العودة الى الصفحة السابقة
ما هي حياتكم؟

ما هي حياتكم؟

جون نور


لأنّه ما هي حياتكم؟ رسالة يعقوب 14:4

قرأت عن رجل وُجد جثة هامدة في الصحراء. وكان يضع حول خاصرته كيسا مليئاً بالجواهر التي تساوى الآلاف، ولكنه مات لأنه لم يجد الماء. وهكذا كثير من الناس حولنا يموتون روحياً لأنه يعوزهم ماء الحياة الذي يُقدم لهم بلا فضة ولا ثمن. وهذه مأساة من يكنزون لأنفسهم أموالاً بينما هم ليسوا أغنياء في الله.

الناس في الحياة انواع ، فمنهم:

من يقيس الحياة بمقدار ما يتمتع به فيها من ممتلكات:

أولئك هم الذين يعيشون للمادة وحسب. لكنّ المسيح قال: {فإنّه متى كان لأحد كثير فليست حياته من أمواله} (لو 15:12). ها هي السيارات الفخمة التي تجوب الشوارع، وها هي الملابس الغالية، والجواهر الثمينة؟ هي كذلك اليوم، ولكن غداً ماذا ستكون؟ خردة، وعث، وضياع!. ومع هذا فإن الناس يكنزون لهم كنوزاً على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون.

سمعت خطيباً عظيماً يقول: {من يعيشون للمال يصرفون النصف الأول من حياتهم للحصول عليه من الآخرين، ويصرفون النصف الثاني من حياتهم لإبعاد الآخرين عنهم}.

وكما أنّ أيّ قطعة صغيرة من النقود تستطيع أن تحجب الشمس عنا، هكذا أي مبلغ ولو كان زهيداً يمكن أن يحجب الله عنا. في هذه الأيام يصرف الناس حياتهم ليحصلوا على الثروة، ثمّ بعد ذلك يصرفون ثروتهم طلباً للصحة. أمّا نحن فيحوّل الله أنظارنا إلى شخصه للحصول على الحياة الأبدية والغنى السماوي.

وهنالك بعض من الناس من يقيس الحياة بمقدار ما يتمتع به فيها من الملذات:

إنّ الملايين في أيامنا هذه يظنون أن السعادة الحقيقية هي في التمتّع والترف والتنعّم، هؤلاء البؤساء الذين يركضون بكل ما فيهم من جهد، ويلهثون وراء هذا السراب الكاذب من الملذات، لا يعرفون أن اللذة الحقيقية في اتّباع المسيح والسير في طريقه.

بطرس تلميذ يسوع كان صيادا للسمك معتادا ان يصطاد السمك على بحيرة طبريا لكن عندما دعاه يسوع قال له من الان ستكون صيادا للناس ستصطاد خطاة وتدعوهم الى ملكوت الله. وترك بطرس شباك الصيد ووضع حياته من اجل ان يصطاد خطاة يقبلون الى ملكوت الله . ان الذين يتبعون الله ويصدقون دعواه سيصيبهم أيضا ما أصاب خادم الله المشهور {سام جونز} حيث قال هذه الكلمة: {كنت أجول وجيوبي ملآنة بالحصا حتى قابلني المسيح وقال لي : اطرح هذا الحصا فأعطيك بدلا منها جواهر. وهذا ما حصل فلقد أعطاني الرب المئات بل الالوف من الجواهر التي قبلت الرب وسمعت رسالته وآمنت به} .

وهنالك بعض من الناس من يقيس الحياة بمقدار ما يعرف من نظريات

إنّ العالم لم يعرف الله بالحكمة. فيحاول بعض الناس أن يتلمسوا طريقهم في الحياة بشمعة العقل، وفاتهم أن الله أخفى الأشياء العظيمة عن الحكماء والفهماء وأعلنها للأطفال. كم من باحث ينقب في الموسوعات والمجلدات الضخمة في المكتبات الواسعة بحثاً وراء الحق، بينما العامل البسيط الذي يكنس الشارع قد وجده في المسيح.

فإذا كانت المقاييس الصحيحة للحياة ليست في الممتلكات، ولا في الملذات، ولا في النظريات، فأين ترى تكون؟! والجواب على ذلك هو: {في الحق}. في محاكمة المسيح أمام بيلاطس قال: {مملكتي ليست من هذا العالم}، أي ليست مبنية على الممتلكات الأرضية ولا الملذات الجسدية ولا النظريات الخيالية. {لهذا قد ولدت أنا، ولهذا قد أتيت إلى العالم، لأشهد للحق. كل من هو من الحق يسمع صوتي} (يو 36:18 و 37)، فسأله بيلاطس بتضجر: {ما هو الحق؟} (يوحنا 38:18). وإلى يومنا هذا يسأل الناس نفس السؤال: {ما هو الحق}، وهذا سؤال خطأ إذ يجب أن يكون: {من هو الحق؟}. هو المسيح الحق الذي قال: {أنا هو الطريق والحق والحياة} (يوحنا 6:14)، لذلك قال الرسول بولس: {لأن لي الحياة هي المسيح} (فيلبّي 21:1). وهنا يعطينا الوجهة الصحيحة للحياة بمقياسها الصحيح. لم يقل: لي الحياة لأجل المسيح، أو مثل المسيح، بل{لي الحياة هي المسيح}.

كان المسيح هو كل شيء للرسول بولس: هو مصدر الحياة وقوامها وهدفها {لي الحياة هي المسيح}. لم يكن لبولس أيّ خطط أو مشروعات أو أهداف أو مطامع لنفسه. ولم يكن يحاول أن يعيش مثل المسيح، بل كان المسيح هو الحياة له. هذه هي الحياة بمعناها الصحيح: ليس أننا نتخذ من المسيح مثلاً، بل بعملية التجديد اي قبولنا للمسيح ربا ومخلصا لحياتنا يدخل المسيح بشخصه إلى حياتنا المسلَّمة له فيحيا فينا. وليس قصده أن يصلحنا أو يحسّن حالتنا، بل أن يستولي على زمام الأمر فينا.

ما هي الحياة بالنسبة لك؟ أهي ضرب من الزبد المتلاشي على وجه المياه، أو الجري بكل قوتك وراء السراب الخادع الذي لا تدركه أبداً، أو التطلّع إلى السفن التي لا ترسو على برّ أبداً، أو مطاردة أكياس الذهب المربوطة في أطراف قوس قزح المتلاشي وراء الأفق البعيد؟… إنّك لن تجد الحياة حتى تجدها في المسيح، لأنه هو الحياة.