنا نستطيع أن نأخذ منها قدر ما نحتاج. وأحضرت 72 بطّانيّة جديدة بورقتها. لقد طلبت أربعاً أو خمساً ولكنّ الله أعطاني 72 بطّانيّة صوف.

في مساء أحد الأيّام رأيت امرأة وطفلها وكان الطفل يبكي بحرقة ومرارة شديدة. وأخبرتني المرأة أنّ الطفل يطلب لبناً. لكنّ الوقت كان متأخّراً فلم نتمكّن من الحصول على شيء من اللبن لأنّ المحلاّت التجاريّة كانت قد أُغلِقت. وصلّيتُ قائلاً: «يا ربّ! هذا الطفل يحتاج إلى اللبن.. أرجوك أن تخبرني أين أذهب لأحضر له اللبن». وقال لي الربّ: «اذهب في هذا الاتّجاه». وذهبت في ذلك الاتّجاه وقابلت رجلاً اسمه دكتور «أوليفر» فسألني إذا كنت في حاجة إلى بعض اللبن فإنّه توجد كمّيّة كبيرة منه في المستشفى. لقد سألت الربّ أن يعطيني فنجاناً فأعطاني جالوناً من اللبن. وفي صباح اليوم التالي جاءت إليّ سيّدة تبكي وقالت لي بأنّها جوعانة جدّاً، وأنّه لم يكن لديها شيء تأكله، وطلبت منّي بعض الطعام. وقلتُ لها أنّ الربّ يستطيع أن يملأ احتياجها. وصلّيت وطلبت من الله طعاماً للمرأة وليس لنفسي. وأخبرني الربّ أن أذهب في اتّجاه معيّن، ففعلت، وإذا بي أجد خيمة حيث أمكنني أن آخذ قدر ما أستطيع من الطعام. وهكذا سدّ الله احتياج المرأة.

قابلتني سيّدة ومعها ابنتها الصغيرة وطلبتْ منّي ملابس وحذاء لابنتها. وصلّيت وطلبت من الله أن يقدّم للسيّدة ما تحتاج إليه. وقال لي الربّ أن أعبر شريط السكّة الحديد، ففعلت. وهناك قابلني أحد الأشخاص وقدّم لي طرداً قائلاً: «لقد أعطيت هذا الطرد الذي يحوي ملابس أطفال فهل أنت في حاجة إلى شيء منها؟» وقبلتُ الطرد بفرح وأعطيته للسيّدة التي فتحته ووجدت الملابس والحذاء بمقاس أبنتها. وبهذا عرفتُ مرّة أخرى أنّ الله يهتمّ بي ويعتني بي.

الله لن يتركك

وفي استطاعتي أن أستمرّ في التحدّث عن كيف قادني الربّ بيده القويّة الماهرة، يوماً بعد يوم، وأسبوعاً بعد أسبوع وشهراً بعد شهر. إنّ المسيح هو هو نفسه اليوم. لا تدع العدوّ يضعف من همّتك. إنّ الذي خلّصك هو مخلّص حيّ. وإذا كان قد غفر خطاياك فهو لن يتركك. ومع أنّك قد تضطرّ أن تعيش لفترة ما في الفقر أو في المرض، أو في تجارب ومصاعب، ولكنّ هذا يحدث بترتيب إلهيّ. دع يده المقتدرة أن تهديك وتقودك. إنّه لن يتركك. إنّه سوف يطعمك من المنّ السماويّ.. سوف يملأ كلّ احتياجاتك ويمنحك النصرة على كلّ تجربة. لكن يجب أن تكون أميناً له. ولا تخجل أبداً أن تعترف بأنّ الربّ هو مخلّصك. اخبر أصدقاءك وجيرانك وكلّ شخص حولك عن المخلّص العجيب. ابدأ يومك على ركبتَيك مع الكتاب المقدَّس. واختم اليوم أيضاً مع الكتاب المقدّس. وفي أثناء ساعات النهار اصرف بعض الوقت في الصلاة وقراءة الكتاب المقدّس. اقرأ الكتاب بانتظام.. بالصلاة العميقة.. بكلّ إيمان.. على مهل. وطالب بالمواعيد التي يقدّمها لك الله في فصول الكتاب التي تقرأها في كلّ يوم. وبهذا تجد أنّ الربّ يعلّمك يوماً بعد يوم.

إنّ الله سوف يساعدك يوماً بعد يوم في كلّ تجاربك وسوف تختبر أمانته. ولا تسمح قطّ لأيّ شكّ أو خوف أن يدخل إلى قلبك. أنّ محبّة الربّ يسوع المسيح لا يمكن أن تتغيّر. اتبعه، وأطِعه وثِق به، وهو يهديك بيديه القويّتَين الماهرتَين. اشرك كلّ شخص معك في أفراحك وافعل ما يأمرك به الربّ. لا تحسب النفقة، ولكن تقدّم وافعل وسوف تجد فرحاً في الطاعة. هذا هو السرّ الوحيد أطع الله في كلّ ما يقوله لك، وفي أيّ وقت يكلّمك، ودون أن تحسب النفقة. قل: «يا ربّ! لقد تكلّمتُ وأنا أطيع، فأنا أعلم أنّك معي، وتقودني وتهديني. يا ربّ قدني في أمان». إنّ هذا هو السرّ الوحيد. ليت الربّ يسوع يقودكم جميعاً، آمين. أنّ الله يريد أن تخضعوا له. وهو يريد أن يخلّص نفوساً كثيرة بواسطتكم. كونوا أمناء له. لقد عمل الكثير لأجلكم أكثر من آبائكم وأمّهاتكم وإخوتكم وأخواتكم وزوجاتكم وأزواجكم ورعاتكم وشيوخكم وأكثر من أيّ شخص آخر. اعطِهِ المكان الأوّل وأطعه وستجد أنّ فرحك يتضاعف، وسلامك يتزايد، ومشاكلك تُحلّ، وسوف تجد أنّ كلّ شيء يتغيّر لتمجيد الله. ليت الربّ أن يتمّم لك هذا.


Call of Hope P.O.Box 10 08 27
D-70007
Stuttgart
Germany