العودة الى الصفحة السابقة
لتعرف إرادة الله أدرس الكتاب المقدس

لتعرف إرادة الله أدرس الكتاب المقدس

جون نور


إن أبانا السماوي لا يحابي في توزيع أفضل هباته. ومن أفضل هباته لنا الكتاب المقدس. ولكن أليس من المؤسف أن هذا كتاب مجهول إلى حد كبير، حتى من الكثيرين من أبناء الله. وهم يجهلونه لأنهم لا يفتحونه. وبالطبع لا يمكن أن نفوز بالإرشاد ما لم نعرف الكتاب المقدس، ما لم نأخذ وقتاً فيه نقرأ الكتاب، وندرسه، ونتأمل فيه مضلين. قد يحتج البعض بأنهم لا يفهمونه عندما يقرأونه، وهم لذلك يفضلون أن يقبلوا معناه كما يقوله لهم بعض الناس، إنما لا ننس أن من عجائب الكتاب المقدس أنه - ولو أن العالم البليغ المتضلع لا يستطيع أن يستنفد أعماقه ويتقصى كل معانيه إلا أن أي قلب باحث مخلص يستطيع أن يفهم حقائقه الأساسية.

بعض تعاليمه الخاصة. في مواضع كثيرة يتكلم الكتاب المقدس كلمة صريحة واضحة في موضوع معين أو مشكلة خاصة. وكلنا نتفق بالتأكيد أنه عندما يتكلم هكذا، تكون عبارته تعبيراً صريحاً عن إرادة الله. وفي الكتاب عبارات كثيرة جداً من هذا النوع، لا يسمح الوقت ولا المجال بحصرها.

تقدم الوصايا العشر مثلاً صالحاً لهذه التعاليم الخاصة في الكتاب المقدس. وهي تلخص الشرائع الأخلاقية الأساسية في العهد القديم. وهي تقول صريحاً أن أبناء الله لا يكون لهم آلهة أخرى، ولا يصنعون لهم تمثالاً منحوتاً، ولا يتخذون إسم الله باطلاً. وأن يوم السبت يجب أن يحفظ مقدساً، وإن الوالدين يجب أن يكرموا. وينص صريحاً بأنه من الخطأ، بل أنه ضد إرادة الله لأي إنسان أن يقتل أو يزني أو يسرق أو يشهد شهادة زور أو يشتهي ما للغير.

ويمكن تفسير بعض هذه الوصايا بطرق متنوعة، لكن هذا لا يؤثر في شرعيتها، كأساس لإرادة الله في دائرتها. ولا ننس أن هذه الكلمات يسندها سلطان الله المطلق التام في الكون. وهو يتكلم بها لكل عصر. فلما يقتل إنسان، أو يزني، أو يسرق، أو يشهد بالزور، أو يشتهي ما للغير، يكسر إحدى وصايا الله. ولا يستطيع الإنسان أن يكسر شريعة من شرائع الله الأساسية، بدون أن يلقى عقابه على هذا التعدي عاجلاً أم آجلاً.

ويوجد كثير من التعاليم الخاصة الأخرى، تتعلق بمواضيع عديدة في العهدين القديم والجديد، فلنلخص الموضوع في القول إننا عندما نقرأ هذه التعاليم ونفسرها التفسير الصحيح، نجد فيها تعبيراً عن إرادة الله في حياتنا.

يجدر بنا، في هذا المجال، أن نذكر كلمة تحذير. لا شك أنه يجب علينا أن نطيع ما نفسره بأنه صوت الله لنا في الكتاب، ولكن حذار من أن نتشدد في الجزم بأن تفسيرنا الخاص هو وحده التفسير الصحيح. فهناك فصول كثيرة يمكن أن تفسر بطرق متنوعة إن من حقنا ومسؤوليتنا أن نقرأ وأن نفسر، وأن نطبق الكتاب المقدس لأنفسنا، لكن يجب أن نعترف للآخرين بمثل هذا الحق ونحترمه.

وعلينا أيضاً أن لا نحاول أن نجعل من الكتاب المقدس كتاب قانون أو شريعة نجد فيه حلاً صريحاً نهائياً لكل سؤال، وجواباً قاطعاً لكل مشكلة. بل علينا أن ندرك أننا لا نستطيع أن نجد إصحاحاً معيناً وعدداً معيناً لحل كل مشكلة. ومن الخير لنا أن الكتاب ليس من هذا النوع. فلو كان كذلك، ما كان يتم لنا النضج عن طريق الكفاح، وعن طريق المعاناة في درس الكتاب بدقة وعناية وبالصلاة حتى نصل إلى معرفة إرادة الله لحياتنا. بل كنا نحرم الكثير من أعظم البركات التي لنا كأولاد الله.

ولو كان الكتاب كتاب قانون أو شريعة، لآل الأمر إلى جعل إرادة الله شكلية جامدة. والحال أن إرادة الله ليست جامدة، بل هي حية ديناميكية، ويجب أن تكون كذلك في حياتنا. ولسوف نجد، ونحن نسلك في إرادته، إنها دائمة الاتساع بالنسبة لنا. كما يصدق هذا على نظرتنا الثاقبة إلى تعبيرات إرادته في الكتاب المقدس. وقد يكون من الحكمة أن نشير مرة أخرى إلى أن طاعتنا لإرادة الله كما هي مبينة في الكتاب هي التي تمكننا من تفهم أعمق لما في الكتاب المقدس.

مبادئه العامة. أشرنا إلى المعونة التي نستطيع أن نحصل عليها من دراسة وتفسير وتطبيق تعاليم الكتاب الخاصة، بطريقة صحيحة. وكثيرون منا في مقدورهم أن يحصلوا على هذه المعونة بل أكثر منها في معرفة إرادة الله، عن طريق معرفة الآراء الأساسية أو المبادئ العامة للكتاب المقدس. فضلاً عن ذلك توجد آراء ومثل عليا كامنة في هذه المبادئ من شأنها أن تقدم توجيهاً ولوناً لحياتنا. وهي لا تساعدنا فقط على معرفة إرادة الله، بل تعمق أيضاً رغبتنا في السير في إرادته. كما أنها تقدم أساساً للتفسير الصحيح لتعاليم الكتاب المقدس الخاصة.

كثير من هذه المبادئ الرئيسية مثل القداسة، والبر، والمحبة، والعدل، والرحمة، والإنصاف، وإنكار النفس، موجودة في كل الكتاب المقدس. إلا أنها هي وغيرها من المبادئ العامة ظاهرة بنوع خاص في حياة المسيح وتعاليمه. وقد اقتصر في تعليمه على إظهار هذه المبادئ والمثل العامة بنوع أخص. وهذا من الأسباب التي تجعل لتعاليمه قيمة ثابتة خالدة.

نكتفي أن نشير هنا إلى حادثة واحدة في حياة يسوع. لقد جاء إليه ناموسي يمثل الفريسيين، وسأله {يا معلم أية وصية هي العظمى في الناموس}؟ فأقتبس يسوع وصيتين من العهد القديم (تثنية 5:6 ولاويين 18:19) وأجابه {تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأولى والعظمى. والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك}. ثم أضاف قائلاً {بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء} (متى 34:22 - 40). فإذا فهمنا أن هذا يعني أن نحب الرب بكل مجموعة شخصياتنا، وأن نحب {قريبنا} من أي طبقة أو جنس يحتاج إلى محبتنا، وجدنا أن في هاتين الوصيتين ما يكفي لأن يتحدانا إلى نهاية سفرة الحياة كلها. وفيهما نجد المثل العليا التي تمنحنا الإرشاد في وقت إتخاذ قرار.

معونته لنا بطريقة غير مباشرة. لا يعنينا الكتاب المقدس في معرفة إرادة الله بتعاليمه الخاصة ومبادئه العامة فقط، بل يعنينا أيضاً بالتأثير العام الذي يطبعه على حياتنا ونحن ندرسه. فروحه يتغلغل في حياتنا ويسيطر عليها، فتستنير عقولنا، وتنهض مشاعرنا، وتتحرك إرادتنا لإطاعة قيادة الروح القدس. وهذا يعني ليس فقط إننا سنفهم إرادة الله بجلاء ووضوح، بل إننا سنزداد رغبة لعمل إرادته.

وغنيّ عن القول أن الذين ينعمون بهذه البركات هم الذين يقرأون الكتاب المقدس ويدرسونه بإمعان ويتأملون فيه بروح الصلاة، ومن المهم جداً أن ندرس بنوع خاص الأناجيل، فهي تتضمن سيرة حياة يسوع المسيح، الذي أعلن الآب إعلاناً كاملاً، وبالتالي أعلن تماماً الطريق التي يريدنا الآب أن نسلك فيها. فلنشبع أنفسنا بحياة المسيح وتعاليمه، ولنجعل روحه يسيطر على حياتنا.

الطريقة الصحيحة لدرسه. يجب أن نغرس في أنفسنا بعض العادات الثابتة لقراءة الكتاب المقدس ودرسه. فنقرأه لا مجرد مطالعة عابرة، ولا كما نراجع سجلاً مكتوباً، ولا لأعداد الدرس الذي سنلقيه في مدرسة الأحد، أو كواجب مدرسي. هذه أساليب مهمة ولا شك، لكننا نحتاج أن ندرسه بدقة أكثر إذا ما إبتغينا أن نجني فائدة تعبدية من درسه. فإذا أردنا أن ننال بركة من قراءة الكتاب ودرسه، توجب علينا أن نقترب منه بذهن مفتوح وقلب مخلص فاحص.

إذا أردت أن تجني الفائدة القصوى من درس الكتاب، فلا تدرسه مستعجلاً. فكم من أوقات يمسك بتلابيبك عدد واحد معين من الكتاب المقدس. قف عندئذ وتأمل فيه. واجعل الحق الذي يعلنه لك هذا العدد يتخلل كيانك، ويصبح جزءاً خالداً في حياتك.

كنت يوماً ما مسافراً في قطار حديدي، منذ بضع سنين خلت وقد إستولى على نفسي الفشل والغم أكثر من أي وقت مضى. وكنت أقرأ جزءاً في الكتاب المقدس يتناسب مع ما كنت أكتبه في ذلك الوقت. وفجأة قفز إلى ذهني عدد من الصفحة التي كنت أقرأها. كان هذا العدد من ميخا 8:7 {إن سقطت أقوم. إذا جلست في الظلمة فالرب نور لي}. ولم أذكر إني قرأت هذا العدد من قبل، أو سمعت واعظاً يعظ عنه، أو معلماً يقتبسه أو يشير إليه في رسالة. فقرأته، وقرأته، ثم قرأته مراراً. وأقفلت كتابي، وجعلت هذا الحق العظيم الذي أعلنه لي يتسرب إلى أعماق نفسي ويغوص في كياني. وكان هو الرسالة التي أحتاج إليها أشد إحتياج. وقد إستخدم الله هذا العدد فبارك به حياتي وقتئذ، وباركها به مراراً منذ ذلك الحين.

سلطانه. يتفق معظم المسيحيين في أن مصدر السلطة التي للإنسان، إنما تأتيه من خارج نفسه لا من داخلها، أي أن هناك مصدراً نهائياً أبدياً مطلقاً للسلطة، وهو إرادة الله. وحيث أن إرادة الله تتفق إتفاقاً تاماً وتنسجم إنسجاماً كلياً مع طبيعة الله، لذلك فالمصدر النهائي المطلق لسلطة الإنسان هو في الله نفسه.

بأي معنى يتلاءم الكتاب المقدس وسلطانه مع ما سبق وذكرناه عن معرفة الله؟ إن الكتاب المقدس هو أعظم مصدر ملموس موضوعي لمعرفة طبيعة الله وإرادته. وهذا أساس سلطانه، فلا سلطان له مجرداً عن الله. لا بل أن سلطانه مؤسس في الله نفسه. ويمكننا أن نقول، بمعنى ما. إن سلطان الكتاب لا يقوم في ذاته. بعبارة أخرى، ليست سلطة الكتاب مؤسسة أساسياً على الصفحة المطبوعة، بل على إعلان الله الذي أوحى بالكلمات. وفي التحليل النهائي نجد أن سلطة الكتاب هي في المسيح الذي يعلنه أكثر منها في الصفحات التي تؤدي دور الإعلان. وهذا لا يقلل من سلطان الكتاب المقدس، بل بالأحرى يزيده جداً.