العودة الى الصفحة السابقة
أين تسكن الخَطيّة

أين تسكن الخَطيّة

القس. جون نور


هل تعرف أين تسكن الخطية؟ إنها تسكن في الظُلمة، فهي لن تستطيع أن توجد في النور. وهكذا كل مستعبد للِخطية يخشى أن يُواجِه النور لأن الظُلمة أعمت عَينيه. يصرح الكتاب المقدّس قائِلاً (يو 19:3). {وهذه هي الدينونة أن النور قد جاء إلى العالم وأحب الناس الظُلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شِرّيرة}، وبذلك تركت الخطية ظِلها القَاتِم وظلمتها الحالكة، ونشر الظلام الروحي ألويته على البشر أجمعين. وكلما زاد ابتعاد الناس عن الله كلما أظلم القلب الغبي حتى لا يستطيع أن يرى الله أو يعيش في قداسته، إذ أن الشيطان قد أعمى أذهان غير المؤمنين حتى لا يعرفوا الحق (2كو 4:4). فانحدرت الجبلة البشرية في طريقة الغواية والشر تزداد قساوة بمرور الأيام، وانحلالاً كلما تقدّمت بها الأعوام. فالخَطيّة لا تستطيع أن تنتج صلاحاً، والنجاسة لا تقدر أن تزرع قداسة فكل إناء ينضج بما فيه، تحطمت القيم الأدبية، وزالت نوازع الحق والفضيلة في الإنسان. وعلى مذابح الفجور والشرور، وإرضاء للشهوات الدنيئة والغرائز الحيوانية، تفنّن الإنسان في ارتكاب الآثام وهكذا عاش الإنسان في ذلك الظلام الحالك، لا يعرف الطريق إلى الله، ولا السبيل إلى الحق والفضيلة, تركوا الينبوع الحي ونقروا لأنفسهم آباراً مُشقّقة لا تضبط ماء (إر 13:2).

وكم شهد التاريخ من قادة مصلحين، فلاسفة حكماء، مشرعين مقتدرين ينشدون إصلاح الحال، لكنها كانت صرخة في وادٍ، وما أن أفل الصوت حتى ذهب صداه إلى غير عوده. فالفلسفة البشرية عجزت عن القيادة إلى طريق الحق والفضيلة. والقوانين الوضيعة قصرت عن تهذيب الطباع البشرية أو استئصال تأثيرات الخطية. وكلما كثرت القوانين كلما تفنّن البشر في كسر نواميسها والهروب من سلطانها، ولهم في ظلام القلب وسيادة الخطية خير مُعين على التمرّد والعِصيان. وبذلك ظلّت البشرية في ظلام دامِس، حتى قال فيلسوف اليونان العظيم سُقراط في حديث هو نسيج من الألم والأمل: {إن الخالق المُحسن سوف يُرسل في الوقت المُناسب معلماً يعلم الناس كيفية الوصول إلى الخير}.

كان هذا هو نداء البشرية. فلقد كانت في حاجة، وحاجة صارخة، إلى معلم من نوع جديد. بل هي في حاجة إلى إعلان إلهي جديد، يأخذ بيدها العاثرة ونفسيتها الحائرة إلى بر السلام وشاطئ الاطمئنان. بعد أن جربت كل الوسائل.. لكن جميع اليهود ذهبت أدراج الرياح ولم تجد للحياة معنى أو للسعادة مَكاناً.

وظلّ الإنسان حائِراً يتلّمس الطريق إلى الحق، إلى أن جاء ذاك الذي أعلن نفسه أنه هو الطريق والحق والحياة (يو 6:14).

في تلك الحقبة من الزمن أتت ممالك القوّة وقد بلغت فيها دول القديم قدراً كبيراً من السلطان والعزة، إلى أن تربّعت دولة القوة على عرش الرومان وأسلمت الزمام لهم حتى سادوا على أغلب دول العالم المعروف في ذلك الوقت، لكن قوتهم تمخضت عن غطرستهم وكبريائهم، وفي قوتهم عبدوا رؤساءهم وحُكّامهم، بل وفي قُوتّهم عَصَفوا بالقيم الأدبية والمعايير الأخلاقية والدوافع الإنسانية، فانحطت في زمانهم قيمة الفرد وتحطمت دولة الأخلاق والفضيلة. فما استطاعت القوة أن تجلب للإنسان السعادة، أو تحرّره من الخوف والفاقة، أو تأخذ بيده إلى المثل العليا، أو تنير أمامه الطريق إلى ما وراء القبر. وهكذا بقي الإنسان يتلمّس الطريق إلى السعادة، إلى أن جاء الرب يسوع ليلقي موعظته الخالدة: {طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات} (مت 3:5)، {تعالوا إليّ يا جَميع المُتعبين وثقيلي الأحمال وأنا أُريحكم.. تَعلّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم}(مت 28:11).

في ذلك الزمن أيضاً جاءت دولة الدين التي حمل لواءها الكتبة والفريسيون – رجال الشريعة وحفظة الناموس – الذين تمسّكوا بالمظهر دون الجوهر ولم تزد الديانة في نظرهم عن ممارسات خارجية، حتى قال عنهم الرب يسوع له المجد إنه يشبهون القبور من الخارج مبيضة ومن الداخِل مملوءة عِظام أموات. وليس أدلّ على فَشلهم من تلك الوَيلات الثمانِيّة التي نطق بها السيد المسيح في (مت 13:23)، فهم القادة العميان الذي جرفوا الشعب وراءهم في تيار التديّن بعيداً عن قوة الدين، إلى مظاهر العبادة بعيدة عن روح السجود والطاعة. ثم هم الذين ضيقوا الخناق على الآخرين فأعطوا صورة قاتمة للدين والمتدينين، وقفلوا الباب أمام الراغبين من الأمم في عبادة الله الحي، فلا هم دخلوا ولا تركوا الداخلين يدخلون، وبذلك فشل شعب إسرائيل عن أن يكون الشاهد والحقيقي للإله الحي، أو المرشد النصوح لمعرفة الله والخضوع لأحكامه ونواميسه أو الهادي الأمين لقيادة النفوس الحائرة إلى طريق الفضيلة والسَعادة.

تلك هي الإمكانِيات البشرية وقد عجزت عن الوصول بالإنسان إلى النجاح، وبقيت ترتسم في الأعماق تلك الحاجة الصارخة إلى هداية من نوع آخر.. ففي القلب فجوة، وفي النفس فراغ، لا يمتلئ إلا بالخالق الذي بيده نسمة الحياة، حتى لقد قال القديس أغسطينوس – بطل المسيحية ما بين شرقية وغربية – {إن نفوسنا قد خلقت لك ومنك ولن تجد راحتها إلاّ بين يديك وعند قدميك}.

كان هذا هو نداء البشرية. فلقد كانت في حاجة، وحاجة صارخة، إلى معلم من نوع جديد. وظل الإنسان حائراً يتلمّس الطريق إلى الحَقّ، إلى أن جاء ذاك الذي أعلن نفسه أنه هو الطريق والحَقّ والحَِياة (يو 6:14).

يسوع هو الطريق ولن تجد نفسك الراحة إلاّ من خلاله اقبل إليه وتَمتّع بِصُحبَتِه.