العودة الى الصفحة السابقة
مجلة لقاء الشبيبة

مجلة لقاء الشبيبة

الجسر القوي


يحتاج أغلبية الناس في معاملاتهم اليومية إلى وساطة. وكم من مرة نسمع أن دولة ما تتوسط بين دولتين متنازعتين. إن الإنسان يعيش على خلاف مع الله، لأنه بخطيته قد انفصل عن خالقه، وكنتيجة لذلك الانفصال صارت هوة عظيمة بين الله والإنسان.

ومنذ القديم حاول الإنسان بناء جسر فوق هذه الهوة العظيمة. وحاول البعض أن يتوسطوا، ولكن وساطتهم لم تنجح، ولم يثبت جسرهم. ولكن الكتاب المقدس يعلن بصراحة أنه «يُوجَدُ إِلٰهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ ٱللّٰهِ وَٱلنَّاسِ: ٱلإِنْسَانُ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ» (1تيموثاوس 2: 5). وهذا يعني أن كل الوسطاء الذين جاءوا قبل المسيح وبعده هم أنفسهم يحتاجون إلى هذا الوسيط الوحيد الذي يوصل الإنسان بالله.

هل عرفت الله؟

إن سألنا العلماء من هو الله؟ فهم يجاوبوننا بأنه ليس إلا تعبيراً عن كل شيء نصادفه في الحياة وفي الطبيعة. أما بعض الفلاسفة فيعتبرون الله القوة الأصلية والمحرك الأول حافظ العوالم في حركة دائمة. ويقول آخرون إن الله هو الكائن المطلق، ولكننا لا نستطيع أن نعرف عنه أكثر من ذلك. ونحن نتساءل أي فريق من هؤلاء على صواب؟ ومن منهم يجدر أن نثق فيه.

إن الكتاب المقدس هو المصدر الأمين الذي يمكننا أن نحصل منه على الجواب الصحيح، لنعرف الله، حيث أعلن عن نفسه بطرق مختلقة وعبارات قوية نذكر منها أربعة كأدلة قوية:

الله روح

نقرأ في الإنجيل قول المسيح: «ٱللّٰهُ رُوحٌ. وَٱلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِٱلرُّوحِ وَٱلْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا» (يوحنا 4: 24).وعندما نقرأ كلمة «روح» نحاول أن نرسم في أذهاننا صورة أو معنى يخضع لمقياس عقولنا القاصرة وهذه المحاولة تشبه محاولة إدراك المحيط عن شخص لم ير البحر في حياته بالمرة. فكيف يمكننا أن ندرك المحيط وعظمته؟ وكيف نتخيل جبروت المحيط بأمواجه؟.

فالأمر بالغ الصعوبة عندما نحاول إدراك قول المسيح «الله روح». لأنه بذلك لا يحد بحدود الجسد، وهو لا يتغير ويستطيع أن يكون في كل مكان في آن واحد. فالله يسمع ويرى ويعرف كل شيء. وهو لا يعرفك معرفة مجردة بل يعرف كل أسرارك وأفكارك.

الله شخص

نقرأ في الكتاب المقدس هذه العبارات: الله يقول - الله يحب - الله يسمع - الله يفعل. وغيرها من العبارات التي تُنسب إلى أي شخص بشري. فهو يشعر ويفكر ويرغب ويريد ويتكلم عن نفسه قائلاً: «أنا هو». فالله شخص له ذات، وهو يأمرنا أن نحفظ وصاياه ونعمل بها، و نحن جميعاً مسؤولون أمامه.

الله قدوس

فلا يستطيع نجس أن يقترب من حضرته، وهو طاهر في ذاته. الله نور وليس فيه ظلمة، ولا يتطرق إليه لوم أو نقص. ويصعب علينا أن نفهم قداسة الله إذا كنا نعيش في الخطايا والذنوب التي تفصلنا عنه. فإشعياء النبي يقول: «آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلهِكُمْ»(إشعياء 59: 2) وكل من أبصر أشاعة من مجدالله سقط كميت على الأرض لأنه في قداسته تظهر عيوبنا وكياننا الفاسد.

هل شعرت بخطاياك؟

إن الخطية تعني حسب الأصل اللغوي «القصور» أي عدم بلوغ الهدف وإصابته بسبب الانحراف. هكذا نقرأ في الكتاب المقدس «ٱلْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ ٱللّٰهِ» (رومية 3: 23). والخطية هي التعدي على شريعة الله لأن، «كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ ٱلْخَطِيَّةَ يَفْعَلُ ٱلتَّعَدِّيَ أَيْضاً. وَٱلْخَطِيَّةُ هِيَ ٱلتَّعَدِّي» (1يوحنا 3: 4). وذنوبنا صادرة عن التمرد والعصيان ضد أوامر الله وأحكامه. وهذه الأوصاف تساعدنا على إدراك حالة قلوبنا، فليس أحد بار في ذاته بل كل إنسان خاطئ نجس مذنب أمام الله العادل.

من منا لم يخطئ أكثر من مرة في كل يوم؟ ألم تخطئ أنت؟

والكتاب المقدس يقول: «مَنْ يَعْرِفُ أَنْ يَعْمَلَ حَسَناً وَلَا يَعْمَلُ، فَذٰلِكَ خَطِيَّةٌ لَهُ» (يعقوب 4: 17) وأيضاً «أَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ» (تكوين 6: 5 و8: 21). وهذا يوضح لنا أننا نخطئ مراراً عديدة في كل يوم، ونعيش في عالم مشحون بالإثم المنتشر في كل مكان، وقد صنعنا لأنفسنا أصناماً نعبدها، ونحيا حياة الأنانية والطمع مقيدين بشهواتنا. لقد غرق الإنسان في الفساد غرقاً وضمائرنا تشهد علينا. فلماذا يصبر الله علينا؟ ولماذا لا يهلكنا ويبيد العالم كله مرة واحدة؟

هل عرفت أن الله محبة؟

لقد أعلن لنا المسيح ذلك السر العظيم وهو أن الله يحب الخاطئ أكثر مما يحب الأب ابنه الذي ضل عنه. فلا حدود ولا نهاية لمحبة الله. الخالق العظيم يحبك أنت شخصياً أيها الإنسان الشقي.

ولكن محبة الله لا تعني أن العقاب يزول تلقائياً، لأن قداسة الله وعدله يتطلب الحكم على كل خطية مهما كانت كبيرة أو صغيرة. والكتاب المقدس يقول: «بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لَا تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ» (عبرانيين 9: 22). لذلك فجميع الناس مدانون ومحكوم عليهم بالموت والهلاك.

الوسيط

إن الله في محبته الأزلية لم يرد موت الخاطئ بل أن يتوب ويترك خطاياه. لذلك صنع لنا خلاصاً وعين لنا بديلاً ألا وهو المسيح الذي وُلد من الروح القدس آتياً إلى عالمنا ليصالحنا مع الله. فإن أردت إدراك عمق محبة الله فادرس وأقبل موت المسيح النيابي عنك لأنه هو الشخص الوحيد الذي استطاع أن يجمع بين محبة الله وبين متطلبات قداسته الأزلية.

لقد حمل خطايانا وهو مشفق علينا، واحتمل مرارة العقاب عنا، معلقاً بالمسامير على الصليب، ومات حقاً على خشبة العار لأجل الفجار، «لِأَنَّهُ هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلْأَبَدِيَّةُ» (يوحنا 3: 16). فالصليب هو الجسر القوي بين الله والناس، والمصلوب يوصلنا إلى القدوس مباشرة.

إن الجميع في حاجة إلى خلاص الله في المسيح، لأن الجميع أخطأوا. فالسيد والعبد، الذكر و الأنثى، المتعلم والجاهل، الغني والفقير، الكل في حاجة ماسة إلى الوسيط الوحيد. فهل تقول مع الرسول بولس: «صَادِقَةٌ هِيَ ٱلْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُولٍ: أَنَّ ٱلْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ ٱلْخُطَاةَ ٱلَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا» (1تيموثاوس 1: 15).

أخي القارئ إني أنا خاطئ. وأنت كذلك. لكن المسيح قد غسل خطاياي بدمه الثمين، وصالحني مع الله القدوس. فهل تقبل أنت أيضاً غفران ذنوبك من يده؟ آمن بالوسيط الوحيد واشكر الله لأجل خلاصه الثمين.