العودة الى الصفحة السابقة
لماذا نؤمن بالكتاب المقدس؟

لماذا نؤمن بالكتاب المقدس؟

القس. جون نور


ربما نتساءل هل يجب أن نؤمن بأيِ شيء لمجرد أن الكتاب علمه؟ نستطيع أن نجيب على هذا السؤال ونقول نعم نحن نؤمن بما علمه الكتاب، لأننا نثق أن الكتاب هو كلمة الله وهو لذلك حق وهو أيضاً معصوم. ولكن لماذا نؤمن أنه فعلاً كلمة الله؟ هل لأنه يدعى أنه كلمة الله لذا فهو حق ومعصوم؟ هل يمكن لأي إنسان أو لأي كاتب أو كتابه إدعاء هذا الحق؟ أن الإدعاء فقط لا يمكن أن يمثل حقيقة ثابتة لكن لا بد أن تكون هناك أسباب قوية تدعم قبول هذا الإدعاء.

وبالرغم من هذا التنوع الكبير، وبالرغم من الأجزاء السِتَةِ والستين واللغات المتنوعة والكتاب المتنوعين، إلا أنهم جميعاً انتخبوا لنا فكراً متناسقاً واحداً في كتاب واحد. من السهل أن نذكر العديد من الأفكار المنطقية والكتابية التي تبرز وتظهر وحدة الكتاب المقدس.

في كل صفحات الكتاب المقدس يوجد موضوع واحد أساسي تدور حوله كُلُ الأحداث. إن هذا الموضوع هو {موضوع الفداء} إنه قصة عملية إنقاذ كبيرة مخططةٍ بصورة محكمة. وبالرغم من اختلاف كل سفر عن الآخر في طريقة كتابته وفي كاتبه، إلا أن الصورة الواضحة في الكتاب أن كل هذه الأسفار تحكي قصة واحدة. خطة واحدة، لا بد أن تنفذ، وكل جزء من أجزاء هذه الخطة - سفر - له نصيبه ودوره في فك رموز هذه الخطة والإعلان عنها من بدايتها إلى نهايتها مشتمل على كل التفاصيل.

أن التساؤل المطروح هنا هو: في ضوء تنوع الكتاب المقدس كيف يمكننا أن نشرح تلك الوحدة الملحوظة؟ ما سببها يا ترى؟ إن المنطق المقبول للعقل فكرياً يقول أن (كل تأثير يجب أن تكون له نتيجة مناسبة) ليست أي نتيجة تكفي، ولكن لا بد أن تكون النتيجة مناسبة ومشبعة ومعبرة عن التأثير الذي حدث. ترى كيف نستطيع أن نبرر هذه الوحدة الشاملة في الكتاب المقدس؟ هل سنقول أن الأمر مثلاً قد حدث بمحض المصادفة؟

لما كان الكتاب المقدس المعصوم هو كَلمةَ الله، لذا فلا بد أن نؤمن أنه حق في كل مجالات الإعلان التي يقدمها لنا. لا يمكن لأي كتاب آخر في الوجود أن يثبت صحة وسلامة ذاته بقدر ما أثبت الكتاب المقدس ذلك في إعلاناته عن نفسه وفي تحقيقه وإثباته لهذه الإعلانات.

إذا وضعنا الكتاب المقدس في موضوع الامتحان والفحص، فأننا سنكتشف مقدار هذه الدقة الممُيَزةِ بوضوح كامل...

هناك طريقة واحدة يبرهن بها الكتاب المقدس دقته وهو أنه لا يناقض نفسه، بل أن تماسكه الداخلي وتوافق أجزائه مع بعضها لهي أدق دليل على ذلك، وهذا عجيب في حد ذاته، خاصة إذا تذكرنا التشكيلة الضخمة من الكتب والكتاب الذين ساهموا في بنية هذا الكتاب المقدس.

من أدق الامتحانات لهذه الدقة، امتحان المتشابهات وهي على سبيل المثال تبدو واضحة في الأناجيل. وقد يقول البعض أن هناك تناقضاً بين بعض هذه المتشابهات، ولكن الدارس المتعمق والمتتبع لانطباعات الكاتب من البداية سيكتشف أن هناك انسجاماً دقيقاً في كل ما يروى.

منذ القرون الأولى للمسيحية والباحثون يقدمون لنا أبحاثاً ودراسات ومؤلفات عن (انسجام الأناجيل) بالرغم من اختلاف الكُتابْ وزمن الكتابة.

في كل المجالات التي تَعرضَ الكتاب فيها للبحث والاختبار والفحص، أثبت الكتاب دقته وجدارته وسلامته من الخطأ والتحريف.

في القرن التاسع عشر وصلت موجة النقد للكتاب المقدس إلى قمتها، وكانت إحدى المحاولات القوية للتشكيك في الكتاب المقدس هو القول بأن المادة التاريخية الموجودة في الكتاب المقدس هي قصص من وحي الخيال وأساطير غير حقيقية. وأن الشعب الحثي شعب ليس له وجود، وأعلنوا أيضاً أنه من المحال أن يكون موسى قد كتب أسفاره الخمسة لأنه لم يكن هناك من يقدر على الكتابة في ذلك الوقت، وصرحوا أيضاً بأن سفر الأعمال ليس إلا رواية قصصية لشخصٍ غَيِر معروف في منتصِف القرن الثاني.

واحقاقاً للحق لا بد أن نقول أن هؤلاء النقاد قد وضعوا أنفسهم في موقف شائك حينما كشفت الحفريات والدراسات الجيولوجية عن زيف وعدم صدق إدعاءاتهم، وبقي الكتاب المقدس ثابتاً صلباً يعلن الحق الذي لن يتغير.

إن العادات والتقاليد والحضارةَ التي كانت سائدة في عصر إبراهيم والتي ذكرها الكتاب المقدس أكدت الإكتشافات والحفريات الحديثة أنها صادقة. كذلك الإمبراطورية الحثية التي لم تعرف إلا في الكتاب المقدس اكتشفها {وينكلر} الدارس لعلم الحفريات سنة 1906 م.

من السهل أن نجد في الكتاب المقدس عشرات الأحداث المشابهة للأحداث السابقة. ولا شك أيضاً أن دقة وسلامة الكتاب المقدس لا يمكن أن تقاس بهذه الطريقة فقط، بل أن المناقشة بهذا الأسلوب تقدم لنا واحداً من الأعمدة الأساسية التي ترتكز عليها سلامة ودقة الكتاب المقدس.

ولأن الكتاب المقدس هو كلمة الله، فمن الطبيعي أن نتوقع أن يكون معصوماً وخالياً من كل خطأ على الأقل في المجالات المتاحة للمناقشة والبحث. إذا عجزنا أن نثق فيه في تلك المجالات فمن الطبيعي أيضاً أن نعجز عن أن نثق فيه في المجالات الأخرى التي يصعب وضعها تحت الفحص والاختبار.