العودة الى الصفحة السابقة
الرب قام

الرب قام

جون نور


يحتفل العالم في هذه الأيام بذكرى عيد الفصح المجيد

عندما ننظر إلى صليب رب المجد فإننا نجد أنه في حقيقته صليب العظمة... صليب الحب... صليب البذل.. صليب الرفعة والكرامة... صليب المجد والفخار...

وبالرغم مما يعنيه ذلك الصليب فقد ظل الإنسان في ملهاة عنه. كان الجند عند أقدامه يتقاسمون ثياب المصلوب دون أدنى اكتراث. وكان الأعداء في شدة حقدهم يشعرون بالنشوة لما حققوه من انتصار مزعوم، بل إن الأحباء لم يروا فيه إلا الذلة والمهانة. كانت هناك ظلمة كثيفة تغلف العالم. عندما انطفأت الشمس كانت تعبر عن حقيقة الظلام الذي كانت البشرية تعيش فيه.

ولقد اشتدّت هذه الظلمة وزادت وطأتها بعد أن وضعوا يسوع في القبر. هنا تبدّدت الآمال وانطفأ كل رجاء وتهلّلت أجناد الشر. مكث يسوع في القبر ثلاثة أيام كانت هي أسود وأحلك الأيام، لكن ذلك الليل الطويل ولد أعظم فجر في تاريخ البشرية كلها. في تلك الأيام تأكد موت يسوع، ذلك الموت الذي بنيت عليه صروح البر والغفران.

وبقدر ما كان الظلام سميكاً كان الفجر لامعاً بهيجاً. وبقدر ما كان الموت مهيناً كانت القيامة رائعة مجيدة. عندما قام يسوع حدث زلزال عظيم حطم القبر ودحرج الأحجار وشتت الأعداء وبدّد الظلام...

عندما أسلم يسوع نفسه للصلب هرب التلاميذ. لقد ساروا معه كل الطريق وعاينوا رفعته وعظمته. كان يسوع ذا سلطان عظيم، ومن ذا الذي لا يسير خلفه وهو في موكب القوة والعظمة والسلطان؟

ولعلّ أحدهم تذكر قول السيد قبيل صليبه عندما قال«لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضاً»(يوحنا 18:10). لكن بعد أن رأوا القيود في يديه تبدّدت أحلامهم وأدركوا المصير البشع الذي سينتهي إليه. فلا عجب إذا تركه الجميع وهربوا.

لكن في ضوء القيامة أخذ التلاميذ يتتبعون السيد من البداءة. كيف أنه كان في البستان شامخاً حتى أن الأعداء سقطوا أمامه... وكيف أنه كان في رفعة عندما قدّموه للمحاكمة... كيف كان هادئاً عندما أهانوه وجلدوه... كيف نادى بالغفران لمن سمرّوا يديه ورجليه... كيف واسى أمه الحزينة وهو معلّق بين السماء والأرض... وكيف صاح بنغمة الغلبة والانتصار في نهاية الصلب....

فهو القدوس وحده الذي استطاع أن يرفع «خطية» العالم... وهو القدوس وحده الذي استطاع أن يحمل صليب التجارب والآلام... هو القدوس وحده الذي احتمل أهوال الدينونة... وهو القدوس وحده الذي صارع الشياطين...

هذه هي حقيقة ذلك القدوس التي ما كانت لتظهر إلا عندما «أبطل الموت» لهذا نزل يسوع إلى القبر في رضى واطمئنان. لم يخشَ القبر وظلماته كما لم يخشَ عوامل الفساد. ذلك لأن التعفن لا يأتي إلا نتيجة الخطية، وهو يسري في أجسادنا حتى ونحن على قيد الحياة. أما ذلك القدوس – وإن أغلق عليه القبر – فلا يمكن أن تدبّ فيه عوامل الفناء. لهذا فإن يسوع وإن انطلقت روحه من جسده حتى بدا وكأنه قد مات وانتهى أمره، فأودعوه القبر وأحضروا له الأطياب والحنوط، لكنه لم يكن في حاجة لشيء من هذا. إن ذلك القدوس لا يمكن أن يُمسكه الموت.

لقد رضي يسوع في اتضاع شديد أن ينزل إلى القبر ليؤكد هذه الحقائق الهامة التي ما كانت لتتضح إلا بعد موته وقيامته. لا عجب إذا تفجر القبر بالضياء.

وكما مات يسوع حباً، قام أيضاً حباً... وكان في قيامته يؤكد حبه العجيب لبني البشر... في كل كلماته ونظراته وأعماله بعد قيامته، كان يردد لهم: أنتم أحبائي... أنتم أحبائي.. أنتم أحبائي...

بكل حب ذهب يسوع إلى تلاميذه مُخترقاً الأبواب المُغلقة. كانت هناك أبواب غليظة مُغلقة من الخوف.. كانت هناك جدران سميكة من الشكوك... كانت هناك حجب رهيبة من الشر والخطيئة... كما كانت هناك ظلمات كثيفة من الجهل والحزن والألم...

كل هذه حاصرت التلاميذ وحرمتهم من الاستمتاع بلقاء يسوع عند قيامته، ومشاهدة تلك الأحداث الجليلة الفريدة التي حدثت عندما قام. لقد أصاب التلاميذ الشلل فقبعوا في العلية وأغلقوا الأبواب خلفهم وهم في خوف وهلع. لكن يسوع ما كان ليتركهم في يأسهم وظلامهم. أتاهم مخترقاً الأبواب المُغلقة محطماً كل المخاوف والشكوك والظلمات. وهكذا كانت قيامة يسوع رائعة عظيمة في جوهرها وفي حقيقة أهدافها. بعد غيبة طويلة دامت ثلاثة أيام كان يسوع في شوق شديد للإنسان. لهذا قام وجاء إليه ليعمّق الشركة ويؤكد المحبة، ليمسح الدموع ويبعث الأمل والرجاء في النفوس.

حقاً ما أروع قيامة يسوع!!... إنها قيامة للبشرية كلها... لهذا ما أن تحقق الخبر حتى سرى في الجو الهتاف: الرب قام... الرب قام... الرب قام... قام كما قال... قام كما قال... هللويا...