العودة الى الصفحة السابقة
صحة الكتاب المقدس

صحة الكتاب المقدس

القس. جون نور


هل الكتاب المقدس الذي بين أيدينا هو كتاب الله، أم هو مؤلف بشري؟ هل وصلت إلينا كلمة الله عبر القرون والأجيال صحيحة، أم عبثت بها الأيدي؟ فقد فُقَّدتْ بعض أجزائها أم استطاع الله الذي أوحي بها أن يحفظها من الضياع والتلف؟.

تقول كلمة الوحي المقدس «لأن كل جسد كعشب وكل مجد إنسان كزهر عشب. العشب يبس وزهره سقط. وأما كلمة الرب فتثبت إلى الأبد» (1 بطرس 24:1 ،25).

مثل هذه الأسئلة الجادة لا بد أنها تشغل فكر كل شخص مخلص يبحث عن الحق ويبحث عن خلاص نفسه. فإنه لو تزعزع يقيننا في الكتاب المقدس، فإن كل ما تعلمناه من هذا الكتاب يصبح غير ذي موضوع، عندها إيماننا يصبح كبناء بغير أساس.

هل الكتاب المقدس موحى به من الله؟

عندما نقول أن الكتاب المقدس هو موحى به من الله (2 تيموثاوس 16:3) فإننا نقصد أن الكتاب هو أنفاس الله، التي أرسلها إلى أواني الوحي فانطبق على كتاباتهم القول «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله» (متى 4:4).

قديماً نفخ الله في الإنسان الأول، فصار آدم نفساً حية (تكوين 7:2). وهذا الكتاب المقدس، إذ هو نفخة الله فهو لذلك كتاب حي كقول الرب له المجد «الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة» (يوحنا 63:6).

فالوحي ليس هو إلهاماً من العقل الطبيعي، كالذي يصاحب الشعراء عند كتابة قصائدهم. بل هو تأثير روح الله الفائق للطبيعة على الفكر البشري، به تأهل الأنبياءُ والرسلُ والكتبة المقدسون لأن يقدموا الحق الإلهي بدون أي مزيج من الخطأ، فالوحي هو أمر لازم وحتمي. فلولاه ما كان ممكناً لبشر أن يعرف الله، ولا حتى يعرف نفسه. يقول الرسول بولس «ما لم تر عين، ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه فأعلنه الله لنا نحن بروحه»(1 كورنثوس 9:2، 10).

ولقد ظلت الشهادة لله من أيام آدم شفوية، يتناقلها الخلف عن السلف (تكوين 26:4). ولقد دعم الله هذه الشهادة بطول الأعمار (تكوين 5)، فلما قصرت أيام الإنسان، وكان موسى هو الشخص الذي أعلن هذا الأمر (مزمور 10:90)، كان هو نفسه الإناء المستخدم لكتابة الأسفار الأولى للكتاب المقدس.

ومن سفر يشوع 8:1 نفهم أن ما كتبه موسى قبل ذلك بفترة وجيزة كان مقبولاً وقتها باعتباره كلام الله نَفسِهِ.

ثم كان كلما أعطى الله وحياً جديداً يضاف جنباً إلى جنب مع أسفار موسى، ويعترف به من كل شعب الله: فمثلاً نجد أن أشعياء يقتبس من نبوة ميخا التي كتبت قبله بسنوات قليلة (أشعياء 2:2 - 4 مع ميخا 1:4 - 3). وكذلك يشير دانيال إلى نبوة أرميا التي كتبت قبله بفترة وجيزة كذلك (دانيال 2:9، إرميا 8:25 - 12، 10:29 - 14). وهكذا أخذ كتاب الله ينمو شيئاً فشيئاً (عبرانيين 1:1) حتى جاء عزرا الكاتب (بعد السبي البابلي) فجمع هذا السفر معاً، وظهرت الأسفار لأول مرة في كتاب واحد.

ونفس الأمر بالنسبة لأسفار العهد الجديد. فنحن نجد أن بولس في رسالته الأولى إلى تيموثاوس والتي كتبت نحو عامِ 66 م يقتبس من إنجيل لوقا ويشير إليها على أنها جزء من الكتاب (1 تيموثاوس 18:5 مع لوقا 7:10). وبالمثل نجد بطرس في رسالته الثانية والتي كتبت نحو عام 66 م أيضاً يشير إلى رسائل بولس، مما يبرهن على أنها كانت في ذلك الوقت معتبرة من الجميع إنها وحي الله وجزء من كلمته المقدسة.

هل فقدت كلمات الوحي أم حفظها الله من الضياع؟

مع أن النسخ الأصلية المكتوبة بخط كتبة الوحي أو من أمليت عليهم منهم قد فقدت ولا يعرف أحد مصيرها، إلا أن كلمات الوحي ذاتهِا لم تفقد، فلقد سمح الله بضياع هذه النسخ الأصلية، لأن القلب البشري يميل إلى تقديس وعبادة المخلفات المقدسة، تماماً كما عبد بنو إسرائيل الحية النحاسية التي كانت واسطة إنقاذهم من الموت. ولذا فإن حزقيا النبي قد سحق هذه الحية تماماً (عدد 4:21 - 9، 2 ملوك 1:18 - 6). وهكذا فقد سمح الرب بفقد هذه المخطوطات الأصلية لئلا يَعبُدها البشر.

ولقد كانت الأسفار بعد كتابتها تنسخ مرة ومرات. وهذه العملية وقتئذ لم تكن سهلة، فكان النساخ يلقون الكثير من المشقة، بالإضافة إلى تعرضهم للخطأ في النسخ. وهذا الخطأ كان عرضة أن يتضاعف عند تكرار النسخ. ومع أن أحبار اليهود بذلوا جهداً خارقاً للمحافظة بكل دقة على أقوال الله. لكن ليس معنى ذلك أن عملية النسخ كانت معصومة من الخطأ.

ولو تجاوزنا عن أخطاء النسخ التي يمكن اكتشافها وتميزها بسهولة، فإننا نقول أن ما وصل إلى أيدينا هو كلمة الله الصحيحة دون أدنى تحريف، نظراً لغَيرةِ اليهود في الاحتفاظ بالأسفار المقدسة التي عندهم. فلقد شهد يوسيفوس المؤرخ اليهودي الشهير «أنه لم يجرؤ أحد على أن يزيد على أسفار (العهد القديم) أو ينقص منها حرفاً واحداً عبر الأجيال، ولم يطرأ عليها أي تبديل مهما كان طفيفاً منذ أن وجد إلى يومنا هذا».