العودة الى الصفحة السابقة
مجلة لقاء الشبيبة

مجلة لقاء الشبيبة

المسيح منقذي


تائهة الطريق، حائرة الخطى، تلفها الظلمة. غريقة في بحر الضياع، صورة سوداء في إطار أشد سواداً فكأنها تبرنست ببرنس الليل، وتبرقعت ببرقع الظلام. وأوشكت الغريقة، أن تبتلعها اللجة، فإذا بيد تمتد فتنشلها. وإذا الظلمة نور، وإذا الخطوات الحائرة، تخلفها خطوات ثابتة، ونفس ملؤها الإيمان واليقين. وإذا الطريق واضح مريح لأنّ من يعرف المسيح، لا يعرف الظلام. وما ذاك إلا لأن المسيح هو «نور العالم من يتبعه فلا يمشي في الظلمة، بل يكون له نور الحياة». ضللت فهداني الله. هويت فأسمكت بي يد المسيح. انتشلتني من بحر الضياع وقادتني في الطريق فمشيت بنفس مطمئنة بخطى واثقة نحو الأمام.

وتعود معرفتي بالمسيح إلى سنتين خلتا. وذلك حين كنت أتحدث مع صديقاتي والحديث ذو شجون. فتساءلن عن التوبة والحقيقة والروح. فقلت لهنّ: إن المسيح بذل دمه في سبيل البشر، ليغسلهم من خطاياهم. وهو قول كنت قد قرأته صدفة. فسخرن من قولي، وزدن سخرية لما أضفت بأنّ المسيح قال إنّ الله يفرح بالابن التائه الذي يعود أكثر من المهتدي. ولما أصررن على رفض أقوالي هذه، اتفقت معهن على أن أراسل جمعية مسيحية، أخبرهن بأقوالها في اجتماع آخر. وفعلاً راسلت جمعية مسيحية تعمل في مدينة من بلدنا الحبيب. ودعوتهن وناقشتهن على ضوء ما تلقيت من كتب. فانقسمن فئتين، فئة سخرت مني واتهمتني بالإلحاد وفئة آمنت بما جاء في تلك الكتب.

وطالبتني رفيقاتي بالمزيد من الكتابة. ففعلت. وهكذا بدأت أتعرف على الرسالة المسيحية. ثم اتصلت بعدئذ بجمعية تقيم في مرسيليا بفرنسا. وحصلت منها على منشورات زادتني ومن تبعنني من صديقاتي تعمقاً في الديانة المسيحية، وتعمقاً في كلمات المسيح، تلك الكلمات السامية. على أنه إن كانت أولى لقاءاتي مع المسيح صدفة، فإن لقاءاتي معه بعد ذلك كانت لقاءات سعيت من أجلها، لأنها تقربني من نبي الله وكلمته.

ولقد كان لأبحاثي المتعلقة بالمسيحية صدى كبير، بين أوساط صديقاتي، مما سبب لي كثيراً من المتاعب. كما سبب لي سخط عدد من الناس، لأنّ طريق الإيمان محفوفة بالأشواك والمخاطر. لكن في نهايتها السلام الأبدي والسعادة الدائمة النور الذي لا ينطفئ. فإلى الذين تعبوا من السير في هذه الطريق أقول: تابعوا طريقكم، ولا تهنوا واملأوا نفوسكم ثقة وإيماناً. لأنه ليس بالخبر وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله.

كنت أستعد لامتحان الشهادة الثانوية، ولا يُخفى عليكم ما يرافق الممتحن من قلق وخوف، خصوصاً ليلة الامتحان. فقد أصابني أرق، اذهب الكرى من جفوني. وإذا أنا كذلك أصابتني سُنّة من النوم، فإذا بي أرى شيخاً، شديد بياض الوجه، شديد بياض الثوب، مع بساطة. ينتعل خفاً، وهو يقول: «أَنَا هُوَ نُورُ ٱلْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي ٱلظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ ٱلْحَيَاةِ» (يوحنا 8: 12). ويرددها فصحت به: أعطني قبساً من نورك. فأجاب: نوري يغمر كل مكان، يا بنية. فاقتبسي منه أنى شئت. وتابع سيره وهو يصيح: أنا هو نور العالم. فاستيقظت من نومي وقد تبدل قلقي هدوءاً، وخوفي أمناً. وامتلأت نفسي ثقة وإيماناً، وذهبت للامتحان بخطى واثقة، لا تعرف التردد ولا الفشل. فكان النجاح من نصيبي وكانت درجتي جيدة جداً.

ومنذ ذلك اليوم وصورة الشيخ تتراءى في خيالي دوماً، وأصلي أن أراه مرة ثانية. والآن ها أنا على أبواب الباكالوريا آمل أن أراه كرة أخرى؟

إنني إذا قصصت كل ما فعل المسيح من أجلي، وكيف قادني رغم الصعوبات إلى الإيمان الحي، لا تكفيني آلاف الكلمات ولا مئات الصفحات.

ولئن سألني سائل: لماذا أؤمن بالمسيح؟ فسأجيبه بإيمان وثقة: بما أنّ الإيمان هو الاعتقاد، وبما أنني أعتقد اعتقاداً جازماً أن المسيح منقذي وهاديني ومسدّد خطاي، إذاً فإنني أؤمن به. قد تكون كلمات جوابي بسيطة، كبساطة المسيح، لكنها عظيمة كعظمته. ومهما تكن الكلمات فخمة وعظيمة فإنها لن تكفي للجواب على سؤال كهذا.

وأختم كلمتي هذه بالدعاء لكل ضال، أن يهتدي إلى الطريق طريق الإيمان. فاللهم آمين..