العودة الى الصفحة السابقة
النصرة على الألم

النصرة على الألم

جون نور


أحس أحد ممثلي «الكوميديا» المشهورين، بضيق نفسي لم يعرف له سبباً، فذهب يعرض نفسه على الأطباء النفسيين، ولكنهم فشلوا في إيجاد العلاج الأكيد، وأخيراً ذهب إلى طبيب نفسي ماهر، وبعد أن تحدث إليه وقال له: هل تعرف الممثل الهزلي ماكدونالد، اذهب إلى إحدى مسرحياته وسيضحكك إلى أن تزول كآبتك بلا جدال … وهنا دمعت عينا الممثل بدموع الأسى وقال: «أنا هو ماكدونالد يا سيدي .. لكني أضحك الجماهير ولا أقدر أن أسعد نفسي».

الألم في حياة الذين لا يعرفون الله، هو مصدر معظم المتاعب الموجودة في أرضنا، فكثيراً ما يزرع الألم في قلوب الذين لا يثقون في محبة الله وحكمته، بذور الحقد وحب الانتقام من بني الإنسان، وكان الألم الذي يتعب حياتهم يدفعهم دفعاً إلى إيلام الآخرين، ليكونوا جميعاً في الألم سواء.

أكد لنا السيد له المجد في مثله الجليل الذي اختتم به عظته على الجبل، إنه سواء بني الإنسان بيته على الصخر أو على الرمل، فلا بد أن يصادفه الألم في الحياة، فالمطر وهو تشبيه بديع للتجارب الآتية بسماح من الله، والأنهار وهي الآلام التي تأتينا من العدو الذي قال عنه الكتاب «إذا جاء العدو كنهر فنفخة الرب تدفعه» والرياح وهي الآلام التي تأتي من الظروف المحيطة بتأثير الشيطان «رئيس سلطان الهواء» جاءت على كلا البيتين. أما صاحب البيت المبني على الصخر فثبت وانتصر، وأما صاحب البيت الرملي الأساس فهذه الألم وكان سقوطه عظيماً.

يكفي أن نفكر لحظة في تلك الصلبان الثلاثة التي ارتفعت على رابية الجلجثة لنعرف تأثيرات الألم في حياة المتألمين، فعلى الصليب المتوسط نرى المسيح البار يتألم ألماً فدائياً «من أجل الفجار» وعلى الصليب الأيمن صلب ذلك اللص الذي قاده الألم إلى التفكير في أبديته، فرأى خطية قلبه، وغفران فاديه وصرخ إلى سيده «اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك»، هذا اللص أفاده الألم فأنقذ حياته من هلاك أبدي محقق. أما الصليب الثالث، فقد صلب عليه اللص الآخر، الذي قاده الألم إلى التجديف. ومع أن ألمه كان ألماً عقابياً جاءه بسبب جرائمه وخطاياه إلا أنه التفت إلى المسيح وكأنه يضع عليه مسئولية عقابه وبدأ في التجديف عليه ثم إذا أشتد به الألم ولم يستطع أن يؤمن به كما آمن زميله فقال «إن كنت أنت المسيح فخلص نفسك وإيانا».وكم من أشخاص يتصرفون هكذا في آلامهم!

ولكن الطرق التي يستخدمها البشر بعيداً عن الله، لا يمكن أن تقود إلى الانتصار على الألم، فكأس الخمر تغرق الآلام إلى ساعات، ولكنها تعود بعد أن يفيق المرء إلى نفسه بأشد مما كانت عليه

إن أولئك المتألمين المتعبين من ضوضاء الحياة، لا يمكن أن يريحهم سوى التمتع الشخصي بالمسيح، عندما يضمهم في أحضان محبته وراحته.

وهذا هو السر الذي جعل بولس وسيلا في سجن فيليبي، وآثار الجلدات تدمي ظهريهما، والمقطرة تضغط على أرجلهما في ظلام الليل البهيم يصليان ويسبحان الله، لقد تمتعا بحضور المسيح الشخصي معهما فعزاهما وخفف آلامهما.

إننا لا نقدر أن نتمتع بشخص المسيح. إلا بالشركة مع الله في الصلاة، فالصلاة هي باب التمتع بالمسيح، وهي باب حفظ الأفكار في شخصه الكريم، لذا شجع الرسول جماعة الفليبيين بالقول «افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضاً أفرحوا. لا تهتموا بشيء بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع» (في 4:4 – 7) فطريق الصلاة هو طريق التمتع بالمسيح.

على مكتب أحد الملوك وجد قطعة منقوشة من الفضة كتبت عليها تلك الكلمة القصيرة في طولها العميقة في معناها «الصبر» وإن كان الملوك وهم سادة الأرض يحتاجون إلى الصبر ويضعون على مكاتبهم ما يذكرهم أن يكونوا من الصابرين، فالمتألمون في الحياة لا ينتصرون على آلامهم إلا عن طريق الصبر والتسليم لإرادة الله.

والصبر معناه، الانتظار بسكوت أمام الله، وعن طريق انتظار الله ننال النصرة العظمى «انتظر الرب وأصبر له»«ليتشدد وليتشجع قلبك وانتظر الرب».

إن في وسعنا أن نجعل من آلامنا سبباً لمرارة حياتنا، وأن نقضي دقائقنا ونحن نندب حظنا. فنجلس مرددين مراثي الأحزان كل يوم، وقد يوصلنا هذا إلى التجديف على ذات الله، وفي وسعنا أيضاً أن نجعل من الألم طريقاً لخدمة الآخرين من الواقعين في دائرة الآلام فنتعزى عن آلامنا بتخفيف آلامهم.

يقف أصحاب العقول الحائرة أمام الألم قائلين: أين هو الله؟ ولماذا يجد الذين لا يعرفون الله قوت يومهم وأكثر من قوت يومهم بينما الذين يعرفون الله محتاجين متألمين؟ لماذا يرتفع الظالم فوق الناس ويداس البريء بأرجل الأنجاس؟ وأنا أقول لكل أولئك تعالوا لنرى بيلاطس الجبان على كرسي القضاء ونرى يسوع البريء محتقراً مهاناً، بل لنرى هيرودس النجس على العرش ويسوع السيد البار مصلوباً على الصليب. لكن بعد الصليب القيامة، وبعد القيامة أعطى الله لكل ذي حق حقه، أما بيلاطس فقد انتحر، وأما هيرودس فقد قتل، وأما المسيح فقد تمجد رباً فوق الجميع.

وليس هناك ما يعضد الفرد المتألم، إلا ذلك الإيمان الحي في الإله القادر على كل شيء، فهو الإله الذي يحس آلام شعبه ويتدخل لإنقاذه كما قال عنه النبي الجليل «في كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصهم. بمحبته ورأفته هو فكهم ورفعهم وحملهم كل الأيام القديمة»(أش 9:63).

بإيمانك بالمسيح هو يعطيك النَصَرةَ على الألم إن كنت لم تعش هذا الاختبار.