العودة الى الصفحة السابقة
مجلة لقاء الشبيبة

مجلة لقاء الشبيبة

برنابا


تبدأ الرواية في عام 30 بعد قيامة المسيح وخطبة بطرس الأولى عقب حلول الروح القدس يوم الخمسين. لقد آمن برنابا القبرصي الأصل على أثر التبشير الرسولي. ونقرأ في (أعمال 11: 24) أنه كان رجلاً صالحاً فأراد أن يعبر عن إيمانه الحي المخلص بطريقة جلية معينة. تذكر أنه ما كان من الممكن أن يصبح فيما بعد مرسلاً كما صار في الواقع، لو لم يبع أملاكه ويمنحها للمحتاجين. ويقول المالك لنفسه «شغلي في القدس وعليّ أن أظل هنا لمراقبة شؤوني».

قال يسوع وهو يحزن على الشاب الغني: «مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ!» (لوقا 18: 24) بعدما أوصاه «بعْ كُلَّ مَا لَكَ وَوَزِّعْ عَلَى الْفُقَرَاءِ» (لوقا 18: 22) هذا ما فعله برنابا، باع كل ماله وتبع يسوع بلا رجوع.

يكون البعض مسيحيين ممتازين، إلى أن تمس جيوبهم وبعدئذ يتجولون بخلاء بؤساء. أليس هذا ما نتعرض له في شرقنا الأوسط ولذا تتعرج كنائسنا وتترنح؟

عملية برنابا تشبه في سخائها تقدمة تلك المرأة المجهولة التي أقبلت إلى يسوع بقارورة طيب من الناردين الخالص كثير الثمن (مرقس 14: 3) وأهرقت محتوياتها على رأسه. فقال عنها الرب «حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهٰذَا الْإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضاً بِمَا فَعَلَتْهُ هٰذِهِ، تَذْكَاراً لَهَا» (مرقس 14: 10). وحيثما يكرز بكلمة الله، هناك يسمع الناس بما فعله برنابا. لقد قبل يسوع تلك التقدمة المندفعة من المرأة الرقيقة الفؤاد وقبل أيضاً سخاء برنابا العملي.

وما علاقة كل هذا مع موضوع الاشتراكية المسيحية. قد أشار الفليسوف برتراند رسل إلى أن الشيوعية استمدت اهتمامها بالكادحين المظلومين من المسيحية. كما أنها استمدت رؤيتها بأن العالم سوف ينعم نوعاً ما بأحوال مثالية فاضلة. والاشتراكيون المسيحيون يلجأون إلى هذه الفقرة لتبرير موقفهم. ولكن علينا أن نلاحظ ثلاثة أمور في هذا المجال. أنّ اشتراكية أعمال الرسل كانت:

  • (أ) محدودة ضمن نطاق عدد معقول من المشتركين كلهم كانوا مؤمنين.

  • (ب) كانت الشركة تطوعية وليست إجبارية.

  • (ج) كان الدافع الأصيل محبة المسيح والآخرين.

مع كل هذا فمعظم المؤمنين ما تلقنوا درس العطاء ومشاركة إخوتهم الفقراء بالخيرات التي منحها الرب لهم. وعلى قول أحدهم «المال كالسماد لا يصلح إلا إذا توزع على الأرض» البخيل بتمسك بماله وتفوح منه رائحة كريهة. والمبذر يبذر ماله مسبباً الضرر بنفسه. أما المسيحي المتكافل الحكيم فيشارك الآخرين بماله وهكذا يحرز أرباحأً اجتماعية وروحية كبيرة.

رنم داود في المزمور الثالث والعشرين «اَلرَّبُّ رَاعِيَّ فَلَا يُعْوِزُنِي شَيْءٌ» (مزمور 23: 1). شاركت الكنيسة الأولى بثروتها «لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ مُحْتَاجاً» (أعمال 4: 34).

لم يشارك برنابا الآخرين بممتلكاته وحسب بل شاركهم برسالته أيضاً. هذه الرسالة هي الإنجيل الذي كان قد وصله بفم الرسل. وصلته البشارة لأن آخر كان قد شاركه بالخبر السار، و جوهره: إن الرب يسوع مات عن خطايانا وقام من الأموات ليخلصنا. في أعمال 11: 23 نقرأ أن برنابا كان يعظ الأنطاكيين بأن يثبتوا في الرب. وعلم يونانيين ويهوداً عديدين «فَانْضَمَّ إِلَى الرَّبِّ جَمْعٌ غَفِير» (أعمال 11: 24).

البعض ينزعج حين يمس الواعظ جيوبهم ويطلب العطايا. إلا أنّ الآخرين يسهمون بملء الرضا بكل مشروع لتمويل الكنيسة والمؤسسات الإرسالية. ولكنهم يخمنون أنهم فعلوا كل واجبهم بمساهمتهم هذه.

هناك كثيرون من معاصرينا لا يحتاجون إلى تبرعات مالية ومساعدات مادية، بل يحتاجون إلى كلمة من السماء لسد حاجاتهم الروحية، كلمة مسيحية معزية مخلصة.

إن الزوجة لا تكتفي بقسط المال الذي يقدمه الزوج لها في أوائل الشهر، ولا حتى بالهدايا القيمة التي يهديها إليها في مناسبات خاصة، بل تشتاق إلى كلمة مودة: «أنا أحبك» وتريد أن تسمع هذا القول مراراً. فالشهادة التي تؤديها من أجل يسوع تعادل القول «أنا أحبك» بالنسبة إلى الخاطئ الهالك. وهي أيضاً كلمة محبة موجهة إلى الرب يسوع، إذ تعبّر عن محبتنا للرب بإظهار المحبة للبشر. كأننا نقول «أنا أحبك لأن الرب يسوع يحبك. ومن أجله جئت لكي أخبرك بهذا الخبر السار أنه أحبك إلى المنتهى ومات ليفديك».

أجل إن العقيدة المسيحية تحوي أكثر من هذا الموجز السيط. إلا أن هذا يظل جوهر البشارة.