العودة الى الصفحة السابقة
إرادة الله للجميع

إرادة الله للجميع

القس. جون نور


إنّ الخلاص هو إرادة الله لحياتك كما هو إرادة الله للجميع. هذا الخلاص المعد لك هو بواسطة يسوع المسيح. يتجه تفكير الكثيرين إلى أن إرادة الله شيء يمكن أن يعرف بطرق محسوسة ملموسة ويتجهون بكل طاقاتهم لهذه الطرق. وينادي البعض أن الإنسان الروحي يصل إلى شفافية روحية يعرف بها إرادة الله بسهولة ويسر. إن محاولة الوصول إلى اكتشاف إرادة الله موضوع خلافات كثيرة في الرأي. وقد أخطأ بعض المفكرين العصريين عندما نادوا بأن الله أكبر من الفرد ولا يعتني بالفرد، وأن الله أكبر من أن يضيع وقته على أفراد.

لقد أعلن الكتاب المقدس إرادة الله الصادقة لخلاص البشرية. وقد كان واضحاً أن الله يعلن إرادته في الكتاب المقدس، مهاجماً قوات الشر محطماً إبليس. فإن إبليس عدو كل إنسان يريد أن يحطم حياة البشر ويهلكها. لذلك أعلن الله إرادته الصريحة لخلاص البشرية. وكان آخر إعلان مجيد لها تجسد السيد في شخص المسيح، بحيث يكون الإعلان كاملاً موضحاً للبشرية صورة صادقة لذات الله.

من هذا نرى أن الخلاص هو إرادة الله للجميع. قال يسوع:{لأن هذه هي مشيئة الذي أرسلني أن كل من يرى الابن ويؤمن به، تكون له حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير}{فهو يريد ان الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون}. ويتعمق بولس الرسول في قوله: {إذ سبق فعيننا للتبني، بيسوع المسيح لنفسه. حسب مسرة مشيئته} (أفسس 5:1) أو قوله {الذي بذل نفسه لأجل خطايانا لينقذنا من العالم الحاضر حسب إرادة الله وأبينا} (غلاطية 4:1) كيف لا، وقد {شاء فولدنا بكلمة الحق، لكي نكون باكورة من خلائقه}(يعقوب 18:1).

إلا أن الإنسان وهو يواجه إرادة الله للخلاص يواجه صراعاً نفسياً وروحياً مريراً. لذلك كان تدبير الله المبارك أن يخلص الخطاة، {فيستفيقوا من فخ إبليس إذ قد أقتنصهم لإرادته}(تيموثاوس الثانية 26:2).

إن إرادة الله السامية للإنسان هي أن ترفع الإنسان من هوة الهلاك، إلى حياة روحية مقدسة ممتلئة من روحه، وتعده لحياة مجيدة في خدمة مباركة مثمرة.

وهنا قد يتساءل شخص؟ هل هذا يشملني أنا؟ وأنا قد ارتكبت شروراً عديدة، وصنعت الشر أمام عيني الله؟ نعم... إنه يشرق شمسه على الأبرار كما يشرق شمسه على الأشرار. إن كل البشر أبناء لله بحكم الخلق وبحقه. والله يعطف على كل البشرية.هذا إلى جانب أنه لا يوجد من لم يخطئ. وهل يميز الله بين من أخطأ بالكثير ومن أخطأ بالقليل؟ فالكل قد انحرفوا عنه، زاغوا وفسدوا وليس من يعمل صلاحا. لكن إرادة الله لجميع الناس أن يخلصوا وأن يعيشوا حياة البر والتقوى معه.

عندما خلق الإنسان، خلقه الله على صورته في البر وقداسة الحق. معنى ذلك أنه خلق الإنسان متمتعاً بقدر وافر من الذكاء وبقدر كاف من الحرية. وهنا نجد الفرق بين الإنسان والحيوان، فالإنسان ذكي حر الإرادة. ثم أحال الله للإنسان مسئولية إدارة الكون والسيادة على الخليقة كلها.

خُلِقَ الإنسان على {صورة الله}. فقد أخذ الإنسان صفات من صفات الله. فالإنسان ذاتٌ حُرة، له كيانه وشخصيته. له حرية التصرف والحركة، وعندما أعطاه الله سلطاناً على الكائنات صار الإنسان قوة لا يستهان بها. لقد أخذ الإنسان سلطات واسعة من الله لكي يدير بها الكون. لذلك ليس غريباً أن تطأ قدم الإنسان أرض القمر، وليس غريباً أن يتقدم العالم إلى ما هو أعظم من ذلك.

لقد أعد الله لكل واحد عملاً خاصاً واتجاهات خاصة. قد ننظر إلى الأعمال العظيمة أنها مخططة بإرادة الله، ونحتقر الحياة العادية. لا يجوز أن ننسى الأعمال العظيمة تتولد دائماً من الحياة العادية. تأمل رجال الله القديسين الأنبياء والرسل، كل هؤلاء أناس متواضعون اكتشفوا برنامج الله لهم وحققوه. بل هناك أناس عاشوا عيشة عادية، واستمروا فيها وأدوا رسائل عظيمة كأناس عاديين. لم تلمع أسماؤهم بين الكواكب المشهورة، لكنهم كواكب في جلد السماء، ولهم أهميتهم التي تفوق في فاعليتها الكواكب الكبيرة ظاهرياً. كثيرون من هؤلاء اكتشفوا إرادة الله فعرفوا أن الله سبق فأعد لهم برامجً حية مباركة لحياتهم، فساروا على نهجها.

إن خطة الله لحياة الإنسان تتناسب مع مواهب الإنسان وإستعدادته الفطرية والإكتسابية. إنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمقدرات الإنسان الفعلية، وتبدأ منها. ولهذا جاءت إرادة الله وخطته لكل فرد، خطة حكيمة عاقلة، واضحة المعالم، محددة الاتجاه، صالحة لحياته.

خلق الله العالم وكونه ووضع نظمه وقوانينه، وتركه يسير ويعمل، والعالم نتيجة لذلك يعيش في سعادة وتعاسة، فرح وحزن، نهار وليل، نور وظلمة، طريق الإيمان وطريق العصيان ولعل هذه ترتبط أساساً بحرية الإنسان. فللإنسان أن يختار ما يريد، كما أن الطبيعة تعطي الشمس بخيراتها والبراكين والزلازل، والأعاصير بكل شرورها. ومع ذلك فإن الله ليس هو أصل الشر والألم. وفي ضوء العهد الجديد، لسنا نرى أن الله {يزور} العالم عن طريق الكوارث، كما فهم العهد القديم {فإن الله} - في ضوء مفاهيم العهد الجديد، وفي الإعلان الصادر في شخص الرب يسوع المسيح - ليس قاضياً. وليس منتقماً جباراً، ولكنه {محبة}. إن إرادة الله تظهر في تصرفات الحب والرحمة. إن الله نور وليس ظلمة. إن كوارث الدهر ظلمة، ولا يمكن أن تكون من الله.

الله أيها الإنسان أعطاك حرية الإرادة لكي ما تختار بين الشر و الخير. يجب ان لا ننسى بأن الله خلقنا لأعمال صالحة سبق ان أعدها لنا، أي ان الله وضع لك برنامج حياتك، ولكنه لا يجبرك على ان تسير بموجبه، بل يعطيك إمكانية الاختيار لتقول نعم أريد او لا أريد.أيها المستمع اجعل إرادة الله دستورا لحياتك وسر بموجبها و الرب سيقودك في موكب نصرته.وسيبارك كل ايام حياتك ويغنيها بمحبته.