العودة الى الصفحة السابقة
دم المسيح يطهر

دم المسيح يطهر

جون نور


يحدثنا أحد الإصحاحات الخالدة في العهد الجديد أنه في الليلة السابقة لصلب يسوع المسيح انه قام عن العشاء المتواضع. واتزر بمنشفة، وابتدأ يغسل أرجل تلاميذه . ولما طلب منه تلميذه بطرس أن يغسل أيضاً يديه ورأسه رفض يسوع أن يفعل أكثر من غسل رجليه، مبينا ان السبب في ذلك هو أن {الذي اغتسل ليس له حاجة إلا إلى غسل رجليه} فارجلهم كانت لا تنتعلان إلا صندلاً مكشوفاً، وهذا لا يقيهما من تراب الطريق. لهذا غسل أقدامهم فأصبحوا طاهرين كلهم.

هذه الحادثة التي تجلت فيها العظمة الإلهية في أتضاع إلهي، ليست فقط جزءاً من الإنجيل، وليست فقط رواية حدثت منذ عشرين قرناً، لكنها حقيقة راهنة حية.

هنالك طريقتان لقراءة عبارات الإنجيل. فإننا يمكننا أن ندرسها بروح الإعجاب الشديد على ما كانت حياة المسيح تنطوي عليه في الماضي. أو يمكننا أن ندرسها متطلعين إليه في كل آية، مدركين بأنها تحدثنا عما هو عليه الآن، وكل من وجهتي النظر صحيحة. ونحن نحتاج إلى أن نمزجهما معاً. ولكن الواقع أننا كثيراً ما تطلعنا إلى الإنجيليين الأربعة كمتحدثين عن الماضي لا عن الحاضر، وننسى أن يسوع المسيح هو هو امس واليوم والى الابد ، وهو جالس على العرش ، كما كان أمساً وهو يتمشى على الأرض. وفي هذا النسيان نحن نخسر الكثير جداً. فإنه لا يزال كما كان، ولا يزال يقول ما سبق أن قاله، ولا يزال يفعل ما سبق أن فعله. وليست الأناجيل إلا مجرد عينات عن حياته التي يحياها منذ الأزل وإلى الأبد، التي تتغير ولن يتغير.

إنه اليوم جالس على الجبل ليلقي عظته وأمامه كل الطبيعة كسفر مفتوح لتقدم إليه مادة لأمثاله الرائعة. هو اليوم يجري معجزات الشفاء لجموع المتألمين، يجوز في ممرات المستشفيات، ويقف في غرف المرضى ويلمسهم بلمسته الشافية. هو اليوم يركب في موكبه العظيم ليدخل مدينة القدس تحيط به جماهير الأطفال والأحباء المخلصين ، بينما يهزأ به معلمي اليهود الفريسيون والصدوقيون . هو اليوم أيضاً منشغل في غسل أرجل تلاميذه التي اتسخت بسبب ترحالهم لنشر بشارة الخلاص للعالم اجمع . نعم، إن تلك الحادثة الرائعة يمكن أن تتم معك أيها المستمع الكريم عندما ياتي يسوع اليك طالبا ان يغسلك ويطهرك من خطاياك ، إن كنت فقط لا ترفض هذه العملية المتواضعة المفعمة بالمحبة التي يتممها لك من ندعوه معلماً وسيداً، الذي يتمنطق ويأتي إليك ليخدمك.

يجب أن نحصل على هذا الاغتسال المستمر إن أردنا أن تكون بنا الحياة الطاهرة. لا يكفي أن ننظر إلى الوراء إلى ساعة معينة جثونا فيها عند قدمي ابن الله لطلب الغفران، وسمعناه يقول {مغفورة لك خطاياك الكثيرة}، فنحن نحتاج إلى الاغتسال كل يوم وكل ساعة من خطية كل يوم وكل ساعة. خذ لك درساً من عين عامل المناجم الذي يعمل طول النهار وسط ذرات الفحم المتناثرة في الجو. إنه حالما يخرج من المنجم في نور النهار يكون وجهه ملوثاً بتراب الفحم، أما عيناه فتكونان صافيتين لامعتين، لأن ينبوع الدموع يتدفق بصفة مستمرة فيغسلها من كل ذرة من تراب المنجم حالما تستقر على العين. أليس هذا هو الاغتسال الذي تحتاجه أرواحنا في هذا العالم القذر الذي نعيش فيه؟ وهذا هو ما يتوق ربنا المبارك إلى أن يعمله معنا إن كنا فقط نثق فيه.

إن دم يسوع الدي سفك من اجلنا يتحدث عنا دواماً أمام عرش الله . لقد سفك هدا الدم هناك من أجلنا ، ووجود الدم هناك هو حجتنا الوحيدة لطلب الرحمة. لكننا نحتاج دواماً لنفس هذا الدم من أجل التطهير الداخلي. لا يكفي أن نتحدث عنه بصيغة الماضي قائلين إنه {طهر}. بل نحن نحتاج إلى التحدث عنه بصيغة الحاضر دواماً قائلين إنه {يطهر}. كلما ارتعبت أمام شر طبيعتك القديمة، إذ تهجم عليك بفكرة شريرة أو شهوة جامحة، تطلع إلى فوق وأطلب تطهيرك بالدم الكريم.

كلما ارتعبت لدى التأمل في الفرق الشاسع جداً بين حياتك في أسمى حالاتها وبين المثل الأعلى الذي تركه لنا الرب يسوع، وفزعت بسبب شعورك بالتقصير الشديد. فليس هنالك أمامك إلا أن تلجأ إلى الرب الذي يستطيع أن يطهرك من كل خطية.

كلما سقطت في خطية مفاجئة فلا تنتظر حتى المساء، ولا تنتظر حتى تجد وقتاً مناسباً ومكاناً مناسباً، بل ارفع قلبك لمخلصك الرحيم في الحال، وفي ذات المكان الذي تكون فيه، واطلب منه أن يغسلك ويجعلك أبيض من الثلج.

قبل الدخول إلى بيت الله، وقبل الاشتراك في أية خدمة وقبل القيام بأي عمل، يتحتم علينا أن نطلب التطهير من كل ما لوث ثيابنا ودنس قلوبنا. يجدر بنا أن نتأمل في كل الأوقات الهادئة، في حاجتنا إلى غسل أقدامنا.

إن عشنا هكذا فإننا نجد أن شركتنا مع الله لا تنقطع، وأن المعلم الأعظم يأخذ بيدنا دواماً ليستخدمنا في خدمته. إن يسوع لا يتطلب آنية ذهبية أو فضية بل آنية نظيفة طاهرة، وحتى إن كان الإناء خزفياً فإنه يستخدمه إن كان نظيفاً. أما إن كان الإناء مدنساً فإنه يتجاوز عنه ولو كان من أثمن المعادن.

هذه الكلمات جوهرية جداً لا شيء فيها من المبالغة قط. سلم نفسك لنعمة المسيح المطهرة، وعندئذ تجد أنه لن يقترب منك أي دنس. أزل كل نقطة مدنسة حالما تسقط على نفسك. وردد دواماً في صيغة الحاضر هذه الكلمات المباركة:

دم يسوع المسيح ابنه يطهرني من كل خطية