العودة الى الصفحة السابقة
الرعاية الالهية

الرعاية الالهية

جون نور


قال يسوع الحق الحق اقول لكم ان الذي لايدخل من الباب الى حظيرة الخراف بل يطلع من موضع اخر فذاك سارق ولص واما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف. لهذا يفتح البواب والخراف تسمع صوته فيدعوا خرافه الخاصة باسماء ويخرجها.

استخدم يسوع هدا التشبيه من حظيرة في أحد الأودية، حيث يستريح القطيع في ساعات الظلام، يحفظها من اللصوص نائب الراعي (البواب)، ويحفظها من الذئاب السور المحيط بالحظيرة.

أخيراً يأتي الصباح، ومع الصباح يأتي الراعي. إنه يأتي إلى الباب، والبواب يعرف خطواته، ويعرف صوته، ويعرف طريقة قرعه على الباب، فيفتح له الباب دون أقل تردد. أما الخراف نفسها، فإنها تعطي علامات واضحة على أنها هي أيضاً تعرف بأن راعيها الحقيقي قد أتى {لأنها تعرف صوته}.

عندئذ يبدأ الراعي بأن يدعوها بأسمائها للخروج. فهو قد أعطى لكل منها اسماً خاصاً، وكثيراً ما كانت هذه الأسماء متمشية مع أية مميزات في شكلها. وإذا يدعوها باسمائها فإن حاملة كل اسم من هده الخراف تخرج فخورة لأن الراعي ناداها باسمها، حيث تقول كلمة الله {فيدعو خرافه الخاصة بأسماء ويخرجها}. وبعد أن يخرج الراعي كل القطيع من الحظيرة يذهب أمامها والخراف تتبعه لأنها تعرف صوته، وأما الغريب فلا تتبعه بل تهرب منه لأنها لا تعرف صوت الغرباء. ويقال إن المنازعات على ملكية الخراف في الشرق لا تزال يفصل فيها بوضع القطيع في حقل فسيح، وتكليف الخصمين المتنازعين بندائهم من ناحيتين مختلفتين، والمفروض أن الخراف تسير متجهة نحو الناحية التي يوجد فيها الراعي الحقيقي.

هذا كله يوضح لنا – بتشبيه رائع – تصرفات المسيح معنا. فلقد شبه المسيح اتباعه بالخراف لما في صفات الخراف من وداعة وجمال واستسلامها الى عناية وحماية من يقودها .

قيل عن يسوع {يدعو خرافة الخاصة بأسماء}. يجدر بكل منا أن يوجه لنفسه هذا السؤال: هل أنا واحد من خرافه الخاصة؟ حقيقة لا يستطيع لسان بشرى أو عقل إنسان أن يتحدث عن كل ما يفعله الرب يسوع المسيح لخرافه الخاصة. لقد سلمهم الآب إليه منذ الأزل، لقد خلصهم من الذئب بسفكه دماءه، لقد منحهم حياة أبدية فلن يهلكوا، لقد أصبحوا محفوظين في يده فلن يخطفهم إنسان أو شيطان. إنه يعرفهم جيداً ويحبهم محبة لا لاتوصف.

تطلع إشعياء النبي إلى نجوم السماء فشبهها بقطيع من الغنم مبعثرة في الفضاء الواسع: {ارفعوا إلى العلاء عيونكم وانظروا من خلق هذه. من الذي يخرج بعدد جندها. يدعو كلها بأسماء لكثرة القوة وكونه شديد القدرة لا يفقد أحد} (إش 26:40). لكن يقيناً أن شخصاً واحداً ممن مات المسيح لأجلهم أغلى جداً في عينيه من كل جند السماء، وإن كانت النجوم آمنة هكذا ولا يفقد منها أحد لأن الله تعهد بحفظها أفلا نكون نحن آمنين، نحن الذين يدعونا بأسمائنا؟ أيعقل أنه يدخل معنا في علاقة مباشرة كهذه إن لم يكن قد قصد بها أن تنتج اتحاداً أبدياً؟

هنالك علامة واحدة أكيدة للخراف الحقيقية: {تعرف صوته}. تستطيع أن تميز عذوبة الصوت من بين كل الأصوات الأخرى. وإذا تسمع تطيع.

إن الرب في السماء يرعى المفديين كقطيع {ويقتادهم إلى ينابيع ماء حية}، أي من ينبوع إلى ينبوع أعمق في قلب السماء. هذه الخدمة المباركة هي نفس ما يجريه على الأرض، فهو بصفة مستمرة يقتادنا ليخرجنا من القديم إلى الجديد، من الأمور المألوفة إلى غير المألوفة، مما قد حصلنا عليه إلى ما لم نحصل عليه بعد، من الاختبارات والاعترافات التي أصبحت مألوفة إلى الإمكانيات المجيدة في المسيحية. وهذه القيادة تتم بطرق رقيقة جداً: بالظروف، بالأصدقاء، بالكتب، بآيات من الكتاب المقدس… وعندما نطيعها ونتبعها نجد بركة عظيمة جداً، إن كنا فقط أمناء نحو أقل إشارة توحي بها لنا إرادته فلن يكون هنالك اختبارات في الحياة المباركة لا يقودنا إليها الرب يسوع المسيح.

ويخرج خرافة الخاصة ويذهب أمامها.

أيها الأخ الحبيب تقدم إلى الأمام إلى المراعي الخضراء، وإلى مياه الراحة، وإلى سفح الجبل. إن كل ما ينتظرنا قد سبق أن واجهه يسوع أولاً، كل صعوبة وكل مشكلة، كل وحش مفترس وكل لص مجرم، كل هوة فاتحة فاها وكل طريق خطر. وبعين الايمان سوف ترى يسوع دوما معك والى جانبك , وإلا فمن الخطر أن تتقدم خطوة أخرى. أربط هذه التعزية إلى قلبك: وهي إن يسوع قد جاز كل الاختبارات التي يطلب منك أن تجتازها، وإنه لم يطلب منك أن تجتازها إلا إذا كان واثقاً أنها ليست أصعب مما تحتمل. هو يتقدمنا لكي يحطم الصخور التي أمامنا ليمهد لنا الطريق، وينتزع الأشواك، ويدفع عنا الجماهير المزدحمة لكي يفسح لنا الطريق. وليس علينا إلا أن نتبعه.

هذه هي الحياة المباركة – لا تزعج نفسها لكي ترى إلى مسافة بعيدة، لا تهتم بالخطوة التالية، لا تضطرب لكي تختار الطريق، لا تتثقل بمسئوليات المستقبل الثقيلة، بل تتبع الراعي بهدوء واطمئنان، خطوة فخطوة.