العودة الى الصفحة السابقة
التغلب على البغضة

التغلب على البغضة

القس. جون نور


قال المسيح له المجد لتلاميذه:«وصية جديدة أنا أعطيكم، أن تحبوا بعضكم بعضاً، كما أحببتكم أنا تحبون أنتم أيضاً بعضكم بعضاً. بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي، إن كان لكم حب بعضكم لبعض»(يو 34:13). لقد أوصى المسيح تلاميذه أن يحبوا بعضهم بعضاً بنفس المحبة التي أحبهم بها، وقال لهم إن العلامة المميزة التي تميز تلاميذه عن أهل العالم هي المحبة. إن كل من يُبغض أخاه، أو يظهر عدم محبة في معاملته مع الآخرين، يكسر وصية الرب، ولا يتمم كلامه، ولا يسلك السلوك المسيحي. وكل من يحتفظ بالبغضة في قلبه من جهة الآخرين لا يسلك حسب الناموس المسيحي ولم يختبر نعمة الله في قلبه.

إن الكتاب المقدس يخبرنا بوضوح أن منبع الخصومات والبغضة هو الشيطان، الذي يزرع بذور البغضة والحسد في القلوب، ويتولى العناية بهذه البذور حتى تخرج نباتاً ثم زهراً ثم أثماراً، فتتولد الخصومات والحروب بين الإنسان وأخيه، وبين الشعوب والأمم. هذا ما يقوله الرسول يعقوب:«من أين الحروبُ والخصوماتُ بينكم، أليست من هنا من لذاتكم المحاربة في أعضائكم؟ تشتهون ولستم تمتلكون، لأنكم لا تطلبون. تطلبون ولستم تأخذون لأنكم تطلبون ردياً لكي تنفقوا في لذاتكم»(يع 1:4 – 2).

إن البغضة ليست من الرب، والحروب والخصومات تنبع من القلب الشرير الخالي من محبة الله. لأن الكتاب المقدس يقول:«لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا»(رو 5:5). حقاً إن قلوب المؤمنين يسكنها روحُ الله، وقد انسكبت المحبة فيها. فكل قلب يسكن فيه روح الله لا بد أن يمتلئ بالمحبة، وحين يمتلئ القلب بمحبة الله تختفى البغضة وتتلاشى الخصومات والمحاربات والمهاترات، وتظهر المحبة بأثمارها الجميلة وأعمالها الجليلة.

وللمحبة ثمار جميلة يذكرها الرسول بولس بالقول:«المحبة تتأنى وتَرفُقْ، المحبة لا تحسد، المحبة لا تتفاخر، ولا تنتفخ، ولا تقبح، ولا تطلب ما لنفسها، ولا تحتد، ولا تظن السوء، ولا تفرح بالإثم، بل تفرح بالحق، وتحتمل كل شيء، وتصدق كل شيء، وترجو كل شيء، وتصبر على كل شيء. المحبة لا تسقط أبداً»(1كو 4:13 – 7).

إن البغضة قد تتستر في قلب الإنسان، وتظهر تحت ستار الغيرة المقدسة. فمثلاً يتظاهر البعض أنهم يقفون في جانب الحق ويدافعون عن الإيمان، وتحت هذا الستار يذمون غيرهم، ويستخدمون طرق العنف والقوة والتهديد التي يستخدمها أهلُ العالم. إنهم يحاربون ويخاصمون ويقاتلون غيرهم، ويعلنون أنهم يقفون بجانب الحق الإلهي، لكن في حقيقة الأمر إن الدافع لهذه التصرفات الرديئة هي البغضة التي تملأ كيانهم وتستعبد قلوبهم وتعمي عيونهم وبصائرهم.

إن وصية المسيح له المجد هي أن نحب الجميع، حتى الأعداء تأمل في قوله لتلاميذه:«سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك، وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم، باركوا لاعينكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات. فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين»(مت 44:5 – 45).

إن الكتاب المقدس يعلمنا المحبة والتسامح ويقول لنا:«باركوا على الذين يضطهدونكم. باركوا ولا تلعنوا»(رو14:12). ينبغي أن نبارك الآخرين ولا نتحدث عن أخطائهم ولا نشهر بهم، ولا نلعنهم في السر أو الجهر. هذا هو أمر الكتاب المقدس ووصية الله. ويقول الرسول بولس: «لا يغلبنك الشر، بل اغلب الشر بالخير». حين يتكلم عنا الناس شراً، ونتكلم نحن عنهم خيراً، فنحن ننتصر عليهم ونغلبهم، لأن الخير دائماً ينتصر على الشر إن آجلاً أم عاجلاً.

قال المسيح أيضاً لتلاميذه:«لا تدينوا لكي لا تدانوا، لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم. ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟ أم كيف تقول لأخيك دعني أخرج القذى من عينك وها الخشبة في عينك! يا مرائي! أخرج أولاً الخشبة من عينك، وحينئذ تبصر جيداً أن تخرج القذى من عين أخيك» (مت 1:7 – 5). قال أحدهم تعليقاً على هذه الكلمات: إن الخشبة التي في العين هي روح البغضة التي في الإنسان الذي يحكم بقساوة على غيره ويدين الآخرين الذين يسقطون في أخطاء ربما تكون بسيطة، لكن عين البغضة تضخم هذه الأخطاء. إن الإنسان الذي يدين غيره بهذه الطريقة هو نفسه مدان أمام الله، لأن خطيته أعظم من خطية ذاك الذي ينتقذه ويدينه. إن روح البغضة لا تستطيع إصلاح الآخرين، لكن المحبة وحدها هي التي تقدر على انتشال الهالكين، وإصلاح المخطئين، وتقويم المعوجين. إن كنا نريد إصلاح الناس ومساعدتهم فعلينا إخراج خشبة البغضة من عيوننا وقلوبنا، عندئذ نبصر جيداً ونعرف كيف نساعد هؤلاء الناس.

هذه هي الحياة المسيحية الفضلى. إنها تعامل الناس بالحسنى، وتشفق وتترفق بالجهال، وتظهر المحبة للأعداء، وتصلح اعوجاج المعوجين، وتجذب البعيدين بحبال المحبة.