العودة الى الصفحة السابقة
مجلة لقاء الشبيبة

مجلة لقاء الشبيبة

لكل سؤال جواب


لقولك، «إنّ مسيحكم أكبر شيوعي وأعظم ثائر مرّ بأرض الناس» التباس وغموض؟ فإذا عنيت بالثورة، دعوة للخير والصلاح فهذا واقع لا مرد عليه.

فمع المسيح بدأ عالم جديد: عنده انتهى تاريخ ما تقدمه من حقب، ومنه انطلق ما يعقبه من حقب الزمن. فهو النقطة المركزية في دائرة الوجود، والمحور الأوحد في الحياة الدنيا والآخرة. رفع العالم من ركائزه المتهرئة وأرساه على قواعد ما عرف ولن يعرف أرسخ منها. فمن هذا القبيل يجب القول، أن المسيح أعظم ثائر، وأنّ الثورة التي كان هو باعثها هي الثورة الكبرى التي لم تعهد قط منذ فجر الوجود حتى ساعة زواله. ،هل يعوزنا التفكير الكثير لإثبات هذا الواقع؟ والواقع ما كان قط ليعوزه الدليل.

فقبل إطلالة المسيح على هذا العالم ماذا كان رأي الأرض...؟ بالنسبة إلى الفرد والأسرة، والحقوق والحريات، وبالنسبة إلى العلاقات الدولية والمجتمعية، والعمل، وبالنسبة للمرأة والولد، والحب والكرامة، والخير والشر، وما إلى ذلك كله من مظاهر الحياة البشرية ومرافقها؟ ألم تكن المرأة دمية، والولد قنية، والعبد بهيمة؟ ألم يكن السيد رباً، والعمل عيباً، والحق للقوة، والفقير والعاجز من الطفيليات المؤذية في جذع المجتمع؟ انفلات في غير قيد. فوضى أهواء وغرائز. شرك يعفّر جبهة الإنسان عند أقدام الثور والتمساح، ويشيد لصنف من الآلهة هياكل تصحب بهدير الغرائز السفلى، وتضج بالفجور، وشبق الزواني قرابين عبادة وسكيب محرقات؟؟

ذلك ما كأنه العالم يوم أرسل المسيح نظرته الأولى من مقلتيه الدافقتين بالحب والرحمة والحنان على البشرية الراسفة المغلولة، عليها ألف قيد وقيد من ضروب العبوديات.

أجل لقد كان المسيح ثائراً، يوم بسط يده القديرة وحكم عن رقاب الناس قيود العبوديات. وما كان سلاحه السيف والمزراق، بل كان المحبة، وكان إقرار مبدأ السلطة على مبدأ الإيمان بأن كل رئاسة شرعية في هذا الوجود إنما هي إشتراك في سلطان الله السيد المطلق.

لقد كان المسيح ثائراً إذ كان يريد إنسانية جديدة بتحويله العالم من حال إلى حال. من وضع يلاصق به التراب إلى وضع يرقى به حتى أجواء السماء، ولكن لا يحطمه عن طريق العنف والقوة من الخارج، بل بتبديل حياة الإنسان من الداخل. فتعليمه لم يكن متفجرة تدّمر وتنشر معالم الخراب، بل كان رحيقاً محيياً ودفقاً من نماء.

إنه لم ير بشرية تمرح في فردوس السعادة بنسف النظم الاجتماعية والاقتصادية القائمة، وإنما أراد أن يخلق إنساناً أفضل وأنبل يستطيع بناء نظام مجتمعي أوفر كرامة وعدلاً.

فالمسيح كان ثائراً بقدر ما يجوز القول أنّ أشعة الشمس الربيعية ثائرة لأنها تبعث في مقبرة الطبيعة التي خلفها الشتاء في أعقابه، حياة تزخر بالبراعم والحركة والنضارة.

وعن شيوعية مسيحنا، فالحقيقة أن المسيح لم يكن شيوعياً بحسب اللفظة السارية، ومدلولها الهادر بصراخ الدماء البريئة حتى يسيل الذعر في كيان العالم المتمدن.

الشيوعية لا تقول بحق الملكية، أما المسيح فيعلن على وجه الدنيا أنه لا ينقض الوصايا العشر التي تكفل السابعة والعاشرة منها (سفر الخروج 20: 1-17) حق الناس على الملكية وتحميها. ولم يتخذ تلاميذه من بين الفقراء والعمال وحسب، بل كان منهم أهل وجاهة كنيقوديموس والرامي والمجدلية.

وما حلم قط بنظام اجتماعي من نسج الخيال يكون فيه الناس جميعاً متساوين في خيرات الأرض، أَوَما صرّح قائلاً: «طوبى للفقراء» (أي سيكون منكم فقراء على الدوام). وتعليمه الإلهي يحفل بمثل هذه الألفاظ: العمل والعمال، والأجر و الأجراء، والبيع والشراء، والقرض والدين وما كان من هذا القبيل، وفي هذا دليل قاطع على اعترافه بنظام يقول بالملكية الخاصة ويقوم على أساسها.

ولكن إذا لم يكن المسيح شيوعاً بالمعنى الذي يريدون فذلك لا يعني انه يقر التوزيع القائم لخيرات الأرض، ويبارك المظالم الصارخة في التنظيم الاقتصادي القائم. إنه لم يكن شيوعياً بالمعنى الذي يريدون ولكنه ما أباح قط التبذير الأناني للثورات ولا التمتع في غير قيد بالملكية الخاصة.

لقد طوّب ولا شك الرحماء لأنهم سيجدون رحمة، ونصح إلى الشاب الغني أن يوزع أمواله على أهل البؤس والفاقة. ولكنه في الوقت نفسه بيّن بأقوال رهيبة كم يصعب على الأغنياء أن يلجوا أبواب ملكوت السموات. وأظهر الغني، (في مثل الفقير ولعازر) واقفاً تحت حكم الهلاك ولا خطيئة له سوى قسوة القلب تجاه الفقراء.

المسيح شيوعي؟؟

إذا أرادوا بالشيوعية نظاماً يقوم على مبادئ العدوان وإثارة الأحقاد والضغائن فليس المسيح شيوعياً، أما إذا عنيت أنت بها: ... المحبة السخية الفعالة، فبلى.

إذا أرادوا بالشيوعية: اقتحم بيت غيرك واسلبه خبزه، فلا. أما إذا عنيت أنت: «اكسر خبزك للجائع وأدخل بيتك البائس والمطرود» فالمسيح كان شيوعياً وأكبر.

إذا عنت الشيوعية: جرّد الغير من ثوبه، فالمسيح ما كان شيوعياً، أما إذا عنيت أنت «من له ثوبان فليعط من ليس له» فإنه كان شيوعياً.

إذا عنت الشيوعية ما يريدونها أن تكون، مسخاً متعطشاً إلى البطش وسفك الدماء فالمسيح ما كان شيوعياً؟ أما إذا عنيت أنت: البجعة التي إذا ما تعذر عليها وجود القوت لفراخها تمزق لها من صدرها قوتاً، فالمسيح كان حقاً شيوعياً.