العودة الى الصفحة السابقة
مجلة لقاء الشبيبة

مجلة لقاء الشبيبة

كيف تحافظ على كبدك؟


إن جل سكان الشرق الأوسط يشكون مرضاً كبدياً أو قصوراً وظيفياً في الكبد سببه التخمة والهم والأطعمة الدسمة والسمن، أو يكن سببه الذُخار ﴿الدوسنطاريا﴾ ذلك المرض الذي يستوطن أمعاء الإنسان، لينمو ويترعرع ويحاور صاحبه ويخاتله. وإذا عولج معالجة ناقصة اختفى ليظهر ثانية أو انتبذ مكاناً قصياً في الكبد يعشش فيه ويعيث فيه فساداً. ويصاب الغربيون بآفات الكبد نتيجة المشروبات الكحولية والإدمان على تعاطيها بكثرة وباستمرار.

ويظهر قصور الكبد بسوء الهضم وشحوب الوجه واصفراره وبالإمساك وقلة الشهية إلى الطعام. ويشعر المصاب بقصور الكبد بجفاف لهاته أو بمرارة طعم فمه صباحاً، وأو يشعر بأكزيما أو بحكة جلدية دون سبب ظاهر وقد يشكو المكبود الشرى والبواسير والآلام الرأسية مع اضطرابات عصبية وفتور في الهمة، فيغدو سوداوي المزاج يكاد يشاجر نسمة الريح.

والكبد أكبر غدة في جسم الإنسان مقرها الخاصرة اليمنى حيث تختبئ خلف الأضلاع الأخيرة للصدر وهي تتوسد المعدة والإمعاء، ويبلغ وزنها كيوغراماً ونصف الكيلو تقريباً. أما المرارة الكبدية فهي عبارة عن كيس صفراوي يشبه الكمتري ﴿الإجاص﴾، تتجمع فيه الصفراء المفرزة، ومقرها أسفل الكبد وقرب حافتها.

وللكبد مفرزين: الأول داخلي يجول في الدم ويساند بقية الغدد الداخلية. والثاني خارجي يتجمع في المرارة ليصب في الإمعاء وهو الصفراء.

وتقدر كمية الصفراء المفرزة يومياً بليتر واحد، ويبلغ الإفراز أشده بعد الطعام حيث يساهم في المساعدة على هضم المواد الدهنية والشحوم بعد أن يجعلها صالحة للامتصاص. لأن المواد الدهنية والزيوت - نباتية أو حيوانية - ليست دهوناً حيوية صالحة للاستهلاك والاستعمال من قبل خلايا الجسم قبل تحويلها، فلا بد لها من أن تمر في سلسلة من التفاعلات والعمليات الكيماوية التي من شأنها تبديل تركيبها لخزنها في الكبد أو لشحنها في الدم، كي تقوم بتغذية الحجيرات وتوليد الطاقة الحرارية في الجسم.

وإذا فقدت الكبد خاصية تحويل المواد الدهنية إلى مواد قابلة للامتصاص، ولم تقم بوظيفتها حق القيام، تراكمت في أنسجتها الدهون والشحوم، فتسبب ما يسمى بالتشحم الكبدي. وكلما ازدادت كمية الشحوم الغذائية الواردة عن طريق الفم، زاد هذا الشحم وزادت حمولة الكبد، فغدا عبؤها ثقيلاً بإصابة صاحبها بالتشمع الكبدي. ومثل الكبد كمثل الإسفنجة القابلة للتقلص والتمدد وهي ملأى بالدماء، وقابلة للتمدد والإصابة بالأحقان بسرعة. وخلال ساعات معدودات يمكن للكبد أن يتسع ويحتقن بالدماء أو يتقلص ويصغر حجمة حتى الثلث.

ويتندر الأطباء على مثل هذا الكبد أحياناً فيطلقون عليه اسم ﴿الأكورديون﴾ وإذا تعددت حوادث الاحتقان، أو كان الاحتقان الكبدي شديداً سبب ذلك خللاً وظيفياً في أكثر أعمالها فعجزت عن متابعة وظائفها الحيوية. فيشعر المصاب بثقل في نهاية عظم القص حيث تتوسد الكبد المعدة، وتنتابه آلام تتناول أعلى البطن والخاصرة اليمنى، وقد ينتشر الألم إلى الكتف اليمنى وتضطرب الشهية إلى الطعام، ويتسخ اللسان، وقلما يفارق الصداع صاحب الكبد المحتقن، يرافق ذلك أحلام مزعجة في الليل، ويتحول لون الوجه إلى الاصفرار، ويشعر المصاب بالقرف من اللحم والدهن وبامتلاء البطن وانتقاخه بالغازات كما تشتد النوب الباسورية. ويجب أن لا يغرب عن بالنا أن احتقانات الكبد الفجائية كثيراً ما يكون سببها الإدمان على الخمرة أو نتيجة لطعام غني بالسمن والدهن أو بعض المواد القابلة للتفسخ.

وللكبد وظائف أخرى كثيرة لا مجال لسردها وعدّها، فهي معمل كيماوي كبير، بل مستودع عظيم للأغذية. ومن أعمالها أنها تقوم بتكثيف السكر والدهون والمواد الزلالية والفيتامينات الواردة إليها في أيام الرخاء، حيث يتاح للمرء أن يتناول كميات فائضة عن حاجته من الغذاء. فتخزن الكبد هذه المواد بشكل ذرات مكثفة لحين الضرورة، حتى إذا صام المرء أو جاع أو غدت أيامه عجافاً خالية من الأغذية الضرورية لإدامة الحياة ووقائها، شحنت الدم بمذخراتها مطبقة قانون التقنين ونظمت الاستهلاك والاحتراق.

وللكبد وظيفة ترياقية، فهي تضبط السموم الواردة إلى جسم الإنسان فتحول تركيبها وتقلبها إلى مواد غير سامة وتعيدها حالاً مع الصفراء لتطرحها بالبراز قبل أن تجول في الدم وتؤذي البدن.

إن معالجة آفات الكبد هو ترتيب الغذاء. وتنشط الكبد إذا قدمت لها المواد السكرية والهيدروكاربونية بكثرة.

فتعطي الفاكهة والخضار والخشافات ﴿الكومبوت﴾ لاحتوائها على السكاكر، والجبنة وبياض البيض. ومما يؤذي الكبد تناول البهارات ﴿التوابل﴾ والشحوم والمواد الدهنية والمشروبات الكحولية.

إن الإسراع لمكافحة اضطرابات الهضم والحيلولة دون تعفنات الامعاء يسير بالكبد نحو الصحة والعافية. لأن دوام التفسخات يرهق الكبد ويزيد في اختقانها وتسميمها وقد يأخذ بها في طريق التشمع. ولا يد للمكبود أن ينام مدة كافية، ويتجنب السهر ويستلقي بعد كل وجبة طعام ولو كان هذا داعياً إلى النعاس والنوم. ويوصى العليل بالعلة الكبدية بالراحة الفكرية والجسدية ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

ويعتمد الأطباء اليوم في معالجة المكبودين على إعطائهم فيتامين ﴿ت﴾ وفيتامين ﴿ب﴾ المركب، وخلاصات الكبد، والغلوكوز بكثرة.

ويصفون لهم بعض المستحضرات المحتوية على أكولين والميتوبين، لأن للأولى خاصة إذابة الشحوم والدهون المتراكمة في الكبد، والثانية خاصة امتصاص السموم وتخليص كبد المصاب من شرها.