العودة الى الصفحة السابقة
ما هي موهبة التكلم بالألسنة، وهل يمكن لأي شخص ان يحصل عليها؟

ما هي موهبة التكلم بالألسنة، وهل يمكن لأي شخص ان يحصل عليها؟

سلسلة لكل سؤال جواب


لنقرأ سوياً ماذا كتب بولس الرسول في رسالته الأولى الى كنيسة كورنثوس: «فَأَنْوَاعُ مَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ وَلَكِنَّ الرُّوحَ وَاحِدٌ. وَأَنْوَاعُ خِدَمٍ مَوْجُودَةٌ وَلَكِنَّ الرَّبَّ وَاحِدٌ. وَأَنْوَاعُ أَعْمَالٍ مَوْجُودَةٌ وَلَكِنَّ اللهَ وَاحِدٌ، الَّذِي يَعْمَلُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ. وَلَكِنَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ يُعْطَى إِظْهَارُ الرُّوحِ لِلْمَنْفَعَةِ. فَإِنَّهُ لِوَاحِدٍ يُعْطَى بِالرُّوحِ كَلامُ حِكْمَةٍ. وَلآخَرَ كَلامُ عِلْمٍ بِحَسَبِ الرُّوحِ الْوَاحِدِ. وَلآخَرَ إِيمَانٌ بِالرُّوحِ الْوَاحِدِ. وَلآخَرَ مَوَاهِبُ شِفَاءٍ بِالرُّوحِ الْوَاحِدِ. وَلآخَرَ عَمَلُ قوَاتٍ، وَلآخَرَ نُبوَةٌ، وَلآخَرَ تَمْيِيزُ الأَرْوَاح، وَلآخَرَ أَنْوَاعُ أَلْسِنَةٍ، وَلآخَرَ تَرْجَمَةُ أَلْسِنَةٍ. وَلَكِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا يَعْمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ، قَاسِماً لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ، كَمَا يَشَاءُ» (1كورنثوس 12: 4-11).

إن فكرة الرسول بولس في هذه الآيات أن ينبر على لزوم الوحدة في الكنيسة وأهميتها القصوى. فالكنيسة هي جسد المسيح، والصفة المميزة للجسد السليم هي أن كل عضو من أعضائه يؤدي وظيفته على الوجه الأكمل لصالح الجسد ككل. ولكن الوحدة لا تعني أن يكون الجميع من طراز واحد. ففي الكنيسة توجد مواهب مختلفة ووظائف متنوعة، ولكن كل واحدة منها إنما هي هبة من الروح الواحد، وكل واحدة منها لم يقصد بها مجد عضو الكنيسة كفرد، بل قصد بها خير الكل.

يبدأ بولس كلامه هنا بالقول إن كل المواهب الخاصة هي من الله. فهو يعتقد أن أية موهبة أو قدرة خاصة عند الإنسان هي في الأصل من الله، وأنها لذلك يجب أن تستخدم في خدمته. إنّ خطأ الكنيسة الحالية على الأقل، هو أنها تفسر فكرة المواهب الخاصة هذه تفسيراً ضيقاً للغاية. إن مواهب الفرد ذي الحرفة وصاحب الصنعة الذي يشتغل بيديه ليست أقل شأناً من المواهب الفكرية، بل هي أيضاً في الحقيقة هبة من الله. كالبنّاء والنجّار والكهربائي والنقاش والمهندس والسبّاك، كل هؤلاء لهم مواهبهم الخاصة التي بواسطتها تزيد قدرات الكنيسة وتتسع إمكانياتها وتخصب نواحي نشاطها وخدمتها، تماماً كما تستخدم الكنيسة ذوي موهبة الخطابة أو التفكير أو الكتابة.

يختم بولس قائمة المواهب بموهبة «أنواع ألسنة» وموهبة القدرة على «ترجمة ألسنة». هذه المسائل كانت سبب حيرة عظيمة وارتباك شديد في كنيسة كورنثوس. والذي كان يحدث سابقاً أنه أثناء الخدمة في الكنيسة كان أحدهم من فرط سروره يتدفق منه سيل من الأصوات غير المفهومة بغير لغة معروفة. وكانت هذه الموهبة هي أعلى ما يطمع فيه من المواهب لأنه كان ينظر إليها باعتبارها نتيجة للتأثير المباشر لروح الله. وذلك الشخص كان يستطيع أحياناً أن يترجم كل ما يتدفق من لسانه من أصوات. ولكن الأمر كان يتطلب شخصا آخر له موهبة الترجمة لكي يقوم بهذه المهمة. لم يشك بولس أبداً في حقيقة موهبة الألسنة هذه، ولكنه كان يدرك جيداً أن لها أخطارها، لأنه من الصعب التمييز بينها وبين حالات الذهول والهستيريا والاستسلام لما يشبه التنويم المغناطيسي.

فموهبة التكلم بالألسنة هي جناح واحد لا يستطيع أن يحلق دون الجناح الآخر موهبة الترجمة. إن مواضيع الألسنة المختلفة التي حدثت يوم الخمسين كانت الصلاة والتسبيح والشكر وإنها كانت تبني المتكلم بها وهذا لا يتأتى بأصوات بلا معان. إن الصلاة بلغات غير مفهومة لا تنفع السامعين لأن من شروط الصلاة النافعة أن يشترك القلب في ما تسمعه الأذن وذلك لا يمكن ما لم يفهم. فكيف أستطيع أن أقول أمين وهللويا لما أسمعه إن لم أفهمه. فهذا يصبح نتيجة الشعور ولكنه بعيد عن ما هو مكتوب:

«هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً، إِذْ إِنَّكُمْ غَيُورُونَ لِلْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ، اطْلُبُوا لأَجْلِ بُنْيَانِ الْكَنِيسَةِ أَنْ تَزْدَادُوا. لِذَلِكَ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ فَلْيُصَلِّ لِكَيْ يُتَرْجِمَ. لأَنَّهُ إِنْ كُنْتُ أُصَلِّي بِلِسَانٍ، فَرُوحِي تُصَلِّي، وَأَمَّا ذِهْنِي فَهُوَ بِلا ثَمَرٍ. فَمَا هُوَ إِذاً؟ أُصَلِّي بِالرُّوحِ وَأُصَلِّي بِالذِّهْنِ أَيْضاً. أُرَتِّلُ بِالرُّوحِ وَأُرَتِّلُ بِالذِّهْنِ أَيْضاً. وَإِلا فَإِنْ بَارَكْتَ بِالرُّوحِ، فَالَّذِي يُشْغِلُ مَكَانَ الْعَامِّيِّ، كَيْفَ يَقُولُ «آمِين» عِنْدَ شُكْرِكَ؟ لأَنَّهُ لا يَعْرِفُ مَاذَا تَقُولُ! فَإِنَّكَ أَنْتَ تَشْكُرُ حَسَناً! وَلَكِنَّ الآخَرَ لا يُبْنَى. أَشْكُرُ إِلَهِي أَنِّي أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةٍ أَكْثَرَ مِنْ جمِيعِكُمْ. وَلَكِنْ فِي كَنِيسَةٍ أُرِيدُ أَنْ أَتَكَلَّمَ خَمْسَ كَلِمَاتٍ بِذِهْنِي لِكَيْ أُعَلِّمَ آخَرِينَ أَيْضاً، أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ آلافِ كَلِمَةٍ بِلِسَانٍ» (1كورنثوس 14: 16 –19).

فالصورة الوحيدة التي علينا إدراكها هي أن تكون داخل الكنيسة وحدة خالية من الغيرة والحسد، خالية من الإنعزالية أو الإنفصالية. فالجسد يكون صحيحاً وقوياً وكفءاً عندما يؤدي كل جزء فيه عمله على الوجه الأكمل. وأعضاء الجسم مترابطة لا يحسد واحد منها الآخر، ولا يطمع واحد منها في عمل الآخر أو وظيفته. بل إن كل جزء يقوم بعمله الخاص، وبهذا فقط يمكن أن يتمتع الجسم بصحة جيدة. وفي هذه الصورة التي يرسمها بولس نجد أن جسد المسيح وهو الكنيسة ينبغي أن يتوفر فيه تلك الصفات. إنّ التكلم بالألسنة موهبة معطاة من الله لأُناس معيّنين وليس لأي كان. ولأنه عطية من الله علينا أن ننتبه من مضارها أكثر من فائدتها وخاصة في أيامنا هذه حيث تكثر التعاليم المضلة.

اما معنى الآية في أعمال الرسل 1: 5 «سَتَتَعَمَّدُونَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ، لَيْسَ بَعْدَ هذِهِ الأَيَّامِ بِكَثِيرٍ» فعنى بها يوم الخمسين حين أرسل الرب يسوع روحه بعد صعوده على تلاميذه وعلى المؤمنين به ليمتلئوا بالروح القدس.

أن الصورة الوحيدة التي يريد أن يرينا إياها بولس هي أن تكون داخل الكنيسة وحدة خالية من الغيرة والحسد، خالية من الانعزالية أو الانفصالية. فالجسد يكون صحيحاً وقوياً وكفءاً عندما يؤدي كل جزء فيه عمله على الوجه الأكمل. وأعضاء الجسم مترابطة لا يحسد واحد منها الآخر، ولا يطمع واحد منها في عمل الآخر أو وظيفته، بل كل جزء يقوم بعمله الخاص، وبهذا فقط يمكن أن يتمتع الجسم بصحة جيدة. وفي هذه الصورة التي يرسمها بولس نجد أن جسد المسيح وهو الكنيسة ينبغي أن يتوفر فيه تلك الصفات.

أما الفكرة أن التكلم بالألسنة لغة لا يفهمها الشيطان، أنها فكرة خاطئة. إذ الشيطان، ومن خلال وقوع الإنسان بالخطية، أصبح له السلطة الكاملة على الإنسان، لأنه «إِلهُ هذَا الدَّهْرِ» (2كورنثوس 4: 4). فهو يعلم خفايا القلوب مهما كان نوعها في الإنسان. ما يفرقه عن ربنا له المجد، أنّ سلطته محدودة على الأرض وفكره شرير وهو مخلوق وغير موجود منذ الأزل ونهايته قريبة. فمهما كانت لغة الألسنة التي نتكلم بها غريبة يفهمها الشرير، وأظن أن الذي لن يفهم هو المتكلّم نفسه لأن الكتاب يطلب مترجم!!