العودة الى الصفحة السابقة
أعظمهن المحبة

أعظمهن المحبة

القس. جون نور


أساسيات المسيحية ثلاثة، هي: الإيمان والرجاء والمحبة.

الإيمان هو العملة التي نتعامل بها مع الرب يسوع في فترة غيابه عنا في الوقت الحاضر، وفي طريق الإيمان ننتظر مجيئه الثاني إلينا، هذا هو رجاؤنا، إذاً سيأتي الوقت الذي فيه يبطل الإيمان ويتحقق الرجاء بمجيء المسيح.

إننا لا نستطيع أن ننكر عظمة الإيمان لأننا به خلصنا، كما أن الرجاء عظيم لأن موضوعه انتظار مجيء المسيح الثاني، ومع هذا فالمحبة أعظم من كليهما، أي من الإيمان والرجاء، لأنها ستبقى أبد الدهور. إن أنشودة المحبة التي نرنمها الآن ستتواصل معنا في بيت الآب عندما نجلس على العروش ونرى الحبيب في الوسط ونرنم الترنيمة الجديدة.

صفات المحبة

يذكر الوحي في إصحاح المحبة (1 كورنثوس 13) أربعة عشر صفة للمحبة: سبعة إيجابية، سبعة سلبية:

  1. تتأنى: التأني يعني احتمال الاستفزاز والإثارة، بصبر. أحياناً يخطئ إليّ أخي ويسيء إليّ وقد لا يدري، ولكن المحبة تتأنى ولا تتسرع.

  2. ترفق: المحبة تشفق على الأخ المخطئ، وتلتمس له العذر، لأنه لولا أنه ضعيف روحياً والشيطان غربله، ما كان أساء إلى أخيه. ولا ننسى أن طول الأناة والرفق من صفات الرب يسوع.

  3. لا تحسد: الحسد ميل في القلب، واشتهاء أن يكون لي ما للآخرين. يقول الكتاب عن يوسف «فحسده إخوته» (تكوين 11:37). وعن اليهود أنهم أسلموا الرب يسوع حسداً. لكن المحبة تسر بنجاح الآخرين وإكرامهم وتتمنى لهم كل ما هو أفضل.

  4. لا تتفاخر: تدرك أن ما عندها هو هبة من الله. ولنتذكر أن التفاخر والانتفاخ من صفات الذات الإنسانية، لكن الإنسان لا يملك شيئاً يمكنه التباهي به.

  5. لا تقبح: الذي يسلك بالمحبة يتحلى بدماثة الخلق، ويحرص على مراعاة مشاعر الآخرين، ولا يتصرف تصرفاً غير لائق في شيء، في الكلام أو التصرف.

  6. لا تطلب ما لنفسها: المحبة تهتم بالآخرين قبل كل شيء. طلب الإنسان ما هو لنفسه أساسه محبة الذات، والأنانية. مكتوب «لا تنظروا كل واحد إلى ما هو لنفسه، بل كل واحد إلى ما هو لآخرين أيضاً» (فيلبي 4:2).

  7. لا تحتد: مستعدة لاحتمال الازدراء والإهانة، لا ترفع الصوت عالياً على الآخرين «ليرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح» (أفسس 31:4). «وأما الآن فاطرحوا عنكم أنتم أيضاً الكل الغضب السخط» (كولوسي 8:3).

  8. لا تظن السوء: لا تنسب لغيرها الدوافع السيئة – وهي خالية من المكر والرياء.

  9. لا تفرح بالإثم: الطبيعة البشرية تفرح لما هو شرير، خاصة إذا أحس المرء أن هذا الأمر الشرير يفيده شخصياً. هذا ليس من روح المحبة في شيء. عندما أسمع أن أخي وقع في زلة، أحزن، وأصلي لأجله إلى أن ترد نفسه، ولا أشهر به.

  10. تفرح بالحق: كما تحزن المحبة وتبكي لسقوط الآخرين فإنها تفرح بالحق فيهم.

  11. تحتمل كل شيء: تصبر وتستر عيوب الآخرين وأخطاءهم، المحبة لا تشهر بالآخرين، وفي ذات الوقت يجب أن تكون حازمة ولا تتستر على الخطأ.

  12. تصدق كل شيء: تحاول تفسير الأحداث والتصرفات بنية حسنة، على أننا لا نستطيع أن نحكم على الدوافع والنوايا. فالذي يحكم فيها هو الرب.

  13. وترجو كل شيء: تشتهي بكل جدية وإخلاص أن تؤول كل الأشياء للأفضل.

  14. وتصبر على كل شيء: وذلك في طريق الاضطهاد من الآخرين، واحتمال الآلام من أجل المسيح، وعندما نفرح في الرجاء نصبر في الضيق.

وفي النهاية إن المحبة الحقيقية لا تنظر إلى ما تستطيع أخذه من المحب، ولكن ما تستطيع أن تعطيه وتبذله، فالمحبة معطاءة باذلة وليست مستحوذة ناهمة. والله حينما أحب، بذل أغلى ما عنده «ابنه الوحيد» . والمسيح، كمن هو المعبر عن الله، ضرب أعظم الأمثلة في البذل والعطاء، فقيل عنه «أخلى نفسه» (فيلبي 7:2)، «أسلم نفسه» (أفسس 2:5 ، 25)، «سكب للموت نفسه» (إشعياء 12:53). وقد عبر أحدهم قائلاً: «في المسيحية، الله بذل ابنه من أجل البشر، وفي الديانات الوثنية، البشر يبذلون أنفسهم في سبيل معبودهم» (2 ملوك 27:3).

المحبة ليست عاطفة محبوسة في القلب، ولكنها متحركة معبرة عن نفسها، ليس فقط مجرد كلمات، مهما كانت رقتها، ولكن بموجب أعمال وأفعال تحرك إرادة المحب في اتجاه المحبوب لتأخذ بيده وتفي احتياجاته، بل وترفع من شأنه لكي تفتخر به أمام الجميع.

فخلاصة القول: إن محبة الله هي سترنا وهي قاعدة رجائنا وهي مركز أفراحنا ومصدر إيماننا وأساس نعمته الغنية المتجهة نحونا وحبنا هو صدى وانعكاس لحبه لنا (1 يوحنا 19:4)، ويقيننا أنه لا شيء يقدر أن يفصلنا عن هذه المحبة التي في قلبه من نحونا (رومية 39:8)، فهي ترسل بأشعتها الدافئة فتحصر كل جوانب حياتنا (2 كورنثوس 15:5)، وكل الذي علينا أن نحفظ أنفسنا في نطاقها (يهوذا 21) فنستمتع بدفئها ونتلذذ بفيضها.