العودة الى الصفحة السابقة
استقبال الملك

استقبال الملك

القس. جون نور


لما ولد "المسيح" لم يعلم بمولده أحد. ملك الملوك ولد كما يولد أفقر فقير بل أقسى من ذلك، ولدته أمه العذراء في مذود البقر.

ومع ذلك فإنه كان ملكاً وهو في المذود، وجاءت ملائكة السماء تحييه على الأرض. لاشك أن مظاهرات ملائكية قامت في السماء وهتفت هناك نشيد التمجيد لله. وجاءت بعض الملائكة إلى الأرض وأسمعتنا ذلك النشيد الخالد. المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة.

كان في تلك الساعات المجيدة رعاة متبدين كانوا يحرسون حراسات الليل على رعيتهم. كان أولئك الرعاة ساهرين. لسنا نبالغ في القول إذا قلنا أنهم كانوا ساهرين يصلّون. أو ربما كانوا يتذكرون الأحاديث عن المسيا المنتظر. لقد أبصر الرعاة نوراً وهاجاً يقترب منهم. فلما ازداد قربه ارتعبوا. ولا عجب فإنه منذ دخلت الخطية إلى الأرض والناس يخافون من المثول أمام القداسة. إن القداسة تذكرهم بإثمهم وبوجوب عقابهم. ولكن الملاك ناداهم قائلاً: «لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب. وهذه لكم العلامة تجدون طفلاً مقمطاً مضجعاً في مذود!».

كان الرعاة يسمعون الكلام وهُم في ذهول. لقد حان مجيء المسيح الذي طالما انتظروه، فها هو ملاك الله يحدثهم عن المسيا المرتقب. يحدثهم هم دون غيرهم. كان انذهالهم عظيماً. لقد كانوا يظنون أنهم آخر من يحق له أن يسمع الخبر السار. سكان القصر أولى بالطبع ورؤساء الهيكل والمعلمون الكبار. والفريسيون والكتبة والناموسيون والعلماء والأغنياء. لكن هوذا السماء تجري معهم عجباً. أنها تتحدث إلى أفقر الفقراء معلنة أن الملك ابن داود قد وُلد! وبينما هم في ذهول! ازداد النور المحيط بهم لمعاناً وإذا فرق من الملائكة تتجمع معاً وإذا بهذه الفرق تنشد أشجى نشيد سمعته الأرض:

المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة.

وتجاوبت الجبال والوديان بهذا الصوت الذي خرج من أفواه الملائكة. صوت امتزجت فيه الحلاوة بالجلال!!

وخشع الرعاة وهم يسمعون النشيد السماوي وسجدوا إلى الأرض ولمست وجوههم التراب في كثير من الخوف ولكن أيضاً في كثير من الفرح!

ولما عاد السكون إلى المكان استيقظ الرعاة من ذهولهم وقال أحدهم لشدّ ما أخشى أني لا أزال أحلم! وقال الثاني إنه لم يكن حلماً ولكنه حقيقة أكيدة. وقال الثالث هل حقاً ما سمعته عن المخلص المولود؟ وقال الرابع وهل سمعتم ذلك النشيد المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة أم أنه خيل لي أني سمعت وأنا أحلم؟

وتأكد كل واحد منهم أنه سمع ما سمعه الآخرون عن ميلاد المخلص الذي هو المسيح الرب. فقال بعضهم لبعض لنذهب الآن إلى بيت لحم وننظر هذا الأمر الواقع الذي أعلمنا به الرب!

فانطلقوا في عجلة إلى القرية الصغيرة. ولم يطل عليهم البحث فعثروا عليهم في الخان عثروا على يوسف ومريم والطفل يسوع!

فجاءوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعاً في المذود. فلما رأوه اخبروا بالكلام الذي قيل لهم عن هذا الصبي (لوقا2: 16و17).

شكراً لله شكراً لله أن السيد ولد في مذود هذا ما قاله الرعاة بعضهم لبعض وهم يدوسون بأقدامهم الخشنة الأرض الخشنة ليصلوا إلى مهد الطفل المسيا، ولا بد أن سجودهم طال.

لو أن العناية دبرت أن يولد السيد في قصر هيرودس أو في بيت رئيس الكهنة أو في بيت صاحب سلطان لو أنه جاء في بيت كبير لما أمكن أولئك الرعاة المساكين أن يقتربوا منه أو يقدموا السجود له. ولكنه ولد في مذود البقر فصار من الميسور للجميع أن يقتربوا منه. تحدث الرعاة عن ظهور الملائكة وعن الرسالة العجيبة وعن النشيد السماوي. وكل الذين سمعوا تعجبوا مما قيل لهم من الرعاة.

وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها!

ولعل البعض يسأل عن الصبي الذي رآه الرعاة. هل كان يختلف عن بقية الأطفال. لا شك أنه كان يختلف في بره. لقد ولد بدون خطية. ولكنه على ذلك، كان طفلاً له كل ما في الأطفال الآخرين من خاصيات. لقد أخذ السيد الإنسانية الكاملة وبدأ من أول السلم فيها!

كان السيد طفلاً كباقي الأطفال، ينام ويستيقظ ويتألم ويأكل ويشرب وينمو. رأى الرُعاة طفلاً عادياً ولكنهم رأوا فيه المسيا المرتقب فسجدوا له ورجعوا وهم يمجدون الله ويسبحونه على كل ما سمعوه ورأوه كما قيل لهم!

هذا هو المسيح الذي نؤمن به مسيحا كان في صورة الله لكنه أخلى نفسه أخذاً صورة عبد لكي ما يكون قريبا في إنسانيته منك ومني لكي يشفع لنا وهو المدرك لطبيعتنا لم يأت محاربا ولا قائدا عسكريا بل جاء في ابسط صورة طبيعية يمكن أن يتصورها عقلنا البشري جاءنا إلها محبا لكي يقول لنا أن الله محبة وبهذه المحبة ومن اجلها أتيت إلى هذا العالم لأقول لكم بأنكم لا تدعون فيما بعد عبيداً بل أبناء الله وأحبائه.