العودة الى الصفحة السابقة
قلب الإنجيل

قلب الإنجيل

القس. جون نور


«لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية»(يو 16:3).

إن هذه الآية بمثابة قلادة ثمينة تتكون من سبع درر نفيسة هي:

  1. حقيقة المحبة: «لأنه هكذا أحب»

    قال صاحب مزرعة لغلام كان يعمل عنده: «إن أنجزت هذا العمل، سأكفئك بملء كفين من الكرز». فأتم الصغير العمل على أكمل وجه، عندئذ قال سيده: «الآن يمكنك أن تملأ كفيك». فقال الصغير: «هذا حسن يا سيدي، ولكن لو أعطيتني بكفيك أنت يكون حسن جداً»، فرحب السيد وأعطاه كما أراد. لقد فهم الصغير أن ما في يد الكبير كثير.

    فإن القليل هو كثير إن كان الله فيه، فكم بالحري إن كان كثيراً. «وهكذا أحب»، تعني بهذا المقدار الكبير، فلا الفلاسفة بأفكارهم، أو الجغرافيون بخرائطهم، أو الفلكيون بمراصدهم، يقدرون أن يحصروا محبة الله الفائقة.

  2. مصدر المحبة: «الله ..»

    كان هناك ابن عاق، ضل سبيل التقوى، وهجر طرق البر؛ فاستدعت أمه خادم الإنجيل ليتكلم إليه عسى أن يتحسن الحال. ولكن الولد لا يؤمن بالله، ولا بأي شيء في الوجود. جاء الخادم وتحدث إليه بأن يترك خطاياه ويعترف بها للرب، فرد الشاب: «لكني لا أؤمن به ولا بأي شيء آخر». فقال الخادم: «ولكنك تؤمن بمحبة أمك لك». فأجاب: «أنا أعلم أنها تحبني». «إذاً أنت تؤمن بشيء صالح في هذا العالم. أتركك الآن وصل بعد خروجي للمحبة ..»

    احتقر الابن الخادم، وشعر بأنه من الحماقة أن يصلي إلى المحبة، ولكنه كان قد وعده بأنه سيصلي للمحبة، فركع وصلى قائلاً: «أيتها المحبة أتوسل إليك: ساعديني .. سامحيني». فللوقت وكأن السماء انشقت ورنت في قلبه أجراس محبة الله، وتذكر آية تعلمها في طفولته «أن الله محبة». فخرج من غرفته فرحاً، وجرى نحو أمه، وطوقها بذراعيه، وقال لها: «أماه، لقد وجدت المحبة .. بل وجدت الله».

  3. غرض المحبة: «.. العالم ..»

    الإنسان هو غرض محبة الله الذي قال: «لذاتي مع بني آدم» (أم 31:8). لقد أرسل الله يوماً يونان النبي إلى مدينة نينوى (وهي حالياً محافظة في شمال العراق وعاصمتها الموصل) ليحذرها من عواقب عدم التوبة، لم يرغب يونان في الذهاب إليها في بادئ الأمر، لأنها مدينة (أممية)، ولكنه ذهب أخيراً، وتابت نينوى. إن محبة الله تتعدى حدود اللون والجنس، فلا فرق عند الله بين اليوناني واليهودي، العبد والحر، الذكر والأنثى.

  4. عمل المحبة: «.. حتى بذل ..»

    المحبة ليست أقوالاً، بل أفعالاً.

    في إحدى القرى ، رأت الأخت الفقيرة، أن بناء مكان اجتماع الكنيسة كلف عشرات الآلاف فأحست أنه من الواجب أن تفعل شيئاً، فلم تكتف بحمل أدوات البناء من رمل وطوب على رأسها، ولم تكتف بتزويد العمال بالماء والشاي، بل ذهبت وباعت أثمن ما عندها: قطعة الذهب الوحيدة التي حصلت عليها عند زواجها، لتساهم بثمنها في عمل الرب.

    أما الله فقد أعطى أعز وأغلى ما لديه.لقد أعطى

  5. عطية المحبة: «ابنه الوحيد»

    إنه المسيح المعادل لله (يو 18:5) و«صورة الله غير المنظورة» (كو 15:1)، الخالق لكل شيء (يو 3:1) وهو موضوع محبة الله ولذته، لكنه بذله لأجلنا.

    ترى ما هي مشاعر الآب وهو يرى ابنه الوحيد وقد أحاطت به الكلاب، وجماعة من الأشرار. كيف كان يراه، وقد عروه، وعلى ظهره جلدوه، الوجه الكريم لكموه ولطموه، إنها مشاهد تتمزق لها الألباب، فيا لمحبة الآب!

  6. رسالة المحبة: «لكي لا يَهِلكْ كل من يؤمن به»

    هناك من ينكرون العقاب الأبدي وعذاب الأشرار، ونسوا ما قاله الرب الصادق في إنجيل مرقس 9 عن النار التي لا تطفأ والدود الذي لا يموت، لا مرة ولا مرتين بل خمس مرات. فيا للمسئولية!

    تهكم رجل عجوز غير مؤمن على جهنم بالقول: «لقد عشت سبعين سنة فلم أنظر جهنم». لكن حفيده الصغير الذي كان يسمعه، قال له: «لكن يا جدي، هل مت ولم تنظرها؟».

  7. ثمر المحبة «بل تكون له الحياة الأبدية»

    يا لها من آية ثمينة، بدأت بالله وانتهت بالحياة الأبدية. والحياة الأبدية لا تعني فقط الخلود ودوام الوجود، ولا تعني نهاية الشقاء ودخول السماء، بل إنها الشركة الأبدية مع الله، والتي لنا أن نتمتع بها من الآن. لقد «أعطانا حياة أبدية، وهذه الحياة هي في ابنه» (1 يو 11:5). لا يقول إن الله وعدنا أو سيعطينا، بل أعطانا. فيا لليقين!