العودة الى الصفحة السابقة
معجزات يسوع

معجزات يسوع

القس. جون نور


من غايات مجيء المسيح، ومن دلائل حضوره كما تنبأ الأنبياء عنه من قبل مئات السنين، أنه يملأُ البائسين سروراً والمساكين ابتهاجاً، ويزداد البائسون فرحاً بالرب، لقد قال أن غاية مجيئه في سفر (إشعياء النبي 61: 1-2). «روح السيدِ الرب عليّ، لأن الرب مسحني لأُبشر المساكين، أرسلني لأعصب منكسري القلب، لأُنادي للمسببين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق، لأُنادي بسنة مقبولة للرب، وبيوم انتقام لإلهنا. لأُعزّي كل النائحين» وبهذا يُحَررُ الإنسان من الشر والخطيئة وما يتبعهما من شقاء، ويعيد إلى الإنسان كرامته وسعادته.

لقد كانت المعجزات علامة من علامات الأزمنة لمجيء المسيح وابتداء ملكوته الروحي في النفوس. وتذكر لنا الأناجيل ما يربو على أربعين معجزةٍ أجراها يسوع، بالإضافة إلى كثير غيرها مما لم يدّون في هذا الكتاب. فمنها ما يتناول العناصر الجامدة وقوى الطبيعة، ومنها ما يتعلق بطرد الأرواح الشريرة والشياطين، وهناك ما يتصل بشفاء المرضى على اختلاف عِلَلِهم وعاهاتهم، وهناك ما يختص بإقامة الموتى وإعادتهم إلى الحياة.

وفي معجزة الصيد العجيب (لوقا 5: 4-7، يوحنا 21: 1-8)، كان الرسل قد تعبوا الليل كله عبثاً في محاولة الصيد ولم يستطيعوا أن يمسكوا شيئاً من السمك، فلمّا ألقوا الشبكة بأمر يسوع حصلوا على سمك كثير جداً. ولكن المقصود لم يكن فقط الحصول على السمك، بل إشعار الرسل أنهم مدعوون أن يصيروا صيادي الناس، أي الكارزين بكلمة الله، يصطادونهم لذاك الذي وجدوه أكثر من إنسان عادي، ليكونوا تلاميذ للمسيح. وفي حادثة تهدئة العاصفة (مرقس 4: 35-41)، كان تلاميذ يسوع بالسفينة، والسفينة والرسُلُ على وشك غرق محتوم، وإذا بيسوع ينتهر البحر فتنقلب العاصفة هدوءاً. وما تسكين العاصفة سوى آية (عجيبة) المقصود من ورائها استشفافَ قدرة يسوعَ الخارقة، وإثارة السؤال في النفوس: مَن ترى هذا؟ فحتى الريح والبحر يطيعانه، وكذلك القول في المشي على البحر عندما خاف التلاميذ في السفينة، فجاءهم يسوع ماشياً على البحر (متى 14: 22-32).

إنّ طرد الشياطين من قِبَل المسيح هو أيضاً آيةٌ من آيات حضور الملكوت، فلما أحضروا إليه رجلاً مجنوناً أعمى وأخرس، تحنّن عليه وشفاه. فتعجّب الفريسيون واندهشوا من سلطان عظمته وقدرته الفائقة،«فعلم يسوع أفكارهم وقال لهم، كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب وكل مدينة أو بيت منقسم على ذاته لا يثبت. فإن كان الشيطان، فقد انقسم على ذاته، فكيف تثبت مملكته» (متى 12: 24-26).

لقد كان في ذلك كله آية لهم لو كانوا يؤمنون، أما الذين كفروا قالوا عن يسوع إنه هو بعلزبول رئيس الشياطين، ولهذا اتهموه بالسحر والشعوذة، ونعتوه بالتعامل مع الشياطين وأردفوا قائلين: «ما هذا إلا سحر مبين».

تتناول هذه المعجزات مختلف فئات الشعب من رجال ونساء، وأحداث وكهول، من عامة القوم ومن علّيتهم، من يهود وأمميين، وتمتد إلى مختلف أنواع الأمراض والعاهات.

تلك صورة مصغّرة عن ذلك المستشفى الدائم المتجوّل من حول يسوع، والذي يعيد فيه يسوع العافية والرجاء معاً إلى القلوب الكسيرة. ألم يتنبأ عنه أشعياء من قبل بقوله: «لكن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحملها....» (إشعياء 4:53)؟ ولكن يسوع لم يكن يهدف إلى شفاء الأمراض فحسب، بل إنما هو يجري آية أي يعمل عجيبة، وبذلك يوجّه إشارة، وطوبى لمن وعى القصد وتجاوب معه. فمعجزة الكسيح تأييد لسلطان يسوع على مغفرة الخطايا (مرقس 2: 5-12).

يذكر لنا الإنجيل المقدس بضعة مواقف كان يسوع فيها وجهاً لوجه مع الموت. ونجده فيها كما عهدناه دوماً رقةً وحناناً وعطفاً ومؤاساة. ها هو على مدخل مدينة نايين يلتقي جنازة خارجة من باب المدينة، والمحمول شاب وحيد لأمه الأرملة. هو لا يعرف أحداً هناك، وربما لم يكن أحد يعرفه فيها بعد. رأى الأم الثكلى فأخذته الشفقة، وبدون أن يطلب إليه أحد شيئاً، قال للمرأة، لا تبكي. ودنا فلمس النعش، فوقف حاملوه. فقال للميت: «أيها الشاب لك أقول قُم، فجلس الميت وابتدأ يتكلم فدفعه إلى أُمه» (لو 7: 14-15). وفي جوار كفرناحوم، يأتيه رئيس مجمع يطلب إليه أن يُقيم ابنته الصبية التي ماتت، فلا يكتفي يسوع بصنع المعجزة بكلمة واحدة ومن بعيد، كما فعل لابن قائد المئة (يوحنا 4: 46-54)، بل يذهب بنفسه مع الوالد المفجوع ويجري المعجزة فتعود الفتاة إلى الحياة، فيأمر والديها بإطعامها والسهر عليها والعناء بها (مرقس 5: 22-24، 35 -43).

لم تكن إقامة يسوع للموتى مجرّد مؤاساة عاطفية لأب أو أُم أو أُخت مفجوعين، بل هي دوماً «آية» يجب فهمها، فيسوع يبيّن لنا أنه هو سيّد الحياة والموت، وأنه هو القيامة والحياة. إنه هو الألف والياء، البداية والنهاية، وإن ما يصنع الآن ما هو إلاّ رمز مسبق لقيامته هو، ولقيامة البشر يوم القيامة، أي يوم الدين في اليوم الآخر.