العودة الى الصفحة السابقة
المحبة المترفقة

المحبة المترفقة

جون نور


هل تعلم

أنه لا يوجد شيء في هذا العالم له قيمة في نظر الناس نظير المحبة.

إن أتعس مخلوق على وجه الأرض هو ذلك الإنسان الذي ليس له من يحبه.

إن أغلب من يقبلون على الانتحار هم الذين يتسرب إلى قلوبهم هذا الفكر: أنه لا يوجد من يحبهم. فيصبح الموت لهم أفضل من الحياة!

إنه لا يوجد حق في الكتاب المقدس يجب أن يسيطر على قلوبنا مثل محبة الله. كما إنه لا يوجد حق في الكتاب يريد الشيطان أن يبعده عنا أكثر من محبة الله.

إذا أردنا أن نتعرف عن المحبة في صورها البديعة، وفي كمالها الرائع، لا يسعنا سوى أن نقترب من الرب – تبارك اسمه – ونتأمل في حياته الفريدة، فنستنشق عبير تلك المحبة. فما أروع وأبدع ما أظهره الرب في حياته من محبة متنوعة، تتناغم وتنسجم معاً في صورة رائعة خلابة، كأننا نتطلع إلى ذلك القوس الجميل الذي ينشره السحاب بألوانه المتناسقة، معلناً عن عظمة ذلك الإله المجيد العظيم.

ولا يسعنا في هذا المجال أن نسترسل فيما أظهره الرب من محبة متنوعة، إنما سنكتفي فقط بأن نظهر قبساً صغيراً من محبة الرب المترفقة.

ما أروع ما ظهرت تلك المحبة وهو يعالج تلميذاً عاثراً مثل«بطرس»، والذي إذ اختبر تلك المحبة ساترة الخطايا، سر أن يتحدث عنها في رسالته، فنسمعه يقول وهو يحث المؤمنين كي تكون محبتهم لبعض شديدة: «لأن المحبة تستر كثرة من الخطايا»(1 بط 8:4)، ولقد اقتبس هذه الآية من الحكيم الذي قال:«المحبة تستر كل الذنوب» (أم 12:10). كما يصف الرسول بولس المحبة بصفات عديدة ومتنوعة؛ ومن ضمن هذه الصفات:« المحبة تتأنى وترفق .. تحتمل كل شيء .. لا تسقط أبداً»(1 كو 4:13 – 8).

لا شك أن بطرس كان له مكانة خاصة عند الرب، فلقد حظي هو واثنين من التلاميذ بعلاقة متميزة مع الرب.

ولا شك أيضاً أن بطرس كان يحمل معزة ومحبة كبيرة للرب. الأمر الذي جعله، عندما أشار الرب أن كل التلاميذ سيشكون فيه، ليبرهن عن مدى حبه الشديد وإخلاصه الكامل له، يقول:«وإن شك فيك الجميع فأنا لا أشك أبداً»غير أن الرب كشف له أنه هو بالذات، دون باقي الرسل، سينكره ثلاث مرات (مت 31:26 – 35).

وهنا تتجلى المحبة، المترفقة، إذ نستمع إلى كلمات ما أروعها من فم الرب لبطرس: «سمعان سمعان. هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة. ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك. وأنت متى رجعت ثبت أخوتك» (لو 31:22).

يقول له الرب: «هوذا الشيطان». ». ذلك الخصم العنيد الذي لا يهدأ، إنه شديد المراس، وعلى بطرس أن يدرك ذلك جيداً.

«هوذا الشيطان قد طلبكم»، إذ ليس بمقدوره، رغم كل ما له من قوة غير عادية، أن يتحرك كما يشاء ويفعل ما يريد لأي مؤمن مهما صغر شأنه. فهو لم يقدر أن يفعل شيئاً لأيوب في شخصه أو ممتلكاته قبل أن يأخذ أولاً تصريحاً من الرب في حدود ما يفعل (أي 12:1، 6:2).

يقول الرب إن الشيطان «طلبكم»، وليس «طلبك». فالشيطان لا يحد نشاطه مع تلميذ واحد، فهو يطمح في أن يطيح بكل تلاميذ الرب، غير أن الرب يدرك أن هجمته على بطرس ستكون أشد ضراوة وقسوة، من أجل ذلك أراد أن يؤكد لبطرس أنه طلب من أجله هو بالذات حتى لا يفنى إيمانه، وبذلك يهدئ من روعه ويسكن قلبه. صحيح أن التلاميذ كلهم أصابهم سهام الشيطان وفشلوا جميعاً وهربوا، وتم فيهم القول: «اضرب الراعي فتتشتت الغنم» (زك 7:13). لكن لم يتورط تلميذ، كما تورط بطرس، في أن ينكر صراحة أي معرفة له بالرب، ويؤكد ذلك بلعن وحلف (مت 74:26). نعم كان خطأ بطرس كبيراً وفادحاً، لذلك تتجه المحبة الحانية إليه أكثر.

يوضح الرب ما يريده الشيطان، فيقول: «طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة» ، فقصد الشيطان أن يغربل الحنطة، قاصداً بذلك أن يوقع ويسقط الحنطة، غير أن قصد الرب غير ذلك تماماً، فقصد الرب هو أن ينقي الحنطة، فيسقط كل شيء عالق بالحنطة لتبقى الحنطة وحدها نظيفة ونقية.

حديث الرب الرائع مع بطرس عند بحر طبرية (يو 15:21 – 23)، والذي فيه تعامل الرب مع بطرس كجراح ماهر مستأصلاً كل نقائص ظهرت فيه، ومعالجاً كل سلبيات بدرت منه، وبذلك رد نفس بطرس تماماً للشركة معه وللشركة مع إخوته، مهيئاً إياه للخدمة التي استأمنه عليها.

حقاً ما أعظم محبة الرب .. في سموها وعمقها .. في بذلها وتضحيتها .. في طهارتها ونقائها .. في أناتها وترفقها.