العودة الى الصفحة السابقة
مجلة لقاء الشبيبة

مجلة لقاء الشبيبة

مات بديلاً عني


في القرن السادس عشر كان التجار البرتغاليون يبحرون حول جزيرة مستطيلة بالقرب من الشاطئ الصيني. وهي جزيرة جميلة بمختلف أنواع الزهور، ومنها السوسن والسحلبة مع أشجار البرتقال والمندرين. ولذا أطلقوا عليها الاسم «الها فرموسا» أي الجزيرة الجميلة. وما زال الاسم مألوفاً إلى هذا اليوم. ولكن شتان بين جمال الجزيرة الطبيعي وطبيعة أهاليها الشنيعة: فكانوا متوحشين يأكلون لحم البشر وغزاة يجتزون رؤوس الأعداء. لا سيما في المناطق الجبلية. واستمرت هذه العادات الوحشية مع تقديم ذبائح من رجال ونساء إلى أن وصل وال صيني اسمه «جوهو». فاشمأز جوهو من هذا التلف البشري الجنوني. وحاول باللطف والجهد أن يحسن مستوى الحياة. وهكذا كان يهدي الضالين والمجرمين إلى سبيل إنساني أفضل. فتحسنت الأمور حتى اجتازت البلاد فترة قحط قضت على الزرع. وأمست الأرض قاسية والجداول فارغة، وصارت المواشي تموت، مما هدد معيشة أهل الجزيرة.

فابتدأ الزعماء الدينيون الوثنيون يطالبون بالعودة إلى الطقوس القديمة الوحشية، ووعدوا بنزول الأمطار حالما ترتضي الآلهة الوثنية بالذبائح البشرية السالفة. فحاول جوهو أن يقنعهم ألا يعودوا إلى الأباطيل، فلما وجدهم متصلبين في عزمهم قال «إني موافق على خطتكم ولكن دعوني أختار لكم الضحية». اجتمعوا عند الفجر غداً فتجدوا رجلاً مرتدياً رداء أحمر مغطى من رأسه إلى قدميه فاقتلوه سريعأً وقدموه لآلهتكم. وفي الغد لما طلعت الشمس ظهر الرجل باللباس الأحمر فطعنه الكاهن بسيف الذبح فوقع الرجل ميتاً. ولكن حين رفعوا الحجاب الأحمر عن وجهه صرخ الجمع رعباً وحزنا، إذ كان الضحية جوهو الوالي، الذي بذل نفسه ليخلص آخر. ومن ذلك الحين لم يقربوا نفساً.

وكل هذا يذكرنا بذبيحة المسيح لم يصنع خطيئة بل: «جَالَ يَصْنَعُ خَيْراً وَيَشْفِي جَمِيعَ ٱلْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، لأَنَّ اٰللّٰهَ كَانَ مَعَهُ» (أعمال 10: 38). لكنه بشر بأن «لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ» (يوحنا 15: 13).

وذهب هو لأقصى حدود المحبة وأحب أعداءه أيضاً. وهذا لأنه كان يحب الله ويحب الإنسان حباً صافياً كاملاً، وهو روح الله المتجسد. مات الوالي جوهو بديلاً عن واحد، أما المسيح فمات بديلاً عنك وعني وعن جميع الخطاة: أقبل إليه واعترف بخطيئتك وبحبه الكافي لخلاصك والشافي لمرضك الروحي.