العودة الى الصفحة السابقة
الصليب في الأناجيل

الصليب في الأناجيل

جون نور


عندما ندرس الأناجيل نستطيع أن نفهم الفكرة الإلهية للصليب ونرى ما يعنيه الصليب في نظر الله، وأي مكان يشغله في مخطط الله، وما القصد القوي الذي قصد الله أن يتممه في حياة شعبه بواسطة الصليب.

يخبرنا الكتالب المقدس انه فيما كان يسوع صاعداً إلى أورشليم أخذ الإثني عشر تلميذاً على انفراد في الطريق وقال لهم: «ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الإنسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويسلمونه إلى الأمم لكي يهزأوا به ويجلدوه ويصلبوه وفي اليوم الثاث يقوم» (مت 17:20 – 19). «قال لتلاميذه تعلمون أنه بعد يومين يكون الفصح وابن الإنسان يسلم ليصلب» (مت 2:26). «لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك» (لو 10:19). «وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به» (يو 14:3 – 21).

كل هذه الكلمات التي خرجت من فم الرب يسوع المسيح كانت مجرد تحقيق وإتمام للنبوات، فلنرجع إلى مزمور 22 الذي كتبه داود ليعبر فيه عن الحزن الشديد الذي ملأ جزءاً عن حياته وعن الألم العظيم الذي ملأ قلبه حزناً، ولكنه وهو يعبر عن الحزن الشديد الذي أصاب حياته كان يعبر في نفس الوقت، في روح النبوة. عن ألم أعمق لقلب أعظم من قلبه، كان أيضاً سينكسر وهو قلب يسوع وهذا الذي بدأ أنينه وحزنه هناك على الصليب فقال: «إلهي إلهي لماذا تركتني!».

أن الرب يسوع المسيح لم يأت لإنشاء دين جديد، رغم أن تلاميذه نسبوا إليه ودعوا «مسيحيين». وهو لم يأت داعية لنظام أخلاقي جديد، رغم أن أسمى آداب العالم الخلقية وأفضلها أساسها تلك المبادئ التي وضعها المسيح. لقد جاء المسيح مخلصاً من الخطية. جاء ليموت، والقصد الوحيد من أخذه الجسد البشري والطبيعة البشرية هو لأنه كان يجب أن يموت، إذ بموته يتمم الله الآب كل مقاصده نحو العالم. وقد حقق هذا الموت نصراً لا يمكن إدراك حدوده. إن عمل المسيح على الصليب أوجد لنا اختبار نصرة عجيبة لا حدود له. ماذا يعني المسيح بالصليب؟ عندما ندرس الأناجيل سنجد شهادة يشهد بها المسيح لنا عن موته على الصليب. وأول شيء يؤكده لنا المسيح هو أن الصليب سر كل حياة مثمرة: «ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني، لأن من وجد حياته يضيعها ومن أضاع حياته من أجلي يجدها» (مت 38:10 و 39). «قال يسوع لتلاميذه إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني، فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها ومن يهلك نفسه من أجلي يجدها»(مت 24:16 و 25). والمقصود بالحياة هنا هو الحياة الطبيعية.

هذا هو الفرق بين كل أنواع الثقافات الدينية المنتشرة في العالم اليوم وبين رسالة الرب يسوع المسيح. فتلك كلها تحاول أن تنمي الذات وتعمل على تقوية كل ما هو طبيعي في الإنسان – وهناك نوع من تأليه الإنسان في هذه الأيام – لكن رسالة الرب يسوع لا تطلب تقوية الحياة الطبيعية بل أن تأتي بها إلى الصليب.

لذلك يقول في (يو 24:12 و 32): «الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها، ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير.. وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليّ الجميع». إن لم تقع حبة الحنطة على الأرض وتمتهذا هو الطبيعي فهي تبقى وحدها – فهي لا تنتج شيئاً لله، ولا تنتج شيئاً للناس – ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير».

نحن نذكر أن الله عين صوماً عظيماً لشعبه وهو يوم الكفارة – وبالنسبة لبعضهم كان هذا يعني الامتناع عن الطعام، ولكن الله حدد قوله لهم: «يوم تذللون فيه أنفسكم». وكان يوم الكفارة ضرورياً لإزالة كل ما كان يفصلهم عن الله في عبادتهم وفي حياتهم. وقد أضيف إلى هذا اليوم أيام أخرى بسبب الضيقات أو الغيرة الدينية، وأضافوا أصواماً على أنفسهم حتى استطاع الفريسي أن يقول بكبرياء: «أصوم مرتين في الأسبوع». وكان هذا سبب توبيخ المسيح له على ريائه.

إن ما يطلبه الصليب في هذه الأيام هو حياة مليئة بالتعبد، مليئة بالتضحية، نفوس جريئة لا جسدياً بل جريئة في المسيح لأن جرأة الجسد لا تفيد شيئاً، نفوس شجاعة في التضحية، شجاعة في التعبد.

الصليب يعطي نصرة على قوى الشر: «حينما يحفظ القوي داره متسلحاً تكون أمواله في أمان، ولكن متى جاء من هو أقوى منه فإنه يغلبه وينزع سلاحه الكامل الذي اتكل عليه ويوزع غنائمه» (لو 21:11 و 22). «ها أنا أعطيكم سلطاناً لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شيء» (لو 19:10). «الآن دينونة هذا العالم. الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجاً» (يو 31:12).

وأحذركم اليوم: إن قوات الشر قد خرجت للحرب ضدنا بكامل أسلحتها، ولا يجب أن نغمض عيوننا عن التطورات المريعة التي تتخذها قوى الشر في المجال الروحي، وهي تهاجم بكل مكر وخبث وخداع وسوف تجد هذه القوى الشريرة في كل مظاهر التدين العالمي. وعندما تتعلم كيف تسهر وتحترص، وعندما تسير في طريق الطاعة لروح الله ، وعندما تسمح للروح القدس أن يعمل فيك لتحقيق مقاصد الصليب. عندئذ تكون آمناً ضد مكايد الشيطان وقوى الشر التي يغري بها الجماهير ويغويها.

لقد أعطى المسيح أولاده سلطاناً أن يدوسوا كل قوات العدو وينتصروا عليه، وليس هناك شيء مما يقاوم المؤمنين لا يمكنك أن تدوسه تحت قدميك، لأن المسيح داسه تحت قدميه.