العودة الى الصفحة السابقة
الإيمان ومجالاتــــه الخلاص.....الحياة......التعليم

الإيمان ومجالاتــــه الخلاص.....الحياة......التعليم

القس. جون نور


لا أعتقد أن هناك كلمة كثُر تداولها، فأُسيء استخدامها، وفقدت معناها الحقيقي عند الكثيرين، مثل كلمة "الإيمان" حتى أنها أصبحت تُطلق على مجرد الاعتراف بعقيدة ما. فكل مَنْ اعترف بوجود الله (مثلاً) أصبح في نظر الناس مؤمناً. لكن هذا ليس من الصواب في شيء. لأن مَنْ يؤمن إيماناً حقيقياً بالله ينبغي عليه أن يُبغض الخطية ويأبى أن يعيش فيها. وبما أن كثيرين ممن يعترفون بوجود الله، يرتكبون الكثير من الآثام غير حاسبين لله حساباً، إذاً فهم ليسوا بمؤمنين. وإن قالوا أنهم يؤمنون، فإيمانهم هذا لا يكون حقيقياً، بل يكون إيماناً اسمياً فحسب. وإيمان مثل هذا (إن جاز أن يُسمى إيماناً) لا قيمة له في نظر الله، حتى وإن كان ذووه يصومون ويصلون ويتصدقون كثيراً.

والإيمان الحقيقي ليس هو أيضاً اعتناق المسيحية لسمو مبادئها أو عظمة معجزاتها. فإن سيمون الساحر اعتنق المسيحية لسبب من هذين السببين، ومع ذلك لم يكن قلبه مستقيماً أمام الله، بل كان في مرارة المر ورباط الظلم (أع8: 9-23).

وإذا كان الأمر كذلك، فدعونا أيها الأحباء المستمعين نسأل:

ما هو الإيمان؟

يمكننا أن نُعطي تعاريف صحيحة عن ماهية الإيمان، لكن ربما لا تكون شافية بالدرجة التي نحسها في إجابة طفلة صغيرة سُئلت هذا السؤال، فكان جوابها بكل بساطة: "الإيمان هو أن نصدق ما قاله الله، لأن الله هو الذي قاله".

إن الإيمان يُشبه نافذة تستقبل ضوء الشمس، والضوء ينفذ من كل مساحتها ليُنير داخل الحجرة. فالإيمان بالله يجعل نور الله ينفذ ليغمر النفس.

على أن الإيمان يعني أكثر من هذا أيضاً. ليس فقط أن نحصل على النور، بل أن نثق تماماً بذاك الذي يُعلنه النور لنا ونتكل عليه.

والإيمان هو أيضاً "الثقة واليقين"، أو بالحري هو الثقة بحقائق غير منظورة، بناء على شهادة الله عنها، وليس فقط بناء على إدراك العقل لها. لأنه وإن كانت حقائق الله تتوافق مع العقل السليم، غير أنه من الواجب أن يكون الباعث على الإيمان بها هو إعلان الله عنها، وليس توافقها مع هذا العقل، لأن الله أولى بالتصديق من عقولنا، وذلك بسبب قصورها وعدم إدراكها لكل الأمور. وقد استعمل الكتاب المقدس كلمة الإيمان بهذا المعنى فقال: «وأما الإيمان فهو الثقة بما يُرجى والإيقان بأمور لا تُرى» (عب1:11). هذا هو المعنى العام للإيمان والذي له العديد من المجالات ليظهر فيها، سنركز في واحد منها، ونكتفي بإشارة مقتضبة لباقي المجالات.

أولاً: إيمـــان الخلاص

إيمان الخلاص هو الإيمان بكفاية عمل المسيح، وحده، لنوال الخلاص «لأنكم بالنعمة مُخلَّصون، بالإيمان، وذلك ليس منكم. هو عطية الله» (أف8:2). ويُعبَّر عن إيمان الخلاص في الكتاب المقدس بــ"قبول المسيح"، فقد قال: «وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه» (يو12:1)، لأننا من اللحظة التي فيها قبلنا الرب يسوع مخلِّصاً، صرنا مؤمنين وأولاد الله.

الإيمان لا يزيد عن كونه الثقة القلبية التي تُهيئنا للحصول على الخلاص الذي أحسن الله به إلينا على أساس دم المسيح. إنه اليد التي تُمسك بالهبة التي يقدمها الله لنا. والفقير الذي يمد يده إلى ثري كريم، واثقاً أنه سيحصل منه على إحسان ما، لا يدفع، بمد يده أو بثقته، ما يعادل الإحسان الذي سيناله منه، بل يتناوله هبة مجانية لا أكثر ولا أقل، ومن ثم يكون الفضل كله لهذا الثري الكريم.

وهكذا الحال معنا، فإننا عندما نتناول الخلاص من يد الله بالإيمان، لا نكون قد دفعنا ثمن هذا الخلاص، بل نكون قد تناولناه هبة مجانية منه تعالى، ومن ثم يكون الفضل وكل الفضل له.

إنه امتيازنا أن نعتمد على الله بإيمان راسخ، مهما كانت الظروف حولنا، لذا ليأتِ أي حال مهما يكون، فنحن متأكدون أنه لا يوجد شيء يفصلنا عن محبته. ربما تبدو لنا الأمور معاكسة، ونُصاب بالحيرة والارتباك إزاءها، رغم ذلك يستمر القلب، الذي يعرف الرب ويعرف صلاحه ويعرف ثبات صفاته، منتظراً، بصبر وتسليم، الوقت المعيَّن الذي فيه يُظهر الرب قوته لصالح مَنْ يثقون فيه "ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله... إن كان الله معنا، فمَنْ علينا؟ (رو8: 31،28). وإن هاتين الكلمتين "الله معنا" هما حصننا وحمانا بإزاء أفكار الشك التي يأتي بها العدو إلينا، إنهما "ترس الإيمان" الذي يجب أن نحمله دائماً في مواجهة سهام الشرير المُلتهبة (أف16:6).

فيا ليتنا نطمع أن يصير إيماننا القليل إيماناً عظيماُ في عيني الرب، ويا ليتها تكون طلبة قلوبنا الحقيقية "يا رب زِد إيماننا" (لو5:17)، فنكون مَن ضمن مَنْ "إيمانهم ينمو كثيراً" (2تس3:1).

فما أحوجنا أن نحاط بالتعليم الصحيح ونتمسك بصورة الكلام الصحيح ويا ليتنا لا ندع اليأس يملأ قلوبنا من الحالة العامة للعالم الشرير الذي حولنا، فننفض أيدينا من جهة الحق ، بل لتتشدد سواعدنا لنكون أمناء حتى النهاية.