العودة الى الصفحة السابقة
أن الشيطان عدو ذو دهاء

أن الشيطان عدو ذو دهاء

القس. جون نور


في احد المدن الجبلية كانت هناك صخور شديدة الانحدار يجري تحتها نهر. وفي ليلة حالكة الظلام، حيث تلاحقت العواصف الرعدية، كانت امرأة تريد أن تذهب إلى بيتها، كانت تقف فوق أحد تلك التلال، فنصحها الناس أن تنتظر حتى تنتهي العواصف، ولكنها أصرت، فطلبوا منها أن تأخذ معها مصباح كي تضئ لها الطريق، فرفضت، وسارت في طريقها نحو البيت! وفي الظلمة الحالكة فقدت اتزانها، فأطاحت بها الرياح العاصفة من فوق التلة إلى النهر حيث لقيت حتفها.

ان موضوع هذه القصة يتعلق بكلمة واحدة هي النصيحة ارجوا بعد هذه القصة ان تستمع الي لتعرف ما اريد ان اقوله لك.

إن الشيطان عدو ذو دهاء، وهو يحاول أن يجعل العالم كله مسرحاً للسخرية، مستخدماً خبثه وخداعه للسيطرة على النفوس المسكينة المستبعدة له.

لذلك نقرأ في إنجيل يوحنا ثلاث مرات أن الشيطان هو «رئيس هذا العالم». وفي أفسس يسميه الرسول:«رئيس سلطان الهواء، والروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية»(أف 2:2).

ولكن لنلاحظ هذا جيداً، إنه مع كونه ظاغية مستبداً، ومغتصباً شريراً، ومصدراً لكل هلاك وشر في العالم، إلا أنه في مظهره وشخصيته ليس بشعاً ولا مخيفاً قبيح الصورة – كما يظن البعض – حتى ينفر منه الناس ويجعلهم يشمئزون ويبتعدون… لكنه ذكي داهية، ومكار خبيث، يستعمل دهاءه للانقضاض على فرائسه المسكينة من بني البشر، فهو يجول في الأرض (أيوب 7:1) مغيراً شكله إلى شبه ملاك نور (2 كو 14:11). عندما تقابله في الغد – وحتماً ستقابله – ستجد بين الناس الذين يتسلط عليهم أمراء في المجتمع الإنساني، «ونجوماً» لامعين، وبعضهم ذوو أخلاق نادرة ومثل عليا بحسب مظهرهم أمام الناس. وهو يتستر فيهم مخفياً شخصيته الخبيثة. إنه يركز كل اهتمامه ويوجه كل مجهوداته ليسدل حجاباً كثيفاً على أذهان غير المؤمنين وقلوبهم، ليحرمهم من إدراك النعمة المخلصة لإنجيل ربنا يسوع المسيح. ولتنفيذ مخططاته فإنه يمارس كل التأثيرات الممكنة، مستخدماً أجناده العديدين، عاملاً باستمرار وبنجاح. وتحت تأثير هجماته المستمرة ومحاولاته المستميتة تستمر النفس أسيرة للخطية والشر.

والشيطان لا يتعامل مع كل الناس بكيفية واحدة بل يغير وسائلة الخبيثة. وهو يعرف أين مواطن الضعف في كل خاطئ مسكين، وبذكائه يضرب ويصيب أهدافاً قاتلة.

وشراك الشيطان كثيرة متنوعة، منها مثلاً أنه يجمل الخطية ويلبسها ثوباً باهراً، ويخفي ثمارها المريرة. أو أن يدخل الفكر بالكذب ويثير في النفس الشكوك من نحو محبة الله ورحمته وحنانه ومعاملاته ومقاصده، كما فعل مع حواء فملأ قلبها بالشك في مقاصد الله نحوها ونحو زوجها. أو أن يخفي عن قلب الإنسان حقيقة عدل الله وبره، وأن هناك دينونة أكيدة للخطية، فلا يقدم للناس إلا إلهاً «يرحمنا» وفقط، فمهما كنا، ومهما ارتكبنا من شر، ومهما استمر الشر متسلطاً علينا كل أيام حياتنا، فهو «إله رحمة» وفقط! ولآخر يأتي العدو ليقنعه أنه من الأسهل عليه أن يؤجل أمر التوبة، وأنه من الممكن التوبة والحصول على الغفران على فراش الموت. ولآخرين يأتي الشيطان بالمخدر الذي يسلبهم وعيهم الروحي، فيقنعهم أن تظاهرهم بالتدين، أو انضمامهم إلى الهيئات الدينية، ينفعهم ويعفيهم من البحث عن الحقيقة وقبول المخلص في القلب والحياة… تماماً كما صور أحدهم قائلاً: «ليس هناك ممثل يملك من الملابس الكثيرة كالشيطان، فهو يظهر على مسرح الأحداث في كل مرة برداء جديد يتناسب مع التجربة التي يرسمها ويدبرها. ولكن أخطر رداء يلبسه الشيطان هو رداء التدين.

الشيطان –ذئب في ثوب حمل، يحاول أن يسلب كلمة الله من أشياء تبدو بسيطة وسهلة، ولكن بدونها لا يصبح الكتاب المقدس كلمة الله.

إن العمى الذي يجلبه الشيطان إلى أذهان الناس هو «عدم الإيمان»، فتكون النتيجة أنهم لا يؤمنون بالإنجيل، وتتحول أفكارهم وآراؤهم واستنتاجاتهم الدينية إلى كلمات جوفاء عقيمة لا حياة فيها. فإذا ما واجهتهم الحقيقة البسيطة الواضحة عن الخلاص بدم المسيح، ونعمة الله المجانية، والتبرير بالإيمان وكل أمجاد الحياة الجديدة، لا يستطيعون أن يجدوا لذة خاصة ولا راحة في القلب إنهم لا يدخلون إلى نور وحرية أولاد الله بسبب ظلمة عدم الإيمان. ويجدر بنا أن نلاحظ هنا أن هذا الحجاب الذي يسدله الشيطان على أذهان غير المؤمنين، فيعميها، ويحرمها البصيرة – هذا الحجاب إنما هو اختياري، أي أن الناس لهم مطلق الحرية في اختياره وتفضيله. وأن عدم المقدرة على فهم الأمور الروحية والحقائق السماوية ينشأ من استمرار عدم الإيمان ورفض المسيح كمخلص.

إن الله يجعل معاني الإنجيل واضحة قدام الناس ولأذهانهم، ولكنهم هم الذين يختارون – وبحريتهم – العمى، ويفضلونه.

ومما لا شك فيه أن شهوة قلب الشيطان العدو، وغاية خداعه ودهائه، أن يستمر الناس في عمى أذهانهم وفي عدم إيمانهم، فهذه هي ثمار إبليس الذي هو: «كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو».

وهذا العمى الروحي ليس شيئاً منفصلاً قائماً بذاته، بل هو جزء من نشاط الشيطان، وهو يعني علاقة بين غير المؤمن والشيطان، سواء أعترف غير المؤمن بهذا أو لم يعترف.

فليت الذين ما زالوا مخدوعين مغرورين غير صاحين إلى حيل الشيطان، نعم ليتهم يفيقون ويستيقظون!

أصلي أن لا يكون للشيطان سلطان عليك وأن لا تصاب بالعمى الروحي وتفقد العلاقة الحقيقية بينك وبين الخالق إن كان لديك.