العودة الى الصفحة السابقة
مجلة لقاء الشبيبة

مجلة لقاء الشبيبة

هل تبحث معي


في يوم ما كنت في حاجة لصديق يرافقني في الطريق ويؤنس وحدتي ويسير معي، كما هو مكتوب: «اِثْنَانِ خَيْرٌ مِنْ وَاحِدٍ، إِنْ وَقَعَ، أَحَدُهُمَا يُقِيمُهُ رَفِيقُهُ» ﴿جامعة 4: 10). واختارت نفسي صديقاً أظهر لي بعض العواطف ففرحت به فتعاهدنا ألا يترك أحدنا الآخر. وسرنا في طريقنا بسرور. فإذا الليل يأتي.

فقلت له: يا صديقي امكث معي فإني أخاف الليل والظلام.

قال: إني متعب وأريد أن أنام.

وفي اليوم التالي كان لا بد أن ننزل وادياً ونصعد جبلاً. فقلت له: هات يدك يا صديقي لأستند عليك.

قال: وأنا من يسندني؟

ثم قلت له: لقد تعبت فاحملني قليلاً.

قال: إني أحتاج لمن يحملني.

غضبت منه فغضب هو وثار. أخطأت في الحديث معه، فصفعني ثم مضى وتركني وحيداً. طلبته فلم أجده. قالوا أنه مريض لا يستطيع الحضور. انتظرته طويلاً ثم أرسلت إليه فأجّل ثم اعتذر. وأخيراً أرسلت له فلم يحضر ولم يعتذر. فقلت لا بد أن أذهب إليه بنفسي. ولكني وجدته مشغولاً بأموره الخاصة. تحدثت إليه فلم يلتفت ليسمعني ولم يفهمني. تركته وذهبت حزيناً فلم يودعني إذ كان غارقاً في مشاكله.

وهكذا عدت لوحدتي وألمي وقلت: أصنع لنفسي صديقاً فيكون ملكاً لي. فقد قيل: «ٱصْنَعُوا لَكُمْ أَصْدِقَاءَ بِمَالِ ٱلظُّلْمِ» ﴿لوقا 16: 9﴾. فليكن هذا الصديق أخي أو أبي. وهكذا حملته طفلاً. وتحمّلته شاباً. وعلّمته حتى أصبح رجلاً.

وقلت له: أعطني يدك فأستند عليه.

فقال: آسف. إني في أول الطريق وأنا أصنع مستقبلي وليس لديّ وقت أضيعه معك. فقد أصبحت بطيئاً في سيرك وستعطلني معك.

جلست على الطريق وحيداً دامع العين، منكسر القلب في فشل وخوف ويأس، وإذا بشخص يناديني نداء عجيباً سمعته يقول: «لَيْسَ أَنْتُمُ ٱخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا ٱخْتَرْتُكُمْ» ﴿يوحنا 15: 16﴾. رفعت عينيّ لأنظره فإذا بإكليل من الشوك على رأسه. ومد لي يده فإذا بها مثقوبة من أثر مسمار كبير. وتذكرت أن هذه الجراح كانت من اجلي أنا. فأسرعت لأختبئ عنده، فوجدت جنبه المطعون ينزف دماً ليغسل آلامي ويأسي.

قلت له: أريد أن أشكو لك همي يا سيدي.

قال: أنا أشعر بكل شيء وقد جئت إليك.

قلت: لقد تخلى كل الأصدقاء عني.

قال: وأنا جرحت في بيت أحبائي.

قلت: أبي قد تركني.

قال: أنا لا أتركك ولا أهملك. عيني عليك.

قلت: أمي نسيتني.

قال: حتى هؤلاء ينسين وأنا لا أنساك.

قلت: هل تسير معي؟

قال: كل الأيام إلى انقضاء الدهر.

قلت: في الليل؟

قال: لا أنعس ولا أنام.

قلت: وإذا احتجت لعون سريع؟

قال: أركب الغمام في معونتك.

قلت: سأسير طريقاً صعباً.

قال: عصاي وعكازي هما يعزيانك.

قلت: سأصعد جبالاً.

قال: الجبال ستشيد أمامك ترنماً.

وفي فرحتي قلت: وماذا أفعل لو احتجت أن أعبر البحار؟

قال: إذا اجتزت في المياه فأنا معك، وفي الأنهار فلا تغمرك. إذا مشيت في النار فلا تلذع واللهيب لا يحرقك.

قلت: وإن وضعت رأسي على حجر في برية مخيفة؟

قال: سأنسيك الحجر وأتحدث إليك من أعلى السلم الذي يصل بيني وبينك.

قلت: وإن احتجت لشيء.

قال: الأشبال احتاجت وجاعت وأما طالبو الرب فلا يعوزهم شيء من الخير.

قلت: وإن طال بي العمر وأصبحت شيخاً؟

قال: إلى الشيخوخة أنا هو وإلى الشيبة أنا أحمل.

قلت: كل من أعرفهم من أصدقاء يودعونني عند القبر وأبقى لوحدي.

قال: لا تخف. لقد دخلته قبلك وأنرته لك وسأعبره معك لأضع على رأسك إكليل المجد وسوف تجلس معي إلى الأبد.

أخي القارئ، لا بد أنك أيضاً تحتاج إلى صديق يسير معك كل الطريق يرافقك ويرشدك. أرجوك ألا تتعب في البحث. هذا هو يسوع الذي وضع نفسه لأجل أحبائه. فهل تتخذ منه صديقاً؟