العودة الى الصفحة السابقة
المرأة الفينيقية - الجزء الاول

المرأة الفينيقية - الجزء الاول

«حِينَئِذٍ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ. فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ» (متّى 28:15).

جون نور


نحن الآن عِند حدود صور وصيدا. فقد ترك المُعلّم أرض اليَهودية وسار إلى أرض الأُمم. لقد ضاقت نفسه لعدم إيمان «الشعب اليهودي». فإنهم بالرغم من البراهين الكثيرة التي شهدت بها حياة يسوع استمرّوا يُقاوِمونه ويَضطهدونه. ورُبّما يجد عِند الوَثنيين الإيمان الذي لم يَجده عند أبناء جلدته!! وقبل أن يتوغل في أرض الأمم أقبلت نحوه امرأة أرملة عرفنا فيما بَعد أن لها إبنة وَحيدة. وإن المَرأة كَانت كِنعانية فينيقيّة، وقد أقبلت صارخة: «ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ!» (متّى 15: 22).

ابنتي مَجنونة جِدّاً!!

كانت المَرأة قد سمعت عن النبي اليهودي وعن آياته وقوّاته، فلما جاء إلى المكان الذي تقيم فيه أحسّت أن العناية هي التي أرسلته، ومع أن المرأة لم تكن تعلم شيئاً تفصيلياً عن المسيّا وعن أنه ابن داود إلاّ أنهم أخبروها أنه ابن داود ولذلك ركضت خَلفه وهي تصرخ: «ارحمني يا ابن داود». ما لك أيتها المَرأة وابن داود لقد أخطأت الاتجاه إن يسوع هو ابن داود لليهود الذين كَانوا يَنتظرون ملك لليهود، ما لك أيتها الوثنيّة وابن داود فإن يسوع هو ابن الله!

لقد سمع السيد صلاتها على الرغم من أنها وجهتها إلى ابن داود، على أنه عمل معها كما يعمل معنا ومع غيرنا في كَثير من الأحيان – صمت ولم يجب الطلبة!

وظَلّت المَرأة تصرخ خلفه، ارحمني يا سيّد يا ابن داود، ابنتي مَجنونة جِدّاً!!

وكان صُراخها لَهيب نار خارجاً من قلب أم. وظلّ السيد على صَمتِه مُدّة طَويلة!

لم تَفشل المَرأة بل استمرّت تصرخ طول الطَريق.

وكان صَوتها داوياً حتى أن التلاميذ تَضايقوا من صُراخها والتمسوا مِنه أن يَستَجيب لصراخها ويشفي ابنتها. قالوا ذلك ليس لأنهم رأفوا بحالتها وأشفقوا عليها واشتركوا في ألمها. كلا. بل كانت وساطتهم بدافع أناني فقد ضاقت نفوسهم من صراخها وانزعجوا من اتّباعها إيّاهُم وأرادوا أن يَستَريحوا مِنها وهُم يَقولون اصرِفها لأنها تَصيح وَراءنا!

ولم يسمع المُعلّم لصوت تلاميذه وأعلن أن رِسالته الأولى ليست للأمم. وإنما لإسرائيل وهو لم يفرغ بعد من رِسالته لهم. ولو أنه وسع دائرة خدمته لما كفاه الزمن القليل الذي سيقضيه على الأرض. وهو لذلك قد نظم زِيارته بحيث تَناولت الشعب المُختار!

وبِالرُغم من أن المَرأة سمعت الكلام الواضِح أنه لم يُرسِل إلاّ إلى خِراف بَيت إسرائِيل الضالة فإنها ظَلّت تَتبعه صارخة ارحمني يا ابن داود. ابنتي مَجنونة جداً!

يا لحب الأم!!

إنه لا يقف عند حدّ. إنه يخترق المسالك غير المَطروقة ويصعد الجِبال الشَامِخة ويَحتمل المُقاومة والصَدّ ويَظلّ مُحتَفِظاً بِقوّة إيمانِه. إن المَرأة لا تعود إلى البَيت ولا تُسلّم بِالهَزيمة وها نحن نرى المَرأة تتبع يسوع وهي لا تكف عن الصراخ خلفه حتى دخل بيتاً. وظنّ التلاميذ أن المرأة ستعود إلى بيتها ولكنهم أخطئوا.. لا شيء يمنعها من أتباعه ولا حتى دخوله بَيتاً غَريباً. فهي تدخل خلفه وتَجثو عِند قَدميه وتَسكُب دموعها فَيّاضة تبلّ الأرض تَحته وتَقول بنغمة باكِية يا سيد أعنّي!

ونظر السيّد إلى المَرأة. كانت كلماته قاسِية ولكن يا للعجب أن وجهه لَيّن وعَينيّه يَفيض مِنهما عَطِف وحُب. كان وَجهه يُشجعها ولكن كلماته تَصدّها. «لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب» (متّى 15: 26).

وكانت الكَلِمات مَثلاً مَعروفاً لا يحمل قوة الخشونة التي نراها نحن. ولكنه على ألين صورة – تَعبير قاسٍ وخَشِن. وسواء كان المَقصود بِالكِلاب، الكِلاب الضَالة المؤذِيّة أو الكِلاب المُدللة في البيت، فإن المِعنى أن مَكان المَرأة كأممية بِالنِسبة لِخِدمة يسوع مَكان من لا يَجوز أن تُعطى حَقّ الغير. فهل فرغ صبر المرأة وهل صاحَت فيه مُحتجة، ولعنت ذلك الشعب اليَهودي البغيض. هل قامت ووجهها نحو بيتها. هل فعلت شيئاً من ذلك؟ كلا. بل انحنت أمام كلماته وأجابت نعم. نعم يا سيّد ليس حَسناً أن يؤخذ خبز البَنين ويُطرَح لِلكِلاب! ولَكني لا أطلب خبز البَنين إنني أطلب الفتات السَاقِط مِن مَائِدتهم «وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!» ((متّى 15: 27) وهُنا تَعجّب يَسوع وَكان تَعجّبه عَظيماً جِدّاً.

«يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ» (متّى 15: 28). وهَكذا انتصر إيمانها وشُفيت ابنتها مِن تِلكَ السَاعة.

عزيزي المستمع هل لنا هذا المقدار من الإيمان الذي طالبت به المرأة الفينيقية يسوع هل نطالب ونصر على أخذ البركة من الرب مطالبين بها بالرغم من كل الظروف والمفاهيم المتناقضة المحيطة بنا.

قال يسوع: «اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ» (متّى 7: 7). اطلب اليوم بنفس إصرار المرأة الفينيقية. اطلب منه البركة والنعمة وقبل ذلك خلاص نفسك وروحك متوقعاً شفائه الإلهي كما شفى ابنة هذه المرأة.