العودة الى الصفحة السابقة
مجلة لقاء الشبيبة

مجلة لقاء الشبيبة

الله


دنيانا هذه مليئة بالأفكار المتعددة والفلسفات المتنوعة. وهذه الفلسفات تناولت قضايا كثيرة بالتحليل والبحث. ومنها الدين والوجود.. وأهم ما تناولته الفلسفات القديمة والحديثة هو الله.

كذلك نجد عالمنا ممتلئاً بالأديان الكثيرة والمذاهب المتفرقة، التي ينتشر أتباعها في الأرض. وكل منهم له نظرته الخاصة عن الله. فتصور البوذي لله ليس كتصور اليهودي. والمفهوم المسيحي ليس كالمفهوم الإسلامي. وهكذا دواليك. فمن الناس من جسّد الله في أصنام يعبدها. ومنهم من عبدوا الأرواح تقرباً إليها. ومنهم من نزه الله تنزيهاً كاملاً مطلقاً ومنهم الموحد ومنهم المشرك.

وفوق ذلك فالعالم ينقسم اليوم إلى مؤمن وكافر شاك ومتيقن. وللأسف فالإلحاد يعمل عمله في قلوب الشبيبة في الشرق كما في الغرب. وهو ظاهرة تواجه الشباب بالدرجة الأولى. وذلك لسبب الصورة المشوهة عن الدين، التي تكونت في أذهانهم ونتيجة لتطور العصر وفلسفاته الإلحادية، التي أفسدت عقول الشبيبة الطائشة الضعيفة الإيمان. فأصبح الشباب في المدارس والجامعات وغيرها يعيشون في قلق وحيرة واضطراب وتضارب في الأفكار والآراء.

لقد ذهبت فلسفة الإلحاد بالإيمان وأسكرت العقول. فماذا بقي إذن؟ بقيت الحيرة تحتل نفوس الناس. وظهرت في الشباب، لأنهم أكثر تأثراً وأسرع تجاوباً مع الأفكار الحديثة. ويأتي الشيطان فينتهز الفرصة ويبلبل الأفكار ويشوشها. فيثور الشباب على القيم والمبادئ الإلهية السامية. ومما نأسف له أن نرى أناساً كثيرين في عصرنا الحاضر ينكرون وجود الله جهاراً. وهذا ليس بالشيء الجديد. فقديماً قال النبي داود في سفر المزامير «قَالَ الْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: لَيْسَ إِلهٌ» (مزمور 14: 1) فالإلحاد شيء قديم. لكن مع ذلك لم يخل أي عصر من العصور من أناس مؤمنين بالله.

ونحن المسيحيين نؤمن بالله الواحد المحب الغفور الرحيم القدير الخالق كل شيء وقال السيد المسيح «لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُد» (متى 4: 10).

ويعلمنا الكتاب المقدس أن الله عادل ويحب العدل. وأنه قدوس: «مَنْ لاَ يَخَافُكَ يَارَبُّ وَيُمَجِّدُ اسْمَكَ؟ لأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ» (رؤيا 15: 4). وهو تعالى نور: «إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتة» (1يوحنا 1: 5). والله روح كما أعلن المسيح بقوله: «اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا» (يوحنا 4: 24).

ومن الصفات الإلهية التي لا نجد لها في أي مذهب آخر ما يشبهها، صفة المحبة. فإله المسيحية ليس بإله غاضب ساخط ناقم بل هو محبة ورحمة وعدل. ويا ليت أولئك الذين ينعتون المسيحية بالكفر يبحثون في الإنجيل المقدس عن صفات الله تعالى ويؤمنون بأن الإنجيل حق ووحي من الله الحق.

يا ليتهم يتواضعون ويتنازلون عن كبريائهم وادعائهم فهم أسرار الإنجيل المقدس. ويا ليت العالم أجمع يهتدي للحق القويم باتباعه الصراط المستقيم وهو يسوع المسيح له المجد الذي قال: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاة» (يوحنا 14: 6). فللمسيحية نظرة سامية عالية لله وفي الإنجيل المقدس نجد صفة ذاتية أخرى عظيمة. وهذه الصفة هي صفة الأبوة. فنصلي: «أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (متى 6: 9) «فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ» (متى 5: 45). يقول سفر المزامير: «كَمَا يَتَرَأَفُ الأَبُ عَلَى الْبَنِينَ يَتَرَأَفُ الرَّبُّ عَلَى خَائِفِيهِ» (مزمور 103: 13).

فنحن جميعأً خلق الله. ولكن المؤمن مولود من روح الله، وهو ابن لله شرعاً بالتبني وروحاً بالولادة الروحية، وكل مؤمن بالمسيح مهما كان لونه وجنسه يستطيع أن يدعو الله أباً. فمجيء المسيح إلى الأرض وتجسده وتأنسه من مريم العذراء كان لكي يعلن رحمة الله ومحبته للعالمين. للعرب والعجم، للشرق كما للغرب. الله أب محب. فإذا نحن تخيلنا الله جباراً قهاراً نخافه، غير أن قلوبنا تبقى بعيدة عنه. ولكن إذا عرفناه أباً وشعرنا بمحبته في قلوبنا نحترمه ونطيعه بفرح.

كثيراً ما نصلي كواجب ديني بألفاظ وكلمات رنانة حفظناها عن ظهر قلب ظناً منا أن الله لا يرغب في هذا بل يطلب محبة خالصة وصلاة صادرة من أعماق القلب. لقد جمع السيد المسيح الناموس في جملة واحة «فَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ. تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ» (تثنية 6: 5 ولاويين 19: 18). فالرجولة الحقه هي أن تحب الله والناس. أن تعرف الله أباً والناس إخوة. أن بنوتنا لله لا تصغره ولا تقلل من قدرته وجلاله وعظمته وكماله سبحانه وتعالى، بل تعطينا فكرة واضحة عن عظمة الله وقدرته. فإذا كنا بالحقيقة أولاداً لله، فلنعمل أعمالاً تليق بالتوبة وبصفات الله. ونكون أطهاراً مثلما هو طاهر، عادلين كما هو عادل، محبين لأنه هو محبة. وينبغي ألا نفعل الشر لأنه لا يحب الشر.

فإذا نحن امتثلنا للأوامر والنواهي الإلهية. يكون الله بالحق أبانا اسماوي. فالذي يعرف الله أباً وإنه محبة لا يفكر في الخلافات المذهبية والقومية والجنسية الضيقة، بل يعامل الجميع بالمحبة والناس يكونون عنده سواسية. فليس سبب مشاكل عالمنا اليوم هو النقص في البركات المادية والخيرات الطبيعية بل الكبرياء والبعد عن الله والكراهية والحقد الذي يملأ قلوب البشر. لأن قلوبهم فارغة من محبة الله ومن الإيمان به.

وأنت يا عزيزي القارئ واحد من الأسرة البشرية. فلا بد لك من التقرب إلى الله وطلب الصفح والغفران منه تعالى. فلا راحة لك ما لم تؤمن بالله أباً والمسيح مخلصاً. فإذن صديقي العزيز عليك بالإيمان بالمسيح ولا يهمك ما يقوله الناس وما يؤمن به هذا او ذاك.