العودة الى الصفحة السابقة
مجلة لقاء الشبيبة

مجلة لقاء الشبيبة

رسالة عزاء


يقول الفيلسوف العالمي «برتراند راسل» الحائز على جائزة نوبل للسلام: «أعتقد أن الشقاء راجع إلى حد كبير إلى وجهات نظر خاطئة عن الدنيا وعن الحياة، وإلى عادات المعيشة. وفي حالة الإنسان الذي يختطف منه الموت إنساناً عزيزاً، تتصارع في أعماقه مشاعر متبانية، فيها وجهات نظر خاطئة. وعلى سبيل المثال، الاعتقاد بأن الأحزان لن تنتهي أو التصور بأن لا علاج للأحزان».

وقد عبرت الروائية الأمريكية «بيرل بك» بعد وفاة زوجها عن هذه المشاعر بقولها: «إن الحزن الذي أشعر به لا يمكن تهدئته. مهما يحيط بي الناس سوف تظل جوانحي في عزلة دائمة. تاه عقلي بين الفكر والذكرى والتساؤل».

من المثال السابق، نرى أن نتيجة وجهات النظر الخاطئة هي منع الإنسان من البحث عن العلاج، وبالتالي تؤدي إلى الاستسلام للأحزان. والاستسلام للأحزان يؤدي إلى تزايدها وينشأ عنها مصارعات أليمة. على الإنسان إذا أن يسعى إلى الطريق الصحيح الذي يبعده عن الاحزان. والخطوة الأولى تبدأ بتصحيح النظرة للأمور، وهذا يتطلب مصدراً للحقائق، وأفضل مصدر للحقائق هو الكتاب المقدس.

دور الكتاب المقدس

نجد في الكتاب المقدس تعاليم تناسب كل ظرف من ظروف الحياة، يدركها الإنسان بحسب ظروفه. وكما يقول الآب متى المسكين في كتابه «التدبير الروحي»: «أن قراءة الكتاب المقدس تثير في كل نفس، طبقاً لاحتياجاتها الروحية، شتى الإلهامات الكريمة. كالنور إذا انعكس على كأس زهرة ينشئ فيها لوناً مختلفاً». ويقول أيضاً: «أن انفتاح الذهن لتقبل معرفة الحق هو أول حلول للروح القدس، وهو سند للإنسان في جهاده تجاه واقع الحياة والجسد. فهو يعطي المتأمل أهم ما يحتاج إليه في ظروف الحزن ويرشد إلى الحقائق وإلى أعمال محددة إيجابية تعود على الإنسان بالعزاء والسلام، ويحرك في النفس المشاعر التي تعاونه على قهر الأحزان. ونعرض فيما يلي أمثلة من الحقائق والارشادات والمشاعر.

أمثلة الحقائق التي يعلنها الكتاب المقدس

يقول الفيلسوف العالمي «نورمان فنسنت بيل»: «أن آيات الكتاب المقدس تبشر بالحياة وليس بالموت، وما يبدو لنا أنه موت، ليس في الواقع سوى انتقال إلى الحياة الحقيقية الخالدة».

فمن يقرأ يومياً في الكتاب المقدس، تأتيه المعرفة للحقائق التي تبدد الأوهام ووجهات النظر الخاطئة. فالمعرفة هنا تأتي عن طريق إشراق الروح القدس.

وكما جاء في كتاب «الاقتداء بالمسيح» أن الكتاب المقدس يفتح الذهن، يزيل ما يمنع فهم الأسرار وينير القلوب. ومن يتوهم أن الموت فناء، فإن الكتاب يقول له: «لَيْسَ ٱللّٰهُ إِلٰهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلٰهُ أَحْيَاء» ﴿متى 22: 32﴾. ومن يتصور أن أحزانه لن تنتهي، فالكتاب يقدم له العزاء ويقول له: «طُوبَى لِلْحَزَانَى، لأَنَّهُمْ يَتَعَّزَوْنَ» ﴿متى 5: 4﴾. ومن يقع في اليأس، فإن الكتاب يقول له: «لا أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا ٱلآخْوَةُ مِنْ جِهَةِ ٱلرَّاقِدِينَ، لِكَيْ لا تَحْزَنُوا كَٱلْبَاقِينَ ٱلَّذِينَ لا رَجَاءَ لَهُمْ. لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذٰلِكَ ٱلرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ سَيُحْضِرُهُمُ ٱللّٰهُ أَيْضاً مَعَهُ» ﴿1 تسالونيكي 4: 13-14﴾.

أمثلة من الارشادات التي يوجه إليها الكتاب المقدس

في الكتاب المقدس إرشادات إلى بعض ما يمكن عمله من أجل الحصول على بعض مشاعر السلام والعزاء أو التخفيف من لوعة الحزن. فهو يدعو إلى الصلاة في كثير من أجزائه: «أَعَلَى أَحَدٍ بَيْنَكُمْ مَشَقَّاتٌ؟ فَلْيُصَلِّ» ﴿يعقوب 5: 13﴾. ويدعو أيضاً إلى عمل الخير: «حِدْ عَنِ ٱلشَّرِّ وَٱصْنَعِ ٱلْخَيْرَ» ﴿مزمور 34: 14﴾. ويقول أيضاً: «طُوبَى لِلَّذِي يَنْظُرُ إِلَى ٱلْمَِسْكِينِ. فِي يَوْمِ ٱلشَّرِّ يُنَجِّيهِ ٱلرَّبُّ. ٱلرَّبُّ يَحْفَظُهُ وَيُحْيِيهِ. يَغْتَبِطُ فِي ٱلآرْضِ» (مزمور 41: 1-2).

فبالنسبة لعمل الخير، فقد أجمع أطباء النفس على أنه من أفضل الوسائل لمغالبة مشاعر الحزن. وفي ذلك يقول الدكتور «ألبرت شفايتزر»: «افتح عينيك وابحث عن إنسان آخر في حاجة إلى قليل من الوقت أو قليل من الصداقة أو قليل من التضحية أو قليل من العمل تستطيع أن تعمله من أجله». ويعرض النتيجة بقوله: «هناك قانون عام يقول: كلما منحت الحب تلقيت مزيداً من الحب».

أما بالنسبة للصلاة، فهي تعني رفع العقل والقلب معاً إلى الله. حديث جريء مقدم من المخلوق إلى الخالق. جاء في كتاب «حياة الصلاة» عن آراء بعض المؤمنين في الصلاة، قال احدهم: إنها رفع العقل وحصره في الله. وقال آخر: إنها مصالحة مع الله، دموع وتوبة. وقال ثالث: إنها سلاح ضد العدو ومصدر للنعم والبركات.

وقد اعترف العلماء والأطباء بأثر الصلاة في تخفيف الأحزان، نذكر منهم الطبيب العالمي والفيلسوف «كارليل» حيث قال: «رأيت كطبيب، رجالاً فشلت كل طرق العلاج في إبرائهم لكنهم كانوا ينهضون من المرض والكآبة بمجرد محاولة هادئة للصلاة، حيث يرى الناس في هذا التغيير ما يسمونه ﴿معجزة﴾. ويفسر ذلك بقوله: «نحن حين نصلي نربط أنفسنا بالقوة المحركة التي لا تنفذ والتي تدير هذا الكون، ونطلب من الله أن يخصص جزءاً من هذه القوة لاحتياجاتنا. إن الصلاة والدعاء هما اعمق مواردنا الروحية».

أمثلة من المشاعر التي يحركها التأمل في الكتاب المقدس

جاء في كتاب «موجز الكمال المسيحي»: أن النفس التي لا يفوتها يوم دون أن تتأمل في بعض صفحات الإنجيل بورع وتقوى، يتجلى لها يسوع في كل عظمته وبهائه، فيسودها إذ ذاك سكون عظيم. فتهدأ زوابع الأميال والشهوات، وتتبدد رياح التجارب. يشعل يسوع قوى النفس والإرادة فتندفع النفس مزودة بطاقات جديدة نحو هدفها المنشود.

كما جاء في كتاب «التدبير الروحي» للأب متى المسكين، حيث يقول: «أن انفتاح الذهن لكلمة الإنجيل يساعد على حلول الروح القدس الذي يدعى المعزي. وعمله هو حفظ توازن وسلام الإنسان».

من المثلين السابقين نأخذ تصوراً عن بعض المشاعر التي تتحرك في أعماق الإنسان المتألم بسبب ظروف فقد الأحباء. ونجد أهمها العزاء بفضل عمل الروح القدس الذي يرشد إلى الحق ويمنح الشفاء.

وقت التأمل

إذا كانت الأفكار المحزنة لا تتوقف عن تواردها إلى الإنسان، فعليه أن يدافع عن ذاته ضد هذه الأفكار الأليمة، بطرد الآثار المدمرة عن ذاته التي تنتج عن الاستسلام لها. لذلك عليه ألا يتوقف عن التأمل في الكتاب المقدس باعتبار أن التأمل من اهم وسائل الدفاع. وأفضل تأمل هو في الصباح الباكر حيث يتزود المتأمل بالقوة قبل أن تسبقه عواصف الأحزان. جاء في مجلة «كريستيان هيرلد»: أن الصباح الباكر هو أنسب وقت للتأمل والتعبد». لأنه ما أجمل وما أعذب أن يبدأ الإنسان يومه بصحبة ربه، فيعيطه الغلبة على كل تحديات مشاكل الحياة المتشابكة والمعقدة.

كلمة أخيرة

إن من ينال الغلبة على هذه الظروف القاسية، ويفوز بتعزية الرب يبقى عليه أن يشهد أمام كل متألم بما صنع الرب معه. لأنه يعزينا لكي نستطيع أن نعزي الآخرين.