العودة الى الصفحة السابقة
الحياة المسيحية - الخوف من الإيمان

الحياة المسيحية - الخوف من الإيمان

القس. جون نور


إن الخوف من الإيمان هو أحد النتائج البغيضة لطبيعتنا الفاسدة. وقد رأيت هذا الخوف عند الكثيرين لدرجة أني لم أعد مستعداً لرؤيته مرة أخرى. إنه يتخذ مظهر التواضع مع أنه في الواقع الكبرياء بذاتها في ثوب من الرياء الكاذب. ولو كان الناس يخافون من عدم الإيمان والشكوك لكان خوفهم هذا في عين الصواب. ولكن أن يخافوا من الإيمان بالله فهذا منتهى السخف والبطلان، وهو في الواقع طريقة ماكرة لسلب الله الكرامة اللائقة به كإله أمين وصادق في مواعيده.

وكم هو غير مجد أن نجهد ذواتنا في خلق الأسباب التي تبرر عدم إيماننا. فكلمة الله تعلن لنا بوضوح أن (كل من) يؤمن بالمسيح لا يهلك. أما نحن فنفكر بطريقة عكسية ونظن أننا لو آمنا فقط ولم نعمل شيئاً فسوف نهلك حتماً.

لو أن صديقاً أهداني هدية فليس من الحكمة أن أتساءل عما إذا كانت الهدية أصبحت ملكاً لي أم لا. ينبغي أن أقبلها وأشكر صديقي وأتمتع بتلك الهدية لأنها صارت ملكي.

هكذا بالمثل، إن كان الله قد سر بأن يخلصني لأجل إستحقاقات إبنه المبارك فينبغي أن أسر أنا أيضاً بخلاص نفسي. إن كنت آخذ الله على كلمته، فإن مسئولية تنفيذ الوعد لا تقع على أنا بل على الله الذي وعد.

لكنك ربما تخشى ألا تكون واحداً من الذين شملهم الوعد. إياك أن تنزعج بهذا الافتراض الباطل. لا يستطيع أحد أن يأتي إلى الرب يسوع المسيح ما لم يجتذبه الآب. والرب يسوع قال (من يقبل إلي لا أخرجه خارجاً). لا توجد نفس تلتجئ إلى الرب يسوع عن طريق الصدفة أو الخطأ، والذي يقبل الرب يسوع إنما يقبله بدافع إلهي عن طريق نعمة خاصة أعطيت له.

إن كنت تمسك بالرب يسوع المسيح ولو بهدب ثوبه فإن قوة تخرج منه في الحال، وتسري فيك كما لو كان قد دعاك بإسمك. أطرد كل خوف حين تثق بالمخلص. إقبله بكل ترحيب. كل من يؤمن بالمسيح هو من ضمن مختاري الله.

ربما يخامرك شك في أنك قد تهلك رغم إيمانك بالمسيح. وأنا أريد أن أسألك هذا السؤال: ماذا يحدث لك إن كنت لا تؤمن؟؟. لا شك أنك ستهلك حتماً. إذاً فالأفضل أنك تتخذ جانب الإيمان لأن هلاكك وأنت في الإيمان أمر بعيد الإحتمال جداً.

إفرض أنك بقيت في بالوعة اليأس إلى الأبد، فما فائدة ذلك؟؟ لا شك أنه من الأفضل أن يموت الإنسان وهو في الطريق المؤدي إلى المدينة الذهبية من أن يغوص في الوحل وتظلم أفكاره بالشكوك. لقد خسرت كل شيء، ولم يبق شيء بعد لتخسره فحاول أن تتخذ طريقاً آخر وأن تؤمن برحمة الله المقدمة لك.

لكن واحداً يقول (ماذا يكون مصيري لو إنني أتيت إلى الله ورفضني؟؟) وأنا أجيبه بالقول: جرب إن كان الأمر كذلك. إلق بنفسك على الرب يسوع وانظر إن كان يرفضك. يا صديقي، لا تعبر الجسر قبل أن تصل إليه. لا تحكم على النتيجة وأنت لم تبدأ بعد. لما يرفضك المسيح فحينئذ يحق لك أن تيأس ولكن هذا لن يحدث. قيل عنه (هذا الإنسان يقبل خطاة). لقد قبلهم في الماضي، ولا زال يقبلهم حتى هذه الساعة.

سمعت عن رجل ضل الطريق في إحدى الليالي، وخيل له أنه على حافة هوة سحيقة فتعلق بغصن إحدى الأشجار، وأمسك بالغصن بكل قوته معتقداً أنه لو أفلتت يده فسوف يسقط على الصخور التي تحته ويتحطم إرباً. فظل معلقاً والعرق يتصبب منه حتى خارت قواه وإضطر أن يفلت قبضة يده. فسقط ولكن لمسافة قصيرة لا تزيد عن بضعة بوصات، وإستقرت قدماه على أرض مستوية دون أن يصاب بأي أذى، وبقي هناك حتى أشرق الصباح.

هكذا الحال مع الكثيرين الذين في ظلام جهلهم يظنون أنهم سوف يتحطمون إذا كفوا عن مجهوداتهم الذاتية وإستودعوا نفوسهم بين يدي الله. إنهم يخافون من أن يتركوا الرجاء الكاذب الذي يتعلقون به، وخوفهم هذا هو خوف وهمي. أترك أعمال برك، وصلواتك، ومشاعرك. أترك كل هذه الآن، وسوف يهبك الرب يسوع في محبته ، وفي كفاية دمه الثمين، وفي كمال بره، راحة وسلاماً في الحال.

كف عن الثقة بالذات، وألق بنفسك على ذراعي يسوع. لا داعي للخوف فإن الذي تخافه هو الذي سيصبح ضمانك الابدي، ونهاية الرجاء بالجسد هي بداءة حياة الإيمان، وحياة الإيمان هي الحياة الأبدية الخالدة. دع الذات تموت لكي يحيا المسيح فيك.

بعض الناس يخافون من الإيمان كما لو كان شبحاً مخيفاً أو وحشاً مفترساً. يا لكم من مساكين..!! من الذي رقاكم حتى تخافوا من الإيمان والثقة بالله؟؟ إنكم تخافون من مصدر أفراحكم، ومبدد أحزانكم..!! لماذا تهلكون بسبب إختياركم طرقاً أخرى غير التي عينها الله لخلاص البشر؟؟

أسفاً..!! هناك نفوس كثيرة تقول (مطلوب منا أن نثق بيسوع، لكننا سوف نواظب على ممارسة وسائط النعمة). في إمكانك أن تواظب على العبادة ما شئت، لكن هذا لن يحل محل الإيمان، وسوف تصبح عبادتك باطلة. إن الأمر الإلهي يقول (آمن فتحيا). هذا هو المطلوب بغض الطرف عن الأعمال الأخرى التي تقوم بها.

ربما تقول (حسناً.. سوف أقرأ الكتب الدينية وهي التي ترشدني إلى طريق الخلاص). إقرأ الكتب الدينية كيفما شئت، لكن أعلم أنها ليست الإنجيل. يقول لك الإنجيل (آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص).

إفرض أن طبيباً قال للمريض الذي يعالجه (عليك أن تتناول جرعة من الدواء في كل صباح فإن هذا نافع جداً لمرضك). لكن المريض عوضاً عن الدواء تناول كوباً من الشاي كل صباح وقال في نفسه (لست أشك في أن هذا نافع كالدواء تماماً). ماذا يحدث حين يسأله الطبيب قائلاً (هل أطعت أوامري؟؟). يجيب المريض (كلا.. لم أطعها). وحينئذ يقول له الطبيب (إذن فلا تتوقع أي فائدة من العلاج طالما لا تستمع لإرشاداتي).

مرات كثيرة نفعل مع المسيح نفس الشيء، ولسان حالنا يقول (يا رب، أنت تطلب مني أن أؤمن بك، لكني سأفعل شيئاً آخر. يا رب أنا أريد أن أقع تحت تبكيت شديد، وأن يقشعر جسدي من هول الجحيم، أريد أن أنزعج وأخاف..) هذا ما تريده أنت، لكن المسيح يصف لك مجرد الإيمان البسيط بشخصه. إطرح نفسك عليه وهو يخلصك.

ولا يجب أن تفهم من كلامي أنني أمانع في الصلاة وقراءة الكتب الدينية وما إلى ذلك من وسائط النعمة. أنا لا أعارض بالطبع، تماماً كما لم يعارض الطبيب في تناول كوب الشاي. ليشرب كما يشاء، ولكن عليه أن يتمم الوصية التي أعطيت له.

هكذا، ليصل طالب الخلاص، وليقرأ الكتاب المقدس، وليكثر من هذه الوسائط بقدر إستطاعته، لكن ليعلم أن هذه الوسائط لا تحل مكان الإيمان البسيط في المسيح، الذي بدونه تهلك النفس هلاكاً أبدياً. إحذر من أن يوجه الرب يسوع إليك هذه الكلمات التي قالها لليهود قديماً (فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية. وهي التي تشهد لي. ولا تريدون أن تأتوا إلي لتكون لكم حياة) (يو 39:5 و 40) تعال بالإيمان إلى المسيح وإلا فستهلك إلى الأبد.

هل تعلم كيف تتأصل شجرة الشربين في الصخرة الخالية من التربة؟ إنها ترسل شعيرة صغيرة داخل شق من شقوق الصخرة ويتفرع منها مئات الشعيرات التي تتخلل ثقوب الصخرة وشقوقها وتمسك بها بكل قوتها. وهكذا تجد أشجاراً متأصلة في أعماق الصخور لدرجة أنه يصعب نزعها منها.

والآن أيها القلب الصغير، لتكن هذه حالتك، تمسك بصخر الدهور. تشبث به عن طريق شعيرة الإيمان البسيط. دع هذه الشعيرة تنمو وتتشعب منها شعيرات أخرى تتعمق في نفس الصخرة. أمسك بيسوع ولا ترخه. إنم فيه. طوقه بجذور إيمانك وخيوط محبتك له. أنه يرحب بك وعليك أن تثبت وتتأصل فيه كما تتأصل شجرة الصنوبر في سفح الجبل.