العودة الى الصفحة السابقة
متى يأتي المسيح؟

متى يأتي المسيح؟

سلسلة لكل سؤال جواب


الجواب: يظن بعض المسيحيين أنه توجد علامات تسبق مجيء المسيح لأخذ قديسيه إليه، مثل حدوث حروب وزلازل وأوبئة وعلامات في الشمس والقمر والنجوم، وغير ذلك مما هو مبين في متّى 24 وغيره من الفصول الكتابية؛ ولذلك هم يرقبون تلك العلامات ويجمعون أخبارها من الصحف للاستدلال على ظهور علامات قرب مجيء المسيح للاختطاف. ولكن الواقع الواضح في كلمة الله أن كل هذه العلامات ستحدث بعد اختطاف المؤمنين، لأنها متعلقة بظهور المسيح مع قديسيه للملك، وهذا يعقب الاختطاف بسبع سنين كما سنبيّن ذلك فيما بعد. أما مجيء المسيح للاختطاف، أي لأخذ قديسيه إليه، فلا يرتبط بأيّة علامات، وإنما كل ما ورد عنه في الكتاب يدل على أنه قريب التحقيق؛ لكي يكون موضوع انتظار دائم للقديسين في كل الأجيال. فالمسيحي الحقيقي لا ينتظر أي رجاء في الأرض، ولا يتطلع إلى حدوث أية علامات في الأرض، سواء كانت مبهجة كانتشار الإنجيل، أو مزعجة كحدوث حروب وزلازل وغيرها؛ إنما يكون متطلعاً دائماً إلى السماء: «الَّتِي مِنْهَا أَيْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ» (فيلبي 3: 20 و21).

والرسول بولس، وكل المؤمنين منذ العصر الرسولي، كانوا بحسب كلمة الله يتطلعون إلى تحقيق هذا الرجاء في أيامهم، إذ يقول: «فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هذَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ، لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ» (1تسالونيكي 4: 15). فكلمة الرب لا تخدعنا عندما تضع مجيء الرب موضوعاً لانتظار المؤمنين الأحياء حتى في العصر الرسولي نفسه، بل هذا هو تحريض الرب نفسه لتلاميذه إذ قال لهم: «لِتَكُنْ أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً وَسُرُجُكُمْ مُوقَدَةً، وَأَنْتُمْ مِثْلُ أُنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ سَيِّدَهُمْ مَتَى يَرْجعُ مِنَ الْعُرْسِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ وَقَرَعَ يَفْتَحُونَ لَهُ لِلْوَقْتِ. طُوبَى لأُولَئِكَ الْعَبِيدِ الَّذِينَ إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُمْ يَجِدُهُمْ سَاهِرِينَ» (لوقا 12: 35-37)

ونجد طابع الاستعداد والانتظار الدائم لمجيء الرب موجوداً في الأمثال التي نطق بها الرب له المجد، ففي مثل العشر العذارى نرى الحكيمات خارجات لملاقاة العريس، وفي مثل الخدم في البيت نرى أنّ الوكيل الأمين هو الذي يتصرّف حسناً في غياب سيده حتى إذا جاء يجده يعطي الخدم العلوفة في حينها. وفي مثل الوزنات نرى أن العبد الصالح الأمين هو الذي يتاجر بوزناته منتظراً مجيء سيده.

والمسيحيون الأوائل اتخذوا كلمة التحية بعضهم لبعض «ماران آثا» أي «الرب آت» مما يدل على تعلق قلوبهم بهذا الرجاء وتوقع تحقيقه كل يوم. وهكذا كانت أقوال الرسل مطبوعة بنفس الطابع، فالرسول بولس كما رأينا يقول: «لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا» (1كورنثوس 15: 51)، وأيضاً: « نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ» (1تسالونيكي 4: 15)، والرسول يوحنا يقول: «أَيُّهَا الأَوْلاَدُ هِيَ السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ. وَكَمَا سَمِعْتُمْ أَنَّ ضِدَّ الْمَسِيحِ يَأْتِي، قَدْ صَارَ الآنَ أَضْدَادٌ لِلْمَسِيحِ كَثِيرُونَ. مِنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ» (1يوحنا 2: 18). ولنأخذ فصلاً آخر مثل (2تيموثاوس 3) الذي فيه يقول الرسول بولس: «الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ سَتَأْتِي أَزْمِنَةٌ صَعْبَةٌ» (2تيموثاوس 3: 1)، فماذا يقول الروح القدس بعد ذلك؟ هل يقول إنّ تلك الأزمنة بعيدة؟ بالعكس إنه يقول لتيموثاوس «فَأَعْرِضْ عَنْ هؤُلاَءِ» (عدد 5) وكأنه يقول له: إنّ بوادر تلك الأزمنة الصعبة موجودة الآن، فلا تأخير ولا إبطاء. كان أضداد المسيح موجودين، وكانت الشرور موجودة، فماذا ينتظرون بعد؟ لا ينتظرون إلا المسيح نفسه. لا توجد حوادث منتظرة تقف كحواجز أمام أفكارهم دون سرعة رجوع الرب. صحيح أنّ مرور الزمن قد أوضح تلك الشرور بصورة أكثر بروزاً، ولكنها كانت موجودة حينئذ وقد اكتشفوها، فلم يكن شيء يعطّل قلوبهم عن انتظار مجيء المسيح.

والرسول بطرس يتكلم عن هذا الرجاء الحي (1بطرس 1: 3)، كما يضع أمام المؤمنين أنّ «نِهَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ قَدِ اقْتَرَبَتْ»، وعلى ذلك يقول لهم: «فَتَعَقَّلُوا وَاصْحُوا لِلصَّلَوَاتِ» (1بطرس 4: 7)، ويصف الذين يقولون «أَيْنَ هُوَ مَوْعِدُ مَجِيئِهِ؟» بأنهم: «قَوْمٌ مُسْتَهْزِئُونَ»، ويضع أمام المؤمنين هذه الحقيقة: «لاَ يَتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ التَّبَاطُؤَ، لكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ» (2بطرس 3: 3 و4 و9). والرب نفسه - له المجد – يصف العبد الذي يقول: «سَيِّدِي يُبْطِئُ قُدُومَهُ» (لوقا 12: 45) بأنه «عَبْدُ رَّدِيُّ»، ويبيّن التأثير السيئ لهذه الفكرة في حياة ذلك العبد أنه: «يَبْتَدِئُ يَضْرِبُ الْغِلْمَانَ وَالْجَوَارِيَ، وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَسْكَرُ» (لوقا 12: 45). إنّ المسيح، الذي هو موضوع إيماننا، هو نفسه موضوع رجائنا. وكل تعليم بانتظار حوادث معيّنة أو مرور فترة من الزمن قبل مجيئه، إنما هو تحويل للقلوب والأنظار عن شخص المسيح.

ولكن قد يقول قائل: أَلا توجد حالات خاصة فيها أعلن الرب عكس ذلك؟ ألم يعلن لبطرس أنّ خلع مسكنه قريب؟ أو لم يقُل بولس: «وَقْتُ انْحِلاَلِي قَدْ حَضَرَ»؟ (2تيموثاوس 4: 6) نعم وهذا دليل مؤيّد لا معارض. إنّ الفكر العادي السائد بين الناس هو أنّ كل إنسان سيموت، ورجال كبولس وبطرس تعرّضوا لكل أنواع الاضطهادات والمخاطر لم يكن مستغرباً أن يرقدوا في أي وقت، ولكن كان أولاد الله في ذلك الوقت ينتظرون مجيء المسيح لا الموت، وكان رجوع الرب من السماء هو رجائهم الذي يتوقعون تحقيقه في كل لحظة، ولذلك كان إعلان الانطلاق لهذين الرسولين قبيل حدوثه لازماً كشيء خارج عن قاعدة الانتظار العامة، وحينما قال الرب عن يوحنا: «إِنْ كُنْتُ أَشَاءُ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى أَجِيءَ ... فَذَاعَ هذَا الْقَوْلُ بَيْنَ الإِخْوَةِ: إِنَّ ذلِكَ التِّلْمِيذَ لاَ يَمُوتُ» (يوحنا 21: 22 و23) إذ كانت الأفكار مهيأة لانتظار المسيح بدون موت.

إنّ الكنيسة، التي هي عروس المسيح السماوية، غريبة في الأرض. ليس لها أي ارتباط بحساب الأزمنة والأوقات، بل هي تتوقع مجيء عريسها لأخذها إليه في أية لحظة، إذ لا يرتبط مجيئه لها بأية علامات أو حوادث، ولا يحدَد بتاريخ معين.

يوجد في سفر الرؤيا تفصيلات المشاهد الختامية لدينونات الله التي ستنصب على الأرض. فلو كان مجيء المسيح لأخذ قديسيه إليه يرتبط بهذه الحوادث، إذاً ما كان يجوز لنا أن ننتظر مجيء المسيح إلا بعد أن تُفتح كل الختوم، وتُضرب كل الأبواق، وتنصَب كل الجامات. ولكننا نجد العكس إذ يختم الرسول السفر بالإجابة على قول الرب: «نَعَمْ! أَنَا آتِي سَرِيعًا» بالقول: «آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ» (رؤيا 22: 20). هل يمكن أن نعتقد أنّ سفر الرؤيا قد كُتِب لكي يهدم الرجاء المسيحي، بما سرده لنا من حوادث لابد أن تقع على الأرض؟ حاشا. بل جاء ليثبِّت الرجاء. وفي ختامه نجد القول «وَالرُّوحُ وَالْعَرُوسُ يَقُولاَنِ:«تَعَالَ!». وَمَنْ يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ: «تَعَالَ!» (رؤيا 22: 17).

أما كل الحوادث المبيَّنة في سفر الرؤيا، فستحدث بعد اختطاف الكنيسة. ونجد الدليل على ذلك واضحاً في قول الرب ليوحنا في أول الأصحاح الرابع «اصْعَدْ إِلَى هُنَا فَأُرِيَكَ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَصِيرَ بَعْدَ هذَا»، أي بعد انتهاء تاريخ الكنيسة على الأرض المعبر عنه «بما هو كائن». فالحوادث المبينة ابتداء من الأصحاح الرابع جميعها تحدث بعد اختطاف الكنيسة. وأقوى دليل على ذلك هو أنّ أول ما رآه يوحنا في الأصحاح الرابع هو عرش الله وحوله أربعة وعشرون عرشاً يجلس عليها أربعة وعشرون شيخاً. من هم هؤلاء الشيوخ الأربعة والعشرون؟ هم جميع المؤمنين من راقدين وأحياء ، بعد أن اختطفهم الرب من الأرض إلى السماء، ممثَلين برؤساء فرق الكهنة الأربعة والعشرين (انظر 2أخبار 24: 1-19). فجميع المؤمنين يكونون في السماء قبل أن تقع على الأرض الحوادث التي تكلم عنها الرب في متّى 24، والمبيَّن تفصيلاتها في سفر الرؤيا. ولا يمكن أن يكون هؤلاء جزء من المؤمنين، لأنّ الجزء لا يتفق مع رمز الأربعة والعشرين. ولكن لماذا لا يُذكر الاختطاف في سفر الرؤيا بعد الأصحاح الثالث الذي فيه ينتهي تاريخ الكنيسة على الأرض، وقبل الأصحاح الرابع حيث يُرى المؤمنون في السماء؟ السبب هو أنّ الكنيسة في سفر الرؤيا منظورة تحت المسؤولية، أما اختطاف جميع المؤمنين من كل الأجيال فهو على أساس النعمة الغنية.

نستخلص من هذه التأملات أنه لا يوجد أي دليل في الكتاب على وجود حوادث يجب أن تقع قبل مجيء المسيح لأخذ جميع قديسيه إليه، بل كل ما جاء في الكتاب يبين أنّ الرب آت سريعاً. أنّ مشيئته هي أن يكون المؤمنون في انتظار دائم لمجيئه باستعداد وشوق. وإذا كان الرب قد تأنّى في مجيئه إلى الآن فليس لذلك إلا تفسير واحد وهو أنه: «يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ» (2بطرس 3: 9). فليت كل قارئ لم يأتِ إلى الآن للمسيح بالإيمان القلبي يستفيد من أناة الله، وينتهز الفرصة لتسليم حياته للمسيح الآن، لأنّ «الآنَ وَقْتٌ مَقْبُولٌ... الآنَ يَوْمُ خَلاَصٍ» (2كورنثوس 6: 2)، ليته يبدأ اليوم حياة جديدة سعيدة مع الرب فيكون هذا اليوم هو تاريخ ميلاده الجديد. وليت جميع المؤمنين ينهضون لانتظار مجيء المسيح بقلوب مشتاقة غير موضوعة على شيء من حطام هذه الدنيا. ليتهم يضاعفون الجهد في خدمة السيد «مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي الرَّبِّ» (1كورنثوس 15: 58).