العودة الى الصفحة السابقة
مجلة لقاء الشبيبة

مجلة لقاء الشبيبة

ماري سلسر


عاشت الصبية ماري سلسر في بيت مسيحي وكانت أمها امرأة تقية. وكانت مرة تخبرها عن قبائل الكلبار في إفريقيا السوداء، وعن السواد والظلام القاتم الموجود هناك بسبب عدم وجود نور الإنجيل. فظلت الصورة هذه تكبر مع الفتاة الصغيرة والرغبة في تبشير ذاك الجزء من العالم الذي يتخبط في الجهل والوحشية والبعد عن الله الخالق الواحد الأحد سبحانه، والرب يسوع المسيح الذي هو نور لعالمنا.

بدأت الفتاة ماري في خدمتها أولاً في تعليم الأولاد في مدرسة الأحد تخبرهم عن المخلص يسوع، فأحبت هذا العمل وأتقنته. صلت مرة للرب أن يجعلها فتاة شجاعة في حقله ومواجهة العالم الذي يتخبط في الظلام والشر والإثم.

وفي أحد الأيام جاء وليم أندرسون المرسل في غرب إفريقيا، جاء للكنيسة الصغيرة يخبر عن الحاجة الماسة للمرسلين لإفريقيا، حيث تكلم عن احتياجات تلك البلاد، وعن وقاحة الشعب وأعمالهم الرديئة بسبب عدم معرفتهم الرب يسوع. وكان من بين السامعين في تلك الكنيسة الصغيرة ماري، فجاء في مخيلتها صورة إفريقيا... إنها ليست بصورة جميلة. رأت حروب القبائل هنا وهناك، والسود يؤخذون كعبيد لبلدان أخرى، والتماسيح تسبح في المستنقعات. تخيلت الناس هناك أشبه بوحوش لا أكثر، بسبب دفع زوجات القائد عند موته ليموتوا معه. كل هذه أرعبت الفتاة الاسكوتلاندية التي تخاف المرور في الحقول لوحدها، لقد اشتاقت للذهاب إلى إفريقيا. صلت مرة لله قائلة: «يا رب إن كانت مشيئتك، دعني أذهب إلى الكلبار لأكون خادمة لك هناك، اجعلني معلمة لأعلم الناس السود وأخبرهم عن قصة الخلاص. لقد أمرتنا نحن تلاميذك أن نحمل الإنجيل إلى أقاصي الأرض، استخدمني يا رب، لحمل إنجيلك للكلبار، استجنبي من أجل الرب يسوع مخلصنا».

وفي عام 1874 جاء الخبر الذي ملأ الدنيا بموت لفنستون الكبير الذي مات وهو منحن على ركبتيه يصلي في إفريقيا، كل الناس تتحدث عن عمله العظيم، ففكرت ماري أن تذهب إلى الكلبار وتخدم هناك.

وفي سنة 1875 تقدمت ماري إلى إرسالية الخارج بطلبها للذهاب إلى الكلبار. وصلت ماري إلى الكلبار وبدأت خدمتها هناك مع المرسلين بكل اجتهاد ومحبة، وعملت كل جهدها في تقديم رسالة الخلاص إلى هذا الشعب الذي أحبته وجاهدت في سبيله. قامت بكل مجهوداتها في إيقاف الأعمال الشريرة التي كانوا يمارسونها، حيث كان الشعب هناك يعتقد عندما يولد توأمان أنهم من الشرير وعليهم بقتلهم. وهكذا ناضلت ماري في خلاص أولئك الأطفال الذين لم يعرفوا الشر بعد. حاربت ماري حياتهم الشريرة وأفكارهم الشيطانية، ونزعت العداوة التي كانت قائمة بينهم وبين جيرانهم، وأنقذت الكثير من الموت، علّمت العديد منهم قصة الخلاص التي جاءت لتخبرهم عنها، وكم من مرة كانت على حافة الموت بسبب المرض الذي كان يفتك بجسدها. وتوسعت في الخدمة من قبيلة لقبيلة. تخبر بقصة المخلص العجيب. ما أجملها أقدام المبشرين بالسلام.

وكلما ذهبت لزيارة بلادها كانت تخبر الناس هناك عن الحاجة الماسة لخدمة ذاك الشعب. فضّحت بأمها التي ماتت وأختها، وحتى بمن سيكون زوجاً لها، بسبب خدمة الرب ومساعدة الشعب الإفريقي. فأسست كنائس عديدة هناك.

وقضت حوالي 38 سنة في المجازفة بين الكلبار. وغامرت بالذهاب إلى أقصى الأماكن التي خاف المرسلون أن يعملوا فيها، لتخبرهم عن يسوع الفادي. وكم من مرة تدخلت بين قواد القبائل كوسيط ليتوقفوا عن محاربة بعضهم البعض وهي سالكة بين الأدغال والأماكن الموحشة المحاطة بالمخاطر. وكانت تشتغل ساعات عديدة لتساعد المرضى. حتى انتقلت إليها العدوى وأصبحت هي نفسها مريضة.

وفي 12 من شهر يناير 1915 أسلمت الروح، تاركة وراءها أرواحاً لله ووجوهاً سوداء تشع بنور محبة المسيح.