العودة الى الصفحة السابقة
مجلة لقاء الشبيبة

مجلة لقاء الشبيبة

أشرق عليّ نور الإنجيل


ران الصمت وشمل البيت سكون مهيب، إذ كان الكل قد نام. وكنت ممداً في فراشي وقد أطفأت النور وإن لم أنم بعد، وفجأة سمعت صوتاً يقرأ:

«فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضاً رَحِيمٌ. وَلاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ» (لوقا 6: 36 و37).

كانت كلمات حيّة تخاطب روحي وتسمو بها نحو العلاء، مزيلة عني ثوب البشرية المدنّس بالخطايا لتطهرني حتى أتقبل كلمة الله.

نهضت من فراشي برفق أتابع مصدر الصوت فإذا به صادر من غرفة أختي. فتحت الباب، كانت أختي جالسة في فراشها، وقد أمسكت بيدها كتاباً تقرأه، وعبراتها تتلألأ على خدها. ولما أحست بي فوجئت وتملكها خوف ورهبة ووضعت الكتاب تحت وسادتها محاولة أخفاءه عني فقلت لها:

أرجوك أن تعطيه لي.

فأجابت: كلا لن أعطيه لك.

سألتها: ولم؟

فقالت: لئلا تمزقه.

فكانت إجابتي: أقسم لك ألا أمزقه فاعطني إياه.

أعطتني إياه، كان كتيباً صغير الحجم عديد الصفحات. ذا ورق شفاف كُتب عليه «العهد الجديد». وكانت هي تقرأ الأصحاح السادس من إنجيل لوقا. رجوتها أن تمنحني إياه لأقرأه فقبلت.

وقضيت ليلتي ساهراً ألتهم صفحات الكتاب وكلما قرأته أشرقت روحي بنور ربنا وازداد حب المسيح في قلبي وازددت رغبة في التعرف عليه وسلمته نفسي.

ومنذ تلك الليلة، أخذت على عاتقي مهمة هداية أبناء وطني، وإرشادهم إلى طريق الخلاص، لتكون لهم الحياة الأبدية.

لقد عمدت إلى الاتصال بجماعة من أصدقائي وتحدثت إليهم في موضوع الروحيات، وبعد المناقشة في الإيمان ومعرفة الرب وخلود الروح، اقتنصت الفرصة لكي أبرهن لهم أن ليس في دراسة الإنجيل أي ضرر أو خروج عن جادة الإيمان. أليس الدين أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله؟ إذن فدراستنا للكتاب المقدس وللمسيح لا تكفرنا. بل بالعكس تثبت إيماننا في الله. فوافقوا معي، وتدريجياً بدأنا ندرس ونتفقه إلى أن أنست منهم ميلاً إلى الروحيات، فقرأت عليهم أول آية من إنجيل يوحنا. وقد اخترت هذا الإنجيل لأنه كان أقرب إلى نفسي من بقية الأناجيل: «فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ، وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللّٰهِ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللّٰهَ» (يوحنا 1: 1).

ثم تابعت القراءة وكنت كلما تقدمت فيها، يزدادون تلهفاً واهتماماً. فلا نأمة ولا حركة، وإنما سكون شامل، تشقه كلمات الرب في روعة وجلال حتى خيّل إليّ أنني أسمع حفيف الملائكة، أو أكاد أرى وجه المسيح.

الأرض الطيبة، تخرج نباتها بإذن ربها، وهكذا كانوا أرضاً طيبة، ما أن ألقيت فيها البذرة الأولى حتى نبتت وأينعت وأثمرت. أي أنهم قبلوا كلمة الرب بفرح وحماس. وما لبثوا أن صرحوا لي بإيمانهم، وأذاعوا الكلمة بين أقربائهم وأصدقائهم. وقد عملت كلمة الرب فيهم. فنقت قلوبهم من الأدران والإثم.

لقد اعترضتني عدة مشاكل في البداية. فاتُهمت بالخروج على الدين. ورُميت بشتائم أخجل من ذكرها. غير انني لم أجعل تلك العقبات تثنيني عن السير قدماً في رسالتي. بل آليت على نفسي بالجهاد في سبيل إعلاء كلمة الرب.

انتهيت من بناء صرح إيماني شامخاً نحو الذرى. وامتلأ قلبي نوراً. وحرصت على تتفيذ أوامر الرب بدقة. واجتنيت ما نهاني عنه وأقبلت على ما حضني عليه. إلا أن إيماني، هذا الصرح الضخم، الذي شيدته حجراً حجراً، أوشك أن ينهار، حين هبت عليه زوبعة الوجودية. كان ذلك حين أهداني صديق بمناسبة عيد ميلادي مجموعة من كتب جان بول سارتر، وألبير كامو. فما أن طالعت هذه الكتب، حتى غزت الشكوك خاطري، وأخذت الأفكار الإلحادية تتسرب إلى نفسي. ولكن الله الذي آمنت به لم يتركني أتمادى في هذا الاتجاه. فسرعان ما وضع فيّ كرهاً لتلك الكتب، ولم أعتم حتى أحرقتها.

وهكذا انتصر الإيمان فيّ وتبلور. والرب أعانني، فألفت وأختي رابطة لدراسة الكتاب المقدس. وقد أطلقنا عليها اسم «جمعية النور المسيحي».