العودة الى الصفحة السابقة
ماذا لو لم يأت المسيح؟

ماذا لو لم يأت المسيح؟

القس. جون نور


سؤال خطير تصعب الإجابة عليه، إذ هو سر الأجيال وموضع مشورات الله. كيف إن الإله القدوس البار الساكن في نور لا يدنى منه (1 تيموثاوس 16:6). الذي ينسب للملائكة حماقة والسماء غير طاهرة في عينيه (أيوب 15:15). يتنازل إلى الإنسان الأثيم الفاجر متحداً بالناسوت متخذاً طبيعة البشر بلا خطية، متخلياً عن أمجاده السماوية، صائراً في شبه الناس (فيلبي 8:2)؟!. لكن «عظيم هو سر التقوى، الله ظهر في الجسد»(1 تيموثاوس 16:3).

جاء إلى أرضنا، وحلّ بيننا، فأزال، بحقيقة مجيئه، مخاوف ذلك الافتراض السلبي، وبذلك انكشفت للبشرية تلك الأسرار الغامضة واطمأنت بتنازله ورحمته النفوس المسكينة الحائرة.

قد يحلو للكثيرين من المعاندين أو الملحدين، من المتكبرين أو المتفلسفين، أن يتحدثوا عن بشرية بدون المسيح، لكن كم هو مرعب أن نتصور عالمنا الحاضر بدون المسيح، يحكمه العقل أو تسيطر عليه الشهوات! ويكفي أن نذكر هنا لمحات بسيطة عما كان يراه الإنسان في الله لو لم يكن المسيح قد جاء.

كنا سنرى سماء غاضبة لا نرى فيها غير العداوة والقساوة، ولا نسمع فيها غير البروق والرعود. عدلاً إلهياً يطالب بالانتقام، وسماء مزمجرة تمطر البشرية بوابل من الأوجاع والآلام. لكننا في المسيح المتجسد قد عرفنا السماء الحانية، واستمعنا إلى الأناشيد الملائكية الخالدة، وفرحنا بإعلانات المحبة الإلهية الكاملة.

وكنا سنرى أيضا دينونة رهيبة لأن الله لا يتساهل مع الخطية أو يتهاون في عقابها، ولا بد أن يسكب الله جامات غضبه على خليقة عاصية متمردة، لأنه «وضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة» لذلك جاء الرب يسوع ليخرجنا من ساحة القضاء والدينونة أبرياء، لأنه «لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح» (رومية 1:8).

أيضا كنا سنرى نفوساً حائرة لا تعرف كيف الوصول إلى الله أو الحصول على عطفه ورضاه، كما أنها تجهل الطريق للانتصار على الخطية أو التمتع بحياة الفضيلة والسلوك في موكب القداسة. ورغم المعبودات الكثيرة بين الفراعنة والفرس والهنود والإغريق والرومان وغيرهم، فلم تستطع هذه جميعها أن تهب الإنسان سلاماً أو طمأنينة. ولم يستطيعوا أن يقدموا للعالم نوراً كافياً عن الإله الواحد الحي الحقيقي، رغم أنهم قد استؤمنوا على أقوال الله. لكن مجيء المسيح المبارك قد أنار لنا الحياة وأعطى المؤمنين به سلاماً وطمأنينة، إذ هو مريح التعابى، بل هو واهب الحياة.

وكنا سنرى أيضا ظلمة دامسة يعيش فيها الإنسان وهو لا يدري من أمر مستقبله الأبدي شيئاً، بل جهل مطبق بما ينتظره بعد الموت. ورغم الفلسفات المتعددة والتعاليم المختلفة عن الخلود فقد بقيت الأمور الأبدية طلاسم يصعب الخوض فيها. إلى أن جاء الرب يسوع فكشف لنا أسرار الأزل وأعماق الأبد، بدد ظلمة القبر وأنار لنا حياة الخلود، وأعطى الرجاء بالحياة الأبدية السعيدة لكل من يؤمن به. فلسنا بعد نتخبط في بيداء الجهالة، لكننا نعلم أن الرب نفسه الذي صعد إلى السماء بعد أن أتم عملية الفداء سيأتي ثانية ليقيم الراقدين ويغير الأحياء فلسنا نخشى ظلمة القبور التي تبلى، بل ننتظر بإيمان الرجاء الحي الذي يبقى، حين ندخل إلى ذلك الميراث الذي لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل (1 بطرس 4:1). لأننا نعلم أنه متى أظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو (1 يوحنا 2:3). حينئذ يغير شكل جسد تواضعنا لنكون على صورة جسد مجده (فيلبي 21:3)، ويدخلنا إلى بيته الأبدي وراحته الخالدة.

وكنا سنرى خطية باقية أو خطية غير مغفورة. وكيف تغفر الخطية بدون ذبيحة، إذ بدون سفك دم لا تحصل مغفرة (عبرانيين 22:9). فلقد تعدى الإنسان وصية الله وأصبحت الخطية طبيعة فيه، كل الرأس مريض وكل القلب سقيم (إشعياء 5:1)، الجميع زاغوا معاً وفسدوا وأعوزهم مجد الله. وهكذا سادت الخطية على النفوس البشرية تحمل في طياتها آلامها وأوجاعها، وتصلي المستعبدين لها بنار شرورها وآثامها.

هذه لمحة خاطفة – ولو أنها مروعة – عن بشرية بدون مسيح. ولا شك أنه مخيف ومرعب أن نسترسل في هذا الفكر، لذلك يجدر بنا أن نتحول إلى الحقيقة الناصعة، أن الرب يسوع قد جاء. وفي هذا نذكر ملاحظتين ختاميتين تظهران جانباً منيراً مبهجاً لهذا الموضوع الخطير:

الملاحظة الأولى: لو لم يأت المسيح – له المجد – لحرم الإنسان من بهجة التمتع بالله. بل إني أقول في جرأة – هي مزيج من الاحترام والمحبة – إن الله كان يحرم من التمتع بالإنسان، إذ يقول الرب: «لذاتي مع بني آدم» (أمثال 31:8). وما أجمل المشهد الأخير حينما يبتهج الرب بمفدييه ليكون هو بكراً بين إخوة كثيرين (رومية 29:8)، عندما نطرح أكاليلنا عند قدميه قائلين: مستحق أنت أيها الخروف المذبوح أن تأخذ المجد والكرامة والعظمة والسلطان.. لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل أمة وقبيلة ولسان وشعب وجعلتنا ملوكاً وكهنة لله أبيك (رؤيا 9:5-13).

الملاحظة الثانية: لو لم يأتِ المسيح – تبارك اسمه – لحرمت من بركات كثيرة، إذ كنت أحرم من أثمن عطية وهي الخلاص.ومن أشرف نسب وهو البنوة لله..ومن أكبر قوة للانتصار وهي الطبيعة الجديدة..ومن أكمل راعِ وهو الراعي الصالح..ومن أقدس معلّم وهو المعلّم الصالح..ومن أمجد خدمة وهي خدمة المسيح..ومن أجمل شهادة وهي الشهادة لدم المسيح..ومن أفضل كرازة وهي الكرازة بالخلاص بإنجيل المسيح..ومن أمجد شركة وهي شركة الأحباء القديسين..ومن أبهج رجاء وهو الخلود السعيد..

ومن أقدس مكان وهو سماء المجد، حيث مسكن الله مع مفدييه..

شكراً لله .. لقد جاء يسوع – له كل المجد ليخلصني ويخلصك.