العودة الى الصفحة السابقة
هل أنت مستعد؟

هل أنت مستعد؟

القس. جون نور


منذ وقت قصير بينما كنت أتجول بين المقابر أتأمل في اللافتات التذكارية. وقد تظن أنني كنت أعاني من الكآبة مما جعلني أتجول بين الأضرحة، لكنني أستطيع أن أؤكد لك أنني لم أكن قط سعيداً في حياتي مثلما كنت حينذاك وكمسيحي فإني لا أجد في الموت ما يجعلني أكتئب، وهو وإن كان أكثر الاختبارات خطورة لكنني أستطيع أن أصرح بأنني لا أخشى الموت، وفي إقرار هذه الحقيقة لست أتباهى. وإن كل مؤمن لا يحتاج أن يخشى الموت، وإن كانت ظروف الموت والحالة التي تصحب الموت لو علمنا بها مقدماً لنشأ عنها الكثير من الاضطراب والقلق الذهني، على الرغم من أن نعمة الله تعد كافية جداً في مثل هذه الظروف.

في أثناء تجوالي في تلك الفترة القصيرة بين المقابر صادفت الحارس الذي كان منشغلاً في تنظيف المكان من أوراق الشجر، فسألته: «كيف ترغب العمل في هذا المكان؟»، فأجاب قائلاً: «إنه مكان هادئ جداً يا سيدي».

والشيء الثاني الذي جذبني لذلك المكان هو أنه كان حافلاً بما يهم الإنسان، فهناك وجدت أضرحة لأطفال ورجال ونساء عاشوا وماتوا. نعم، لقد كان المكان ممتلئاً بالحق بما يجذب التفات الإنسان. ولكن كان هناك شيء ثالث قد جذبني، وهو أن ساحات المقابر تقدم لنا عدة دروس. إن لافتات القبور تقدم عظات منقوشة على الحجر والرخام، رسائل عجيبة تحمل التحذير والتشجيع، وتقدم لنا دروسا ينبغي الاستفادة منها وأولها:

  1. حتمية الموت:

    وأقصد بذلك أننا كلنا لا بد أن نموت، والموت أمر حتمي ولا مهرب منه، بعض الناس يتمتعون بقوة وصحة ممتازة ويعيشون حتى سن الثمانين والتسعين أو المائة.

    ولكن في النهاية يطويهم الموت. والشيء العجيب أنه رغم أن الموت لا مهرب منه لكن أعداداً كبيرة جداً من الناس يمضون يوماً بعد الآخر وهم يرفضون أن يستعدوا له.

    وهناك درس ثان نتعلمه وهو:

  2. عدم يقينية الحياة

    وما أقصد أن أقوله إنه ليس أحد منا يعرف متى تنتهي حياته الأرضية، وكما يذكرنا الكتاب المقدس أن الحياة بالنسبة لجميعنا غير مضمونة:«لا تفتخر بالغد لأنك لا تعلم ماذا يلده يوم» (أم 1:27). إن أكثر ما يمكن أن يقال عن هذه الحياة إنها غير مضمونة، ويكفي أن تطالع الصحف اليومية لتعرف أنه في كل يوم يموت بعض الناس فجأة. وعندما نقرأ عن إنسان ما أنه مات فجأة فهذا يعني ببساطة أنه مات بغير أن يتوقع. وهنالك درس آخر نتعلمه.

  3. عمومية الحزن:

    أقصد بذلك أن الناس في كل مكان يجتازون اختبار الألم والحزن. فالحزن لا يحترم الأشخاص. الكل أختبر الحزن والخسارة شأنهم شأن كل الناس، ولا بد أن يختبره كل الناس لأن «الإنسان مولود للمشقة كما أن الجوارح لارتفاع الجناح»؟ شيء ما هزني بشدة، هو أن كثيرين من أولئك الذين اختبروا الحزن كان لهم إيمان عظيم وثقة كبيرة في الله، وكان واضحاً أنهم استطاعوا أن يبتسموا خلال الدموع، لأن ما كتبوه على حجارة المقابر التي تضم رفات أحبائهم كان يعلن ذلك. هل تعلم سر التعزية في وقت الحزن، والبلسم في الضيقات، والنعمة في وقت الحاجة؟ هي أن هؤلاء قد عرفوا الرب أثناء حياتهم سؤالي لك هل تعرف الرب؟

    ودرس آخر أثر في نفسي بقوة:

  4. حقيقة الخلود:

    وأقصد بذلك أن الموت لا ينهي كل شيء، فهذه الحياة الأرضية ليست كل شيء. حينما نموت، إنه فقط الجسد الذي يموت، لكن النفس خالدة. عندما يقترب أحد أحبائنا من الموت نراقبه بقلق وهو على سرير الموت، وبعد أن يلفظ أنفاسه نقول «لقد ذهب». إنه فقط الجسد الضعيف الواهن هو الذي أصبح خالياً من الحياة. إن مئات اللافتات التذكارية كانت تعلن حقيقة الخلود والحياة بعد الموت، فمثلاً على إحدى اللافتات نجد الكلمات: «لم يمت بل سبقنا إلى هناك». هل هذا مجرد رجاء باطل بدافع العاطفة؟ كلا! وعلى لافتة أخرى قرأت: «إلى أن نلتقي»، وعلى لافتة أخرى: «نائم فقط». وبينما كنت أتأمل في هذه الأمور تطلعت فرأيت الأشجار الضخمة المنتشرة في فناء المقابر، وكان عمر بعضها يبلغ مئات السنين، وهل من المعقول أن تبقى الأشجار لبضع مئات من السنين بينما لا يبقى الإنسان - تاج خليقة الله - إلا لفترة وجيزة يقضيها على الأرض، 30، أو 70 سنة، ثم يموت ويندثر؟ كلا! إنه شيء لا يصدق. هذا ما لا تعلمه كلمة الله، فحينما يموت الإنسان تفارق النفس الجسد وتمضي، إما لتكون مع المسيح في السماء و «ذاك أفضل جداً»، وإما إلى الجحيم مكان الانفصال الأبدي عن الله. والكتاب المقدس لا يعلم بفكرة الاندثار.

    وعندما تحولت لأترك المقبرة، في ذلك الصباح البهيج، امتلأت شكراً لله لأجل:

    ودرس آخر تعلمته وهو:

  5. مجد الرجاء المسيحي:

    وأعني بذلك مجد اليقين الذي يعطيه الإنجيل من جهة الحياة بعد الموت، وانتظار المؤمنين. لقد تأثرت بهذا الفكر إذ كنت أقف هناك أقرأ تذكاراً تلو الآخر. كيف كان مصيرنا لولا الإنجيل وبغير مواعيد الرب؟ بلا شك