العودة الى الصفحة السابقة
كيف نعرف إرادة الله؟ (1)

كيف نعرف إرادة الله؟ (1)

جون نور


ربما سألت نفسك من قبل: كيف أستطيع أن أعرف إرادة الله؟ أو هل أستطيع أن أعرف إرادة الله؟

إن الجواب على السؤال الأخير يتوقف على ما نعني بالعبارة {إرادة الله وبالكلمة {نعرف}. هل نستخدم هذا التعبير وهذه الكلمة بمعنى نسبي أم بمعنى مطلق كامل؟ إن كان بمعنى نسبي فالجواب نعم. أما إن كان بمعنى مطلق فالجواب يكون بالنفي.

إن الإنسان يستطيع أن يعرف إرادة الله، لكنه لا يستطيع أن يعرفها معرفة تامة كاملة. إن إرادة الله أكبر وأوسع وأعمق من أن يدركها إنسان - مهما بلغ من النضج - إدراكاً تاماً. إلا أننا لسنا متروكين نحمل كريشة في مهب الريح في هذا العالم، بدون أي إدراك للتوجيه الإلهي. إن اختبارات الكثيرين من أولاد الله، واختباراتك أنت على الأرجح، تبرهن أننا نستطيع أن نحظى بإدراك إرادة الله، بصورة عميقة تكفي أن تساعدنا على إتخاذ الخطوة الضرورية التالية. فنستطيع أن نعرف ما نحتاج أن نعرفه في نقطة معينة، في الوقت المناسب، ونستطيع أن نتطلع إلى الأمام، بمزيد من الاختبارات الغنية، ونحن نطلب أن نتبع إرادة الله لحياتنا.

من ناحية أخرى، قد تجده صعباً في بعض الأحيان أن تعرف إرادة الله، كما يحدث معي كثيراً. وهذا أحد الأسباب التي تدعونا أن نستخدم كل مصدر ميسور لنا، وكل وسيلة في طاقتنا لمعرفة إرادة الله. وينبغي أن نجمع كل هذه المصادر والوسائل التي نستعين بها في سعينا لمعرفة إرادة الله، ونضمها معاً كما في حزمة واحدة. فكلها مرتبطة معاً، وتكمل أحداها الأخرى بطريقة ما. لذلك لا نستطيع أن نحذف شيئاً منها. إذا أردنا أن نكون حكماء في الأمر. فهي جميعاً ضرورية مع إختلاف درجاتها. لمعرفة إرادة الله. كلها هبات صالحة منحها لنا الله لننتفع بها في بحثنا عن معرفة إرادته.

وقبل أن نبحث أول {هبات الله الصالحة} هذه، أذكر إفتراضاً، وأقدم عبارة، وأسأل سؤالاً. أما الإفتراض فهو: إفترض أنك نشيط في كنيستك - في برنامجها التعليمي والتدريبي، وفي خدمات عبادتها، وفي رسالتها التبشيرية والمرسلية للبعيدين. وأما العبارة فهي: أن أفضل ضمان لمعرفة إرادة الله للمستقبل، هو أن تكون داخل نطاق إرادة الله في الحاضر. وأما السؤال فهو: هل هناك شك في ذهنك أنك داخل نطاق إرادة الله في الحاضر؟

إن الكتاب المقدس يعلن جلياً أن الإنسان خلق على صورة الله فلما فسد الإنسان تشوهت تلك الصورة وفسدت، ولكنها لم تتلف كلياً. وتستعاد هذه الصورة بمعنى ما، عندما يصبح الإنسان خليقة جديدة عن طريق إتحاده بالمسيح الذي هو صورة الآب بعينها. إلا أن هذه الصورة لا تستعاد بشكل كامل إلا عند نهاية سفرة الحياة، عندما نستيقظ بشبه المسيح.

وعدم كمال هذه الإستعادة يوضح الجوع الدائم عند أبناء الله، لإتصال أعمق وأكمل بالآب السماوي. وهذا الجوع الداخلي يزداد شدة في حياة أبناء الله الأكثر نضوجاً وبلوغاً. فكلما عرفنا أكثر عن طبيعة الله وإرادته وجدنا بأكثر جلاء إننا في مزيد الشوق لمعرفة أكثر.

هذه الرغبة العميقة المتزايدة، تتصل أوثق صلة، وتعتمد كل الإعتماد على رغبتنا القوية لإطاعة إرادته. إن الله ينتظر منا أن نستخدم كل طاقاتنا وإمكانياتنا في طلب معرفة إرادته. ويندر جداً أن يعلن إرادته لنا بطريقة معجزية. ولنا أن نثق أنه يستجيب لنا، إذا نحن طلبنا أن نعرف إرادته.

عقولنا. إن الله أعطانا طبيعة عاقلة، وينتظر منا أن نستخدمها. فإستخدام الإدراك الذي لنا، يساعدنا كثيراً في سعينا لتحقيق غرض الله.

أرغب أن أطبق هذا الإدراك المعقول على مثلين معينين. الأول إن الله لا يريد أن يستخدم كطبيب مرسل شاباً أهمل دروسه العلمية إهمالاً جعله لا يحصل على الدرجات التي تؤهله لدخول كلية طب. والمثل الثاني، إن الإدراك المعقول يرى أنه ليس من الحكمة لإمرأة في سن الأربعين أن تتزوج شاباً في سن العشرين. هذان مثلان متطرفان لكنهما يبينان أن إستخدام العقل الذي منحك الله إياه، يساعدك فعلاً في كل قرار يختص بعمل حياتك أو بشريكة حياتك. فعندما تكون بصدد إتخاذ شيء من هذه القرارات الخطيرة، لا تسمح لعقلك أن يأخذ إجازة.

والمقدرة على التفكير السليم وإستخدام العقل، تساعدك أيضاً المرة تلو الأخرى، في قرارات الحياة اليومية. فعندما تجابه موضوع الصواب والخطأ، أو الحلال والحرام، في أمر معين، فكر في النتائج المحتملة. لاحظ ما تركته قرارات الآخرين في مثل هذه الحالة من أثر في أعمالهم. لاحظ من مشاهداتك ومن الجرائد أثر الخمر على شاربيها مثلاً. وهكذا إستخدم عقلك في الحكم على صوابية القرار الذي تتخذه، فإن العقل هبة من الله لك لإستخدامها.

قد تقول: {لكن هذا لا ينطبق عليّ، فإني أشرب ما أشاء من الخمر. وأحتفظ بإتزاني وضبط نفسي}. ترى هل تستطيع حقاً أن تضبط نفسك؟ كيف تعرف ذلك؟ أن الواقع أثبت أنه لا يستطيع أحد أن يتأكد إن كان يستطيع أن يقاوم عادة الشرب بعد أن بدأها أم يضعف أمامها. فإنه عندما يشرب الإنسان الكأس الأولى، قد يتخذ بذلك الخطوة الأولى التي تجعله عبداً للخمر.

إن العقل يأمر الإنسان أن لا يتناول الكأس الأولى، فإنه حتى لو تأكد الإنسان أنه لن يصير سكيراً، فتوجد براهين أخرى قاطعة ضد شرب الخمور.

كذلك يوصي العقل بعدم التدخين. إني أشعر أني لست في حاجة إلى إعلان خاص من الله ينهاني عن التدخين. يكفي ما أثبتته الأبحاث العلمية السليمة الحديثة عن علاقة التدخين بالسرطان.

إنك بإستخدام الملاحظة الذكية وتطبيق العلم والإدراك السليم تجد خير مساعد، يعينك في إيجاد حل لكثير من المشاكل التي تجابهك.

ضمائرنا. ليس هذا مجال بحث فني عن طبيعة الضمير. إنما نكتفي بذكر عبارتين أو ثلاث لمساعدتنا في تحديد ما نقصده عندما نستخدم كلمة {الضمير}. نحن لا نقصد أن للإنسان مقدرة فطرية غريزية ترشده إلى الصواب ولا تخطيء أبداً. بل نقصد أن الله وضع داخل الإنسان شعوراً بعمل ما يجب، وإقتناعا داخلياً بأن هناك شيئاً يعرف بالصواب أو بالخطأ. هذا الوجدان جزء مما منحه الله للإنسان ليعرف إرادته تعالى. وهذا ما يجعل الإنسان مسؤولاً أخلاقياً.

بعكس هذه الغريزة الفطرية بعمل ما يجب، نذكر أن رضى ضمير الإنسان بما يعتبره صواباً أو خطأ ليس غريزياً ولا فطرياً فيه، بل هو متوقف إلى حد كبير على حصيلة إختباره الأخلاقي - أي على ما تعلمه في البيت والمدرسة والكنيسة ومن الأصدقاء والمعارف والمجتمع، ومن الأختبار الشخصي.

فمع أننا جميعاً نتفق على وجود ما يسمى بالخطأ أو الصواب، إلا أننا كثيراً ما نختلف في تحديد الخطأ أو الصواب، وهذا معناه أن الإنسان قد يتبع ما يشير عليه ضميره بعمله ويكون على خطأ. ولهذا فالضمير في حاجة إلى تدريب وتهذيب حتى يتعود أن يكون حساساً. إن الضمير ليس {صوت الله} مع أنه قد يكون {إذن النفس} كما يقولون. وحتى لو صح ذلك فإن الأذن تحتاج إلى تدريب.

هل يعني ذلك إننا لا نستطيع أن نثق في الضمير، وبالتالي أنه لا ينبغي أن نتبع ضمائرنا؟ لقد أشرنا فيما سبق أن ضمائرنا ليست دائماً على صواب، إلا أننا يجب أن نفعل دائماً ما تقول ضمائرنا أنه صواب ومستقيم. هناك فرق بين عصمة الضمير وسلطة الضمير. الضمير قد يخطئ أحياناً، لكن يجب إطاعته. إن أفضل ضمان لإمكانية حصولنا على ضمير حساس فيما بعد، هو أن نتبع الضمير الذي لنا الآن. وبعبارة أخرى، إن فعل الخطأ عمداً، أو مخالفة ضمائرنا سيؤثر تأثيراً عكسياً على أحكامنا الأخلاقية. ومعنى ذلك أنه من الخطأ، ومن عدم الحكمة، أن نفعل ما توحي به ضمائرنا أنه من الخطأ فعله.

إذاً علينا مسؤولية مزدوجة تجاه ضمائرنا: أن نطيع الضمير وأن نهذبه. وإذا راعينا هاتين المسؤوليتين المراعاة الواجبة، فسنجد أن ما نسميه ضميرنا سيساعدنا مساعدة كبرى في تحقيق إرادة الله.

محدودياتنا. بينا فيما سبق أن إمكانيات الإنسان وموارده محدودة. وبينا أيضاً أننا لو كنا نفكر تفكيراً سليماً مستقيماً، لرأينا حكمة إتمام إرادة الله. لكننا للأسف لا نستطيع أن نفكر تفكيراً مستقيماً كل الاستقامة، فلقد أثرت الخطية في شخصيتنا بجملتها، بما فيها طبيعتنا العاقلة. وعدم قدرتنا على التفكير المستقيم بإستمرار يوضح ضرورة عدم الإعتماد على ضمائرنا. صحيح إننا محدودون، إلا أن الله ينتظر منا أن نستخدم ما عندنا. يجب أن نسلم بمحدودية مواردنا الطبيعية، ثم ندرك حاجتنا للمعونة ونحن نطلب أن نعرف إرادة الله وأن نتممها. وإنطلاقاً من عدم مقدرتنا على أن نثق كل الثقة في مواردنا، قال الدكتور و.أ. كارفر عبارة ساعدتني كثيراً عند إتخاذي قراراً خطيراً. وهذه ترجمة ما قاله بالحرف الواحد: {عندما تتأمل أمراً تأملاً دقيقاً من كل ناحية، ويرشدك عقلك إلى شيء، وقلبك إلى شيء آخر، فإتبع ما يرشدك إليه قلبك}. كأنه يقول - إن كنت أفهم قصده تماماً - على المرء أن يتبع التوجيه الداخلي الذي يأتيه من قيادة الروح القدس. وفي تلك المناسبة أتبعت قلبي أكثر من رأسي. وعلى مر السنين وأنا أشكر الله، الذي إستخدم الدكتور كارفر ليقول هذه العبارة التي كانت مرشداً لحياتي.

لا تستنتج من هذا أن الرأس والقلب يتناقضان دائماً، فإنهما في معظم الأحيان يتفقان تمام الإتفاق، ويعلنان نفس الشيء الواحد. وعلى كل حال فمن الحكمة أن يطلب القلب مشورة من الرأس. ولا يستطيع أن يتبع نداءات القلب الداخلية إلا الشخص الذي يفكر دون أن يتأثر بالعوامل العاطفية.