العودة الى الصفحة السابقة
كم عمرك؟

كم عمرك؟

جون نور


فقال له اليهود ليس لك خمسون سنة بعد (يو 57:8).

لماذا كان اليهود في شكّ من جهة عمر يسوع؟ لقد قالوا له: ليس لك خمسون سنة بعد بينما كان هو في الثلاثين من العمر تقريباً. فهل ظهر كأنه أكبر من حقيقة سنه يا ترى.

هل كان هنالك مظهر خاص يا ترى أو علامة فارقة أو كان ذلك ما يعرف بسن البلوغ والرجولية والذي جعلهم يخطئون التخمين؟ لقد وقعوا في الخطأ عينه عندما كان في الثانية عشرة من العمر وكان في الهيكل جالساً في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه وأجوبته (لو 46:2 و 47) فهل فكروا بأنه كان أكبر من سنه؟

من المؤكّد بأن يسوع كان يُحدّثهم ويسألهم عن أمور خطيرة ممّا حيّر سامعيه وجعلهم يتساءلون ويصرّون عليه أسنانهم حنقاً. فكانت معركة شديدة بالكلام والمنطق ممّا حمل سامعيه على أن يُخطئوا في تقدير عمره الصحيح فيجعلونه أكبر جداً مما كان.

ومع ذلك فقد حسبه أعداءه في منتصف العمر ممّا يحملنا على الحيرة والدهشة. وبعد مرور القرون والأجيال يبقى ذاك الذي عاش متقدّماً عن عصره عائشاً معنا وسط العصور ويبقى أبداً في غضاضة صباه وكامل فتوته وقواه. إن بولس الرسول الشيخ تعلم شيئاً من ذلك السر في أخريات أيّامه.

فالسعادة كما يقول لا تتوّقف على ما يجري من الأحداث خارجاً عنّا بقدر ما تتوقّف على الأحداث الداخلية. كيف نتقبّل الأمور وكيف نتمسّك بالحياة، أباستخفاف أو بحزن، وماذا نفعل بها وهل نعيش إيجابياً أو سلبياً؟

بنفس الطريقة نحتفظ باعتبار خاص للشيخوخة في أيامنا الحاضرة. ففي العالم اليوم أشخاص زادت أعمارهم عن الخامسة والستين في أكثر من أي وقت مضى ولكنهم أصغر سناً في أرواحهم فهم يستسلمون للعجز ولا يقرّون بضعف القوى فنجدهم فتياناً في تفكيرهم وحياتهم.

كذلك الحكماء الذين تبعوا النجم من المشرق حتى بلغوا بيت لحم ورأوا الطفل الإلهي مضجعاً في المذود كانوا أيضاً شيوخاً متقدّمين في الأيام ولكنهم لم ييئسوا من العثور على الطفل المولود ولم يسمحوا للعقبات أن تحول دون وصولهم إلى الهدف ولا استسلموا للشيخوخة أو وهن الحياة الجسدية.

إن جميع هؤلاء يحسبون عصاميين في أيامهم ومخالفين للعرف والعادة إنمّا مثالهم وأعمالهم لا تعد غير عادية في وقتنا الحاضر. فليس ثمة من مهرب من ضعف الشيخوخة ولكن لا حاجة بنا لأن نشعر بوهن القوى الروحية كلمّا تقدّمنا في الأيام ما لم نتمّكن من توقيف العمر عن النموّ.

إن العمر والشباب ليسا تاريخاً مُسجلاً في زمن فحسب إنمّا هما فكرتان ذهبيتان ومهمتنا ليست فقط في زيادة السنين على حياتنا ولكن في زيادة الحياة في سنينا. فقد يكون أحدنا شيخاً وهو طفل أو يظل طفلاً وهو شيخ مصاباً بالتشاؤم وهو في الثلاثين وتعباً من الحياة قبل أن تبدأ ومهزوماً قبل وصوله إلى ساحة المعركة.

إن الزمن قد يجعد الوجه أما الهمّ والشكّ والبُغض والوهن الذاتي وضياع المثل العُليا فجميعها تُجعّد الروح. والمخاوف لا السنون هي التي تحني الرأس وتحوّل مجد الحياة النامي إلى خوف مُرعب وإلى حمل لا يُطاق.

فإن كنا في السابعة عشرة أو في السبعين فلا فرق لأن ذلك متوّقف على شعورنا بمجد الحياة ورونقها وعذوبتها – مجد النجوم والمثل العُليا المُرتفعة ارتفاع النجوم، وعلى امتلاك رغبة كرغبة الأطفال تنتظر دوماً اكتشاف الجديد في الحياة الذي يجعلنا صغاراً ويحفظنا كذلك أبداً.

ولا يصبح شيخاً من يتقدّم في الأيام بل ذاك الذي يُنكر أحلامه ويهجر آماله العُليا التي كان يُعزّزها في فجر الحياة ويتخيّل بأنها حقائق عملية بينما لم تكن سوى خيال معكوس. فكم هو عمرنا يا ترى؟ إن أعمارنا تقاس بمقدار مخاوفنا تقدماً وبمقدار إيماننا صغراً. إن أعمارنا على قدر اضطراباتنا وإن حداثة سننا تقاس بنسبة أحلام الجمال والمحبة التي نعززها. فنحن متقدّمون في الشيخوخة بقدر إخفاقنا وفشلنا في الحياة وأطفال بقدر مكافحتنا للهجمات الموجهة ضد الروح.

نعم إننا نقيس شيخوختنا بمقدار الشفقة التي نوجهها إلى نفوسنا ونقيس حداثتنا بمقدار الفرح الذي نصارع به الأحداث وبما نتعلمه من الأحزان وبمواجهتنا للهزيمة دون أن ننهزم وبأن نحيا لا بالبغض والكراهية بل بالمحبة والإعجاب بكل ما هو جميل.

إن أولئك المساكين بالروح خبروا ما هو غني جداً، والودعاء وأنقياء القلب هم الذين يعرفون مقدار أعمارهم. فهل عرفت كم هو عمرك؟